أوّلا: بين حردين وتنّورين
1- عائلة مقدّسة
"ولد يوسف، بن جرجس كسّاب من
حردين،
ومريم ابنة الخوري يوسف يعقوب من تنورين، في قرية حردين"
"سنة 1808
واقتبل سرّ العماد المقدّس ولقّب باسم
يوسف. وقبل سرّ التثبيت"
"ومشهور عن والديه بالتقليد أنّهم كانا من أبناء البيوت العامرة في حردين"
"وكلاهما من معاملة
البترون"
"وكانا في معاملاتهما من ذوي الإستقامة والسيرة الحسنة"
"فاضلين مسيحيّين مارونيّين"
و"كانا من أتقياء الناس فأرضعاه مع الحليب الفضيلة وخوف الله"
"وربّياه تربية مسيحيّة، وبذرا في قلبه بذار العلم والتقوى والصلاح. فترعرع
على ذلك وشبّ"
"وإخوته: هم عسّاف"
"ويعقوب"
"والخوري أنطونيوس
والأب الحبيس أليشاع. وأخواته مسيحيّة الراهبة
في دير حراش، ومارينا
(أو مريانا)
حرمة صادق كسّاب التي عرفت بأمّ مخلوف كسّاب"
2- مدرسة تنّورين
"ولمّا بلغ سنّ الرشد، وكان
لرهباننا في دير مار أنطونيوس حوب القريب من قرية تنّورين مدرسة لتعليم
الأحداث، أرسله والده إلى تنّورين فكان يبات في بيت جدّه الخوري يوسف يعقوب
ويتردّد إلى المدرسة نهارا"
وأهمّ "مواد التدريس فيها، كانت تلقين التعليم المسيحي وإعداد الأحداث
لقبول الأسرار المقدّسة، ثم القراءة السريانيّة والعربيّة البسيطة والخط،
وبعض المسائل الحسابيّة العمليّة، وخدمة القدّاس والمزامير
والشحيمة، والغصن النضير، والجنّازات، والألحان
الطقسيّة العاديّة"
3- يوميّات المدرسة
"يصل الراهب المعلّم من الدير
إلى المدرسة صباحا، ويبدأ الأولاد يتوافدون ويقبلون إليه. حتّى إذا اكتمل
عددهم يقفون أولا للصلاة مكتوفي الأيدي، ثم يشرع المعلّم بتسميع الأمثولة
عن اليوم الفائت: فمن وجده مُجيدا حفظ الأمثولة رقّاه إلى غيرها وأثنى عليه
وجعله قدوة للتلاميذ، ومن رآه ضعيفا نشّطه وأخذ بيده، ومن ألفاه متكاسلا
طائشا أنّبه وزوّده كم قضيب على راحتيه.
"ثم يجلس على طرّاحة أو كرسي،
ويبدأ الأولاد بالتوافد إليه مستفيدين ممّا أشكل [ما لديهم من مشاكل]
عليهم. وما هي ساعة حتّى ينهض ملقيا الأمثولة الجديدة طائفا على الصفوف
يتلوها كلمة فكلمة، والصف كلّه يعيد بصوت عال كلمات المعلّم، فلا ينتهي
إلاّ وقد حان وقت الغداء، فيصرفهم إلى بيوتهم، وهو يعتزل ويتناول غداءه [العاشرة صباحا]
المرسل من الدير، أو الذي يكون صحبه معه صباحا. ثم يستأنف المعلّم والأولاد
أعمالهم عند الظهر. ونحو الساعة الرابعة بعد الظهر، يذهب التلاميذ صفّا
واحدا طويلا إلى الكنيسة، يتقدّمهم معلّمهم وقد اجتمع الكهنة، وشيوخ البلدة
لصلاة المساء والستّار، فيصطف الأولاد حلقات حلقات حول القرّايتين، من عن
يمين المذبح وشماله في الخورس، وعشرات الشيوخ يطوّقونهم حلقات متوازية، ثم
تبدأ الصلاة بترانيم وأشعار مار أفرام... وقبيل صلاة الختام، يتلى السنكسار
وفصول من الأناجيل والرسائل، ثم ينشدون طلبة وزيّاح السيّدة العذراء وينصرف
بعدئذ كل إلى بيته يتذاكرون ما سمعوه من قراءة السنكسار وغيره.
"ويذهب الراهب المعلّم إلى
ديره، ويودّعه التلاميذ وأهلهم بتقبيل يديه وطلب بركته. أمّا الشهادات
الرسميّة فكانت صورة أو ثوب السيّدة أو مسبحة أو أيقونة أو صليبا أو وكالة
على الصفّ في غياب المعلّم... ولا ريب أن يوسف جرجس الحرديني كان له منها
النصيب الأكبر"
4- الحرديني في المدرسة
"كان في صغره يذهب كلّ يوم
باكرا إلى المدرسة، متزوّدا ثلاثة أرغفة من الخبز يأكل منها اثنين ويعود
بالثالثة إلى البيت. ولا يخالط أحدا من الأولاد، ولا يلعب، ولا يمزح، ولا
يرفع صوته، ولا يخاصم، ولا يجادل، بل كان معتزلا كلّ شيء في وسط العالم،
بين صياح الأولاد، وضجيجهم، وقتالهم وألعابهم الصبيانيّة"
"إلاّ عندما يتسنّى له أن يعلّمهم التعليم المسيحي والصلاة"
5- معلّمو الحرديني
"لا يمكن أن نعرف حصريّا أسماء
الرهبان معلّمي الحرديني في مدرسة حوب... إنمّا نرجّح أن يكون معلّم
الحرديني أحد الآباء المرتسمين الجُدُد في دير حوب بين سنة 1815 و1820.
وهم: الأب سابا العاقوري
والأب يواكيم الزوقي
والأب يوحنا
القليعاتي
وكان يخدم لجدّه الخوري
يوسف القدّاس يوميّا، ويتناول القربان الأقدس من يده، ويتلوان الورديّة معا
في النزهات والسهرات، ويقصّ عليه سير القدّيسين، ويطبع في نفسه الطريئة
محبّّة الله وخشيته والتجرّد لخدمة الجلال الإلهيّ... ويعلّمه على الدرس
بحيث كانت مدرسة جدّه في البيت متمّمة لمدرسته الرهبانيّة. فهو بين أيدي
كهنة ورهبان ذوي صلاح وورع، يعمّرون الناشئ الصغير بأقوالهم وأعمالهم
الصالحة"
6- صلِّ إلى أبيك في الخفية
(متّى 6\9)
"كانت سَتّوت أرملة يعقوب جريج ترعى البقر مع يوسف كسّاب في محلّ يدعى مار يوحنّا"
إذ "كان يستعمل شغل اليد بأرزاقه الخصوصيّة المعطاة له حصّة من والده، فيما
أنّ إخوته يسلّمون أرزاقهم للغير"
"فكان يقول لها: أنا تعبان، أرغب أن آخذ راحتي، فاعملي معروف لاحظي على
بقراتي، مع بقراتك. وكان يغيب طويلا. ثمّ لحظت أنّه كان يذهب إلى مغارة
فيها شبه معبد لمار يوحنّا، وكان يجثو ويصلّي ساعات طوالا"
"فكانت كلّ سني حياته العالميّة
إلى أن بلغ سنّ العشرين ملأى بالأعمال التي يتمجّد بها الله: الطاعة
الكاملة في كلّ شيء لوالديه، المحبّة والمسالمة لجميع أترابه، البعد عن
ضوضاء العالم، مواظبته بجدّ ونشاط على ممارسة أعمال التقوى والصلاح
ولاسيّما حضور الذبيحة المقدّسة والتقدّم من سرّي الاعتراف ومناولة
القربان"
"من يد الخوري ميخائيل تابت خادم حردين"
7- وأخذ يبكي
(مر 14\72)
"إنّ الحرديني في صباه، كان
يتردّد لبعض الأحيان إلى بيت جدّه لأمّه في تنّورين. وذات يوم مرّ في حريصا
بحقل مزروع حمّص. ولشدّة جوعه أخذ باقة من الحمّص. وإنّه لم يزل طول
حياته يذكر هذه الهفوة الطفيفة ويندم عليها. كما كان القدّيس لويس دو
غنْزيغا يندب طول حياته حفنة من البارود سرقها دون علم والده. وكما كان
القدّيس افرام يندب البقرة، قائلا: البقرة يا افرام"
ثانيا: ترهّب الحرديني
1- رهبانيّة الحرديني
- من قبس الإنجيل
لم يبقَ المكرّم البطرك (1630-1704)
الدويهي في روما، بعد أن أنهى دروسه فيها، بل رام العيش الفقير مع أبناء
شعبه. قام بإصلاحات عدّة في كنيسته، وجمّع مخطوطات وأوراق مبعثرة، وأغنى
الكنيسة بمؤلّفات عديدة.
وحلم بنهضة روحيّة بعد النهضة العلميّة. ومن تلامذة مدرسته، التي أسّسها في
حلب، أتى 4 شبّان
إلى جبل لبنان للترهّب، وآثروا فقر المسيح على رغد العيش. وكانت، على يدهم،
النهضة الروحيّة بتأسيس أوّل رهبانيّة شرقيّة بتنظيم غربي تعمل بطريقة
جماعيّة، يتبدّل رؤساؤها بالانتخاب المتواتر كل 3 سنوات، لأوّل مرّة في
الشرق. إنطلق الإصلاح الرهباني سريعا في لبنان، رغم مصاعب البداية، لكنّ
قداسة عبدالله قرألي ثبّتت إخوته. وتبنّت 8 رهبانيّات القانون الجديد...
ساهم قرألي في المجمع اللبناني المنعقد عام 1736، لإصلاح الكنيسة
المارونيّة، بالاتفاق مع العلاّمة يوسف سمعان السمعاني الذي تمّ في دير
قزحيّا عام 1712. لكن، بعد موت قرألي في 6\1\1742، والأب مخايل اسكندر
الرئيس العام، في 14\1\1742، بدأ الخلاف
بين الحلبيّين واللبنانيّين... وانقسمت الرهبانيّة عام 1770، إلى قسمين
بلدي وحلبي.
اهتمّ الرهبان البلديّون
بالصلاة والعمل
والتعليم، وكانوا مثالا صالحا لمحيطهم، فتأثّر الكثير من الشباّن وترهّبوا،
لذا نرى كثرة عدد الرهبان من القرى القريبة من الأديرة.
- ثمار الإنجيل
* الروحيّة
بالإضافة إلى الصلوات
في الأديرة، والتعليم المسيحي وخدمة الرعايا وخاصّة الرياضات الروحيّة في
القرى، إذ أصبح إثنين الرماد: إثنين الراهب، هناك مئات من القدّيسين في
الرهبانيّة، لم تبلَ جثثهم إلى اليوم، وفي معظم أديرة الرهبانيّة وخصوصا في
دير قزحيّا...
اشتهر منهم المطران عبدالله قرألي، والأب يوسف البتن، والقس باسيل
الإهدني، والأب عمانوئيل
الجميّل، والأب مبارك
حليحل...
*
الإنسانيّة
ساعدت الرهبانيّة فقراء كثر
وأطعمت عابري سبيل وجياع كثر،
كما ساعدت الهاربين إبّان الثورات والحروب. وفي أحداث 1841 و1845 و1860،
اهتمت بمنكوبين،
كما نكبت بعض أديارها واستشهد كثير من أبنائها.
*
الثقافيّة
أنشأت الرهبانيّة مدارس في
محيط أديارها، ومدارس مستقلّة،
في عصر اندثرت فيه الثقافة، وكانت تعلّم العربيّة والسريانيّة والحساب
والتعليم الديني.
وقد ساهم الرهبان المؤسّسون خاصّة قرألي وفرحات، ببعض إصلاحات ليتورجيّة
ملائمة لحياة الرهبان ما لبث أن انتقلت إلى الرعايا.
*
الإقتصاديّة
أنمت الرهبانيّة القرى المحيطة
بأديرتها، وأستقدمت طرقا جديدة في الزراعة، وأوجدت فرصا جديدة للعمل، وقامت
ببناء بيوت لعائلات شركاء الأديرة وتأمين عمل لهم...
والعديد من أبنائها مارسوا البناء والطبّ والنجارة والمحاماة والسكافة
والطباعة والزراعة وصناعة الزيت والنبيذ والدبس والصابون والثياب... وقد
علّموها لكثيرين.
2- في أحضان الرهبنة:
إتبعني
(مر 2/14)
"لبس الإسكيم الملائكيّ، في
دير مار أنطونيوس – قزحيّا، في 23 ت1 1816، وله من العمر 17 سنة. وكان، من
بدايته، مثابرا على حفظ القوانين الرهبانيّة، بغيرة ونشاط وتدقيق. ثمّ بأمر
روساه [رؤسائه]،
دخل المدرسة الكاينة وقتيذ في دير سيدة المعونات - جبيل" "التي
أنشأها الأب بليبل وتعدُّ فتحا مبينا في دنيا الثقافة والعرفان، بل أنموذجا
لسائر المدارس التي أنشأتها الرهبانيّة فيما بعد بعلومها ونظمها"
"وكان المدرِّس المعلِّم العلاّمة، نخلة جبّور - جبيل. وبعد أن أنجز الأب
أليشاع العلوم المختصّة بالكهنوت، رقِّيَ إلى درجة القسوسيّة. فبقي قاطنا
في دير مار أنطونيوس 6سنوات، مثابرا على حفظ القوانين وعلى التقشّف
والعبادة والصوم والصلاة"
- الحرديني يقرّر الترهّب
بعد أن زار الحرديني أخاه
أليشاع الكاهن في دير قزحيّا، "تحقّق دعوته إلى الرهبانيّة، هجر العالم
ومضى فترهّب"
و"لم يدخل الحرديني الرهبانيّة مدفوعا بعامل الفقر، ولا هربا من سوء معاملة
أهله. فأهله حالتهم المادّية كانت حسنة، وكانوا أتقياء، أفاضل، يحسنون
معاملة بنيهم وتربيتهم. ولم يندفع للرهبنة، إلاّ بعامل حبّ الله الذي كان
مضطرما في قلبه"
- في دير قزحيّا
"قدم [الحرديني إلى]
دير مار أنطونيوس قزحيّا في أواخر تشرين الأول سنة 1828، فأجرى له رئيس
الدير، آنذاك، الأب مكاريوس
وادي شحرور، الفحص القانوني المألوف، وسلّمه إلى معلّم المبتدئين، فأبقاه
في ثوبه العلماني 8 أيام، وعيّن له مبتدئا ورعا مستنيرا، متمرّسا بالحياة
الرهبانيّة ليلقّنه واجبات حالته الجديدة، وكان يوسف فطنا ذكيّا يراقب
تصرفات المبتدئين ونهج سلوكهم، فباراهم وأجاد. ولبس الثوب الرهباني يوم عيد
جميع القدّيسين. وسجل في رزنامة قزحيّا، ص30: "دخل التجربة الأخ نعمةالله
من حردين في غرّة
[أوّل]
تشرين الثاني سنة 1828"
"وكان منذ ابتدائه ودخوله
التجربة يثابر على حفظ القوانين ورسوم الرهبانيّة مُجِدّا على الصلوات
النهاريّة والليليّة، مداوما زيارة القربان الأقدس والمكوث أمامه ساعات
حتّى إنّه، أحيانا، كان يقضي ليله كلّه في الكنيسة. ولمّا كان يخرج منها
بأمر الطاعة، كان يقف في مماشي الدير ناحية ساهيا متبحّرا متنهّدا طويلا!"
"فكان مرآة لجميع الفضائل وقدوة صالحة لإخوانه بممارسته كلّ أعمال الصلاح
والأمانة والكفر بالذات"
- لكان أكبر الزناة
"كان بمزاجه العصبي معرّضا
لكثرة التجارب، فقمع جسده ليصبح هيكلا للروح القدس عاملا بقول الرسول: أقمع
جسدي وأستعبده، لئلا أرذل أنا الذي بشّرت آخرين. وممّا يروى عنه أنّه لمّا
كان في دير قزحيّا جاء الدير أحد علماء النفس العارفين بالفراسة، وإذ بصر
الحرديني وتفرّس فيه، قال لأحد الرهبان: كيف يمكنكم أن تقبلوا بينكم هذا
الرجل الشهواني؟!"
"ففي وجهه ملامح تدلّ على أنّه ميّال إلى طبع النساء"
"فأجاب الراهب: ماذا تقول؟! إنّه قدّيس عظيم! نقتدي بفضيلته وطهارته"
و"هذا مثال الطهارة عندنا"
"فأردف السائل معجبا: إن كان كذلك، فهو حقّا أعظم مكافح، لأجل جماح
الحيوانيّة في طبيعته البشريّة"
"ولو لم يكن ذا فضيلة، لكان أكبر الزناة"
- أليشاع يدخل المحبسة
وفي زمن ابتداء الحرديني في
دير قزحيّا "في 19 ت2 1829، التمس الأب أليشاع من قدس الأب العام اغناطيوس
بليبل، أن يدخل المحبسة، فأعطاه الإذن بالدخول لمحبسة مار انطونيوس –
قزحيّا. بقي فيها نحو سنة ونصف. ثمّ حضر، بأمر رؤسائه لمحبسة مار
بطرس وبولس– عنّايا، وبقي فيها 44سنة ونصف، محتملا البرد والصواعق. وكان [يقضي]
أكتر أوقات نهاره بالعبادة في الكنيسة. وكان ينام من الليل ساعتين أم ثلاث
تقريبا، بانقطاع. وباقي ليله في الكنيسة، منتصبا أمام القربان الأقدس.
وكلّما كان يزيد عمرا، كان يزيد مثابرة على الصوم والصلاة والسهر وكدّ
اليد. ومن ثمّ، كان جسمه هزيلا. ولزيادة فضله، ونموّه بالفضائل، واجتراح
العجايب، قد كانت تأتي إليه الزوّار، من كلّ صقع"
3- ربِّي عندك كلام الحياة
الأبديّة
(يو 6\68)
-
"أعطيتُ كلَ شيء"
"قضى الحرديني سنتي الامتحان
مثال تقوى وفضيلة وكمال أمام إخوته المبتدئين والرهبان. واستحقّ لاستقامة
سيرته الزيّ الرهباني المقدّس"
"وسجّل في رزنامة قزحيّا: "نذر ولبس الإسكيم الملائكي الأخ نعمةالله
الحرديني وله من العمر 20 سنة من يد الرئيس الأب وادي شحرور في 14 تشرين
الثاني سنة 1830"
"كان رجل القانون، وحفظ
النذورات الأربعة،
وخصوصا نذر العفّة"
"غيورا نشيطا"
"بليغا في محافظته على الوصايا والقوانين والآداب"
و"كلّ من عرفه يشهد أنّه تمّم بكلّ دقّة نذوره الرهبانيّة الأربعة"
"بالغا أقصى درجات الكمال التي في طاقة الإنسان الحصول عليها في هذه
الدنيا"
"فقد كان موضع إعجاب الناس لأنّه ما سمع عنه أنّه أعطى نفسه مداها في شيء
أو قصّر في شيء من قمع جسده وأهوائه، فكان ضيّقا على نفسه، سموحا مع غيره"
"سكوتا، متوحّدا"
"يتلألأ سناء جميع الفضائل الإلهيّة والأدبيّة والرهبانيّة في كلّ خواطر
حياته الرهبانيّة"
-
"لم أعد أملك شيئا"
"إنّ الأب أثناسيوس
البكاسيني أخبر أنّه كان آتيا
[مع الحرديني]
من دير قزحيّا للسكن في دير كفيفان بعد قليل من أبرازه النذور الرهبانيّة"
"فلمّا وصلا إلى قرب طاحون الدير
[قزحيّا]
على مسافة
خمس دقائق، مدّ الأب الحرديني يده إلى جيبه، يخرج مسبحته كي يتلو الورديّة،
فوجد في جيبه قلم رصاص. فقال: إنتظرني هنا. ورجع إلى الدير، وقال
للرئيس: هذا القلم بقي معي وهو للدير. وقدّمه له. فقال له الرئيس:
أبقه معك. ورجع إلى طريقه، وأتمّ سفره"
-
"إلاّ غناي الوحيد: العيش
بالحبّ"
ولمّا "بلغا طريقهما إلى قرب
حردين، رأى الأب أثناسيوس أنّ النهار قد أمسى ولا يمكنهما الوصول إلى دير
كفيفان فقال لرجل الله: يلزم أن نبات هذه الليلة في حردين عند أهلك فأجاب:
لا ولكن نواصل طريقنا لدير كفيفان. أمّا الأب أثناسيوس فألحّ عليه
إلحاحا زائدا بقوله: أنا لا أقدر أن أسافر ليلا! فهل لك أن تسافر وحدك؟"
"أنا تعبت كثيرا، ولا أقدر أن أمشي بعد. وإلى أين أنت تذهب؟ دعنا ننام عند
أهلك، وإلاّ أهلك من التعب. فاقتنع رفقا بالأخ، لا محبّة بأهله"
"وبهذا أفحمه وأقنعه أن يباتا تلك الليلة عند أهله في حردين فباتا"
"وتاني يوم قدّمت أمّه لهما منديلين، فرفض الأب نعمةالله عطيّة أمّه،
أمّا الأب أثناسيوس فأخذهما غفلة عنه. وفي الطريق أخبره بالأمر. ولمّا وصلا
إلى الدير، أوعز إلى الأب أن يسلّم المنديلين إلى الرئيس ليتدبّر
بأمرهما قائلا: ليس لنا أن نقبل شيئا ولا من أهلنا إلاّ بإذن الرئيس"
"وهذه هي أوّل مرّة دخل الحرديني قريته حردين بعد دخوله الرهبانيّة، وهي
كانت المرّة الأخيرة. مع أنّه مرّ كثيرا بقرب حردين عند مضيه إلى دير
قزحيّا أيّام الصيف ورجوعه إلى دير كفيفان وطاميش"
4- الحرديني الدارس
(ربيع
1832- ك1\ 1835)
- مدرسة كفيفان
"لم تكن المدرسة في ذلك العهد،
على دقتها ونظامها الحالي، فإنّ الرهبان الدارسين كانوا يتعاطون مع الدرس،
الأشغال اليدويّة في الحقل كالحصاد، وتربية دود الحرير، ونقب الأرض،
والخِدَم داخل الدير، ويقيمون جميع الصلوات الفرضيّة، حتّى نصف الليل
بوقتها، والرتب البيعيّة، ورغما من ضيق الوقت، فإنّهم كانوا يتقنون اللغتين
العربيّة والسريانيّة. ويدقّقون في علم اللاهوت الأدبي، ودرس بعض القضايا
الهامّة في اللاهوت النظري. وقد تخرّج من هذه المدرسة (1808- 1874) نحو 260
كاهنا"
- طالب مجتهد
"ووضعته السلطة في مدرسة
الرهبانيّة في تلك الأيّام في دير مار قبريانوس كفيفان"
"لاقتباس العلوم اللازمة للدرجة الكهنوتيّة المقدّسة مع مبادئ اللغة
السريانيّة كالغراماطيق والتفسير ومدخل المنطق"
"فتابع الحرديني دروسه الفلسفيّة واللاهوتيّة"
"وكان فيها مثال غيرة"
"وانكبّ على تحصيلها بجدّ ونشاط مع صيانته في الوقت ذاته بكلّ تدقيق لجميع
رسوم القانون والسنن الرهبانيّة"
"وظهر ناجحا في العلم أكثر من جميع إخوته الدارسين"
"بل كان الأوّل بينهم"
"وكان يفيدهم بشرحه لهم ما يكونوا قد أخذوه أمثولات من المعلّم"
إذ "يشرح لهم المعاني الغامضة عليهم"
ويلقّنهم ما فاتهم من دروس المعلّم"
"فكان من المفقوهين
[الفقهاء]
في اللاهوت الأدبي"
- صلاة وعمل... وعلم
"سلّموه بعض الخدم اليدويّة
رفقا بصحّته"
مثل "الخياطة"
"فكان يقوم بها حقّ القيام، وبدروسه"
ولم يزل على نشاطه وحرارته في تتميم القوانين الرهبانيّة والرياضات
الروحيّة والأعمال النسكيّة"
- رهبة الكهنوت
"كان يُكثر من زيارة القربان
المقدّس حتّى خُيِّل للأب معلّمه أنّ ذلك ضربا من الوسواس المضرّ بدرسه
وصحّته، فحاول أن يمنعه. أمّا الأخ القدّيس فلم يقدر أن يمتنع عن تكرار
زيارة يسوع حبيبه في القربان المقدّس"
وكان أيضا "يردّد على رؤسائه أنّه غير أهل لدرجة الكهنوت، وكان خائفا
على نفسه من الهلاك، بسبب تقدّمه إلى الدرجة المقدّسة، فاعتبر رؤساؤه
ذلك وسواسا منه"
"أخيرا لمّا رأى معلّمه ورئيسه أنّ صحّته قد نهكت من زيادة الدرس والعبادة
وشظف العيش"
"وخوفا من أن يضحي عاطلا بالوسواس،
وغير أهل للدرجة المقدّسة"
"أرسلوه مدّة إلى دير الحبشي في معاملة المتن"
"في قاطع بكفيّا"
"من أجل الراحة"
"ثمّ أرجعوه. وبأمر الطاعة ألزموه بالدرس إستعدادا للكهنوت، فلبّى الأمر"
و"نما بالعلم. ونمَّى نور فضيلته فأحبّته القلوب. وحامت عليه النفوس"
وأخيرا "قدّم فحصا عن هذه العلوم فأجاد فيه"
ثالثا: الحرديني الكاهن
والمسؤول
1-
راهب ديري
- ليَخدُم لا ليُخدَم
(مر 10/45)
"قدّمته الرهبانيّة إلى درجة
الكهنوت المقدّسة"
"فسيم كاهنا مع 22 رفيقا له بوضع يد سيادة المطران سمعان زوين النائب
البطريركي في دير كفيفان بتاريخ 25 كانون الأول سنة 1835"
"فظهر مثال الكاهن الغيور النشيط في خدمة الله ونفسه وقريبه"
وبقي "بين سنة 1835 و1838 راهبا في دير كفيفان يؤمن التعليم للأولاد،
[وتعليم اللاهوت الأدبي واللغة السريانيّة للإخوة الدارسين]
ويساعد في الخدم الكنسيّة من عماد وقداديس وجنّازات، إضافة إلى تجليد
الكتب"
- وكيل [مندوب]
في المجمع العام
من عادة الرهبان أنّ كل دير
ينتخب مندوبا
عنه لحضور المجمع العام لانتخاب السلطة العامّة، وكان يجري الانتخاب عادة
في شهري تشرين الأوّل والثاني، لأنّ المجمع يبدأ أعماله في 10 تشرين
الثاني، فيحضر المندوب قبل يومين إلى دير طاميش مركز الرئاسة العامّة
آنذاك.
"وفي 18 آب 1838
انتخب رهبان دير مار قبريانوس كفيفان، [الأب الحرديني] مندوبا عنهم، [وعلى
الأرجح، بإيعاز من صديقه الأب سابا العاقوري رئيس الدير يومئذ ليصحبه] إلى
المجمع العام الانتخابي الذي التأم في 10\11\1838"
2- أستاذ لاهوت ومدير
الأخوة
كبيركم خادم
(مر 10\43)
علاوة على تعليم اللاهوت "إنتدبته
السلطة لتدبير شؤون الإخوة الدارسين في مدرسة كفيفان لمدّة 6 سنوات"
"بين 1838و 1845"
"فلم يكن ينظر إلى الوظيفة بما فيها من شرف المقام والكرامة، بل إلى أنّها
خدمة، فيجدّ في القيام بها على ما تقتضيه المصلحة العموميّة ومجد الله.
يبدي آراءه بالحكمة التي هي من الله، ويسير في جميع تصرّفاته بحسب رسم
القانون ووجدانه الحيّ دون محاباة أو مراعاة، منزّها عن كلّ ميل، هدفه واحد
لا يحيد عنه: الله والرهبانيّة. يعمل بالمساواة بين الجميع، ويغار على كلّ
خير مرؤوسيه، بروح المحبّة والفطنة"
"وكان عند توبيخه يمزج الصرامة والتأديب بالوداعة والمحبّة، ليسهّل قبول
القوانين على المخالفين. وأحيانا كان يتمّم القانون الذي يضعه عليهم
ليقتدوا به ولكي يحتمل ذلك فيتعلّم الشفقة"
- أُعجِبت الجموع بتعليمه
(متّى 7\28)
"كان يحرّض تلاميذه على الجدّ
والنشاط والإخلاص في حق ربّهم ورهبانيّتهم. يدرّسهم اللاهوت الأدبي مستنيرا
بإلهام الروح القدس"
"وكان يغرس في قلوبهم، مع العلم، كلّ الفضائل الرهبانيّة"
ناصحهم بأن يقرنوا العلم بالفضيلة. فإن لم يقترن العلم بالتقوى، كان وبالا
على صاحبه، وعلى الكنيسة، كما يثبته التاريخ"
"ويتقدّمهم هو في ممارستها بحيث كان لهم نموذجا حيّا في كلّ أعمال الصلاح"
"وكان يوصي الجميع بأن لا يضيّعوا الوقت الثمين، بل أن يكافحوا البطالة أمّ
الرذائل، وفخّ إبليس؛ وكان بمثله يعظ أكثر من كلامه"
"فكان لهم نورا وملجأ بأقواله وأمثاله الصالحة"
"وكان يعتني بذلك جدّا، محرّضا على التعليم والتهذيب"
- الحرديني أستاذ لكاهن
رعيّة
"قد عرف والدي الحرديني وهو
شاب، إذ درّسه قسما من اللاهوت الأدبي، فكان يوضح له المسائل بعبارات
بسيطة، جليّة، مسهبا في الشرح بصبر وطول أناة. ولم يكن يملّ من الشرح، حتّى
يفهم تلميذه المسألة حقّ الفهم. وكان معجبا بطول باله، ووضوح إسلوبه"
- المحبّة لا تظنّ السوء
(1كور 13\5)
"إنّ الأب الحرديني كان يلزم
تلامذته الرهبان بالتحدّث في اللغة السريانيّة قصد إتقان اللغة الطقسيّة،
فذهب ثلاثة منهم مرّة، بأمر الرئيس من دير كفيفان إلى البترون لجلب ورق
التوت للقز. وفي عودتهم كانوا صاعدين في قرية اجدبرا، وعلى ظهورهم أحمال
الورق، وقد كدّهم التعب والعطش الشديد. فطلب أحدهم إلى امرأة هناك لتسقهم
ماء، مخاطبا إيّاها في السريانيّة فلم تفهم. فتقدّم الآخر وخاطبها
بالعربيّة، فسقتهم. وحالما بلغوا الدير ذهب المخالف إلى الأب الحرديني
ليشكو ذاته، خشية من أن يسبقه أحد الإخوة ويشكوه. فحالما طرق الباب، أجاب
من داخل: قد فهمت ماذا تريد. وفي اليوم الثاني، بينما كان يلقي
عليهم الدروس، قال لهذا الأخ: لا تسئ الظن برفاقك، فما أحدهم كان عازما
أن يشكوك"
- لا تعود بعد الآن إلى
الخطيئة
(يو 8\11)
"لمّا كان الأب نعمةالله
الحرديني مرشد التلاميذ في دير كفيفان، وكان كثيرا ما يحظِّر على الإخوة
محادثة النساء. فلمّا ذهب التلاميذ إلى نهر الجوز حيث للدير أملاك هناك
للتنَزُّه أو للشغل، يظهر أنّ أحد الإخوة تكلّم مع إحدى النساء حديثا
عاديّا. ولمّا رجع إلى الدير تقدّم الأخ بطلب المسامحة من المرشد [الحرديني].
وقبل أن يتكلّم أمامه، قال له المرشد: إذهب اعترف، ولا تعيد عملك مرّة
أخرى"
3- الحرديني يتألّم
- صلّيتُ لكي لا ينهار
إيمانك
(لو 22\32)
"ابتدأت أوّل فتنة
في الرهبانيّة سنة 1832 بتَنْزيل الأب اغناطيوس بليبل عن الرئاسة العامّة
بالإلتجاء إلى السلطة العالميّة، وتأليف حزب هدفه الأوّلي الوصول إلى
الوظيفة تحقيقا لمآربه ومنافعه الشخصيّة، متذرّعا بالنعرة المقاطعجيّة
[المناطقيّة]
توصّلا إلى الرئاسة العامّة، حتّى إذا حصل عليها، أخذ بتسديد الفواتير
لمؤيّديه على حساب الرهبانيّة وصالحها العام، والإنصراف إلى تعزيز أبناء
مقاطعته، وصرف أموال الوظيفة العامّة على المؤيّدين في المناطق الأخرى لكسب
عطفهم وأصواتهم في الإنتخاب المقبل. وهكذا دواليك...
"ومن هذه الفتنة الأولى تولّدت
وتفرّعت فتن وثورات رهبانيّة أقلقت المراكز الدينيّة العالية، هنا وهناك،
وسبّبت عثارا وخرابا أدبيّا وماديّا وروحيّا. والحرديني صابر مستسلم إلى
المشيئة الإلهيّة يصلّي ويستغيث برحمة الله، ويذيب جسده بالصوم والإماتات
تكفيرا وتعويضا عمّا يلحق بسرّ القربان المقدّس من الإهانات وبرهبانيّته
العزيزة من خراب وتقهقر.
"ومن المؤلم على النفس
القدّيسة الحسّاسة، والمفرح معا أن تغمرها الثورات والفتن في الخارج
والداخل ويكتنفها اللهيب وتَسْلَم، بنعمة الله، من الحريق كعليقة موسى،
وفتيان آل حنانيا.
"ومن فضل الله ونعمه على
الرهبانيّة أنّه لم يَخْلُ دير من عشرات رهبان صلاّح أتقياء نظير الأب
الحرديني كانوا أشبه بقضيب الصاعقة يقون
[يُجنِّبون] الرهبانيّة
من غضب الله، فيعفو عنها لأنّه "وجد في المدينة أكثر من عشرة صلاح"
فالحرديني صَهَرَه الألم، وأذابه النسك والعمل والجهاد المتواصل صوما وصلاة
وسهرا! فصرف الحياة في استشهاد دائم، وتقدّس بالقانون في عصر خرج أكثره على
القوانين! لذلك قالها كلمة خالدة مدوّية: "الشاطر اللي بيخلِّص نفسو!"
- عطّلوا تماما عمل الروح!
(متّى 23\13)
"يا لشرّ الرهبانيّات العظيم
حيث لا يُحفَظ القانون! ويكون في الدير طريقان: طريق الفضيلة وطريق
التراخي. فخطايانا تزيدنا اندفاعا في طريق النقص، ولأنّ السائرين فيه كثر
فهو يسجّل نجاحا فائقا. أمّا الطريق الرهباني الحقّ فقليل سلوكه بحيث إنّ
الراهب الذي يريد السير أمينا في دعوته، عليه أن يخاف من سكّان الدير
أنفسهم، أكثر من الشياطين مجتمعين. ولا أدري لماذا نعجب من وجود شرور كثيرة
في الكنيسة طالما أنّ من يجب أن يكونوا نماذج يقتدي الآخرون بفضائلهم
عطّلوا تماما عمل الروح الذي خلّفه القدّيسون أسلافهم في الرهبانيّات"
4- مهمّة خطيرة
- انتخاب مبكر
وحان موعد انعقاد مجمع 1841،
فشارك الحرديني في انتخاب مبكر في 24\8\1841، في دير كفيفان، فانتُخِب الأخ
جبرائيل وكيلا عن الدير، ليحضر المجمع العام. وكان اسم الحرديني الأوّل بين
الجمهور دلالة على مركزه المهم
وتمّ الانتخاب الباكر، على الأرجح، لمهمّة خطيرة طُلِبت منه في دير قزحيّا.
- الحرديني يبلسم الجراح
ومن اللافت، أنّ اسم الحرديني
وُجِد في دير قزحيّا، بعد عشرة أسابيع، في انتخاب أخ روفائيل كفرصغاب،
وكيلا لدير قزحيّا، ليحضر المجمع العام، في 31\10\1841، واسم الحرديني هو
الأخير
بين الآباء! فعلى الأرجح، استدعاه صديقه، الأب سابا العاقوري، رئيس دير
قزحيّا يومئذ، لتهدئة خواطر الرهبان، بعد الهزّة العنيفة التي تسبّبت
"باستقالة
الأب نعمةالله عوّاد الحصروني، رئيس الدير من أجل الحفاظ على الدير من أذى
الأمير أمين ابن الأمير بشير الكبير، والسيّد البطريرك يوسف حبيش"
5- مدبّر عام للمرّة الأولى
(1845-1847)
- عليكم أنتم أن يغسل بعضكم
أقدام بعض
(يو 13\14)
"كان مؤسّسو الرهبانيّة
اللبنانيّة قد فطنوا لمكمن المرض الفتّاك [أي
الإستماتة للسعي إلى السلطة]
فراموا استئصاله، فوصفوا له العلاج الواقي بانتقائهم التواضع نذرا إضافيّا
عزّزوه بمواثيق محرجة لم يعزّزوا بها النذور الأصليّة: "...وأيضا إنّي
أعاهد على نفسي أنّني لا أرغب، ولا أطلب بذاتي أو على يد غيري ولا أقبل
درجة ما أصلا سواء كانت من رتب رهبانيّتنا أو غيرها إلاّ بأمر الرؤساء"
ولكن على من تقرأ مزاميرك يا داود؟!
"فاتقاء لشرّ قد يحدث، بسبب
التحزّبات العنيفة، صدرت أوامر رسوليّة في 17\2\1845 بتعيين السلطة
العامّة. وهو أوّل تعيين من نوعه في الرهبانيّة. فكان الأب سابا العاقوري
رئيسا عامّا"
"ومعه
الآباء المدبّرين بولس من المتين، نعمةالله كسّاب من حردين ["بالرغم
من رفضه الوظائف ونفوره وهربه من كلّ كرامة بشريّة اضطر مكرها إلى قبول
وظيفة المدبّريّة فقبلها مطيعا على أنّه اتخذها وسيلة لإنعاش روح الكمال
الرهباني بين إخوته لما كان في قلبه من الغيرة على حفظ الرسوم الرهبانيّة"
"والسير في طريق السماء الضيّقة"]
كاروبيم من بكاسين، حنانيا من عرمون،
ونفّذ القرار بتاريخ
10\3\1845، وعيّن السيد البطريرك المطران يوسف جعجع زائرا
على الرهبانيّة. عدّ جمهور كبير من الرهبان هذا التعيين خرقا للقانون،
وحدثت فتنة حملت بعضهم على اقتحام دير طاميش ليلا واغتصاب أختام الأب العام
والمدبّرين وأوراق الرئاسة العامّة وسجلاّتها فاضطر الأب العام والمدبّرون
إلى حفر أختام جديدة تحمل تاريخ سنة 1845"
- كونوا كالحيّات دهاء
(متّى 10\16)
"أمّا الأب الحرديني الذي كان
على علم بالفوضى، فخلع ختم منصبه، وفتح نافذة غرفته ووضعه على عتبة النافذة
الخارجيّة ثمّ أغلق النافذة. عند وصول المتآمرين إلى غرفته طلبوا الختم،
بكل احترام، قائلين له: أبت الجزيل الإحترام، أعطنا الختم لو سمحت.
فأجابهم: إنّ الختم ليس معي يا ابني. فكان المدبّر الوحيد الذي
احتفظ بختم وظيفته، بسبب فطنته"
- الحرديني يكسر التقليد
"خلافا للعادة التي كانت
متّبعة آنذاك في الرهبانيّة والتي تقضي بتعيين خادم خاص للمدبّر العام،
يصحبه دوما ويؤدّي له الخدمات المتنوّعة، رفض الأب الحرديني أن يرافقه شخص
ليؤمّن له الخدمة، وظلّ يخدم نفسه بنفسه كما كتب الكفري"
"بحال حصوله على الوظيفة كان يستمرّ خدمته ذاته بذاته"
كما استمرّ يتردّد إلى دير كفيفان لتعليم الإخوة.
-إنجازات
"قرّر مجمع المدبّرين إنشاء
دير مار روكس 26\9\1845، وتحويل بعض حوانيت إلى أديار مثل: القطّارة
والجديدة وعشاش ومار يعقوب الحصن وقبّيع وريمات... سنة 1847، وبني الممشى
الشمالي المزدوج في دير عنّايا. وأدخل العلم العالي واللغات الأجنبية على
الرهبانيّة إذ أرسل إلى مدرسة الآباء اليسوعيّين في غزير نخبة من رهباننا،
منهم الآباء: روفايل عوّاد من حصرون، بطرس الحايك من بجدرفل وطوبيّا
المتيني ومبارك المتيني وبطرس من تولا الجبّة وفرنسيس الفخري من بشري،
وجرمانوس من قرطبا، وبيمين من معاد، وعمانوئيل من رشميا، ومبارك حرفوش من
بكاسين"
"وفي سنة 1847 وهب آل الزغزغي بيتا للرهبانيّة في قرية حمّانا حولته
الرهبانيّة بعد فترة إلى مدرسة لأبناء القرية والجوار"
6- في دير عنّايا
(1847-1850)
- الحرديني وكيل الدير
في نهاية ولايته الأولى في
المدبّريّة، أُرسِل راهبا ديريّا إلى دير عنّايا، الدير الناشئ والفقير
والبعيد عن المسؤوليّات والمقامات الرهبانيّة، فعيّنه، على الأرجح، الأب
الرئيس معلّما للمبتدئين،
ففي كانون الثاني من سنة 1848 سُجِّل للمرّة الأولى في دير عنّايا مبتدئين
باستثناء واحد قبل أسبوعين من انتقال الحرديني إلى عنّايا
و"في 25 تموز 1848،
التأم مجلس الرئاسة العامّة
وتمّ تعين
وكلاء على
أديرة الرهبانيّة، والحرديني وكيلا
على دير عنّايا. وهنا التقى بأخيه الحبيس أليشاع، وسط هذه الأوضاع الصاخبة،
فنصحه أليشاع بالإستحباس، لكنّ الحرديني أصرّ على الإستشهاد، وتحمُّل ضعف
الضعفاء والنكايات والهزء والاحتقار. وقد ساهم في إنماء الدير إقتصاديّا
فتمّت شراءات في أيّامه
وزادت مع عمل أخيه
أليشاع
وحصلت أيضا وقفيّة
وفي التقليد أنّه بقي يتردّد إلى دير كفيفان ليعلّم اللاهوت.
- يجب أن نحتمل الهزء
والاحتقار
أثناء وجود الحرديني في دير
عنّايا، كان يزور أخاه الحبيس أليشاع، ويشكو لديه أفكاره ويعترف عنده
"فكان أليشاع يلحّ عليه ويدعوه إلى دخول المحبسة ليكون وإيّاه في سلام
وطمأنينة"
قائلا: "الأوفق لك والأنسب"
"أن تترك الدير وتأتي إلى هذه المحبسة معي"
"حيث تقضي باقي عمرك بالهدوء والسكينة، بعيدا عن كلّ ضوضاء، وتصلّي براحة
بال وصفا فكر"
"ونصرف حياتنا سويّة"
"فتعيش بأمان"
"فأجاب: إنّ الذين يجاهدون في العيشة المشتركة"
"مع الجمهور فيها أجر كبير"
"وفضل أكبر"
"هناك الإحتمال والصبر وكسر الإرادة، واحتمال ضعف الضعفاء. وأنّ عيشة
الإشتراك تعدّ عند آباء الروح مثل استشهاد دائم، إذ لا يسوغ للراهب أن يعمل
ما يلائم ذوقه وطبعه وأخلاقه. بل عليه دائما أن يسهر لئلاّ يمسّ أو يكدّر
إخوته. وعليه أن ينتبه كلّ الإنتباه إلى سيرته لئلاّ تشكِّك بشيء ما إخوته.
هذه هي واجبات الراهب. أمّا الحبيس يا أخي فهو وحده لا مجرِّب من الخارج،
يقضي أوقاته بصلاته وبإتقان هذا الكرم"
–أي كرم المحبسة- "ويعيش على خاطره. أمّا في الدير فالراهب مأمور بأمر
الطاعة. ثمّ في المحبسة ليس نكايات، أمّا مع الجمهور فهذا متوفّر"
لذا "يجب أن نعيش بين جمهور الإخوة في الأديار ونحتمل بصبر وثبات ما
يلحقنا من الهزء والاحتقار، بها يزداد أجرنا، ونكفّر عن آثامنا ونعمل بقول
الربّ: "من يصبر إلى المنتهى يخلص"
(متّى 24\13)"
"وبصبركم تقتنون أنفسكم"
(لو 11\19)
"ثمّ في الدير من مارس
الفضيلة يكون قدوة لغيره"
"ومع ذلك أقول: لكلٍّ دعوته، وليس كلّ الناس سواء، فهذا للصلاة، وذاك
للعيشة المشتركة"
"وأنا هذه دعوتي، وقد عانقتها من زمن طويل"
7- الحرديني مدبّر ثانية
(1850-1853)
"وفي سنة 1850 اذ لم ينعقد
مجمع عام لسبب بعض كوارث
في الرهبنة قد عيّن قدس اب لورنسيوس شبابي رئيسا عاما اذ كان رئيسا بدير
النبع بواسطة السيد فرنسيس بيلارديل قاصد رسولي سوريا أيّام البطرك يوسف
خازن"
"بتاريخ 21\11\1850 ومعه الآباء المدبّرين جبرايل من حريصا، نعمةالله
كسّاب من حردين، يوسف الدحداح ويوسف رحمة من بشري"
- إنجازات
"شيّدت الرهبانيّة دير القطارة
سنة 1850، ومدرسة العذرا، ومدرسة كفرحيال، ومار روكز سنة 1851، ومدرسة عين
زبدة ودير مار جرجس دير جنين سنة 1853، ودفعت لمطران الأبرشية ثمن خربة مار
جرجس 40000قرش"
- أرسلهم اثنين اثنين
(لو 10\1)
"نعرض لقدسكم [لورنسيوس شبابي أب عام لبناني]
خلّد الله كريم وجودكم غب لثم [نتشرَّف بتقبيل]
أيديكم المقدّسة برسوم الاحترام بركتكم واغتنام رضاكم الأنور للدوام غبّ
افتقاد خاطركم نعرض أنّه بشريف علمكم ووفرة مشاغلنا بهذه الجهة ومن المعلوم
يلزمنا كاهن لكي يكون برفقتنا فنترجاكم تسمحوا لنا في الاب بولس كفرحتنا
فيبقى معنا لمداركة اللازم وأملنا بقدسكم زائد وعلى كل حال تروموا
راحتنا وبكل احترام نكرر قبلة أيديكم المقدّسة وأدام الله بقاءكم في 27
كانون الثاني سنة 1851.
ولد قدسكم نعمة الله
الحرديني اللبناني"
- مع المبتدئين في قزحيّا
تابع الأب المدبّر تدريس
اللاهوت في دير كفيفان،
وكان يتردّد أيضا على دير مار أنطونيوس قزحيّا ليعلّم اللاهوت للإخوة
الدارسين هناك، ويؤمّن التعليم الرهباني واللغة السريانيّة للمبتدئين. وفي
تلك الأثناء حدثت هذه الحادثة: "كان
[الحرديني]
يتحاشى النظر إلى وجوه الإخوة المرد،
والحديث معهم. وأنّه، على سبيل الولدنة، كانوا يدفعون الأب مخايل غوش
التنّوري
لمضايقته بالإستفهام وبعض المطالب. فكان الأب الحرديني يتباعد عنه غاضّا
نظره"
إذ "كان حين دخوله الإبتداء"
"على أيّام الأب الحرديني"
"ناعم الوجه، حسن الخلقة، فلذلك كان يتحاشاه. وكان له دالة عليه، لأنّ
والدته مريم من بلدته تنّورين. أمّا هو، كان يتجنّبنه دائما، ولم يسمح له
أن يقف على القرّاية التي يقف هو عليها، بل دائما كان مضطرا أن يقف على
القرّاية الثانية بعيدا عن نظره. ولم يكن يسمح له أن بقبّل يده"
"فاتفق يوما أنّ الأخ مخايل
اقترف ذنبا ما يوجب عليه طلب الصفح من معلّمه الحرديني. وكان من عادة
المبتدئين إذا أذنبوا، أن يدخلوا قبل النوم غرفة معلّمهم
طلبا للغفران. فعملا بهذه العادة، دخل الأخ مخايل غرفة الحرديني، فقال له
من بعيد: كفى كفى!"
"إرجع الله يغفرلك"
"وكان الأخ مخايل عارفا بأنّه يهرب منه، فأراد أن يعقبه: لا لا يا معلمي!
أريد قبلة يدك، ولا أذهب من هنا دون أن أركع أمامك وآخذ بركتك. ولا أقدر أن
أنام قبل ذلك. فكان كلّما ازداد الأخ مخايل إلحاحا، يزداد هو منعا له"
"وكاد يرمي بذاته من الشبّاك، عندئذ رأف بحالته ورجع"
- بين ديري ميفوق والقطارة
كان الحرديني يتردّد إلى دير
ميفوق، ويشرف على بناء كنيسة دير القطارة، ويعطي الرياضات الروحيّة
والتأمّلات، مثلا على ذلك: "لمّا كنت
مبتدئا في دير القطّارة، وأنقل الحجارة على العجلة لعمار الكنيسة، رافقني
الحرديني من الدير إلى المقلع. وبينما كنّا في الطريق، سألته أن يعطيني
موضوع تأمّل. فأجابني فورا: أنظر يا أخي بكرة العجلة كيف أنّها تدور
بسهولة غير أنّها بدورانها تفنى وتتلاشى، فهكذا هي حياة الإنسان الفانية"
- ماكينة
الحرديني الانتخابيّة: إرادة الله
"قدس الاب الكلي الشرف والفائق
الاحترام لورنسيوس الشبابي أب عام لبناني أدام الله برّه
"غبّ قبلة أيديكم المقدسة
والتماس بركتكم واغتنام رضاكم للدوام الموجب لرقمه فهو مجرد افتقاد خاطركم
الكريم ان شاء الله تكون بغاية الرفاهيّة والانشراح بدون ابراح. ثم نعرض
بانه مع صفو خاطركم ورضاكم علينا وصلنا لديركم قزحيّا بكل سلامة ووجدنا
جمهور ديركم بكل راحة وهدوء
والرئيس ليس مكترث في مادّة القرعة
بل مسلّم كلّ شيء لمشيئة الباري تعالى. نترجّى بأن لا يكون فكره من هذا
القبيل. قصدنا عرضه لديكم وغاية رجاي الاطمئنان على انشراحكم و تشرّفوني
بخدمتكم ولا نبرح من دائرة رضاكم وبكلّ شوق أقبِّل أياديكم وأطال الله
بقاكم في 21 آب سنة 1853
ولدكم نعمةالله الحرديني
اللبناني"
- شراء أرض في بشنّين
"ومحرره
ولدكم اندراوس بكل توقير يقبّل أياديكم ويسأل خاطركم ومن مادّة الوكالة نحن
تاركين الحال بالكليّة، ولا يمكنّي نسأل عنها قطعاً. نترجّى بأن لا يكون
افتكار. وبوقته حضر لنا معتمد من عند الشيخ أبو أسعد طنوس حبيقة ومراده
يبيع في بشنّين وان وفق الباري نهار الاثنين ام الثلاثاء نحضر لبشنّين
نحضر لهذه المسألة نسأل الباري تعال نظركم ودعاكم يحصل الوفق".
8- في مدرسة مار مخايل
بحرصاف
(1853-
قبل صيف 1856)
- أبعده بعض الرؤساء
إنتقاما
"حصل له معاكسات يوم كان
مدبّرا. وبعد نزوله عن المدبّرية في المجمع، أبعده بعض الرؤساء
إنتقاما إلى دير مار مخايل بحرصاف، لعلمهم أنّ هذا الدير كان لا يزال مدرسة
غير مصونة حسب القانون الرهبانيّ، وغير مستتبة فيها العيشة الرهبانيّة
المشتركة. ولوجودها في ضوضاء العالم، في بلدة عامرة مثل بكفيّا، مركز
الحاكم في تلك الأيّام. ومركز حاكم لبنان كان على مسافة قليلة من المدرسة،
فلبّى حالا أمر الطاعة. وذهب إلى المدرسة. وكان يعاني ألما داخليّا بسبب
وجوده في تلك الظروف الغير الملائمة لروحه النسكيّ"
- كونوا قدّيسين
(متّى 5\48)
"عرفته شخصيّا وأنا حدث، إبن
10\11 سنة، أتعلّم القراءة في مدرسة مار مخايل بحرصاف. وكانت وقتئذ المدرسة
العموميّة الوحيدة لأولاد جهة القاطع، وكان يعلّم فيها الرهبان لأنّها
خاصّتهم مجّانا. وكان الأب نعمةالله الحرديني من رهبان هذه المدرسة. وكان
الجميع، والأولاد كلّما وقع نظرهم عليه، يقولون فورا: هذا هو قدّيس. ما وجد
قسّيس، أحسن منه، ولا يوجد مثل أعماله"
وكان لا يقصّر في الذهاب إلى دير كفيفان لتعليم اللاهوت للإخوة الدارسين.
- جذبت إليّ كلّ أحد
(يو 12\32)
"عرفَتْه حماتي يوم كان في دير
مار مخايل بحرصاف وكانت تسمع قدّاسه"
"كان فيه تقوى وعبادة ظاهرة"
"وتأثّرت من التقوى والإيمان الظاهر عليه. عيناه منخفضتان نحو الأرض، ولا
ينظر مطلقا سوى إلى المذبح. ويتحاشى جدّا أن يقع نظره على امرأة من اللواتي
كنّ في القداس"
"وأعجبت بسمو فضائله"
"وتقواه قد أثرت في والديّ للغاية"
- عرم كتب
"جناب الأجل المحترم الخواجا
ابراهيم
دام بقاه
بعد البركة من الله عليكم
والشوق الوافر لمشاهدتكم في كلّ خير وعافية وبعده سابقاً قلتم لنا أنّه
موجود عند جنابكم كتب لازم لهم عرم فإذا أردتم ترسلوهم الآن لكي نعرم
لكم إيّاهم حيث نحن متفضين ما علينا شغل وتحرّوا كلّ كتاب باسمو هذا ما
لزم تعريفكم ودام الله بقاكم 26 ك2 سنة 1856
الداعي لجنابكم القس نعمة
الله حرديني لبناني"
"أيّها الأب الجزيل الإحترام
[يكرم بأيدي حضرة الأب ذي الإكرام القس نعمةالله الحرديني الجزيل الإحترام
دام الله تعالى بقاه]
غبّ لثم أناملكم النقيّة
والتماس دعوتكم الخيريّة والسؤال عن صحتكم المأسورة إن شاء الله تعالى
تكونون أبويّتكم بتمام الرفاهيّة ثمّ إنّه واصل كتاب شحيم الذي وعدتمونا
بعرمه وواصل أيضا كتب القدّاس وكتاب الرسائل نرجوكم بأن تعرموهم جميعاً
وتعجلوا بكتاب القدّاس أوّلاً وما يقتضي من الورق إلى شحيم عرفوا عنه ولدكم
عمّنا الخواجه ابراهيم وهو يقدّم ما يلزم من الورق العبادة والأجرة علينا
والأجر عند الله فلا تبرّحونا من خير أدعيتكم ونكرّر لثم أيديكم ودمتم
1 ش سنة 1856.
ولدكم طنّوس عبدالله
حضرة ولدنا الخواجه ابراهيم
المحترم
بعد البركة من الله عليكم
والشوق الوافر لمشاهدتكم في كلّ خير وعافية إن شاء الله تعالى تكونوا بغاية
الرفاهيّة وبعده واصل هذا التحرير نؤمل تتطلعوا عليه وترسلوا لنا أربع
طراحي ورق عبادة كما هو مذكور وهذا ما يلزم والبركة من الله عليكم
ودمتم.
الداعي لكم القس نعمةالله
حرديني لبناني"
- هالقسيس
"الأخوت" بيضل مطمّش
عينيه
"كان سليم، ابن مريم ابنة
بشارة سيف الداسان، يتغيّب عن المدرسة، وأخبروها بأنّ ابنها يهرب من
المدرسة، فأتت لترى بنفسها، وكانت ترتدي جواهرها حسب موضة تلك الأيّام.
وكانت هذه الجواهر تصدر عندما تمشي"
"خشّة قويّة"
وهي معروفة "بأم سليم بليبل"
"روم كاثوليك، وكانت صبيّة جميلة مستخوتة"
"حادّة الطبع"
"بيروتيّة مزوزقة بلبسها"
"وزوجة الشيخ عبدالله بليبل"
"من المشايخ، الذين وقفوا قسما من الأرزاق على الرهبانيّة، وكان لهم بعض
حقوق على الرهبانيّة في خدمتهم الروحيّة"
"وكان [يوسف عوّاد]
يسمع القداس وهو حدث"
"فدخلت أم سليم الكنيسة لتسأل: هل ابنها أتى إلى المدرسة؟"
"وقت القدّاس"
"وقرّبت للمذبح"
"وركعت في محل الرجال"
"حيث لا يدخل النساء
عادة"
منتظرة أن ينتهي القدّاس لتسأل الحرديني "فأوعز إليها الأب الحرديني
[ربّما بواسطة خادم القدّاس]
دون أن ينظر إلى وجهها قائلا: أخرجي من هنا وعودي إلى محل النساء"
"فلم تطع له"
"فأشار بيده"
"وغطّى وجهه قائلا:"
"قفي وراء الشعريّة"
"فطار صوابها كيف
بخعها"
"وأخذت تصيح وتعربد قائلة: يأتوننا برهبان خوت من طرف الدني حتّى يتحكموا
فينا، هذا الدير ديرنا"
"ووقفنا. وأنت من طرف الدنيا تجي تمنعنا"
"وتخرجنا منه"
"بيقطعوا وبيرهّبوا"
"يقطع الربّ حياتك! مجنون! "
"فسمع
[يوسف عوّاد]
حركة وضجّة في الكنيسة فسأل ما السبب فقالوا أم سليم بليبل حمقانة لأنّ
الأب نعمةالله بخعها في الكنيسة فخرج الناس من الكنيسة وكلّهم يلومونها كيف
أنّها تجاسرت على مجاوبة الحرديني الفاضل. وقد قالت عنه: شو هالقسيس "الأخوت"
الذي بيضل مطمّش عينيه"
"وسنة 1869"
"ذهبت تاج
كنّتها
لزيارة الحرديني، وكانت مريضة، فقالت
[أم سليم]
لها: كنّتي، قبّلي يد الحرديني واطلبي لي منه الغفران"
9- بين ديرَيّ كفيفان
والقطّارة
(صيف 1856 إلى 8 ت2 1856)
- في دير كفيفان
"بعد مشكلة أم سليم بليبل عرض
الأب الحرديني للرئيس العام، طالبا نقله إلى دير مصون تكون فيه القوانين
مرعية، والعيشة المشتركة معزّزة، بعيدا عن ضوضاء العالم"
"فنقل إلى دير كفيفان"
وعلّم اللاهوت، وقد كُتِب في دفتر حسابات كفيفان لسنوات 1853-1856:
"110غروش دخل من الأب نعمةالله الحرديني المحترم"
وهذا دليل آخر لوجوده في كفيفان.
- في دير القطارة
* هيبة الحرديني
"كان الأب مارون
أيطو مبتدئا في دير القطّارة سنة 1854، وأخبرني أنّه لمّا كان الأب
الحرديني يتردّد
على دير الإبتداء هذا، لتفقّد شؤون الحديثين في الفضيلة، لم يكن يدخل الدير
حتّى كنّا نشاهد الفضيلة متجسّمة في شخصه، وتعترينا هيبة، نحن وكلّ جمهور
الدير، ويصير سكوت تام واحترام غير اعتيادي كلّ مدّة وجوده عندنا"
* الرهبان كلّهم مدهوشين
فرحين
"قال الأخ الكرارجي
جبرايل أيطو من عيلة أبي سليمان"
"لرئيس دير القطّارة الأب برنردوس أيطو،
أنت عن قريب تذهب إلى المجمع
ومونة الدير غير كافية "
"وصندوق الغلّة ناقص النصف ولا يليق بك أن تذهب إلى المجمع وتترك الغلّة
لمن يأتي رئيسا بعدك غير كافية"
"فدخل الرئيس إلى الكرار، ونظر صندوق الغلّة، فإذا به قد فرغ نحو نصفه،
وكذلك تفقّد باقي أصناف المونة. وذهب، ثمّ عاد ومعه الأب الحرديني، فوقف
هذا في الباب، وصلّى على الماء، ورشّ في الكرار"
و"على صندوق الغلّة"
"ورجع حالا ثمّ لحق به الرئيس"
" فبعد مدّة وجيزة"
"فتح الكرارجي الصندوق، فوجده ملآنا حنطة بعد أن كان ناقصا النصف. فتعجّب
من ذلك عجبا شديدا"
"وخرج ينادي فرحا، مدهوشا، ويقول: قد امتلأ الصندوق، حتّى فاض. فأسرع جمهور
الدير، وفي مقدّمتهم الرئيس، ليروا ما صار. فتحقّق قول الكرارجي ومجّدوا
الله. وقد شاهدت
[طنّوس الصوص]
في الدير بعيني الرهبان كلّهم مدهوشين فرحين، بما أجراه الله من العجائب
في ديرهم على يد الأب الحرديني. وبقينا أيّاما عديدة لا نسمعهم يتحدّثون
إلاّ بأمر الصندوق الذي امتلأ حنطة بصلاة الحرديني. وصار الحرديني في نظر
الجميع ملاكا سماويّا يتهيّبه الجميع ويخشون منه، كأنّه نائب الله يوبّخ
على الزلاّت، ويعلّم الفضائل"
10- الحرديني والكفري
- الحرديني مرشد الكفري
"أخبرني الأب نعمةالله الكفري
بأنّه كان كاهنا علمانيّا"
"تلميذ مدرسة مار يوحنّا مارون"
"وكان اسمه إسطفان القدّوم، بأنّ الحرديني نصحه بأن يصبح راهبا،
وأعطاه اسمه، أي نعمةالله، وقد أوصاه بعدم إبراز النذور قبل انتهاء
سنة الابتداء، لأنّه من الممكن وبسبب علمه وفضيلته بأن يسمح له الأب العام
بإبراز نذوره قبل انتهاء السنة"
"فأبرز نذوره في 17 حزيران سنة 1855، وله من العمر 28 سنة، بعد أن قضى سنة
وشهر"
ويقول التنّوري: "إنّي قد عاشرت الكفري نحو 20 سنة وهو عاصر الأب نعمةالله
الحرديني وعاشره وسكن وإيّاه نيّفا وثماني سنوات في دير كفيفان"
- الحرديني ينصح الكفري
"صادف الأب الكفري في طريقه
أحد الإخوة، فسأله: من في المنْزول؟ [محل
الضيوف] فأجابه الأب
الحرديني: لا يحسن بالراهب أن يسأل مثل هذا السؤال الفضولي"
- إقتدوا بي كما أنا أقتدي
بالمسيح
(1قور
11\1)
"مرّة كنت مع الأب الفاضل
نعمةالله الكفري في دير ميفوق، حيث كان يلقي رياضة على الرهبان. وطوّل في
قدّاسه كثيرا، فقلت له: ما بك اليوم أطلت قدّاسك أكثر من العادة؟ فقال:
بحيث اليوم آخر الرياضة، وصار معي فرصة، قدّست اليوم مثل الحرديني، لأنّه
خطر ببالي كثيرا في هذا النهار، فتشبّهت به"
11- مدبّر حتّى الوفاة
(1856-1858)
...وبعد الوفاة
- بالكلام الجميل يخدعون
الأبرياء
(روم
16\18)
"حان التآم المجمع العام بحسب
العادة فحضر السيّد بولس برونوني قاصد رسولي في سوريا بأمر البابا بيوس
التاسع وترأس على المجمع العام ليسمع دعاوى الرهبان ويرفع البلابل"
فحرم الأب عمانوئيل المتيني من الوصول إلى الرئاسة العامة
وطلب منه إيصال الأب لورنسيوس الشبابي بالإنتخاب، فوعده بذلك، ولكن حين فرز
القرعة تبيّن أن أغلبيّة الأصوات الساحقة تحمل إسم ارسانيوس النيحاوي!
فألغى المجمع، وقال سأعيّن سلطة لاحقا. وإنّ رهبانا أتوا من جهة الشمال
فقراء، بحالة تعيسة، وركعوا أمام القاصد الرسولي وشكوا حرمانهم في الأديرة
بسبب ظلم الرؤساء وقد رفضوا التجديد للأب عمانوئيل المتيني، فوعدهم القاصد
بذلك. وقد قال إن أكثريّة رهبان هذه الرهبانيّة هم على البساطة الإنجيليّة
لكنّ قلّة هي التي تسبب القلاقل
"وعيّن برونوني الأب لورنسيوس رئيسا عامّا ومعه الآباء المدبّرين يوسف رحمة
من بشري، جبرايل من حريصا، نعمةالله كساب من حردين، كاروبيم من
بكاسين"
لكن رهبان المجمع استمروا بالإنتخاب وانتخبوا ارسانيوس النيحاوي رئيسا
عامّا
"فأمر [برونوني]
بحرم السلطة المنتخبة التي توجّهت إلى دير مار موسى وابتدأت بتعيين
الرؤساء"
و"أعرضوا [أفراد السلطة العامة المنتخبة]
مستغيثين بالأب الأقدس بأن يثبت لهم القرعة"
ولكن "أتى مرسوم من مجمع انتشار الإيمان المقدّس في 27 حزيران 1857، يثبت
السلطة المعيّنة"
ورغم ذلك استمرّت الرهبانيّة في الإنقسام الجغرافي لا يبنقصها إلاّ
الاعتراف الكنسي.
- الحرديني يتابع عمله بعد
الوفاة
وبعد وفاة الحرديني وظهور
النورعلى قبره، والشفاءات الكثيرة التي جرت، وبقاء جسمه حيّا، بدّل
ارسانيوس رأيه، وعندما مرض، فحص ضميره فخرج من الحلف مع المتنيّين،
الذين عاتبوه ولم يحضروا دفنه، ليدخل في حلف القداسة ويواجه ربّه بصفاء
ضمير بعد توبة، "فاستدعى إلى دير الناعمة الأب العام لورنسيوس إذ شعر بدنو
أجله وقدّم له الخضوع وعمل واجباته الأخيرة على يده وتوفّي على ذراعيه
9\2\1859، وحضر جنّازه رهبان أديرة الشوف وقدّموا الخضوع
للأب العام لورنسيوس. أمّا رهبان أديرة المتن فمكثوا رافضين الخضوع إلى آخر
المجمع"
وانتُخِب لورنسيوس الشبابي
رئيسا عاما، وبقيت الرهبانيّة موحّدة إلى اليوم رغم كثرة المشاكل...
وتوحيدها ساهم في تخفيف نتائج الإبادة الجماعيّة أو مجازر 1860 الرهيبة
يوم أستشهد ما يزيد عن 23000مسيحي بين لبنان والشام "ونهب وإحرق معظم
أديارنا الجنوبيّة في الشوف والمتن، وقتل نحو 50 راهبا
من رهباننا. والتجأ من نجا من الرهبان والعالميّين إلى أديرتنا في بلاد
جبيل والبترون وكانت الرهبانيّة تعولهم وتنفق عليهم، وتمدّ اللاجئين إلى
جونيه بالمؤن والمال على يد يوسف بك كرم فقد تبرّع الأب العام لهؤلاء
المنكوبين بألف ليرة ذهبيّة دفعة واحدة. كما قرّرت الرهبانيّة أن ترسل
المؤن والعتاد والأمتعة والمال الفائض من أديرتنا الشماليّة إلى أديرتنا
الجنوبيّة، فما حال الحلول حتّى عادت أديارنا المنكوبة إلى ما كانت عليه
بفضل التضامن الرهباني والغيرة والمحبّة الأخويّة"
- الحرديني المحبّ
والمتواضع
في هذه الظروف الصعبة كتب
الحرديني رسالة إلى غبطة البطرك بولس سعد:
"نعرض أننا حاصلين بغمّ
شديد لجهة ما حصل في ديركم سيّدة طاميش حين التيام [التئام]
مجمعنا بحضور نيافة القاصد الرسولي وانقسام أصحاب الوظايف، لاسيما أمر
نيافة القاصد نحونا بأن نكون من جملة أصحاب الوظايف الأمر الذي هو قصاص
لنا حت [حتّى]
أننا لا يمكن أن نرتاح بعمل من أعمال الوظيفة كما هو موجود، لاسيّما بوقت
كهذا. ولا نعلم هل أعمالنا هي مستقيمة أم لا أو أنها ثابتة أو غير ثابتة
وما أشبه ذلك. وقدس ريسنا العام وحضرات الآبا المحترمين قصدهم ورأيهم أن
ينتخبوا روسا
[رؤساء]
جدد، ونحن نرا
[نرى]
ذلك غير مفيد ومتعب.
فإن شاء خاطركم إظهار إرادتكم بأن لا يكون روسا جدد. وأترجّى الإستنارة كيف
العمل مع وجود هذه الحوادث الغير اعتياديّة. في 20 ت2 سنة 1856"
- الحرديني أستاذ شربل
بعد نذور شربل، في 1 ت2 1853،
مع الأخ يوسف عبدللي، تقرّر، على ما يبدو، إبقاؤهما راهبين عاملين، لا
طالبي كهنوت... "وبقي شربل في عنّايا بعد نذوره حوالي 3 سنوات"
وقد يكون الأب أليشاع، هو الذي طلب، من أخيه المدبّر نعمةالله، إرسال شربل
إلى دير كفيفان ليتعلّم ويصبح كاهنا
فرأى فيه بالروح كاهنا قدّيسا... "أرسله رؤساؤه
إلى مدرسة دير مار قبريانوس كفيفان، يتلقّى فيها العلوم اللازمة للكاهن.
وكان يدير شؤون تلك المدرسة يومئذ، الأب نعمةالله الكفري"
"وعند تغيّب الكفري من الدير كان يحلّ محلّه في التدريس القدّيس
نعمةالله الحرديني"
"ويعطيهم اللاهوت"
"وقال: عندي تلميذ
قدّيس، هو الأخ شربل بقاعكفرا"
- إنجازات
"اشترت الرهبانيّة مطبعة دير
طاميش سنة 1856 بثمن 75000غرش، وكانت هذه المطبعة مؤلفة من حرف عربي
وسرياني ولاتيني، ومن أمّهات الأحرف الثلاثة، ومقطع ورق، ومعدّات للعرم
والتجليد... وأنشأت أنطوش يافا سنة 1856، وأنطوش بعلبك سنة 1857، وطاحون
نهر الكلب سنة 1857، ومدرسة وادي جزين سنة 1858"
- ليرشد الرهبان
"في 13\11\1856، عُيّن المطران
يوسف جعجع
زائرا رسوليّا على الرهبانيّة بين سنة
(1856-1857)"
"وسنة 1858 صار أمر
البابا بيوس التاسع ليوسف جعجع مطران قبرص في أن يرشد الرهبان ويزورهم
ويشدّد قوانينهم فزار الأديرة في جبل لبنان وبلاد كسروان إلا أديار الشوف
والمتن فلم يزرها"
"بسبب مداخلات الأمراء
وبعض المطارين الموارنة في رومه الذين يشدّدون الرهبان العصاة قائلين إنّ
النيحاوي هو الرئيس الشرعي"
- عرم كتب ومراسلات
نموذج عن عمل الحرديني في عرم
الكتب
"لمطالعة حضرة الأجلّ المحترم
الخواجه ابراهيم طنّوس الأحشم، دام بقاه.
جناب حضرة ولدنا الأجل المحترم
غبّ إهداء حضرتكم البركة من
الله ومزيد الأشواق الوافرة إلى الحظوة بمشاهدتكم المأنوسة على كلّ خير
وعافية وسؤال صحّتكم وانشراحكم فإن شاء الله تعالى تكونوا حضرتكم بكمال
الإنشراح والثاني من خصوص كتاب الزمان قد أنجزنا عرمته ومن حيث إننا بهذا
القرب نذهب بسفرة لأتمّ الرسالة لحضرتكم فهو واصل إن شاء الله بيدكم خير
وكلفة عرمته ثمانية قروش هذا ما وجب وأكرّر إهداء حضرتكم ما وجب ونعمته
تعالى تصون حياتكم ودمتم سنة 1858.
الداعي لحضرتكم القس نعمة
الله حرديني لبناني
"حضرة الأب المحترم بمنّه
تعالى
يحظى بمطالعة حضرة الأب الخوري
فرنسيس باسيل سمار جبيل الجليل المحترم دام بقاه
غبّ قبلة أيديكم والتماس خير
دعاكم للدوام، ثمّ بعد وصل تحريركم، وسرّنا منه علم سلامتكم المرغوبة ثمّ
انه من خصوص الكتب واصلون صحبة الولدين المرسلينهم، وأجرة كتاب الإنجيل
عدد 20 قرش وكتاب الأمجاد عدد 16 قرش وكتاب الشهر المريمي عدد 4 وتكون
الجملة 40 قرش واصل من حضرتكم 50 قرش راجع ردود 8 قروش صحبة المذكورين
وقيّدنا قدّاس في دفترنا حسب معرفتكم هذا ما لزم ونكرّر قبلة أيديكم ودام
الله تعالى بقاكم في 20 شباط 1858.
الداعي لكم وراجي دعاكم
القس نعمةالله حرديني لبناني"
|