عندما استولى حزب الاتحاد
والترقي على السلطة في الإمبراطورية العثمانية في مطلع القرن العشرين، كانت
السلطنة تعاني من الضعف في سلطتها ومن تدخلات السفارات والقنصليات الأوروبية
في سياستها الداخلية. فيما كانت هذه الدول تنتظر الاتفاق بينها على اقتسام
أراضي الأمبراطورية.
حاول هذا الحزب فرض سياسة التتريك على
العرب معتبرين أن ذلك وسيلة لإلغاء انقسام الاتنية العربية تفاديًا لمزيد من
التفكك والضعف بعد خسارة الولايات الأوروبية والأفريقية. غير أن العرب رفضوا
هذه السياسة وطالبوا باحترام قوميتهم العربية وخاصة أن لغتهم هي لغة القرآن
الكريم.
لمواجهة هذا المنحى، خطط العثمانيون
للتخلص من القوميين العرب والأقليات المسيحية. وهذا ما أعلنه أنور باشا صراحة
في عاليه بحضور جمال باشا خلال زيارته في نيسان 1916، عندما قال: "لن تستعيد
الحكومة حريتها وشرفها إلاّ عندما تتطهر السلطة العثمانية من الأرمن
واللبنانيين، قضينا على الأرمن بالسيف وسنقضي على الآخرين بالمجاعة"، وفق
رسالة سفير فرنسا في القاهرة دو فرانس إلى رئيس حكومته بريان في 19 أيار 1916
الموجودة في وثائق وزارة الخارجية الفرنسية.
اندلاع الحرب العالمية في آخر تموز 1914
كان الفرصة المنتظرة للتخلص من الهيمنة الأجنبية وتنفيذ هذا المخطط. قررت
السلطة بقيادة أنور باشا وطلعت باشا وجمال باشا التحالف مع المانيا ضد فرنسا
وانكلترا وروسيا لأن المانيا ليس لديها سياسة استعمارية بعكس الدول الأخرى.
بعد مفاوضات دامت أكثر من شهرين مع هذه الدول، أعلنت الحكومة الحرب على فرنسا
وانكلترا وروسيا، وطردت قناصل وسفراء العدو ومن أراضيها.
كان جبل لبنان يتمتع باستقلال ذاتي حسب
بروتوكول 1861 للمتصرفية بضمانة من الدول العظمى الاوروبية. وكانت السلطة
العثمانية تعتبر المتصرفية أمرًا واقعًا ينتهك سيادتها وتترقب الفرصة
الملائمة لإنهائه.
عُيّن جمال باشا قائدًا أعلى للجيش
الرابع وحاكمًا عامًا للمنطقة التي تضم سوريا ولبنان وفلسطين. وكانت مهمته
السيطرة على متصرفية لبنان ووضع حد للاستقلال الذاتي وكذلك قمع القوميين
العرب وطرد الإنكليز من مصر. وقبل قدومه الى دمشق لإستلام مهامه، أمر قيادة
جيشه باجتياح جبل لبنان، بالرغم من أنه لا يزال أرض عثمانية. في 22 تشرين
التاني، بدأ الجيش العثماني بغزو المتصرفية من دون مقاومة، وسط استغراب
السكان. ولكن هذا الجيش فقد أكثر من مئتي جندي بسبب العاصفة الثلجية التي
ضربت الجبل. وانتشرت الفرقة على طريق ترشيش وضهور الشوير وبكفيا متوجهة نحو
الساحل، ومعتدية على الأهالي المسالمين وعاملتهم كأنهم أعداء: لقد بدأت
المجزرة.
احتلت القوات العثمانية المدارس
والجامعات والدوائر التابعة للإرساليات الأجنبية مثل الجامعة اليسوعية ومدرسة
الفرير التي حولت كنيستها الى جامع، ومدرسة الناصرة وغيرها من المؤسسات
الدينية. وحولت بعض الأديرة الى ثكنات عسكرية مثل دير مار شعيا ودير بيت
مري.
كما أنشأت المحكمة العرفية في عاليه التي
قامت بتعذيب المطلوبين والحكم عليهم بالنفي والإعدام والسجن الى أن أصبحت
مرادفًا للذعر. وبدأ البلد يعيش تحت نظام الرعب، حيث المواطن يتهم جاره
لغايات شخصية والبريء يُحكم عليه من دون حضور محاميه. مسرحية عدالة حكمت على
العديد من النخب بالنفي والحبس أو الموت البطيء والشنق. وكان أول الشهداء
الخوري يوسف الحايك الذي أعدم في دمشق. وتبعه عشرات من الشرفاء من القوميين
العرب والقوميين اللبنانيين. جرمهم أنهم طالبوا بالحرية والعدالة والكرامة
حتى أن جمال باشا حكم بالقتل على أعز صديق له الشهيد عبد الكريم الخليل. ولم
يتوقف القتل إلاّ عندما هدده الشريف حسين قائد الثورة العربية بتصفية فرقة
بأسرها في المدينة المنورة، إذا تكررت الإعدامات.
في هذه الأجواء المرعبة، اتجه الطاغية
جمال باشا السفاح الى الشق الثاني من مخططه وهو إبادة اللبنانيين بالمجاعة.
بدأ بمحاولات لترهيب الإكليروس من بطاركة
وأساقفة لمنع أي مقاومة. نفى عددًا منهم، من جميع الطوائف والمذاهب، وعمل على
إخضاع البطريرك الماروني الياس الحويك بالتهديد والإذلال وبالترغيب مستعملاً
جميع الطرق وصولًا إلى اتهامه بالعمالة لفرنسا والخيانة ملوحاً بالشنق في
اللقاء الأول بينهما في صوفر، لكن غبطته أجابه بهدوء: "عندما كانت دولتنا
تتعامل مع فرنسا تعاملنا، وعندما قاطعت فرنسا قاطعنا"، وفي ذلك، إشارة مبطنة
الى ميول جمال باشا الفرنكوفونية. وفي مرحلة لاحقة احتجزه في صوفر، وحاول
تدريجياً نفيه لكن التدخلات الدبلوماسية حالت دون ذلك.
هذه السياسة العدائية تجاه المسيحيين،
وبخاصة ضد البطريرك الماروني الذي كان زعيمهم المعنوي والفعلي أظهرها جمال
باشا منذ أول لقاء في دمشق مع الوفد الممثل لغبطته عندما ألزم الإكليروس
الماروني، أسوة بالمذاهب المسيحية الأخرى، بالحصول على فرمان من إسطنبول
للقيام بمهامهم، وإلاّ منعهم منها، متجاهلًا احتجاج الوفد البطريركي الذي شدد
على أنه منذ احتلال العثمانيين للمنطقة لم يسبق أن طلب الإكليروس الماروني
هذا الفرمان. وإمعاناً في محاولة إذلال البطريرك، كان جمال باشا يلقّبه
بالأفندي أي الموظف في الدولة. ووضعت السلطة يدها على مكاتب البريد وراقبت
الصحف والتحويلات المصرفية للبنوك التي لم تغلق أبوابها. وأصدرت الليرة
الورقية بدلًا من الذهبية للاحتفاظ بالذهب احتياطاً للحرب. وصادرت السلطات
المواشي التي كان عددها حوالي 30000 رأس التي كان ثلثها يستخدم في الزراعة
ووسائل النقل، ووضعها بتصرف القوى العسكرية. غير أن بعض النافذين أُعفوا من
هذا الإجراء لقاء دفعهم الأموال للحصول على تصريح بالاحتفاظ بوسائل النقل
لهم. اتخذ جمال باشا أيضًا قرارًا بوضع اليد على المحاصيل الزراعية كالقمح
والحبوب لمصلحة الجيش وطلب نقلها الى المستودعات على أن يتم توزيع نسبة منها
على الشعب.
لنلق نظرة سريعة على الوضع الاقتصادي في
جبل لبنان.
كانت مساحة المتصرفية 3200 كلم مربع منها
400 كلم مربع صالحة للزراعة وتكفي لإطعام 60000 نسمة. عدد السكان 414800 نسمة
(إحصاء 1913) مؤلفة من 329483 مسيحي و85232 مسلم من بينهم 47290 درزي.
العائدات المالية للمتصرفية 220 مليون قرش موزعة كالآتي: 9% زراعة، 9% سياحة،
4.5% صناعة، 60% أموال من المغتربين، 20% من الحرير أي ما نسبته 80% من
الخارج.
أما الغذاء الأساسي للبناني فكان الحبوب
والقمح الذي كان استهلاكه 21000 طن سنوياً فيما الإنتاج المحلي لا يتعدى 1500
طن. ومن الواضح إذًا أن استيراد القمح والحبوب أمر إلزامي لتغطية النقص
الكبير.
بعد تركيز سياسة الإرهاب والظلم ووضع
اليد على الموارد الزراعية والحيوانية أمر جمال باشا بحصار بري شامل على جبل
لبنان مانعاً استيراد المواد الغذائية بجميع أنواعها وكذلك السلع
الاستهلاكية. وبقي القطار الذي كان يصل سهل البقاع بمحطة الحدت المصدر الوحيد
لدخول الحبوب الى الجبل وبيروت ولكن تحت إشراف السلطات العثمانية. الحصة
الكبيرة كانت للجيش والباقي كان يوزع على المناطق والتجار وشركاء المسؤولين
الأتراك وفق أفضلية لا معايير لها سوى رضى الأتراك. فأصبح الاحتكار سيد السوق
وأدى الى أنّ ارتفاع جنوني للأسعار، فازداد مثلًا سعر رطل القمح بنسب وصلت
إلى عشرة أضعاف. وقد استفاد منه المحتكرون وجمعوا ثروات طائلة مالية وعقارية.
في المقابل، فرضت البحرية الفرنسية
والانكليزية حصارًا على شواطىء لبنان ومنعوا وصول أو مغادرة أي مركب حتى
للصيد. احتل الفرنسيون جزيرة أرواد مقابل طرطوس والقريبة من الشاطئ اللبناني.
وأصبحت أرواد المتنفس الوحيد للبنان مع الخارج وجرى استحداث خط تواصل بين
القوة الفرنسية في الجزيرة والبطريركية المارونية من خلال مراكب صغيرة كانت
تنقل التحويلات النقدية لأهل المغتربين والمراسلات وقليل من الأدوية
والأشخاص. كذلك إستمرت بعض الجمعيات الأميركية بنقل تحويلات المغتربين
المالية الى أهلهم في الوطن بالرغم من اعتراض الانكليز الذين كانوا يعتبرون
أن هذا التدفق الضئيل من المال يصب في مصلحة العدو التركي.
المصالح العليا أهم من حياة الناس بعيون
سياسات هذه الدول. عند وصول خبر المجاعة الى المهاجرين في الولايات المتحدة،
قام هؤلاء بجمع المساعدات الغذائية وأرسلوها الى بيروت على متن سفينتين.
وعندما وصلتا الى ميناء الإسكندرية، احتجتزهما البحرية الانكليزية ومنعتهما
من الإبحار الى بيروت حتى نهاية الحرب، بالرغم من موافقة الحكومة العثمانية
على السماح للقنصلية الامريكية بتوزيع هذه المساعدات، علماً أنّ الدبلوماسية
الأمريكية لم تغادر الأراضي العثمانية لأنها واشنطن لم تعلن الحرب على
السلطنة.
هناك تساؤلات عن بعض تصرفات الدول العدوة
للسلطنة والمفترض أن تكون صديقة للبنانيين وللشعوب المحتلة، وهناك تساؤلات عن
بعض التصرفات مثل عدم إتلاف أوراق ووثائق القنصلية الفرنسية قبل ترك القنصلية
بيد الأتراك. لماذا عندما داهمها الوالي توجه مباشرة الى المخبأ السري في
جدران مكتب القنصل فرنسوا جورج بيكو، ووضع يده على هذه الأوراق التي استعملها
لشنق ونفي وسجن أشراف الرجال بالمنطقة. كذلك لماذا ساهمت انكلترا بالمجاعة
عند حجز المساعدات من أمريكا؟
تميل الذاكرة الشعبية اللبنانية إلى
تحميل الجراد مسؤولية المجاعة التي ضربت جبل لبنان وحصدت حياة أكثر من ثلث
شعبه. وفي هذا شيء من عدم الدقة.
في الواقع، غزا الجراد الجبل في 13 نيسان
1915 لمدة ثلاثة أشهر ثم غادر وعاد في الخريف لفترة قصيرة وأكل الأخضر
متسببًا بزيادة مصائب الناس خاصة الفلاحين. لكنه لم يكن ليسبب المجاعة لولا
وجود الحصارين البري والبحري، ولولا ارتفاع نسبة البطالة ونفاد المدخرات
وغلاء أسعار السلع الغذائية تدريجياً ولكن باستمرار، ولولا تدنّي قيمة الليرة
الورقية من 101 قرش الى 4 قروش ذهبية خلال هذه الفترة.
أمام هذا الواقع الإقتصادي الأليم
وإرتفاع الأسعار بإستمرار، فقدت السلع الإستهلاكية والمواد الغذائية
والمشتقات النفطية المستوردة من الخارج وصارت بأيدي المحتكرين شركاء
الأتراك.
باع اللبناني تدريجياً حليه وثيابه وأثاث
بيته وأبوابه وشبابيكه وأمتعته ثم مع استمرار المجاعة باع بيته وأرضه مقابل
بضعة أكياس من الطحين. وعندما فقد اللبنانيون كل شيء، انتقلوا الى المدن
الساحلية باحثين عن عمل ما يمنحهم قليلًا من المال ليعيشوا. لكن وضع الساحل
لم يكن أفضل من الجبل بكثير. وكان الطحين مقطوعًا عن بيروت ولكن بتقطع بالرغم
أنها ليست من ضمن جبل لبنان. الخبز كان يوزع بتقنين بمعدل كيلو ونصف للعائلة
مرتين بالأسبوع، وكان ينقطع بالكامل في بعض المراحل. بدأ الجوع يضرب لبنان في
صيف 1915 عندما أطبق الحصاران البري والبحري على لبنان. ووصل الى حدود
المجاعة في 1916 التي بلغت ذروتها في العامين 1917 و1918. واستمرت حتى تشرين
الثاني 1918 عندما دخلت القوات الانكليزية الى بيروت وعملت على تحريرها من
الاحتلال العثماني بعد أربعة قرون من الطغيان والانحطاط الثقافي بالرغم من
بعض محاولات الاصلاح الفاشلة. وكانت أعداد المشردين في البلاد تفوق الخيال:
البلد مدفن أموات وأحياء يوشكون على الموت. أشكال بشرية مكونة من هيكل عظمي
مغطى بالجلد بدون أظافر ولا شعر ولا أسنان تتنقل بصعوبة باحثةً عن أي شيء
تأكله.
نساء بعن شرفهن لإطعام أولادهن وإبقائهم
على قيد الحياة - (يا للمعاير، يا لمرضى
العقول المنحطين، 200 الف انسان ضحية مجاعة هو حلال وفخر الشرف، امراة او
نساء باعوا اجسادهم هو حرام وانتقاص الشرف، رجال اشتروا اجساد نساء وباعوا
اجسادهم حلال وفخر الشرف).
ازدادت السرقات والإحتيالات. كان الجائع مستعدًا لأن يقتل للحصول على رغيف.
بالمقابل كان الأثرياء والمحتكرون يهنأون بحياة مترفة ومرفهة. يرمون نفاياتهم
للجائعين فيتهافت عليها هؤلاء بحثًا عن قشر الليمون أو فضلة أي غذاء يأكلونه.
حتى وصل البعض الى حد أكل القمامة والتفتيش على حبة قمح بين روث البهائم.
ولكن بالرغم من كل المحاولات كانوا يموتون على الطرقات وفي الأحراج من الجوع
أو من الأمراض الي انتشرت في البلاد لانقطاع الأدوية بسبب الحصار أيضاً. فقد
اللبناني مناعته بسبب ضعف جسمه وأصيب بالكوليرا والحمى الصفرا والتيفوئيد
وغيرها من الأوبئة.
تحول البلد الى بيئة يسيطر عليها الموت
وكانت عربات البلديات تقوم كل صباح بتجميع الجثث المنتشرة على الطرقات
والمتوفين من الجوع خلال الليل في بيوتهم. فتنقلهم الى حفر جماعية وترميهم
فيها وتغطيتهم بالكلس لمنع انتشار الأمراض بدل الصلاة على
جثامينهم.
بعد أن امتلأت المدافن بالأعداد الهائلة
من الضحايا، فقدت العادات الدينية والإجتماعية في بعض الأماكن. كيف يمكن وصف
هكذا جريمة إنسانية وما أصاب الناس الجائعين من ألم وعذاب؟
استمرت هذه الحال حتى بعد استدعاء جمال
باشا السفاح الى اسطنبول بطلب من الالمان الذين اختلفوا معه على طريقة إدارة
الأعمال الحربية، إذ لم يستطع تسجيل أي انتصار كل هذه الفترة بل هزم في معركة
اجتياح السويس وعاد منهزماً الى دمشق عندما هاجم الانكليز في بداية 1915.
خلفه جمال باشا المسمى الصغير الذي كان رئيس أركان الجيش الرابع لتمييزه عن
السفاح. لكن اسم الطاغية، وحتى ولو تغير الشخص، يبقى عنوان الرعب. تقدمت
القوات الإنكليزية حتى طردت القوات العثمانية من بيروت والجبل. شاهدت منظرًا
لا تصدقه الأعين وصف بأنه أشد مأساة من مناظر المجاعات في القرون الوسطى
وتخطّى المفاهيم الإنسانية والمنطقية. هل يتخيل أحد أن اللبنانيين أكلوا
مواطنين مثلهم؟ هذا حصل في طرابلس وغزير والدامور وغيرها من المناطق. ففي
طرابلس اكتشفت بئر مليئة بعظام أولاد أجرى القضاء تحقيقات بينت أنهم أُكلوا.
وفي الدامور أب أكل ابنته، وفي غزير وجدت جثث أولاد أيضاً بنفس الحالة. أحد
أصدقاء جمال باشا السفاح قال له إن اللبنانيين جائعين، فأجابه الباشا: "لم
يأكلوا بعضهم بعد".
في الحصيلة تقريبا 180000 انسان ضحية.
وعند دخول الجيش الانكليزي طلب قائده إغاثة غذائية ملحة لـ 175000 شخص و835
قرية ولإيواء أكثر من 10000 يتيم وآلاف الفتيات على سبيل المثال: في البترون
بقي 2000 نسمة من أصل 5000، عبدللي 150 من أصل 3000، في الزوق 7 من أصل
300.
لم تقتصر المجازر على اللبنانيين فقط، بل
شملت الأشورين حوالي 300000 ضحية واليونانيين 200000 ضحية والأرمن حوالي
مليون ونصف ضحية والعرب حوالي 100000 ألف ضحية.
نجا حوالي خمسين بالمئة من سكان الجبل من
المجاعة والأمراض ومن عواقبها الصحية، ولكن آثارها تتابعت عبر موجات من
الهجرة الكثيفة، بعد تحرير البلاد وفتح الموانئ أمام السفن.
نحن أبناء وأحفاد الناجين من هذه
المجزرة. دفناها في ذاكرتنا رافضين التعمّق بها. الشعوب تفضل نسيان هذه
الجرائم البشعة لأنها مؤلمة ولأنها تمسّ بكرامتها بسبب أن أجدادها عجزوا عن
الدفاع عن أنفسهم وعن عائلاتهم. لكن واجبنا اليوم أن نتعمق في واقع ما حصل
لأن الذين استشهدوا هم أجدادنا وأقاربنا وجيراننا. كيف لا نذكرهم بعد مئة سنة
على مرور المجاعة؟ لم نبن نصبًا تذكاريًا لمئات الآلاف من ضحايا جريمة
منظمة.
هل تعلّمنا؟ أم أن طبيعة الإنسان لا
تتغير ونزعات السيطرة والأنانية والطمع مسيطرة عليه مما يؤدي الى الحروب
والخراب؟