طفولته وحياته في
زحلة
وُلد الأب بشارة أبو مراد سنة 1853
في زحلة. فرضع مع حليب امّه، صلابةََ أهل محيطه وجَلدَهم على المحن, وحرارةَ
إيمانهم الصّلب، في بيئةٍ تميّز فيها أبناءُ زحلة بتكريمهم العميق لوالدة الإله
"سيّدة النجاة", وللقربان المقدّس.
نشأ قويّ الإرادة, متمسّكًا
بواجباته الدينيّة, متمّمًا لوصايا الله, خاضعًا لوالديه, محبًّا للصّلاة ومُغرمًا
بالحفلات الطقسيّة. وشبّ على هذه الخصال, فأضحت فيه ملكة.
وكان للأهل
وللأقارب الفضلُ الأوّل بالتّأثير في نفس الصغير، عبر إحاطته بجوٍّ من التقوى,
وبمَثلهم الحيّ بعيش الفضيلة والمبادىء المسيحيّة, ما هذّب نفسه وجذّرها عميقاً في
الصّلاح وحبّ الخير. |
 |
كان جبّور والدُه من أسرةٍ معروفةٍ في زحلة ببيت أبي
مراد, وهي فرعٌ من أسرة جبّور المنتشرةِ الفروع في زحلة والبقاعَين. لم يكن من ذوي
الغنى والرّزق الواسع, ولم يكن فقيراً, بل متوسّط الحال في دُنياه, يسكن في بيتٍ له
بجوار أقاربه, في حارة كنيسة مار الياس المخلّصيّة. ولكسب معاشه كان يعتمد على ما
يحصّله من كرومه, ومن التجارة في دكّان له في الحارة. وإنّ سمعتَه الطّيّبة
واستقامةَ وحسنَ تدبيره، حملت علي باشا مردم بك, على اتّخاذه خوليًّا لإدارة
أرزاقه, وضمان حاصلات قسم كبير منها. أما والدته أليصابات, ابنةُ بطرس القش فقد
امتازت, منذ صباها, بتقواها وعقلها الرّاجح, ثم بغيرتها, وعنايتها بحسن تربية
أولادها, وحبّها لهم ولزوجها ولجميع الناس. وقد كان لشخصيّتها فعلُها القويّ في حلّ
المشاكل العائليّة, بين الأهل والجيران. لذلك أحاطها الجميع بالإحترام والتقدير.
منذ صباها انضمّت الى أخوّيتَي السيّدة والقربان المقدّس اللتين كانتا من أقدم
أخويّات المشرق كله. واعتادت تناول القربان ثلاث مرّات في الاسبوع, حتّى في مرضها
الأخير. وهي ظاهرةٌ نادرةٌ في ذلك العهد، يجب تسجيلُها.
بارك الله هذه
العائلة, فرزقَها خمسةَ أولاد : ثلاثة بنين وابنتين : مراد سنة 1848 – سعدى سنة
1851 – سليم سنة 1853 ( وهو الذي اختاره الله كاهن برّ وقداسة, فأصبح الأب بشارة )
– مريم سنة 1861 – سليمان 1866.
وقد أعطت عائلتا الأب والأم, للكنيسة
وللرهبانيّة المخلصيّة, مطراناً، هو المطران بولس أبو مراد, وكهنةً كثيرين, كانت
أمثلتُهم البذرةَ الأولىٍ في دعوة الأب بشارة الى الكهنوت والقداسة
السامية.
شهادة القديسة تريزيا الطفل يسوع بأمّها :"ما فيّ من صلاح يعود فيه
الفضلُ الى أمّي". نطبّقها على أمّ الأب بشارة. فقد عرفت أن تطبع في قلوب أولادها
حبَّ الفضيلة والخير منذ تفتّحت عيونُهم على النور, وعلى جمال هذا الكون. بدأَت
تلقّنهم الصلوات وتتلوها معهم كلّ يوم, صباحًا ومساءً. ترافقهم دوماً الى الكنيسة,
حيث تعلّمهم بخشوعها واحترامها ووقارها, كيف تكون مناجاةُ الله, وغرست في قلوبهم
احترامَ الفقير, إذ لم تكن تردّ طلبَ معوز أو بائس. محبّتُها الكبيرة لصغارها
وعنايتُها بهم, كانتا تنبعان من مبدأ بَعيدِ العمق : إنهم "وديعةُ السماء بين
يديها". وقد برز حنوُّها على الصغير سليم (الأب بشارة), الذي خصّه الله, منذ
حداثته, بمواهب من التّقوى والوداعة واللطف.
قضت العائلة حياةً هادئةً
سعيدةً بالعمل والحبّ المتبادل. تعتني بكروم العنب وزراعة السّهل, فتؤمّن معيشتَها
بنوع لائق, الى أن شبّت نيران الثورة الشهيرة سنة 1860 فاجتاحت زحلة نهبًا وحرقًا
وتدميرًا, فتشتّت المسيحيّون في كلّ الجهات هربًا من الفناء.
ومع الهاربين,
هرب جبّور وامرأته وأولاده الى بسكنتا, عبر الجبال, تاركين كلَّ شيء، لينجوا
بانفسهم. وبعد أيّام قليلة عاد الأب الى زحلة ليتفقّدَ بيته, وأرسل عائلته الى
بيروت, وفي اعتقاده أنّها آمنةٌ لسلامتها. لم يكد المقام يستقرّ بهم هناك, حتى ساءت
أحوال المدينة. فاضطرّت الأمّ الى الهرب بأولادها في اتّجاه كسروان. وفي الطريق,
خارت قواها من شدّة الجوع والتعب وحرّ حزيران والخوف من المصير, فاستلقت على قارعة
الطريق, قرب نهر الكلب, تبكي وتندب سوء حالها. أولادُها في إعياء شديد, يبكون
لبكائها, يرسلون الى السماء أدعيةً حارّةً, طالبين الرحمة. عند حلول الظلام, أتتهم
النجدة من زوق مكايل، بشخص الياس قادري, قريبِ زوجها. فنقلهم الى بيتٍ في بلدة
الزوق, حيث كان الوالد جبور يتفقّدّهم بما يحتاجون إليه.
شهران من التشرّد
طويلان, انقشعت بعدهما الغيوم وزال القلق، فعاد جبّور بعائلتِه الى زحلة, حيث بنى
غرفةً لسكناهم، بمعاونة أقاربه وجيرانه.
دعوته الرهبانيّة
اختيارُ الله ينمو برفق, ولكنّ
نعمتَه تعمل بقوّة, إذا توفّرت في الإنسان استعداداتُ الرّضى والطاعةِ والمرونةِ
لعمل الله. رغبةُ الفتى سليم في الحياة لله, أخذت نموّها وتعمّقت في نفسه, بتأثير
من مناخ البيت, وفي جوّ المدرسة. ورَسَخت التقوى في داخله, بفعل الصلاة العميقة
والخلوة, وممارسة الاسرار المقدّسة. فانبعث صوتُ الله من أعماق قلبه, يدعوه الى
حياة أكمل. وتراجعت أصداءُ الصوت متتاليةً, وهو يحفظها في قلبٍ طيّب, ويصغي اليها
بارتياح, فعزم على الذهاب الى دير المخلص ليتكرّس كلياً لله.
كان قد بلغ
العشرين من العمر, عندما صارح والدتَه برغبته, وهي كانت منيتَها القويّة. لم يبدها
أوّلاً لوالده الغارق في أعماله والحامل هموم العائلة. صعُب الطلب على الوالدة, إذ
لا بدّ من موافقة الأب. ففاتحته بقصد ابنهما وانضمّ إليها سليم نفسه. لكنّه صدّهما
برفض قويّ: سليم شاب لطيف, نحيل الجسم, ضعيف البنية, يصلح للعمل في الدكان: وهو
خريج جديد من المدرسة, بارع في الخط وفي الحساب. فأوكل اليه إدارة دكانه بإشرافه
الشخصي. ولكن الشاب سليم, لم ينجح في هذه التجارة المادية, فالله يريده لتجارة أسمى
وأفضل. |
 |
طال الإنتظار به, وهو على أحرّ من الجمر, وأبوه
مصرّ على موقفه لا يستجيب لسؤاله. وفي ليلة ظلماء أعدّ عدّته وسلّم الى عمّه وجاره
أبي طعّان, مفاتيحَ الدكان وسار يهيم على وجهه قاصدًا دير المخلص, وقلبُه يخفق
فرحاً بتحقّق حلمه، متستّرًا بسواد الليل, ومن دون علم والديه, لئلا يصدّاه عن
رغبته. ولكن سرعان ما تلاشى الحلم الجميل عندما سارع الجارُ ووشى به الى أبيه, فلحق
به في الطريق, وأعاده الى البيت.
خضع سليم لتدبير والده, وقلبُه يتفطّر
حزنًا وألمًا. وقضى أيّامًا طويلةًً في الصّلاة والإنفراد والدّموع, "لا يكلّم
أحداً كأنه ضائع العقل, لا همّ له الاّ دير المخلص وحياة الرهبنة" كما روت, بعد
ذلك, شقيقتُه سعدى. فرقّ له قلبُ والدته التقيّة, واندفعت, في حبّها له, تقنع
الوالد "بأن الرهبانيّة دعوة من الله وحرام أن نمنع ولدنا عن طاعته تعالى إن كان
يدعوه إليها". اقتنع زوجُها أخيراً, بفضل تقواها وما لها عنده من الكرامة
والإعتبار, "وأذن لابنه الشابّ بالسفر الى دير المخلص, ليمتحن نفسه
بالرهبانيّة".
وغمرت السعادةُ قلبَ سليم. لقد استجاب الله لأمنيته الغالية,
ونال فوق ذلك رضى والديه. فتألّق الأملُ في سماء حياته من جديد. واعتبر قبول والديه
وبركتهما عربونًا أكيدًا لتوفيقه في حياته الجديدة.
في أوائل أيلول سنة
1874, غادر سليم جبّور زحلة, بعد أن ودّع اهله وأقاربه, وقبّل أياديهم وطلب أدعيتهم
لتوفيقه. سار قاصدًا دير المخلص "في الشوف" راكباً على بغلٍ لواحد من آل حنكش, كان
يتردّد عادةً الى الدير العامر. شوقُه الى الدير كان يسبقه بمسافات قصّرت له بُعدَ
السفر ومشاقَّه. أشرف على الدّير من علوّ, وشمسُ اليوم الثاني لسفره, تميل الى
المغيب. ترامى الى مسمعه رنينُ أجراس الدّير, تتجاوب أصداؤها في تلك الأنحاء, حاملة
للقلوب بهجةً لا تسموها بهجةٌ. حطَّ رحاله عند مدخل الدير, وسار حالاً الى الكنيسة
الكبرى, ليلِجها مأخوذًا برعشة غريبة: المعبد الخاشع يتلألأ بأنوار الشموع, يعبق
بالبخّور, تتردّد في حناياه الترانيم البيزنطيّة الفخمة: إنّه احتفاءُ الرهبانِ
الأفاضل برئيسهم العام الجديد, الأب سمعان نصر.
راعته زينةُ الكنيسة
وجمالُها, وغمرته روعةً الإحتفال بصلاة غروب الأحد. وأَنِس حالاً بهذا الجو, الذي
طالما ناجاه بعواطفه وأشواقه, وسَرّه وجودُ كثيرين من الكهنة الذين عرفهم وأحبّهم,
وفرح بنوع خاص لمشاهدة خاله بولس القشّ, الذي بشّره بأنه سوف يرتسم شماساً
انجيليّاً بعد يومين في 9 أيلول. وبكثير من التأثّر, أسرع ليأخذ بركة الشيخ الجليل,
الأب ديونيسيوس الصّائغ الذي خدم رعيّةَ مار الياس في زحلة, لأكثر من ربع قرن,
ويطلب صلوات قريبِه الخوري الياس غانم, وكلاهما قد اشتركا في الإحتفال.
كانت
الليلة الأولى في الدّير, غيرَ الّليالي التي عاشها: غبطةٌ عارمةٌ غمرت نفسَه,
كأنّها حُلمٌ لا ينتهي. ومرّ الليل بسرعة, ليكون الشابُّ سليم أوّلَ الداخلين الى
الكنيسة, بعد قرع الأجراس. وتذوّقَ من جديد, وليمةً أخرى فخمةً, من الإحتفال بطقس
الصلاة والقداس الإلهي, برئاسة الأب العام الجديد, تحيط به هالة جليلة من نحو
ثلاثين كاهناً, من الشّيوخ والشبان, ببدلاتهم الجميلة. تناول بتأثّر عميق, القربانَ
المقدّس, وغاص في صلاة شكرٍ حارّةٍ, تمازجها دموعُ الفرح الذي لا يوصف.
مساء
الإثنين 7 ايلول, كان على موعد مع مفاجأة روحيّة أخرى: أجراس كنيسة الدير, يتعانق
رنينُها من جديد, ترحيباً بقدوم غبطة البطريرك غريغوريوس يوسف الى دير المخلّص,
للإحتفال بعيد ميلاد السيدة. جرى الإحتفال بعظمة, زادها رونقاً وجود البطريرك
اكليمنضوس بحوث, الشهير بتقواه وإماتاته, الذي استقال من كرسيّه, ليقيم في الدّير
راهباً متزهّدًا مصليًا. مشاهداتُ سليم لازدحام المؤمنين في الكنيسة الواسعة,
وبهجةُ الأفراح والأعياد, زادته حبًّا للحياة الرهبانيّة, وشغفاً بدير المخلص. وقضى
ساعات ذلك النهار, الى جانب البطريرك بحّوث, يرتوي من دعته وتواضعه, ويمضي معه أعذب
أوقات الصمت والصلوات.
خدمته في دير القمر
وصيدا
في شهر تشرين الثّاني سنة 1891,
استدعته الطّاعة المقدّسة الى خدمة النفوس في دير القمر وجوارها. ورغم حبّه الشديد
للإختلاء والبقاء في الإكليريكيّة, بين تلاميذه, أسرعَ الى تسلّم أمر الطّاعة
القانونيّ من يد الرئيس العامّ الخوري غريغوريوس نعمة, فقبِلَه بتواضع, ولثم يمين
رئيسه قائلاً: أمركم يا أبونا العام! ولم يَغمض له جفنٌ في تلك الليلة وهو يصلّي
استعداداً لرسالته الجديدة.
في صباح اليوم التالي, حالاً بعد صلاة الفرض
والقداس, سافر الى دير القمر, حيث قضى نحو 32 سنة في العمل بخدمة النفوس والكنيسة,
بنشاط وغيرة رسوليّة نادرين.
طيلة مدّةِ خدمته في تلك المنطقة, كان
للصغار نصيبُهم الأوفر من غيرته الرسوليّة. في ندرة مدارس الرّيف في تلك الحقبة,
وفي اشتداد العوز والفقر, سعى لبناء مدرسة للصّغار, ملاصقةٍ لكنيسة سيّدة البشارة
التي شادها, بجهد وعرق, في قرية وادي الدّير. وكان يصرف عليها بوسائله الخاصّة,
ويشرف شخصيًّا على توجيهها, بالإضافة الى مهامّه الراعويّة المتعدّدة, ليؤمّن
التربية والثقافة لجيل المستقبل, أباءِ وأمهات الغد. "بواسطة هذه المدرسة تُختطف
هذه الأنفس المشتراة بدم ابن الله من مخالب الشيطان"(من إحدى رسائله سنة
1903).
وقد ساهمت شهاداتُ كثيرين من تلاميذه, في إبراز صورة الكاهن القدّيس,
التي طبعتها أمثلته الصالحة في نفوسهم.
"عيّنا الخوري
أكليمنضوس المعلوف – خادم رعية وادي دير القمر – رئيساً لمدرستنا, فانحرمت الوادي
من الخوارنة. وصارت الرعيّة بلا راعٍ يخدمها. وصار الشيطان يسرح ويمرح فيها ويقول
أين راح الخوري بشارة ينزل الى الميدان..."
بهذه الكلمات, الممزوجة بالمزاح,
خاطب راعي الأبرشيّة المطران باسيليوس حجار كهنته, في جلسةٍ الى مائدة الطعام, في
شهر أيلول 1892. فهم الأب بشارة "مُرادَ المطران وقصدَه" فحنى رأسه حياءً وتواضعًا,
وأجاب بصوت خافت متأثّر: "أنا تحت أمر سيادتك, وأنا مستعد لأن أنزل الى الميدان
وأحارب الشّيطان بأمرك وبركة سيادتك".
وفي الأحد التالي, رأى أهل قرية وادي
الدير وما جاورها, للمرة الأولى, كاهنَهم الجديد, في العقد الرابع من عمره, ينحدر
مع الفجر من دير القمر, ليقيم لهم القداس, و"ليحارب الشيطان", متسلّحاً ببركة سيادة
راعي الأبرشية وبقوّة نعمة الله القديرة وحدها. |
 |
هذا التقتير وسهر الّليالي
راكعاً يُصلّي هدّت جسمه وأضعفت قواه وأخذت تمنعُهُ عن إكمال خدمتُه الكهنوتيّة في
تلك المنطقة الجبليّة, فاقتضى نقلُه إلى مكان آخر تكون فيه الخدمة الراعويّة أدنى
مشقّة وأقلّ صُعوبة.
في الرابع من كانون الأوّل نُقل الأب بشارة من ديير
القمر إلى صيدا لمُتابعة الخدمة الكهنوتيّة فيها.
لشهرة الأب بشارة بعِظَم
تقواه وحسن إرشاداته في اعترافاته, وكانت قد سبقته الى صيدا صار الناس يؤثرون
الإعتراف إليه. وما طال به الأمر في صيدا حتّى صار فيها ملء العين عند الجميع.
ولهذا السبب جعل إقامتَه- أو كما يُقال – منامتَه, في غرفة ضمن الكنيسة في إحدى
زواياها, بحجّة حراسة الكنيسة ليلاً والسّهر على القربان, كي يوقده إذا انطفأ.
وحقيقةُ قصدِه أن يكون له السبيلُ إلى مناجاة الله في القربان ليلاً وفي أيّ وقت
اراد.
كان المطران اثناسيوس رحمة يظنّ أن الأب بشارة يجد راحة لجسمه بإقامته
في صيدا, ولكن في أواخر سنة 1926 إستولى عليه مرض شديد بانحطاطٍ عامٍّ في جسمه
وقلبه بسبب التعب لمواصلة إتمام واجباته الكهنوتيّة ولبقائه على ممارسة التّقشّفات
التي اعتادها من ريعان شبابه. |
 |
عودته إلى دير المخلّص
بتاريخ 26 شباط 1927, عاد الأب بشارة الى دير
المخلّص. كان قد فارقَه شابّاً قويّ البنية, ورجع اليه الآن, شيخاً أنهكته الأتعاب
والأصوام, وعقدت السنون فوق هامته إكليلاً من بياض الشعر والفضيلة. وكان سروره
عظيماً لهذا التّدبير الرّبّانيّ الذي حقّق أمنيةً من أعزّ أمانيه, رافقته طيلة
سنوات خدمته في الرعايا. أَلَم يرغب في حياة الدّير, منذ قصده, الإنقطاع عن العالم
والحياة لله, في خلوة تامّة وصلاة وتزهّد, بغية تأمين خلاص نفسه؟...
غاص
حالاً في جوّ خاص من الإنفراد مع الله وغاب فيه. ذاب في الكنيسة الكبيرة جنّةِ
نعيمه. يقول أحدُ معايشيه: "لا يتعب طالبه ولا يسأل: خارجاً عن تعاليم الحياة
المشتركة, يجده دائماً في إحدى زواياها. في حين كان يظنّ أن لا أحد يراه, كنت
أشاهده, في يده كتاب تأملات, حاصراً فيه نظره الضّعيف, هازّاً برأسه مراراً. أو
يمسك بصليب, يتفرّس في المصلوب عليه, ذارفاً الدموع, مكرّراً تقبيل جراحاته
المقدّسة بحرارة, ويخاطبه بلهجة مؤثّرة. وكنت أحياناً ألاحظه يسطع وجهُه نوراً,
يبتسم بوقار الى بيت القربان, غارقاً في بحر من النّجاوى ذاهلاً عن كل من يمرّ به
او يأتي اليه. وغالباً ما كان يُشاهد مختبئاً خلف القرّاءة, راكعاً ورأسه مطرق الى
الأرض في مشهد أخّاذ" (الأرشمندريت استفانوس الياس المخلصي في شهادة بتاريخ
26/2/1930).
هكذا كان يُمضي أكثر فترات نهاره, يبدأها من الساعة الثانية
صباحاً, لتمتدّ الى وقت متأخر من الليل, ساهرًا مختليًا في قلاّيته
الفقيرة.
"في بادئ الأمر أُعطي غرفةً مجاورةً للكنيسة, على بعد ثلاثة أمتار
من مدخلها. كان يحتفظ بمفتاحها, بحجّة السهر على قنديل القربان, ليُتاح له التحدّث
مع ضيف السماء الإلهي أطول مدّة ممكنة في أثناء الليل. وينهض باكراً جدًّا ليسجد في
الكنيسة, استعدادًا لقدّاس الصباح, وليتسنّى له خدمة قدّاس الجمهور بعاطفة حارّة,
ترافق كلّ صلاة ينطق بها. وقد واظب على هذه العادة, طيلة سنة ونيّف, الى حين مرضه
وعجزه عن الحضور الى الكنيسة, فأخذ يكتفي بالتناول اليومي. |
 |
أما في قدّاسه,
فكان يبدو وكأنّه مختطَف من هذا العالم. يحصر فكرَه وقواه في صلواته بكلّ عبادة.
وكانت تأثيراته تبدو بوضوح كلّيّ كلّما قرُب وقتُ التناول.
كانت مواظبتُه
على الحضور مع الجمهور في الكنيسة والمائدة وقاعة القراءة الروحيّة مثاليّةً. كنت
أراه يبذل كلّ جهده للإصغاء, فيضع يديه وراء أذنيه, لكي لا تفوته أدنى
كلمة...".
في 3 شباط 1930, اشتدّ المرض على الأب بشارة, وأخذت تعاوده نوبات
قلب قويّة, متتالية, أقلقت كلَّ إخوانه الكهنة, فأخذوا يلازمون قلاّيته ليلاً
ونهارًا, وهو مسمّر على سريره "مثالاً كاملاً للصبر الجميل ومشهداً لتقوى
القديسين". كما ورد في شهاداتهم.
وتحوّلت غرفتُه الى كنيسة حقيقيّة,
تُقام فيها الصّلوات الفرْضيّة في أوقاتها, وتتجاوب بلطف, الترانيم الطقسيّة
الناعمة, وطيلة ساعات النهار يتناوب الرهبان تلاوة قوانين كتاب السواعي المختلفة,
وسبعة مزامير التوبة, ولا سيّما المسبحة الورديّة, تسبحة قلبه المحبّبة لمن اختارها
أمًّا لنفسه منذ صباه الباكر في زحلة. وكانوا يكرّرون على مسمعه الصلوات السهميّة
التي اعتادها: " يا قلب يسوع الأقدس أضرم قلبي بحبك" "يا يسوع الوديع والمتواضع
القلب, أجعل قلبي مثل قلبك" " يا خلاص المستغيثين بكِ خلصيني" "يا أمًّا حبيبة صلّي
لأجلنا".
أمضى الأيام الخمسة الأخيرة من حياته, لا يستطيع تناول شيءٍ من
الطعام, بل تعذّر عليه ابتلاعُ الماء, مهما كانت كميّته قليلة. فكان إخوانُه الكهنة
يستعينون بإسفنجة يرطّبون بها شفتيه وطرف لسانه, ومع ذلك فقد كان يتناول القربانة
المقدّسة, بحجمها العادي, بسهولة أذهلت
الجميع. |
 |
انتقاله الى السماء
ليل 21 شباط, السابق لسبت الأموات,
كان ليل الصّلاة المتواصلة, الى جانب سرير الكاهن الشّيخ الجّليل المحتضِر. فكان
كلّما توغّل الليلُ عمقًًا ليتجاوز منتصفه, "يستفسر عن الوقت, نصف ساعة بعد الآخر,
وفي كل مرّة كان يتململ على فراشه, ثم يرفع عينيه الى فوق, متهللاً مسروراً, ويمدّ
كلتَيْ يديه صُعُدًا كأنّه يهمّ برفع جسمه كلّه, ويعود فيسدلهما, مشاركاً رفيق سهره
الطويل, صلاة المسبحة".
إنّها رغبةُ
الإنعتاق من الجسد ليدخل في نور وجه الله المشتهى!...
وعند الساعة الثالثة
فجراً, أومأ الى المرحوم الأب غريغوريوس أبي سمرا, الساهر بقربه, أن يقيم الذبيحة
الإلهية ويأتيه بالمناولة. فحلّ محلّه المرحوم الأب بولس غطّاس, وأخذ يتلو على
مسمعه صلوات طقسية استعداداً للتناول. وبعد قليل أبدى رغبته في غسيل وجهه. وإذا به
يستوي على سريره, على مرأى من رفيقه الذّاهل, ويتناول إبريق الماء من يده ويغسل
وجهه وفمه, ثم نشّفهما وسرّح شعره, واهتمّ بهندامه... وعاد الى الصّلاة في اختلاء
نادر. |
 |
لم يشعر بدخول الدكتور حنا الحداد, آتياً من صيدا, ليراقب وضعه, كما
لم يشأ الطبيب أن يقطع عليه صلاته, ولكنّهما – الطبيب والكاهن الساهر الى جنبه –
وقفا يراقبان بدهشة وتساؤل, تصرّفات المريض المدنّف: فقد نزع "عرقيته" عن رأسه. ثم
ضمّ يديه الى صدره, وأخذ يبدي إمارات العبادة والخشوع باهتمام زائد. وفي ذروة
تساؤلهما, دخل الى الغرفة راهب في يده شمعة مضاءة أمام القربان المقدّس, يحمله الأب
موسى الكائد, وهو يردّد: "قدّوس الله..." بصوت خافت... فأدركا مغزى اهتمام المريض
الزائد, ولكن تساؤلهما بقي دون تفسير بشريّ لأن المسافة التي تفصل بين الكنيسة
وغرفة المريض الثقيل السمع, تتعدّى الخمسين متراً, ولم يشعرا بوطأة أقدام الكاهن أو
الراهب, ولم يبلغ سمعَهما صدى صوته الخفيف.
"إنه سبت
الأموات!" هذا ما سمعه الكاهن الشيخ الغارق في غيبوبة من خشوع التناول وضعف الجسد
والشوق الى الإنعتاق, فهزّ رأسه وتبسّم. ومن جديد أخذ يومئ مستفسراً عن الوقت, ثم
يتململ ويرفع نظره ويديه كمن يهمّ برفع جسمه. الى أن قرع الجرس الكبير, داعيًا
الجمهور الى النهوض, عند الساعة الرابعة والنصف صباحاً. فازداد عدد المصلّين الى
جنب سريره, وتنوّعت الصلوات وتكرّرت... وجاورت عقارب الساعة السادسة والنصف عندما
أقبل راعي الأبرشية المطران أثناسيوس خرياطي يسأله عن صحته. وكان الجواب إشارة
الصليب رسمتها يده الواهية على صدره, علامةَ إلتماس البركة والدعاء. فقال له بصوت
عال, تجاوب صداه في أعماق المريض, بسمةً شاحبةً على شفتيه, وإيماءةَ شكرٍ من يديه
الذّابلتين: "إنّي أعطيك الغفران الكامل".
وتعانقت بركتا مطرانه ورئيسه
العام لترافق روحه الزكيّة في انطلاقتها الأبدية الى سعادة السماء, حيث الله, غبطةُ
القدّيسين الدائمة.
كانت الساعة السادسة والنصف من صباح "سبت الأموات" في 22
شباط, وله من العمر سبعة وسبعون
عاماً.
أقوال وأخبار عنه
v باسيليوس حجار – مطران صيدا ودير القمر 1895:
"إذا
ثبت هذا الكاهن على أعمال التقوى والتقشّف التي يقوم بها فلا بدّ أن يطوّب
قديساً".
v رئيس مدرسة الفرير في صيدا 1925:
"الأب بشارة هو قضيب
الصاعقة الذي يهدئ غضب الله عن العالم".
v رئيسة راهبات مار يوسف في صيدا 1927:
"عندما ننظر
إليه نشعر أننا أمام خوري آرس, فكلّ شيء فيه يحدّثنا عن
الله...".
v الأباتي لويس البستاني – دير القمر 1935:
"ننتظر بشوق
تطويب الأب بشارة, فهو بركة لنا وللجوار".
v وديع أبو رجيلي – مختار سرجبال 1950:
"في كلّ بيت تجد
اسم "بشارة" تبرّكاً باسم قديسنا الأب بشارة".
v دروز كفرحيم عند مرور الأب بشارة :
"جيبوا ولادكم
تيباركن الأبونا".
"بونا بشارة"
رتع في بياضين :بياض
النفس, وبياض الرأس.
ونَهَلَ من نبعتين: نبعة الإيمان, ونبعة
العفاف.
ومشى على طريق واحد, طريق الحضّ على الإهتداء إلى
الله.
عرفته منذ أدركت الوجود. فعرفت فيه التُقى والزهد والجهاد. فما ينام
إلا لماماً. وسرعان ما يستيقظ لعبادة ربّه. وما كانت أيامه غير صلاة.
يمشي
وفي شفتيه تمتمة, فإن لم يكن يتلو المسبحة, فهو يردّد المزامير.
وتنهال عليه
التحيات إكباراً لنقاوته, فيردّها بابتسامة عذراء.
هذا من حمل صليبه وتبع
الفادي, يدرج على ورع, ونسك, وصوم.
مَلْكٌ أفلت من حضن الله لهدم أوجرة
الضلال, ثم عاد إلى الله. وما تزال أنفاسه العطرة تهيمن على ديار جابها, لتقول: من
هنا مرّ روحٌ تعالى عن زلّة الإنسان.
كرم ملحم كرم
- شهادة الأب أفرام الديراني المريمي الماروني :
هو أحد
رهبان أنطوش مار الياس للروم الكاثوليك في دير القمر مثال التقوى والورع, مثال
الطهارة والعفاف, مثال الغيرة الدينية والفضائل السامية.
عاشرته رحمه الله
في دير القمر واحداً وعشرين سنة ونيّف إذ كنت مديراً للرهبانية الحلبية اللبنانية
المارونية ورئيس رسالتها في دير القمر. وفي كلّ تلك المدة لم أسمع أين توجّهت وأين
ذهبت إلا الثناء العاطر على صفاته والتحدّث بكرم محامده. ما نكون في مجتمع أو مجلس
ويؤتى بذكره إلا والكلّ ألسنة مدحٍ على برارته وقداسته. كان رحمه الله إذا سمع
بمريض يذهب بالحال لعيادته ويؤاسيه بألفاظ كلّها عذوبة ورقّة ويذكّره بأمجاد الله.
وكثير من المرضى يطلبون من تلقاء نفوسهم الإعتراف وتناول الأسرار الإلهية المقدّسة
عن يديه بالنظر إلى ما يرونه منه من التعزية والغيرة الدينية. كثيراً ما شوهد
جاثياً على ركبتيه مصلياً إلى الله بكلّ خشوع وحرارة ذارفاً الدموع لشفاء مريض. ولم
يكن يتأخّر عن أداء خدمة المرضى ولو كان المرض من الأمراض الوبائية مضحياً بذاته
لمجد الله الأعظم.
هل كان يسمع بفقير بائس إلا ويسرع حاملاً إليه ما يخفّف
عنه وطأة البؤس والفقر. كثيراً ما كان يستندي أكفّ المحسنين والأغنياء ويذهب بما
جمعه لإعالة ومساعدة العائلات الفقيرات المستورات دون أن تدري شماله ما فعلته
يمينه.
كان مترفّعاً عن حبّ الذات والأنانية. كان لا يعطي يده لأحد
ليقبّلها. كان لا يرفع نظره إلى النساء إذا كلّمهنّ. كان يقضي جميع أوقات فراغه في
خدمة المرضى ومساعدة المرضى وخدمة النفوس جاثياً في الكنيسة مصلّياً مبتهلاً إلى
الله ولو كان ذلك في أشدّ أوقات الحرّ والبرد في الليل والنهار.
كان على
جانب عظيم من التقّشف والزهد. كان يصوم كل نهار سبت حتى بعد الظهر وفي أيام الصوم
الكبير كان يصوم حتى المساء. كان لا يتأخّر عن الحضور في جميع الإحتفالات الدينية
لا يمنعه مانع عن ذلك. ومع ما هو عليه رحمه الله من الشيخوخة وكبر السنّ كان يذهب
كل يوم أحد وعيد يقيم الذبيحة الإلهية في وادي بمحلَيه التي تبعد عن دير القمر لا
أقلّ من ساعتين. يذهب ماشياً على الأقدام لا يؤخّره الحرّ ولا البرد ويبقى صائماً
حتى رجوعه لدير القمر بعد الظهر.
كان قدوة للجميع بسلوكه الحسن وصفاته
الكريمة. وإنّي أسأل الله أن يعدّه في عداد أبراره وقدّيسيه الصدّيقين
آمين.
عن دير القمر في 22 تشرين الثاني 1930 الأب
أفرام حنين الديراني الراهب الحلبي الماروني
اللبناني
صلوات وأناشيد له
صلاة لنيل
شفاعة الأب بشارة
أيّها الربّ
القدوس الذي شاء أن يضمّ إلى قديسي فردوسه السماوي عبده وكاهنه الخوري بشارة أخانا
في الرهبانية بعد أن جعله على الأرض مثال الفضيلة الرهبانية والقداسة والغيرة
الكهنوتية. أعطنا أن نعيش عيشته ونموت الميتة التي أوصلته إلى بهاء مجدك من أقرب
السبل, واحفظ بيننا روحه الذي كان المحرّك الوحيد لجميع أعماله. وهبنا رهباناً
وكهنة قديسين على مثاله بجودك العميم ورحمتك العظمى.
في 22 شباط سنة 1930 + أثناسيوس مطران صيدا ودير القمر
صلاة لتطويب الأب بشارة أبي
مراد
أيّها المخلص الكريم, يا من
لا يزال يسكب غزير نعمه على كهنته, الذين هم ميراثه الخاص, لتقديسهم ولخير شعبه,
ونطلب إليك ضارعين أن تتنازل فتمجّد خادمك الأمين الأب بشارة أبا مراد, الذي سار
أمامك في الكمال الرهباني والكهنوتي, وعبدك بالبرّ جميع أيام حياته. أظهر فيه أيّها
السيد قدرتك إن حسُن لديك, ليتلألأ كنجمٍ وضّاءٍ في سماء كنيستنا الشرقية الساطعة
بأمجاد قديسيها. فيعلم الجميع أن ينبوع القداسة لا ينضُبُ في كنيستك
المقدسة.
ارتضِ بأن تكلّل هام كاهنك الأمين بإكليل الطوباويين, لنقدر أن
نتّخذه مثال الكمال, مقتدين بفضائله, فيتمجّد اسمك القدوس أيّها الآب والإبن والروح
القدس. آمين.
صيدا 14 كانون الأول سنة 1935 + نقولاوس
نبعة مطران صيدا ودير القمر
يا أبونا
بشارة
أيّها الأب الأبرّ والراهب
القانط, والكاهن التقيّ الجليل, لقد طبتَ حياً وميتاً. فهنيئاً لك! لا تنسانا يا
أبانا البارّ! واشفع لنا بين يدي ربّك. واذكر أمّك الرهبانية في علياء مقامك. واذكر
كلّ فردٍ من بنيك وإخوانك.
ونحن نبادلك الذكرى ولا ننسى طلعتك المهيبة
الموقّرة, وشيبتك الصالحة, ومحياك الوضيء بنور الروح القدس, وأخلاقك الرضيّة,
وتقواك النادرة وعبادتك المثلى, وخشوعك الجذّاب, وإرشاداتك المؤثّرة, وكلامك العذب,
وسجودك وركوعك, وصومك وصلاتك ودموعك, وحياتك الحافلة بفضائل الشهداء والآباء
القديسين والنسّاك البررة الصالحين.
لقد لبثت سجين الجسد اثنتين وثمانين
سنةً. فطِر اليوم إلى فردوسك كما يطير العصفور من قفصه, وأنعِم بالضياء الأزلي,
وذُق حلاوة النعيم الباقي بعد ما ذقت كثيراً مرائر الحياة الفانية (...). فاثبت في
السماء لأنك ثبتَّ على البرّ والتقوى في خدمة الربّ على الأرض. فها إنه يعطيك اليوم
أسنى الجوائز ويناديك :"أحسنت أيّها العبد الصالح الأمين, قد وجدت أميناً على
القليل فسأقيمك على الكثير, أدخل إلى فرح ربّك"(متى23:25).
أيّها الربّ
يسوع, يا رسول الآب وابنه الحبيب, لقد أتيت إلى الأرض وأريتنا بأقوالك وأعمالك وجه
الله المبتسم والمُحبّ, أهّلنا أن نحمل اسمك بجدارةٍ وأن نُدعى مسيحيين عن استحقاق.
وكما رافقت كاهنك الأب بشارة في حياته ورسالته بين الناس, رافقنا نحن أيضاً بروحك
القدوس, حتى نحمل بشارتك لمن هم حولنا من دون خوف أو حياء, ونزرع أينما حللنا فرحك
وسلامك وعطرك الطيّب, فيتمجّد بذلك اسمك الكريم مع اسم أبيك وروحِك
القدوس.
يا ربّ, ها قد أتينا اليوم إليك, سائرين على خُطى الأب بشارة أبو
مراد, مكرّسين لك مجدّداً ذواتنا بكلّيتها, وواضعين حياتنا كلّها بين يديك
الأمينتين, هبنا أن نعيش إلتزامنا في الكنيسة بكلِّ إخلاص ومحبة تامة, فنكون أوفياء
لكلمتك الإلهية ولتعاليمك المقدّسة.
إنّنا نشكرك على نعمة الحياة التي
وهبتنا إياها, وعلى كلّ النعم التي تغمرنا بها كلّ يوم وكلّ ليلة. كيف نقدر أن نفيك
حقّك من الشكران؟ إنّنا لا نقدر إلا أن نسلّم ذاتنا إليك. وأن نضع بين يديك قلبنا
وعقلنا وإرادتنا. كلّ ما نملك هو منك, وإليك نُعيده, يا ربّنا, وفي قلبنا أسمى آيات
الشكر والإمتنان. علّمنا أن نوجِّه أفكارنا وأحاسيسنا إليك, على مثال خادمك الأمين
الأب بشارة أبو مراد, فتتقدّس أنت فينا كما تقدّستَ فيه, ونمجّدك معه, الآن وكل
أوان وإلى دهر الداهرين. آمين.
يا ربّ في كنيسة التجلّي, في الكنيسة التي
صلّى فيها كثيراً الأب بشارة نقول : حسنٌ يا ربّ أن نبقى ههنا. نحن فرحون بحضورك
معنا, لأنّ تجلّيك ظاهرٌ على وجوهنا كلّنا. إنك طيّبٌ, يا ربّ, وحنونٌ, فلا نريد أن
تبتعد عنّا, بل ابقَ معنا لنهتف إليك مع صاحب المزامير :"إنّ يوماً واحداً في
ديارك, يا ربّ, خيرٌ من آلاف". غمامة تجلّيك تحيطُ بنا وحضورك الفائق العذوبة
يغمرنا, وكلامك الحلو يدوّي في قلوبنا:"هذا هو ابن الحبيب, فله اسمعوا". لقد سمعنا
يا ربّ, وسننزل عن الجبل وسنشهد لك أنّك أنت مخلّص العالم ومجده, الآن وكلّ أوان
وإلى دهر الداهرين. آمين.
مناجاة
للاب سمعان نصر
المخلّصي
أسائلك طيفاً في خيالي
فلا تعجب إلهي من
سؤالي
فقد شئت الملائك في سماء
يؤدّون العبادة بامتثال
وشئت
الناس تسحب فوق أرض
ذيول البؤس في حالك الليالي
فلا نجد الملاك يدوس
تراباً
ولا الإنسان يرتاد الأعالي
أسائلك لأني كل يوم
أشاهد
لغز طيفٍ قضّ بالي
له من صورة الإنسان وجه
ومن شبه الملاك سنا
الجمال
يكاد الخطو منه يطال أرضاً
ومع عالي السما هو في
اتصال
أتعرف كاهناً يا ربّ يُدعى
بشارة يرتدي سمة
الكمال
وأصبح في كثافته شفيفاً
بنفس شاقها وهج المعالي
هو
الطيف الذي أحكيك عنه
وإني لا أخالك لا تبالي
فنحن نحبّك فيه
حبيباً
يهيم بحبّك والقلب خالي
من الأرض التي لم ترو صبّا
ولم
تشبعه من دفق النوال
تراه لأجلك قد عاف دنيا
وغادر كل سعد في
منال
وأهلاكي يرى في الناس أهلاً
وأبناء فديتهم بغالي
برهبنة
المخلص قد تربّى
وأصبح كاهناً حسن الخلال
يجيش بقلبه عطش
مذيب
لتحرير النفوس من الضلال
ألم تره يقضّي الليل
سُهداً
أمامك في سجود وابتهال
ويفترش الكنيسة كي يلبّي
وفود
الناس تأتي بالتوالي
لتسمعه اعترافاً بالخطايا
هباء من هشيم العمر
بالي
فيفدي الخاطئين من المعاصي
ويوقف عنهم شرّ الوبال
ألم
تبصره في حلك الدياجي
على الطرقات في وعر الجبال
يجابه كل أخطار
تصدّت
سيول الجرد والسبل الخوالي
وسبحته تقيه كلّ شرٍّ
وذكر
الله أقوى من محال
ليمشح مدنفاً حامت عليه
ظلال الموت من هول
المآل
ألم تشهده لا يرضى برغدٍ
وطعم ملذّة ونصيب
مال
ويعتنق الخشونة في إباء
فبهجات الدنى رهن الزوال
ويحتضن
الفقير وكل فردٍ
رماه البؤس بالخطب العُضال
وما طيب الرغيف وها
فقير
يعاني الجوع في ضنك الهزال
ألم تبصره يخبئ طيّ
ثوبٍ
رغيفاً عفّ عنه باحتيال
ليطعمه فقيراً أنَّ جوعاً
وينعم
بالصليب والإحتمال
ألم تعرفه يا ربّي؟ محالٌ
فلا يخفى لعينك من
مجال
وأنت الحبّ لا تأبى سؤالاً
ولومَ ابنٍ بلومك لا
يغالي
فهل ترضى لكاهنك بشاره
بنعمتك تقدّس باكتمال
وأصبح
رائداً في كلّ تقوى
وفي كهنوته خير المثال
بأن تأبى كنيستك
عليه
بغارٍ في البطولة والنضال
ولا ترضى به قدّيس ربّ
يكرّم
في الكنائس باحتفال
وإن حاججتك ربّي فأنت
العدالة للأواخر
والأوالي
وكل قداسة منك وأنت
القداسة في تناهٍ واشتمال
فمُن
بعدلك برضىً وحكمٍ
يحقّق حلم آمال طوال
وكلِّل رأس كاهنك
بشاره
بنور حول مفرقه يلالي
وأعلنه كقدّيس أرسى
فوادي الدير
تأنّى بالتتالي
وفي دير المخلّص بثّ روحاً
مثيلاً بالقداسة
والخصال
ومنك الأمر ربّي : لا تملّوا
فلا تعتب لتكرار السؤال
دير عين
الجوزة 5 آب 2005
القديس بشارة
للأستاذ رياض نجمة
راهبْ جليلْ
وتقي بحب السما سكرانْ
كل اللي عاشوا معو احتارو بتهذيبو
عَ درب الله
مشي وكلما التقى انسان
ماشي عَ درب الغلط عَ كنيستو يجيبو
درب
القداسة سلَك تا يحارب الشيطان
وتا يجنِّب الإنسان جورة
ألاعيبو
الشيطان بدّو بشر بقلوبهن بركان
حتى بنور السما أمالن
يخيبوا
قضى حياتو مثَل للزهد والإيمان
بصوم ومحبة وصلا جنّد
مطاليبو
بَيْ الفقير وسنَد للعايش بحرمان
سكّان دير القمر عاشوا
أعاجيبو
بونا بشارة الوفي من خيرة الرهبان
قديس غاب وبقي بين البشر
طيبو
ناطر أنا جون يتجمّعوا الخلاّن
ونحيي بديرك فرح ساعات
تطويبو
كاهن الله
بشارة نظم الأب سمعان نصر
المخلّصي
قدّستْ رجعَ خطاكَ كلّ تلٍ, كلّ وادي
وصدى صوتك حاكى لطفَ
أنسام الوهادِ
كاهنَ الله بشاره بثّ روحاً في البلادِ
روح حبٍ
وإخاء
في قرارات النفوسِِ لك تمثالٌ ومعبدْ
كم رجا قلبٍ مدوسِ كنت
تحييه فيسعدْ
كاهن الله بشاره إرجع الآن تفقّد
كلّ نفس في
شقاء
كنت للقلبِ الكسيرِ نورَ سعدٍ وعزاءْ
ولمفقودِ الضميرِ
هديَ حقٍّ وسناءْ
كاهن الله بشاره عونكَ خيرُ الدواءْ
نشيد للأب
بشارة
نظم الخوري جبران موسى
ديرك شعشع منارة يا
مخلّص عين طلّة أبونا بشارة بسنة التسعين
يا بونا بشارة مزارك حجّوا
الزوار وفيك الناس بتتبارك والليل نهار
ما زالوا الله جارك كفّي المشوار عَ
لبنان وعَ ديارك زيد التأمين
تهنّى يا صيفي بديرك أول رئيس عمّرت
وعمّر غيرك ألفين قسّيس
صار في من بركة خيرك عنّا قديّس وغصون الأرز بديرك
خضرا وحلوين
يلاّ يا رهبان يلاّ قيموا الزياح أبونا بشارة تجلّى
والكوكب لاح
الله عنّا ما تخلّى الإيام ملاح أبونا بشارة صلّى وردّد
آمين
عصفور الدير الزقزق حلم الإيام انشا الله بعهدك يتحقّق يا بونا
العام
القديس بشارة دقّق بها الأحكام واسم القديس معلّق
بالقديسين
بإسمك صلّيت الطلبة وزدت الترتيل ومغمور بحبّك قلبي يا
ابن الإنجيل
يا ملاقي بدربك ربّي بديرك ميل نادي عَ قلوب الصلبي خلّيها
تلين
ما كُتب عنه
1- سيرة الأب بشارة أبي مراد المخلّصي
بقلم الخوري
قسطنطين الباشا المخلّصي
مطبعة دير المخلص – صيدا – لبنان
1935.
2- سيرة الأب بشارة أبي مراد المخلّصي (مختصرة)
بقلم
الخوري قسطنطين الباشا المخلّصي
مطبعة دير المخلص – صيدا – لبنان
1934.
3- سيرة الأب بشارة أبي مراد المخلّصي
الأب الياس كويتر
المخلّصي
المطبعة البولسية – 1970 و1980.
4- الأب بشارة أبي مراد
ناسك ورسول
سلسلة الشهود (عدد 49)
الأب الياس كويتر – المطبعة
البولسية – 1996.
5- الأب بشارة أبي مراد (سراج الوادي)
1930 –
1980
الأب سابا داغر المخلّصي
دير المخلص –
1980.
6- نسيم الروح
أحاديث من وحي سيرة خادم الله بشارة أبو
مراد الراهب المخلّصي
الأب بولس سماحة المخلّصي
المطبعة البولسية –
2002.
7- الأب بشارة ابو مراد مثال الراهب المخلّصي
بقلم الأب
بولس سماحة المخلّصي
بمناسبة ذكرى وفاته الحادية والستين
المطبعة
البولسية – 1980.
8- أبونا بشارة أبو مراد الراهب المخلّصي
بقلم الأب
بولس سماحة
إنسان الله بين إخوته البشر
دير المخلص –
1980.
9- المثال العالي للحياة الرهبانية والكهنوتية
الفُضلى
تأبين الأب نقولا أبو هنا المخلّصي
مطبعة القديس بولس –
حريصا – 1930.
10- البنود والإثباتات
المرافع الأب فؤاد نصر
المخلّصي
في دعوى الأب بشارة أبو مراد المخلّصي
1953 – 1930 دار
العناية – صيدا 1982.
11- مسيرة قداسة إلى دير المخلص على خُطى
"أبونا بشارة"
(دليل الحجّاج) منشورات صدى الصداقة, تموز 2005
في
دعوى الأب بشارة أبو مراد
المخلّصي.
أشفية بشفاعة أبونا
بشارة
أشفية قديمة
1- السيد يوسف خليل أبو
صافي من مواليد صيدا 1903 وتوفي 2001. كان يروي تفاصيل شفائه من التيفوئيد الذي كان
متفشّيًا بعد الحرب الكبرى وتسبّب بوفاة الكثيرين. ففي سنة 1922 مرض يوسف وأشرف على
الموت. وبعد أن قطع الأطبّاء الأملَ من شفائه, صدف دخولُ الأب بشارة كعادته ليزور
المريض فباركه وبارك الماء وسقاه, ثم بارك صليبًا وجعله في صدره, فشُفي المريضُ في
نفس الليلة, وعلم الطبيب بالأمر فقال: "حقاً أبونا بشارة قدّيس". وكان يشعر يوسف
أبو صافي بالسعادة, وهو في سنّ الشيخوخة, عندما يطلب إليه أحدُ الكهنة مرافقتَه في
سهرات الرعايا ليتحدّث بتأثّر بالغ عن معرفته بالأب بشارة, وقد رافقه في شبابه في
صيدا ودير المخلص. كان يحمل الصليب ذخيرة يفتخر بها كأجمل إرث يتركه لولد الولد.
عند وفاة الأب بشارة أخذ على عاتقه تهيئة ضريحه في حائط كنيسة دير
المخلص.
2- في 6 أيار 1929 وبعد أسابيع من الجفاف والحرّ في إقليم الخروب, صدف مرور
الأب بشارة أمام الأب العام قاصدًا الكنيسة. فبعد أن قبّل يده كعادته قال له الأب
العام: "أدخل وقل ليسوع ليُنزل المطر رأفة بالأطفال", أجابه: "أنا خاطي يا بونا
العام". أجابه الرئيس: "ما بعرف أدخل فالطاعة تقدّس النيّات". وبعد ساعة من الصلاة
تغيّر الطقس وأرعدت السماء ونزل المطر بغزارة غير عاديّة.
3- قرب دير المخلص قرية
صغيرة يعمل أهلها في أرزاق الدير, وبعض النساء تعملن في دير الراهبات, وكانت إحداهن
(وردة رحّال) تعمل في غسيل ثياب الرهبان. وكانت مصابة بداء خبيث في عينيها ذاقت منه
مرّ العذاب. ففي أحد الأيام اختارت ثياب الأب بشارة لتغسلها وهي تقول في نفسها:
"هذا الخوري قدّيس يجب أن يشفيني", وبإيمان كبير أخذت من ماء الغسيل وغسلت وجهها
وخاصة عينيها. وفي اليوم الثاني طابت وتركت مجموعة الأدوية التي
عندها.
4- جاءنا شاب من دير القمر لزيارة قبر الأب بشارة وحدّثنا أن والدته عندما
ولدت الصبي البكر, كان الأب بشارة كاهن رعيّة دير القمر, فجاء ليصلّي على الوالدة
والطفل الجديد, وقال لوالدتي: "الله يباركك رح تجيبي سبع صبيان", فصاحت والدتي:
"دخلك أبونا بدي بنت كمان", فأجابها بعد صمت صغير: "تكرمي وكمان بنت". وتابع الشاب:
"أنا الصبي السابع وأختي الصغرى تزوّجت مؤخراً. كلّنا في دير القمر والجوار نعتبر
الأب بشارة خوري قدّيس ونأتي نتبارك على قبره".
5- في 16 كانون الأول 2001 مرّ القيّم
العام للرهبانية المخلّصية في زيارة إلى القاهرة (مصر) لتفقّد أملاك الرهبانيّة
هناك. وزار عائلة فتيّة حاولت كثيراً مع الأطباء مدّة سنوات لإنجاب البنين وباءت
محاولاتُها كلّها بالفشل. فأعطى الكاهنُ الزوجةَ صورةً للأب بشارة كانت في جيبه
وطلب منها أن تستشفعه لدى الله في مرامها. ففعلت. وعاد القيّم العام بعد أربعة أشهر
إلى مصر في زيارة أخرى ليُفاجأ بالخبر السار الذي بادرته به تلك السيدة بأنها حبلى
بتوأم!
6- كان السيد جوزيف سمعان يشكو من ألم حاد في ظهره يمنعه من
الحمل والإنحناء والحركة بسهولة. وقد أمر له الأطباء بعمليّة جراحيّة ضروريّة, بعد
إجراء الفحوصات الطبية اللازمة. وفي أحد الأيام من سنة 1998 ولدى زيارة لأقاربه,
وقعت يدُه على منشورة للأب بشارة أبو مراد تسرد عجائبَ جرت بشفاعة خادم الله. فطلب
إلى زوجته أن تقرأها أمامه واضعة يدَها على ظهره, وصلّى إلى أبونا بشارة, وهو يقود
سيارته. فما انتهت من القراءة حتى شعر بلهب ساخن يخترق ظهره تبعته قشعريرة. وما إن
وصل إلى البيت, حتى تبيّن له أنه قد شُفي, إذ بدأ بالإنحناء كالعادة دون أي وجع
وحمْل الأثقال, ممّا لم يكن قادراً على فعله من قبل. وتبيّن لاحقاً من الفحوصات
الطبية أنه لم يعد بحاجة إلى أية عمليّة وأنه شُفي تماماً.
أشفية جديدة
أ- شفاء السيِّد سامي عبد الله حجّار، من مواليد زحلة، في العام 1952، إذ كان
مصابًا بنـزيف في الإمعاء الدقيق وبتخثّر في الدم، فشفي تمامًا وعادت نسبة الـ HCT
في الدم إلى 37%، وهي النسبة الطبيعيّة، وتوقّف النـزيف، بعد أن صلّت زوجته للأب
بشاره طالبة شفاعته لدى الرب ليشفيه.
ب- شفاء السيِّد ميشال مخلوف (لويزيانا-
الولايات المتّحدة الأميركيّة) من مرض في العامود الفقريّ يقوم بعدم وصول الدم
إليه، ممّا كان سيعرّضه للشلل التامّ. قام بعملّيتين جراحيّتين باءتا بالفشل، وأصيب
بشلل نصفيّ. شفي بسبب صلاة أخته ووالدته، وقد حلمت كلتاهما بالأب بشاره، بعدما
طلبتا شفاعته، ليل 20 تمّوز 2005، وكان سيخضع في اليوم التالي للعمليّة الثالثة،
فاتّصلتا به لتعلماه بأنّه سيُشفى بشفاعته. تمّ الشفاء، ولم يفهم الأطبّاء ما حصل،
وكتبوا هذا في تقرير طبّيّ.
ج- شفاء الفتى شربل أبو زيد (14 عامًا،
من بلدة رياق): أصيب بالمرض الخبيث في إحدى كليتيه في 24/11/2004، وشفي بشفاعة الأب
بشاره من غير أن يخضع لعلاج أو لعمليّة جراحيّة، أو أن يأخذ أيّ دواء، وذلك في
16/3/2005، الأمر الذي لم يفهمه الأطبّاء المعالجون.
د- شفاء السيِّد إلياس
فريد القزّي (مواليد 1931، من بلدة الجيّة، سكّان مدينة سدني، في أستراليا): كتب
السيِّد قزّي، بتاريخ 2/10/2005: "كنت أعاني من وجع ظهر مؤلم، وتُظهر صور الأشعّة
التي أُجريت لي في سدني (أستراليا) وتقرير الأطبّاء أنّي بحاجة لعمليّة جراحيّة في
ظهري. وفي مدّة إقامتي في لبنان، ازداد الوجع حتّى إنّي قرّرت إجراء العمليّة في
لبنان. وبتاريخ 27 أيلول (2005)، بعد الصلاة مساء، طلبت شفاعة أبونا بشاره أبو مراد
راجيًا شفائي: "إذا كنت حقيقة قدّيس، أرجوك أن تشفيني"، ونمت، وصورته بجانب سريري.
وعند الساعة الرابعة صباحًا، جاء راهب وأجرى لي عمليّة في ظهري ومن ثمّ قال لي قم
واستحمّ، ولم يعد يلزمك عمليّة، فاستفقت فوجدت نفسي بحالة جيّدة، فشكرت الله وأبونا
بشاره على شفاعته وعمليّته لي. وأعدكم بإجراء كلّ ما يلزم من صور تُثبت صحّة ما جاء
في هذه الإفادة".
ه- شفاء السيِّدة مارلين، زوجة أندره آصاف: لقد تفشّى المرض
الخبيث في جسمها، وتوقّع الأطبّاء المعالجون أن تبقى على قيد الحياة مدّة يومين.
شُفيت من مرضها بشفاعة الأب بشاره الذي ظهر لها وهي في سريرها مستيقظة، في فترة بعد
الظهر، بهيئة شابّ في الثلاثينيّات من العمر، وقال لها: "قومي، لا تخافي، فإنّك لا
تعانين من شيء". وهكذا شُفيت. وعندما عُرضَت أمامها صور لبعض القدّيسين لمعرفة من
ظهر لها، دلّت على صورة الأب بشاره.
يُذكر أن شقيق زوج السيِّدة مارلين الأب
بول آصاف، وهو راهب مريميّ، طلب من جماعة الصلاة في دير القمر التي تجتمع كلّ مساء
اثنين، مع الأب أنطون سمعان، كاهن رعيّة مار إلياس، للصلاة في غرفة الأب بشاره، في
دير القمر، أن تصلّي على نيّة زوجة أخيه، طالبة شفاعة الأب بشاره، كما طلب الأمر
نفسه من جماعات أُخرى.
أقواله ورسائله
أقواله
- لنفتح باب
قلبنا لإخوتنا الفقراء يفتح لنا يسوع المسيح باب السماء.
- إني مستعدٌ
لأشتغل مع أبناء رعيتي, مثل فاعلٍ نظيرَهم, لبناء بيت الله.
- عندما أموت,
إياكم أن تخبروا أحدًا بذلك لئلا يظنّ الناس أنّي شيء مهمّ, وأنا أكبر
الخطأة.
- كلّ ما يزرعه الإنسان في هذه الحياة يحصده في العالم
الآخر.
- لا راحة حقيقيّة إلا لمن وصل إلى السعادة السماويّة
الخالدة.
- الله كريم ويدبّر الجميع, فاتّكل عليه فلا يهملك ولا يهمل أحدًا
وهو يعوِّض عليك أضعافًا في هذه الدنيا وفي الآخرة ملكوت السماوات.
- الصلاة
والتوبة هما جناحان قويان بهما نطير إلى السماء.
- لا شيء يقهر الشيطان
ويجعلك تغلبه إلا الإعتراف والصلاة.
- إن التجارب هي علامة المختارين فأملي
بكم أن لا تعطوا الطبيعة هواها وتكونوا قدوة للغير بالصبر وتسليم الإرادة للعناية
التي هي تدبّر كل شيء.
- يا إخوتي تعلّموا كسر الإرادة الذاتية لأن من عَرَف
كيف يكسر إرادته الخاصّة يُحسِن الإستعداد للعمل بإرادة الله.
- النذر
الرهبانيّ أمرٌ عظيم جدًّا. إنه موت اختياريٌّ لأجل الله مقرونٌ بالإيمان والرجاء
والمحبّة الكاملة لله فوق كل شيء.
- "لقد جعلتكَ رقيباً, لهذا الشعب, فكلّ
نفس تهلك بسببكَ أطلب نفسَك عوضاً عنها" (حزقيال النبي 3/17-18). (شعاره يوم رسامته
الكهنوتية).
رسائله
1- رسالة الأب بشارة أبو مراد إلى والده
تعزيةً بموت والدته:
سيدي الوالد المحترم دامت لي ذاته
لا
يعفو لامرئٍ كأس مسرَّة في هذا الدهر الخوون, بل الراحة الحقّانية لمن بلغ السعادة
الخالدة, ومعرفتكم أفقه في هذا الأمر. قد غمّني جداً وألبسني حلة الحزن والكدر, خبر
ما ألمّ بجنابكم بانتقال سيّدتي الوالدة المثلثة الرحمة تغمّدها الله بجزيل
الرضوان. غير أني لمعرفتي بضرورة انحلال هذا المركب, وعظم المجد المعدّ للذين يحبون
الله, ويحتملون بصبرٍ بلايا هذا الدهر قد تعزّيت جزيل التعزية – وفور ما كانت عليه
المرحومة من التقوى والفضائل المسيحية, وجزيل التصبّر على مرارة الشدايد التي
افتقدها بها الباري سبحانه وتعإلى ليزيد ثوابها, وعظم رحمـة الله وقدسه الذي لا
يُضيع أجر المصلحين. فالصبر يا سيدي والتعزيـة يا مولاي على ما افتقدكم به الباري
ليزيد ثوابكم, لأن التجارب هي علامة المختارين. فأملي بكم يا سيدي أن لا تُعطوا
الطبيعة هواها وتكونوا قدوةً للغير بالصبر وبتسليم الإرادة للعناية التي هي تدبّر
كل شيء, هذا ورجاي بالرب الكلي الرأفة, أن يمدّ المثلثة الرحمة بجزيل الرحمة,
ويُسكنها مقرّ الطوباويين ونعيم الأبرار والصدّيقين, ويرطّب فؤادكم بندى التعزية
والصبر, ويحفظ لي ذاتكم الجليلة مانحاً المرحومة الراحة, وجنابكم وجميع من يحويه
حماكم, البقاء وطول العمر مولاي.
في 16 تموز 1884 ولدكم الأب بشارة أبو مراد ب.م.
2- رسالة كتبها إلى رفاقه في المدرسة من
الآباء المخلّصيين يلتمس بها الإهتمام بزينة كنيسة المدرسة في 20 أيار سنة 1888
:
حضرة الأب الفاضل المحترم,
"النفس لا حرمها الله متمناها.
أشواقها لا تهمد وإن أفرغ الدهر جهده لدرس ذكر الأحباء فإن الإلطاف لا تنسى وإن
بعدت المراحل. نعم مضت مدة ولم أوفِ ما عليّ من حقوق الوداد فكان لكم حقّ العتاب
غير أن ذلك لا يدرس مبادلات الأخاء".
"لا يخفى حضرتكم أن كنيسة المدرسة قد
تمّ عمارها بالتمام ولا ينقصها إلا ما يزيّنها فأتيت أنهض غيرة أولاد مريم الذين
عاشوا سنين تحت لوائها أن يتكرّم كل منهم بما يشاء ويؤول إلى زينة معبدها من قناديل
مثلاً وخلافها. هذا وأن التلامذة مستعدّون لتقديم الصلوات لمن يحسن بهذا الإحسان
ولا يلزمني أن أزيد في الإيضاح إذ كل يعرف الحاجة ثم أختم عبارات ودادي بعبارات
الإحترام لاثماً يديكم".
في 20
أيار 1888 مستمد الدعا أخوكم القس بشارة بو مراد
3- رسالة عمومية يدعو أبناء
رعيته إلى الإشتراك في الجمعية الخيرية باسم سيدة البشارة في دير القمر, سنة
1902:
إخوتي الأعزاء فلنفتح باب الشفقة والرحمة لإخوتنا الفقراء والمساكين
حتى يفتح لنا يسوع المسيح في الآخرة باب السماء لأنه قال سبحانه وتعإلى الذي
تصنعونه بإخوتي هؤلاء الفقراء والمساكين فبي تفعلونه. والذي يزرعه الإنسان في هذه
الدنيا يحصده في الآخرة.
فالذي يريد أن يشترك في هذه الجمعية يدفع كل شهر
غرشاً أو نصف غرش. والدفع يكون إما شهرياً أو سنوياً مسبقاً. والذي يريد أن يتكرّم
بزيادة على المرسوم فله الأجر الزائد. وأنا العبد البطّال الموضوع إسمي أدناه أقدّم
كل أول شهر قداساً وأربعة وعشرين بيت المديح صلاة لسيدة البشارة مع الصيام الطبيعي
لغياب الشمس دون أكل وشرب على نية المشتركين في هذه الجمعية الخيرية. وأذكرهم
يومياً في الذبيحة الإلهية, وكذلك أتلو الجناز كل نهار سبت على نيّة أنفس موتاهم ما
لم يحدث لي مانع عن ذلك. والذي يريد الإشتراك يذكر لي اسمه حتى أحرّره في دفتر
الإشتراك من أي جنس كان. والله أمين في مواعيده لا يضيع عنده
شيء.
كاتبه الخوري بشارة
أبو مراد خادم دير القمر
4- رسالة تهنئة لسيادة الرئيس العام باسيليوس شحادة
بانتخابه رئيساً عاماً عن دير القمر في 24 أيلول سنة 1919, وفيها ما فيها من عواطف
الحب والإحترام مع الجرأة الأدبية:
سيادة مولاي الأرشمندريت
باسيليوس أب عام ب.م الكلي الإحترام أدامه المولى
بمعظم الإحترام
والإكرام ألثم أناملكم الطاهرة وألتمس مبرور دعاكم طالباً من المولى حفظكم وسلامتكم
أبد الدهر. أبتي الحنون أقدّم لقدسكم أسطر التهاني بما نلتموه من لدن المنّان أيّها
الأب الجليل استلامكم زمام الرئاسة العامة التي بكل عدل أحيلت لعهدة قدسكم. فسبحان
من قلّدكم هذه الرتبة المقدسة لإتمام مشيئته تعإلى وحفظ هذه الرهبنة ونجاحها. فهذا
المنصب الرفيع لايقٌ بذاتكم الجلّى طالباً من المخلص سبحانه أن يأخذ بيدكم اليمنى
وتزداد هذه الرهبنة بنموّها في الروحيات والزمنيات وتنشو بالأعمال الصالحة وتكونوا
مع لفيف الآباء الأجلاء المدبرين بغاية واحدة ورأي واحد ومقصد واحد لنجاح وإصلاح ما
تعكس من قوانين الرهبانية, وهذا نؤمله ليس في مبادئ الأمر فقط بل تدوم دائماً
بالوفق والغيرة لأن طبيعتنا البشرية ضعيفة جداً جداً يقتضي لها مهماز ومحرك ينبهها
دائماً وأنا لمن أنذر. لأنكم كلكم حاوين الصفات الحسنة والعلوم الكافية وعلم
السياسات الروحية ولنا الأمل والرجا بالله تعالى بتقدّم هذه الجمعية المقدسة ونصلح
ما حدث من الخلل والنقصان وأملنا كبير بالله تعإلى أن لا يسمح بسقوط وانحطاط أمنا
الرهبنة المخلّصية فنسأله تعإلى من صميم القلب بحفظكم جميعاً وتوفيقكم ونجاحكم في
مساعيكم الآيلة لمجده اللهم استجب آمين.
عدم المؤاخذة سيدي لأنه حصل زيادة
تطفّل. مستمد دعاكم
رضاكم لولدكم الخصيص الخوري
بشارة أبي مراد ب.م
5-
دير القمر /23 آذار/ 1895
غبطة
مولاي الكلي الشرف والفايق الوقار
بمعظم الإحترام ألثم أناملكم الطاهرة,
وألتمس بركتكم الرسولية, وبعد مولاي أعرض لأقنومكم الجليل أن ما جاءت به يمينكم
الرعائية السخية وأمرتم به, وصل ليد ولدكم الظمآن إلى جمع إسعافٍ لعل الله هذا,
فلذا تروني قائماً أعانق يراع الشكر والممنونية لغبطتكم الجليلة كاتباً هذه الأسطر
الوجيزة شاكراً لخيركم العميم, طالباً من المولى أن يعوّض على ذاتكم الوقورة بطول
عمركم وزيادة مجدكم وفخركم, وأن يُديمكم عضداً وسنداً لكلّ عملٍ مبرورٍ وفخراً
وشرفاً لكل كاثوليكي... مولاي, بما أن شموس الأعياد أوشكت تنير ألبابنا بقدومها,
رأيت من اللازم على ابنٍ خصيصٍ مثلي أن أُظهر إحساساتي نحوكم لأعايدكم بهذه المواسم
الخلاصية, راجياً من الرحمن أن يعيدها على غبطتكم أعواماً سعيدة وأياماً مديدة,
تنهلون فيها مُطربات الفرح والسرور.
وعَوداً على بدءٍ ها إنّي أكرّر ما
تقدّم ودمتم مولاي. راجي بركتكم
الرسولية ولدكم
الخوري بشارة أبو مراد ب.م
مراحل دعوى تطويبه وإعلان
قداسته
- وافق مجمع دعاوى
القدّيسين في روما على فتح دعوى تطويبه وإعلان قداسته في 8 حزيران
1983.
- جرى الافتتاح الرسميّ للبدء بدعوى تطويبه وإعلان قداسته يوم عيد تجلّي
الربّ، وهو عيد دير المخلِّص، في 6 آب 1984.
- إحتفلت الرهبانيّة بختام دعوى تطويبه
في ديوان القضاء الأبرشيّ في 26 تشرين الثاني 1993، في كنيسة الدير الأمّ، دير
المخلِّص.
- في 2 كانون الأوّل 1993 أُودعت أعمال الدعوى في مجمع دعاوى القدّيسين في
روما؛ وفي اليوم التالي (3 كانون الأوّل) صدر الأمر بفتح ملفّات
لدعوى.
- في 18 آذار 1994 صدر قرار من المجمع المذكور يعترف فيه بصحّة أعمال الدعوى
المقامة في ديوان القضاء الأبرشيّ.
- في 22 نيسان 1994 تعيّن حضرة الأب
الدومنيكانيّ دانيال أولس مرافعًا عن الدعوى في المجمع
الرومانيّ.
- في 17 تشرين الثاني 1997 صدرت موافقة الأب دانيال أولس على صحّة الوثائق
والمستندات المقدَّمة في الدعوى.
- في 29 شباط 2004، وبناءً على قرار
اللجنة التاريخيّة، أكدّ المجمع حقيقة صيت القداسة وممارسة الفضائل بشكل بطوليّ عند
الأب بشاره أبو مراد، الراهب
المخلِّصي.
|