|
يعلمنا التاريخ الحديث والقديم ان
البطريركية كانت على مدى الاجيال مرجعية وطنية في لبنان، ملتقى القادة
السياسيين، حيث كانوا يلتئمون ويحسمون شؤونهم الوطنية.
الحقبة الاولى الممتدة ما بين سنة 686 و970 (*).
1.
الجذور
عُرف الشعب الماروني " بالامّة
المارونية" في رسائل البابوات والكرسي الرسولي الروماني وملوك فرنسا لويس
التاسع ولويس الرابع عشر ولويس الخامس عشر. تكونت هذه " الامّة" من عناصر
اساسية هي: جماعة اشخاص موارنة تنظمّوا في جبل لبنان بقيادة بطاركتهم، بدءاً من
البطريرك الاول القديس يوحنا مارون؛ حافظوا على تراثهم الانطاكي العريق ولغتهم
السريانية الاصلية؛ عاشوا ضمن حكم ذاتي وسط أنظمة تيوقراطية للبيزنطيين والعرب؛
حافظوا على ايمانهم وحرّيتهم؛ استمروا على هذه البُنية فيما اصبحت الجماعة
المارونية كنيسة بطريركية.
كان البطريرك الماروني
محور الامّة المارونية وحامي وحدتها، وكان الرئيس الوحيد للشعب والمسؤول
السياسي والديني على السواء، متعاوناً كنسياً مع الاساقفة كنواب وممثلين
له، ومدنياً، مع المقدّمين كذراعه الزمنية. فكان المجتمع الماروني،
المؤلف من الاكليروس والمقدّمين والملاّكين النبلاء وعامة الشعب، يعيش نظاماً
طبقياً، اجتماعياً، عسكرياً ودفاعياً، فيه ترتبط الحياة الدينية بالحياة
المدنية ارتباطاً وثيقاً.
نشأت الامّة المارونية،
السياسية والدينية في اطار مجتمع مشرقي تيوقراطي لا يفصل بين مفهومي الدين
والدنيا. فكان الحكم التيوقراطي السائد في المنطقة مزدوجاً: بيزنطياً رومياً،
واسلامياً عربياً.
|
البطريرك الاول القديس
يوحنا مارون |
.
البطريرك الاول القديس يوحنا مارون
والدولتين البيزنطية والاموية
انتخب رهبان دير مار مارون على
العاصي البطريرك يوحنا مارون على كرسي انطاكية عندما كان خالياً من
بطريرك كاثوليكي مقيم في كرسي بطرس الاول قبل انشاء كرسي روما. كان انتخابه حسب
البطريرك الدويهي سنة 686. وقد كتب التّلمحري بطريرك اليعاقبة سنة 746: " لا
يزال الموارنة، كما هو اليوم، يرسمون بطريركاً واساقفة من ديرهم". وذلك في
بدايات العهد الاموي ( 660-750).
__________________________________________________________
(*) الاب فرنسوا عقل: اضواء
على العلاقات السياسية والقانونية بين البطريركية المارونية والدولة اللبنانية-
منشورات جامعة سيدة اللويزه (2007)، ص 17-32.
كان يوحنا مارون قبل انتخابه
اسقفاً على البترون. وبسبب اشتداد المضايقات من الملك البيزنطي يوستنيانوس
الثاني، غادر انطاكية الى جبل لبنان واستوطن ديره في كفرحي، وقاد الامّة
المارونية محافظاً على عقيدتها الكاثوليكية وفقاً لمجمعي افسس المنعقد سنة 431
عن امومة السيدة العذراء لابن الله المتجسد، وخلقيدونية سنة 451 عن طبيعتي
السيد المسيح الالهية والانسانية؛ وحفظ استقلاليتها بحكم ذاتي في جبل لبنان،
فكانت جماعة متماسكة عقائدياً وعسكرياً، ما ضمن لها نموها. استطاع الموارنة،
بقيادة البطريرك يوحنا مارون وبفضل تماسكهم، من العيش بتفاهم وانسجام مع الدولة
الاموية التي كانت تهاب وحدتهم وقدرتهم الدفاعية في القتال. البطريرك اسطفانوس
الدويهي يعطي الشواهد التاريخية ويصف خوض المعارك بوجه الغارات البيزنطية التي
كانت تُشن عليهم في منطقتي الكورة والبترون (الشرح المختصر في اصل الموارنة
وثباتهم في الامانة وصيانتهم من كل بدعة وكهانة الذي نشره الاباتي بطرس فهد سنة
1974، صفحة 117-118).
لقد جاهد البطريرك يوحنا مارون
جهاداً كبيراً ومستمراً في تنظيم الكنيسة المارونية بحفظ عقيدتها وسط
الاضطهادات، وحسن سيرها الكنسي والليتورجي والقانوني، ورسم اساقفة وكهنة في جبل
لبنان، ثم رقد بالرب في اوائل سنة 707 ودفن بكثير من المهابة في الدير الحامل
اسمه في كفرحي (الشرح المختصر المجلد الاول صفحة 123-127).
|
|
البطاركة الاولون والدولة العباسية (750-970).
تعاقب على كرسي انطاكية بعد
البطريرك يوحنا مارون عدد من البطاركة نجدهم في سلسلة البطاركة التي وضعها
البطريرك الدويهي
(الخماسية المارونية للاب
يواكيم مبارك، الجزء الاول، المجلد الاول، صفحة 18-20). في العهد العباسي الذي
كان شديد الوطأة على المسيحيين في العراق والشام، وبخاصة في عهد المتوكّل الذي
أمر بهدم الكنائس التي شُيدت بعد الاسلام. اما الموارنة في جبل لبنان، فحافظوا
على استقلاليتهم النوعية، كي لا يصبحوا ذميين مثل سواهم من المسيحيين واليهود
المعروفين "باهل الكتاب". وارتضوا احياناً دفع الجزية او ضريبة الرأس لقاء
استقلاليتهم والمحافظة على كيانهم وايمانهم الكاثوليكي المختلف عن ايمان
الجماعات المقيمة في الجوار
في عهد الفرنج (1089-1291) (*)
هو عهد الصليبيين المعروفين عربياً
بالفرنج. بدأ مع سقوط انطاكية سنة 1098 في يدهم. بعدها احتلوا طرابلس سنة 1102
بموآزرة المقاتلين الموارنة، ثم البترون وجبيل. عاونهم الموارنة لانهم اخوة لهم
في الايمان. وساعدوهم عسكرياً في الاستيلاء على الاراضي المقدسة في اورشليم
وسائر فلسطين وسواها من المدن الساحلية.
رسّخ الموارنة في هذا العهد
عقيدتهم الكاثوليكية ووحدتهم مع رومية، وامتلكوا اراضي، وتمتّعوا باميازات
وحافظوا على دورهم السياسي والعسكري بقيادة بطريركهم المقدّمين.
في عهد الفرنج توطدت العلاقة مع
رومية على يد البطريرك ارميا العمشيتي (1199-1230) الذي شارك في اعمال
المجمع اللاتراني الرابع ( سنة 1213)، حيث جرت في قداسه بحضور آباء المجمع
معجزة القربان: فعندما رفع القربان هاتفاً: " الاقداس للقديسين" توقفت القربانة
فوق رأسه. وكان هذا البطريرك معروفاً بالقديس.
ثم دبّ خلاف مع الفرنج في طرابلس
بسبب بعض التدابير الادارية التي حاول حكام المدينة فرضها عن طريق التنظيم
الاقطاعي، وبسبب الاخطاء التي ارتكبوها في حق المسيحيين الشرقيين عموماً.
انتشر الموارنة (1)،
بعد جبل لبنان، في
جزيرة قبرس، وانشأوا فيها دير مار يوحنا كوزبند. وكان البطاركة يولون
الجالية المارونية هناك اهتماماً خاصاً ويرسلون رؤساء لدير مار يوحنا. هكذا فعل
سنة 1120 و1121 البطريرك بطرس الاول (1120-1130)، القاطن في دير سيدة ايليج
ميفوق(2). وفي سنة 1141 البطريرك يعقوب الراماتي (1140-1151)، وقد
توسطهما البطريرك غريغوريوس من حالات (1130-1139).
وكذلك فعل بطاركة آخرون في القرن
اللاحق وبتواصل: البطريرك يوحنا الجاجي (1239-1245) سنة 1239والبطريرك يوحنا
العاقوري سنة 1254، كما نجد في المخطوطات المارونية.
وسيتزايد عدد الموارنة في قبرس بعد
انكسار الفرنج، وبداعي الظلم والاضطهاد في عهد المماليك، حتى انهم بنوا في
جبالها 72 قرية. فلم يختلطوا بسكان الجزيرة، اذ كانوا يخشون حياة المدن التي لم
يألفوها من قبل. انصرفوا الى الزراعة وحافظوا على تقاليدهم العائلية والكنسية.
__________________________________________________
(*) الاب فرنسوا عقل: اضواء
على العلاقات السياسية والقانونية بين البطريركية المارونية والدولة اللبنانية،
ص 35-37
(1)
الاباتي بطرس فهد: بطاركة الموارنة
واساقفتهم من القرن 13 الى 15 (دار لحد خاطر 1985)، ص 25-31.
(2)
بطرس الاول هو البطريرك الاول الذي
سكن في دير سيدة ايليج وتبعه 17 بطريركياً آخرين حتى البطريرك يوحنا
الجاجي(1404-1445). فيكون كرسي ايليج قد امتدّ من سنة 1120 الى 1445، واحتضن 18
بطريركياً. ثم انتقل الى دير قنوبين في الوادي المقدس حيث مكث حتى سنة 1854،
واقام فيه ايضاً 18 بطريركياً.
وبسبب اخلاصهم للفرنج ومساعدتهم
عسكرياً في حملاتهم. ارسل اليهم ملك فرنسا لويس التاسع، الذي أعلن قديساً سنة
1298، رسالة بتاريخ 21 ايار 1250، يضع فيها الموارنة تحت حماية فرنسا، معتبراً
الامّة المارونية جزءاً من الامّة الفرنسية. واعطى سببين لهذه الحماية: الاول،
مساعدته بارسال 25 الفاً من الجنود تحت امرة سمعان ابن امير الجبل لملاقاته
عندما كان في قبرس، تعبيراً عن محبة الموارنة للفرنسيين؛ الثاني، تعلّق السيد
البطريرك والمطارنة والاكليروس والشعب والامير تعلقاً ثابتاً بالدين الكاثوليكي.
(3).
عهد المماليك
(1291-1515)، مع ذكر مآثر البطاركة على مدى المئة سنة الاولى من حكم
المماليك.
وقع لبنان وسوريا عام 1291 تحت
سيطرة المماليك، وهم مسلمون من العرق التركي والشركسي. كانوا في الاساس خداماً
لدى الايوبيين في مصر، ثم ثاروا على اسيادهم واستولوا على السلطة. هؤلاء عادوا
فاحتلوا جميع الاراضي التي كانت تحت سلطة الفرنج.
عرف تاريخ الموارنة في عهدهم
مأساتهم الكبرى. لكنهم حافظوا على حريتهم واصالتهم، على المستوى الديني والمدني
والسياسي. واجه على رأسهم البطريرك لوقا البنهراني، وهو البطريرك الثامن
والثلاثون، ما مارس المماليك من ظلم بحقهم. حتى انهم أسروه واعتبروا " امساكه
فتحاً عظيماً، أعظم من افتتاح حصن او قلعة"، ووصفه مؤرخ السلطان قلاوون "
بطريركاً عتيّأً، قد تجبّر واستطال وتكبّر واخاف والي طرابلس وجميع الفرنجة".
في عهد
هذا البطريرك كانت
معركة الفيدار سنة 1291 التي اسهم فيها المقدمون الموارنة الثلاثون ومعهم
ثلاثين الف مقاتل الى جانب الفرنج، فكسروا المسلحين. وقد وصف ابن القلاعي
تفاصيل هذه المعركة الشهيرة (1).
انكافأ الموارنة الى الجبال،
وانقطعت امكانية الاتصال بالغرب، لأن الشواطىء اللبنانية أصبحت بيد المسلمين،
يرعاهم البطريرك ارميا من دملصا (1282-1297)، وخلفه البطريرك سمعان
او شمعون(1297-1339).
في اول سنة من عهد بطريركية هذا
الاخير كان هجوم على كسروان على يد سبعماية فارس من الشام بامر السلطان برقوق،
فاستنجد الكسروانيون بمقدمي الجرد، وهم الدروز، ففتكوا بهم. ثم هاجم المسلمون
كسروان من جديد سنة 1305 واحتلوا جبالها وخرّبوا قراها وقتلوا واسروا
________________________________________
(1) انظر الاباتي بطرس فهد:
بطاركة الموارنة واساقفتهم من القرن 13 الى 15، ص 15-23.
من فيها من الكسروانيين والدروز
وغيرهم. كان الموارنة يقطنون المنطقة الشمالية من نهر ابراهيم حتى جبّة بشري.
وكان البطريرك شمعون يحضّهم على الهدوء وضبط النفس. وفي سنة 1313 انعمت الملكة
قسطنسية، زوجة ملك صقليه، على الموارنة بمغارة الصليب في القدس مع اربعة مذابح
في أربع كنائس. وفي عهده قام الفرنج بثلاث غارات على السواحل اللبنانية من دون
جدوى في السنوات 1302 و1306 و1333.
|
|
|
البطريرك يوحنا العاقوري
(1339-1357) |
|
|
البطريرك جبرايل من حجولا
(1357-1367) |
|
في عهد
البطريرك يوحنا العاقوري
(1339-1357)، حدثت
تعدّيات واضطرابات، واشتد ظلم المماليك على الموارنة بمرسوم مانع من السلطان:
"فلا يُستخدمون في الدواوين السلطانية ولا في غيرها، ولا يحمل حكم مواريثهم
قيمة في المحاكم الشرعية. ولا يزيد احد منهم عمامته على عشرة اذرع، ولا يركبون
الخيل والبغال بل الحمير، ويكون زنارهم كتاناً ازرق، ويكون احد الخفّين اسود
والآخر ابيض"، كما جاء في تاريخ الدويهي.
في عهد
البطريرك جبرايل من
حجولا (1357-1367).
اشتد اضطهاد المماليك للموارنة
بسبب الغارة التي قام بها ملك قبرص الفرنسي بيار دي لوزينان على مدينة
الاسكندرية، وامعانه في السلب والنهب والقتل. فردّ عليه سلطان القاهرة سنة 1367
بحملة الى لبنان للاقتصاص من الموارنة المتّهمين بتحالفهم مع الفرنج.
وكان القبض بواسطة جنود والي
طرابلس على الاساقفة والرهبان وسجنهم، وعلى زعماء المقاطعة، مع الانذار
باهلاكهم اذا لم يتم تسليم البطريرك. فسار البطريرك جبرايل الى طرابلس
مستسلماً، وحُكم عليه بالموت ظلماً، ونفذ فيه الحكم حرقاً بالنار في نيسان
1367. يقول البطريرك اسطفان الدويهي ان قبر البطريرك جبرايل كان يهب الشفاء لكل
من طلبه. واتخذه المسلون مزاراً يحجّون اليه (2). انه البطريرك
الثاني والاربعون في سلسلة البطاركة. |
|
في آواخر المئة سنة الاولى من
عهد المماليك (1291-1515)، بعد استشهاد البطريرك جبرايل من حجولا سنة 1367
ظل الكرسي البطريركي الماروني شاغراً لبعض السنوات. ثم انتُخب البطريرك داود
من جاج الملقب بيوحنا الذي مات سنة 1404، نجهل تاريخ انتخابه. في عهده،
وتحديداً في سنة 1382، عرف الموارنة نوعاً جديداً من نظام الحكم الداخلي، وهو
حكم "المقدّمين". انهم حكام بعض المقاطعات في الجبل اللبناني يعيّنهم
البطريرك ويخضعون له، ويمنحهم درجة الشدياقية، فيحق لهم ان يجلسوا في الكنيسة
بعد الكهنة، كونهم يوآزرون البطريرك في الشؤون المدنية للامة المارونية انهم
همزة الوصل بين البطريركية ونيابة طرابلس المملوكية. وكان للسيد البطريرك ان
يعاقبهم بالحرم الكنسي عندما يرتكبون جرماً، كما حصل بعض الاحيان، ما يشير الى
ان سلطة البطريرك كانت فوق كل سلطة زمنية (1).
وعلى الرغم من اشتداد الظلم
والاضطهاد من المماليك، ظل البطاركة الموارنة محافظين على استقلاليتهم. ففيما
كان البطاركة الاخرون يحصلون بعد تنصيبهم على تثبيت مدني من السلطان المملوكي
"بفرمان"، كان البطاركة الموارنة معفون منه، ولم يجد البحاثة والمؤرخون اي
وثيقة تثبيت خلاف ذلك (2).
وبسبب الظلم والاضطهاد سكن
البطريرك داود في دير مار سركيس قرب قرن حردين.
وانتُخب خلفاً له، بطريرك آخر من
جاج، هو يوحنا الجاجي (1404-1445). هو من البطاركة العظام الذي ساس
الطائفة بكل امانة وغيرة وتقوى في احوال صعبة للغاية، وجنّبها الاضطهادات وصان
ايمانها وامانتها ووصل ما انقطع بينها وبين الكرسي الرسولي. كان انتخابه في دير
سيدة ميفوق واقام فيه.
________________________________________________________
(1)
الاب فرنسوا عقل: اضواء على
العلاقات السياسية والقانونية بين البطريركية المارونية والدولة اللبنانية،صفحة
39-40، حيث توجد
مراجع.
(2)
المرجع نفسه، ص 40.
في سنة 1438 بلغته دعوة من البابا
اوجين الرابع (1431-1447) لحضور مجمع فلورنسا، فارسل البطريرك الاب جوفاني رئيس
رهبان مار فرنسيس في بيروت، ليعرب للبابا وآباء المجمع عن استعداد الكنيسة
المارونية لقبول كل ما يرسمه هذا المجمع، وليطلب منه درع التثبيت "الباليوم"
والموافقة على انتخابه بطريركاً. وهذا ما حصل. وفيما كان
Fra Giovanni
راجعاً من روما حاملاً درع التثبيت وتاجاً هدية من البابا للبطريرك، اقام له
الموارنة في طرابلس استقبالاً حاشداً في تشرين الاول 1439، فاعتقله نائب
المدينة خوفاً من قيام حملة جديدة كحملات الفرنج، وظناً منه ان مجمع فلونسا
انعقد لهذه الغاية. ارسل البطريرك اعيان الموارنة الى النائب لتوضيح الامر
واقناعه بهبة من الدراهم وتخليص الموفد البطريركي من السجن. فحصل ذلك واشترط
عليه النائب العودة اليه بعد احتفال تسليم درع التثبيت.
كان هذا الاحتفال مهيباً وشعبياً
للغاية وتليت فيه رسالة البابا اوجانيوس المؤرخة في 9 حزيران 1439. ولم يعد
الموفد الى طرابلس بل عاد الى بيروت، فغضب النائب غضباً شديداً وارسل جنوداً
لاعتقال البطريرك والاساقفة، اما هم فاختبأوا في اماكن عصيّة. عندها دخلوا
المقر البطريركي ونهبوه، وامسكوا بعض الشركاء واضرموا النار في منازلهم. فانتقل
البطريرك والاساقفة الى دير قنوبين حيث كان الامن سائداً بقوة المقدم يعقوب
البشراني. وكان في النهار يختبىء في مغارة قرب دير قنوبين خوفاً من عساكر
المماليك(3). ومنذ تلك السنة انتقل الكرسي البطريركي من بلاد جبيل
الى دير قنوبين في الوادي المقدس.
توفي البطريرك يوحنا الجاجي سنة
1445 ودفن في مغارة القديسة مارينا في قنوبين، ودفن فيها من بعده 16 بطريركاً،
كان آخرهم البطريرك يوسف الخازن سنة 1854. نذكر من بينهم خادم الله البطريرك
اسطفان الدويهي (1670-1704). |
|
|
البطريرك يعقوب الحدثي
(1445-1458) |
|
|
|
|
البطريرك بطرس الحدثي
(1458-1492) |
|
|
|
|
البطريرك سمعان او شمعون
الحدثي
(1492-1524) |
|
في الستين سنة الاخيرة من عهد المماليك
(1291-1515). تعاقب على الكرسي البطريركي ثلاثة بطاركة من حدث الجبه، هم يعقوب
الحدثي وبطرس الحدثي وسمعان او شمعون الحدثي. الاخير منهم عايش نهاية عهد
المماليك وبداية عهد العثمانيين.
1. البطريرك يعقوب الحدثي
(1445-1458)
هو اول بطريرك انتخب في
وادي قنوبين. عايش ثلاثة بابوات في عهده الذي دام اثنتي عشرة سنة، وكاتبهم
ومتّن الروابط بين الكنيسة المارونية وكرسي روما. طلب درع التثبيت من البابا
اوجانيوس الرابع ( 1431-1447)، لكن البابا توفي قبل الاجابة على رسالة
البطريرك. فكتب اليه خلفه البابا نقولا الخامس ( 1447-1455)، ثم كتب له ايضاً
البابا كاليستوس (1455-1458).
في الرسالة الاولى سنة
1447، يشدد البابا نقولا الخامس الروابط بين كرسي روما والكنيسة المارونية،
ويعيّن معتمداً للكرسي الرسولي في مملكة قبرص وبعض نواحي الشرق للجوء اليه عند
الحاجة، وترتيب الشؤون المشتركة بينهم وبين الكرسي الرسولي.
في الرسالة الثانية، وهي
موجّهة من البابا كاليستوس في 14 حزيران 1455 يثني على وحدة الايمان الكاثوليكي
التي تجمع بين الكرسي الرسولي والكنيسة المارونية (1).
_______________________________________________________________________________
(1)
نشر الرسالتين الاباتي بطرس فهد في
كتابه: بطاركة الموارنة واساقفتهم من القرن 13 الى 15، صفحة 78-79؛83.
ان هاتين الرسالتين، كما الرسالة
التي وجهها من قبل البابا اوجانيوس الرابع الى البطريرك يوحنا
الجاجي، وسواها من رسائل وبراءات باباوية مرسلة الى بطاركة الكنيسة المارونية
واساقفتها واكليروسها وشعبها، وأحصي عددها بسبع عشرة رسالة وبراءة من بين سنة
1441 و1515(2)، تدوران بنوع خاص حول وحدة الكنائس في اعقاب مجمع
فلورنسا 1438 ولاسيما الكنائس الشرقية المنفصلة عن روما.
هذه كلها تدل على وحدة
الموارنة وتعلقهم الدائم بكرسي روما، ما حفظ وحدتهم العائلية والاجتماعية
والوطنية، حول شخص البطريرك، حافظ هذه الوحدة ومعززها. وهكذا تمكنوا من الصمود
بوجه الظلم في عهد المماليك.
2. البطريرك بطرس الحدثي
(1458-1492)
دام عهد بطريركيته 34
سنة. شدد هو ايضاً على وحدة الايمان الكاثوليكي في الكنيسة المارونية وانفذ
رسائل الى بابا روما بهذا الشأن سنة 1469، بعد ان جمع الاساقفة والاكليروس
وعامة الشعب. فوجّه الرسائل الى البابا بولس الثاني بواسطة المرسلين
الفرنسيسكان المنتدبين. ثم كتب الى خلفه البابا سيكستوس الرابع (1471-1484)،
وطلب اهتمامه بالموارنة المشتتين في بلاد بعيدة، بين غير المؤمنين.
في هذه الفترة الزمنية
نَعِم جبل لبنان بالطمأنينة والراحة بفضل ولاية المقدّمين الملتفين حول السيد
البطريرك، وكثرت دور العبادة ولاسيما في بشري. وعندما راح بعض اليعاقبة
الرافضين عقيدة المجمع الخلقيوني (451)،يتسللون بين الموارنة لاستمالتهم الى
مذهبهم، تصدّوا لهم وطردوهم من مناطقهم. وكان قد سقط في شرك اليعاقبة المقدم
عبد المنعم، ما خلق في الجبل انقساماً، سرعان ما تمكن موارنة اهدن من وضع حد له
وطردوا اليعاقبة (3).
ومن ناحية ثانية، كان حكام
المماليك يعتدون بظلم على الموارنة وبيوتهم وينهبونها، بحجة تحصيل الضرائب،
ويضربون الفقراء العاجزين عن دفعها. فاضطر البطريرك بطرس الحدثي على بيع آنية
الكنائس، والتبرع بمداخيل الكرسي البطريركي لدفع الضرائب عن الفقراء. واستغاث
بقداسة البابا فبادر الى المساعدة وتخفيف الاثقال عن شعب لبنان (4).
3.
البطريرك سمعان او شمعون
الحدثي (1492-1524)
هو ابن شقيق البطريرك بطرس الحدثي.
دامت ولايته 32 سنة. منها 23 سنة في آخر عهد المماليك. تأخر في طلب درع التثبيت
حتى سنة 1514 وأوفد الاب بطرس الماروني الى روما لهذه الغاية، حاملاً رسالة الى
البابا لاون العاشر، مؤكداً فيها امانة الموارنة على الوحدة مع كرسي
_____________________________________________
(2)
نشرها الاب طوبيا العنيسي بنصها
اللاتيني:Bullarium
Maronitarum, Roma 1911, p.13-43.
(3)
الاباتي بطرس فهد المرجع المذكور،
ص 90-93.
(4)
الخوراسقف يوسف داغر: تاريخ
البطاركة، ص 42.
روما. ولكن بسبب صعوبة الطريق في
البحر والحروب المتواصلة في بلاد الشام، لم يستطع الموفد البطريركي الوصول الى
روما، الا بعد سنة. سنعود الى الموضوع بكلامنا عن عهد العثمانييبن، |
|
بين اواخر عهد المماليك وبداية
عهد العثمانيين الذي
دام اربعماية سنة (1516-1918)، برزت شخصية البطريرك سمعان او شمعون الحدثي،(1492-1524).
لقد عاصر ستة باباوات: اسكندر السادس ( 1492-1503) وبيوس الثالث ( 1503)
ويوليوس الثاني ( 1503-1513) ولاوون العاشر (1513-1521) وادريانوس السادس
(1522-1523) وكليمنضوس (1523-1534). فوطّد العلاقة مع روما على اسس العقيدة
الكاثوليكية، من خلال رسائل متبادلة معهم، وزوار رسولين من الآباء الفرنسيسكان
حافظي الاراضي المقدسة. وتوضحت سلامة عقيدة الموارنة وليتورجيتهم وتنظيمهم
الكنسي (1).
وفي عهده عاد سنة 1493 من روما
الراهب الفرنسيسكاني جبرايل ابن القلاعي من لحفد، الذي اصبح مطران قبرص سنة
1505 وتوفي في شباط 1516. كان ذراع البطريرك الايمن في مواجهة الهرطقات وتصحيح
ما كان اليعاقبة يعلّمون وينشرون بين الموارنة. عُرف ابن القلاعي بغيرته وغزارة
علومه وقداسته، وترك العديد من المصنفات، نذكر من بينها " كتاب الطوباوي
مارون"، فضلاً عن الزجليات المتضمنة مدائح نشر منها خمس واربع عشر مرحلة من
تاريخ الطائفة المارونية في جبل لبنان (2)
وفي سنة 1510 بسبب الضيق العظيم
على الموارنة من جور الحكام والجراد الذي اتى على مزروعاتهم، غادر موارنة
عديدون ولاسيما من بلاد جبيل الى جزيرة قبرص. واذ عانى موارنة الجزيرة من
اطماع اليونانيين باملاك دير مار يوحنا واوقافهم، كتب البطريرك شمعون الحدثي
الى البابا لاوون العاشر بهذا الشأن، فكتب البابا الى المسؤولين للمحافظة على
املاك الموارنة (3).
2. في عهد هذا البطريرك تغلب
السلطان سليم الاول (1516-1566) ملك القسطنطينية على المماليك في معركة مرج
دابق بقرب حلب سنة 1516، بمعاونة المعنيين، فقدّم الامير فخر الدين على كل
الامراء اللبنانيين واعترف لسلالته بوراثة الامارة في الشوف، واقام على بلاد
كسروان وجبيل الامير عساف. تميّز السلطان سليم بكثرة حلمه، فامر باعمار البلاد
بعد ان خرّبتها الحروب. فجاء المتاولة من بعلبك وسكنوا في فاريا وحراجل
وبقعاته، والسنّة من البقاع واستوطنوا فيطرون والقليعات وعرمون والجديدة وساحل
علما وفتقا، والدروز من المتن والجرد وأقاموا في برمانا ومزارع كسروان،
والمسيحيون من طرابلس والشمال وسكنوا في عرمون واهالي يانوح في كفور الفتوح
وغزير، حسب ما اورد البطريرك اسطفان الدويهي في تاريخ الازمنة(4)..
3. احتلّ العثمانيون سوريا ولبنان
وصولاً الى مصر بقيادة السلطان سليم الاول وقسموا السلطنة الى ثلاث دوائر كبرى:
دمشق وحلب وطرابلس. عاملوا المسيحيين كأهل ذمّة وسمحوا لهم بممارسة معتقداتهم
وادارة شؤونهم وفقاً لقوانين الاحوال الشخصية مقابل ان يدفعوا الجزية او ضريبة
الرأس. لم يكن لهم حق المساواة بالمسلمين، فلا يلبسوا مثلهم، ولا يركبوا الخيل،
ولا يتقلدوا السلاح، ولا تقبل شهادتهم لدى المحاكم العثمانية، ولا يحق لهم
ترميم الكنائس والمعابد او بناؤها إلاّ باذن سلطاني. وأوجب العثمانيون على
البطاركة ورؤساء الطوائف طلب " الفرمان" او " براءة التثبيت" من السلطان، لكي
يتمكنوا من ممارسة سلطتهم الدينية والمدنية.
(1)
انظر الرسائل لدى الاباتي بطرس
فهد: بطاركة الموارنة واساقفتهم في القرن السادس عشر، صفحة 7-17.
(2)المرجع نفسه، ص 17-20،
22-26 حياة ابن القلاعي ومؤلفاته باسهاب في بطاركة الموارنة واساقفتهم من القرن
13 الى 15، ص،111-129.
(3)
بطاركة الموارنة واساقفتهم في
القرن السادس عشر، ص 19.
(4)
(نشرة الاباتي بطرس فهد، سنة 1976،
ص 392).
غير ان السلطان سليم عفا البطريرك
الماروني من طلب " الفرمان" خلافاً لبطاركة الشرق. وبفضله نعم جبل لبنان بنوع
من الاستقلالية: فشؤونه العامة كان يتولاها امير وطني معروف " بالحاكم الكبير"،
وسيادة الدولة العثمانية عليه كانت اسمية، وسكانه لم يدفعوا العُشر ولا الخراج
ولا جزية الرأس، ولم يكونوا " اهل ذمّة" تحت حماية الدولة التركية، بل كانوا
يحمون انفسهم بانفسهم، فلم يدفعوا إلاّ المال الاميري. لا يؤدون الخدمة
العسكرية خارج بلادهم، بل كانوا ينضوون تحت لواء جيشهم الوطني. وكان امير
البلاد او حاكمها يعترف بسلطة رؤساء الدين ورتبهم. ونعم الاكليروس الماروني
ببعض الامتيازات، منها الحماية الفرنسية برضى الباب العالي، بسبب مذهبهم
الكاثوليكي، مثل الاكليروس اللاتيني (5). |
|
عهد العثمانيين (1516-1918):
الحقبة ما بين 1524-1567
1. بعد البطريرك سمعان او شمعون
الحدثي ( 1492-1524) الذي دامت رئاسته 32 سنة، انتخب البطريرك موسى العكاوي
(1524-1567) من قرية الباردة في عكار. كان عمره 42 سنة وهو في الاصل راهب
في دير سيدة حوقا (شمالي لبنان)، ورقي الى الاسقفية سنة 1522. دامت رئاسته 43
سنة وكانت غنية بالمآثر. عايش ستة بابوات وراسلهم وراسلوه، وهم: اكليمنضوص
السابع (1523-1534). وبولس الثالث (1534-1549) ويوليوس الثالث (1550-1555)
وبولس الرابع ( 1555-1559) وبيوس الرابع (1559-1565) فبيوس الخامس (1566-1572)(1).
2.
في رسائله ركّز البطريرك موسى على الاضطهاد الذي يلقاه الموارنة من غير
الكاثوليك والظلم من غير المؤمنين بسبب خضوعهم لكرسي روما والجالس عليه، وطلب
زائرين رسوليين وستة رهبان فرنسيسكان من الاراضي المقدسة للتثقيف والتعليم في
جبل لبنان، وغفرانات. وكان البطريرك موسى يردد في رسائله: " نحن كاثوليك
حقيقيون، ممارسون، خاضعون تماماً لامنا الكنيسة المقدسة". اما اجوبة البابوات
فكانت تثني على ايمان الموارنة وتمسّكهم بالامانة لكرسي بطرس وتلبي مطالب
البطريرك وتذكّر بشؤون عقائدية وليتورجية وتهذيبية(2). وكان
البابوات يرسلون للبطريرك بدلات طقسية مع توابعها.
3. وكتب البطريرك موسى في 2 شباط
1564 الى البابا بيوس الرابع يلتمس وساطته لدى الايطاليين البنادقة (من
البندقية-
venezia) الذين تملّكوا
جزيرة قبرص للضغط على اليونان من اجل رفع ظلامتهم عن موارنة قبرص: " فانهم
يتصرفون كاسياد عليهم، ويبالغون بالبغض لنا لاننا نقدس مثل اللاتين، ونخضع
مباشرة للحبر الروماني ولاسباب اخرى".
________________________________________________
(1) انظر بشأن المراسلات
الاباتي بطرس فهد: بطاركة الموارنة واساقفتهم في القرن السادس عشر، ص 6-7.
(2) انظر مثلاً رسالة
البطريرك الى البابا بولس الثالث وجواب البابا في سنة 1542 (المرجع نفسه)
4. وكانت للبطريرك اتصالات بالحكام
الزمنيين لصالح الموارنة وجبل لبنان. ففي سنة 1527 كتب الى الامبراطور
الالماني شارل كان يدعوه للمساعدة في نيل الاستقلال وانتزاعه من ايدي
العثمانيين، واكّد له امكانية ارسال خمسين الف من الرماة المدربين احسن تدريب
للمساعدة في الحرب الاستقلالية"(3). نظراً لما للامبراطور من تقدير
لشخص البطريرك، اهداه بدلة جميلة لخدمة الاسرار الالهية.
وفي سنة 1550 ارسل البطريرك موسى
موفداً الى حلب لمقابلة السلطان سليمان خان الغازي للتخفيف من جباية
الاموال التي اصبحت مرهقة على دير قنوبين. فانفذ السلطان امراً همايونياً الى
قاضي طرابلس في سنة 1553 للنظر في الامور، ولكي لا يسمح لاحد بان يتعرض
للبطريرك الماروني بشيء البتة، ولكي يسهر على ان تبقى حقوق الطائفة المارونية
مرعية بنوع خاص، وان يعاقب بشدة من يتجاسر على مخالفة هذا الامر.
وفي سنة 1564 حصل البطريرك موسى
على امر من والي دمشق مصطفى باشا الى قاضي القدس ليسمع دعوى البطريرك
بشأن رفع يد الاقباط عن كنيسة مار جرجس التي استولوا عليها سنة 1561. وكان
البطريرك قد سافر الى القدس الشريف في السنة نفسها لهذه الغاية.
5. في عهده كان نزوح وانتشار
للموارنة انطلاقاً من بلدة جاج: فتوجّه آل الخازن الى عجلتون، وآل الجميّل
الى بكفيا، وآل كميد الى غزير، لان الامير منصور كان قد وطّد الامن والعدالة في
منطقته. كما نزح الموارنة الفلاحون من الشمال الى الجنوب فانتشرت الزراعة في
الجبال والقرى. تحالف الموارنة والدروز في الشوف والمتن لمحاربة الفساد
المستشري لدى باشوات الباب العالي، ولحصر ولايتهم على بعض المدن الساحلية من
لبنان. |
البطريرك مخايل الرزي (1567-1580)
|
عهد العثمانيين (1516-1918):
الحقبة ما بين 1567-1580
البطريرك مخايل الرزي (1567-1580)
البطريرك مخايل الرزي كان حبيساً
في محبسة دير مار انطونيوس قزحيا، وقد اعتزل رئاسة الدير وعاش في المحبسة منذ
سنة 1556. فانتخبه الاساقفة بطريركاً رغماً عنه باجماع الكلمة سنة 1567، لما
تميّز به من روح طيّبة وقداسة وتجرّد واندفاع في عمل الخير. وكان مشهوراً بفن
الخط وله مخطوط عن اعمال الرسل ورسائل القديس بولس محفوظ في مكتبة حلب
المارونية.
اهمّ ما امتازت به بطريركيته(1):
1. الصبر على مظالم الاتراك
العثمانيين واضطهاداتهم،
وقد احتل عساكرهم الكرسي البطريركي في قنوبين فور انتخابه، ونهبوه واستولوا على
مواشيه واملاكه، وعلى الاواني المقدسة. فارضاهم البطريرك بشيء من المال وردّ
املاك الكرسي. لكن ظلمهم رافقه طيلة مدة حبريته التي دامت 23 سنة.
2. علاقته مع الكرسي الرسولي
الروماني الذي تبادل معه الرسائل المختصة بعقيدة الموارنة الكاثوليكية
وتكريس الميرون واسرار المعمودية والتثبيت والقربان ودرجات القرابة الدموية
والاهلية المبطلة للزواج. وبذلك رفع التهم المزوّرة بحق الموارنة من جهة
اليعاقبة. وقد تزامن عهد بطريركيته مع حبرية البابا غريغوريوس الثالث عشر (
1572-1585). تجدر الاشارة الى براءة البابا المؤرخة في 14 شباط 1577، وجواب
البطريرك في 14 نيسان 1577 بشأن نقاط عقيدة الموارنة المنسجمة تماماً مع تعليم
الكنيسة الكاثوليكية. وكانت رسائل اخرى مماثلة من البطريرك سنة 1578 ومن
الاساقفة الموارنة سنة 1579. اجاب عليها البابا غريغوريوس ببراءة 18 ايلول
1579.
(1) الاباتي بطرس فهد: بطاركة
الموارنة واساقفتهم في القرن السادس عشر، صفحة 61-64.
3. قصادتان رسوليتان
(1578-1579؛ 1570-1582) تمتا بطلب ورضى والحاح البطريرك مخايل الرزي، وترأسهما
الراهب اليسوعي الاب خوان باتيستا اليانو ثم الاب اليسوعي ايرونيموس دنديني.
كانت الغاية منهما تسهيل الاتصالات بالكرسي الرسولي، وتثقيف الاكليروس
الماروني، وتثبيت العقيدة المارونية ونشرها طباعة، وحلّ بعض المسائل التهذيبية
والخلافية. فكانت النتيجة ان الموارنة حفظوا وديعة الايمان الكاثوليكي بين
المنشقين عن الكنيسة، وهم متحدون اتحاداً وطيداً بالكرسي الرسولي، ومجاهرون
بمحبتهم لخليفة بطرس ولمجمع الكرادلة، وصامدون بوجه الاتراك الذين يسودون عليهم
في جبل لبنان ويضايقونهم فيه وفي جزيرة قبرس. وكان حاكماً على جبلهم سيّد عربي
ينتسب الى مماليك مصر اسمه منصور.
بسبب التهم والتزوير ودسّ الشائعات
واضطهاد الاتراك، لم يصل درع التثبيت الى البطريرك مخايل الرزي، الذي سبق وطلبه
فور انتخابه من البابا بيوس الخامس ( 1566-1572)، وجدد طلبه باستمرار من خلفه
البابا غريغوريوس الثالث عشر، إلا في سنة 1580 قبيل وفاته. ففي 15 آب 1580
بمناسبة عيد انتقال السيدة العذراء بنفسها وجسدها الى السماء، وهو عيد الكرسي
البطريركي في قنوبين، جرى الاحتفال الكنسي المهيب بلبس درع التثبيت. وبعد شهر
كانت وفاة البطريرك في 21 ايلول 1580.
4. الطلب الى البابا غريغوريوس
الثالث عشر تاسيس مدرسة اكليريكية في روما لتعليم الاكليريكيين. لكن
التأسيس تمّ بعد وفاة البطريرك مخايل الرزي ببراءتين رسميتين الاولى في 31
كانون الثاني 1582 خصصت داراً رومانية قديمة في قلب العاصمة منزلاً للموارنة،
والثانية في 13 كانون الاول 1583 جعلتها مع كنيستها ملكاً للطائفة المارونية.
واصبحت في سنة 1584 مدرسة اكليريكية، أوقفت لها املاكاً لتأمين مداخيلها وسدّ
حاجاتها. |
البطريرك سركيس الرزي
(1580-1597) |
عهد العثمانيين (1516-1918):
الحقبة ما بين 1580-1597
البطريرك سركيس الرزي
(1580-1597)
كان اسقفاً حبيساً في محبسة دير
قزحيا في وادي قاديشا. انتخبه الاساقفة بطريركاً سنة 1580 بحضور القاصدين
البابويين اليانو وبرونو اليسوعيين، وطلبوا له درع التثبيت من البابا غريغوريوس
الثالث عشر، فمنحه اياه بالبراءة الحبرية المؤرخة في 31 اذار 1583. تميّز عهد
البطريرك سركيس الرزي بالاعمال التالية:
أ- انشاء مدرسة رومة
سنة 1584 على يد البابا غريغوريوس الثالث عشر قبيل وفاته سنة 1585. وقد
رتّب لها مدخولاً مناسباً خلفه البابا سيكستوس الخامس (1585-1591).
2. تثبيت عقيدة
الموارنة وتبديد الاتهامات والتزويرات بواسطة القاصد الرسولي الاب
ايرونيموس دنديني ومعاونه الاب غابيوس برونو وكلاهما يسوعيان، في عهد البابا
كليمنضوس الثامن (1592-1605) الذي كتب الى البطريرك بتاريخ 10 نيسان 1595 رسالة
امتدح فيها ايمان الموارنة الكاثوليكي واخلاصهم الممتاز للكرسي الرسولي. وقد
فنّد الاب دنديني التّهم المزوّرة التي أُلصقت بالموارنة(1).
3. حسن العلاقة مع
الامير فخر الدين الثاني الذي بدأ عهده سنة 1591، وكان يعيش قبل تولّيه
الامارة في بلّونه-كسروان لدى آل الخازن. فعيّن الشيخ ابا نادر الخازن مدبراً
لاموره في امارة بعقلين، بغية ازالة آثار التعصّب الطائفي، وتوحيد القوميات
المذهبية، وتأسيس قومية لبنانية موحّدة. ثم وسّع الامير فخر الدين الثاني سلطته
حتى ضمّت امارات اخرى.
4. عقد مجمع قنوبين
سنة 1596، بحضور القاصد الرسولي الاب ايرونيموس دنديني والاساقفة
والاكليروس والاعيان والمشايخ والمقدّمين وكثير من الشعب. فحدد هذا المجمع
العقيدة المارونية في 13 نقطة، ووضع مقرراته في 21 قانوناً(2).
دام المجمع يومين فقط
(18-20 ايلول 1591) خوفاً من الاتراك الذين كانوا قد شعروا بأن هناك اجتماعاً
كبيراً يعقد في وادي قنوبين، وعلى رأس المجتمعين مندوب بابوي غريب عن البلاد.
ولقد وضعت قوانين المجمع
حداً لبعض العادات الذميمة التي طرأت في بعض الاطراف المأهولة بالموارنة، إما
لجهل الكهنة، وإما لمجاورة المنشقين لهم واختلاطهم بهم. |
البطريرك يوسف الرزي
(1597-1608) |
عهد العثمانيين (1516-1918):
الحقبة ما بين 1597-1608
البطريرك يوسف الرزي (1597-1608)
البطريرك يوسف الرزي هو البطريرك
الثالث على التوالي من عائلة الرزي، وابن اخي البطريرك سركيس ورئيس محبسة دير
مار انطونيوس قزحيا واحد تلامذة المدرسة المارونية في رومة.
انتُخب في 4 تشرين الاول 1597
واظهر غيرة كبيرة على الاصلاح في حياة الكنيسة المارونية. نذكر من بين اعماله:
1) تطبيق مجمع قنوبين 1596:
ثبّت قوانينه وأضاف عليها ستة قوانين جديدة اقرّها في اجتماع عقده مع جميع
الاساقفة والقاصد الرسولي. تناولت هذه القوانين واجبات تختص بلبس الثياب
البيعية عند القيام بالشعائر الدينية، بالبتولية الكهنوتية وزواج الكهنة،
باللباس الاسقفي، بالكرازة والتعليم، وبالحصن الرهباني.
2) تثبيت العلاقة مع الكرسي
الرسولي: كانت للبطريرك مراسلات مع حبرين رومانيين هما كليمنضوس الثامن
الذي منحه درع التثبيت، والبابا بولس الخامس (1605-1621) الذي وصف في كتاباته
الموارنة " بالورد بين الاشواك في الشرق" (1).
(1) انظر رسالته لدى الاباتي
بطرس فهد: بطاركة الموارنة واساقفتهم، ص 146-147.
3. اعتماد الحساب الغريغوري
الجديد في روزنامة الاعياد سنة 1606.
4. تحسين العلاقة مع حاكم جبل
لبنان يوسف باشا بن سيفا الذي ساعد البطريرك في ضبط شؤون الكنيسة
المارونية، راداً الى الطاعة المخالفين، وبانياً دير القديس دوميط في داريا
الشمال، والجسر على نهر اهدن- كفرصغاب. |
|
|
|
|
البطريرك جرجس بن الحاج رزق الله البسبعلي
(1657-1670) |
البطريرك جرجس بن الحاج رزق الله البسبعلي(1657-1670)
تزامنت بطريركيته مع اواخر عهد المعنيين (1572-1697) من امبراطورية
العثمانيين (1516-1918).
1. تميز البطريرك جرجس الحاج رزق الله البسبعلي بلطف المعشر وسرعة
الخاطر والقدرة على اجتذاب قلوب الناس. وكان بارعاً في علم الحقوق الكنسية
وعلاّمة عصره، يجيد التكلم باللغات الشرقية ولاسيما منها اللغة التركية.
له ثلاث رسائل الى البابا اسكندر السابع (1655-1667) بعد
الرسالة التي طلب فيها درع التثبيت وارسلها في 17 كانون الثاني 1655، لكن
حاملها الاب يوحنا الكرملي توفي فور وصوله الى روما. ما اضطر البطريرك ان يراسل
من جديد بهذا الشأن.
في الرسالة الاولى (6آب 1658) التمس البطريرك مجدداً درع
التثبيت وارسال اربعة اوخمسة رهبان كرمليين للقيام باعمال روحية ورسولية في
لبنان، ومنح غفرانات للشعب الماروني، على غرار الاحبار السابقين.
في الرسالة الثانية
(12 تشرين الثاني 1658)، طلب البطريرك تدخّل قداسة البابا لاعادة السفينة
المسروقة من احد رجال مالطه الى صاحبها السيد كرم ميشال دهان الماروني المخلص
لطائفته.
في الرسالة الثالثة
(15 اذار 1559) شكر البطريرك قداسة البابا على منح الشيخ ابا نوفل الخازن وسام
فارس في الكنيسة الرومانية المقدسة، وعلى الكتب والكاسات والبدلات وسواها من
الاواني المقدسة للاحتفالات الطقسية.
2. في رسالة من احد الآباء الكرمليين بشأن طلب درع التثبيت سنة 1659، الى قداسة
البابا اسكندر السابع، نجد شهادة عن الموارنة وتقاليدهم في ذلك العهد. نقرأ
فيها:
"
الملّةالمارونية"
عريقة في القدم، وهي مسيحية كاثوليكية متمسّكة بكرسي رومة الرسولي وامينة
للكنيسة المقدسة. تعيش بين ملل وطوائف غير مسيحية ومحكومة منها. ومع ذلك لم
تبتعد قط عن اظهار الطاعة للحبر الاعظم والامانة الحقة. بطريركهم رجل
قديس وخادم لله غيور يعيش بكل تقوى الله. لا يأكل لحماً، ويصوم كثيراً ويضحي في
سبيل رعيته ويسعى لاعانة أفرادها وتخليصهم من بين براثن أعدائهم، اذ حكمهم رجل
ظالم غير مسيحي من حزب المتوالة وقد ألقى الذعر في قلوبهم وخاصة الفقراء
والمساكين منهم، وسلبهم اموالهم، وهي قليلة، واغراضهم واثوابهم. والذين لم يكن
لديهم اموال، باعهم كالعبيد. وقد اضطر بطريركهم ليستفك اولاده وبناته، لئلا
يسقطوا في الضعف وينكروا ايمانهم، الى انفاق كل ما كان لديه من اموال في
البطريركية حتى انه اعطاهم لباسه وكل السجاد الذي كان في المقام البطريركي
ليعيدهم الى بيوتهم. وقد اضطر هو نفسه مرتين الى الهرب من امام الاتراك، لئلا
يمسكوه ويهينوه ويقتلوه، وقد نهبوا مقامه في السابق مرتين. والموارنة
اولاده المخلصون، اذ رأوه في هذه الورطات متمرغاً رغماً عنه، هربوا من امام
الاعداء في الوديان والغابات، وتركوا بيوتهم الوادعة وهاموا على وجوههم(1).
3. توفي البطريرك جرجس الحاج البسبعلي بدءاً السّل
في 12 نيسان 1670 في دير مار شليطا مقبس (غوسطا-كسروان)، ودُفن فيه بعيداً عن
كرسيه في دير سيدة قنوبين. لم يتمكن الاساقفة والاعيان من عقد مجمع لانتخاب
بطريرك جديد في اليوم التاسع، كما كانت العادة، بسبب تفشي داء السّل، وكان
مصاباً به وكيل دير سيدة قنوبين القس انطونيوس الرزي، ومات في الكرسي
البطريركي. فانعقد المجمع في اوائل ايار 1670 وانتخب خلفاً له المطران اسطفان
الدويهي. |
Estefan
Duwayhi (1670-1704)

|
المكرم
البطريرك اسطفان الدويهي
(1670-1704)
1.
شخصيته
انه الملقب " بابي التاريخ الماروني واللبناني" و " باعظم شخصية
مارونية" علماً وعملاً. كتب عنه مترجم حياته المطران بطرس شبلي: " صار
بتواريخه مبدع تواريخنا، وبمنائره منارة اعتقادنا، وبجهاده ونزاهته مثال
الرؤساء" (1). وكتب الدكتور جورج هارون: " ان ما قام به " ابو التاريخ
اللبناني" من قول وفعل يؤلف نظاماً فكرياً، دينياً وزمنياً، روحياً ووطنياً، ما
زال يُعمل بالكثير منه، وما برح يشكل نواة لايديولوجية شعب باسره" (2). وقال
عنه الاب ميشال الحايك انه " اجمل شخصية مارونية في كل الازمنة. بفضله نستطيع
الكلام عن التاريخ والليتورجيا. انه خارق واستثنائي في قدرته على العمل، وقداسة
حياته، وسعة معارفه، وامانته لله وللكنيسة. لقد قام طوال بطريركيته، باصلاح
جذري هو
___________________________________________________________________
(1) المطران شبلي: اسطفانوس بطرس الدويهي بطريرك انطاكية: منشورات الحكمة
II
1970،ص 208.
(2) الدكتور جورج هارون: اعلام القومية اللبنانيبة،2، اسطفان الدويهي،ص 23.
قدوة في الامانة الى الماضي وفي الانفتاح على المستقبل" (3). واضاف: انه باحث
ومنقّب في مخطوطات رومة وحلب وقبرس ولبنان. كان مهيئاً بالمحبة والغيرة
الراعوية، بالعلم والقداسة، لكل مقتضيات الساعة وكل ساعة. كمدافع، دافع
عن الكنيسة المارونية ضد متهميها، وككاثوليكي عمل للقضية المسكونية
ولاسيما بشأن وحدة الكنيسة السريانية الكاثوليكية مع روما، وكبنّاء كبير
بنى ودشن العديد من الكنائس، وكقديس اشتهر بقداسته وعجائبه (4). واعتبر
المطران انطوان حميد موراني ان البطريرك الدويهي هو مكوّن " الوجدان
التاريخي" الواضح الخطوط والفاعل في حياة شعب وتاريخه، دون ان يكون للتاريخ
شأن كبير في صوغ هذا الوجدان (5).
2. مؤلفاته
من حين انتخابه بطريركاً راح ينقّح الكتب الطقسية ويرتّب العوائد ويكتب.
بدأ بكتاب الرسامات المعروف " بالشرطونية"، اعاد رونقها وشرحها ووصف جميع
الدرجات المقدسة ومعانيها. وجمع في مجلد واحد " رتبة تكريس الكنائس".
ونقّح " "رتبة لبس الاسكيم الرهباني وتكريس الرهبان والراهبات"، هو الذي
بارك وقبل تأسيس الرهبانية المارونية في جبل لبنان سنة 1695، وقد اصبحت حالياً
الرهبانية المارونية المريمية والرهبانية اللبنانية المارونية. وجمع "النوافير
المارونية". ومن اهم كتبه الطقسية " منارة الاقداس" وهي عشر منائر
تكلم فيها عن كل ما يتعلق بخدمة سرّ القربان. ونذكر من مؤلفاته الطقسية:
الالحان السريانية، الجنازات، الرتب الكنسية التي تقام في الاعياد
الكبيرة.
ومن تصانيفه التاريخية نذكر: " سلسلة البطاركة الموارنة" وفيها
اسماؤهم ولمحة مختصرة عن حياتهم واعمالهم، و" تاريخ المدرسة المارونية في
رومة" المؤسسة سنة 1584 وفيه مختصر عن الذين درسوا فيها، وتاريخ الازمنة، والمختصر في اصل الموارنة وثباتهم في الامانة وصيانتهم من كل بدعة
وكهانة، وتاريخ الاحتجاج (6).
كان البطريرك اسطفان الدويهي يطوف في جبل لبنان، متفقداً الموارنة، فسام كهنة
وكرّس 35 كنيسة في الشمال وكسروان والمتن والجنوب (7)، ورسم 14 مطراناً في مدة
بطريركيته التي دامت 34 سنة.
3.
اضطهاده ومعاناته
في سنة 1675، بعد خمس سنوات من انتخابه، هرب من قنوبين الى دير مار شليطا مقبس
(غوسطا) من جور وظلم ونهب مشايخ آل حماده المتاولة للكرسي البطريركي واملاك
الموارنة، وكان في حمى الشيخ ابي نوفل الخازن. وراح يتفقد الموارنة ويشجعهم في
مناطق فتوح كسروان وجبيل.
في سنة 1683 غادر الى مجدل المعوش، لان بعد وفاة الشيخ ابي نوفل (12 آب 1680)
كان بعض مشايخ آل الخازن يتدخلون بشؤون الطائفة الروحية، وسعوا بالرشوة الى
رسامة اساقفة.
في سنة 1685 عاد الى كرسيه في دير قنوبين بعد ان اعتذر منه مشايخ آل حماده
وابدوا استعداداً للتعويض عما صدر عنهم من مساوىء.
ولكنه عاد فهرب الى كسروان سنة 1695 من جورهم، وقد نكثوا بالعهد.
فجارواعلى البطريرك بدفع الاموال الاميرية ظلماً، وتعدّوا على خدام الكرسي. رفع
البطريرك امره الى ملك فرنسا لويس الرابع عشر بكتاب مؤرخ في 20 اذار 1700
ليتوسط لدى الباب العالي لرفع التعديات عن البطريركية والطائفة المارونية. ففعل
الملك كما يبدو من جوابه الى البطريرك في 10 آب 1701. ومن بعد ان توسط مشايخ آل
حماده عند اعيان البلاد لاقناع البطريرك بالعودة الى قنوبين وكتب اليه ارسلان
باشا متعهداً له بمنع كل اذى وباحلال العدل والامان، عاد البطريرك الى قنوبين.
________________________________________________
(3) الاب ميشال الحايك: الليتورجيا المارونية (بالفرنسية) ص، 50-51.
(4) المرجع نفسه،ص 50-52.
(5) الاب حميد موراني: الوجدان التاريخي الماروني، بيروت 1681،ص 11.
(6) الاباتي بطرس فهد: بطاركة الموارنة واساقفتهم القرن 17،ص 228-231.
(7) انظر لائحة منها في المرجع نفسه ص 185-186
ولكن في 24 كانون الثاني 1704 غادر مجدداً قنوبين الى غزير لدى المشايخ آل
حبيش، بعد ان تعدى عليه آل حماده وقد جاؤوا قنوبين وطالبه كبيرهم حاكم الجبه
عيسى حماده بمبلغ من المال باهظ وظالم. واذ لم يلبِّ البطريرك طلبهم غضب عيسى
حماده ولطمه على وجهه فوقعت عمامته عن راسه الى الارض، واوشك البطريرك ان يسقط
على الارض لو لم يستند الى الحائط، واوسعه عيسى شتماً واهانة. فاحتمل البطريرك
كل ذلك بصبر ولم يتفوّه بكلمة مسيئة. اقام في غزير اربعة اشهر ثم انتقل الى دير
مار شليطا مقبس حيث قضى اربعة اشهر تقريباً.
في 19 نيسان 1704 عاد الى قنوبين بعد ان كتب اليه والي طرابلس والامير بشير
الاول شهاب مستنكرين ما انزل به الشيخ عيسى حماده، وقدموا له الضمانات. وصل الى
قنوبين في 26 نيسان وتوفي في 3 ايار 1704 (8). |
البطريركط جبرايل البلوزاني
(1704-1705) |
البطريركط جبرايل البلوزاني
(1704-1705)
تزامنت بطريركيته مع العهد الشهابي (1698-1842) الذي اقتدى حكمه بخطة التساهل
التي نهجها المعنيون. فتقرّب الشهابيون السنّة من الموارنة وتعاونوا معهم.
ونجحوا في الحفاظ على اتحاد الشعب اللبناني بمختلف عناصره، ولاسيما الدروز
والموارنة، الذين كانوا يؤلفون الطائفتين الاساسيتين في البلاد. وقد قبل العماد
عدد من آل شهاب وانتموا الى الكنيسة المارونية بدءاً من اولاد الامير ملحم
(1732-1754) فالامير يوسف (1770-1788) والامير قاسم والد الامير بشير الشهابي
الثاني الكبير (1788-1840) الذي نال المعمودية في كنيسة سيدة الابراج في غزير،
عند مولده.
انتُخب البطريرك جبرايل البلوزاني
في دير مار شليطا مقبس-غوسطا صباح عيد العنصرة. لم يجتمع المطارنة والاعيان في
كرسي قنوبين هرباً من جور آل حماده المتاولة الحاكمين، ومن عوامل الارهاب
والرشوة(1).
أجمع الكل على ان انتخابه كان بالهام من الروح القدس. ونقرأ في رسالة طلب
التثبيت والدرع المقدس، التي وجهها في اول آب 1704 الى البابا اكليمنضوس الحادي
عشر (1700-1721)، الاساقفة ومشايخ آل الخازن وحبيش والعاقوي المشاركون في
الانتخاب، ما يلي: " بعد الصلاة واستلهام الروح القدس انتخبنا المطران جبرايل
البلوزاني بطريركاً انطاكياً على ملّتنا المارونية، لانه الاكبر منا عمراً
والاقدم وظيفة لانه عاش في الاسقفية اربعين سنة عيشة ممدوحة وممارساً العادات
الحسنة المقدسة والعدالة الاجتماعية الممدوحة"(2).
اجاب البابا كليمنضوس ببراءة التثبيت ودرع الشركة بتاريخ 10 حزيران 1705، وارسل
الى البطريرك 24 صندوقاً تحوي كتباً طقسية مارونية مطبوعة في رومه، وآنية كنسية
وثياباً بيعية.
من مآثر البطريرك جبرايل البلوزاني،
قبل انتخابه وكان بعد مطران حلب، تشييد دير سيدة طاميش سنة 1673، وتأسيس
رهبانية مار اشعيا المعروفة بالانطونية المارونية سنة 1700.
توفي البطريرك فجأة في عيد جميع القديسين، اول تشرين الثاني 1705، عن اربع
وسبعين سنة، بعد سنة وستة أشهر من ولايته. دفن في مغارة القديسة مارينا في
قنوبين. |
|
حقبة الامارة الشهابية (1697-1742)، من عهد العثمانيين الاتراك (1516-1918).
في هذه الحقبة ظلّ لبنان والبطريركية المارونية ضمن دائرة الحكم الذاتي المحلي،
تجنباً للخضوع المباشر لحكم السلطة العثمانية. ما قضى بتوحيد جميع الاراضي
اللبنانية في شخص الامير اللبناني الذي له ان يحكم البلاد ويجبي الضرائب، ويقضي
بين الناس، ويقف عند مشورة الاعيان في الامور التي تعود للخير العام. اما سلطة
البطريرك الماروني فكانت تمتد احياناً الى الامور الزمنية. وكان بين الموارنة
من يتمتع بلقب " امير". هؤلاء يتحدرون من عائلات معروفة، ويديرون شؤون الامّة
المارونية من خلال "مجلس امراء الامّة"، ولكن بالخضوع للحكم العام في المنطقة،
اي حكم الشهابيين
وكان البطاركة يدعون الى مجامع
تنظم شؤون الموارنة الروحية والاجتماعية وعلاقتهم بالحكم السياسي، وتدافع عن
حريتهم العقائدية واستقلالية كينونتهم.
|
البطريرك يعقوب
عواد
(1705-1733) |
البطريرك يعقوب
عواد
(1705-1733)
هو ابن الخوري يوحنا
عواد الحصروني، تلميذ المدرسة المارونية في روميه، وامين سرّ البطريرك اسطفان
الدويهي، مشهور بفصاحته ومهارته في تعاطي الاعمال البطريركية، ونباهته في
الامور السياسية. انتخب في دير سيدة قنوبين في 5 تشرين الثاني 1705، خلفاً
للبطريرك جبرايل البلوزاني، وكان عمره 40 سنة. فدامت رئاسته 28 سنة.
صبر على الذل والظلم
عندما حطّه مجمع المطارنة المنعقد في دير ريفون بكسروان سنة 1710، وانتخب مكانه
المطران يوسف مبارك الريفوني. لكن البابا اكليمنضوس الحادي عشر ارجع البطريرك
يعقوب منصوراً الى كرسيه في قنوبين سنة 1714. فاطاع الموارنة امر البابا في
الحال وبكل احترام.
في عهد بطريركيته
وتحديداً في خلال سنة 1715 بدأت المطالبة بعقد مجمع لبناني من اجل الاصلاح
الشامل مع الاب العام عبدالله قراعلي، الذي تابع المسعى بعد ترقيه الى
الدرجة الاسقفية، بالتعاون مع العلامة المونسنيور يوسف سمعان السمعاني، حافظ
المكتبة الفاتيكانية. |
Joseph D. El
KHAZEN (1733-1742)

|
البطريرك يوسف ضرغام الخازن (1733-1742).
هو في الاساس الشيخ
ضرغام الخازن ابن فياض ابن ابي نوفل نادر الخازن. كان رجل بطش وقوة. كان
متزوجاً وله ولد. بعد وفاة زوجته دخل سلك الكهنوت في ريفون، ودعي " يوسف" واصبح
اسقفاً على غوسطا، وعُرف بغيرته ونشاطه. انتُخب بطريركاً برفع الايدي والصوت
الواحد، من دون اقتراع سرّي، بسبب بعض الرشوة، وخوفاً من السقوط في التأديبات
الكنسية، وذلك في 28 شباط 1733. منحه البابا اكليمنضوس الثاني عشر درع التثبيت
ببراءة مؤرخة في 18 كانون الاول 1733.
أهم ما جرى في
عهده
1. تسليم مدرستي
عينطوره وزغرتا الى الآباء اليسوعيين. فمدرسة عينطوره أسسها الاب
اليسوعي بطرس مبارك الريفوني، ووكل تدبيرها الى المرسلين اليسوعيين. هؤلاء
استضافهم الشيخ ابو نوفل الخازن سنة 1652 وامر ببناء ببيت ومعبد لهم في هذه
القرية. تسلّم رئيس الرهبانية اليسوعية صكّها الشرعي في 27 شباط 1743. ولكن بعد
ان حُلّت جمعية الآباء اليسوعيين سنة 1773، تحولّت اديارهم الى الآباء
اللعازريين. وفي سنة 1792 تسلّموا المدرسة بدعوى.
اما مدرسة زغرتا
فأنشأها المطران جريس يمين الاهدني، وأوكل تدبيرها الى الآباء اليسوعيين في 10
كانون الاول 1735. وهذه ايضاً تحوّلت بدعوى الى الآباء اللعازريين بتاريخ 28
نيسان 1843.
2. انعقاد المجمع
اللبناني
في دير سيدة اللويزه-زوق مصبح في 30 ايلول سنة 1736، وكان حاضراً فيه 109 اشخاص
ما عدا السيد البطريرك والقاصد الرسولي العلامة يوسف السمعاني. تألف الحضور من
12 مطراناً مارونياً و4 اساقفة ارمن وسريان ورئيسان عامان و8 مدبرين و10 رهبان
من الفرنسيسكان واليسوعيين والكبوشيين والكرمليين و24 راهباً وكاهناً موارنة
و30 شخصاً من آل الخازن و12 من آل حبيش و7 من وجهاء الشعب الماروني. وقد كانت
كل نصوصه مهيأة على يد العلامة المونسنيور يوسف السمعاني.
انه اكبر المجامع
المارونية واهمها، وهو حتى ايامنا دستور الطائفة المارونية، وقد مثّل دوراً
خطيراً في تاريخ الشرق المسيحي من ناحية الاصلاح والتنظيم الكنسي. ثبّته البابا
بندكتوس الرابع عشر بنصه اللاتيني الذي طبع سنة 1820 في رومية. اما النسخة
العربية فطبعت لاول مرة سنة 1788.
وانطلقت ورشة تطبيق
هذا المجمع في كل مضامينه في اقسامه الاربعة: الايمان الكاثوليكي، الاسرار
وكيفية الاحتفال بها، البطريرك والاساقفة والاكليروس، الكنائس والاديار
والرهبان والراهبات والاخويات والفروض الالهية والمدارس، فضلاً عن بعض
الترتيبات المجمعية.
3. تجديد حماية
فرنسا للموارنة
من الملك لويس الخامس عشر في 12 نيسان 1737، من بعد ان كان قد جددها والده لويس
الرابع عشر في 28 نيسان 1649، على اساس الحماية الاولى التي ووضعها القديس
الملك لويس |
|
|
البطريرك سمعان عواد
(1743-1756)
|
البطريرك سمعان عواد
(1743-1756)
هو من بلدة
حصرون وابن اخي البطريرك يعقوب عواد، وتلميذ المدرسة المارونية في رومية. بعد
وفاة سلفه المطران يوسف ضرغام الخازن في دير مار سركيس ريفون ودُفن في كنيسة
مار الياس بغوسطا، انتخبه اساقفة الطائفة والحكام والمشايخ والاعيان وبعض الشعب
في مدرسة عين ورقة. فرفض قبول الانتخاب زهداً وتعففاً وتورعاً. فانتخبوا مكانه
المطران الياس محاسب الغسطاوي. اعترض المطران طوبيا الخازن الذي كان غائباً
وادعى انه لم يتبلّغ الدعوة الى الانتخاب. ثم رقّى مع اسقف من طائفة السريان
الكاثوليك راهبين من دير سيدة اللويزه الى الدرجة الاسقفية. وانتخبوه بطريركاً
جديداً.
رُفع الامر
الى البابا بندكتوس الرابع عشر ( 1740-1758) فأبطل انتخاب البطريركين الياس
محاسب وطوبيا الخازن، واقام سمعان عواد بطريركاً ببراءة رسولية مؤرخة في 16
اذار 1743
.
في سنة
1745 غادر البطريرك كرسيه في دير قنوبين بسبب الاضطهادات التي كان يحدثها
الاتراك والمتاولة حكام تلك المنطقة، وتوجه الى الجنوب وسكن في دير مشموشه قرب
جزين الذي بناه. ما سهّل عليه الاتصال بامير لبنان والتعاون معه لخير البلاد.
من اهم
انجازاته
1. توجيه رسالة
الى ملك فرنسا في 3 تشرين الثاني 1749 موقّعة منه ومن المطارنة، يطلب اليه
مساعدة رهبانية مار انطونيوس الكبير المعروفة باللبنانية، بشخص رئيسها العام
ارسانيوس عبد الاحد الحلبي، " لان لها احد عشر ديراً تحت يد الاسلام والامم
ترتّب عليها مال ميري زائد يفوق القوة. وبعض من هذه الاديار نهبها مرات عدة
عسكر الاسلام".
2. توجيه
رسائل مع الاساقفة الى قداسة البابا ومجع نشر الايمان في سنة 1752، احتجاجاً
على الآباء اليسوعيين الذين يشوهون حقيقة رهبنة قلب يسوع للراهبة هندية طالبين
تثبيت قوانينها.
3. عقد
ثلاثة مجامع مارونية لتطبيق المجمع اللبناني (1736):
الاول،
في دير بقعاتة كنعان بكسروان في 12 ايلول 1744.
الثاني،
في دير
مشموشه في 10 نيسان 1747.
الثالث،
في دير
قنوبين في 28 تشرين الثاني 1755.
لقد أجمع
المؤرخون على ان البطريرك سمعان عواد أوجد الاستقرار والامن في الطائفة،
وراح يتفانى في حراثة كرم الرب، دونما تعب في سبيل نفع شعبه، واقتياده الى
المراعي الخلاصية، وحمايته من الضلال والاثم، مكدّاً بالوعظ والانذار والتعليم.
كانت وفاته
في دير سيدة مشموشه في 12 شباط 1756؟ |
Tobia EL KHAZEN
(1756-1866)

|
البطريرط طوبيا
الخازن
(1756-1766)
كان انتخابه في 28
شباط 1756 في دير مار يوسف عينطوره الذي كان يومها في عهدة الآباء اليسوعيين.
ثبتّه في الانتخاب البابا بندكتوس الرابع عشر في 30 نيسان 1757 ومنحه درع
التثبيت.
البطريرك طوبيا
الخازن كان من المطارنة الذين كانوا في المجمع اللبناني (1736). هذا المجمع
نظّم العلاقة بين الكنيسة المارونية والسلطة المدنية ولاسما "جماعة الحكم
المدني الماروني، في اطار الامارة الشهابية (1697-1842) في العهد العثماني
(1516-1918). اهم ما جاء في هذه العلاقة: احترام الاكليريكيين وضمان حقوقهم،
المحافظة على حرية الكنيسة في المعتقد والممارسة والعبادة، منع المسلمين من
دخول الكنائس ومن اعتقال متهمّين في داخلها، ومن محاصرة المراكز الكنسية على
اختلاف انواعها، المعاملة العادلة للموقوفين، التهديد بالحرم الكبير لمن يسنّ
شرائع تقمع الحرية الكنسية.
مارس البطريرك طوبيا
الخازن مسؤولياته من ضمن قواعد هذه العلاقة. وساس الكنيسة المارونية بكل غيرة
ونشاط باذلاً الجهود والتضحيات، ولقى العضد من نفوذ عائلته آل الخازن لما لها
من ايادٍ بيضاء على الطائفة المارونية وسائر الطوائف المسيحية.
في عهده بدأ انقسام
رهبانية مار انطونيوس المعروفة باللبنانية سنة 1760 الى رهبانيتين: البلدية
التي اصبحت اليوم " اللبنانية المارونية"، والحلبية التي اصبحت "المريمية
المارونية". وقد عمل جاهداً على عدم قسمتها من دون جدوى بسبب اختلاف العقلية
والتطوّر العلمي بين اللبنانيين والحلبيين،
الى ان ثبّت الكرسي الرسولي هذه القسمة سنة 1770.
توفي البطريرك طوبيا
الخازن في عجلتون في 19 ايار 1766، ودفن في كنيسة السيدة الخاصة بالعائلة
|
البطريرك يوسف اسطفان
(1766-1793) |
البطريرك يوسف اسطفان
(1766-1793)
هو ابن الخوري جرجس اسطفان
من غوسطا، وله اربعة اخوة
سلكوا كلهم طريق الكهنوت ومن بينهم شقيقه المطران بولس. وكان له عم مطران. درس
في مدرسة روميه. وكان انتخابه بطريركاً في 9 حزيران 1766، فثبّته البابا
اكليمنضوس الثالث عشر ( 1756-1769) في نيسان 1767).
دامت ولايته 27 سنة.
سكن في دير سيدة قنوبين، لكنه اضطر
الى مغادرته قاصداً كسروان، بسبب مظالم الحكام. فجعل دير مار يوسف الحصن مقراً
له، واقام فيه كل ايام حياته.
صبّ البطريرك جهده
على ايفاء الديون المترتبة على الكرسي البطريركي وتنظيم الشؤون الكنسية وعقد
مجمع طائفي.
1. بشأن الديون كتب الى مجمع نشر
الايمان طالباً وساطة قداسة البابا لدى ملك فرنسا لتسديد الديون المترتبة على
الكرسي البطريركي في قنوبين الذي دُمّر وخربت ارزاقه، وترتبت عليه اكلاف ميرة
وظلم ومصاريف.
2.بالنسبة الى تنظيم شؤون
الكنيسة، كتب البطريرك الى مجمع نشر الايمان طالباً تثبيت المطالب المختصة
بتنفيذ احكام المجمع اللبناني، وهي تتعلق بالابرشيات ومطارنتها والرهبان
والراهبات. فاثبتها البابا ببراءة في 2 آب 1767.
3. اما المجمع الطائف
فعقده البطريرك في دير مار يوسف الحصن بغوسطا من 16 الى 21 ايلول 1768 بحضور
قاصد رسولي لتنفيذ المطالب المذكورة التي اثبتها الحبر الروماني. وأصدر قانوناً
يتعلّق بالولاة المدنيين، يضع حداً لتدخلهم في الشؤون الكنسية، دفاعاً عن
استقلالية الكنيسة وحريتها في ادارة شؤونها, اثبت الكرسي الرسولي هذا المجمع في
11 كانون الاول 1769، في احكامه المتوافقة مع رسوم المجمع اللبناني واهمل تلك
المتباينة معها.
واجهت البطريرك يوسف اسطفان احداث
حالت دون امكانية ما كان يصبو اليه بغيرته النهضوية. نذكر منها:
1) قسمة الرهبانية الى بلدية
وحلبية، وتثبيتها من البابا اكليمنضوس الرابع عشر (1769-1774) ببراءة مؤرخة في
19 تموز 1770، من بعد ان فشلت كل المحاولات للحؤول دون اجراء هذه القسمة.
2) المظالم والتعديات التي كانت
تتعاظم في لبنان وقبرص وحلب على يد المنشقين عن الكنيسة الكاثوليكية والحكام
المسلمين. كتب البطريرك عنها الى ملك فرنسا لويس الخامس عشر، طالباً الحماية في
13 حزيران 1767، والى الكرسي الرسولي في 2 كانون الثاني 1771.
3) قضية الراهبة هندية وجمعيتها،
وقد شغلت الطائفة المارونية والكرسي الرسولي.
4) تحامل بعض المطارنة والرهبان
على البطريرك وعقد مجمع وترتيب شكاوى ضد البطريرك رفعوها الى الكرسي الرسولي في
29 تشرين الاول 1769 والامير يوسف شهاب.
وهي احداث دامت من سنة 1769 حتى 1762، وشلّت عمل البطريرك بالكلية.
5) الطلب من قبل الكرسي ان يسافر
البطريرك الى رومية لبحث موضوع الشكاوى. وفيما كان مسافراً عن طريق حيفا وتوقف
في دير الكرمل بسبب مرضه الشديد، عقد النائب البطريركي ميخايل الخازن والقاصد
الرسولي مجمعاً طائفياً في دير سيدة ميفوق في 21 تموز
1780 دام خمسة ايام. لكن المطارنة الثلاثة الذين لم يحضروا كتبوا رسائل احتجاج
الى الكرسي الرسولي، وكذلك فعل البطريرك وكانت اجوبة.
بعد عودة البطريرك، وقد غاب عن
البطريركية اربع سنوات (1780-1784)، عقد مجمع شقيق قرب وطا الجوز في 6
تموز 1787، حضره المطارنة والرؤساء العامين والاكليروس ومشايخ آل الخازن وحبيش
والدحداح والحواقل وبيطار والخوري وصالح والشلفون وجرجس باز وغيرهم. لم يثبّته
الكرسي الرسولي لان بعض احكامه مجحفة بحرية الاساقفة وحقوقهم. فأمر بعقد مجمع
آخر، عقده البطريرك في بكركي في 13 كانون الاول 1790، وهو من اهم المجامع
المارونية بعد المجمع اللبناني الشهير. كانت الغاية منه تطبيق اعمال هذا
المجمع، وتقرر فيه تعيين دير بكركي كرسياً بطريركياً. ثبّت الكرسي الرسولي
اعماله. أما قرار جعل دير بكركي كرسياً بطريركياً فقد ثبّته الكرسي الرسولي في
10 حزيران 1793.
ثم كتب البطريرك الى ملك فرنسا
لويس السادس عشر طالباً منه ان يمنح الشيخ غندور سعد الخوري قنصلة بيروت،
جزاء الخدم والمساعي الحسنة التي بذلها في سبيل الطائفة وانجاح مجمع شقيق (وطا
الجوز)، وان يجدد الحماية للطائفة المارونية. فلبّى الملك طلب البطريرك المزدوج
بفرمان عال في 4 آب 1887.
وفي سنة 1789 حوّل البطريرك دير
عائلته مار انطونيوس عين ورقه، الذي كان للعبادات، الى مدرسة اكليريكية للطائفة
المارونية، بعد التشاور مع اخيه المطران بولس اسطفان وافراد عائلته، وذلك بطلب
ملّح من قنصل فرنسا في بيروت الشيخ غندور سعد الخوري، نظراً لحالة الكهنة
الثقافية الضعيفة.
توفي البطريرك يوسف اسطفان في دير
مار يوسف الحصن مقرّه البطريركي في غوسطا، وله من العمر 64 سنة، ودُفن في كنيسة
الدير. |
البطريرك مخايل فاضل
(1793-1795) |
البطريرك مخايل فاضل (1793-1795)
انتُخب في 10
ايلول 1793، وكان مطراناً نائباً بطريركياً ثم مطراناً على بيروت منذ سنة 1763،
كتب الى البابا بيوس السادس في اول تشرين الاول 1793 طالباً التثبيت ودرع
الشركة. لكن المعتمد البطريركي وصل الى رومية بعد وفاة البطريرك التي حصلت فجأة
في 17 ايار 1795 في دير مار يوحنا المعمدان حراش حيث دُفن جثمانه. لكن البابا
احصاه في مصاف البطاركة في الخطاب الذي القاه في 27 حزيران 1796 في مجمع
الكرادلة. " بما ان الزمان لم يسمح لنا بان نمنحه درع التثبيت وهو حي، فاننا
نمنحه اياه وهو ميت. ونريد ان يُحصى في سلسلة بطاركة الموارنة، ولو حرمته
المنية قبول زينة درع الرئاسة".
سُمّي
البطريرك مخايل فاضل " كوكب الشرق" لوفرة علومه ومعارفه وعمق غيرته.
دامت حبريته سنة وثلاثة اشهر خدم خلالها طائفته بغيرة واخلاص.
عندما كان مطراناً
على بيروت ناله اعتداء من والي صيدا احمد باشا الجزّار الذي تولاها سنة 1776.
هذا استولى فيما بعد على مدينة بيروت التي كانت تحت حكم الامير يوسف شهاب. كان
يومها المطران مخايل فاضل يقيم في دير مار يوحنا حراش. فأمر الجزار والي بيروت
بان يُخضع الكنيسة لولايته، خلافاً للقوانين والاعراف الكنسية التي تؤكد
استقلالية الكنيسة وحريتها في تدبير شؤونها، وفقاً لاحكام المجمع اللبناني
ومجمع البطريرك يوسف اسطفان في دير مار يوسف الحصن سنة 1768. طلب الوالي من
المطران مخايل فاضل ان يقيم داخل نطاق ابرشيته وتحت ولايته، فرفض الطلب. اما
الجزار فاصدر مرسوماً يمنعه من العودة الى ابرشيته، ويأمر البطريرك يوسف اسطفان
باقامة مطران جديد مكانه، طالباً منه بحزم " الخضوع لأوامره الشريفة"، ومهدداً
بتحويل كنيسة مار جرجس بيروت الى مسجد، ان لم ينفذ البطريرك اوامره، عرض
البطريرك القضية على المطارنة والكهنة ومشايخ آل الخازن، فقرّ الرأي على تلبية
امر الوالي. وفي 11 تشرين الاول 1779 رسم القس يوسف نجيم اسقفاً على ابرشية
بيروت. بعد الرسامة، اصدر احمد الجزار مرسوماً يأمر به كهنة ابرشية بيروت
وابناءها بالخضوع للاسقف الجديد. غير ان المطران مخايل فاضل اعترض ورفع تظلّماً
الى الكرسي الرسولي الذي أبطل التدبير واعاد المطران الاصيل الى ابرشيته |
البطريرك فيليبس الجميل
(1795-1796) |
البطريرك فيليبس الجميل
(1795-1796).
معه ومع
سلفه البطريرك مخايل فاضل (1793-1795) تنتهي سلسلة البطاركة الموارنة في القرن
الثامن عشر. ولايتان فصيرتان جداً دامتا ثلاث سنوات.
البطريرك
فيليبوس الجميل من مواليد بكفيا وكان مطراناً على ابرشية قبرس. انتُخب بطريركاً
في دير سيدة بكركي في 13 حزيران 1795. وبعد ثلاثة ايام كتب الى الحبر الاعظم
يطلب تثبيته ودرع التثبيت، فمنحه اياه في 27 حزيران 1796، لكن الدرع والبراءة
الحبرية بالتثبيت لم يصلا اليه إلا بعد وفاته التي عاجلته في 12 نيسان 1796 في
دير بكركي حيث دُفن جثمانه .
فكانت مدة رئاسته عشرة اشهر فقط.
كان
البطريرك غيوراً وتقياً، يعتني بابناء كنيسته ويسهر على خلاص نفوسهم، كما يظهر
من منشور رعائي اذاعه على ابناء ابرشيته عندما كان مطراناً على قبرص.
وقد سبق
وعرض على الكرسي الرسولي اثناء بطريركيته نقاطاً كان قد عرضها سلفه البطريرك
مخايل فاضل. فاتى جواب رئيس مجمع تبشير الشعوب مؤرخاً في 9 آب 1796، وكان آنذاك
قد انتخب البطريرك يوسف التيان في 28 نيسان 1796 الذي ثبّته البابا بيوس السادس
في 24 تموز 1797. تتعلق النقاط بشؤون بطريركية واسقفية ورهبانية وتهذيبية
وحقوقية |
Youssef
Tayan
(1796-1808)

|
البطريرك يوسف التيّان
(1796-1809)
هو من مواليد بيروت في 5 اذار
1760، ومن تلامذة المدرسة المارونية في رومية (1584). عالم في اللاهوت والتاريخ
الكنسي، مشهور بالفضيلة والتقوى والوعظ، مع ميل نحو العيشة النسكية. رقي الى
درجة الكهنوت بعمر 23 سنة، والى الدرجة الاسقفية بعمر 26 سنة. انتُخب بطريكاً
في دير سيدة بكركي في 28 نيسان 1796، وهو بعمر 36 سنة، واستقال بعد 13 سنة وله
من العمر 49 سنة. ثبتّه في البطريركية ومنحه درع التثبيت البابا بيوس السادس في
24 حزيران 1797. وكان يحكم لبنان الامير بشير الثاني الكبير، ودام حكمه 52 سنة
من عام 1788 الى 1840.
تميّز البطريرك يوسف التيّان
بالغيرة على الايمان الكاثوليكي والوحدة فيه، فتصدّّى لتآليف المطران جرمانوس
آدم الملكي، وحرّم مؤلفه بمنشور اذاعه على ابنائه الموارنة
واعتنى عناية خاصة بمدرسة عين ورقة وجمع لها مساعدات، ووضع قوانين له
اصطدم بسياسة الامير بشير الكبير
وبطريقة حكمه ما ادّى الى خلاف مستحكم معه لاسباب عدة: فداحة الضرائب برفع قرش
الميري الى ستة قروش وظلم الشعب، فكانت الثورة العامة المعروفة " بعامية لحفد"
التي جرّت على البلاد الخراب والدمار والتشريد؛ رفضه مصالحة ابناء عمه اولاد
الامير يوسف الشهابي، فكانت الفتن والحروب؛ التدخّل في الشؤون الروحية الذي
احدث تشويشاً داخلياً. كما واجه بعض المصاعب الكنسية الداخلية والخلافات على
مستوى المطارنة.
كل هذه الامور حدت بالبطريرك الى
تقديم استقالته من البطريركية. فكتب في 3 تشرين الاول 1707 الى الكرسي
الرسولي: " لما كنت تحققت اني صرت غير قادر على ان افيد طائفتي في مقامي
البطريركي، بل اجلب لها ضرراً فغي الروحيات والزمنيات، عزمت على الاستعفاء من
البطريركية واعتزال الناس، مختاراً العيشة الانفرادية للاشتغال بخلاص نفسي.
ارجو من الاب الاقدس قبول استعفائي عن رضى من البطريركية ومن كل ولاية متعلقة
بها، روحية كانت ام زمنية. ان مضادّة حكامنا لي العنيفة جداً، والشكوك الفظيعة
الحاصلة في الطائفة من قبل عيشتي هذه النغصة، هي الداعي الاول لاستعفائي".
قبل الحبر الروماني استقالته في 19
تشرين الثاني 1808، وطلب اليه ان يواصل ادارة شؤون البطريركية حتى انتخاب خلف
له |
Yuhanna EL - HELOU
(1809-1823)

|
البطريرك يوحنا الحلو (
1809-1823)
هو من غوسطا-كسروان، كان
في الاساس راهباً ثم نائباً بطريركياً. انتخبه بطريركاً مجمع المطارنة المنعقد
في دير مار يوسف عينطوره في 8 حزيران 1809. منحه الشركة ودرع التثبيت البابا
بيوس السابع ( 1800-1823) في 25 كانون الثاني 1810.
تميّز عهده بالاجراءات
التالية:
1. تنفيذ قرارات المجمع
اللبناني ( 1736) بتعيين كرسي خاص بكل ابرشية ليقيم فيه مطرانها، وفصل اديار
الرهبان عن اديار الراهبات.
2. اعادة الكرسي البطريركي
الى دير سيدة قنوبين، بعد نقله سنة 1808 الى دير مار شليطا مقبس في غوسطا. وكان
دير قنوبين مهجوراً منذ عهد البطريرك يعقوب عواد (1705-1733), فانتقل اليه
البطريرك سنة 1811 بعد ترميمه.
3. عقد مجمع اللويزه في 13
نيسان 1818، المعروف بمجمع البطريرك يوحنا الحلو. ثبّت البابا بيوس السابع هذا
المجمع في 25 ايار 1819. من مقراراته:
أ- تعيين 7 اديار
للراهبات، و6 اديار للرهبان، و5 اديار للعابدات، عملاً بقرار المجمع اللبناني.
ب- احياء مدرسة الروميّة
في القليعات لتكون مدرسة عامة للطائفة.
ج- اقامة رؤساء ووكلاء على
الاديار لترتيب وضبط مداخيلها.
4. عناية خاصة بانشاء
المدارس، فالى جانب مدرسة الروميّة في القليعات حوّل البطريرك دير مار يوحنا
مارون في كفرحي (البترون) الى مدرسة. كانت احدى المدارس الراقية في القرن
التاسع عشر، وامتداداً لمدارس عصر النهضة العلمية في لبنان الذي احياه الافواج
الاوائل من خريجي المدرسة المارونية في رومية (1584).
5. تعزيز القضاء. عرف
البطريرك يوحنا الحلو برجل القانون. كان في البدء مطراناً مشهوراً باحكامه
القضائية في مواضيع مختلفة، اذ كانت صلاحيات الاساقفة تتناول، الى جانب الاحوال
الشخصية، الحق المدني والتجاري والجزائي. هذه الولاية كانت ترقى الى عهد
البيزنطيين فالى عهد العثمانيين. |
Youssef HOBEISH
(1823-1845)

|
البطريرك يوسف حبيش (1823-1845)
وُلد في ساحل
علما في 27 نيسان 1787، دخل اكليريكية عين ورقه بعمر 22 سنة واتقن اللغات
العربية والسريانية والايطالية واللاتينية، ونبغ في الفلسفة واللاهوت والعلوم
الطبيعية. تميّز بالنباهة والرصانة والتقوى ودماثة الاخلاق والاتزان والتمسّك
بالعقيدة الكاثوليكية السليمة والحرص على تنفيذ مقررات المجمع اللبناني (1736).
انتخب مطراناً لابرشية طرابلس سنة 1820 وهو بعمر 33 سنة، وبعد ثلاث سنوات اي
سنة 1823 اُنتخب بطريركاً خلفاً للبطريرك يوحنا الحلو، وهو بعمر 36 سنة. انه
اول بطريرك من مدرسة عين ورقه، واصغر بطريرك في الطائفة المارونية مع البطريرك
يوسف التيان (1796-1909).
تميّزت بطريركيته بنهضة عمرانية مزدهرة في الحقلين الديني
والمدني،وتخللتها نكبات واضطرابات.
1.
على مستوى النهضة الثقافية الدينية
تأسست في عهده كل من مدرسة واكليريكية مار عبدا هرهريا في جديدة غزير (1830)،
ومدرسة ريفون (1832)، ومدرسة غزير مع الآباء اليسوعيين (1843)، ومدرسة مار
شليطا قرب مشموشة.
وأسس
جمعية من الكهنة للوعظ والتبشير في القرى المارونية، للمحافظة على الايمان
والآداب السليمة في سنة 1840، وكانت معروفة " بجمعية المرسلين الانجيليين". ثم
اتخذت هذه الجمعية دفعاً نهائياً مع المطران يوحنا الحبيب، رجل الالهام الكبير،
واصبحت " جمعية المرسلين اللبنانيين".
كان
هاجسه اليومي تثقيف المؤمنين ثقافة دينية صحيحة. فألزم الكهنة بمنشور في 15
تشرين الثاني 1831 بأن يعلّموا التعليم الديني لابناء رعاياهم في كل يوم أحد
وعيد. لاحق الذين يهملون واجباتهم الدينية او يسلكون مسلكاً منافياً للآداب
المسيحية. فكان يبادر الى التنبيه والتوبيخ والتهديد بالحرم والتشديد على
الكاهن لارجاعه الى الطريق السّوي. وقد قاوم البطريرك بدعة البيبليشيين الذين
كانون يتهجمون على كرامة الطائفة المارونية ورؤسائها وقديسيها. فاشهر الحرم
ضدهم، وحرّم اقتناء كتبهم وحضور صلواتهم وسماع مواعظهم تحت طائلة الحرم والحطّ
من الدرجة.
اولى
الرهبان والراهبات عناية خاصة، فكان يعتبر ان " الرهبانيات قوة عظيمة في
الكنيسة. فلو اُحسن تنظيمها وتوجيهها والسهر عليها في سبيل المنفعة لقامت باعظم
الاعمال واتت بأجلّ الفوائد".
نجد
تفاصيل اهتماماته الراعوية في التقرير الذي وجهه الى البابا غريغوريوس السادس
عشر بتاريخ 23 كانون الاول 1831
2.
على مستوى الشأن الوطني، تعامل البطريرك يوسف حبيش مع الاحداث الدامية التي
جرت في سنتي 1840 و1841 بين الدروز والمسيحيين، بكثير من الفطنة والنشاط لتقريب
وجهات النظر وجمع القلوب. فجمع اعيان الطائفة واصحاب الرأي وسجّلوا اتفاقاً من
ثماني نقاط، بتاريخ 17 تشرين الاول 1841، ووقّعوها على ست نسخ.
وبفضل حكمة البطريرك وجهوده، وفي اثر هزيمة ابراهيم باشا، ونفي الامير بشير
الشهابي الكبير الى مالطه بسبب تحالفه مع ابراهيم باشا سنة 1840، انعقدت
عاميّة انطلياس بحضور عدد من الاكليروس والمشايخ والاعيان من دروز ونصارى،
يتقدمهم الامير حيدر ابي اللمع، صديق البطريرك وذراعه في الدفاع عن لبنان.
تعاهد الدروز والمسيحيون على طرد الاجانب من لبنان، لاستعادة الحرّية ورفع نير
العبودية.
3. وفاة البطريرك
على
اثر تجدد الاحداث الدامية بين الدروز والموارنة سنة 1845، وبسبب ما ينزل بابناء
طائفته من قتل واعتداء وتدمير، تأثّر تأثراً بليغاً ومات تحت وطأة الصدمة في 23
ايار 1845 في الديمان، ودُفن في كنيسة سيدة قنوبين في الوادي المقدس عن 58 سنة
من العمر. |
Youssef
Al-Khazen (1845-1854)

|
البطريرك يوسف راجي الخازن(1845-1854)
هو من بلدة عجلتون، كان مطراناً لدمشق منذ سنة 1830. انتخب بطريركاً
في دير مار يوحنا مارون بالديمان في 16 آب 1845. كان معروفاً بالدعة والحلم
والمثل الصالح. اضطر فور انتخابه الى مغادرة كرسيه في الديمان، بسبب المظاهرات
التي قام بها ضد البطريرك الجديد اهالي بشري والجبّه، لانهم كانوا يريدون
بطريركاً المطران بولس مسعد. فقصد دير سيدة البشارة في زوق مكايل واحتفل بقداس
التنصيب في 24 آب 1854
1.
حفظ وحدة الايمان والكنيسة
المارونية
كان
البطريرك يوسف الخازن غيوراً ومتفانياً ومحباً لكنيسته ومحافظاً على ايمان
ابنائها وعلى تقاليدها.
أ-
سهر على الترتيب الكنسي بمنع الكهنة من سماع اعتراف المؤمنين في بيوتهم، ما خلا
في حالة المرض ولسبب ثقيل، كما جاء في تعليم المجمع اللبناني (1736). وبعد
استئذان قداسة البابا، أمر بقصاص الربط عن الالهيات كل كاهن يخالف هذا
الترتيب،.
ب-
شجب اعمال الروتستانت المعروفين بالبيليشيين، بفتح مدارس مجانية في الجبل وجذب
الاولاد الموارنة وتعليمهم تعاليم مجانية لتجنيب اولادهم الذهاب الى المدارس
التي تعلّمهم ما يخالف الايمان الكاثوليكي، وطلب مساعدة مطران باريس لهذه
الغاية.
ج-
التوسط في اوروبا لمساعدة ابرشية صيدا بعد نكبتها في كرسيّها وشعبها وممتلكاتها
على مدى سنوات الاحداث الدامية من سنة (1841 الى 1845). وقد أحرق الدروز مدرسة
الابرشية مرتين، وحرقوا خمساً وستين كنيسة في هذه الابرشية.
د-
الاهتمام بارجاع المطران طوبيا عون الى ابرشيته بيروت،
والعمل على مساعدتها مالياً للخروج من ضائقتها الاقتصادية.
ه-
الاهتمام برفع الظلم عن موارنة حلب الذين يعتدي عليهم مسلمو المدينة. وقد خربوا
كل ما وصلت اليه ايديهم في المطرانية والكنائس.
2.
العلاقة مع السلطات المدنية
تعاون البطريرك يوسف راجي الخازن مع السلطة العثمانية على حفظ حقوق اكليروس
الطوائف الكاثوليكية، وحقوق كنائسهم واديارهم وممتلكاتهم، وعلى صيانة
امتيازاتهم ومنع وقوع اي خلل فيها.
طالب
البطريرك السلطة العثمانية بحقوق ابنائه الموارنة الذين تضرروا من الاحداث
الدامية بينهم وبين الدروز سنة 1845، ومن دخول العسكر النظامي التركي الى الجبل
رغماً عن اللبنانيين لنزع السلاح، خارقاً بذلك امتيازات لبنان. وقد أقدم هذا
العسكر على السلب والنهب بحجة نزع السلاح. ثم طلب البطريرك وساطة قنصل فرنسا
لهذه الغاية سنة 1850.
كانت
وفاة البطريرك يوسف الخازن في 3 تشرين الثاني 1854 في دير مار يوحنا مارون-
الديمان، ودُفن في دير سيدة قنوبين في ضريح البطريرك يوحنا الحلو. |
Boulos MASSAAD (1854-1890)

|
البطريرك بولس مسعد (1854-1890)
هو
من مواليد عشقوت سنة 1806. درس في مدرسة عين ورقه ثم في مدرسة مجمع نشر الايمان
في رومة. عيّنه البطريرك يوسف حبيش امين سره، ثم رقاه الى اسقفية طرسوس شرفاً
وجعله نائباً بطريركياً في الروحيات وله من العمر 35 سنة، انتخبه مجمع المطارنة
بطريركاً في 12 تشرين الثاني 1854 وهو بعمر 48 سنة، بالصوت الحي وبالاجماع
التام. كان عالماً كبيراً ومؤرخاً وكاتباً، حادّ الذكاء، وذا ارادة صلبة. منحه
درع الشركة البابا بيوس التاسع في 23 اذار 1855.
قاد
الكنيسة المارونية بسداد وغيرة، وواجه الاحداث السياسية بحكمة ودراية.
1. كنسياً، عقد مجمعاً
مارونياً في دير بكركي سنة 1865 دام ثلاثة ايام (11-13 نيسان)، وقد سبقه اثنا
عشر مجمعاً بدءاً من مجمع سنة 1580 في عهد البطريرك مخايل الرزي. مجمع البطريرك
مسعد هو اطول المجامع المارونية بعد المجمع اللبناني (1736). جاء مطابقاً لهذا
المجمع ومؤيداً له إلاّ في بعض الامور التي اقتضى العصر تبديلها او تلطيفها.
ترك
مؤلفات عدة نذكر منها كتابة الموسوم بالدّر المنظوم، رداً على المسائل والاجوبة
المعزوّة الى البطريرك مكسيموس مظلوم، وكتاب في انبثاق الروح القدس من الآب
والابن، والسجل الكبير الذي جمع اوراق الكرسي البطريركي، وتاريخ الاسرة
الخازنية، ومقالة في دوام باولية العذراء، وسواها من المقالات.
2
.سياسياً،
تصرف بكثير
من الحنان مع المسيحيين من مختلف الطوائف، الفارّين من الشوف اثر حوادث 1860
التي راح ضحيتها العديد منهم ولاسيما الموارنة. وانفق عليهم مبالغ طائلة.
واجه
بكثير من الحكمة والفطنة الاحداث المعروفة بثورة يوسف بك كرم على العثمانيين،
وثورة الفلاحين التي قادها طانيوس شاهين.
3.
على مستوى العلاقات العامة، قام برحلة طويلة سنة 1867، بدأها في رومة حيث
شارك في الاحتفالات بمناسبة ذكرى مرور 1800 سنة لاستشهاد الرسولين بطرس وبولس.
ثم انتقل الى باريس وقام بزيارة رسمية الى الملك نابوليون الثالث. بعدها سار
الى القسطنطينية حيث حلّ ضيفاً على السلطان الغازي عبد العزيز خان من 11 الى 23
ايلول. فاكرمه وانزله وحاشيته المؤلفة من 11 شخصاً بين مطارنة وكهنة وعلمانيين
في دار من افخر الدور، حيث اُقيم بامر السلطان معبد للفروض الدينية، وعُينّت
عربتان واربعة فرسان للسير بمعية البطريرك.
توفي
البطريرك بولس مسعد في 18 نيسان 1890 وله من العمر 85 سنة، بعد ان ساس
البطريركية مدة 36 سنة. ودُفن في كنيسة مار بطرس وبولس لآل مسعد في عشقوت. |
|
|
|
|
Yuhanna
Al-Hajj
(1890-1898)
 |
|
|
|
|
|