تُعتبر
الأم تريزيا من كالكوتا للكثيرين الوجه الأنثوي للكنيسة
الكاثوليكية المُعاصرة. حيث وضعت نفسها في خدمة أولئك الذين
همشهم المجتمع، الأفقر
بين الفقراء، وقد ترجمت الأم تريزيا الحب إلى أعمال.
فبسخاء الروح استطاعت أن تجلبَ العديد من الأشخاص إليها، تابعين
طريقها، وألهمت الشباب في العالم لأن "يحبوا حتى الألم"، وأن
يضعوا بالتالي خطواتهم مع خطوات يسوع، مُضحّين بحياتهم من أجل
الآخرين. هكذا لم تعرف الأم تريزيا حُدوداً لحب المسيح، وقد
عبّرت عن ذلك بنفسها في تكرّسها الكامل لأفقر
الفقراء.
رأت
أغنس، وهذا إسمها الأول، النور يوم 26 آب من العام 1910، في بلدة سكوبيه
Skopje في مقدونيا في عائلة من أصل ألباني. وفي عمر 12
سنة اكتشفت دعوتها، في أن الله يريد منها أن تعطي حياتها له،
وعلى عمر 18 سنة تركت عائلتها لتنخرط في رهبانية لوريتو، وهي
جمعية إرلندية المنشأ تعمل في الأساس في الهند. وقد أعلنت نذورها
الرهبانية في 24 أيار عام 1931 وقضت السنين الأولى تعلّم في
مدرسة القديسة مريم. وفي ضواحي مدينة كالكوتا، في مركز الفقر
والألم، سمعت الأم تريزيا نداء لأن تكون واحدة من الفقراء ومتحدة
معهم، وهناك بدأت مدرسة في الهواء الطلق.
في
العام 1950 حصلت على الإذن من الفاتيكان لتأسيس جمعية أبرشية
هدفها الإهتمام بجميع المرذولين والمتروكين في المجتمع، والذين
بسبب ذلك يتألمون كثيراً جسدياً وعاطفيا. وهكذا تم تأسيس جمعية
مرسلات المحبة. فافتُتح أول مركز للمنازعين عام 1952. وفي
الأعوام التي تلت 1970 وبسبب إزدياد عدد البالغين والأطفال
المتروكين، افتتحت الجمعية العديد من البيوت للبرص، والملاجىء
للأيتام ومراكز مجانية في
معابد ومخازن مهجورة.
ثم
ما لبثت أن انتشرت أعمال مرسلات المحبة بعد عشرة سنوات في أرجاء
العالم الواسع ومنها أستراليا، أوروبا، أفريقيا، الولايات
المتحدة والشرق الأوسط.
في
العام 1982 أنقذت الأم تريزيا حياة 37 طفلاً حوصروا في مستشفى في
بيروت اثناء الحرب، وقد أثّرت بعملها هذا على إصدار قرار لوقف
إطلاق النار بين الإسرائيليين والفلسطينيين. وقد تدخلّت شخصياً
في هذا وحضرت إلى مكان الحصار برفقة أعضاء من الصليب
الأحمر، مظهرة بذلك شجاعة وتصميم لعمل إرادة الله. وقد
أكملت مشوارها في العمل من أجل الفقراء في العالم، وبخاصة في
أثيوبيا، ومع ضحايا كارثة تشيرنوبيل، ومع الناجين من زلزال
ارمينيا، وأيضاً في البلاد الشيوعية سابقاً. وفي العام 1996 وصل
تعداد بيوت هذه الجمعية الإرسالية إلى 517 بيتاً ومركزاً في أكثر
من مائة دولة في العالم.
نالت
الأم تريزيا جائزة نوبل للسلام عام 1979. وقد استعملت هيبتها لكي
تجلب إنتباه العالم إلى مسائل أخلاقية وإجتماعية هامة جداً.
واعتبرت أن مشكلة الفقر لا تكمنُ فقط في الحرمان، بل أيضاً في
عدم التعرّف على حب يسوع.
بعد
تعرضها لسكتة قلبية أولى عام 1983، ضعفت صحتها وتدهورت بشكل خطير
إبتداء من العام 1995، ثم بعد إصابتها بالملاريا وتوقف القلب،
تركت مسؤولياتها على رأس الجمعية في آذار 1997، ثم توفيت في 5
ايلول 1997 أي قبل أسبوع فقط من عيد ميلادها الـ 87
.
لم
تكن الطوباوية تريزيا مجرد راهبة من مرسلات المحبة، بل هي مرسلة
للمحبة بالمعنى الكامل، مليئة بلهيب محبة للمسيح. وقد عاشت هذه
المحبة متحملة وبصبر ليلة مظلمة في الإيمان. هكذا حجاج الأيام
العالمية للشبيبة 2008 يمكنهم أن يسألوها أن يروا هم أيضاً يسوع
في كل الذين يلتقون بهم وأن يقوموا بدورهم بالدفاع عن كرامة كل
إنسان دفاعاً حتى الموت.
أيتها الطوباوية تريزيا دي
كالكوتا، الشاهدة للفقراء والمنازعين، صلي
لأجلنا