القديس حوشب أو أوسابيوس

Saint Jochab ou Aosapios 
     

 

 

 

 
 
 

 تذكار القديس حوشب أو أوسابيوس


 

1- نمط حياته

       سأضيف الى القديسين الذين تحدثت عنهم، الذي توفي منذ زمن قريب. عاش سنين طويلة، وقاسى محنًا تتناسب مع عمره، وحصّل من الفضيلة ما يعادل جهده، فنال منها ربحًا أوفر. ان السيد الرب يفوق جهدنا بسخاء جزائه.

       بدأ حوشب يسلم أمر العناية به لغيره، وينقاد لهم الى حيث يريدون، فهم أيضًا رجال الله، اشداء في الفضيلة ومدرّبون. وبعد أن قضى معهم بعض الوقت، وتشرَّب مبادىء الحكمة، اختار حياة الوحدة، فصعد الى قمة جبل بالقرب من بلدة تدعى "أشيخا" (ASIKHA). واكتفى بحظيرة ضيقة، رصف حجارتها بدون طين، وعاش فيها منذ ذلك الحين، بقية حياتهن فقيرًا، ناسكًا، يرتدي ثوبًا من جلد، ويأكل الحمص والفول المنقوعين، والتين اليابس أحيانًا، محاولاً بذلك تقوية ضعف الجسد. وعندما تقدم جدًا في السن، وكان قد فقد معظم أسنانه، لم يغير طعامه ولا سكنه، بل كان يتحمل بشجاعة، تقلبات الطقس، ووجهه متجعد وأعضاؤه يابسة، يجمده البرد شتاءً، ويلفحه الحر صيفًا. كان ينهك جسده بكثرة اماتاته، حتى ان زناره لم يعد يستقر فوق حقويه، بل كان يسقط الى الأرض، ولم يعد يقوى على منعه من ذلك. وقد اختفى ردفاه ووركاه، لذلك فكر في أن يخيطه بثوبه ليبقى في مكانه.

2- كانت علاقاته الكثيرة تنهكه، لأنه أبدًا مشغول بالتأمل الالهي، ويأبى أن يميل عنه. وعلى الرغم من هذا الحب الشديد، كان يأذن لبعض الأصدقاء بأن يفتحوا بابه ويدخلوا، فيقدم لهم الكتاب المقدس غذاءً، ويعود فيسد بابه بالطين، لدى مغادرتهم له. وقد ارتأى انه من الأفضل ان يتجنب هذه الاتصالات النادرة، فسدّ المدخل بحائط بناه، وأوصد الباب بحجر كبير. وكان يتحدث الى بعض المقربين من خلال نافذة صغيرة، دون أن يروه. وهذا الاختراع يسهل له ان يُدخل منه طعامه اليسير. وعندما بلغ الى رفض كل محادثة، كنت أنا الوحيد الذي استأهلني حوشب لسماع هذا الصوت العذب العزيز على الله. وعندما كنت أهم بالانصراف كان يستبقيني ليحدثني عن أمور السماء.

3- خلوته في دير

       ولما كان عدد غفير من الزوار يقصدونه طالبين بركته، ولما كان يتألم ألمًا شديدًا من هذا الضجيج فيرزح تحته، فر من فوق حائط حظيرته الذي يصعب تسلقه حتى على الاشداء، وقد تناسى شيخوخته، ولم يأبه لضعفه، فوصل الى جماعة رهبانية قريبة، ورضي بصومعة صغيرة في زاوية حائط التصوينة، وعاد يجاهد ويمارس التقشف.

4- ان رئيس هذه الجماعة، وهو رجل فضيلة تامة، يؤكد ان حوشب كان يكتفي بخمس عشرة تينة لقضاء اسابيع الصوم المقدس السبعة. وقد جاهد هذا الجهاد طوال تسعين سنة، ثم مات وقد أنهكه ضعف لا يوصف. ولكن سخاءه كان أعظم من ضعفه، وتوقه الى الله يسهل عليه عمل كل شيء.

       وهكذا بلغ أجله، يبللّه عرق الجهاد، وعيناه على السيد الرب، ومشتهاه أكاليل المجد.

       أما أنا، فإنني أتمنى أن أنال شفاعة كنت أنعم بها وهو حي، لأنني أعتقد أنه يتابع حياته، بأصفى ما عنده من ثقة بالله.

 
 
 

www.puresoftwarecode.com