فصل
26
أيوب يؤكد على عظمة الله
فَأَجَابَ أَيُّوبُ:
2«يَالَكُمْ مِنْ عَوْنٍ كَبِيرٍ لِلْخَائِرِ! كَيْفَ خَلَّصْتُمْ ذِرَاعاً
وَاهِيَةً! 3أَيَّةَ مَشَورَةٍ أَسْدَيْتُمْ لِلأَحْمَقِ! أَيَّةُ
مَعْرِفَةٍ صَادِقَةٍ وَافِرَةٍ زَوَّدْتُمُوهُ بِهَا! 4لِمَنْ نَطَقْتُمْ
بِالْكَلِمَاتِ؟ وَرُوحُ مَنْ عَبَّرتُمْ عَنْهُ؟
5تَرْتَعِدُ الأَشْبَاحُ
مِنْ تَحْتُ، وَكَذَلِكَ الْمِيَاهُ وَسُكَّانُهَا. 6الْهَاوِيَةُ
مَكْشُوفَةٌ أَمَامَ اللهِ وَالْهَلاكُ لاَ سِتْرَ لَهُ. 7يَمُدُّ
الشَّمَالَ عَلَى الْخَوَاءِ وَيُعَلِّقُ الأَرْضَ عَلَى لاَ شَيْءٍ.
8يَصُرُّ الْمِيَاهَ فِي سُحُبِهِ فَلاَ يَتَخَرَّقُ الْغَيْمُ تَحْتَهَا.
9يَحْجُبُ وَجْهَ عَرْشِهِ وَيَبْسُطُ فَوْقَهُ غُيُومَهُ. 10رَسَمَ حَدّاً
عَلَى وَجْهِ الْمِيَاهِ عِنْدَ خَطِّ اتِّصَالِ النُّورِ بِالظُّلْمَةِ.
11مِنْ زَجْرِهِ تَرْتَعِشُ أَعْمِدَةُ السَّمَاءِ وَتَرْتَعِدُ مِنْ
تَقْرِيعِهِ. 12بِقُوَّتِهِ يُهَدِّيءُ هَيَجَانَ الْبَحْرِ وَبِحِكْمَتِهِ
يَسْحَقُ رَهَبَ. 13بِنَسْمَتِهِ جَمَّلَ السَّمَاوَاتِ، وَيَدَاهُ
اخْتَرَقَتَا الْحَيَّةَ الْهَارِبَةَ. 14وَهَذِهِ لَيْسَتْ سِوَى أَدْنَى
طُرُقِهِ، وَمَا أَخْفَتَ هَمْسَ كَلاَمِهِ الَّذِي نَسْمَعُهُ؛ فَمَنْ
يُدْرِكُ إِذاً رَعْدَ جَبَرُوتِهِ؟»
فصل
27
أيوب يدعي أنه ينطق بالحق
وَاسْتَطْرَدَ أَيُّوبُ
يَضْرِبُ مَثَلَهُ قَائِلاً: 2«حَيٌّ هُوَ اللهُ الَّذِي نَزَعَ حَقِّي،
وَالْقَدِيرُ الَّذِي أَمَرَّ حَيَاتِي، 3وَلَكِنْ مَادَامَتْ نَسَمَتِي
فِيَّ، وَنَفْخَةُ اللهِ فِي أَنْفِي، 4فَإِنَّ شَفَتَيَّ لَنْ تَنْطِقَا
بِالسُّوءِ، وَلِسَانِي لَنْ يَتَلَفَّظَ بِالْغِشِّ. 5حَاشَا لِي أَنْ
أُقِرَّ بِصَوَابِ أَقْوَالِكُمْ، وَلَنْ أَتَخَلَّى عَنْ كَمَالِي حَتَّى
الْمَوْتِ. 6أَتَشَبَّثُ بِبِرِّي وَلَنْ أَرْخِيَهُ، لأَنَّ ضَمِيرِي لاَ
يُؤَنِّبُنِي عَلَى يَوْمٍ مِنْ أَيَّامِي.
أيوب يحتقر الشرير
7لِيَكُنْ عَدُوِّي نَظِيرَ
الشِّرِّيرِ، وَمُقَاوِمِي كَالْفَاجِرِ، 8إِذْ مَا هُوَ رَجَاءُ
الْفَاجِرِ عِنْدَمَا يَسْتَأْصِلُهُ اللهُ وَيُزْهِقُ أَنْفَاسَهُ؟ 9هَلْ
يَسْتَمِعُ اللهُ إِلَى صَرْخَتِهِ إِذَا حَلَّ بِهِ ضِيقٌ؟ 10هَلْ يُسَرُّ
بِالْقَدِيرِ وَيَسْتَغِيثُ بِهِ فِي كُلِّ الأَزْمِنَةِ؟
11إِنِّي أُعَلِّمُكُمْ عَنْ
قُوَّةِ اللهِ، وَلاَ أَكْتُمُ عَنْكُمْ مَا لَدَى الْقَدِيرِ.
12فَأَنْتُمْ جَمِيعاً قَدْ عَايَنْتُمْ ذَلِكَ بِأَنْفُسِكُمْ، فَمَا
بَالُكُمْ تَنْطِقُونَ بِالْبَاطِلِ قَائِلِينَ: 13هَذَا هُوَ نَصِيبُ
الشِّرِّيرِ عِنْدَ اللهِ وَالْمِيرَاثُ الَّذِي يَنَالُهُ الظَّالِمُ مِنَ
الْقَدِيرِ. 14إِنْ تَكَاثَرَ بَنُوهُ فَلِيَكُونُوا طَعَاماً لِلسَّيْفِ،
وَنَسْلُهُ لاَ يَشْبَعُ خُبْزاً. 15ذُرِّيَّتُهُ تَمُوتُ بِالْوَبَأِ،
وَأَرَامِلُهُمْ لاَ تَنُوحُ عَلَيْهِمْ. 16إِنْ جَمَعَ فِضَّتَهُ
كَأَكْوَامِ التُّرَابِ، وَكَوَّمَ مَلاَبِسَ كَالطِّينِ، 17فَإِنَّ مَا
يُعِدُّهُ مِنْ ثِيَابٍ يَرْتَدِيهِ الصِّدِّيقُ، وَالْبَرِيءُ يُوَزِّعُ
الْفِضَّةَ. 18يَبْنِي بَيْتَهُ كَبَيْتِ الْعَنْكَبُوتِ، أَوْ كَمَظَلَّةٍ
صَنَعَهَا حَارِسُ الْكُرُومِ. 19يَضْطَجِعُ غَنِيّاً وَيَسْتَيْقِظُ
مُعْدِماً. يَفْتَحُ عَيْنَيْهِ وَإِذَا بِثَرْوَتِهِ قَدْ تَلاَشَتْ.
20يَطْغَى عَلَيْهِ رُعْبٌ كَفَيَضَانٍ، وَتَخْطِفُهُ فِي اللَّيْلِ
زَوْبَعَةٌ. 21تُطَوِّحُ بِهِ الرِّيحُ الشَّرْقِيَّةُ فَيَخْتَفِي
وَتَقْتَلِعُهُ مِنْ مَكَانِهِ. 22تُطْبِقُ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ رَحْمَةٍ
وَهُوَ هَارِبٌ مِنْ وَجْهِ عُنْفُوانِهَا. 23تُصَفِّرُ الرِّيحُ عَلَيْهِ،
وَتُرْعِبُهُ بِقُوَّتِهَا الْمُدَمِّرَةِ.
فصل
28
البحث عن الحكمة
لاَ رَيْبَ أَنَّ هُنَاكَ
مَنْجَماً لِلْفِضَّةِ وَبَوْتَقَةً لِتَمْحِيصِ الذَّهَبِ. 2يُسْتَخْرَجُ
الْحَدِيدُ مِنَ التُّرَابِ، وَمِنَ الْمَعْدَنِ الْخَامِ يُصْهَرُ
النُّحَاسُ. 3قَدْ وَضَعَ الإِنْسَانُ حَدّاً لِلظُّلْمَةِ، وَبَحَثَ فِي
أَقْصَى طَرَفٍ عَنِ الْمَعْدَنِ فِي الظُّلُمَاتِ الْعَمِيقَةِ. 4حَفَرُوا
مَنْجَماً بَعِيداً، فِي مَوْضِعٍ مُقْفِرٍ مِنَ السُّكَّانِ، هَجَرَتْهُ
أَقْدَامُ النَّاسِ، وَتَدَلُّوْا فِيهِ. 5أَمَّا الأَرْضُ الَّتِي
تُنْبِتُ لَنَا خَيْراً فَقَدِ انْقَلَبَ أَسْفَلُهَا كَمَا بِنَارٍ.
6يَكْمُنُ فِي صُخُورِهَا الْيَاقُوتُ الأَزْرَقُ، وَفِي تُرَابِهَا
الذَّهَبُ. 7لَمْ يَهْتَدِ إِلَى طَرِيقِهَا طَيْرٌ جَارِحٌ، وَلَمْ
تُبْصِرْهُ عَيْنُ بَاشِقٍ. 8لَمْ تَطَأْهُ أَقْدَامُ الضَّوَارِي أَوْ
يَسْلُكْ فِيهِ اللَّيْثُ. 9امْتَدَّتْ أَيْدِيهِمْ إِلَى الصَّوَّانِ،
وَقَلَبُوا الْجِبَالَ مِنْ أُصُولِهَا. 10حَفَروا مَمَرَّاتٍ فِي
صُخُورِهَا، وَعَايَنَتْ أَعْيُنُهُمْ كُلَّ ثَمِينٍ. 11سَدُّوا مَجَارِيَ
الأَنْهَارِ، وَأَبْرَزُوا مَكْنُونَاتِ قِيعَانِهَا إِلَى النَّورِ.
مصدر الحكمة
12وَلَكِنْ أَيْنَ تُوجَدُ
الْحِكْمَةُ؟ وَأَيْنَ مَقَرُّ الْفِطْنَةِ؟ 13لاَ يُدْرِكُ الإِنْسَانُ
قِيمَتَهَا، وَلاَ يُمْكِنُ أَنْ تُوجَدَ فِي أَرْضِ الأَحْيَاءِ.
14يَقُولُ الْعَمْرُ: لَيْسَتْ هِيَ فِيَّ؛ وَيَقُولُ الْبَحْرُ إِنِّي لاَ
أَمْلِكُهَا. 15لاَ تُقَايَضُ بِالذَّهَبِ الْخَالِصِ، وَلاَ تُوْزَنُ
الْفِضَّةُ ثَمَناً لَهَا. 16لاَ تُثَمَّنُ بِذَهَبِ أُوفِيرَ أَوْ
بِالْجَزْعِ الْكَرِيمِ أَوْ بِالْيَاقُوتِ الأَزْرَقِ. 17لاَ يُعَادِلُهَا
ذَهَبٌ أَوْ زُجَاجٌ، وَلاَ تُسْتَبْدَلُ بِمُجَوْهَرَاتٍ مِنَ الذَّهَبِ
الْخَالِصِ. 18لاَ يُذْكَرُ مَعَهَا الْمُرْجَانُ أَوِ الْبَلُّوْرُ،
فَثَمَنُ الْحِكْمَةِ أَغْلَى مِنْ كُلِّ اللَّآلِيءِ. 19لاَ يُقَارَنُ
بِهَا يَاقُوتُ كُوشٍ وَلاَ تُثَمَّنُ بِالذَّهَبِ النَّقِيِّ. 20إِذاً
مِنْ أَيْنَ تَأْتِي الْحِكْمَةُ، وَأَيْنَ هُوَ مَقَرُّ الْفِطْنَةِ؟
21إِنَّهَا مَحْجُوبَةٌ عَنْ عَيْنَيْ كُلِّ حَيٍّ، وَخَافِيَةٌ عَنْ
طَيْرِ السَّمَاءِ. 22الْهَلاكُ وَالْمَوْتُ قَالاَ: قَدْ بَلَغَتْ
مَسَامِعَنَا شَائِعَةٌ عَنْهَا. 23اللهُ وَحْدَهُ يَعْلَمُ الطَّرِيقَ
إِلَيْهَا وَيَعْرِفُ مَقَرَّهَا، 24لأَنَّهُ يَرَى أَقْصَى الأَرْضِ
وَيُحِيطُ بِجَمِيعِ مَا تَحْتَ السَّمَاوَاتِ. 25عِنْدَمَا جَعَلَ
لِلرِّيحِ وَزْناً وَعَايَرَ الْمِيَاهَ بِمِقْيَاسٍ، 26عِنْدَمَا وَضَعَ
سُنَناً لِلْمَطَرِ وَمَمَرّاً لِصَوَاعِقِ الرُّعُودِ، 27آنَئِذٍ رَآهَا
وَأَذَاعَ خَبَرَهَا وَأَثْبَتَهَا وَفَحَصَهَا، 28ثُمَّ قَالَ
لِلإِنْسَانِ: انْظُرْ، إِنَّ مَخَافَةَ الرَّبِّ هِيَ الْحِكْمَةُ،
وَتَفَادِي الشَّرِّ هُوَ الْفِطْنَةُ».
فصل
29
جاه أيوب قبل التجربة
وَاسْتَطْرَدَ أَيُّوبُ فِي
ضَرْبِ مَثَلِهِ: 2«يَالَيْتَنِي مَازِلْتُ كَمَا كُنْتُ فِي الشُّهُورِ
الْغَابِرَةِ، فِي الأَيَّامِ الَّتِي حَفِظَنِي فِيهَا اللهُ ، 3حِينَ
كَانَ مِصْبَاحُهُ يُضِيءُ فَوْقَ رَأْسِي، فَأَسْلُكُ عَبْرَ الظُّلْمَةِ
فِي نُورِهِ. 4يَوْمَ كُنْتُ فِي رِيعَانِ قُوَّتِي وَرِضَى اللهِ
مُخَيِّماً فَوْقَ بَيْتِي. 5وَا لْقَدِيرُ مَا بَرِحَ مَعِي، وَأَوْلاَدِي
مَازَالُوا حَوْلِي. 6حِينَ كُنْتُ أَغْسِلُ خَطَوَاتِي بِاللَّبَنِ،
وَالصَّخْرُ يَفِيضُ لِي أَنْهَاراً مِنَ الزَّيْتِ. 7حِينَ كُنْتُ
أَخْرُجُ إِلَى بَوَّابَةِ الْمَدِينَةِ، وَأَحْتَلُّ فِي السَّاحَةِ
مَجْلِسِي، 8فَيَرَانِي الشُّبَّانُ وَيَتَوَارَوْنَ، وَيَقِفُ الشُّيُوخُ
احْتِرَاماً لِي. 9يَمْتَنِعُ الْعُظَمَاءُ عَنِ الْكَلاَمِ وَيَضَعُونَ
أَيْدِيَهُمْ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ. 10يَتَلاَشَى صَوْتُ النُّبَلاَءِ،
وَتَلْتَصِقُ أَلْسِنَتُهُمْ بِأَحْنَاكِهِمْ. 11إِذَا سَمِعَتْ لِيَ
الأُذُنُ تُطَوِّبُنِي، وَإِذَا شَهِدَتْنِي الْعَيْنُ تُثْنِي عَلَيَّ،
12لأَ نِّي أَنْقَذْتُ الْبَائِسَ الْمُسْتَغِيثَ، وَأَجَرْتُ الْيَتِيمَ
طَالِبَ الْعَوْنِ، 13فَحَلَّتْ عَلَيَّ بَرَكَةُ الْمُشْرِفِ عَلَى
الْمَوْتِ، وَجَعَلْتُ قَلْبَ الأَرْمَلَةِ يَتَهَلَّلُ فَرَحاً.
14ارْتَدَيْتُ الْبِرَّ فَكَسَانِي، وَكَجُبَّةٍ وَعِمَامَةٍ كَانَ
عَدْلِي. 15كُنْتُ عُيُوناً لِلأَعْمَى، وَأَقْدَاماً لِلأَعْرَجِ،
16وَكُنْتُ أَباً لِلْمِسْكِينِ، أَتَقَصَّى دَعْوَى مَنْ لَمْ أَعْرِفْهُ.
17هَشَّمْتُ أَنْيَابَ الظَّالِمِ وَمِنْ بَيْنِ أَسْنَانِهِ نَزَعْتُ
الْفَرِيسَةَ، 18ثُمَّ حَدَّثْتُ نَفْسِي: إِنِّي سَأَمُوتُ فِي خَيْمَتِي
وَتَتَكَاثَرُ أَيَّامِي كَحَبَّاتِ الرَّمْلِ. 19سَتَمْتَدُّ أُصُولِي
إِلَى الْمِيَاهِ، وَالطَّلُّ يَبِيتُ عَلَى أَغْصَانِي. 20يَتَجَدَّدُ
مَجْدِي دَائِماً، وَقَوْسِي أَبَداً جَدِيدَةٌ فِي يَدِي. 21يَسْتَمِعُ
النَّاسُ لِي وَيَنْتَظِرُونَ، وَيَصْمُتُونَ مُنْصِتِينَ لِمَشُورَتِي.
22بَعْدَ كَلاَمِي لاَ يُثَنُّونَ عَلَى أَقْوَالِي، وَحَدِيثِي يَقْطُرُ
عَلَيْهِمْ كَالنَّدَى. 23يَتَرَقَّبُونَنِي كَالْغَيْثِ، وَيَفْتَحُونَ
أَفْوَاهَهُمْ كَمَنْ يَنْهَلُ مِنْ مَطَرِ الرَّبِيعِ 24إِنِ ابْتَسَمْتُ
لَهُمْ لاَ يُصَدِّقُونَ، وَنُورُ وَجْهِي لَمْ يَطْرَحُوهُ عَنْهُمْ
بَعِيداً. 25أَخْتَارُ لَهُمْ طَرِيقَهُمْ وَأَتَصَدَّرُ مَجْلِسَهُمْ،
وَأَكُونُ بَيْنَهُمْ كَمَلِكٍ بَيْنَ جُيُوشِهِ، وَكَا لْمُعَزِّي بَيْنَ
النَّائِحِينَ.
فصل
30
أيوب يتعرض للسخرية
والكراهية
أَمَّا الآنَ فَقَدْ هَزَأَ
بِي مَنْ هُمْ أَصْغَرُ مِنِّي سِنّاً، مِمَّنْ كُنْتُ آنَفُ أَنْ أَجْعَلَ
آبَاءَهُمْ مَعَ كِلاَبِ غَنَمِي. 2إِذْ مَا جَدْوَى قُوَّةِ أَيْدِيهِمْ
لِي بَعْدَ أَنْ نَضَبَ عُنْفُوَانُهُمْ؟ 3يَهِيمُونَ هُزَالَى جِيَاعاً،
يَنْبُشُونَ الْيَابِسَةَ الْخَرِبَةَ الْمَهْجُورَةَ. 4يَلْتَقِطُونَ
الْمَلاَّحَ بَيْنَ الْعُلَّيْقِ، وَخُبْزُهُمْ عُرُوقُ الرَّتَمِ.
5يُطْرَدُونَ مِنْ بَيْنِ النَّاسِ، وَيَصْرُخُونَ خَلْفَهُمْ كَمَا
يَصْرُخُونَ عَلَى لِصٍّ. 6يُقِيمُونَ فِي كُهُوفِ الْوِدْيَانِ
الْجَافَّةِ، بَيْنَ الصُّخُورِ وَفِي ثُقُوبِ الأَرْضِ. 7يَنْهَقُونَ
بَيْنَ الْعُلَّيْقِ، وَيرْبِضُونَ تَحْتَ الْعَوْسَجِ. 8هُمْ حَمْقَى،
أَبْنَاءُ قَوْمٍ خَامِلِينَ مَنْبُوذِينَ مِنَ الأَرْضِ.
9أَمَّا الآنَ فَقَدْ
أَصْبَحْتُ مَثَارَ سُخْرِيَةٍ لَهُمْ وَمَثَلاً يَتَنَدَّرُونَ بِهِ
10يَشْمَئِزُّونَ مِنِّي وَيَتَجَافَوْنَنِي، لاَ يَتَوَانَوْنَ عَنِ
الْبَصْقِ فِي وَجْهِي! 11لأَنَّ اللهَ قَدْ أَرْخَى وَتَرَ قَوْسِي
وَأَذَلَّنِي، انْقَلَبُوا ضِدِّي بِكُلِّ قُوَّتِهِمْ. 12قَامَ
صِغَارُهُمْ عَنْ يَمِينِي يُزِلُّونَ قَدَمِي وَيُمَهِّدُونَ سُبُلَ
دَمَارِي. 13سَدُّوا عَلَيَّ مَنْفَذَ مَهْرَبِي، وَتَضَافَرُوا عَلَى
هَلاَكِي، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ لِي مُعِينٌ. 14وَكَأَنَّمَا مِنْ
ثُغْرَةٍ وَاسِعَةٍ تَدَافَعُوا نَحْوِي، وَانْدَفَعُوا هَاجِمِينَ بَيْنَ
الرَّدْمِ. 15طَغَتْ عَلَيَّ الأَهْوَالُ، فَتَطَايَرَتْ كَرَامَتِي
كَوَرَقَةٍ أَمَامَ الرِّيحِ، وَمَضَى رَغْدِي كَالسَّحَابِ.
آلام أيوب وشعوره بالنقمة
16وَالآنَ تَهَافَتَتْ
نَفْسِي عَلَيَّ وَتَنَاهَبَتْنِي أَيَّامُ بُؤْسِي. 17يَنْخَرُ اللَّيْلُ
عِظَامِي، وَآلاَمِي الضَّارِيَةُ لاَ تَهْجَعُ. 18تَشُدُّ بِعُنْفٍ
لِبَاسِي وَتَحْزِمُنِي مِثْلَ طَوْقِ عَبَاءَتِي. 19قَدْ طَرَحَنِي اللهُ
فِي الْحَمْأَةِ فَأَشْبَهْتُ التُّرَابَ وَالرَّمَادَ. 20أَسْتَغِيثُ بِكَ
فَلاَ تَسْتَجِيبُ، وَأَقِفُ أَمَامَكَ فَلاَ تَأْبَهُ بِي. 21أَصْبَحْتَ
لِي عَدُوّاً قَاسِياً، وَبِقُدْرَةِ ذِرَاعِكَ تَضْطَهِدُنِي.
22خَطَفْتَنِي وَأَرْكَبْتَنِي عَلَى الرِّيحِ، تُذِيبُنِي فِي زَئِيرِ
الْعَاصِفَةِ. 23فَأَيْقَنْتُ أَنَّكَ تَسُوقُنِي إِلَى الْمَوْتِ، وَإِلَى
دَارِ مِيعَادِ كُلِّ حَيٍّ. 24وَلَكِنْ أَلاَ يَمُدُّ إِنْسَانٌ يَدَهُ
مِنْ تَحْتِ الأَنْقَاضِ؟ أَوَ لاَ يَسْتَغِيثُ فِي بَلِيَّتِهِ؟
25أَلَمْ أَبْكِ لِمَنْ
قَسَا عَلَيْهِ يَوْمُهُ؟ أَلَمْ تَحْزَنْ نَفْسِي لِلْمِسْكِينِ؟
26وَلَكِنْ حِينَ تَرَقَّبْتُ الْخَيْرَ أَقْبَلَ الشَّرُّ، وَحِينَ
تَوَقَّعْتُ النُّورَ هَجَمَ الظَّلاَمُ. 27قَلْبِي يَغْلِي وَلَنْ
يَهْدَأَ، وَأَيَّامُ الْبَلِيَّةِ غَشِيَتْنِي. 28فَأَمْضِي نَائِحاً
لَكِنْ مِنْ غَيْرِ عَزَاءٍ. أَقِفُ بَيْنَ النَّاسِ أَطْلُبُ الْعَوْنَ.
29صِرْتُ أَخاً لِبَنَاتِ آوَى، وَرَفِيقاً لِلنَّعَامِ. 30اسْوَدَّ
جِلْدِي عَلَيَّ وَتَقَشَّرَ، وَاحْتَرَقَتْ عِظَامِي مِنَ الْحُمَّى
31صَارَتْ قِيثَارَتِي لِلنَّوْحِ، وَمِزْمَارِي لِصَوْتِ النَّادِبِينَ.
فصل
31
براءة أيوب وطهارته
أَبْرَمْتُ عَهْداً مَعَ
عَيْنَيَّ، فَكَيْفَ أَرْنُو إِلَى عَذْرَاءَ؟ 2وَمَاذَا يَكُونُ نَصِيبِي
عِنْدَ اللهِ مِنْ فَوْقُ، وَمَا هُوَ إِرْثِي مِنْ عِنْدِ الْقَدِيرِ فِي
الأَعَالِي؟ 3أَلَيْسَتِ الْبَلِيَّةُ مِنْ حَظِّ الشِّرِّيرِ،
وَالْكَارِثَةُ مِنْ نَصِيبِ فَاعِلِي الإِثْمِ؟ 4أَلاَ يَرَى اللهُ
طُرُقِي وَيُحْصِي كُلَّ خَطَوَاتِي؟ 5إِنْ سَلَكْتُ فِي ضَلاَلٍ
وَأَسْرَعَتْ قَدَمِي لاِرْتِكَابِ الْغِشِّ، 6فَلأُوزَنْ فِي قِسْطَاسِ
الْعَدْلِ، وَلْيَعْرِفِ اللهُ كَمَالِي. 7إِنْ حَادَتْ خَطَوَاتِي عَنِ
الطَّرِيقِ، وَغَوَى قَلْبِي وَرَاءَ عَيْنَيَّ، وَعَلِقَتْ بِيَدِي
لَطْخَةُ عَارٍ، 8فَلأَزْرَعْ أَنَا وَآخَرُ يَأْكُلُ، وَلْيُسْتَأْصَلْ
مَحْصُولِي.
9إِنْ هَامَ قَلْبِي وَرَاءَ
امْرَأَةٍ، أَوْ طُفْتُ عِنْدَ بَابِ جَارِي، 10فَلْتَطْحَنْ زَوْجَتِي
لِآخَرَ، وَلْيُضَاجِعْهَا آخَرُونَ. 11لأَنَّ هَذِهِ رَذِيلَةٌ وَإِثْمٌ
يُعَاقِبُ عَلَيْهِ الْقُضَاةُ، 12وَنَارٌ مُلْتَهِمَةٌ تُفْضِي إِلَى
الْهَلاكِ وَتَقْضِي عَلَى غَلاَّتِي.
الاهتمام بحق العبد والمحتاج
13إِنْ كُنْتُ قَدْ
تَنَكَّرْتُ لِحَقِّ خَادِمِي وَأَمَتِي عِنْدَمَا اشْتَكَيَا عَلَيَّ،
14فَمَاذَا أَصْنَعُ عِنْدَمَا يَقُومُ اللهُ (لِمُحَاكَمَتِي)؟ وَبِمَاذَا
أُجِيبُ عِنْدَمَا يَتَقَصَّى (لِيُحَاسِبَنِي)؟ 15أَلَيْسَ الَّذِي
كَوَّنَنِي فِي الرَّحِمِ كَوَّنَهُ أَيْضاً؟ أَوَ لَيْسَ الَّذِي
شَكَّلَنَا فِي الرَّحِمِ وَاحِدٌ؟ 16إِنْ كُنْتُ قَدْ مَنَعْتُ عَنِ
الْمِسْكِينِ مَا يَطْلُبُهُ، أَوْ أَوْهَنْتُ عَيْنَيِ الأَرْمَلَةِ مِنْ
فَرْطِ الْبُكَاءِ، 17أَوْ أَكَلْتُ كِسْرَةَ خُبْزِي وَحْدِي وَلَمْ
أَتَقَاسَمْهَا مَعَ الْيَتِيمِ، 18إِذْ مُنْذُ حَدَاثَتِي رَعَيْتُهُ
كَأَبٍ، وَهَدَيْتُهُ مِنْ رَحِمِ أُمِّهِ. 19إِنْ كُنْتُ قَدْ رَأَيْتُ
أَحَداً مُشْرِفاً عَلَى الْهَلاكِ مِنَ الْعُرْيِ، أَوْ مِسْكِيناً مِنْ
غَيْرِ كِسَاءٍ، 20إِنْ لَمْ تُبَارِكْنِي حَقَوَاهُ الْمُسْتَدْفِئَتَانِ
بِجَزَّةِ غَنَمِي! 21إِنْ كُنْتُ قَدْ رَفَعْتُ يَدِي ضِدَّ الْيَتِيمِ،
مُسْتَغِلاً نُفُوذِي فِي الْقَضَاءِ، 22فَلْيَسْقُطْ عَضُدِي مِنْ
كَتِفِي، وَلْتَنْكَسِرْ ذِرَاعِي مِنْ قَصَبَتِهَا. 23لأَنَّنِي
أَرْتَعِبُ مِنْ نِقْمَةِ اللهِ، وَمَا كُنْتُ أَقْوَى عَلَى مُوَاجَهَةِ
جَلاَلِهِ.
التبرؤ من عبادة غير الله
24إِنْ كُنْتُ قَدْ جَعَلْتُ
الذَّهَبَ مُتَّكَلِي، أَوْ قُلْتُ لِلإِبْرِيزِ أَنْتَ مُعْتَمَدِي،
25إِنْ كُنْتُ قَدِ اغْتَبَطْتُ بِعُظْمِ ثَرْوَتِي، أَوْ لأَنَّ يَدَيَّ
فَاضَتَا بِوَفْرَةِ الْكَسْبِ، 26إِنْ كُنْتُ قَدْ نَظَرْتُ إِلَى
الشَّمْسِ حِينَ أَضَاءَتْ، أَوْ إِلَى الْقَمَرِ السَّائِرِ بِبَهَاءٍ،
27فَغَوِيَ قَلْبِي سِرّاً وَقَبَّلْتُ يَدَيَّ تَوْقِيراً لَهُمَا،
28فَإِنَّ هَذَا أَيْضاً إِثْمٌ يُعَاقِبُ عَلَيْهِ الْقُضَاةُ، لأَنِّي
أَكُونُ قَدْ جَحَدْتُ اللهَ الْعَلِيَّ.
الاهتمام بالعدو والغريب
29إِنْ كُنْتُ قَدْ فَرِحْتُ
بِدَمَارِ مُبْغِضِي أَوْ شَمِتُّ حِينَ أَصَابَهُ شَرٌّ، 30لاَ! لَمْ
أَدَعْ لِسَانِي يُخْطِيءُ بالدُّعَاءِ عَلَى حَيَاتِهِ بِلَعْنَةٍ. 31إِنْ
كَانَ أَهْلُ خَيْمَتِي لَمْ يَقُولُوا: أَهُنَاكَ مَنْ لَمْ يَشْبَعْ مِنْ
طَعَامِ أَيُّوبَ؟ 32فَالْغَرِيبُ لَمْ يَبِتْ فِي الشَّارِعِ لأَنِّي
فَتَحْتُ أَبْوَابِي لِعَابِرِي السَّبِيلِ. 33إِنْ كُنْتُ قَدْ كَتَمْتُ
آثَامِي كَبَقِيَّةِ النَّاسِ، طَاوِياً ذُنُوبِي فِي حِضْنِي، 34رَهْبَةً
مِنَ الْجَمَاهِيرِ الْغَفِيرَةِ، وَخَوْفاً مِنْ إِهَانَةِ الْعَشَائِرِ،
وصَمَتُّ وَاعْتَصَمْتُ دَاخِلَ الأَبْوَابِ. 35آهِ مَنْ لِي بِمَنْ
يَسْتَمِعُ لِي! هُوَذَا تَوْقِيعِي، فَلْيُجِبْنِي الْقَدِيرُ. لَيْتَ
خَصْمِي يَكْتُبُ شَكْوَاهُ ضِدِّي، 36فَأَحْمِلَهَا عَلَى كَتِفِي
وَأَعْصِبَهَا تَاجاً لِي، 37لَكُنْتُ أُقَدِّمُ لَهُ حِسَاباً عَنْ كُلِّ
خَطَوَاتِي، وَأَدْنُو مِنْهُ كَمَا أَدْنُو مِنْ أَمِيرٍ. 38إِنْ كَانَتْ
أَرْضِي قَدِ احْتَجَّتْ عَلَيَّ وَتَبَاكَتْ أَتْلاَمُهَا جَمِيعاً،
39إِنْ كُنْتُ قَدْ أَكَلْتُ غَلاَّتِهَا بِلاَ ثَمَنٍ، أَوْ سَحَقْتُ
نُفُوسَ أَصْحَابِهَا، 40فَلْيَنْبُتْ فِيهَا الشَّوْكُ بَدَلَ الْحِنْطَةِ
وَالزَّوَانُ بَدَلَ الشَّعِيرِ» تَمَّتْ هُنَا أَقْوَالُ أَيُّوبَ.
فصل
32
أليهو يعلن رأيه
فَكَفَّ هَؤُلاَءِ
الرِّجَالُ عَنِ الرَّدِّ عَلَى أَيُّوبَ، لأَنَّهُ كَانَ مُقْتَنِعاً
بِبَرَاءَةِ نَفْسِهِ.
2غَيْرَ أَنَّ غَضَبَ
أَلِيهُو بْنِ بَرَخْئِيلَ الْبُوزِيِّ، مِنْ عَشِيرَةِ رَامٍ، احْتَدَمَ
عَلَى أَيُّوبَ، لأَنَّهُ ظَنَّ نَفْسَهُ أَبَرَّ مِنَ اللهِ، 3كَمَا
غَضِبَ أَيْضاً عَلَى أَصْحَابِ أَيُّوبَ الثَّلاَثَةِ، لأَنَّهُمْ
عَجَزُوا عَنِ الرَّدِّ عَلَيْهِ، مَعَ أَنَّهُمُ اسْتَذْنَبُوهُ. 4وَكَانَ
أَلِيهُو قَدْ لَزِمَ الصَّمْتَ حَتَّى فَرَغُوا مِنَ الْكَلاَمِ مَعَ
أَيُّوبَ، لأَنَّهُمْ كَانُوا أَكْبَرَ مِنْهُ سِنّاً. 5وَلَمَّا رَأَى
أَلِيهُو أَنَّ الرِّجَالَ الثَّلاَثَةَ قَدْ أَخْفَقُوا فِي إِجَابَةِ
أَيُّوبَ قَالَ بِغَضَبٍ مُحْتَدِمٍ:
6«أَنَا صَغِيرُ السِّنِّ
وَأَنْتُمْ شُيُوخٌ، لِذَلِكَ تَهَيَّبْتُ وَخِفْتُ أَنْ أُبْدِيَ لَكُمْ
رَأْيِي، 7قَائِلاً لِنَفْسِي: لِتَتَكَلَّمِ الأَيَّامُ، وَلْتُلَقِّنْ
كَثْرَةُ السِّنِينَ حِكْمَةً» 8وَلَكِنَّ الرُّوحَ الَّذِي فِي
الإِنْسَانِ، وَنَسَمَةَ الْقَدِيرِ، تُعْطِي الإِنْسَانَ فَهْماً. 9لَيْسَ
الْمُسِنُّونَ وَحْدَهُمْ هُمُ الْحُكَمَاءَ، وَلاَ الشُّيُوخُ فَقَطْ
يُدْرِكُونَ الْحَقَّ. 10لِذَلِكَ أَقُولُ: أَصْغُوا إِلَيَّ
لأُحَدِّثَكُمْ بِمَا أَعْرِفُ. 11لَقَدْ أَنْصَتُّ بِصَبْرٍ حِينَ
تَكَلَّمْتُمْ، وَاسْتَمَعْتُ إِلَى حُجَجِكُمْ حِينَ بَحَثْتُمْ عَنِ
الْكَلاَمِ، 12وَأَوْلَيْتُكُمُ انْتِبَاهِي، فَلَمْ أَجِدْ فِي
كَلاَمِكُمْ مَا أَفْحَمَ أَيُّوبَ، أَوْ رَدَّ عَلَى أَقْوَالِهِ.
13احْتَرِسُوا لِئَلاَّ تَقُولُوا إِنَّنَا قَدْ أَحْرَزْنَا حِكْمَةً،
فَالرَّبُّ يُفْحِمُ أَيُّوبَ لاَ الإِنْسَانُ. 14إِنَّهُ لَمْ يُوَجِّهْ
حَدِيثَهُ إِلَيَّ، لِذَلِكَ لَنْ أُجِيبَهُ بِمِثْلِ كَلاَمِكُمْ.
15لَقَدْ تَحَيَّرُوا، يَاأَيُّوبُ، وَلَمْ يُجِيبُوا إِذْ أَعْيَاهُمُ
النُّطْقُ، 16فَهَلْ أَصْمُتُ لأَنَّهُمْ لَمْ يَتَكَلَّمُوا، وَهَلْ
أَمْتَنِعُ عَنِ الرَّدِّ؟ 17لا، سَأُجِيبُ أَنَا أَيْضاً وَأُبْدِي
رَأْيِي، 18لأَنِّي أَفِيضُ كَلاَماً، وَالرُّوحُ فِي دَاخِلِي
يُحَفِّزُنِي. 19انْظُرُوا، إِنَّ قَلْبِي فِي دَاخِلِي كَخَمْرٍ لَمْ
تُفْتَحْ، وَكَزِقَاقٍ جَدِيدَةٍ تَكَادُ تَنْشَقُّ! 20فَلأَتَكَلَّمَنَّ
لأُفْرِجَ عَنْ نَفْسِي، أَفْتَحُ شَفَتَيَّ لأُجِيبَ. 21لَنْ أُحَابِيَ
إِنْسَاناً أَوْ أَتَمَلَّقَ أَحَداً. 22لأَنِّي لاَ أَعْرِفُ
التَّمَلُّقَ، وَإِلاَّ يَقْضِي عَلَيَّ صَانِعِي سَرِيعاً.
فصل
33
أليهو يدافع عن الله
وَالآنَ يَاأَيُّوبُ اصْغَ
إِلَى أَقْوَالِي، وَاسْمَعْ كَلاَمِي كُلَّهُ: 2هَا أَنَا قَدْ فَتَحْتُ
فَمِي فَنَطَقَ لِسَانِي فِي حَنَكِي، 3كَلِمَاتِي تَصْدُرُ مِنْ قَلْبٍ
مُسْتَقِيمٍ، وَشَفَتَايَ تَتَحَدَّثَانِ بِإِخْلاصٍ بِمَا أَعْلَمُ.
4رُوحُ اللهِ هُوَ الَّذِي كَوَّنَنِي، وَنَسَمَةُ الْقَدِيرِ أَحْيَتْنِي،
5فَأَجِبْنِي إِنْ كُنْتَ تَسْتَطِيعُ. أَحْسِنِ الدَّعْوَى، وَاتَّخِذْ
لَكَ مَوْقِفاً. 6إِنَّمَا أَنَا نَظِيرُكَ أَمَامَ اللهِ، مِنَ الطِّينِ
جُبِلْتُ، 7فَلاَ هَيْبَتِي تُخِيفُكَ، وَلاَ يَدِي ثَقِيلَةٌ عَلَيْكَ.
8حَقّاً قَدْ تَكَلَّمْتَ
فِي أُذُنَيَّ فَاسْتَمَعْتُ إِلَى أَقْوَالِكَ. 9أَنْتَ قُلْتَ: أَنَا
نَقِيٌّ بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ، أَنَا طَاهِرٌ لاَ إِثْمَ فِيَّ،
10إِنَّمَا اللهُ يَتَرَبَّصُ بِي لِيَجِدَ عِلَّةً عَلَيَّ وَيَحْسِبَنِي
عَدُوّاً لَهُ، 11يَضَعُ أَقْدَامِي فِي الْمِقْطَرَةِ، وَيَتَرَصَّدُ
سُبُلِي.
12وَلَكِنَّكَ مُخْطِيءٌ فِي
هَذَا، وَأَنَا الَّذِي أُجِيبُكَ. إِنَّ اللهَ أَعْظَمُ مِنَ الإِنْسَانِ،
13فَمَا بَالُكَ تُخَاصِمُهُ قَائِلاً: إِنَّهُ لَنْ يُجِيبَ عَنْ
تَسَاؤُلاَتِي؟ 14إِنَّ اللهَ يَتَكَلَّمُ بِطَرِيقَةٍ أَوْ بِأُخْرَى
وَإِنْ كَانَ الإِنْسَانُ لاَ يُدْرِكُهَا. 15يَتَكَلَّمُ فِي حُلْمٍ، فِي
رُؤْيَا اللَّيْلِ عِنْدَمَا يَغْشَى النَّاسَ سَبَاتٌ عَمِيقٌ.
16عِنْدَئِذٍ يَفْتَحُ آذَانَ النَّاسِ وَيُرْعِبُهُمْ بِتَحْذِيرَاتِهِ،
17لِيَصْرِفَ الإِنْسَانَ عَنْ خَطِيئَتِهِ وَيَسْتَأْصِلَ مِنْهُ
الْكِبْرِيَاءَ، 18لِيُنْقِذَ نَفْسَهُ مِنَ الْهَاوِيَةِ وَحَيَاتَهُ مِنَ
الْهَلاكِ بِحَدِّ السَّيْفِ.
الله يستخدم الألم ليؤدب
الإِنسان
19قَدْ يُقَوَّمُ
الإِنْسَانُ بِالأَلَمِ عَلَى مَضْجَعِهِ، وَبِالأَوْجَاعِ النَّاشِبَةِ
فِي عِظَامِهِ، 20حَتَّى تَعَافَ حَيَاتُهُ الطَّعَامَ، وَشَهِيَّتُهُ
لَذِيذَ الْمَأْكَلِ. 21يَبْلَى لَحْمُهُ فَيَخْتَفِي عَنِ الْعَيَانِ،
وَتَنْبَرِي عِظَامُهُ الَّتِي كَانَتْ خَافِيَةً مِنْ قَبْلُ. 22تَدْنُو
نَفْسُهُ مِنَ الْهَاوِيَةِ، وَحَيَاتُهُ مِنْ زَبَانِيَةِ الْمَوْتِ.
23إِنْ وُجِدَ لَهُ مَلاَكٌ، شَفِيعٌ، وَاحِدٌ مِنْ بَيْنِ أَلْفٍ،
لِيُعْلِنَ لِلإِنْسَانِ مَا هُوَ صَالِحٌ لَهُ، 24يتَرََّأفُ عَلَيْهِ
قَائِلاً: أَنْقِذْهُ يَارَبُّ مِنَ الانْحِدَارِ إِلَى الْهَاوِيَةِ،
فَقَدْ وَجَدْتُ لَهُ فِدْيَةً. 25فَيَصِيرَ لَحْمُهُ أَكْثَرَ غَضَاضَةً
مِن أَيَّامِ صِبَاهُ وَيَعُودَ إِلَى عَهْدِ رِيعَانِ شَبَابِهِ
26عِنْدَئِذٍ يَدْعُو الْمَرْءُ اللهَ فَيَرْضَى عَنْهُ، وَيَمْثُلُ فِي
حَضْرَتِهِ بِفَرَحٍ، وَيَرُدُّ لَهُ اللهُ بِرَّهُ، 27ثُمَّ يُرَنِّمُ
أَمَامَ النَّاسِ قَائِلاً: لَقَدْ أَخْطَأْتُ وَحَرَّفْتُ مَا هُوَ حَقٌّ
وَلَمْ أُجَازَ عَلَيْهِ، 28قَدِ افْتَدَى اللهُ حَيَاتِي مِنَ
الانْحِدَارِ إِلَى الْهَاوِيَةِ، فَتَنْتَعِشُ حَيَاتِي لِتَرَى النُّورَ.
29هَذَا كُلُّهُ يُجْرِيهِ
اللهُ عَلَى الإِنْسَانِ مَرَّتَيْنِ وَثَلاَثَ مَرَّاتٍ، 30لِيَرُدَّ
نَفْسَهُ عَنِ الْهَاوِيَةِ لِيَسْتَضِيءَ بِنُورِ الْحَيَاةِ. 31فَاصْغَ
يَاأَيُّوبُ وَأَنْصِتْ إِلَيَّ. اُصْمُتْ وَدَعْنِي أَتَكَلَّمُ. 32وَإِنْ
كَانَ لَدَيْكَ مَا تَقُولُهُ فَأَجِبْنِي، تَكَلَّمْ، فَإِنِّي أَرْغَبُ
فِي تَبْرِيرِكَ. 33وَإِلاَّ فَاصْغَ إِلَيَّ، أَنْصِتْ فَأُعَلِّمَكَ
الْحِكْمَةَ».
فصل
34
الله ليس ظالماً
وَأَضَافَ أَلِيهُو
قَائِلاً: 2«اسْتَمِعُوا إِلَى أَقْوَالِي أَيُّهَا الْحُكَمَاءُ،
وَأَصْغُوا إِلَيَّ يَاذَوِي الْمَعْرِفَةِ، 3لأَنَّ الأُذُنَ تُمَحِّصُ
الأَقْوَالَ كَمَا يَتَذَوَّقُ الْحَنَكُ الطَّعَامَ. 4لِنَتَدَاوَلْ
فِيمَا بَيْنَنَا لِنُمَيِّزَ مَا هُوَ أَصْوَبُ لَنَا، وَنَتَعَلَّمَ
مَعاً مَا هُوَ صَالِحٌ.
5يَقُولُ أَيُّوبُ: «إِنِّي
بَارٌّ، وَلَكِنَّ اللهَ قَدْ تَنَكَّرَ لِحَقِّي، 6وَمَعَ أَنِّي مُحِقٌّ
فَأَنَا أُدْعَى كَاذِباً، وَمَعَ أَنِّي بَرِيءٌ فَإِنَّ سَهْمَهُ
أَصَابَنِي بِجُرْحٍ مُسْتَعْصٍ». 7فَمَنْ هُوَ نَظِيرُ أَيُّوبَ الَّذِي
يَجْرَعُ الْهُزْءَ كَالْمَاءِ، 8يُوَاظِبُ عَلَى
مُعَاشَرَةِ فَاعِلِي
الإِثْمِ، وَيَأْتَلِفُ مَعَ الأَشْرَارِ، 9لأَنَّهُ يَقُولُ: لاَ
يَنْتَفِعُ الإِنْسَانُ شَيْئاً مِنْ إِرْضَاءِ اللهِ.
10لِذَلِكَ أَصْغُوا إِلَيَّ
يَاذَوِي الْفَهْمِ: حَاشَا لِلهِ أَنْ يَرْتَكِبَ شَرّاً أَوْ لِلْقَدِيرِ
أَنْ يَقْتَرِفَ خَطَأً، 11لأَنَّهُ يُجَازِي الإِنْسَانَ بِمُوْجِبِ
أَعْمَالِهِ، وَبِمُقْتَضَى طَرِيقِهِ يُحَاسِبُهُ. 12إِذْ حَاشَا لِلهِ
أَنْ يَرْتَكِبَ شَرّاً، وَالْقَدِيرِ أَنْ يُعَوِّجَ الْقَضَاءَ. 13مَنْ
وَكَّلَ اللهَ بِالأَرْضِ؟ وَمَنْ عَهِدَ إِلَيْهِ بِالْمَسْكُونَةِ؟
14إِنِ اسْتَرْجَعَ رُوحَهُ إِلَيْهِ وَاسْتَجْمَعَ نَسَمَتَهُ إِلَى
نَفْسِهِ 15فَالْبَشَرُ جَمِيعاً يَفْنَوْنَ مَعاً، وَيَعُودُ الإِنْسَانُ
إِلَى التُّرَابِ.
الله يرى طرق الإنسان
16فَإِنْ كُنْتَ مِنْ أُولِي
الْفَهْمِ، فَاسْتَمِعْ إِلَى هَذَا، وَأَنْصِتْ لِمَا أَقُولُ:
17أَيُمْكِنُ لِمُبْغِضِ الْعَدْلِ أَنْ يَحْكُمَ؟ أَتَدِينُ الْبَارَّ
الْقَدِيرَ؟ 18الَّذِي يَقُولُ لِلْمَلِكِ: أَنْتَ عَدِيمُ الْقِيمَةِ،
وَلِلنُّبَلاَءِ: أَنْتُمْ أَشْرَارٌ؟ 19الَّذِي لاَ يُحَابِي الأُمَرَاءَ،
وَلاَ يُؤْثِرُ الأَغْنِيَاءَ عَلَى الْفُقَرَاءِ، لأَنَّهُمْ جَمِيعاً
عَمَلُ يَدَيْهِ. 20فِي لَحْظَةٍ يَمُوتُونَ، تُفَاجِئُهُمُ الْمَنِيَّةُ
فِي مُنْتَصَفِ اللَّيْلِ، تَتَزَعْزَعُ الشُّعُوبُ فَيَفْنَوْنَ،
وَيُسْتَأْصَلُ الأَعِزَّاءُ مِنْ غَيْرِ عَوْنٍ بَشَرِيٍّ، 21لأَنَّ
عَيْنَيْهِ عَلَى طُرُقِ الإِنْسَانِ وَهُوَ يُرَاقِبُ خَطَوَاتِهِ. 22لاَ
تُوجَدُ ظُلْمَةٌ، وَلاَ ظِلُّ مَوْتٍ، يَتَوَارَى فِيهِمَا فَاعِلُو
الإِثْمِ، 23لأَنَّهُ لاَ يَحْتَاجُ أَنْ يَفْحَصَ الإِنْسَانَ مَرَّةً
أُخْرَى حَتَّى يَدْعُوهُ لِلْمُثُولِ أَمَامَهُ فِي مُحَاكَمَةٍ.
24يُحَطِّمُ الأَعِزَّاءَ مِنْ غَيْرِ إِجْرَاءِ تَحْقِيقٍ، وَيُقِيمُ
آخَرِينَ مَكَانَهُمْ 25لِذَلِكَ هُوَ مُطَّلِعٌ عَلَى أَعْمَالِهِمْ،
فَيُطِيحُ بِهِمْ فِي اللَّيْلِ فَيُسْحَقُونَ. 26يَضْرِبُهُمْ لِشَرِّهِمْ
عَلَى مَرْأَى مِنَ النَّاسِ، 27لأَنَّهُمُ انْحَرَفُوا عَنِ اتِّبَاعِهِ،
وَلَمْ يَتَأَمَّلُوا فِي طُرُقِهِ، 28فَكَانُوا سَبَباً فِي ارْتِفَاعِ
صُرَاخِ الْبَائِسِ إِلَيْهِ، وَاللهُ يَسْتَجِيبُ اسْتِغَاثَةَ
الْمِسْكِينِ. 29فَإِنْ هَيْمَنَ بِسَكِينَتِهِ فَمَنْ يَدِينُهُ، وَإِنْ
وَارَى وَجْهَهُ فَمَنْ يُعَايِنُهُ، سَوَاءٌ أَكَانُوا شَعْباً أَمْ
فَرْداً 30لِكَيْ لاَ يَسُودَ الْفَاجِرُ، لِئَلاَّ تَعْثُرَ الأُمَّةُ.
أليهو يوبخ كبرياء أيوب
31هَلْ قَالَ أَحَدٌ لِلهِ:
لَقَدْ تَحَمَّلْتُ الْعِقَابَ فَلَنْ أَعُودَ إِلَى الإِسَاءَةِ؟
32عَلِّمْنِي مَا لاَ أَرَاهُ، وَإِنْ كُنْتُ قَدْ أَثِمْتُ فَإِنَّنِي
عَنْهُ أَرْتَدِعُ. 33أَيُجْزِيكَ اللهُ إِذاً بِمُقْتَضَى رَأْيِكَ إِذَا
رَفَضْتَ التَّوْبَةَ؟ لأَنَّ عَلَيْكَ أَنْتَ أَنْ تَخْتَارَ لاَ أَنَا،
فَأَخْبِرْنِي بِمَا تَعْرِفُ. 34إِنَّ ذَوِي الْفَهْمِ يُعْلِنُونَ،
وَالْحُكَمَاءَ الَّذِينَ يُنْصِتُونَ إِلَى كَلاَمِي يَقُولُونَ لِي:
35إِنَّ أَيُّوبَ يَتَكَلَّمُ بِجَهْلٍ، وَكَلاَمُهُ يَفْتَقِرُ إِلَى
التَّعَقُّلِ. 36يَالَيْتَ أَيُّوبَ يُمْتَحَنُ أَقْسَى امْتِحَانٍ،
لأَنَّهُ أَجَابَ كَمَا يُجِيبُ أَهْلُ الشَّرِّ. 37لَكِنَّهُ أَضَافَ
إِلَى خَطِيئَتِهِ عِصْيَاناً، إِذْ يُصَفِّقُ بَيْنَنَا بِاحْتِقَارٍ،
مُثَرْثِراً بِأَقْوَالٍ ضِدَّ اللهِ!»
فصل
35
أليهو يتابع توبيخه
وَقَالَ أَلِيهُو أَيْضاً:
2«أَتَحْسِبُ هَذَا عَدْلاً؟ ثُمَّ تَقُولُ: إِنَّ هَذَا حَقِّي أَمَامَ
اللهِ، 3وَتَسْأَلُ: أَيَّةُ مَنْفَعَةٍ لِي؟ هَلْ أَكُونُ فِي حَالٍ
أَفْضَلَ لَوْ لَمْ أُخْطِىءْ؟ 4سَأُجِيبُكَ أَنْتَ وَأَصْدِقَاءَكَ
مَعَكَ: 5انْظُرْ إِلَى السَّمَاوَاتِ وَتَأَمَّلْ: تَفَرَّسْ فِي
السُّحُبِ الشَّامِخَةِ فَوْقَكَ. 6إِنْ أَثِمْتَ فَمَاذَا يُؤَثِّرُ هَذَا
فِيهِ؟ وَإِنْ كَثَّرْتَ خَطَايَاكَ فَأَيُّ شَيْءٍ يَلْحَقُ بِهِ؟ 7وَإِنْ
كُنْتَ بَارّاً فَمَاذَا تُعْطِيهِ؟ أَوْ مَاذَا يَأْخُذُ مِنْ يَدِكَ؟
8إِنَّ شَرَّكَ يُؤَثِّرُ فِي إِنْسَانٍ نَظِيرِكَ، وَبِرَّكَ يَفِيدُ
فَقَطْ أَبْنَاءَ النَّاسِ.
9لأَنَّ مِنْ كَثْرَةِ
الْجَوْرِ يَسْتَغِيثُ الْمَظْلُومُونَ طَلَباً لِلْخَلاَصِ مِنْ قَبْضَةِ
الْعُتَاةِ، 10وَلَكِنْ لاَ أَحَدَ يَقُولُ: أَيْنَ اللهُ صَانِعِي،
الْوَاهِبُ تَرْنِيماً فِي اللَّيْلِ، 11الَّذِي عَلَّمَنَا أَكْثَرَ مِنْ
وُحُوشِ الأَرْضِ، وَجَعَلَنَا أَعْظَمَ حِكْمَةً مِنْ طُيُورِ السَّمَاءِ.
12يَسْتَغِيثُونَ بِهِ فَلاَ يُجِيبُ مِنْ جَرَّاءِ تَشَامُخِ الأَشْرَارِ
13فَإِنْ كَانَ اللهُ لاَ يَسْمَعُ لِصُرَاخِهِمِ الفَارِغِ، وَلاَ
يَأْبَهُ القَدِيرُ لَهُ 14فَكَمْ بِالأَحْرَى لاَ يَسْمَعُ لَكَ عِنْدَمَا
تَقُولُ إِنَّكَ لاَ تَرَاهُ! لَكِنِ اصْبِرْ، فَدَعْوَاكَ أَمَامَهُ
15وَالآنَ، لأَنَّهُ لَمْ يُجَازِ فِي غَضَبِهِ وَلَمْ يُبَالِ
بِمُعَاقَبَةِ الإِثْمِ، 16فَغَرَ أَيُّوبُ فَاهُ بِالْبَاطِلِ، وَأَكْثَرَ
مِنَ الْكَلاَمِ بِجَهْلٍ!»
فصل
36
الله عادل في معاملاته
وَاسْتَطْرَدَ أَلِيهُو:
2«تَحَمَّلْنِي قَلِيلاً فَأَزِيدَكَ اطِّلاَعاً، فَمَازَالَ عِنْدِي مَا
أَقُولُهُ نِيَابَةً عَنِ اللهِ، 3لأَنِّي أَتَلَقَّى عِلْمِي مِنْ بَعِيدٍ
وَأَعْزُو بِرّاً لِصَانِعِي. 4حَقّاً إِنَّ كَلاَمِي صَادِقٌ، لأَنَّ
الْكَامِلَ فِي الْمَعْرِفَةِ حَاضِرٌ مَعَكَ.
5اللهُ قَدِيرٌ وَلَكِنَّهُ
لاَ يَحْتَقِرُ الإِنْسَانَ، هُوَ قَدِيرٌ عَظِيمُ الْقُدْرَةِ
وَالْفَهْمِ. 6لاَ يُبْقِي عَلَى حَيَاةِ الشِّرِّيرِ إِنَّمَا يَقْضِي
حَقَّ الْبَائِسِينَ. 7لاَ يَغُضُّ طَرْفَهُ عَنِ الصِّدِّيقِينَ، بَلْ
يُقِيمُهُمْ مَعَ الْمُلُوكِ عَلَى الْعُرُوشِ إِلَى الأَبَدِ
فَيَتَعَظَّمُونَ. 8وَإِنْ رَسَفُوا فِي الْقُيُودِ، وَوَقَعُوا فِي
حِبَالِ الشَّقَاءِ، 9عِنْدَئِذٍ يُبْدِي لَهُمْ أَفْعَالَهُمْ
وَآثَامَهُمْ إِذْ سَلَكُوا بِغُرُورٍ. 10يَفْتَحُ آذَانَهُمْ
لِتَحْذِيرَاتِهِ، وَيَأْمُرُهُمْ بِالتَّوْبَةِ عَنْ إِثْمِهِمْ. 11فَإِنْ
أَطَاعُوا وَعَبَدُوهُ، يَقْضُونَ أَيَّامَهُمْ بِرَغْدٍ، وَسِنِيهِمْ
بِالنِّعَمِ. 12وَلَكِنْ إِنْ عَصَوْا فَبِحَدِّ السَّيْفِ يَهْلِكُونَ،
وَيَمُوتُونَ مِنْ غَيْرِ فَهْمٍ. 13أَمَّا فُجَّارُ الْقُلُوبِ
فَيَذْخَرُونَ لأَنْفُسِهِمْ غَضَباً، وَلاَ يَسْتَغِيثُونَ بِاللهِ حِينَ
يُعَاقِبُهُمْ. 14يَمُوتُونَ فِي الصِّبَا بَيْنَ مَأْبُونِي الْمَعَابِدِ.
15أَمَّا الْمُبْتَلَوْنَ فَيُنْقِذُهُمْ فِي بَلاَئِهِمْ، وَبِالضِّيقِ
يَفْتَحُ آذَانَهُمْ.
16يَجْتَذِبُكَ مِنَ
الضِّيقِ إِلَى رَحْبٍ طَلِيقٍ، وَيَمْلأُ مَائِدَتَكَ بِالأَطْعِمَةِ
الدَّسِمَةِ.
تحذير أليهو لأيوب
17وَلَكِنَّكَ مُثْقَلٌ
بِالدَّيْنُونَةِ الْوَاقِعَةِ عَلَى الأَشْرَارِ، فَالدَّعْوَى
وَالْقَضَاءُ يُمْسِكَانِكَ. 18فَاحْرِصْ لِئَلاَّ يُغْرِيَكَ الغَضَبُ
بالسُّخْرِيَةِ، أَوْ تَصْرِفَكَ الرِّشْوَةُ الْعَظِيمَةُ عَنِ الحَقِّ
19أَيُمْكِنُ لِثَرَائِكَ أَوْ لِجُهُودِكَ الْجَبَّارَةِ أَنْ تَدْعَمَكَ
فَلاَ تَغْرَقَ فِي الْكَآبَةِ؟ 20لاَ تَتَشَوَّقْ إِلَى اللَّيْلِ حَتَّى
تَجُرَّ النَّاسَ خَارِجاً مِنْ بُيُوتِهِمْ. 21احْتَرِسْ أَنْ تَتَحَوَّلَ
إِلَى الشَّرِّ، فَإِنَّ هَذَا مَا اخْتَرْتَهُ عِوَضاً عَنِ الشَّقَاءِ.
22انْظُرْ، إِنَّ اللهَ
يَتَمَجَّدُ فِي قُوَّتِهِ. أَيُّ مُعَلِّمٍ نَظِيرُهُ؟ 23مَنْ سَنَّ لَهُ
طُرُقَهُ أَوْ قَالَ لَهْ: لَقَدِ ارْتَكَبْتَ خَطَأً؟
تعظيم عمل لله
24لاَ تَنْسَ أَنْ تُعَظِّمَ
عَمَلَهُ الَّذِي يَتَغَنَّى بِهِ النَّاسُ. 25لَقَدْ شَهِدَهُ النَّاسُ
كُلُّهُمْ، وَتَفَرَّسُوا فِيهِ مِنْ بَعِيدٍ. 26فَمَا أَعْظَمَ اللهَ !
وَنَحْنُ لاَ نَعْرِفُهُ، وَعَدَدُ سِنِيهِ لاَ يُسْتَقْصَى. 27لأَنَّهُ
يَجْتَذِبُ قَطَرَاتِ الْمَاءِ، وَيَجْعَلُ سُحُبَهُ تَهْطِلُ أَمْطَاراً،
28تَسْكُبُهَا السَّمَاوَاتُ وَتَصُبُّهَا بِغَزَارَةٍ عَلَى الإِنْسَانِ.
29أَهُنَاكَ مَنْ يَفْهَمُ كَيْفَ تَنْتَشِرُ السُّحُبُ، وَكَيْفَ تُرْعِدُ
سَمَاؤُهُ؟ 30فَانْظُرْ كَيْفَ بَسَطَ بُرُوقَهُ حَوَالَيْهِ وَتَسَرْبَلَ
بِلُجَجِ الْبَحْرِ. 31هَكَذَا يُطْعِمُ اللهُ الشُّعُوبَ وَيُزَوِّدُهُمْ
بِالْغِذَاءِ بِوَفْرَةٍ. 32يَمْلأُ يَدَيْهِ بِالْبُرُوقِ وَيَأْمُرُهَا
أَنْ تُصِيبَ الْهَدَفَ. 33إِنَّ رَعْدَهُ يُنْذِرُ بِاقْتِرَابِ
الْعَاصِفَةِ، وَحَتَّى الْمَاشِيَةُ تُنْبِيءُ بِدُنُوِّهَا.
فصل
37
قدرة الله وسلطانه
لِذَلِكَ يَرْتَعِدُ قَلْبِي
وَيَثِبُ فِي مَوْضِعِهِ. 2فَأَنْصِتْ، وَاصْغَ إِلَى زَئِيرِ صَوْتِهِ،
وَإِلَى زَمْجَرَةِ فَمِهِ. 3يَسْتَلُّ بُرُوقَهُ مِنْ تَحْتِ كُلِّ
السَّمَاوَاتِ وَيُرْسِلُهَا إِلَى جَمِيعِ أَقَاصِي الأَرْضِ، 4فَتُدَوِّي
زَمْجَرَةُ زَئِيرِهِ، وَيُرْعِدُ بِصَوْتِ جَلاَلِهِ، وَحِينَ تَتَرَدَّدُ
أَصْدَاؤُهُ لاَ يَكْبَحُ جِمَاحَهَا شَيْءٌ. 5يُرْعِدُ اللهُ بِصَوْتِهِ
صَانِعاً عَجَائِبَ وَآيَاتٍ تَفُوقُ إِدْرَاكَنَا. 6يَقُولُ لِلثَّلْجِ
اهْطِلْ عَلَى الأَرْضِ، وَلِلأَمْطَارِ: انْهَمِرِي بِشِدَّةٍ. 7يُوْقِفُ
كُلَّ إِنْسَانٍ عَنْ عَمَلِهِ، لِيُدْرِكَ كُلُّ النَّاسِ الَّذِينَ
خَلَقَهُمْ حَقِيقَةَ قُوَّتِهِ. 8فَتَلْجَأُ الْوُحُوشُ إِلَى
أَوْجِرَتِهَا، وَتَمْكُثُ فِي مَآوِيهَا. 9تُقْبِلُ الْعَاصِفَةُ مِنَ
الْجَنُوبِ، وَالْبَرَدُ مِنَ الشَّمَالِ، 10مِنْ نَسَمَةِ اللهِ
يَتَكَوَّنُ الْجَلِيدُ، وَتَتَجَمَّدُ بِسُرْعَةٍ الْمِيَاهُ
الْغَزِيرَةُ. 11يَشْحَنُ السُّحُبَ الْمُتَكَاثِفَةَ بِالنَّدَى،
وَيُبَعْثِرُ
بَرْقَهُ بَيْنَهَا. 12فَتَتَحَرَّكُ كَمَا يَشَاءُ هُوَ، لِتُنَفِّذَ
كُلَّ مَا يَأْمُرُهَا بِهِ عَلَى وَجْهِ الْمَسْكُونَةِ. 13يُرْسِلُهَا
سَوَاءٌ لِلتَّأْدِيبِ أَوْ لأَرْضِهِ أَوْ رَحْمَةً مِنْهُ.
الاعتبار بأعمال الله
العجيبة
14فَاسْتَمِعْ إِلَى هَذَا
يَاأَيُّوبُ. وَتَوَقَّفْ وَتَأَمَّلْ فِي عَجَائِبِ اللهِ. 15هَلْ تَدْرِي
كَيْفَ يَتَحَكَّمُ اللهُ فِي السُّحُبِ، وَكَيْفَ يَجْعَلُ بُرُوقَهُ
تُوْمِضُ؟ 16هَلْ تَعْرِفُ كَيْفَ تَتَعَلَّقُ السُّحُبُ بِتَوَازُنٍ؟
هَذِهِ الْعَجَائِبُ الصَّادِرَةُ عَنْ كَامِلِ الْمَعْرِفَةِ! 17أَنْتَ
يَامَنْ تَسْخُنُ ثِيَابُهُ عِنْدَمَا تَرِينُ سَكِينَةٌ عَلَى الأَرْضِ
بِتَأْثِيرِ رِيحِ الْجَنُوبِ. 18هَلْ يُمكِنُكَ مِثْلَهُ أَنْ تُصَفِّحَ
الْجَلَدَ الْمُمْتَدَّ وَكَأَنَّهُ مِرْآةٌ مَسْبُوكَةٌ؟ 19أَنْبِئْنَا
مَاذَا عَلَيْنَا أَنْ نَقُولَ لَهُ، فَإِنَّنَا لاَ نُحْسِنُ عَرْضَ
قَضِيَّتِنَا بِسَبَبِ الظُّلْمَةِ (أَيِ الْجَهْلِ) 20هَلْ أَطْلُبُ مِنَ
اللهِ أَنْ أَتَكَلَّمَ مَعَهُ؟ أَيُّ رَجُلٍ يَتَمَنَّى لِنَفْسِهِ
الْهَلاكَ؟ 21لاَ يَقْدِرُ أَحَدٌ أَنْ يُحَدِّقَ إِلَى النُّورِ عِنْدَمَا
يَكُونُ مُتَوَهِّجاً فِي السَّمَاءِ، بَعْدَ أَنْ تَكُونَ الرِّيحُ قَدْ
بَدَّدَتْ عَنْهُ السُّحُبَ. 22يُقْبِلُ مِنَ الشَّمَالِ بَهَاءٌ
ذَهَبِيٌّ، إِنَّ اللهَ مُسَرْبَلٌ بِجَلاَلٍ مُرْهِبٍ. 23وَلاَ
يُمْكِنُنَا إِدْرَاكُ الْقَدِيرِ، فَهُوَ مُتَعَظِّمٌ بِالْقُوَّةِ
وَالْعَدْلِ وَالْبِرِّ وَلاَ يَجُورُ، 24لِذَلِكَ يَرْهَبُهُ الْجَمِيعُ،
لأَنَّهُ يَحْتَقِرُ أَدْعِيَاءَ الْحِكْمَةِ».
فصل
38
الله يتكلم من العاصفة
ثُمَّ قَالَ الرَّبُّ
لأَيُّوبَ مِنَ الْعَاصِفَةِ: 2«مَنْ ذَا الَّذِي يُظْلِمُ الْقَضَاءَ
بِكَلاَمٍ مُجَرَّدٍ مِنَ الْمَعْرِفَةِ؟ 3اشْدُدْ حَقَوَيْكَ كَرَجُلٍ
لأَسْأَلَكَ فَتُجِيبَنِي 4أَيْنَ كُنْتَ عِنْدَمَا أَسَّسْتُ الأَرْضَ؟
أَخْبِرْنِي إِنْ كُنْتَ ذَا حِكْمَةٍ. 5مَنْ حَدَّدَ مَقَايِيسَهَا، إِنْ
كُنْتَ حَقّاً تَعْرِفُ؟ أَوْ مَنْ مَدَّ عَلَيْهَا خَيْطَ الْقِيَاسِ؟
6عَلَى أَيِّ شَيْءٍ اسْتَقَرَّتْ قَوَاعِدُهَا؟ وَمَنْ وَضَعَ حَجَرَ
زَاوِيَتِهَا؟ 7بَيْنَمَا كَانَتْ كَوَاكِبُ السَّمَاءِ تَتَرَنَّمُ مَعاً
وَمَلاَئِكَةُ اللهِ تَهْتِفُ بِفَرَحٍ.
8مَنْ حَجَزَ الْبَحْرَ
بِبَوَّابَاتٍ، عِنْدَمَا انْدَفَقَ مِنْ رَحِمِ الأَرْضِ، 9حِينَ جَعَلْتُ
السُّحُبَ لِبَاساً لَهُ وَالظُّلْمَةَ قِمَاطَهُ، 10عِنْدَمَا عَيَّنْتُ
لَهُ حُدُوداً، وَأَثْبَتُّ بَوَّابَاتِهِ وَمَغَالِيقَهُ فِي
مَوَاضِعِهَا، 11وَقُلْتُ لَهُ: إِلَى هُنَا تُخُومُكَ فَلاَ
تَتَعَدَّاهَا، وَهُنَا يَتَوَقَّفُ عُتُوُّ أَمْوَاجِكَ؟
12هَلْ أَمَرْتَ مَرَّةً
الصُّبْحَ فِي أَيَّامِكَ، وَأَرَيْتَ الْفَجْرَ مَوْضِعَهُ، 13لِيَقْبِضَ
عَلَى أَكْنَافِ الأَرْضِ وَيَنْفُضَ الأَشْرَارَ مِنْهَا؟ 14تَتَشَكَّلُ
كَطِينٍ تَحْتَ الْخَاتَمِ، وَتَبْدُو مَعَالِمُهَا كَمَعَالِمِ
الرِّدَاءِ. 15يَمْتَنِعُ النُّورُ عَنِ الأَشْرَارِ، وَتَتَحَطَّمُ
ذِرَاعُهُمُ الْمُرْتَفِعَةُ.
معرفة الإنسان المحدودة
16هَلْ غُصْتَ إِلَى
يَنَابِيعِ الْبَحْرِ، أَمْ دَلَفْتَ إِلَى مَقَاصِيرِ اللُّجَجِ؟ 17هَلِ
اطَّلَعْتَ عَلَى أَبْوَابِ الْمَنِيَّةِ، أَمْ رَأَيْتَ بَوَّابَاتِ
ظِلاَلِ الْمَوْتِ؟ 18هَلْ أَحَطْتَ بِعَرْضِ الأَرْضِ؟ أَخْبِرْنِي إِنْ
كُنْتَ بِكُلِّ هَذَا عَلِيماً.
19أَيْنَ الطَّرِيقُ إِلَى
مَقَرِّ النُّورِ، وَأَيْنَ مُسْتَقَرُّ الظُّلْمَةِ؟ 20حَتَّى تَقُودَهَا
إِلَى تُخُومِهَا وَتَعْرِفَ سُبُلَ مَسْكِنِهَا؟ 21حَقّاً أَنْتَ
تَعْرِفُهَا لأَنَّكَ آنَئِذٍ كُنْتَ قَدْ وُلِدْتَ وَعِشْتَ أَيَّاماً
طَوِيلَةً!
22هَلْ دَلَفْتَ إِلَى
مَخَازِنِ الثَّلْجِ، أَمْ رَأَيْتَ خَزَائِنَ الْبَرَدِ، 23الَّتِي
ادَّخَرْتُهَا لأَوْقَاتِ الضِّيقِ، لِيَوْمِ الْمَعْرَكَةِ وَالْحَرْبِ؟
24مَا هُوَ السَّبِيلُ إِلَى مَوْضِعِ انْتِشَارِ النُّورِ، أَوْ أَيْنَ
تَتَوَزَّعُ الرِّيحُ الشَّرْقِيَّةُ عَلَى الأَرْضِ؟ 25مَنْ حَفَرَ
قَنَوَاتٍ لِسُيُولِ الْمَطَرِ، وَمَمَرّاً لِلصَّوَاعِقِ، 26لِيُمْطِرَ
عَلَى أَرْضٍ مُقْفِرَةٍ لاَ إِنْسَانَ فِيهَا، 27لِيُرْوِيَ الأَرْضَ
الْخَرِبَةَ، وَلِيَسْتَنْبِتَ الأَرْضَ عُشْباً؟
28هَلْ لِلْمَطَرِ أَبٌ؟
وَمَنْ أَنْجَبَ قَطَرَاتِ النَّدَى؟ 29وَمِنْ أَيِّ أَحْشَاءٍ خَرَجَ
الْجَمَدُ، وَمَنْ وَلَدَ صَقِيعَ السَّمَاءِ؟ 30تَتَجَلَّدُ الْمِيَاهُ
كَحِجَارَةٍ وَيَتَجَمَّدُ وَجْهُ الْغَمْرِ.
31هَلْ تَرْبِطُ سَلاَسِلَ
الثُّرَيَّا، أَمْ تَفُكُّ عُقَدَ الْجَوْزَاءِ؟ 32هَلْ تَهْدِي كَوَاكِبَ
الْمَنَازِلِ فِي فُصُولِهَا، أَمْ تَهْدِي النَّعْشَ مَعَ بِنَاتِهِ؟
33هَلْ تَعْرِفُ أَحْكَامَ السَّمَاوَاتِ، أَمْ أَسَّسْتَ سُلْطَتَهَا
عَلَى الأَرْضِ؟ 34هَلْ تَرْفَعُ صَوْتَكَ آمِراً الْغَمَامَ فَيَغْمُرَكَ
فَيْضُ الْمِيَاهِ؟ 35هَلْ فِي وُسْعِكَ أَنْ تُطْلِقَ الْبُرُوقَ
فَتَمْضِيَ وَتَقُولَ لَكَ: هَا نَحْنُ طَوْعَ أَمْرِكَ؟ 36مَنْ أَضْفَى
عَلَى الْغُيُومِ حِكْمَةً وَأَنْعَمَ عَلَى الضَّبَابِ بِالْفَهْمِ؟
37مَنْ لَهُ الْحِكْمَةُ لِيُحْصِيَ النُّجُومَ، وَمَنْ يَصُبُّ الْمَاءَ
مِنْ مَيَازِيبِ السَّمَاءِ، 38حِينَ يَتَلَبَّدُ التُّرَابُ وَتَتَمَاسَكُ
كُتَلُ الطِّينِ؟
عجائب عالم الحيوان
39هَلْ تَصْطَادُ
الْفَرِيسَةَ لِلَّبُؤَةِ، أَمْ تُشْبِعُ جُوعَ الأَشْبَالِ، 40حِينَ
تَتَرَبَّصُ فِي الْعَرَائِنِ وَتَكْمُنُ فِي أَوْجَارِهَا؟ 41مَنْ
يُزَوِّدُ الْغُرَابَ بِصَيْدِهِ إِذْ تَنْعَبُ فِرَاخُهُ مُسْتَغِيثَةً
بِاللهِ، وَتَهِيمُ لاِفْتِقَارِهَا إِلَى الْقُوتِ؟
فصل
39
هَلْ تُدْرِكُ مَتَى تَلِدُ
أَوْعَالُ الصُّخُورِ أَمْ تَرْقُبُ مَخَاضَ الأَيَائِلِ؟ 2هَلْ تَحْسُبُ
أَشْهُرَ حَمْلِهِنَّ، وَتَعْلَمُ مِيعَادَ وَضْعِهِنَّ، 3حِينَ يَجْثُمْنَ
لِيَضَعْنَ صِغَارَهُنَّ، وَيتَخَلَّصْنَ مِنْ آلامِ مَخَاضِهِنَّ؟
4تَكْبُرُ صِغَارُهُنَّ، وَتَنْمُو فِي الْقَفْرِ، ثُمَّ تَشْرُدُ وَلاَ
تَعُودُ.
5مَنْ أَطْلَقَ سَرَاحَ
الفَرَا وَفَكَّ رُبُطَ حِمَارِ الْوَحْشِ؟ 6لِمَنْ أَعْطَيْتُ
الصَّحْرَاءَ مَسْكَناً وَالأَرْضَ الْمِلْحِيَّةَ مَنْزِلاً؟ 7فَيَسْخَرَ
مِنْ جَلَبَةِ الْمُدُنِ وَلاَ يَسْمَعَ نِدَاءَ السَّائِقِ؟ 8يَرْتَادُ
الْجِبَالَ مَرْعًى لَهُ، وَيَلْتَمِسُ كُلَّ مَا هُوَ أَخْضَرُ،
9أَيَرْضَى الثَّوْرُ الْوَحْشِيُّ أَنْ يَخْدُمَكَ؟ أَيَبِيتُ عِنْدَ
مِعْلَفِكَ؟ 10أَتَرْبِطُهُ بِالنِّيرِ لِيَجُرَّ لَكَ الْمِحْرَاثَ، أَمْ
يُمَهِّدُ الْوَادِي خَلْفَكَ؟ 11أَتَتَّكِلُ عَلَيْهِ لِقُوَّتِهِ
الْعَظِيمَةِ، وَتُكَلِّفُهُ الْقِيَامَ بِأَعْمَالِكَ؟ 12أَتَثِقُ
بِعَوْدَتِهِ حَامِلاً إِلَيْكَ حِنْطَتَكَ لِيُكَوِّمَهَا فِي بَيْدَرِكَ؟
13يُرَفْرِفُ جَنَاحَا
النَّعَامَةِ بِغِبْطَةٍ، وَلَكِنْ أَهُمَا جَنَاحَانِ مَكْسُوَّانِ
بِرِيشِ الْمَحَبَّةِ؟ 14فَهِيَ تَتْرُكُ بَيْضَهَا عَلَى الأَرْضِ
لِيَدْفَأَ بِالتُّرَابِ، 15وَتَنْسَى أَنَّ الْقَدَمَ قَدْ تَطَأُ
عَلَيْهِ، وَأَنَّ بَعْضَ الْحَيَوَانَاتِ الْكَاسِرَةِ قَدْ تُحَطِّمُهُ.
16إِنَّهَا تُعَامِلُ صِغَارَهَا بِقَسْوَةٍ كَأَنَّهَا لَيْسَتْ لَهَا،
غَيْرَ آسِفَةٍ عَلَى ضَيَاعِ تَعَبِهَا، 17لأَنَّ اللهَ قَدْ أَنْسَاهَا
الْحِكْمَةَ، وَلَمْ يَمْنَحْهَا نَصِيباً مِنَ الْفَهْمِ. 18وَلَكِنْ مَا
إِنْ تَبْسُطُ جَنَاحَيْهَا، لِتَجْرِيَ حَتَّى تَهْزَأَ بِالْفَرَسِ
وَرَاكِبِهِ!
19أَأَنْتَ وَهَبْتَ
الْفَرَسَ قُوَّتَهُ، وَكَسَوْتَ عُنْقَهُ عُرْفاً؟ 20أَأَنْتَ تَجْعَلُهُ
يَثِبُ كَجَرَادَةٍ؟ إنَّ نَخِيرَهُ الْهَائِلَ لَمُخِيفٌ. 21يَشُقُّ
الْوَادِي بِحَوَافِرِهِ، وَيَمْرَحُ فِي جَمِّ نَشَاطِهِ، وَيَقْتَحِمُ
الْمَعَارِكَ. 22يَسْخَرُ مِنَ الْخَوْفِ وَلاَ يَرْتَاعُ، وَلاَ
يَتَرَاجَعُ أَمَامَ السَّيْفِ. 23تُصَلْصِلُ عَلَيْهِ جَعْبَةُ
السِّهَامِ، وَأَيْضاً بَرِيقُ الرِّمَاحِ وَالْحِرَابِ. 24فِي جَرْيِهِ
يَنْهَبُ الأَرْضَ بِعُنْفُوَانٍ وَغَضَبٍ وَلاَ يَسْتَقِرُّ فِي مَكَانِهِ
عِنْدَ نَفْخِ بُوقِ الْحَرْبِ. 25عِنْدَمَا يُدَوِّي صَوْتُ الْبُوقِ
يَقُولُ: هَهْ هَهْ! وَيَسْتَرْوِحُ الْمَعْرَكَةَ عَنْ بُعْدٍ، وَيَسْمَعُ
زَئِيرَ الْقَادَةِ وَهُتَافَهُمْ.
26أَبِحِكْمَتِكَ يُحَلِّقُ
الصَّقْرُ وَيَفْرِدُ جَنَاحَيْهِ نَحْوَ الْجَنُوبِ؟ 27أَبِأَمْرِكَ
يُحَلِّقُ النَّسْرُ وَيَجْعَلُ وَكْرَهُ فِي الْعَلاَءِ؟ 28يُعَشِّشُ
بَيْنَ الصُّخُورِ، وَيَبِيتُ فِيهَا وَعَلَى جُرْفٍ صَخْرِيٍّ يَكُونُ
مَعْقَلُهُ. 29مِنْ هُنَاكَ يَتَرَصَّدُ قُوتَهُ، وَتَرْقُبُ عَيْنَاهُ
فَرِيسَتَهُ مِنْ بَعِيدٍ. 30وَتَلِغُ فِرَاخُهُ أَيْضاً فِي الدِّمَاءِ،
وَحَيْثُ تَكُونُ الْجُثَثُ تَتَجَمَّعُ النُّسُورُ».
فصل
40
الله يتابع كلامه
وَاسْتَطْرَدَ الرَّبُّ
قَائِلاً لأَيُّوبَ: 2«أَيُخَاصِمُ اللاَّئِمُ الْقَدِيرَ؟
لِيُجِبِ المُشْتَكِي عَلَى
اللهِ».
أيوب يستسلم لحكمة الله
3عِنْدَئِذٍ أَجَابَ
أَيُّوبُ الرَّبَّ:
4«انْظُرْ، أَنَا حَقِيرٌ
فَبِمَاذَا أُجِيبُكَ؟ هَا أَنَا أَضَعُ يَدِي عَلَى فَمِي 5لَقَدْ
تَكَلَّمْتُ مَرَّةً وَلَنْ أُجِيبَ، وَمَرَّتَيْنِ وَلَنْ أُضِيفَ».
6حِينَئِذٍ أَجَابَ الرَّبُّ
أَيُّوبَ مِنَ الْعَاصِفَةِ: 7«اشْدُدْ حَقَوَيْكَ وَكُنْ رَجُلاً،
فَأَسْأَلَكَ وَتُجِيبَنِي. 8أَتَشُكُّ فِي قَضَائِي أَوْ تَسْتَذْنِبُنِي
لِتُبَرِّرَ نَفْسَكَ؟ 9أَتَمْلِكُ ذِرَاعاً كَذِرَاعِ اللهِ؟ أَتُرْعِدُ
بِمِثْلِ صَوْتِهِ؟ 10إِذاً تَسَرْبَلْ بِالْجَلالِ وَالْعَظَمَةِ،
وَتَزَيَّنْ بِالْمَجْدِ وَالْبَهَاءِ. 11صُبَّ فَيْضَ غَضَبِكَ، وَانْظُرْ
إِلَى كُلِّ مُتَكَبِّرٍ وَاخْفِضْهُ. 12انْظُرْ إِلَى كُلِّ مُتَعَظِّمٍ
وَذَلِّلْهُ، وَدُسِ الأَشْرَارَ فِي مَوَاضِعِهِمْ. 13اطْمِرْهُمْ
كُلَّهُمْ فِي التُّرَابِ مَعاً، وَاحْبِسْ وُجُوهَهُمْ فِي الْهَاوِيَةِ.
14عِنْدَئِذٍ أَعْتَرِفُ لَكَ بِأَنَّ يَمِينَكَ قَادِرَةٌ عَلَى
إِنْقَاذِكَ.
قوة بهيموث
15انْظُرْ إِلَى بَهِيمُوثَ
الَّذِي صَنَعْتُهُ مَعَكَ، فَإِنَّهُ يَأْكُلُ الْعُشْبَ كَالْبَقَرِ.
16إِنَّ قُوَّتَهُ فِي مَتْنَيْهِ، وَشِدَّتَهُ فِي عَضَلِ بَطْنِهِ.
17يَنْتَصِبُ ذَيْلُهُ كَشَجَرَةِ أَرْزٍ، وَعَضَلاَتُ فَخِذَيْهِ
مَضْفُورَةٌ. 18عِظَامُهُ أَنَابِيبُ نُحَاسٍ وَأَطْرَافُهُ قُضْبَانُ
حَدِيدٍ، 19إِنَّهُ أَعْجَبُ كُلِّ الْخَلاَئِقِ، وَلاَ يَقْدِرُ أَنْ
يَهْزِمَهُ إِلاَّ الَّذِي خَلَقَهُ. 20تَنْمُو الأَعْشَابُ الَّتِي
يَتَغَذَّى بِهَا عَلَى الْجِبَالِ، حَيْثُ تَمْرَحُ وُحُوشُ
الْبَرِّيَّةِ. 21يَرْبِضُ تَحْتَ شُجَيْرَاتِ السِّدْرِ، وَبَيْنَ
الْحَلْفَاءِ فِي الْمُسْتَنْقَعَاتِ. 22يَسْتَظِلُّ بِشُجَيْرَاتِ
السِّدْرِ، وَبِالصَّفْصَافِ عَلَى الْمِيَاهِ الْجَارِيَةِ 23لاَ
يُخَامِرُهُ الْخَوْفُ إِنْ هَاجَ النَّهْرُ، وَيَظَلُّ مُطْمَئِنّاً
وَلَوِ انْدَفَقَ نَهْرُ الأُرْدُنِّ فِي فَمِهِ. 24مَنْ يَقْدِرُ أَنْ
يَصْطَادَهُ مِنَ الأَمَامِ، أَوْ يَثْقُبُ أَنْفَهُ بِخِزَامَةٍ؟
فصل
41
قوة لوياثان
أَيُمْكِنُ أَنْ تَصْطَادَ
لَوِيَاثَانَ بِشِصٍّ، أَوْ تَرْبِطُ لِسَانَهُ بِحَبْلٍ؟ 2أَتَقْدِرُ أَنْ
تَضَعَ خِزَامَةً فِي أَنْفِهِ، أَوْ تَثْقُبَ فَكَّهُ بِخُطَّافٍ؟
3أَيُكْثِرُ مِنْ تَضَرُّعَاتِهِ إِلَيْكَ أَمْ يَسْتَعْطِفُكَ؟
4أَيُبْرِمُ مَعَكَ عَهْداً لِتَتَّخِذَهُ عَبْداً مُؤَبَّداً لَكَ؟
5أَتُلاَعِبُهُ كَمَا تُلاَعِبُ الْعُصْفُورَ، أَمْ تُطَوِّقُهُ بِتُرْسٍ
لِيَكُونَ لُعْبَةً لِفَتَيَاتِكَ؟ 6أَيُسَاوِمُ عَلَيْهِ التُّجَّارُ،
أَمْ يَتَقَاسَمُونَهُ بَيْنَهُمْ؟ 7أَتُثْخِنُ جِلْدَهُ بِالْحِرَابِ
وَرَأْسَهُ بِأَسِنَّةِ الرِّمَاحِ؟ 8إِنْ حَاوَلْتَ الْقَبْضَ عَلَيْهِ
بِيَدِكَ فَإِنَّكَ سَتَذْكُرُ ضَرَاوَةَ قِتَالِهِ وَلاَ تَعُودُ تُقْدِمُ
عَلَى ذَلِكَ ثَانِيَةً! 9أَيُّ أَمَلٍ فِي إِخْضَاعِهِ قَدْ خَابَ،
وَمُجَرَّدُ النَّظَرِ إِلَيْهِ يَبْعَثُ عَلَى الفَزَعِ. 10لاَ أَحَدَ
يَمْلِكُ جُرْأَةً كَافِيَةً لِيَسْتَثِيرَهُ. فَمَنْ إِذاً، يَقْوَى عَلَى
مُجَابَهَتِي؟ 11مَنْ أَنَا مَدِينٌ لَهُ فَأُوفِيَهُ؟ كُلُّ مَا تَحْتَ
جَمِيعِ السَّمَاوَاتِ هُوَ لِي.
12دَعْنِي أُحَدِّثُكَ عَنْ
أَطْرَافِ لَوِيَاثَانَ وَعَنْ قُوَّتِهِ وَتَنَاسُقِ قَامَتِهِ. 13مَنْ
يَخْلَعُ كِسَاءَهُ أَوْ يَدْنُو مِنْ مُتَنَاوَلِ صَفَّيْ أَضْرَاسِهِ؟
14مَنْ يَفْتَحُ شَدْقَيْهِ؟ إِنَّ دَائِرَةَ أَسْنَانِهِ مُرْعِبَةٌ!
15ظَهْرُهُ مَصْنُوعٌ مِنْ حَرَاشِفَ كَتُرُوسٍ مَصْفُوفَةٍ مُتَلاَصِقَةٍ
بِإِحْكَامٍ، وَكَأَنَّهَا مَضْغُوطَةٌ بِخَاتَمٍ، 16مُتَلاَصِقَةٌ لاَ
يَنْفُذُ مِنْ بَيْنِهَا الْهَوَاءُ، 17مُتَّصِلَةٌ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ،
مُتَلَبِّدَةٌ لاَ تَنْفَصِلُ. 18عِطَاسُهُ يُوْمِضُ نُوراً، وَعَيْنَاهُ
كَأَجْفَانِ الْفَجْرِ، 19مِنْ فَمِهِ تَخْرُجُ مَشَاعِلُ مُلْتَهِبَةٌ،
وَيَتَطَايَرُ مِنْهُ شَرَارُ نَارٍ، 20يَنْبَعِثُ مِنْ مِنْخَرَيْهِ
دُخَانٌ وَكَأَنَّهُ مِن قِدْرٍ يَغْلِي أَوْ مِرْجَلٍ. 21يُضْرِمُ
نَفَسُهُ الْجَمْرَ، وَمِنْ فَمِهِ يَنْطَلِقُ اللَّهَبُ. 22فِي عُنُقِهِ
تَكْمُنُ قُوَّةٌ، وَأَمَامَ عَيْنَيْهِ يَعْدُو الْهَوْلُ. 23ثَنَايَا
لَحْمِهِ مُحْكَمَةُ التَّمَاسُكِ، مَسْبُوكَةٌ عَلَيْهِ لاَ تَتَحَرَّكُ.
24قَلْبُهُ صُلْبٌ كَالصَّخْرِ، صَلْدٌ كَالرَّحَى السُّفْلَى. 25عِنْدَمَا
يَنْهَضُ يَدِبُّ الْفَزَعُ فِي الأَقْوِيَاءِ، وَمِنْ جَلَبَتِهِ
يَعْتَرِيهِمْ شَلَلٌ. 26لاَ يَنَالُ مِنْهُ السَّيْفُ الَّذِي يُصِيبُهُ،
وَلاَ الرُّمْحُ وَلاَ السَّهْمُ وَلاَ الْحَرْبَةُ. 27يَحْسِبُ الْحَدِيدَ
كَالْقَشِّ وَالنُّحَاسَ كَالْخَشَبِ النَّخِرِ. 28لاَ يُرْغِمُهُ
السَّهْمُ عَلَى الْفِرَارِ، وَحِجَارَةُ الْمِقْلاَعِ لَدَيْهِ
كَالْقَشِّ. 29الْهِرَاوَةُ فِي عَيْنَيْهِ كَالْعُصَافَةِ، وَيَهْزَأُ
بِاهْتِزَازِ الرُّمْحِ الْمُصَوَّبِ إِلَيْهِ. 30بَطْنُهُ كَقِطَعِ
الْخَزَفِ الْحَادَّةِ. إِذَا تَمَدَّدَ عَلَى الطِّينِ يَتْرُكُ آثَاراً
مُمَاثِلَةً لِآثَارِ النَّوْرَجِ. 31يَجْعَلُ اللُّجَّةَ تَغْلِي
كَالْقِدْرِ، وَالْبَحْرَ يَجِيشُ كَقِدْرِ الطِّيبِ. 32يَتْرُكُ خَلْفَهُ
خَطّاً مِنْ زَبِدٍ أَبْيَضَ، فَيُخَالُ أَنَّ الْبَحْرَ قَدْ أَصَابَهُ
الشَّيْبُ. 33لاَ نَظِيرَ لَهُ فَوْقَ الأَرْضِ لأَنَّهُ مَخْلُوقٌ عَدِيمُ
الْخَوْفِ.
34يَحْتَقِرُ كُلَّ مَا هُوَ مُتَعَالٍ، وَهُوَ مَلِكٌ عَلَى ذَوِي
الْكِبْرِيَاءِ».
فصل
42
أيوب يتذلل تائباً
فَقَالَ أَيُّوبُ لِلرَّبِّ:
2«قَدْ أَدْرَكْتُ أَنَّكَ تَسْتَطِيعُ كُلَّ شَيْءٍ وَلاَ يَتَعَذَّرُ
عَلَيْكَ أَمْرٌ. 3تَسْأَلُنِي: مَنْ ذَا الَّذِي يُخْفِي الْمَشُورَةَ
مِنْ غَيْرِ مَعْرِفَةٍ؟ حَقّاً قَدْ نَطَقْتُ بِأُمُورٍ لَمْ أَفْهَمْهَا،
بِعَجَائِبَ تَفُوقُ إِدْرَاكِي. 4اسْمَعِ الآنَ وَأَنَا أَتَكَلَّمُ،
أَسْأَلُكَ وَأَنْتَ تُعَلِّمُنِي. 5بِسَمْعِ الأُذُنِ قَدْ سَمِعْتُ
عَنْكَ وَالآنَ رَأَتْكَ عَيْنِي، 6لِذَلِكَ أَلُومُ نَفْسِي وَأَتُوبُ
مُعَفِّراً ذَاتِي بِالتُّرَابِ وَالرَّمَادِ».
ذبائح المحرقات
7وَبَعْدَ أَنِ انْتَهَى
الرَّبُّ مِنْ مُخَاطَبَةِ أَيُّوبَ، قَالَ لأَلِيفَازَ التَّيْمَانِيِّ:
«لَقَدِ احْتَدَمَ غَضَبِي عَلَيْكَ وَعَلَى كِلاَ صَدِيقَيْكَ، لأَنَّكُمْ
لَمْ تَنْطِقُوا بِالصَّوَابِ عَنِّي كَمَا نَطَقَ عَبْدِي أَيُّوبُ.
8فَخُذُوا الآنَ لَكُمْ سَبْعَةَ ثِيرَانٍ وَسَبْعَةَ كِبَاشٍ، وَامْضُوا
إِلَى عَبْدِي أَيُّوبَ وَقَرِّبُوهَا ذَبِيحَةَ مُحْرَقَةٍ عَنْ
أَنْفُسِكُمْ،
فَيُصَلِّيَ مِنْ
أَجْلِكُمْ، فَأَعْفُوَ عَنْكُمْ إِكْرَاماً لَهُ، لِئَلاَّ أُعَاقِبَكُمْ
بِمُقْتَضَى حَمَاقَتِكُمْ، لأَنَّكُمْ لَمْ تَنْطِقُوا بِالْحَقِّ عَنِّي
كَعَبْدِي أَيُّوبَ». 9فَذَهَبَ أَلِيفَازُ التَّيْمَانِيُّ وَبِلْدَدُ
الشُّوحِيُّ وَصُوفَرُ النَّعْمَاتِيُّ وَفَعَلُوا كَمَا أَمَرَ الرَّبُّ.
وَأَكْرَمَ الرَّبُّ أَيُّوبَ.
بركات الرب على أيوب
10وَعِنْدَمَا صَلَّى
أَيُّوبُ مِن أَجْلِ أَصْدِقَائِهِ رَدَّهُ الرَّبُّ مِنْ عُزْلَةِ
مَنْفَاهُ، وَضَاعَفَ كُلَّ مَا كَانَ لَهُ مِنْ قَبْلُ. 11وَأَقْبَلَ
عَلَيْهِ إِخْوَتُهُ وَأَخَوَاتُهُ وَكُلُّ مَعَارِفِهِ السَّابِقِينَ،
وَتَنَاوَلُوا مَعَهُ طَعَاماً فِي بَيْتِهِ، وَأَبْدَوْا لَهُ كُلَّ
رِفْقٍ، وَعَزُّوهُ عَنْ كُلِّ مَا أَنْزَلَهُ بِهِ الرَّبُّ مِنْ بَلْوَى،
وَقَدَّمَ لَهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بَعْضَ الْمَالِ وَخَاتَماً مِنْ
ذَهَبٍ. 12وَبَارَكَ الرَّبُّ آخِرَةَ أَيُّوبَ أَكْثَرَ مِنْ أُولاَهُ،
فَأَصْبَحَ لَهُ أَرْبَعَةَ عَشَرَ أَلْفَ خَرُوفٍ وَسِتَّةُ آلافٍ مِنَ
الإِبِلِ وَأَلْفُ زَوْجٍ مِنَ الْبَقَرِ وَأَلْفُ أَتَانٍ. 13وَرَزَقَهُ
اللهُ سَبْعَةَ بَنِينَ وَثَلاَثَ بَنَاتٍ، 14فَدَعَا الأُولَى يَمِيمَةَ،
وَالثَّانِيَةَ قَصِيعَةَ وَالثَّالِثَةَ قَرْنَ هَفُّوكَ. 15وَلَمْ
تُوْجَدْ فِي كُلِّ الْبِلاَدِ نِسَاءٌ جَمِيلاَتٌ مِثْلَ بَنَاتِ
أَيُّوبَ، وَوَهَبَهُنَّ أَبُوهُنَّ مِيرَاثاً بَيْنَ إِخْوَتِهِنَّ.
16وَعَاشَ أَيُّوبُ بَعْدَ تَجْرِبَتِهِ مِئَةً وَأَرْبَعِينَ سَنَةً،
وَاكْتَحَلَتْ عَيْنَاهُ بِرُؤْيَةِ أَبْنَائِهِ وَأَحْفَادِهِ إِلَى
الْجِيلِ الرَّابِعِ. 17ثُمَّ مَاتَ أَيُّوبُ شَيْخاً، وَقَدْ شَبِعَ مِنَ
الأَيَّامِ.
|