في مناسبة السنة المريميّة التي أعلنها قداسة
الحبر الأعظم البابا يوحنا بولس الثاني، والتي افتتحت في السابع من حزيران
الفائت يوم عيد العنصرة، والتي ستُختتم في الخامس عشر من آب من السنة
المقبلة، يوم عيد انتقال العذراء بالنفس والجسد إلى السماء، رأينا أن نوجّه
إليكم هذه الرسالة لنذكّركم بهذا الحدث الروحيّ الجليل، لتجنوا منه ما ينطوي
عليه من فوائد من شأنها أن تزيد المؤمن إيماناً بربه، وثقة بأم الله مريم
البتول وأم المؤمنين أجمعين. وما أحوجنا إلى توطيد إيماننا بالله وبشفاعة
أمّه البتول في هذه الأيام المأسوية التي نعيشها منذ 13
سنة.
وقد أصدر قداسة البابا يوحنا بولس الثاني في هذه
المناسبة رسالة عامّة عنوانها: «أم الفادي» تولّت نشرها بالعربيّة اللجنة
الأسقفيّة لوسائل الإعلام بعناية مجمع الكنائس الشرقيّة. وهي تنطوي على ثلاثة
أقسام وهي: مريم في سرّ المسيح، والدة الإله في قلب الكنيسة عبر مسيرتها،
وساطة الأم. وهي تستحث المؤمنين على قراءة جديدة وعميقة لما جاء في المجمع
المسكونيّ الفاتيكانيّ الثاني عن العذراء مريم، والدة الله، لاستجلاء ما نؤمن
به من عقيدة وما يجب أن نحيا فيه من إيمان.
وإنّا اذ ندعوكم إلى تصفّح هذه الرسالة بما تستوجب
من انتباه، للإفادة ممّا تختزنه من عقيدة مريميّة صافية، نودّ في رسالتنا هذه
أن نلمّح إلى هذه العقيدة، على ما وردت في رسالة صاحب القداسة، لنتأمّل في ما
أعطتنا هذه الأم الحنون من قدوة في مسيرة الخلاص وفي طاعة الإيمان، وفي ما
تقوم به من وساطة، ثم ننتقل إلى الحديث بإيجاز عن مظاهر تكريم العذراء في
كنيستنا المارونيّة، على ما نشهده في الرتب الطقسيّة والعبادات الشعبيّة
والأعياد والمعابد المريميّة، ونختتم رسالتنا بالإشارة إلى ما علق مجمع
التوبة الرسوليّة من غفرانات، وعلى ما يمارسه المؤمنون من تمارين روحيّة،
خلال هذه السنة اليوبيليّة المريميّة، وببعض توجيهات عمليّة أوحى بها الكرسيّ
الرسوليّ للإفادة الروحيّة من هذه السنة.
بين الله والإنسان وعد خلاص قطعه تعالى للبشر في
أعقاب الخطيئة الأصليّة (تك 3/15)، وقد تحقّق هذا الوعد، بشكل أمثل، في مريم
العذراء «الممتلئة نعمة» كما حيّاها الملاك يوم البشارة (لو 1/28 ). فكانت
قدوة للمؤمنين في مسيرة الخلاص.
والخلاص عطيّة إلهيّة تنبع من محبّة الآب وتبلغ
إلينا بالفداء الذي أتمّه الإبن، وتعمل عملها المبرّر فينا بقوّة الروح
القدس. وهذا ما يسمّيه الكتاب المقدّس نعمة. والنعمة عطيّة خاصّة تنبع من
حياة الله نفسه الذي هو ثالوث ومحبّة (يو 4/8 )، واختيار لنا من قبل محبّة
الله الآب (اف 1/4)، في سبيل تحقيق إرادته تعالى الأزليّة في خلاص الإنسان
بإشراكه في حياته الإلهيّة بالمسيح (2 بط 1/4 )، الذي نلنا بدمه الفداء
ومغفرة الزلاّت (اف 1/7 ) فنصير أبناء الله بابنه الحبيب (اف
1/5).
إنّ الطوباويّة مريم حاضرة في سرّ المسيح، وهي
التي اختارها الآب أمّاً لإبنه المتجسّد، واختارها الابن في آن مع الآب،
واستودعها روح القداسة بحيث حيّاها الملاك «بممتلئة نعمة «أي المتفجّرة فيها
كلّ المواهب الفائقة الطبيعة. ولقد افتُديت بشكل فائق واستثنائي، لأنها حُفظت
من إرث الخطيئة الأصليّة (نور الأمم، 53). وهكذا أصبحت إبنة الآب وأم الإبن
وهيكل الروح القدس، بفضل النعمة التي نالتها من الله (لو 1/30)، واختياره
تعالى لها لتكون أم المخلّص (لو1/31). ولذلك دعاها الملاك وحيّتها أليصابات
«مباركة في النساء (لو 1/28، 42)، ورأتها الكنيسة في المرتبة الأولى بين
الخلائق في السماء وعلى الأرض (نور الأمم، 53).
ومريم الكلية القداسة، المنفتحة بكمال الإنفتاح،
على كلّ عطيّة صالحة وكاملة تهبط من فوق، من أبي الانوار (يع 1/17)، هي في
المرتبة الأولى بين هؤلاء الوضيعين والمفتقرين إلى الربّ، الذين يرجون منه
الخلاص، وينتظرونه في ثقة الرجاء (نور الأمم، 55). وهي التي ساهمت بمحبّتها
في ولادة المؤمنين أعضاء في الكنيسة، جسد ابنها السرّي، وما زالت لهم القدوة
والمثال في الإيمان والمحبّة (نور الأمم، 53). وها هي تبقى علامة الرجاء
الوطيد للبشريّة جمعاء، لكونها تحمل بغلبتها على التنّين (رؤ 12/1-17) مجد
النعمة وتؤكّد أنّ الغلبة على الشرّ لن تتحقّق إلاّ عبر صراع عنيف يرافق
تاريخ البشر.
الإيمان هو تجاوب الإنسان مع النعمة التي هي هبة
الله ذاته. والله فيما يوحي بالكلام أو بالعطيّة أو بالتدبير، إنّما يستلزم
«طاعة الإيمان» (روميه 1/5؛ 16/26)، وهذا يعني استسلام الإنسان كلّياً لله
وهو حرّ، باخضاع العقل والإرادة لله وبالقبول الإختياريّ لهذا الوحيّ (الوحيّ
الإلهي، 5).
والعذراء مريم جسّدت تجسيداً كاملاً «طاعة الإيمان
«هذه من البشارة إلى الصليب، فأصبحت بطاعتها علّة الخلاص لذاتها وللجنس
البشريّ أجمع (نور الأمم، 56).
أ ـ في البشارة، استسلمت كلّياً لله وأعلنت طاعة إيمانها له
مقدّمة ذاتها تقدمة كاملة بقبولها الدعوة الإلهيّة لتكون أم يسوع ويتحقّق
فيها سرّ التجسّد الإلهيّ، عندما أجابت الملاك: «أنا أمة الرب، فليكن لي بحسب
قولك» (لو 1/38). وهكذا تشبّهت بطاعة ابنها يوم جاء إلى العالم فقال: «ذبيحةً
وقرباناً لم تشأ، غير أنّك هيّأت لي جسداً... حينئذ قلت: ها أنا ذا آتي...
لأعمل بمشيئتك يا الله» (عب 10/5-7). ووضعت ذاتها في تصرف الله مستسلمةً لشخص
ابنها ورسالته في خدمة الفداء (نور الأمم، 56)، وهي التي قبلت هذا الابن في
فكرها وقلبها بالإيمان والمحبّة، قبل أن تحبل به في أحشائها (نور الأمم،
53).
ب ـ في تقدمة الطفل يسوع لله في
الهيكل، تلقّت نبوءة سمعان الشيخ
بأنّ الطفل يسوع سيكون «علامة خلاف» وبأنّ «سيفاً يجوز في قلبها» (لو
2/34-35). هذا هو البُعد التاريخيّ الواقعيّ الذي سيلازم رسالة ابنها:
المخالفة والألم. فقبلت طاعة الإيمان في الألم مستبقة مثال ابنها الذي كتب
عنه بولس الرسول: «ولأنّه ابن صالح، تعلّم الطاعة من الخوف والآلام التي
احتملها. وهكذا صار كاملاً ولجميع الذين يطيعونه علّة الحياة الأبديّة» (عب
5/8-9). وفي الواقع قبلت مريم الأمومة التي سيلفّها الخفاء والألم، عندما
أرغمت على الهرب بابنها إلى مصر، بحماية يوسف الساهرة، لأنّ هيرودس موشك أن
يطلب الصبيّ لهيكله (متى 2/13-14).
ج ـ في الناصرة، بعد وفاة هيرودس عادت العائلة المقدّسة من مصر
وعاشت مرحلة الحياة الخفية في بيت الناصرة. إنّه سرّ مريم «المستترة مع
المسيح في الله» (كول 3/3). هي حياة الإيمان، هذا الاتصال الخفي بسرّ الله
الذي يتجدّد كلّ يوم عبر المحن والصعوبات التي تكتنف مرحلة طفولة يسوع، وطوال
الحياة الخفية في الناصرة، حيث كان «خاضعاً لهما» (لو 2/51). وهكذا، ظلّت هذه
الأم «تحفظ في قلبها» ما قيل لها في البشارة وفي الأحداث التي تلتها عن هذا
الابن. إنّ مثالها يوضح لنا ما يسمّيه مار يوحنا الصليبيّ «ليل الإيمان» أي
الفرح والألم الكامنين في القلب، بل هذا «الحجاب» الذي نتطلّع من خلاله إلى
ما لا يُرى ونعيش في صميم السرّ.
د ـ في الهيكل بين العلماء، وهذا حدث آخر جديد الأبعاد عميقها: يسوع، في
الثانية عشرة من العمر، في الهيكل بين العلماء يسمعهم ويسألهم، والكلّ
يسمعونه مندهشين من حكمته وأجوبته (لو 2/46-47). وعندما سألته أمّه عن سبب
فعله هذا، أجابها بما لم تفهم هي ولا يوسف الكلمة التي قالها (لو 2/49-50).
لكنّها، ولو لم تفهم صميم سرّ ابنها، حافظت في أمانة على الإتحاد به
بالإيمان، أي بالقبول والاستسلام والطاعة. وهكذا كان إيمانها يتكامل فيها
يوماً بعد يوم وهي «تتقدّم في مسيرة الإيمان» (نور الأمم،
58).
ه ـ عند قدمي صليب ابنها، وظلّت مريم أمينة لهذا الإتحاد بابنها حتى
الصليب، حيث وقفت (يو 19/25)، يمزّق قلبها الألم، وهي تشارك وحيدها في تقدمة
ذاته محرقة فداء وخلاص (نور الأمم، 58). إذًا بالإيمان، فالذي أملى عليها
الطاعة لمّا كشفه لها ملاك البشارة، هو عينه أملى عليها الإتحاد بابنها حتى
الصليب. هي بطولة الإيمان حيال أحكام الله البعيدة عن التنقيب (روميه 11/33)،
المتجلّية بابنها وهو ينازع على خشبة كمجرم، مزدرىً، ورجل أوجاع، تماماً كما
تنبّأ عنه إشعيا (اش 53/3-5). وبذلك تشبّهت «بتفاني» يسوع ابنها (فل 2/5-8 )،
بل شاركت فيه، موتاً. هو ذبيحة فداء قبلتها بحب، وجعلتها بالتالي أمّ
البشريّة جمعاء، بالنعمة، هذه البشريّة المتمثّلة بشخص يوحنّا (يو 19/26-27 ؛
نور الأمم، 58).
مسيرة الإيمان هذه التي عاشتها مريم، استأهلت لها
الطوبى مسبقاً بكلمة اليصابات: «طوبى للتي آمنت بأنّ ما قيل لها من الله
سيتمّ» (لو 1/45). هي مسيرتنا، يطوّبها السيّد المسيح بقوله: «طوبى لمن
يسمعون كلمة الله ويعملون بها» (لو 11/28)، وتكون لنا فيها الطوباويّة مريم
قدوة، لكونها على غرار إبراهيم، الذي يدعوه الرسول «أباً لنا في الإيمان»
(روميه 4/12).، آمنت ورجت حيث لا رجاء (روميه 4/18)، طوال مسيرتها على درب
الإيمان، وهي ابنة الله وأمّه.
ولتكن صلاتنا مع القدّيس انسموس: «أعطني يا رب أن
أؤمن لأفهم، لا أن أفهم لأؤمن».
ان المجمع المسكونيّ الفاتيكانيّ الثاني يُسمّي
مريم «أم المسيح وأم البشر» ، لكونها ولدت يسوع، وأسهمت بالمحبّة في ولادة
المؤمنين في الكنيسة، فكانت أمّهم، هم أعضاء جسد ابنها (نور الأمم، 53-54).
وأعلنها السعيد الذكر البابا بولس السادس، في 21 تشرين الثاني 1964، «أمّ
الكنيسة» أي «أم شعب الله بأجمعه، مؤمنين ورعاة» . ثم عاد فأكّد هذه العقيدة
سنة 1968 في «قانون إيمان شعب الله»، معلناً: «نؤمن بأنّ والدة الإله الفائقة
القداسة، حوّاء الجديدة، أمّ الكنيسة، تواصل في السماء دورها الوالديّ حيال
أعضاء المسيح، بإسهامها في ولادة الحياة الإلهيّة في نفوس المفتدين
وتنميتها». وتتأصّل جذور هذه العقيدة في كلمة الرب يسوع لأمّه وليوحنّا
قُبَيل موته على الصليب: «يا إمرأة، هذا ابنك... هذه أمّك» (يو
19/26-27).
هذه الأمومة هي اكتمال الوعد القديم: إنّ
نسل المرأة سوف يسحق رأس الحيّة (سفر التكوين 3/15). في الواقع، إنّ المسيح،
بموته الفدائي، يسحق شرّ الخطيئة والموت في جذوره، وهو اذ يتجه من أعلى
الصليب ويقول لأمّه: «يا إمرأة، هذا ابنك»، يتناول، بهذه التسمية، سرّ مريم
في أعماقه فيبرز الموقع الفريد الذي تحتلّه في مجمل تدبير الخلاص. وأمومة
والدته تجد لها امتداداً في الكنيسة وبالكنيسة، ممثّلَة
بيوحنّا.
هذا هو التراث الراسخ: أن تشمل أمومة مريم الإلهيّة الكنيسة، وأن ترى
الكنيسة في أمومة مريم لها انعكاساً وامتداداً لأمومتها لابن الله، على ما
قال البابا لاوون الكبير. وتظهر أمومتها قُبيل العنصرة، اذ نراها تستدعي،
بصلواتها، عطيّة الروح القدس، ذاك الذي سبق، في البشارة وظلّلها هي نفسها
(أعمال الرسل 1/14؛ نور الأمم، 59).
وهكذا نجد أنّ في تبرير النعمة، الذي تحقّق بفعل
الروح القدس، تزامناً فريداً بين تجسد الكلمة وولادة الكنيسة. والشخص الذي
يجمع بين هذين الحدثين هو مريم: مريم في الناصرة، ومريم في علية أورشليم. وفي
الحدثين، تظهر مريم، بحضورها الأساسيّ، السبيل إلى الولادة بالروح. فإذا بها
وهي صاحبة الحضور في سرّ المسيح، بوصفها أمّاً له، تضحّي حاضرة، بإرادة الابن
وبالروح القدس، في سرّ الكنيسة، وتواصل حضورها حضور الأم لنا، على صعيد
النعمة، دونما انقطاع (نور الأمم، 62).
إنّ وساطة مريم هي وساطة أمّ، تنبع، وفقاً لما
أراده الله، من فيض استحقاقات المسيح ابنها، فهي تستند إلى وساطته هو، وتستمد
منها كلّ ما لها من طاقة (نور الأمم، 60). ولقد تجلّت وساطتها، كنموذج، في
عرس قانا الجليل (يو 2/1-11). فهي تقف بين ابنها والبشر في واقع ما يعانون من
حرمان وفقر وألم، وتقول له: «ليس عندهم خمر» (يو 2/3). وتتخذ لذاتها مكاناً،
«في الوسط «تقوم بدور الوسيط، ليس من الخارج، بل من موقع أمومتها، وتعي، من
جرّاء هذه الأمومة، قدرتها على أن تعرض لهذا الابن حاجات البشر، أو بالأحرى
«حقّها» في ذلك.
إنّ لوساطتها طابع الضراعة، فتضرع لأجل البشر،
وتتشوق، بوصفها أمّاً، إلى أن تتجلّى قدرة ابنها المسيحانيّة، أي قدرته
الخلاصيّة الهادفة إلى إغاثة البشر في شقائهم، وإلى تحرير الإنسان من الشرّ
الجاثم فوق حياته في أشكال شتّى، ومعايير مختلفة (لو 4/18). وفي الوقت عينه،
تظهر أم يسوع، أمام البشر، كأنّها الناطق باسم الابن، تعبّر عن إرادته، وترشد
إلى ما يقتضيه تجلّي قدرة المسيح الخلاصيّة: «إفعلوا ما يقوله لكم» (يو
2/5).
وساطة مريم لا تُرد. فبفضل ضراعتها، وطاعة
الخدّام، استهلّ يسوع «ساعته»، وحوّل الماء خمراً، وظهرت مريم، ظهور من يؤمن
بيسوع، وإيمانها هذا يُخرج إلى النّور أولى العجائب ويُسهم في بعث إيمان
التلاميذ (يو 2/11).
وتواصل مريم ضراعتها بانتقالها إلى السماء بنفسها
وجسدها، وتستنزل علينا النعم التي تضمن لنا خلاصنا
الأبديّ.
إنّ محبّتها الوالدية تحملها على الرفق بأخوة
ابنها الذين لم تنته بعد مسيرتهم، أو الذين يتخبّطّون في مخاطر ومحن، حتى
يبلغوا الوطن السعيد، ولذلك تدعوها الكنيسة «المحامية»، «المعينة»،
«المغيثة»، «الوسيطة» (نور الأمم، 62).
والطوباويّة مريم، العذراء والأم، هي في الكنيسة،
المثال الدائم: فالكنيسة أيضاً تدعى «أمّاً وعذراء» (نور الأمم، 63). وتضحي
أمّاً من جرّاء قبولها كلمة الله، وأمانتها لها. فتلد إلى حياة جديدة خالدة،
بالكرازة والمعموديّة، بنين حُبل بهم من الروح القدس، وولدوا من الله (نور
الأمم، 64). وقد عبّر الرسول عن وجه الأمومة هذا، الذي للكنيسة في رسالته إلى
الغلاطيين: «يا أولادي الذين اتمخّض بهم من جديد إلى ان يتصوّر المسيح فيهم»
(غل 4/19). هذا هو معنى عبارة بولس الرسول «يسوع البكر بين أخوة كثيرين»
(رومية 8/29). فالكنيسة، في أجيالها الأولى، وهي خادمة الكلمة بين البشر، وعت
أنّها أم، ولذلك كانت تنظر إلى سرّ حياتها ورسالتها في ضوء المثال الذي لها
في أم يسوع.
فعلى غرار مريم، خادمة سرّ التجسّد، تظل الكنيسة
خادمة سرّ التبنّي بالنعمة. وعلى غرار مريم أيضاً، تظل الكنيسة العذراء
الأمينة لعريسها: فهي أيضاً عذراء، وقد قدّمت لعريسها عهدها (نور الأمم، 64)،
هذا العهد الذي تصونه كاملاً ونقياً. ذلك أنّ الكنيسة هي عروس المسيح (اف
5/21-33؛ 2 قور 11/2 ؛ رؤ 21/9).
ولمّا كانت مريم الكليّة القداسة تؤازر الكنيسة في
تحقيق أمانتها، وتسهم، بمحبّة نابعة من أمومتها، في ولادة أبناء الكنيسة الأم
وبناتها وتنشئتهم، إذا بالكنيسة تستقي بسخاء من مؤازرة مريم، أي من وساطتها
الوالدية، في ولادة هؤلاء الأبناء والبنات وتنشئتهم، بقوّة الروح القدس، الذي
يبعث أبناء الله الجدد المفتدين بدم المسيح، والذي حلّ على الكنيسة وعلى مريم
معاً يوم العنصرة.
ومريم الطوباويّة، الحاضرة في الكنيسة بوصفها أمّ
الفادي، تسهم، بحنان الأمومة، في المعركة ضد قوى الظلام، هذه المعركة التي
نشهدها عبر تاريخ البشر كلّه (الكنيسة في عالم اليوم،
37).
إنّ تكريم العذراء في كنيستنا المارونيّة تقليد
قديم يرقى إلى العهود الأولى التي نشأت فيها هذه الكنيسة. ونجد ما يدل على
هذا التكريم في الرتب الطقسيّة والعبادات الشعبيّة والأعياد المريميّة
والمعابد المشيّدة على إسم العذراء في لبنان وخارجه حيثما انتشر
الموارنة.
ونقتصر في هذه الرسالة على الإشارة إلى ما ورد في
كتاب رتبة القدّاس والفرض الإلهيّين وما سوى ذلك من رتب معروفة من مثل زياح
الورديّة، وهو يدل دلالة واضحة على المقام الفريد الذي تحتله أمّ الله في
العبادة المارونيّة.
أ ـ رتبة القدّاس
لقد ورد ذكر العذراء مريم في رتبة القدّاس مرّات
عديدة منها ما ينشده الشعب في مستهلّ هذه الرتبة عند صمدة الأسرار وهو: «لتكن
صلاة البتول المباركة لنا سوراً، هللويا. مريم قد اصطفاك الإله من بين
العالمين، إذ رآك أطهر وأقدس جميع المولودين، تسعة أشهر فيك أقام، ومن جسمك
أخذ جسماً تام».
وفي الأعياد المريميّة تخصّص صلاة الغفران التي
تنشد لدى وضع البخور لمديح العذراء ومطلعها: «لنرفعن التسبيح والمجد والإكرام
للعظيم الذي تصاغر وعظم البتول الصغيرة ....» ويتابع الكاهن قائلاً: «إننا
ونحن نمدح بالتهاليل الروحيّة، مريم أم الله الدائمة البتوليّة، نقدّمها
متوسلة عنّا لإبنها ثمرة أحشائها قائلين: بصلوات أمّك، ردّ، يا رب، عن الأرض
وسكّانها، الغضب والضربات «إلى ما سوى ذلك من ابتهالات يسأل المحتفل فيها
الله أن يجنّب أبناء الكنيسة النكبات والويلات بشفاعة هذه الأم
الحنون.
وعلى أثر الانتهاء من صلاة العفران، يتوجّه الشعب
بدوره إلى أم الله منشداً هذه الصلاة الشعبية التي أصبحت راسخة في كلّ
الاذهان وهي: «صلاتك معنا يا أطهر العباد، كوني عوننا حسب المعتاد، هوذا
حالنا للتلف أشرف، إرحمينا يا بريّة من الفساد».
«يا بتول صلي دائماً لأجلنا، لئلّا نهلك من قِبل
شرّنا، أطلبي تضرّعي للإله ابنك، لكيما بطلباتك
يرحمنا».
وننتقل إلى ما قبل تلاوة رسالة القدّيس بولس، فنجد
أنّ المزمور يمتدح العذراء أيّام الأربعاء من كلّ أسبوع، على حسب ما رسم
الطقس المارونيّ فينشد الشمّاس قائلاً: «طوباك أيتها الأمّ المباركة، فأنت
ممجّدة في بتوليّتك، لأنّ قد خرجت منك خروجاً نقياً الثمرة المجيدة التي من
الآب». فيجيب المحتفل على النغم ذاته: «يليق بنا أن نذكر مريم البتول
القدّيسة تلك التي حملت على ذراعيها ذاك الحامل الأكوان».
وفي مستهلّ القسم الثاني من القدّاس، عندما ينشد
الشعب: «فلنقف حسناً باجمعنا نمجد ونشكر مخلّصنا»، يخصّ العذراء بالذكر
فيتابع الإنشاد قائلاً: «مريم افتخار البتولين نذكرها بهذه
القرابين».
وفي التذكارات تحتل العذراء مقاماً خاصّاً،
فيذكرها الكاهن بقوله: «ونخصّ بالذكر القدّيسة المجيدة الدائمة بتوليتها
الطوباوية والدة الله مريم». فيجيبه الشعب بقوله: «أذكرها يا رب واشفق علينا
راحماً بصلواتها الطاهرة المقدّسة واستجب لنا».
وللعذراء أيضاً ذكر خاصّ في الأنشودتين الخاصّتين
بالقربان، بعيد تكريسه، وقد جاء في الأول التي مطلعها: «فلنطلب كلّنا بخشوع
وافر، بواسطة القربان السر الغافر «نداء إلى الأم البتول يستشفعها بهذه
العبارة: «أيتها السعيدة أمّنا، مريم العذراء سيّدتنا، أطلبي من وحيدك
لأجلنا، ليرضى عنّا ويرحمنا».
وجاء في الثانية تعظيم لذكرها. فبعد أن ينشد
الشعب: «بسرّ قيامة المسيح ربّنا نستمدّ الغفران»، يتابع الإنشاد قائلاً:
«معظّم تذكار أمّه مريم سيّدة الأكوان». وغالباً ما تختم ذبيحة القدّاس بمديح
خاصّ بأمّ الله وهو: «هلّلويا، يا أمّ الله صوّر مثالك سلّم يعقوب المحدر ثم
المصعد، لأنّ ابن الله ملجأ الراجين انحدر منك وأنقذنا من المفسد»، وذلك في
الأعياد المريميّة.
أمّا نشيد الإفراميّات ومطلعه «نهديك السلام يا
أمّ الله القوي الجبّار» فهو على كلّ شفة ولسان لما فيه من غنى عقائديّ
ولكثرة ما تعوّد المؤمنون أن ينشدوه في القدّاس وخارجه طلباً لشفاعة أم
الله.
وهذا كلّه يعني أنّ رتبة القدّاس المارونيّ لا
تفصل العذراء مريم عن ابنها فلا تذكره حتى تذكرها لما لها من دالّة عليه
ولمشاركتها إيّاه في عمل الفداء، ولحرصها على الاستشفاع بنا
لديه.
ب ـ الفرض الإلهيّ
لقد خص الفرض الإلهيّ، الذي توجب الكنيسة على
الكهنة أن يتلوه كلّ يوم، مريم العذراء بصلوات وابتهالات ضمّنتها غنى في
العقيدة ورموزاً وصوراً رائعة مستوحاة من الكتاب المقدّس. فكأنّ واضعيه
أرادوا أن يرسخوا في أذهان الإكليريكيين أنّ من نذر نفسه لله في الكهنوت
المقدّس وخدمة النفوس، يتعذّر عليه القيام برسالته قياماً يرضي الله وضميره،
ما لم يلذ بحمى هذه الأم البتول. ولذلك نرى أنّ هذا الفرض كرّس الساعة الأولى
من الليل على مدار الأسبوع بمديح العذراء مريم بأناشيد معظمها آتٍ، على ما
يؤكّد الأخصّائيون في الطقوس، عن الآباء القدّيسين من أمثال مار أفرام ويعقوب
النصيبي وسواهما. وأكثر ما يذكر الفرض العذراء يوم الأربعاء وهو مخصّص
لتكريمها في الطقس المارونيّ. وحسبنا أن نقتطف من هذه الأناشيد ما يعبّر أبلغ
تعبير عن طريقة استعمال هؤلاء الآباء للكتاب المقدّس وقد طبّقوا معظم رموزه
على أمّ الله مريم العذراء. وإليك هذا النموذج الذي يخاطبها فيه أحدهم بقوله:
«شبّهك موسى بالعلّيقة، وداود أبوك بالجرّة، وجدعون بالجزّة، التي قبلت
الندى، وحزقيال بالباب المقفل، وإبراهيم بالمسكن المجيد، وموسى بجرّة الذهب،
مبارك الذي ظهر منها وخلّص البرايا» (الساعة الأولى من ليل الاربعاء، كتاب
الفرض، المطبعة الكاثوليكية، 1981، ص237).
ويعود الفرض غير مرّة على هذه الرموز الكتابية
فيتّجه المصلّي إلى العذراء بقوله لها: «ألسلام لك يا مريم، يا جرّة الأسرار
التي صاغها موسى، ألسلام لك يا منديل الروح المحتوي على ماء الحياة، السلام
لك يا مدينة حصينة، قال داود بن يسّى إنّ الله خرج من أحشائها» (الساعة
الرابعة من ليل السبت، كتاب الفرض، ص394).
ويرى فيها شريكة ابنها في الفداء فيقول: «في يوم
تذكار المباركة يفرح آدم رأس جنسنا، ويبتهج، لأنّها ولّدت الولد الذي حرّر
أولاده من عبوديّة الموت والشيطان، مبارك الذي اختارها وشاءها أمّاً له وهو
مَن صوّرها في الحشا» (المكان عينه، ص 398).
ويقف الشاعر الملهم الذي استعار الفرض أبياته،
حائراً أمام سرّ بتوليّة العذراء وولادتها ابن الله فيهتف قائلاً: «كيف أدعوك
أيتها البتول المملوءة محاسن؟ كيف أصوّر فضائلك، أيتها الوديعة بين البشر؟
أأدعوك إمرأة رجل؟ بكارتك قائمة. أأدعوك بتولاً؟ هوذا أنت ترضعين من يقوت
الناس. عجيب حبلك وولادتك. مبارك غير المحدود الذي خرج من أحشائك» (المكان
عينه، ص472).
ويصوّر هذا الشاعر عينه، وأغلب الظن أنّه مار
أفرام، البتول مريم برسالة ختمت ثم كتبت تعبيراً عن ولادتها ابنها وهي في حال
بتوليّة، فيقول: «تراءت لنا مريم كرسالة مختومة، وقد اختبأت فيها أسرار الابن
ومكنوناته. إنّها رسالة ما كتبت ثم ختمت، لكنّهم ختموها ثم كتبوها لدى الله»
(المكان عينه، ص328).
وغالباً ما يظهر الكاتب الملهم دور الأقانيم
الثلاثة في اختيارها وتجسّد الابن منها وتقديسها فيقول: «ألمجد للآب الذي
اختارها أمّاً لابنه، والسجود للابن الذي تجسّد منها بالقداسة، والشكر للروح،
الذي عظّم يوم تذكارها، وعلينا المراحم في كلّ وقت بصلواتها» (المكان عينه،
ص241).
وقد لا نجد صلاة من صلوات الليل والنهار على
اختلاف الأوقات، إلاّ وللعذراء مريم ذكر فيها ونداء استشفاع وكلمة استعطاف
وعبارة مديح وإطراء إقراراً بدورها الكبير في عمل الفداء وخلاص
البشر.
ج ـ كتاب الرتب والعبادات
الكنسيّة
هذا الكتاب الذي يحتوي على رتبة الاستعداد لعيد
الميلاد وتكريس الماء في عيد الغطاس أو الدنح وعيد القدّيسين بطرس وبولس،
وتبريك الشمع يوم عيد دخول المسيح الهيكل، والرماد في اليوم الأول من الصوم
الكبير، والأغصان يوم الشعانين، والغسل وسجدة الصليب والعنصرة وما سوى ذلك من
رتب، خصّ العذراء بخمس رتب، إذا جاز التعبير،
وهي:
1 ـ منح البركة بأيقونة الورديّة في الأحد الأول
من كلّ شهر.
2 ـ الوردية في الأحد الأول من شهر تشرين
الأول.
3 ـ منح البركة بأيقونة ثوب السيّدة في الأحد
الثالث من كلّ شهر.
4 ـ الإشتراك في أخويّة الورديّة وكيفيّة تلاوتها
والغفرانات المعلّقة عليها.
5 ـ رتبة الاشتراك في شركة ثوب سيّدة الكرمل
والغفرانات التي يكتسبها المشترك، وأخيراً طلبة
السيّدة.
ويتبيّن ممّا تقدّم أنّ البركة تمنح بأيقونة
العذراء في الأحد الأول من الشهر وبأيقونة ثوب السيّدة في الأحد الثالث، وهذا
يعني أنّ أحدَين من كلّ شهر تكرّم فيهما أم الله تكريماً علنياً
طقسياً.
|
 |
ولا يتّسع نطاق هذه الرسالة لتحليل كلّ من هذه
الرتب وما فيها من عقيدة مريميّة، غير أننا نكتفي بالقول إنّ منح البركة
بأيقونة الورديّة في الأحد الأول من كلّ شهر يكون بانشاد ستة مقاطع تذكر بما
شعرت به العذراء من فرح لدى البشارة والزيارة والميلاد وتقدمة ابنها إلى الله
في الهيكل ووجوده بين العلماء، وهذه أسرار الفرح التي تنشد من تمّوز إلى مدخل
الصوم. وتذكّر أسرار الحزن التي تنشد في أيّام الصوم الكبير بالصلاة في
البستان والجلد وإكليل الشوك وحمل الصليب والموت عليه. وتذكّر أخيراً أسرار
المجد التي تنشد من يوم عيد القيامة إلى عيد مار بطرس وبولس، بالقيامة
والصعود وحلول الروح وانتقال العذراء إلى السماء بالنفس والجسد وجلوسها
سلطانة على السماوات والأرض عن يمين ابنها. وهكذا يستعرض المؤمنون من خلال
هذه الأناشيد موجز سيرة حياة السيّد المسيح والعذراء. وبعد إنشاد بيت آخر على
لحن جديد يدور، حسب الزمن الطقسيّ، على إحدى المجموعات الثلاث من هذه
الأسرار، يتوجّه المصلّون إلى العذراء بطلبات رقيقة واثقة يسألونها فيها ما
يحتاجون إليه من نعم وبركات، آملين أن تنالها لهم من ابنها. وهكذا يشكرون
الله الآب على انعامه عليهم بهذه الأم البتول النقيّة ويطوّبونها ابنة للأب
وأماً للإبن وعروساً للروح القدس، ويسردون بعضاً من ألقابها المستقاة من
الكتاب المقدّس، على ما رآها الأنبياء، ويدعونها جزّة جدعون وسلاح رب القوّات
الذي به يقهرون الأعداء، وجبلاً عالياً تراءى لدانيال، ويروحون يطلبون منها
بتواتر النجاة من الشيطان واتّقاء الآثام، والخلاص من الطاعون، ويلتمسون خير
السماوات ومباركة ثمار الأراضي وشفاء المرضى وإعانة الموتى، واللازمة هي:
«نطلب منك يا مريم». ثم تتلى الصلاة المبدوءة بـ «يا سلطانة السماوات والأرض
«وتنشد الأنشودة الشعبيّة المعروفة «يا أم الله يا حنونة»، ويهتف المؤمنون
مرتّلين بصوت واحد: «وان كان جسمك بعيداً منّا أيتها البتول أمّنا. صلواتك
تصحبنا وتكون معنا وتحفظنا»، وهي الصلاة عينها التي نجدها في الفرض الإلهيّ،
ولعلّها ترقى إلى مار افرام، كنّارة الروح القدس، وقد جاء فيها: «إنْ كان
جسمك بعيداً منّا أيّتها القدّيسة، فصلواتك معنا في كلّ حين. بتلك القوّة
الخفيّة التي انحدرت وحلّت فيك، اطلبي المراحم من أجل الخطأة الملتجئين إليك»
(المكان عينه، ص285). وأخيراً تمنح البركة بالأيقونة في شكل
صليب.
أمّا زياح الورديّة الكبير في الأحد الأول من
تشرين الأول فيأخذ طابعاً احتفالياً وتتلى فيه السبحة بكاملها أعني خمسة عشر
بيتاً مع ما يسبق كلّ بيت من مقدّمات وتراتيل في مديح العذراء، ثم يطوف
المؤمنون بأيقونة العذراء في صحن الكنيسة أو حولها، والشموع مضاءة، والبخور
يتصاعد، والصنوج تقرع، والأجراس تزغرد، والأصوات تتعالى بمدائح أم الله.
ويختم الزياح بمثل ما يختم به منح البركة في الرتب الدينيّة نجد أنّ العذراء
مريم تحتل في هذه الممارسات مقام الصدارة. فهي رفيقة ومحامية وشفيعة دائمة.
فإذا وُلدت إبنة في يوم عيد من أعيادها سُمّيت: إمّا مريم وإمّا سيّده. وإذا
ألمَّ مرض بولد نُذر للعذراء فيقدّم والداه عنه ثقله شمعاً أو بخوراً لأحد
مزارات السيّدة العذراء. وعند التصميم على السفر، لا بد أن يزور المؤمن
المصمّم على السفر إحدى كنائس العذراء طلباً للنجاح والتوفيق. وصورة البتول
على يديها الطفل غالباً ما تحتل صدر البيت، الذي بات يحتلّ اليوم صدره، لدى
بعضهم، ويا للخجل، رسوم وصور لراقصات ومغنّيات ونجوم سينما، أقل ما يقال فيها
إنها صفعة أليمة للآداب والأخلاق الفاضلة. وأيقونتها أجمل ما تتزيّن بها
الأمّهات والبنات وثوبها أثمن حرز، وسبحتها خير رفيق في الروحات والغدوات.
وما أسعدها أيّاماً كان يجتمع فيها أفراد العائلة لتلاوة السبحة والطلبة
وإنشاد «يا أم الله»، وينصرف الجميع إلى الرقاد واضعين أرواحهم في رقادهم
الزمنيّ ـ وهو رمز لرقادهم الأبديّ ـ بين يدي هذه الأم الحنون. وخير ما تشتبك
به الأصابع لدى الرحيل الأخير إنّما هو السبحة، وهي علامة رجاء لقيامة سعيدة.
وهكذا نرى أنّ العذراء ترافق المؤمن في جميع مراحل حياته فلا يتنهد أو يزفر
إلاّ اتبع التنهيدة أو الزفرة بالقول: «أخ يا عذراء»، وهي صرخة إيمان عفويّة
بشفاعة هذه الأم الإلهيّة.
لا تقل الأعيّاد المريميّة عندنا عن ثلاثة عشر
عيداً موزّعة على تسعة أشهر من السنة وهي:
1 ـ مولد العذراء في الثامن من
أيلول.
2 ـ يواكيم وحنّة والدا العذراء في التاسع من
أيلول.
3 ـ سيّدة الورديّة في الأحد الأول من تشرين الأول
وتمنح البركة بأيقونة العذراء في كلّ يوم من أيام
الشهر.
4 ـ تقدمة مريم إلى الهيكل في الحادي والعشرين من
تشرين الثاني مع ما يرافق الفترة السابقة للميلاد من تذكارات أوّلها بشارة
زكريا، وبشارة أمّ الله والزيارة وبيان يوسف، وسلالة يسوع، وكلّ منها يذكّر
بحدث للعذراء فيه دور بارز.
5 ـ الحبل بلا دنس في الثامن من كانون
الأول.
6 ـ تهنئة العذراء بميلاد ابنها في السادس
والعشرين من كانون الأول.
7 ـ دخول المسيح إلى الهيكل على يدَي والدته في
الثاني من شباط.
8 ـ بشارة الملاك للعذراء بإنّها ستكون أما لله في
الخامس والعشرين من آذار.
9 ـ سيّدة الزروع، أمّ الله في الخامس عشر من
أيّار، فضلاً عن أنّ هذا الشهر مكّرس بكامله للعذراء، تمنح فيه البركة
بأيقونتها.
10 ـ زيارة أمّ الله مريم لنسيبتها أليصابات في
الثاني من تمّوز.
11 ـ سيّدة جبل الكرمل في السادس عشر من
تمّوز.
12 ـ حنّة أم مريم، في الخامس والعشرين من
تمّوز.
13 ـ انتقال العذراء بالنفس والجسد إلى السماء أو
النياح في الخامس عشر من آب، ويسبقه صوم وقطاعة طوال أربعة عشر يوماً، وهو
أكبر الأعياد المريميّة في كنيستنا المارونيّة.
وهذا دليل على أنّ أعياد العذراء توزّعت تقريباً
على مدار السنة لكي تحمل المؤمنين على توجيه أنظارهم وقلوبهم إلى هذه الأم
البتول تجديداً لثقتهم بها والتماساً لشفاعتها.
قد لا تخلو قرية أو مدينة يقطنها الموارنة من
كنيسة أو معبد أو مزار للعذراء مريم. وتتّخذ العذراء أسماء مختلفة وفقاً
لحاجة المؤمنين وطلباتهم المتنوعة، وإن كانت هي هي دونما تغيير أو تبديل. وهي
في هذا المجال ترافق أيضاً أبناءها منذ الولادة حتى
الممات.
فهناك سيّدة البزاز والدّر تستشفعها الأمهات
استدراراً لما يغذّين به أطفالهن من حليب. وهناك سيّدة الحقلة والبيدر طلباً
منها مباركة مواسم القمح والحبوب، والمجتمع المارونّي كان مجتمعاً زراعياً.
فضلاً عن سيّدة الغابة والمنطرة والزروع ومنها تطلب حماية ما تنتجه الأرض من
ثمار، خضاراً كان أم كرمة وعنباً وما شابه. وسيّدة البوّابة حارسة المدينة
المسوّرة على مألوف العادة قديماً، وسيّدة التلّة المطلّة على ما حولها لتبسط
عليه جناح الحماية، وسيّدة الحبساء التي تساعدهم على اجتياز صحراء الحياة وهم
منقطعون عن العالم ليّتصلوا بالله، وسيّدة البحار التي ترافق البحّارة وتشدّد
عزائمهم عندما تثور الأمواج وتهدّد بابتلاع المركب، وسيّدة رأس النبع والبير
التي تسهر على الماء فلا يجف النبع ولا ينضب البئر، وسيّدة المهاجرين التي
ترافقهم إلى مهاجرهم لكيلا ينسوا إيمانهم بالله وحبّهم للوطن الأول فلا
ينصرفوا إلى عبادة المال وينجرفوا في تيارات الكفر والالحاد التي تهز بعض
المجتمعات الغربيّة والشرقيّة، وسيّدة المعونات والعطايا وهي أكرم الكرماء،
وسيّدة النجاة والخلاص وهي أسرع من يسرع إلى نجدة وانقاذ، وسيّدة الغسّالة
التي لا تغفل عينها عن أوضاع أبنائها مهنة ومقاماً، وسيّدة القلعة والحصن
والبرج وكانت رايتها أبهى علم في ساحات القتال، وسيّدة النصر وهي من انتصرت
مع ابنها على الشر والشيطان والموت، وسيّدة السيّاح تسير معهم حتى يعودوا إلى
ذويهم سالمين، وسيّدة النياح والإنتقال، وأغلى أماني المؤمن أن يرتاح راحته
الأخيرة على مثال القدّيس يوسف بين يديها ويدي يسوع ابنها، لينتقل على مثالها
وليجلس عن يمينها مثلما هي جالسة عن يمين ابنها في السماء. ولا يمكننا أن
نغفل ذكر بلدات حملت السيّدة اسمها من مثل سيّدة زغرتا وسيّدة حريصا أو
لبنان، وسيّدة بشرّي أو النور وسيّدة بشوات، فضلاً عن الأمكنة التي كان
البطاركة يجبرون من جرّاء الأحداث إلى الانتقال إليها والإقامة فيها ولو
لفترة من الزمن، وكانت العذراء رفيقتهم في تجوالهم المستمر، وهكذا كان لنا
سيّدة ميفوق وهي ترقى إلى القرن العاشر، ولعلّها أقدم صورة لها طابع مارونيّ
بحت، وسيّدة يانوح وهابيل وقنّوبين وريفون وبكركي واللويزة حيث انعقد المجمع
اللبنانيّ، وكلّها أماكن استقر فيها الكرسيّ البطريركيّ ولو إلى حين، وقد حمل
الموارنة معهم أيقونة العذراء إلى مهاجرهم، فشيّدوا على اسمها الكنائس في
الولايات المتحدّة والأرجنتين وأوستراليا وسواها ووضعوا تحت حمايتها مقرّ
مطارنتهم من مثل البرازيل. ولو شئنا التعداد في معرض الحديث عن أسماء أم الله
وألقابها على ما عرفها الموارنة، لطال بنا الأمر، لكنّنا نكتفي بهذا القدر،
تدليلاً على ما للسيّدة العذراء من مقام في الكنيسة المارونيّة وحياة
الموارنة اليوميّة. فعسى أن يذكروا ذلك ويعملوا بوحيه ويعودوا، في هذه
الأزمنة الخانقة التي نعيشها وفي هذه السنة اليوبيليّة، إلى هذه الأم
القدّيسة ليسألوها أن تستمد لنا من ابنها تقصير أيّام المحنة علينا وعلى جميع
اللبنانيين، فهي خير شفيع وأقوى ظهير وأقدر نصير.
لكي يجني المؤمنون الثمار الروحيّة الوفيرة من
السنة المريميّة، ولاسيما منها تنقية الضمائر، وإصلاح السيرة، وإنماء المحبّة
نحو الله والأخوة، أصدر مجمع التوبة الرسوليّة مرسوماً بتاريخ 2 أيار 1987،
يمنح فيه بتفويض رسوليّ خاص، من كنز الكنيسة، خادمة الفداء وموزّعة النعم،
الفائضة من استحقاقات السيّد المسيح والقدّيسين، غفرانات كاملة، محدّداً شروط
اكتسابها والحالات المحدّدة لذلك. فيفترض إذاً، لنيل الغفران الكامل، أن
تتوفّر الشروط العادية، أي: الإعتراف السرّي، والمناولة الإفخارستية، والصلاة
على نيات الحبر الأعظم.
أمّا الحالات التي يحدّدها مجمع التوبة لاكتساب
الغفران فهي:
1 ـ في اليوم الذي تبدأ فيه السنة المريميّة،
واليوم الذي تختتم فيه، إذا شارك المؤمنون، في كنيستهم الرعائيّة، أو في أي
معبد مريميّ، أو مكان مقدّس، برتبة مقدّسة مرتبطة بالسنة المريميّة
عينها.
2 ـ في الإحتفالات والأعياد الطقسيّة المريميّة،
في كّل سبت أو في يوم آخر معيّن حيث يُقام احتفال «بسرّ» أو «لقب» من أسرار
مريم الكليّة القداسة ومن ألقابها، إذا شارك المؤمنون مشاركة تقوية برتبة
احتفاليّة لتكريم الطوباويّة مريم العذراء، سواء في الكنيسة الرعائيّة أم في
معبد مريميّ أو مكان مقدّس آخر.
3 ـ في كلّ يوم من السنة المريميّة، إذا قاموا
بزيارة جمهوريّة إلى معابد السيّدة العذراء المعينة من الأساقفة في أبرشياتهم
الخاصّة، ويشاركون هناك بحفلات طقسيّة، يحتلّ من بينها القدّاس الإلهيّ مرتبة
فريدة على الإطلاق، أو برتبة توبة جماعيّة، أو بتلاوة سبحة ورديّة، أو يتمّون
ممارسة تقوية أخرى إكراماً للطوباويّة مريم
العذراء.
4 ـ وكذلك في كلّ يوم من السنة المريميّة، إذا زار
المؤمنون بتقوى، وإن إفرادياً، بازيليك القدّيسة مريم الكبرى في روما، حيث
يشاركون بصلاة طقسيّة أو أقلّه يتوقّفون في صلاة
خاشعة.
5 ـ عندما يَقبل المؤمنون، بروح التقوى، البركة
البابويّة، التي يمنحها الأسقف، ولو عبر الإذاعة أو التلفزيون. فمجمع التوبة
الرسوليّة يولي الأساقفة حق منح البركة البابويّة، مرّتين خلال السنة
المريميّة، وفقاً للرتبة المحدّدة (أنظر كتاب طقسيات الأساقفة، الأعداد
1122-1126) مع الغفران الكامل المرتبط بهذه البركة ـ بالإضافة إلى المرّات
الثلاث التي يوليهم إياها الحق القانونيّ بتدبير عام ـ وذلك لمناسبة عيد
مريميّ أو زيارة جمهوريّة على صعيد الأبرشيّة.
ويجدر التذكير هنا، وفقاً للقوانين المرعيّة، بأنّ
هبة الغفران الكامل تقبل فقط مرّة في اليوم، وبأنّه يمكن دائماً تطبيق
الغفرانات على الموتى لراحة نفوسهم (أنظر كتاب الغفرانات، المادتين 4 و 24).
ويغتنم مجمع التوبة الرسوليّة هذه المناسبة ليسترعي الإنتباه إلى المادّة 27
من الكتاب المذكور، التي «يستطيع بموجبها المعرّفون أن يستبدلوا على السواء
العمل المطلوب والشروط المفروضة بغيرها للذين لا يتمكّنون من إتمامها، بسبب
مانع شرعي؛ «وإلى المادة 28 التي تولي الرؤساء الكنسيين المكانيين إمكانية
تمكين المؤمنين، الخاضعين لسلطتهم وفقاً لاحكام الحقّ القانونيّ ـ إذا ما
كانوا في أماكن يتعذّر عليهم، بشكّل مطلق أو بصعوبة التقرّب من الإعتراف
والمناولة شرط أن يكونوا نادمين ومصمّمين على التقدّم، بأسرع ما يمكن، من
السرّين المذكورين».
وفي النهاية، يوصي مجمع التوبة الرسوليّة بإلحاح،
كأمر متلازم مع السنة المريميّة، بتلاوة سبحة الطوباويّة مريم العذراء،
ولاسيما في العائلة، أو، بالنسبة للشرقيين، بتلاوة الصلوات الملائمة المحدّدة
من البطاركة. فعليها يعلّق الغفران الكامل، عندما تتم تلاوتها في كنيسة أو
معبد، أو تقام بشكل جماعيّ (المادة 48 من كتاب
الغفرانات).
ولذلك وبناء على ما تقدّم إننا نعيّن مزار سيّدة
لبنان في حريصا وسيّدة بشوات بوجه خاص، وكلّ كنيسة رعائيّة مشيّدة على إسم
السيّدة العذراء لاكتساب الغفرانات المشار إليها آنفاً بالشروط
المعروفة.
وإنّنا نجيز للذين لا يمكنهم القيام بمثل هذه
الزيارة التقويّة، لأسباب صحيّة أم أمنية، استبدالها بتلاوة الورديّة
المقدّسة مع الإعتراف والمناولة.
في ضوء هذه الإعتبارات الروحيّة التي عرضنا على
صعيد العقيدة المريميّة، والعبادات المريميّة الطقسيّة والشعبية، والغفرانات
والنعم الخلاصيّة، لا بد لنا من الإشارة إلى بعض توجيهات عمليّة وتطبيقية،
أوحى به مجمع الكنائس الشرقيّة (الإرشاد: «الرسالة العامّة «أم الفادي
والكنائس الشرقيّة في السنة المريميّة»، بتاريخ 7 حزيران 1987، الاعداد 25-
28). واللجنة المركزية للسنة المريميّة (روزنامة السنة المريميّة 1987-1988،
الصفحات 61- 64). والغاية منها تحقيق الأهداف التي رسمها قداسة البابا لهذه
السنة اليوبيليّة.
فعلى صعيد العقيدة، يعود للكلّيات اللاهوتيّة،
والمدارس الإكليريكيّة، وبيوت التنشئة في الجمعيات الرهبانيّة، ومراكز تنشئة
العلمانيّين، أن تتعمق في ما قدّمت كنيستنا المارونيّة وغيرها من الكنائس
الشرقيّة من مساهمة، وأنشأت من تراث في اللاهوت المريميّ. ونتمنّى على هذه
المؤسّسات أن تنظّم مؤتمرات مريميّة ومعارض عن التراث المريميّ، وتعقد حلقات
دراسية للتعمّق في مضمون الرسالة البابويّة «أم الفادي» وفي ما فتحت من آفاق
عقائدية وراعويّة.
وعلى صعيد الصلوات الطقسيّة، تعتبر السنة
المريميّة مناسبة فريدة لإعادة اكتشاف الكنوز الطقسيّة التي تحيي العبادة
المريميّة، ولتقييمها في ضوء الأمانة للكتاب المقدّس والتقليد المشترك بين
مختلف الكنائس ولإحياء الأعياد المريميّة بما ينبغي من الإهتمام والعناية
والاحتفال، وجعلها فرصة ملائمة لنقل التعليم الصحيح إلى
المؤمنين.
وعلى صعيد العبادات الشعبية، يجدر بالقيمين على
المعابد المريميّة أن يعنوا بخلق مناخ روحيّ يؤهّل المؤمنين الزائرين لقبول
نداءات الإنجيل، ليعيشوا في جو عميق وصادق من الأخوّة المسيحيّة، وأن يعملوا
كلّ ما بوسعهم لتأمين سماع اعترافات المؤمنين، وإقامة الصلوات الجمهوريّة
المريميّة، بحيث يجنون من زيارتهم أوفر الثمار الروحيّة ويأخذون المقاصد
الحياتيّة.
وعلى صعيد الروحانيّة الشخصيّة والعائليّة
والجماعيّة، نتوجّه بالنداء إلى جميع رعاة النفوس لنسألهم أن يحضّوا المؤمنين
على التأمّل في كلام الله وتغذية إيمانهم به وتلقّن الصلوات المريميّة
الفرديّة والجماعيّة، القديمة منها والحديثة، بحيث ترافق حياتهم اليوميّة.
فإلى مزيد من تكريم أيقونة العذراء في المنازل والمزارات وفي قلب العائلات.
وإنّا نشجع المبادرات الرامية إلى تنظيم لقاءات مخصّصة لفئات شعب الله، من
مثل يوم العائلة، والشبيبة، والأولاد والأطفال، والأمّهات، والعجزة،
والمعاقين، والدعوات، والمكرّسين، والعمّال، ومعلّمي التعليم الديني،
والمربّين، وغيرها.
ولا بدّ لنا أيضاً من ان ندعو رجال الإعلام،
العاملين في حقل الصحافة والاذاعة والتلفزيون، إلى العناية بوضع برامج حول
السنة المريميّة تتناول العقيدة والروحانيّة، وتبرز تاريخ المعابد والمؤسّسات
والحركات المريميّة وما يتميهز به شعب لبنان من تكريم للسيّدة العذراء، وما
يزخر به تراثنا الديني من مآثر مريميّة.
إنّ وجه الطوباويّة مريم، أم الله وأم البشر،
يدعونا جميعاً، في ظروف حياتنا الوطنيّة الراهنة إلى العناية بالمريض والمهمل
واليتيم، والإلتزام باستضافة المشرّد والغريب، وبتعزيز التعايش الأخويّ
الصادق، وبالمساهمة في أعمال المؤسّسات الإنسانيّة والخيريّة، والمشاركة في
المبادرات الآيلة للتخفيف ممّا حولنا من ألم وفاقة وبؤس. ولسنا بحاجة إلى
التوقّف طويلاً أمام الحالة المأساوية التي بلغناها، وقد بات الكثيرون من
اللبنانيين يشكون الجوع، ويعجزون عن تأمين أسباب التعليم لأبنائهم، والمأوى
لعيالهم بعد أن هجروا من بيوتهم، ويتساءلون بمرارة وألم عما يخبّىء لهم
المستقبل من مصير، فيما الدولة غائبة والدويلات قائمة، والضرائب ترهق كاهل
المواطن، والوطن مفكّك الأوصال بعد أن أصبح لعبة تتقاذفها أهواء الكبار
والصغار وفق مصالحهم وأغراضهم. ولكنّ ما يجب أن يبعث الأمل في النفوس ويبدّد
منها ما ساورها من يأس، إنّا إذا رجعنا إلى تاريخنا الطويل وجدنا أنّنا كلّما
مررنا في محنة والتجأنا إلى العذراء طلباً للحماية، حمتنا ووقتنا شرّ ما
نعاني وأنقذتنا من المضايق والشدائد.
لذلك إنّا نسألكم، أيّها الأخوة والأبناء
الأعزّاء، أن تتجهوا إلى هذه الأم الحنون، التي تعوّدنا أن ندعوها سيّدة
لبنان، وتستشفعوها بثقة بنوية لتطلب من ابنها أن يبارك شعبنا ووطننا، ويجعل
من هذه السنة المريميّة سنة نعم سماويّة، يبزغ منها فجر سلام حق، ذلك السلام
الذي وعد به السيّد المسيح الذين يعملون بوحي تعاليمه الإلهيّة يوم قال:
«سلاميّ خاصّة أعطيكم، لا كما العالم يعطي، أعطيكم، لا يضطرب قلبكم ولا يجزع»
(يو 14/21).
وعلى هذا الأمل واستمطاراً لبركات الله عليكم،
غزيرة فيّاضة، نمنحكم مقيمين ومغتربين، بركتنا
الأبويّة.
الديمان، في 8 أيلول، عيد ميلاد
العذراء مريم، 1987
نصرالله بطرس صفير بطريرك أنطاكية وسائر
المشرق
|