| |||||||||||||||||||||||||||||||||||
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||||
1- للتاريخ، المجاعة الكبرى في جبل لبنان 1918-1915 | |||||||||||||||||||||||||||||||||||
انها مجاعة
ثلث شعب جبل لبنان،
اي المئتي ألف
قتيل شهيدا جوعا.
!نها جريمة
العثماني بحق لبنان، وجريمة اللبناني
بابقاءه المأساة طي النسيان
بحق اهله
لحوالي المائة عام.
لكن المفرح ان محكمة التاريخ لا تنطق الا بالعدل، مفندة الحق من الجريمة: | |||||||||||||||||||||||||||||||||||
| |||||||||||||||||||||||||||||||||||
| |||||||||||||||||||||||||||||||||||
2- صور من المجاعة الكبرى في جبل لبنان | |||||||||||||||||||||||||||||||||||
| |||||||||||||||||||||||||||||||||||
3- قصة يوسف مع الجوع، وعودت أمال بعد عشرين عامًا فدقت على الباب | |||||||||||||||||||||||||||||||||||
| |||||||||||||||||||||||||||||||||||
4- بالصور، اديرة للرهبنة المارونية، تحتضن جياعا | |||||||||||||||||||||||||||||||||||
| |||||||||||||||||||||||||||||||||||
| |||||||||||||||||||||||||||||||||||
وغيره، ثمة كهنة باعوا الصلبان المذهبة لإطعام الشعب الجائع. الكنيسة لا تترك شعبها. الكنيسة كانت تقف الى جانب الشعب دائما في اللحظات الصعبة. | |||||||||||||||||||||||||||||||||||
5- اليسوعيون والحرب العالمية الأولى | |||||||||||||||||||||||||||||||||||
| |||||||||||||||||||||||||||||||||||
| |||||||||||||||||||||||||||||||||||
واتى كشف اليسوعيون
عن ارشيفهم ابان الحرب العالمية الأولى 1914- 1918”،
فكانت الشهادة: صور وبيانات ورسائل وثّقت
مرحلة مجاعة البشر. | |||||||||||||||||||||||||||||||||||
| |||||||||||||||||||||||||||||||||||
| |||||||||||||||||||||||||||||||||||
6- جمعية خيرية توزع الخبز على الفقراء في البترون | |||||||||||||||||||||||||||||||||||
| |||||||||||||||||||||||||||||||||||
7- وماذا بعد؟ | |||||||||||||||||||||||||||||||||||
لم ننته بعد،
فللمجاعة شهود كثر، ففي سجلات كنيسة
رعية مار جرجس في المتين،
نقرا عن شهر أيلول عام 1916:
تعبتم من أخبار الموت؟ اثنتا عشرة حالة وفاة في شهر واحد، واحد فقط، في
رعية واحدة، واحدة فقط، قد تعطي صورة لمن لم ينتبه بعد الى “المجاعة
الكبرى” في جبل لبنان.
| |||||||||||||||||||||||||||||||||||
8.1- بمفتاحٍ صدئ، اقفل لبنان على جريمة المجاعة ورماه في البحر | |||||||||||||||||||||||||||||||||||
حفظنا من دروس التاريخ واقعة مؤلمة: جرت الحرب العالمية
الأولى وأتى الجراد وبلع الأخضر واليابس وهلك سكان جبل لبنان جوعا. انتهى
الدرس. نقطة على السطر.
هو زمنٌ مات فيه من مات، جوّع فمات، شُنق حتى مات، قُهر فطق ومات…
تعددت الأسباب والنتيجة: قتلٌ مقصود!
يُقال إن البطنَ الملآن لا يفهم بالجوع! بطونكم ملآنة؟ حطموا ولو لمرة
الجوامد واصغوا لحقيقة ساطعة مثل الشمس أقفلنا عليها بمفتاحٍ صدئ ورميناه
مئة عام في البحر! | |||||||||||||||||||||||||||||||||||
8.2- المجاعة الكبرى، هي ابادة | |||||||||||||||||||||||||||||||||||
بشجاعة، كان لاحدهم
كلام الكلام:
كان يسكن جبل لبنان شعب تقدّر الإحصاءات الأقرب إلى الواقع بالوسائل المتاحة في ذاك العصر، معدّل عديده ما بين 420 و 450 ألف نسمة. مـرّ بحقبة سُمّيت بنظام المتصرفيّة، امتدّت من 1861 حتّى 1914، أي نصف قرن، سمحت له بالخلود إلى بعض الراحة الأمنيّة والازدهار الاقتصادي، حقبة كان قد سبقها قرون ثلاث ونيف من عهد الإمارة اتسمت بالمضايقات السياسيّة، والأعباء الضريبيّة التي لم تكن تُطاق، والحروب المتتالية، والمآسي التي تُوّجت بأحداث 1840 – 1860، وانتهت بمجازر رهيبة، شكـّل المسيحيون وقودها، كالعادة، في لعبة أمم أوروبيّة، وإجرام عثماني واضح، وارتهان لبناني قاتل.
ونشبت الحرب العالميّة
الأولى، وسقطت الاتفاقات الدوليّة والمعاهدات، فتحوّل جبل لبنان إلى ساحة
مفتوحة، واللبنانيون لقمة سائغة دون سلاح، ودون حماية أجنبية، مما سمح للأتراك
احتلال الجبل، وكان لهم ذلك بمثابة نزهة، وقد عاثوا في البيوت والقرى والبلدات
نهبًا وخرابًا. ومثالاً على ذلك، أمر الأتراك الآباء اليسوعيين بالخروج من
ديرهم في بكفيا، ولم يكتفوا بسلب الدير ونهبه، بل حوّلوا الكنيسة إلى اسطبل
لخيولهم. وهكذا فعلوا في مدرسة عينطورة الذائعة الشهرة آنذاك، وفي غيرها من
المؤسسات التربوية والاستشفائية. ثمّ كان حصار الجبل، فضربوا طوقًا عسكريًّا
قاسيًا يهدف إلى منع وصول القوافل المحملة قمحًا وزروعًا غذائية، من شعير وذرة
وأرز إلى الاهالي. ففي الحادي عشر من آذار 1915 (وكانت الحرب في بدايتها) أصدر
جمال باشا أمرًا مشدّدًا بوجوب إبعاد المؤن والأغلال والحاصلات والعربات
والحيوانات وسائر مسببات النقل الموجودة في القرى الساحلية إلى القرى الداخلية
البعيدة (أي خارج جبل لبنان). وأكّد جمال باشا على مأموري الحكومة أن يلبّوا
الأمر بالعجلة الممكنة، وأشار إليهم أن يحرقوا ما يتبقى من الحبوب في المخازن،
فيما لو تسنّى للأعداء أن ينزلوا على الشواطئ لأجل احتلالها. ابتدأت أسعار
الحنطة بالارتفاع، وكان قبل ذلك قد تصاعدت أثمان باقي الحبوب (عدس، حمص،
فاصوليا، شعير وذرة…) وكلّ حاجيات المعيشة (الكاز، الأرز، السكر…). أمّا أرباب
الحكومة البيروتيّة الذين كانوا يدأبون طبقًا لرغائب جمال باشا لإيجاد الطرق
المضرّة بصوالح الجبل، فإنّهم أخذوا الحيطة لمنع الأغلال من دخول لبنان. وإذا
تسنّى لأحدنا جلب شيء من الحبوب بطريقة أو بأخرى، كانت المفارز العسكريّة
المشتتة في سائر جهات لبنان تضع يدها عليه، مدّعية أنّها بشديد الحاجة إلى
الحبوب لأجل إطعام الجيش الذي يحارب عن الوطن والدولة. كان ناتج الجبل السنوي
من القمح يكفي لمدة شهرين أو ثلاث على الأكثر، والباقي يتزودونه من سهل البقاع
وسهول حوران.
لقد درس العثمانيون الوضع
جيّدًا: تعدّدت الوسائل والإبادة واحدة. القتل بالحديد والنار للشعب الأرمني،
والشعب الأشوري، ومحو للهوية الأرمنيّة والأشوريّة، والموت بالمجاعة للشعب
اللبناني. ثلاث عمليّات إبادة في زمن واحد. وما الضير في ذلك عند الاتراك؟
انطلاقًا من هذا المخطط
الإجرامي الهادف إبادة شعب بأكمله، توالت عوامل أخرى ساهمت في حسن تطبيقه
ونجاحه، منها بشريّة، ومنها طبيعيّة.
فالعامل البشري
الاول كان ما ذكر
من البداية، في الشر العثماني وحصاره لابادة المسيحيين الموارنة في جبل لبنان ...
العامل البشري الثاني
كان حصارًا من نوع آخر أقامه الاسطول الإنكليزي على امتداد شواطئ فلسطين ولبنان
وسوريا، بحجّة منع وصول الامدادات العسكريّة، من سلاح وعتاد وجنود، إلى الجيش
التركي، بهدف إضعاف حملته التي شنّها الجيش الرابع بقيادة جمال باشا لاستعادة
قناة السويس من الإنكليز. هذا ما ارتدّ سلبًا على المساعدات الغذائية التي كانت
حكومة الولايات المتحدة الاميركيّة، وملك اسبانيا الكاثوليكي، ينويان إرسالها
إلى الاهالي المحاصرين، وذلك على طلب ضاغط من قداسة البابا في الفاتيكان،
والـdiaspora اللبنانية في الاغتراب. رفض الإنكليز أي تساهل، بحجّة أنّ أيّ
مساعدات سيستولي عليها الأتراك، ولن يحصل اللبنانيون منها شيئا. هكذا شدّ خناق
الحصار بـرًّا وبحرًا.
العامل البشري الثالث
تشكّل، كالعادة أيضًا، من اللبنانيين أنفسهم، أو قل بعضهم، وهل من عجب في ذلك؟
قامت مجموعة صغيرة من المتمولين بالتواطؤ والتضامن مع الوالي العثماني وبعض
مساعديه، من مدنيين وضباط أتراك، بشراء وتكديس كميات من القمح، واحتكار بيعها،
مضاعفين سعرها مع مرور سني الحرب، من عشرة إلى خمسين إلى مائة ضعف، لا يقبلون
عملة إلاّ الذهب الرنّان، بعد أن تدهور سعر صرف الليرة التركيّة الورقيّة.
ولمّا تبخّر المال، تحوّل الأهالي إلى الاقتراض، فلم يجدوا أمامهم غير المرابين،
حيتان يبتلعون الحجر والبشر مقابل حفنة من الليرات، يرهنون البيوت والأراضي
والحقول، ويحجزون النساء والفتيات مقابل إطالة العمر بضعة أسابيع. ولكنّ الأنكى
من كلّ ذلك، وما يثير الغضب، أنّ ما من أحد من هؤلاء المجرمين نال عقابه بعد
انتهاء الحرب، بل على العكس، أمضوا بقيّة حياتهم يتنعمون بهذا المال الحرام،
والاملاك المغتصبة، دون حساب ولا عقاب.
هل تغيـّر شيء؟
سارعت الكنيسة ورجال
الدين والرهبانيات للمساعدة، ففتحت الأديرة، ورهنت الأراضي، وبيعت الصلبان
الذهبية لشراء القمح، وتوزيع وجبات غذائيّة يوميّة للأهالي. وهاج لبنانيو
الاغتراب، من مصر إلى فرنسا إلى القارّة الأميركيّة، فتأسّست الجمعيّات، وعُقدت
المؤتمرات، ونُظّمت الحملات الصحفية تهدف كلّها إلى إيقاظ الوعي لدى المغتربين،
واستثارة مشاعرهم، وأُنشأت مجموعات ضغط سياسية للتأثير على القرارات الدوليّة.
من أشهر هؤلاء،
ماذا حصل، إذًا؟ اتفق
الجميع، وبنصيحة فرنسية، أنّ الوسيلة الأسلم تكون بإرسال المال الناتج من
تبرعات لبنانيو الاغتراب إلى السلطات الكنسيّة في جبل لبنان، تحصر مركزيًّا في
بكركي، حيث يتولّى غبطة البطريرك الياس الحويك بتوزيعها وشراء القمح، حتّى من
تركيا. وكان بطريركنا الجليل هذا قد باع صليبه الذهبي، وطلب من الدولة
الفرنسيّة قرضًا بمليون فرنك فرنسي يرهن لهم مقابل ذلك أملاك الكنيسة والأديار.
لم يقبل الفرنسيون، حرصًا على سلامة البطريرك، فيما لو اكتشف الأتراك هذا
الاتفاق لكانوا أرسلوا بضع عشرات الآلاف من الفرنكات كهبة، وأخذوا على عاتقهم
إيصال التبرعات من جزيرة أرواد، حيث كان مركز التسليم، إلى شواطئ كسروان. وكان
المطران يوسف دريان، مطران الموارنة في مصر، من خلال علاقاته الدولية، وحيث
كانت الجالية اللبنانية السورية كبيرة وفاعلة وغنية، يتسلّم المال من أنـّى أتى،
ويسـيّر عمليات الإعانة.
مع توالي الأشهر والسنين
كانت أعداد الموتى تتزايد بالآلاف، والجثث تتراكم على الطرقات حتّى أقفلت
المدافن أبوابها، مما ساهم في ازدياد الأمراض والاوبئة.
وهذه شهادة من المقاطع من
كتاب الخوري أنطوان يمين “لبنان في الحرب العمومية 1914-1918″ صدر عن المطبعة
الأدبية في بيروت، سنة 1921، والمؤلّف عاش المجاعة حيث قضى عدد من أقربائه.
… وفي إبّان ذلك الغلاء الفاحش تعدّدت
الحوادث المفجعة التي ترتجف لذكراها الصخور الصماء، ولم نكن لنصدقها لولا أنّنا
رأينا بعضها بأمّ أعيننا، وسمعنا بعضها من فم الشتات.
… شاهد الكثيرون في حي رأس بيروت، بالقرب
من مدرسة الصنائع، ولدين يلتقطان حبّ السمسم من بين أكياس الوسخ، بينما كانت
جماعة غيرهما حائمين حول كتلة من عظام الحيوانات المائتة، يمتصونها بنهم الوحوش.
… ونحن بأم عيننا شاهدنا في بيت شباب
الولد المسمى نصري… (سأغفل اسم الأب والعائلة) يلتقط الحبّ من فم النمل، بالقرب
من كنيسة سيدة الأخوية، وقد شاهد معنا هذا الحادث المعلّم أمين نفاع، من القرية
المذكورة، وما زال المعلّم أمين يذكرنا بذلك كلما التقينا.
… شاهدنا وشاهد الكثيرون مرارًا متعدّدة
جماعة الفقراء أمام مطحنة الطويل ومطحنة البراج في بيروت، ينقبون في براز الخيل
والبغال والحمير لالتقاط بعض الحبوب التي كانوا يتناولونها، حاسبين ذلك أفخر
طعام لهم. وكم من مرّة التقينا بالبعض يتزاحمون على
قشور الفاكهة وحسك السمك.
… وأخبرنا جمهور من أهالي معلقة الدامور
أنّ المدعو خطار … كان قاطنًا الدامور وهو من سلفايا، مديرية الشحار، قضاء
الشوف، كان يأكل لشدّة جوعه جثث الآدميين. وأفادنا أحدهم أنّ ثلاثة من ضواحي
المتين أدّى بهم الجوع الفضاح إلى أكل جثث الآدميين، ثمّ أنّ عددًا وافرًا كان
يأكل الحشيش، وكلّ ما تصل اليه يدهم من ورق الحور وورق العنب وورق التين…
المؤرخ الكبير فيليب حتّي
الذي قدّر عدد سكان جبل لبنان آنذاك بـ 450.000 يقول إنّ في السنين الأولى
للحرب مات ما لا يقلّ عن 110.000 لبناني من الجوع. وأوردت الصحيفة اللبنانية
اليومية “لسان الحال”، في عددها المؤرخ في 15 آذار 1918، أنّ حوالي 40% من سكان
جبل لبنان قضوا جوعًا، ما يوازي بنظرهم مائة وخمسون ألفًا. إحصاءات الصليب
الاحمر الأميركي الذي عمل أثناء الحرب وبعدها يقدّر العدد بـ 250.000. أمّا
الآباء الفرنسيّون، وأشهرهم Martinprey وSarloutte وRemy الذين أجروا إحصاء
يُعتبر الأدقّ فيقدّرون أنّ العدد أقلّه 180.000 من الأموات والباقي 210.000
أحياء. أمّا الدكتور جوزيف زياده الذي دار من قرية إلى أخرى يجري إحصاء لعدد
الموتى فكتب: “يمكننا التأكيد دون أي نسبة خطأ تذكر أنّ عدد موتى الجوع في جبل
لبنان يتخطى الـ 200.000.”
بعد كل تلك المعطيات نجد
البعض ينزعجون من استعمال مفردة إبادة التي بنظرهم لا تنطبق على الشروط الدقيقة
في القانون الدولي بتعريف “الإبادة”.
لكن هلا سألنا أنفسنا، وهذا
أقلّ الإيمان، ماذا ضرب ذاكرتنا الفردية والجماعية، وأعمى أبصارنا، وأطفأ
مشاعرنا، وحط ّ من كرامتنا، وأخمد إباءنا، وقلّل احترامنا لآبائنا وأجدادنا،
بالمعنى البيولوجي للكلمة، وليس المجازي أو التاريخي. هناك ثلاث عوامل من
الضروري الاطلاع عليها:
العامل النفسي: لقد
شكّلت تلك الإبادة الحدّ الأقصى لما يمكن شعب تحمله طوال تاريخه من مآسي وكوارث
ونكبات ومجازر ومذابح، إلى آخر المصائب التي ضربت المسيحيين في جبل لبنان طوال
تاريخهم، منذ عهد المماليك، وحادثة البطريرك حجولا، وصلبه في طرابلس، إلى عهد
العثمانيين، ونهاية المعنيين، وبطش الجزّار، وهروب بشير الشهابي، ومذابح 1860.
ولم يكن أجدادنا قد نسوا وطأتها بعد حتّى أتتهم ولأولادهم مجاعة الحرب العالمية
الأولى التي فاقت بإجرامها كل ما سبقها. مع دخول الفرنسيين وطردهم العثمانيين
وحلولهم مكانهم، شعر المسيحيون أنّ شيئًا جوهريًّا قد تبدّل، وأنّ صفحة جديدة
فتحت في وجودهم. ففضلوا طيّ صفحة الماضي الذي لم يعد يحتمل بأكمله، وهذا ما حصل،
ولكن بطريقة خاطئة.
العامل الاجتماعي:
الجوع كحدث اجتماعي ثقافي في حضارتنا اللبنانية والعربية هو مدعاة خجل وللبعض
ربّما خزي وعار. عيب أن يجوع أحدنا أو أقله حرام. الجائع يثير الشفقة والدونية.
والجوع بمعنيه المادي والمجازي مرفوض اجتماعيًا، فإذا كنت تمدح شخصًا تقول:
“عينو شبعانه”، والمذلة هي أن تصفه بـ “العين الفارغة” أو “النفسية الجوعانه”.
فكيف الحال إذا كان أهل وأولاد وعائلات ماتت من الجوع، وأُبيدت في المجاعة؟
موضوع في غاية الإزعاج والحرج، فإذا سمحت الظروف عدم ذكر هذا الحدث فلن نتوانى
عن ذلك، والوقت كفيل بطمره.
العامل السياسي: بعد قرون من نظام سياسي
اجتماعي محصور بجبل لبنان، حصل بين ليلة وضحاها انفتاح اجتماعي، وانفلاش جغرافي،
وتبديل سياسي جوهري. كان في جبل لبنان مكوّنان رئيسيّان: المسيحيّون والدروز.
ومع التوسّع الذي حصل على طلب من الموارنة وإصرار بطريركهم، دخل مكـوّن ثالث،
معظمه في ذاك الوقت من السنة. حاول المسيحيّون التقدّم بشكوى للدول العظمى التي
ربحت الحرب بالطبع (لأنّه الحقّ دائمًا على الخسران) ضدّ الدولة التركية، بجرم
الإبادة، ومحاكمة المسؤولين، كما حصل مع المانيا، لكن سهى عن بالهم أنّ السلطنة
العثمانية كانت مركز الخلافة، وهي ترمز دينيًّا ومذهبيًّا إلى مكوّن وشريك جديد
من غير المستحب أن نبدأ تعاوننا معه و “العيش المشترك” بموضوع يحمل في طياته
اختلاف في وجهات النظر. التوافق أولوية الأولويات، لذا وُجب طـيّ هذا الموضوع،
واستبداله بحدث أكثر توافقية المتمثل بالشهداء الذين أعدمهم جمال باشا السفاح.
أربعون شهيدا يمثلون الصورة الجديدة للبنان الكبير، مقابل مائتي ألف شهيد
ينتمون إلى لبنان الصغير، لأولئك ساحة تحمل اسمهم، يتوسطها نصب يرمز إلى
المكونين الجديدين، وعيد وطني سنوي للذكرى، ولهؤلاء صمت مطبق، على أمل أن
يتحوّل مع الوقت إلى محو من الذاكرة أو في أحسن الاحوال إلى قصّة غرباء جرت
أحداثها في إحدى أصقاع الارض.
فغريزة البقاء
التي أيقظتها فينا خطورة الأحداث التي تجري في لبنان والمنطقة، منذ أربعة عقود،
والتي ابتدأت بحرب لبنان سنة 1975 والله أعلم متى ستنتهي، جعلت الذين قرّروا
البقاء في لبنان، أن يعوا لواقعهم، ويتذكروا جذورهم، ويتنبهوا لغدهم. وهذا
تصرّف إنساني لا شعوري ينتج من الشعور بالخطر الداهم والحياتي، والعودة إلى
الجذور.
والمثابرة لإحياء
ذكرى شهدائنا، اسوة بشعوب اخرى شقيقة ابادها الحقد العثماني، بالشجاعة والجرأة للمطالبة بالعدالة
والحقّ، بالتعاو والإخلاص للبنان.
يـا ربّ، ساعدنا
...
| |||||||||||||||||||||||||||||||||||
9- بين العثمانيين والحلفاء، المجاعة في جبل لبنان | |||||||||||||||||||||||||||||||||||
| |||||||||||||||||||||||||||||||||||
10- من ذاكرة الحرب العظمى، حبل المشنقة؟ | |||||||||||||||||||||||||||||||||||
كتبٌ قليلة كُتبت عن المجاعة الكبرى. كُتِبَ أكثر عن تعليق المشانق.
“التجويع” جريمة والشنق جريمة.
| |||||||||||||||||||||||||||||||||||
| |||||||||||||||||||||||||||||||||||
© pure software code 2016 |