تقديم
1-
العدد الخامس من " سلسلة التنشئة المسيحية" يقدم شرح اناجيل سبعة
آحاد من زمن العنصرة، من الاحد الاول وهو عيد العنصرة الذي يحتفل
بمعمودية الكنيسة وانطلاقتها بقوة الروح القدس الى " رسالة
الشهادة لانجيل نعمة الله" ( اعمال 20/24)، حتى الاحد السابع
المخصص لمضامين رسالة الكنيسة.
ودّع بولس الرسول كنيسة افسس بهذا الكلام: " والآن ها انا
ماضٍ الى اورشليم اسيراً للروح، ولا ادري ما سيعرض لي هناك. على ان
الروح القدس يشهد لي في كل مدينة ويقول اني على موعد مع الشدائد
والقيود. ولكني لا ابالي بحياتي، ولا ارى لها قيمة عندي، فحسبي ان
اتمّ شوطي وأتمّم الخدمة التي تلقيتها من الرب يسوع: ان اشهد
لانجيل نعمة الله" ( اعمال الرسل 20/22-24).
هذا هو زمن الكنيسة المعروف بزمن العنصرة: "ان تشهد لانجيل
نعمة الله دونما انقطاع ومدى الاجيال، وسط اضطهادات العالم وتعزيات
الله" (القديس اغسطينوس).
وهذه هي الفكرة الرئيسة التي تقود التأملات حول اناجيل
الآحاد السبعة الاولى من زمن العنصرة والخطة الراعوية الاسبوعية.
في هذه الاسابيع تتوقف الخطة الراعوية عن الاستنارة بتوصيات المجمع
البطريركي الماروني، لتستند الى موضوع " نقل الايمان في
العائلة"، وهو بداية الرسالة في "الكنيسة البيتية" التي هي
العائلة. هذا الموضوع مخصص للقاء العالمي الخامس والمؤتمر الدولي
الراعوي الذي سيجمع في الاسبوع الاول من تموز 2006 قداسة البابا
بندكتوس السادس عشر بالعائلات المسيحية في فالينسيا باسبانيا.
الغاية من الخطة الراعوية، في ضوء النصوص الانجيلية، تحضير
عائلاتنا قي هذا اللقاء ومشاركتها الروحية فيه، على امل ان تجني
ثماره " فتشهد بدورها لانجيل نعمة الله" في البيت وفي
العائلة الوطنية والبشرية الاكبر.
2-
" كلمة الحق في الانجيل تنمو وتثمر"
( كولوسي 1/5-6). هذا الموضوع يرافق اناجيل الآحاد في زمن
العنصرة من الاحد الثامن الى الاحد الخامس عشر، اي حتى زمن
الصليب. بقوة الروح القدس انطلقت الكنيسة، ابنة الشعوب، تعلن
كلمة الحق في الانجيل التي راحت تنمو في القلوب والعقول،
وتثمر اعمالاً ومواقف ومبادرات، وتكثر عدد
المؤمنين بالمسيح.
يعتمد هذا العدد، وهو السادس من سلسلة التنشئة المسيحية،
الاسلوب التالي: تشرح الانجيل، وتستعرض وجوهاً من
القديسين الذين تجلت فيهم كلمة الحق، وتحتفل الكنيسة بعيدهم في
الاسبوع الذي يسبق الاحد المعني، وترسم خطة راعوية اسبوعية
مستمدة من نصوص المجمع البطريركي الماروني وتوصياته. وبما ان زمن
العنصرة هو زمن حضور الكنيسة ورسالتها في العالم، ترتكز الخطة
الراعوية في هذا العدد على النص السادس عشر: " الكنيسة المارونية
والتربية في التعليم العام والمهني".
نأمل ان ينتشر هذا العدد في العائلات والمؤسسات والمنظمات
الرسولية، ما يجعل " كلمة الحق في الانجيل تنمو وتثمر" (
كولوسي 1/5-6) في عقول المؤمنين وقلوبهم، وملكوت الله ينتشر وسط
مدينة الارض بواسطة كلمة الانجيل التي هي زرعه وبدايته.
+ بشاره الراعي مطران جبيل |
انجيل القديس يوحنا 14/15-20
حلول الروح القدس متواصل في حياة المؤمنين والكنيسة
اليوم، وهو الخمسون بعد الفصح، عيد العنصرة الذي حلّ فيه الروح
القدس على الكنيسة الناشئة المؤلفة من الرسل الاثني عشر ومريم ام
يسوع واقاربه وبعض النساء ( اعمال 1/13-14 و26). كتاب اعمال الرسل
يروي حدث حلول الروح القدس ( اعمال2/1-13). انه عيد معمودية
الكنيسة وتثبيتها وانطلاقتها الرسولية شاهدة للمسيح، كما وعدها
يسوع قبيل صعوده الى السماء: " يوحنا عمدّ بالماء، اما انتم فسوف
تعمّدون بالروح القدس بعد بضعة ايام... وستنالون قوة بحلول الروح
القدس عليكم، وتكونون لي شهوداً في اورشليم وفي كل اليهودية
والسامرة، حتى اقاصي الارض" (اعمال1/5و8).
اولاً، الروح القدس في حياة المؤمنين والكنيسة
1.
حدث العنصرة
( اعمال2/1-13)
بعد خمسين يوماً من قيامة الرب يسوع حلّ الروح القدس على
الكنيسة الناشئة. يسمى هذا الحدث "العنصرة" بالنسبة الى
العناصر المرئية كعلامات لحلول الروح وهي: الصوت المدوي
كعاصفة ريح ملأت البيت، الآلسن النارية المنقسمة التي
استقرت على كل واحد من المجتمعين، النطق بلغات مختلفة فهمها
الجمع الحاضر في اورشليم، فكان كل واحد منهم يسمعهم يتكلمون بلغته
( انظر اعمال2/2-6). ويسمى باليونانية " البنتكستي" (pentecoste)
التي
تعني اليوم الخمسين، وهو عيد معروف في العهد القديم " بعيد
الاسابيع" ( خروج34/22)، في ختام الاسابيع السبعة الي
تلي عيد الفصح اليهودي، شكراً لله على بواكير غلة الحنطة. يقرّب
الشعب في هذا اليوم رغيفي خبز وسبعة حملان وعجلاً من البقر وكبشاً،
ذبيحة شكر وتكفير للرب ( احبار23/16-20). كان الحصاد يبدأ في عيد
الفصح وينتهي في ختام سبعة اسابيع، وفي اليوم الخمسين يتم
الاحتفال. وهكذا يسمى عيد البنتكستي" ختام الفصح او الاسابيع
السبعة". ثم راحوا يشملون مع " عيد غلة الحصاد" تذكار اليوم الذي
تسلّم فيه موسى لوح الشريعة على جبل سينا.
كما حلّ فصح المسيح محلّ الفصح اليهودي، فاصبح " المسيح حمل
فصحنا الذي يُذبح لفدائنا" ( 1كور5/7)، هكذا حلّ، محل عيد بواكير
غلة الحصاد، عيد حلول الروح القدس على الكنيسة الناشئة وما جلب هذا
الحلول عليها وعلى البشرية من إحسانات روحية، كانت بمثابة
"بواكير" الكنيسة التي نقلها الرسل الى جميع الامم: ايماناً
ومعمودية وتوبة ومواهب من الروح القدس وحياة مشتركة (انظر
اعمال2/37-47). وحل محل تذكار تسليم الوصايا لموسى، عيدُ تسليم
شريعة الروح الجديدة " غير المكتوبة بحبر على الواح من حجارة، بل
بروح الله الحي في قلوب البشر" ( 2كور3/3). انها شريعة الروح
القدس، شريعة الحياة الجديدة المتفجرة من موت المسيح وقيامته.
لكن العنصرة التي تعني " حلول الروح القدس"، قد حصلت يوم
القيامة عندما " نفخ الرب القائم من الموت في الرسل المجتمعين في
البيت، والابواب موصدة، وقال: خذوا الروح القدس" (
يو20/22). اعطاهم الروح الذي يفعل "فيهم" و " في" كل شخص
يقبله؛ وفي اليوم الخمسين، اعطاهم الروح اياه الذي يفعل " من
خلالهم" و " من خلال" كل من يطلبه. يوم القيامة،
اعطاهم الروح الذي يشكل هو نفسه الخلاص، " الروح الحي والمحيي"
كما نعلن في قانون الايمان، اما في اليوم الخمسين، فاعطاهم
الروح الذي يمكّنهم من ان يحملوا الخلاص الى اقاصي الارض،
فهو الناطق بالانبياء وبالرسل"، واليوم بالكنيسة، على ما
نعلن ايضاً في قانون الايمان.
هكذا تكتمل قصة حلول الروح القدس يوم القيامة وفي ظهورات
الرب يسوع للتلاميذ حتى يوم صعوده، كما يرويها يوحنا في انجيله،
وفيها ان الروح هو مبدأ الحياة الجديدة النابعة من السّر
الفصحي، من موت المسيح وقيامته، بقصة حلول الروح القدس عينه في
اليوم الخمسين التي يرويها لوقا الانجيلي في اعمال الرسل (2/1-13)
حيث الروح هو عطية للكنيسة من اجل رسالتها.
نستطيع القول ان حلول الروح القدس- العنصرة بدأ مساء احد
القيامة ( رواية يوحنا)، واختتم في اليوم الخمسين (رواية
لوقا) ( انظر
R. Cantalamessa
في كتاب:Un
pensiero al giorno sullo Spirito
، صفحة 174-179). غير ان العنصرة حدث متواصل في حياة المؤمنين
والكنيسة، كما نقرأ في كتاب اعمال الرسل: "ففيما كان بطرس يعلن
كلام الله، حلّ الروح القدس على جميع الذين سمعوا الكلمة" (
اعمال10/44)؛ و " فيما كان الرسل يصلون، تزلزل المكان حيث كانوا
مجتمعين، وامتلاء الجميع من الروح القدس، واخذوا ينطقون بكلمة الله
جهاراً" ( اعمال 4/31). وعلّم بولس الرسول ان الروح القدس يوزع
عطاياه ومواهبه على المؤمنين من اجل تقديسهم ومن اجل الرسالة،
واختصر كلامه المتنوع بالقول: " لقد أعطي كل واحد منا النعمة على
قدر قياس المسيح" (افسس4/7).
2.ارسال الروح القدس
بصعود الرب يسوع الى السماء انتهت مهمة الفداء بارسال ابن الله،
الاقنوم الثاني من الثالوث الاقدس. وفي العنصرة اُرسل الروح
القدس، الاقنوم الثالث من الثالوث الالهي. في الدستور العقائدي
" في الكنيسة"، كشف أباء المجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني سرّ
الكنيسة في ضوء تدبير الخلاص الشامل الذي اعده الله الآب، وتممه
في رسالة الابن صانع الفداء، وفي رسالة الروح القدس محقق التقديس
في الكنيسة ( انظر الفقرات2-4).
فالآب الازلي، بتصميم من حكمته وجودته، خلق الكون،
وقرر رفع الناس الى المشاركة في حياته الالهية, وعندما خطئوا لم
يهملهم بل وعدهم بالمسيح الفادي، الذي هو صورة الله غير المنظور،
المولود قبل كل خليقة (كور/15)، وكلّمهم في الانبياء مرات كثيرة
وبانواع شتى ( عبر1/1). تصميم الآب الخلاصي معروف " بتدبير العهد
القديم الذي هو التحضير لمجيء المسيح مخلص العالم"، في ستة واربعين
كتاباً من الكتب المقدسة التي اقرتها الكنيسة واعتبرتها مكتوبة
بالهام الهي. وبالرغم مما فيها من نقص، فانها تشهد لمحبة الله
الخلاصية المربية، وتتضمن تعاليم الهية سامية، وحكمة الهية خيّرة
على الحياة البشرية، وكنوزاً عجيبة من الصلاة، وسرّ خلاصنا الخفي"
(التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية، 121-122؛ دستور"الكلمة
الالهي"،8).
وجاء الابن مرسلاً من الآب، لتتميم تصميم الخلاص
بالطاعة لارادة الآب. فتجسد في ملء الازمنة من عذراء ودشن على
الارض ملكوت السموات وكشف لنا سرّه، وحقق فداء الجنس البشري بموته
على الصليب وقيامته. وجعل الكنيسة مملكته الجديدة، وارادها أداة
للشركة مع الله الثالوث ولوحدة الجنس البشري وعلامتهما، بممارستها
سلطان التعليم والتقديس والرعاية، المعطى في الدرجة المقدسة
للاساقفة والكهنة والشمامسة.
وارسل الاب روحه القدوس، بعد ان تمّ عمل الفداء
الموكول الى الابن على الارض (يو17/4). ارسله في اليوم الخمسين
ليقدس الكنيسة بشكل دائم، وليدخل المؤمنين، بنعمة المسيح، في شركة
مع الآب، بالروح الواحد الذي هو ينبوع الحياة الالهية الجديدة فينا
(يو4/14). فهو يجعل كلمة الله حيّة ومفهومة في اذهاننا، ويتمم
الاسرار بواسطة خدمة الكهنوت مفيضاً على المؤمنين نعمته ومواهبه،
ويجمع اعضاء جسد المسيح برباط المحبة والوحدة.
رسالة الابن ورسالة الروح القدس تممتا تدبير الله الخلاصي،
وهما معروفتان بالعهد الجديد، بكتبه السبعة
والعشرين. وفيها الحقيقة عن الوحي الالهي الذي محوره يسوع المسيح،
ابن الله المتجسد، وافعاله وتعليمه، وآلامه وتمجيده، وبداية كنيسته
بفعل الروح القدس ( التعليم المسيحي،124).
تتميز رسالة الروح القدس من خلال وصف شخصيته: هو "البارقليط
الآخر"، اي مسيح آخر يمكث معنا الى الابد وهو فينا، كمحام
ومعزٍ ومشجع وشفيع؛ هو" روح الحق" يرشدنا الى حقيقة المسيح،
وبالتالي الى حقيقة الله الثالوث وحقيقة الانسان وحقيقة التاريخ،
ينصرنا على الكذب، ويجعلنا شهوداً للحقيقة بحكمة وشجاعة وسط
الانظمة والثقافات والتيارات الايديولوجية؛ وهو " روح البنوة"
يجعلنا ابناء الله بالابن الوحيد الذي لا يتركنا ايتاماً بل
يمنحنا، من لدن الآب، الروح الذي يسكن فينا، ويفهمنا اننا ابناء،
ويعلمنا ان ننادي الله " يا ابانا"، على ما قال بولس الرسول: "
ارسل الله ابنه مولوداً من امرأة، لننال نحن منزلة البنين. ولانكم
ابناء، ارسل الله الى قلوبكم روح ابنه الذي يدعو الآب "ابانا"
(غلاطية4/4-6؛ روم 8/15-17). ويضيف الرسول: " فان كنا ابناء، نحن
ورثة الله ايضاً، وبنو ميراث يسوع المسيح فنتألم معه لنتمجد معه" (
روم 8/17). هذه ابعاد كلمة الرب يسوع : " لا اترككم يتامى، لاني
اعود اليكم. فترونني لاني حيّ، وانتم تحيون ايضاً. وعندها تعرفون
اني في ابي، وانكم فيّ، واني فيكم" ( يو14/18 و20).
لكن الروح القدس البارقليط يعطى للذين يحبون المسيح ويحفظون وصاياه
(يو14/15). فكما أعطي ليسوع وملأ بشريته بسبب حبّه اللامتناهي
للآب وطاعته الكاملة لارادته في خلاص العالم وفدائه، هكذا يعطى
للذين يحبون المسيح ويتممون وصاياه المختصرة في واحدة تحوي الجميع:
" أحبوا الله من كل قلبكم وفكركم وارادتكم. وأحبوا بعضكم بعضاً كما
انا احببتكم" ( لو 10/27؛ يو15/12).
من كان في قلبه حبٌ للمسيح، يحفظ وصاياه التي هي القواعد الاساسية
لحياة سليمة مع الله، ولكل حياة اجتماعية كما هي مرسومة في الوصايا
العشر ( الارشاد الرسولي، تألق الحقيقة، عدد 97). فمن لا يحب ليس
له ما يدفعه الى حفظ الوصايا. ذلك ان حفظ الوصايا هو من صنع
المحبة، لا المحبة من صنع الوصايا، على ما يقول القديس اغسطينوس
(شرح انجيل يوحنا، 82/3). اذا احببنا المسيح، حفظنا وصاياه،
فيعطينا الروح القدس الذي هو كمال محبة الله المفاضة في قلوبنا (
روم5/5)، ويصير الروح فينا مصدر الاخلاقية الجديدة وما ينتج عنها
من قداسة سيرة وعمل رسولي. "فالروح القدس هو من قوّى نفوس التلاميذ
وعقولهم، وكشف لهم اسرار الانجيل، وزيّنهم بالانوار الالهية،
وثبّتهم في محبة المسيح، فلم يهابوا السجن والقيود، وقد تقووا به
وبمواهبه" ( تألق الحقيقة، 108).
حفظ الوصايا الالهية يستحق عطية الروح القدس:
" اذا كنتم تحبوني، احفظوا وصاياي وانا اطلب الى ابي فيعطيكم
بارقليطاً آخر، ليكون معكم الى الابد" ( يو14/15-16). والروح القدس
يحرر ويمنح حرية ابناء الله. " فحيث روح الرب، هناك الحرية"
(2كور3/17). الوصايا الالهية طريقنا الى الحرية، " بقدر ما نخدم
الله بحفظ وصاياه نكون احراراً، وبقدر ما نخدم شريعة الخطيئة، نكون
عبيداً" ( القديس اغسطينوس، شرح انجيل يوحنا، 41/10). حرية الانسان
وشريعة الله لا تتنابذان، بل تتجاذبان، لان ثمة رباطاً قائماً بين
الحرية والشريعة الالهية، ولان تلميذ المسيح مدعو للحرية ( انظر
غلا 5/13) ( تألق الحقيقة، 17).
***
ثانيا، الخطة الراعوية
تستعد العائلات المسيحية في العالم للقائها العالمي الخامس مع
قداسة البابا في تموز 2006 في فالينسيا (اسبانيا)، حول موضوع: "
نقل الايمان في العائلة"، وقد اصدر المجلس الحبري للعائلة
كتيباً لتحضير هذا اللقاء والمؤتمر اللاهوتي الراعوي الدولي الذي
سينعقد في المناسبة، ونشرته بالعربية اللجنة الاسقفية لشؤون
العائلة والحياة في لبنان.
اننا نستمد الخطة الراعوية على مدى سبعة اسابيع من المواضيع
التسعة التحضيرية.
تلتقي الجماعات العائلية والراعوية والمنظمات الرسولية، على مستوى
الرعايا والمدارس للتفكير معاً حول موضوع:
" العائلة المكان
الاول والاساسي لنقل الايمان".
1. بحلول الروح القدس يوم العنصرة كانت معمودية الكنيسة وانطلاقتها
الرسولية ممتلئة من قوة الروح ومواهبه. العائلة المسيحية " كنيسة
بيتية" تملأها نعمة الروح، وبهذه الصفة تشارك رسالة الخلاص
الموكولة اليها في المسيح الرب. الوالدون هم لاولادهم المعلنون
الاولون للايمان الذي يعتنقون. فبشرى الانجيل اول ما دخل في عمق
حياتهم، ونعمة سرّ الزواج اول ما قدّسهم. ان القديسين والقديسات
تربوا على الايمان في عائلاتهم، وسلكوا فيها طريق اتحادهم بالله
ومع الاخوة.
تتساءل الجماعات المذكورة حول كيفية تفعيل دور الاهل اليوم في نقل
الايمان الى اولادهم. اي خطة راعوية يمكن وضعها وتطبيقها في الرعية
والمدرسة، من اجل تفعيل هذا الدور عند العائلات الملتزمة؟
2. لا بدّ، من ناحية ثانية، من الاطلاع على واقع الوالدين الايماني
والروحي في الرعية والمدرسة. تعمل الخطة الراعوية على تثقيف
الايمان لدى الوالدين الذين ينقصهم هذا التثقيف، وبخاصة لدى
الازواج الجدد، لكي تكون عائلاتهم مكاناً مميزاً، لا بديل عنه،
لنقل الايمان للاولاد.
3. وتقتضي الخطة الراعوية ايجاد الطرق والوسائل والمناسبات التي
تتيح للاولاد ان ينقلوا الايمان الى والديهم واهلهم، غير الملتزمين
في حياتهم المسيحية.
تضع الخطة الراعوية هدفاً اساسياً تسعى اليه هو
اعادة ترسيخ
العائلة المسيحية كمدرسة اساسية للايمان.
***
صلاة
ايها الروح القدوس، انت الحي والمحيي، القدوس ومقدس النفوس. انت
الشفيع والمعزي والمحرر. انت روح الله وروح المسيح الحال فينا. انت
النعمة غير المخلوقة الساكنة في نفوسنا، ينبوعاً تجري منه نعمة
اسرار الخلاص. انت روح الحقيقة والوحدة، المبدأ والشركة في الكنيسة
وبين الكنائس. انت فرح حضور الله فينا، انت واهب العطايا السبع
والمواهب المتنوعة. انت خصب العمل الرسولي، وعضد الشهداء، وملهم
المعلمين، والصوت الناطق للسلطة التعليمية في الكنيسة. انت مصدر
حياتنا الروحية، النبع الحي، والنار ألاكلة، المحبة والمسحة
الروحية.
تعال ايها الروح القدس، واعطنا قلباً جديداً تحيا فيه عطاياك،
قلباً يغمره الفرح المسيحي. تعال واعطنا قلباً نقياً يحب الله، ولا
يعرف الشر، قلباً كبيراً منفتحاً على كلمتك الملهمة والصامتة
والقديرة، قلباً كبيراً وقوياً يحب الجميع ويخدم الجميع ويتألم مع
الجميع. لك المجد والشكر الى الابد.
( صلاة البابا بولس السادس).
انجيل القديس متى 28/16-20
الرسالات الالهية ورسالة الكنيسة
مع عيد العنصرة، وهو حلول الروح القدس على الرسل، انتهت رسالة
الابن وبدأت رسالة الروح القدس، في حياة المؤمنين والكنيسة. الغاية
من الرسالتين اشراك الانسان في حياة الله الثالوث: بالايمان في هذه
الدنيا، وبالمشاهدة بعد الموت في النور الابدي: " عمدوهم باسم الآب
والابن والروح القدس" ( متى28/19). ولذا، تحتفل الكنيسة اليوم بعيد
الثالوث الاقدس.
اولاً،
الرسالات الالهية ورسالة الكنيسة
1.
رسالتا الابن والروح
القدس
كانت رسالة الابن في التجسد والفداء: الآب ارسل ابنه مولوداً من
مريم البتول ليفتدي البشر. وكانت رسالة الروح القدس حلوله
على المؤمنين وفي حياة الكنيسة ورسالتها: ارسله الآب ويرسله على
الدوام باستحقاقات الابن، لكي يواصل في المؤمنين وفي الكنيسة
وبواسطتها ثمار التجسد والفداء.
فالله الذي هو محبة، آب وابن وروح قدس، اراد ان يشرك البشر في مجد
حياته السعيدة بالخلق؛ وبعد السقطة، بالفداء؛
وبنتيجة الفداء، بالتقديس.
الخلق
عمل الآب: نؤمن باله واحد: آب ضابط الكل خالق السماء والارض.
الفداء
عمل الابن: نؤمن برب واحد يسوع المسيح، ابن الله
الوحيد الذي من اجلنا ومن اجل خلاصنا، نزل من السماء، وتجسد من
الروح القدس ومن مريم العذراء، وصار انساناً، وتألم وصلب ومات وقام
في اليوم الثالث.
التقديس
عمل الروح: نؤمن بالروح القدس
الرب المحيي.
هذه الاعمال الالهية تسمى تدبير الله الخلاصي، الذي يعبّر
عنه بولس الرسول بالقول انه: " سرّ مشيئة الله الذي سبق ووضعه" (
افسس1/9)، باليونانية
أويكنوميا
Oikonomia،
فيكشف عن ذاته ويبث حياته في الناس. هذا الكشف عن جوهر الله وسر
حياته يسمى لاهوتاً. بالتدبير أوحى الله لنا اللاهوت الذي ينير
معرفة كل التدبير. فالشخص يظهر عادة في فعله (التدبير)، وكلما
أحسنا معرفة الشخص(اللاهوت) أحسنا معرفة فعله ( التعليم المسيحي
للكنيسة الكاثوليكية، 236). كل التدبير الالهي هو عمل الاقانيم
الالهية المشترك. وبما ان للثالوث القدوس ذات الطبيعة الواحدة،
كذلك له ذات العمل الواحد (مجمع القسطنطينية الثاني سنة 553).ان كل
شخص الهي ( اقنوم) يعمل الفعل المشترك وفقاً لميزته الشخصية.
وانطلاقاً من كلمة بولس الرسول: " نحن لنا اله واحد، هو الآب
الذي الكل منه، ورب واحد، هو يسوع المسيح الذي الكل بيده" (
1كور8-6). اكدّ مجمع القسطنطينية الثاني ان الكنيسة تعترف "بالله
الآب الذي منه كل شيء، وبالرب يسوع المسيح الذي له كل
شيء، وبالروح القدس الذي فيه كل شيء". على سبيل التشبيه
بالشمس، نقول الآب هو المصدر (الشمس)، والابن يسوع المسيح
هو الشعاع الذي يصل الى الجميع، والروح القدس هو فاعل
الحرارة والنور. ظهرت ميزات الاقانيم الالهية في الخلق الذي
يعطي الوجود (ميزة الآب)، وفي التجسد الذي يفتدي ( ميزة الابن)،
وفي عطية الروح القدس التي تقدس ( ميزة الروح).
في الثالوث الاقدس نميّز ثلاثة: الطبيعة اي الجوهر (
substance)
التي تعني الكيان الالهي في وحدته، والشخص اي الاقنوم (
hypostase)
الذي يعني الاب والابن والروح القدس في التمايز الحقيقي فيما
بينهم، والعلاقة (
relation)
التي تعني ما يربط بين الاقانيم الثلاثة: الطبيعة الالهية
واحدة: نحن لا نعترف بثلاثة الهة، بل باله واحد بثلاثة اقانيم،
فنقول: "باسم الاب والابن والروح الاقدس الاله الواحد"، وبالتالي:
"ثالوث" متساوٍ في الجوهر (consubstantielle).
لا يتقاسمون الالوهة بل كل واحد من الاقانيم هو الله بكامله: فالآب
هو ذات ما هو الابن، والابن هو ذات ما هو الآب، والروح القدس هو
ذات ما هما الآب والابن، اي اله واحد في الطبيعة الالهية.
والاقانيم الالهية ثلاثة متمايزة حقاً: فالذي هو الآب ليس
الابن، والذي هو الابن ليس الاب، والذي هو الروح القدس ليس الآب
والابن. والعلاقات التي تربط بين الاقانيم المتمايزة هي، ان في
الازلية ومن دون بداية، الآب هو الذي يلد الابن ( علاقة الابوة)،
والابن هو المولود ( علاقة البنوّة)، والروح ينبثق من الآب بواسطة
الابن ( علاقة الانبثاق). غير ان الآب كله في الابن، وكله في الروح
القدس، والابن كله في الآب وكله في الروح القدس، والروح الاقدس كله
في الآب وكله في الابن: فيهم كل شيء واحد، لكن الشخص يختلف
والعلاقة تختلف (التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية 253-255).
2.
رسالة الكنيسة
انها رسالة الهية من حيث المصدر: كما ارسلني ابي ارسلكم انا
ايضاَ" ( متى28/18). وسلطانها الهي وهو عينه سلطان يسوع
المسيح النبي والكاهن والملك. هذا السلطان المثلث اعطي للكنيسة
بحلول الروح القدس يوم العنصرة، ويعطي لكهنة العهد الجديد بالدرجة
المقدسة ( كهنوت الخدمة)، ويعطى للمؤمنين بالمعمودية والتثبيت
(الكهنوت العام): "انتم الذين تؤمنون قد وهبت لكم هذه الكرامة:
فانتم جيل مختار يكهن للملكوت، شعب مقدس، جماعة مفتداة، لتخبروا
بمجد الذي دعاكم من الظلمة الى النور، انتم الذين لم تكونوا قديماً
تحسبون شعباً. اما الآن فانتم شعب الله" (1بطرس2/7-10). بما ان
رسالة الكنيسة الهية، فانها تواصل رسالة الابن ورسالة الروح
(القرار المجمعي في العمل الارسالي 2-9).
وهي رسالة التعليم والتقديس والتدبير، من حيث المضمون:
رسالة التعليم نبوية: " امضوا الآن وتلمذوا كل الامم" (
متى28/19)، وبلسان مرقس: " انطلقوا الى العالم كله، ونادوا بانجيلي
في الخليقة كلها" ( مر16/15). ورسالة التقديس كهنوتية: "
عمدوهم بأسم الآب والابن والروح الاقدس" (متى28/19)، وبلسان مرقس:
" من يؤمن ويعتمد يخلص ( مر16/16)، وبلسان لوقا: " على المسيح ان
يتألم ويقوم في اليوم الثالث من بين الاموات ( عمل الفداء الخلاصي)،
وباسمه ينادى بالتوبة بغفران الخطايا، ابتداءً باورشليم، وانتم
شهود على ذلك"، بتحقيق الخلاص في المؤمنين بواسطة الخدمة الكهنوتية
(لو24/47). ورسالة التدبير ملوكية: "وعلموهم ان يحفظوا جميع
ما اوصيتكم به" ( متى28/20)، بتنظيم رسالتي التعليم والتقديس،
وبالتشريع والادارة والقضاء. انها
سلطة الولاية.
وهي رسالة بأسم المسيح وبشخصه، من حيث الفاعلية:
" ها انا معكم جميع الايام، الى انتهاء العالم" ( متى28/20). هذا
يعني ان الكنيسة بأسم المسيح تعلم، فهو المعلم والكلمة التي
تفعل في النفوس، فتولد الايمان به؛ وبشخص المسيح تقدس فهو
الوسيط الوحيد بين الله والناس الذي يعمد ويغفر الخطايا ويتمم سائر
الاسرار؛ وباسم المسيح تمارس الولاية، فهو الملك الذي يخضع
له الجميع، والرأس الذي يقود الجميع، والراعي الصالح الذي يعتني
بالجميع، لابساً صورة الخادم: "انا بينكم كالذي يخدم" (لو 22/27).
الى الرسل وخلفائهم الاساقفة رعاة الكنيسة ومعاونيهم الكهنة اوكلت
هذه الرسالة المثلثة المسؤولية: الدعوة الى الايمان، وتعليم
الاخلاق، والسهر على الجماعة المؤمنة في ايمانها واخلاقها.
انهم دعاة الايمان،
ومن اولى واجباتهم الكرازة بالانجيل، الوظيفة النبوية، فيعلمون
الشعب الموكول اليهم ما ينبغي ان يؤمنوا به ، وكيف يسلكون حسب هذا
الايمان، مزوّدين بسلطان المسيح ومستنيرين بالروح القدس. ويجعلون
هذا الايمان يثمر، ساهرين على تجنيب شعبهم خطر الاضاليل ( 2
تيمو4/1-4). وبهذا يجيئون المسيح بتلاميذ جدد.
وهم معلمو الاخلاق المسيحية، بممارسة وظيفتهم الكهنوتية،
اذ عليهم ان يوزعوا على المؤمنين مواهب النعمة والتقديس، فيؤهّلوهم
لطاعة شريعة الله المقدسة. وعليهم ان يسندوا هؤلاء المؤمنين في
عيشهم مقتضيات الايمان الاخلاقية بالمثابرة على الصلاة بثقة من
اجلهم، لكي يظلوا ثابتين ( كولوسي 1/9-12).
وهم الرعاة الساهرون الذين، بممارسة وظيفتهم الملوكية
يسهرون على الجماعة المؤمنة، ببنيانها على وحدة الايمان واصالة
الاخلاق، وبرعايتها فيهما بما تسن من قوانين وتتخذ من تدابير (الارشاد
الرسولي تألق الحقيقة، 114).
ان رعاة الكنيسة اليوم يتمثلون بالرسل الاثني عشر الذين ارسلهم
الرب يسوع للكرازة بالانجيل، فسهروا، منذ اول عهد الكنيسة، على
استقامة اخلاق المسيحيين، مثلما تعهدوا سلامة الايمان بكامله
وتوزيع العطايا السامية في الاسرار. والمسيحيون الاولون كانوا
يختلفون عن الوثنيين ليس فقط بايمانهم وطقوسهم، بل ايضاً بشهادة
حياتهم واخلاقهم المستمدة من الشريعة الجديدة. ذلك ان " الايمان
يعمل بالمحبة"(غلا5/6)، و" الانجيل هو ينبوع كل حقيقة خلاصية وكل
مسلك اخلاقي" (الدستور المجمعي في الوحي الالهي،7).
***
ثانيا، الخطة الراعوية
العائلة المسيحية، التي حلّ عليها الثالوث الاقدس، يوم الاحتفال
بسرّ الزواج، جامعاً الزوجين في شركة حب وحياة مدى العمر، انما هي
مصوّرة على صورة الثالوث الالهي، ومدعوة بالتالي لتعيش في شركة
عميقة مع الثالوث، وتعكسها في الحياة اليومية. هذا الموضوع يشكل
المحور الثاني للتأمل والتفكير في كتيب " نقل الايمان في
العائلة"، المعدّ لتحضير اللقاء العالمي الخامس للعائلات مع
قداسة البابا في فالينسيا باسبانيا في تموز 2006.
1. تقتضي الخطة الراعوية ان تلتقي الجماعات العائلية في
الرعية والمدرسة، والمنظمات الرسولية وسواها من المجموعات الراعوية
للتفكير معاً في هوية العائلة التي أوجدها الخالق لتكون على صورته،
صورة الثالوث الاقدس، والتي افتداها الرب يسوع بسرّ الزواج لتكون "
كنيسة بيتية" تتقبل الايمان وتنقله من جيل الى جيل.
الثالوث الاقدس هو دينامية " الله محبة" الذي يكشف عن ذاته
اباً وابناً وروحاً قدساً. كيف يمكن عملياً جعل العائلة المسيحية
انعكاساً لهذه الدينامية في حياتها الزوجية والعائلية؟ هل يمكن رسم
اوجه تشابه بين ابوة الله وابوة وامومة الوالدين؟ بين ابنائهما
وبناتهما وابن الله المولود منه غير المخلوق منذ الازل كشعاع منه،
مثل شعاع الشمس؟ وبين الحب الذي يجمع الزوجين والاولاد وهو بمثابة
الروح الذي ينعش الحياة الزوجية والعائلية وبين الروح القدوس
المنبثق من الآب والابن كمحبة الاثنين السرمدية.
هذا التأمل كفيل بابراز شرف العائلة عامة والمسيحية خاصة، وكرامتها
عند الله.
2. الثالوث الاقدس شركة بين الاقانيم الالهية كاشخاص، الآب
والابن والروح القدس. تساعد الخطة الراعوية على اقتراح
مبادرات عملية تمكّن العائلة من شد اواصر الشركة بين اعضائها
وتحسين العلاقات فيما بينهم يوماً بعد يوم؛ وتمكّن افراد العائلة
من تقاسم اسخى لهباتهم الخاصة ومقدراتهم الروحية والمعنوية
والمادية في ما بينهم من جهة، ومع العائلات الاخرى من جهة ثانية.
هذا وجه اساسي ووسيلة فضلى لنقل الايمان في العائلة.
***
صلاة
يا رب، يا اله الجودة والرحمة، لقد
قدمت للمجتمع، المحاصر بالخطيئة والشر والفساد، العائلة المقدسة
مرآة التقوى والعدل والحب، البهية النقاء. انظر اليوم الى العائلة
المحاصرة بالمخاطر التي تتهددها بانتزاع ايمانها واخلاقياتها
وعاداتها. اعضد يا رب عمل يديك، احمِ في بيوتنا الفضائل العائلية
الكفيلة بحفظ الاتفاق والسلام فيها. ضع بيننا مدافعين عن العائلة،
ورسلاً للازمنة الجديدة، فيدعون باسمك القدوس وبنداء الانجيل وباسم
قدسية الحياة، الازواج الى الامانة، والوالدين الى ممارسة سلطتهم
والبنين الى الطاعة، والفتيات الى الوداعة، والجميع الى محبة
الانجيل والتألق بالحقيقة و الاخلاق.
فاذا ترممت العائلة المسيحية على المثال الالهي في الناصرة، تستعيد
وجهها: فيعود كل عش بيتي ليكون هيكلاً، وتضيء في كل عائلة شعلة
الايمان. فيصبر افرادها على المحنة والفقر، ويعتدلون في الغنى،
ويرتبون كل شيء في وفاق وسلام. تحت نظرك الابوي، يا رب، تصير
الاسرة، بحماية العائلة المقدسة، موئل الفضائل، ومدرسة الحكمة
والحب؛ وتصبح راحة في مشاغل الحياة وهمومها، وشهادة لمواعيد
المسيح. فترفع في هذا العالم المجد للثالوث القدوس، الى ان تبلغ مع
جميع اعضائها الى نشيد المجد والتسبيح الى الآبد. امين.
( صلاة البابا بيوس الثاني عشر).
انجيل القديس يوحنا 14/ 21-26
الشركة مع الله وبين الناس
مع حلول الروح القدس يوم العنصرة اصبح الانسان
هيكلاً
للروح القدس وبالتالي
سكنى الثالوث القدوس ، وفيشركة مع
الله ومع المؤمنين. هيكل وسكنى وشركة ثلاث كلمات تعني حقيقة واحدة
متعددة الوجوه، الكنيسة هي اداتها وعلامتها.
اولا، شرح نص الانجيل
1.حفظ الوصايا فعل محبة
" من كانت عنده وصاياي ويحفظها ، فذاك
يحبني" ( يو14/21)
محبة الله، التي في قلوبنا، هي من ثمار الروح القدس. تسمى
حسب اللفظة اليونانية
Agapé،
واللاتينية
Caritas
. هي الحب المجاني، المتجرد، السخي، حب الله الذي نحن مدعوون
لنشارك فيه ونتقاسمه، وهو في جوهره عطاء الذات. وهو الذي ينقي الحب
المعروف باليونانية
Eros، وهو الحب الشهواني في كل ابعاده: حب
المال والسلطة والجنس والمصالح والغرائز والبطن
…الحب الشهواني
Eros
هو حبّ امتلاكي متأصل في كل انسان، لكنه يحتاج الى ان ينقيه الحب
المنحدر من الله،
Agapé.
هذا الحب يجرّد الانسان من انانيته ويدفع به الى اكتشاف الآخر، وهو
اولاً الله ثم الانسان، فالى البحث عن خيره وبذل الذات في سبيله
(البابا بندكتوس السادس عشر: " الله محبة"، 2-7). من كان عنده هذا
الحب يحفظ وصايا الله: " من يحبني يحفظ وصاياي" ( يو14/21). وفي كل
حال المحبة تتحقق في الوصايا العشر: فحفظ الثلاث الاول هو محبة
الله فوق اي سواه، واحترام اسمه، وحفظ يومه، وحفظ السبعة الباقية.
وهو محبة الانسان: اكرام الوالدين، واحترام الانسان في سلامة حياته
وطهارة جسده، وصيانة ممتلكاته واسرته. وقد اختصرها الرب يسوع
بواحدة: " اترك لكم وصية جديدة: ان تحبوا بعضكم بعضاً كما انا
احببتكم" ( يو15/12)، من بعد ان اختصرها ببعديها: " ان تحب الرب
الهك من كل قلبك ونفسك وقوتك وفكرك؛ وان تحب قريبك كنفسك" (
متى22/37-39).
لا يحفظ كلام الله ولا يطيع وصاياه ورسومه ويقبل
كلامه كمبادىء لحياته، على صعيد التفكير والعمل والمسلك،
الاّ
من كان فيه الحب -
Agapé
. اما الذي لا يحفظ وصايا الله فهو
ذاك الذي
ما زال
فيه الحب-Eros.
بكلام آخر، من يحب نفسه، وهو الاناني، لا يحفظ كلام الله ووصاياه،
ولا يستطيع ان يحب الناس: فلا يضحّي ولا يعطي ولا يخدم. وينظر الى
الناس والظروف من باب الاستفادة الشخصية فقط ، ويحبس قلبه ويده
وعقله عن افادة غيره.
يسوع
المسيح هو
القدوة الكاملة
للحب -
Agapé:
"فأحب
حتى النهاية" ( يو13/1 ) وخدم وبذل نفسه فدىً عن الكثيرين (
متى20/28). لقد تجلت فيه محبة الله
Agapé))
التي تخلق وتغفر وتبرر. وبلغت المحبة الالهية ذروتها في التجسد
والفداء، اذ صار الله انساناً وافتدى الانسان، محرراً اياه من كل
العبوديات، بدءاً من العبودية لذاته، لمصالحه الرخيصة التي يضحي في
سبيلها بالصالح العام، ولغرائزه التي تطفىء فيه شعلة الروح القادرة
على ان تسمو به الى مستوى كرامة ابناء الله، لو تحرر من ذاته.
واستمرت محبة الله حاضرة في التاريخ وفاعلة في كل انسان من خلال
الافخارستيا حيث تستمر وتتواصل ذبيحة الفداء ووليمة الحياة الالهية
فينا، على مائدة كلمة الحياة، ومائدة جسد الرب ودمه. وهو "الخبز
النازل من السماء ليأكل منه الانسان فلا يموت" (يو6/50).
الافخارستيا تشركنا في دينامية الكلمة المتجسد، يسوع المسيح، وفي
تقدمته الذاتية (
Agapé).
ففي هذا السّر نتناول محبة الله التي تسري من خلالنا الى الآخرين،
فتصبح محبتنا الشخصية، وهكذا يتحول
Eros
الى
Agapé
( راجع " الله محبة"، 12-15).
3.
الانسان هيكل الروح القدس
" الروح القدس الذي يرسله اليكم ابي باسمي يعلمكم كل شيء
ويذكركم بكل ما اقوله لكم" ( يو14/26).
عندما نحفظ وصايا الله ونحبه تستقر فينا المحبة-
Agapé،
المفاضة في قلوبنا بالروح القدس، يوم ولدنا الولادة الثانية
بالمعمودية وتثبتنا بالميرون.
كانت الولادة الاولى من حشى الام، وهي الولادة بالجسد
الفاسد من جراء الخطيئة الاصلية، المفطور على محبة الذات –
Eros،
أما الولادة الثانية فهي الولادة من الماء والروح (يو3/5)
التي تزيل فساد الخطيئة بقبول الروح القدس. ونقبل معه محبة
الله-
Agapé التي تملأنا من الحياة الالهية ،
وتنقينا من كل وصمة خطيئة، وتقدسنا كما عبّر بولس الرسول: " انكم
اغتسلتم وتقدستم وتبررتم باسم ربنا يسوع المسيح وبروح الهنا "
(1كور6/11)؛ والروح القدس يقودنا الى حقيقة المحبة ويذكرنا بها (
راجع يو 14/26). بقبولنا الروح القدس نمتلىء من ثمار الحب-
Agapé كما يعددها بولس الرسول: " الفرح،
السلام، الصبر، الجودة، الحلم، الايمان، اللطف، التواضع، السيطرة
على الذات " ( غلا5/22). لولا ثمار الروح هذه، لعاش الانسان اسير
جسده واعماله من مثل: عبادة الاوثان، الدعارة،
النجاسة، السحر، العداوة، الخصومة، الغيرة، الغضب، العصيان، الحسد،
البدع، القتل، السّكر، الاباحية (غلا5/19-21).
لقد جعلنا الله بالمعمودية "هياكل الروح القدس" (
1كور6/19)، ومشاركين في رسالة المسيح. ان الروح القدس "
يمسح " المعمّد ، ويختمه بختم لا يمحى ويجعل منه هيكلاً روحياً،
فيملاءه من حضور الله المقدس ، بفضل اتحاده بيسوع المسيح وانقياده
له. وعندما يتقوى المسيحي بهذه "المسحة " الروحية، يستطيع ان
يتبنى قول الرب يسوع : " روح الرب عليّ : مسحني وارسلني
…" (لو4/18-19).
3. الانسان سكنى الثالوث الالهي
سكنى الثالوث القدوس في الانسان هي ذروة تبادل الحب بينهما،
اذ يشعر المحبوب من الله انه يمتلكه لوحده والى الابد. نقرأ في
الرسالة العامة للبابا بندكتوس السادس عشر "الله محبة" ان
المحبة-
Agapé
تتصف بحليتين: الاستئثارية التي تعني الارتباط بشخص واحد،
والديمومة التي تشمل كل وجوده ( عدد 16)، وان الحب الاناني-
Eros
اذا تاق الى حب الله-Agapé
بحركة تصاعدية، تصوّفية، ينحدر اليه الله بحبه ويستتقر فيه (
عدد7): " من يحبني يحبه ابي، انا احبه، واليه نأتي وعنده نجعل
منزلاً". هذه الحقيقة شاهدها يعقوب في الحلم مشهداً نبوياً لحقيقة
سكنى الثالوث في الانسان بقوة الروح القدس: "روح الرب يسكن فيكم" (
روم8/9). " عندما كان يعقوب نائماً، حلم حلماً، فاذا بسُلّم منتصب
على الارض ورأسه يلامس السماء، واذا بملائكة الله صاعدون نازلون
عليه، واذا بالرب واقف بالقرب من يعقوب" (تك 28/11-13؛ الله
محبة،7).
استئثارية
السكنى الالهية في الانسان تنفتح على الديمومة لانها تعطينا
الحياة الالهية، " عربون روح الله وباكورة الميراث الموعود" (
2كور1/22؛ روم8/23). فالروح الذي " يعلمنا ويذكّرنا" يضمن ديمومة
هذه السكنى.
صلّت الطوباوية اليزابيت الثالوث (
Elizabeth de la Trinité)
هكذا: " يا ربي، ايها الثالوث الذي اعبد، اجعل مني سماءك، سكناك
المحبَّبة، ومكان راحتك. فلن اتركك فيَّ لوحدك، بل اكون هناك
بكليتي، واعية لحضورك بايماني، وعابدة لك بجملتي، ومنفتحة كلياً
لفعلك الخلاّق" (التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية،
260).
سكنى الثالوث فينا تُنتج واقعين في كياننا الداخلي:
أ- البنوة الالهية: " انظروا كم هو عظيم حب الآب
لنا، حتى انه دعانا وجعلنا ابناء" ( 1يو3/1)، تبنانا بأبنه
(افسس1/5)، ووسمنا بشبه صورة ابنه، الذي هو البكر لاخوة كثيرين
(روم8/29). لقد نلنا هذه البنوة بالمعمودية، وكان لنا الصوت الذي
سُمع يوماً على ضفاف الاردن: " انت ابني الحبيب، الذي به سُررت "
(لو3/22). هو الروح القدس يجعلنا بالمعمودية ابناء الله وبناته.
يقول بولس الرسول: " هذا هو الدليل على انكم ابناء، ان روح ابنه،
الذي ارسله الله، هو في قلوبكم " (غلا4/6؛
روم8/15-16).
ب-
التأليه ((divinisation : " مكتوب انكم آلهة " (يو10/35).
التأليه
هو العلاقة الحقيقية والحية التي
يخلقها الله بحبه فينا: الله يحبنا. يأتي الينا، يتحد بنا ونحن به
ويجعلنا على شبهه، يشركنا بحياته . يقول آباء الكنيسة: " يؤلهنا
"، وذلك في ضوء كلمة الرب يسوع: “مكتوب في الشريعة : انا قلت
انكم آلهة " (يو10/35)، وكلمة بولس الرسول في أريوباغوس آثينا: "
الاله الذي خلق العالم وجميع ما فيه…لم
يكن عن احد منا بعيداً . ففيه نحن نحيا ونتحرك ونكون. وكما قال بعض
حكمائكم: ان أصلنا منه"(اعمال17/24-28). وقد اختبر بولس الرسول هذه
الحقيقة قائلاً: " لست انا أحيا، بل المسيح هو الذي يحيا
فيّ"(غلا2/20).
انه عمل الروح القدس الذي نلتمسه في الاسرار لكي يقدسّها
ويقدّس متناوليها، عندما نصلي في نافور القداس الماروني: استجبنا
يا رب وارسل روحك علينا وعلى هذه القرابين: على الخبز والخمر لكي
يصبحا جسد المسيح ودمه، وعلى المؤمنين لكي يصبحوا هم ايضاً مقدسين،
محوَّلين، مؤلَّهين ( استدعاء الروح القدس).
4.
الشركة مع الله ومع الاخوة
الشركة مع الله تتم بواسطة يسوع المسيح وبحلول الروح القدس. ننالها
عبر كلمة الله والاسرار الالهية، وتصبح شركة مع الاخوة. الكنيسة هي
علامة الشركة واداتها في بعديها العامودي والافقي. والكنيسة سرّ
وشركة ورسالة، في ضوء كلمة السيد المسيح : " انا الكرمة وانتم
الاغصان " (يو15/5).
- الكنيسة-السر:
" انا الكرمة وانتم الاغصان ". يسوع هو الكرمة الحقيقية التي يجب
ان تثبت فيها الاغصان لتحيا. فهو يهبنا نحن الاغصان الحياة والخصب
من خلال الكنيسة المؤتمنة على الكلمة والنعمة. ومن خلالها نثبت
فيه، اذ بدونه لا نستطيع ان نفعل شيئاً .
- الكنيسة-الشركة :
" اثبتوا فيَّ وانا فيكم ". هي الشركة السرية التي تربط بين المسيح
والمعمدين.
شركة حيّة ومحيية، يصبح معها المسيحيون ملكاً للمسيح، مثل الاغصان
المتّحدة بالكرمة، وليسوا ملكاً لانفسهم. الشركة الثالوثية
هي مثالها: أي شركة الابن مع الآب، عبر هبة الروح القدس؛
وهي مصدرها : المعمدون متحدون بالآب، من خلال اتحادهم
بالمسيح برباط محبة الروح؛ وهي غايتها: لقد ارسل الآب ابنه
متجسداً وفادياً، وارسل روحه حالاّ ومقدِّساً، لكي يُدخل الناس في
الشركة الثالوثية معه، ولكي يعيشوا هم في وحدة الشركة فيما بينهم.
هذا واضح من صلاة يسوع: " ليكونوا كلهم واحداً، كما انك انت ايها
الآب فيَّ وانا فيك. ليكونوا هم ايضاً واحداً فينا ، لكي يؤمن
العالم انك انت ارسلتني، وانك احببتهم كما احببتني" (يو17/21و23).
- الكنيسة-الرسالة : "أقمتكم لتذهبوا وتأتوا
بالثمار". الرسالة هي مبرر السّر والشركة في الكنيسة: "كل غصن يثبت
فيَّ ، وانا فيه، يأتي بثمر كثير". من مقتضيات الحياة المسيحية في
الكنيسة ان تأتي بثمر. ومن لا يأتي بثمر لا يبقى في الشركة: " كل
غصن فيَّ لا يأتي بثمر ينزعه ابي" (يو15/2).
نجد التبسط في مفهوم "الكنيسة السر والشركة والرسالة " في
الارشاد الرسولي" العلمانيون المؤمنون بالمسيح: حول دعوة
العلمانيين المؤمنين ورسالتهم في الكنيسة والعالم" ( 30 كانون
الاول 1988).
الكرامة المسيحية هي ان الانسان مدعو ليكون هيكل
الروح القدس، وسكنى الثالوث القدوس، وشريكاً في
البنوة وميراث الحياة الالهية، وعضواً حياً في الكنيسة
السّر والشركة والرسالة.
***
ثانياً، الخطة الراعوية
حفظ الوصايا جواب مفرح على ارادة الله الخلاصية التي سنّت الوصايا
طريقاً للانسان الى خلاصه وللمجتمع الى سلامته، وهو جواب الايمان.
تواصل الخطة الراعوية في هذا الاسبوع موضوع "نقل
الايمان في العائلة"، استعداداً للقاء العالمي الخامس للعائلات
مع قداسة البابا في فالينسيا- اسبانيا، في شهر تموز 2006. والخطة
مأخوذة من الكتيّب الذي وضعه خصيصاً لهذه الغاية المجلس الحبري
للعائلة، وفيه دعوة للتأمل في كيف ان وصايا الله العشر تنقل
الايمان ومقتضياته الحياتية.
1. تتضمن وصايا الله حقائق ايمانية تختص بالله والعائلة
والانسان في شخصه واسرته وممتلكاته. في مضمونها الجوهري توجد حماية
الحياة البشرية وعدم انتهاك قدسيتها وكرامتها، واحترام العهد
الزوجي كهبة الذات المتبادلة بين الزوجين، المصانة بالامانة
والمشددة بالطهارة الزوجية وبالوثاق الزوجي الدائم، فضلاً عن اكمال
عمل الخلق والخلاص بانجاب الاولاد وتربيتهم.
تقتضي الخطة الراعوية ان تلتقي الجماعات العائلية
الرعائية، والمنظمات الرسولية، وسواها من المجموعات الراعوية،
وترسم خطوطاً عريضة لفهم المضامين الجوهرية للوصايا العشر، ولاتخاذ
مبادرات عملية لنقل الايمان من خلالها.
2. الايمان يكتمل بالمحبة ( غلا2/6)، وإلا كان الايمان من
دون الاعمال ميتاً. هنا تظهر انسانية الانسان. الوصايا العشر
المختصرة بوصية المحبة لله وللقريب تقتضي احتراماً وطاعة.
تعملالخطة الراعوية على ان يحترم الوالدون امام
اولادهم شريعة الله، ويتخذوا مبادرات يعكسون فيها محبتهم لله
وطاعتهم من خلال حفظ وصاياه، فيدرك الاولاد ان الله هو واضع
الشريعة الطبيعية والرسوم الالهية، وهكذا يتربى ضميرهم وفقاً
لشريعة الله، ويعيشوا حرية ابناء الله في الطاعة الكاملة لرسومه.
3. ترسم الخطة الراعوية طريقة ينقل بها الاهل الى اولادهم
الالتزام بالوصايا باتمام مقتضيات كل وصية، وتطبيقها في مختلف ظروف
الحياة العائلية.
الوصايا الالهية تنقل حقاً الايمان ومقتضياته، والاهل
يكملّون بطريقة عملية التعليم المسيحي المبرمج في المدرسة والتنشئة
الدينية في الرعية.
***
صلاة
يا رب، يا من وضعت في محبتك ومحبة القريب كمال الشرية، واوليت
العائلة المسيحية الشرف والمسؤولية لنقل الايمان الى اولادها، ساعد
بنعمتك الاهل والاولاد ليتمموا وصاياك الخلاصية فيبنوا مجتمعاً
اكثر انسانية، ويبلغوا في العالم الآتي الحياة الابدية، وينعموا
بمشاهدة وجهك القدوس، ايها الآب والابن والروح القدس، لك المجد
والشكر الى الابد. آمين.
( صلاة مقتبسة من
كتاب" نقل الايمان في العائلة").
انجيل القديس لوقا 10/17-24
الكنيسة في بعدها الرسالي والليتورجي والاسكاتولوجي
تنطلق الكنيسة الى العالم
مواصلة الرسالة التي اوكلها المسيح الرب للرسل الاثني عشر
والتلاميذ الاثنين والسبعين، وهم الكنيسة الناشئة، تقوم بها " باسم
المسيح". انها رسالة في خدمة الانسان وبناء ملكوت الله في العالم:
" نادوا وقولوا
:
لقد اقترب ملكوت السماوات، اشفوا المرضى، اقيموا الموتى، طهروا
البرص، اطردوا الشياطين. مجاناً اخذتم مجاناً اعطوا
")متى10/7-8). النص الانجيلي يضع الكنيسة امام ثلاثة
مترابطة تشكل حياتها ورسالتها: ممارسة الرسالة بسلطان المسيح،
وتلاوة صلاة الشكر والاستلهام، وانتظار تجلي سرّ المسيح في نهية
الازمنة. الاول يكشف وجه الكنيسة في بعدها الرسالي،
والثاني في بعدها الليتورجي، والثالث في بعدها
الاسكاتولوجي او النهيوي.
اولاً، الكنيسة وابعادها الرسولية
1.
الكنيسة في بعدها الرسالي
"عاد التلاميذ الاثنان والسبعون بعد اتمامهم الرسالة، بفرح
وانذهال وقالوا: "يا رب، حتى الشياطين تخضع لنا باسمك" (لو10/17).
انه فرح جني الثمار، وهي مضمونة، لاننا " نحن نزرع
ونسقي، لكن الله هو الذي يُنمي" (1كور3/6). انه " سرّ ملكوت الله"
في العالم يشبّهه الرب يسوع " برجل يلقي في الارض زرعاً، وينام
ويقوم، ليلاً ونهاراً، والزرع ينبت ويعلو، وهو لا يدري"
(مرقس10/26-27). نحن نندهش معهم امام عمل الله، ونرنم: " عظيمة
وعجيبة اعمالك ايها الرب الاله الضابط الكل. ان طرقك عدل وحق، يا
ملك الامم! من لا يهابك يا رب، ولا يمجّد اسمك؟ لانك وحدك قدوس!
لان جميع الامم ستتأتي وتسجد امامك! لان احكامك قد ظهرت!"
(رؤيا15/4). ونصلي في الزمور 107: " احمدوا الرب لاجل رحمته
وعجائبه لبني البشر".
يؤكد الرب يسوع للكنيسة الناشئة ما اعطاها من سلطان ينصرهم على
قوى الشر المشبّهة " بالحيات والعقارب"، والوعد بثواب الخلاص
لممارسي هذا السلطان وللمطيعين له: " بل افرحوا لان اسماءكم كتبت
في السماء" ( لو10/20). ويرفع يسوع صلاة الشكر للاب بفرح
الروح القدس على التدبير الالهي. فهو كشف عن حقيقته للمتواضعين
كالاطفال، وحجبه عن "الحكماء والفهماء"، المكتفين بذاتهم وبمعرفتهم
وغير المندهشين بعظائم الله؛ وكشف " كل شيء للابن، يسوع المسيح،
وبواسطته لمن يشاء" (لو10/21-22).
ان مضمون رسالة الكنيسة هو كشف سرّ المسيح لجميع الناس، لان به
اعلنت الحقيقة كاملة ونهائية عن الله والانسان والتاريخ. نقرأ في
"الاعلان " الذي اصدره مجمع عقيدة الايمان بعنوان: "
الرب
يسوع"
(6 آب 2000) ان "الوحي الالهي بيسوع المسيح نهائي
وكامل بشأن الله وخلاص الانسان. نحن نؤمن ان وحي الحقيقة
الالهية بكاملها قد تحقق نهائياً في سرّ يسوع المسيح ابن
الله المتجسّد، الذي هو وسيط الوحي وكماله: فهو حقق الوحي
بتجسده والاعلان عن نفسه وباقواله وافعاله وآياته ولاسيما بموته
وقيامته المجيدة من بين الاموات، وكمّل هذا الوحي بارساله
الروح القدس الذي " علّم الحقيقة كلها" (يو16/13) للرسل اولاً
وبواسطتهم للكنيسة في كل الازمنة. وبالتالي يعتبرانه منافياً
لايمان الكنيسة الزعم بان الوحي الذي تحقق بالمسيح محدود وغير كامل
وناقص، وبانه يكتمل بالوحي الموجود لدى الديانات الاخرى (فقرة5
و6). فكلام المسيح صريح: " لقد سلمني ابي كل شيء، وما من احد يعرف
من هو الابن إلا الآب، ولا من هو الآب إلا الابن، ومن يريد الابن
ان يظهره له" (لو10/22).
ويميّز " الاعلان" بين الايمان الالهي الذي هو
قبول الحقيقة الموحاة من الله الواحد في الطبيعة والمثلث الاقانيم،
وقبولها بالنعمة التي تدخلنا في عمق السّر الالهي وفهمه- وهذه ميزة
الدين المسيحي - وبين المعتقد السائد لدى الديانات الاخرى،
الذي هو مجموعة اختبارات وتأملات وكنوز بشرية من الحكمة والتدين
التي عاشها الانسان وفكّر بها في بحثه عن الحقيقة والعلاقات مع
الالهي والمطلق ( فقرة 8؛ البابا يوحنا بولس الثاني: الايمان
والعقل،13،31-32).
نقرأ في بيان المجمع الفاتيكاني الثاني حول " الديانات غير
المسيحية": "ولئن اختلفت تعاليم الديانات الاخرى في كثير من
النقاط عن تلك التي تمتلكها الكنيسة وتعرضها، فانها غالباً ما تحمل
شعاعاً من الحقيقة التي تنير جميع الناس" (فقرة2). ويشير القرار
المجمعي حول " نشاط الكنيسة الرسالي" الى العناصر الايجابية
الموجودة في طقوس الشعوب وحضاراتها الخاصة (فقرة 9)، والدستور
العقائدي " في الكنيسة" الى ما هو خير وحق لدى غير
المسيحيين، ويشكل تحضيراً لقبول الانجيل (فقرة16). ولذا تعتبر
الكنيسة ان كتب الديانات الاخرى، ذات الطابع القدسي، التي تغذي
اتباعها وتوجه حياتهم ووجودهم، تستمد من سرّ المسيح عناصر الجودة
والنعمة التي تتضمنها ( اعلان "الرب يسوع"، فقرة 8).
يعطي الرب يسوع الطوبى للذين رأوه وسمعوه، وهو امتياز لم
ينله ملوك وانبياء من قبلهم (انظر لوقا 10/23-24). هذه الطوبى تمتد
الى كل الذين بالايمان يرون وبالرجاء يسمعون، وبالمحبة يعيشون
الحقيقة المعلنة بالمسيح عن الله وخلاص جميع الناس.
الرسالة، في ضوء المهمة الموكولة الى الرسل والتلاميذ، مثلثة
وهي: تعليم وتقديس ورعاية. التعليم باعلان انجيل ملكوت
الله؛ التقديس بشفاء الاجساد والنفوس والارواح بنعمة المسيح
الفادي؛ الرعاية باحلال المحبة والسلام والانتصار على قوى
الشر.
اما الالتزام بالرسالة فينبع من " طاعة الايمان"
(روم1/5؛16/26؛ 2كور10/5-6) التي هي الجواب الملائم للوحي الالهي.
وهي ان يقبل المسيحي بعقله الحقيقة التي يوحيها المسيح، ويقول
بالارادة "نعم" لما يوحي الله. وهي بالتالي ان يؤمن بالله
وبالحقيقة التي يوحيها، ويحقق بالعمل ما يريد الله وتعلّمه
الحقيقة. الرسالة تنطلق وتنشط وتستمر بمقدار ما تنبع من الايمان
وطاعته، وإلا فقدت غايتها وديناميتها وشموليتها.
تشمل الرسالة قطاعت متنوعة، منها:
أ- العناية الراعوية
بابناء الكنيسة حيثما وجدوا، في الوطن الاصلي وفي الاوطان
المستضيفة. وتقتضي العمل على تنشئة الافراد والعائلات والجماعات
وتقديسهم بنعمة الاسرار، وتنميتهم بخدمة المحبة الراعوية، والبلوغ
بهم الى ملء نضجهم ليصبحوا علامة حضور الله في العالم.
ب- التعاون مع الكنائس الاخرى
من خلال الاهتمام بتوطيد روابط الوحدة وتوثيق التعاون، في سبيل
تعزيز الرسالة الانجيلية الواحدة بفضل تنوع المواهب ( انظر افسس
4/11-13). هذا التعاون يقتضي ان يتم ضمن الكنائس الكاثوليكية في
لبنان والشرق الادنى والاوسط، ومع الجماعات الكاثوليكية في بلدان
الانتشار، ومع الكنيسة الكاثوليكية جمعاء (رجاء جديد
للبنان،80-84).
ج- التبشير الجديد بالانجيل:
يعني، من جهة، اعلان الانجيل مجدداً في البلدان والمجتمعات ذات
التقليد المسيحي العريق، حيث اندثر الايمان وانفقدت الممارسة
الدينية وعمت اللامبالاة الروحية؛ ومن جهة ثانية، اعتماد اساليب
وطرق جديدة ولغة مفهومة للمناداة بالبشرى الانجيلية، والعمل على
انثقاف الانجيل وتجسيده في مختلف ثقافات الشعوب.
د- الالتزام المسكوني
بتعزيز العلاقات الاخوية في الايمان والمحبة مع الكنائس والجماعات
غير الكاثوليكية، والمساهمة في ايجاد الحلول للمشكلات التي تعترض
سبيل الشركة الكاملة، والتعمق في معرفة التراث الانطاكي المشترك.
ه- الرسالة بين الامم
باعلان الانجيل الى الذين يجهلون المسيح، وتعزيز الحوار بين
الديانات وبخاصة بين المسيحية والاسلام في لبنان والعالم العربي،
والعمل على الانماء الشامل للانسان والمجتمع وعلى توطيد العدالة
والسلام وحماية حقوق الانسان، وتربية الضمائر على التسامح
والمصالحة والوفاق بين جميع الناس ( رجاء جديد للبنان،90-91).
2.
الكنيسة في بُعدها الليتورجي
الصلاة التي رفعها يسوع، بعد رسالة التلاميذ، بما فيها من شكر للآب،
وابتهاج بالروح القدس، تصبح صلاة الكنيسة الليتورجية، وفي قمتها
صلاة الافخارستيا. هذا الموضوع شكل في المجمع البطريركي
الماروني النص الخامس عشر بعنوان " الليتورجيا ". تتألف
ليتورجيا القداس من اربعة عناصر:
أ- ليتورجية خدمة الكلمة: على " البيما" في وسط الكنيسة،
المعروفة بالقرّاية، يتلو الكاهن صلوات خدمة الكلمة، التي ترمز الى
حياة يسوع العلنية ورسالته التبشيرية بين الناس، وتستحضرها، ويعمل
الكاهن، في العظة، على تأوينها.
ب- الانتقال الى المذبح ونقل القرابين: الكاهن، بشخص المسيح،
يترك العالم ويتوجه نحو الجلجلة، المرموز اليها بالمذبح، ليدخل في
سرّ الموت لفداء البشر. القرابين المعدة لتكون ذبيحة جسد المسيح
ودمه، توضع وتغطى بالنافور وتبخر، اشارة الى وضع جثمان المسيح في
القبر وتحنيطه بالطيوب، لكنه جسد قائم من الموت، واصبح طعام الحياة
الابدية.
ج- صلاة الافخارستيا: الشكر للآب الخالق الذي رسم الخلاص،
والتمجيد للابن الذي تجسّد وحقق مشروع الآب الخلاصي؛ واستدعاء
الروح القدس ليحّل على القرابين والجماعة فيقدسها ويحوّلها، وعلى
الذين نذكرهم في الطلبات لفيض نعم الخلاص عليهم؛ والمجدلة
الثالوثية في ختام صلاة الافخارستيا.
د- كسر الخبز والمناولة: رمز لاشتراك الجماعة المؤمنة بقيامة
المسيح، بعد ان شاركت في ذبيحة موته، واعلنت ايمانها بالموت
والقيامة.
3.
الكنيسة في بعدها الاسكاتولوجي
الحدث الليتورجي على الارض يعكس برمزيته ليتورجيا السماء الاساسية،
اي ليتورجيا الحمل السماوي. انها التعبير عن حقيقة الابن الحمل
المذبوح القائم من الموت والجالس عن يمين الآب يشفع من اجل العالم.
انه ببشريته التي افتدى بها الجنس البشري يمثل العالم ويقدمه للآب.
المسيح هو رئيس الكهنة ومعه يشترك مجتمع السماء في فعل التقدمة،
اما كنيسة الارض فتضم فعل الشكر من خلال ليتورجيتها الى ليتورجية
السماء، تشكر وتتشفع وتتوق، برجاء الانتظار، الى مائدة الملكوت
السماوي، حيث ينكشف كاملاً بالمشاهدة بهاء وجه الله الواحد
والثالوث، وتتحقق الطوبى للاعين التي لم ترى ( راجع لوقا10/22
و23).
***
ثانياً، الخطة الراعوية
ما
زالت الخطة الراعوية محصورة بموضوع اللقاء العالمي الخامس للعائلات
مع قداسة البابا في فالينسيا – اسبانيا، وهو: " نقل الايمان في
العائلة". شخص يسوع المسيح هو محور الايمان المسيحي وخلاصته،
تنقله العائلة المسيحية الى افرادها اساساً لحياتهم ونشاطاتهم.
المسيح محور التاريخ وحياة كل البشر، فهو مخلصهم الوحيد. لا خلاص
إلا به، ولا يشاركه فيه احد من وسطاء آخرين او مؤسسي الديانات. انه
حقاً محور الايمان المسيحي وخلاصته، فيه نجد برنامج الكنيسة
والعائلة المسيحية، هذه " الكنيسة البيتية".
1.
ترمي الخطة الراعوية الى تعريف الوالدين على يسوع المسيح،
حتى اذا عرفوه نقلوا الى اولادهم معرفته والايمان به. ترسم
الجماعات الرعائية والتربوية، في الرعية والمدرسة، خطة لتثقيف
ايمان الوالدين عن شخصية يسوع المسيح، وعن برنامجه الخاص "
بالكنيسة البيتية"، التي هي العائلة، الموجود في الانجيل والتقليد
الرسولي الحي وتعليم الكنيسة. ثم ترسم خطة لنقل هذا الايمان
بالمسيح وبرنامجه الى اولادهم.
2.
من اجل استمرارية معرفة الاهل لشخص يسوع المسيح وبرنامجه الخاص
بالعائلة، ومن اجل استمرارية نقلهما الى الاولاد، تقتضي الخطة
الراعوية ان تحتل قراءة كلمة الله مكانة مرموقة في العائلة
المسيحية، وان تستمر المشاركة العائلية في افخارستيا الاحد،
والصلاة معاً في البيت، وممارسة اعمال المحبة، وخدمة الفقراء
والمعوزين. مثل هذه المعرفة ليسوع المسيح وبرنامجه والايمان به
يحملان الاولاد على محبة شخصه، وعلى وضع وصية محبة القريب موضع
التنفيذ. وقد تركها لنا الرب يسوع علامة مميّزة، وجعلها المبدأ
للاقتداء بحياته.
كل هذا يشكّل جزءاً اساسياً من التعليم المسيحي ناقل الايمان في
العائلة.
***
صلاة
ايها الآب السماوي، مصدر كل جودة وتعزية، لقد احببت العالم حباً
شديداً. فبذلت من اجله ابنك الوحيد سيدنا يسوع المسيح. مكّن
الوالدين من معرفتك ومن معرفة مسيحك، فادي الانسان، وروحك القدوس
المعزي والهادي الى كمال معرفة الحقيقة وكمال المحبة لك ولجميع
الناس. ومكّن العائلات المسيحية من ارشاد اولادها الى الطريق
المؤدي اليك. لك المجد والشكر الى الابد. آمين.
(
مستمدة من كتاب: نقل الايمان في العائلة).
الاحد الخامس من زمن العنصرة
انجيل القديس متى 10/1-7
الوجود المسيحي لصٌنع الحقيقة في
المحبة
يشكل الرسل الاثنا عشر نواة الكنيسة، المعروفة بمملكة المسيح او
ملكوت الله، الذي يبدأ في التاريخ على الارض ويكتمل عند نهاية
الازمنة في السماء. انها الكنيسة المرسلة الى العالم حاملة سلطاناً
مزدوجاً: المناداة بانجيل ملكوت الله وشفاء الارواح والاجساد. هذا
هو الوجود المسيحي المدعو والمرسل ليصنع الحقيقة في المحبة.
اولاً، شرح الانجيل
1.الرسل الاثنا عشر نواة الكنيسة
نجد سلسلة اسماء الرسل في كل من انجيل متى ( 10/2-4)، ومرقس (
3/16-19)، ولوقا (6/13-16)، واعمال الرسل ( 1/1-13) وهم:
1. بطرس
اسمه الاصلي سمعان بن يونا، من الجليل، من بيت صيدا وسكان كفرناحوم،
صياد سمك، سماه يسوع بطرس اي الصخرة عندما اعلن ايمانه به في
قيصرية فيليبس: " انت هو المسيح ابن الله الحي"،
وسلمه
رئاسة الكنيسة بسلطان الحلّ والربط ( متى 16/16-19)، ورعاية
ابنائها وبناتها بخدمة محبة المسيح ( يو 21/15-17). اسس كرسيه
الاول
في انطاكية حيث تلاميذ المسيح سمّوا لاول مرة مسيحيين
(اعمال11/26)، ثم انتقل الى روما واستشهد مصلوباً على تلة
الفاتيكان سنة 67 في عهد نيرون المضطهد. له رسالتان من بين الرسائل
الرسولية المحفوظة في العهد الجديد.
2. اندراوس
اخو سمعان- بطرس، كان من تلاميذ يوحنا المعمدان، وتبع يسوع مع
تلميذ آخر، وقضيا النهار معه، ولما عاد قال لاخيه سمعان: " لقد
وجدنا المسيح"، وجاء به الى يسوع ( يو1/41-42). وهو الذي توسطه
فيليبس ليعرفا اليونانيين الى يسوع ( يو12/22). وهو الذي سهّل
معجزة تكثير الخمسة ارغفة والسمكتين، وقد وجدها في حوزة غلام (
يو6/8-9). بشر بالانجيل في تركيا والبلدان المحيطة. واستشهد
مصلوباً بشكل
(X)
في بتراس سنة 62.
3. يعقوب بن زبدى،
المعروف بيعقوب الكبير، صياد سمك من بيت صيدا، مثل سمعان واندراوس.
كان اسقف اورشليم وبشّر في اليهودية. استشهد سنة 44 في عهد هيرودس
اغريبا الملك الذي قطع رأسه بالسيف ( اعمال 12/2).
4. يوحنا،
شقيق يعقوب والدهما زبدى وامهما صالومه الحاضرة مع النسوة عند
الصليب وصباح القيامة، يعتبرها البعض شقيقة مريم العذراء. بسبب
طبعهما العفوي لقبّهما يسوع " بابني الرعد" ( مر 3/17). عائلتهما
معروفة لدى الاوساط الدينية. رافق مع بطرس ويعقوب الرب يسوع على
جبل طابور في التجلي، والى جبل الزيتون ليلة آلامه. يلقب بالحبيب
وهو يسمي نفسه " التلميذ الذي كان يسوع يحبه" (يو20/2). التلميذ
الوحيد الذي واكب يسوع في مراحل المحاكمة حتى الصلب. بشخصه تسلمت
مريم امومتها الروحية لكل مؤمن وبخاصة لكهنة العهد الجديد: " يا
امرأة هذا ابنك ! يا يوحنا هذه امك" ( يو19/26-27). عاش وبشر في
افسس حسب التقليد، ونفي الى جزيرة بطمس القريبة من افسس، في عهد
الامبراطور دوميسيانوس، " بسبب كلمة الله والشهادة ليسوع" ( رؤيا
1/9). عاد الى افسس حيث مات حوالي سنة 100. كتب الانجيل الرابع
ورسالتين والرؤيا ما بين سنة 98-100.
5. فيليبس
من بيت صيدا. له قال يسوع: " من رآني رأى الاب" ( يو 14/8-9)،
معلناً الوهيته، ومؤكداً المساواة في الجوهر بينه وبين الآب. انه
رجل الثقة عند يسوع. بشّر في فريجيه وبلدان آسيا الصغرى، واسس
كنائس، واستشهد مصلوباً سنة 53 في
هيروبوليس
ونقلت
رفاته في القرن السادس الى روما. ثم اعادها البابا بولس السادس الى
بطريرك القسطنطينية المسكوني.
6. برتلماوس
ابن تلماوس هو نتنائيل من قانا الجليل( يو21/2). رآه يسوع
عن بعد وهو تحت التينة قبل ان يلتقيا ( يو1/48)، فاستنار واعلن
ليسوع: " يا معلم، انت هو ابن الله، انت هو ملك اسرائيل" (
يو1/49)، بعد ان شكك بيسوع الذي اعلنه له فيليبس ودعاه ليراه: "ان
الذي كتب عنه موسى والانبياء، قد وجدناه، وهو يسوع ابن يوسف الذي
من الناصرة" (يو1/45). بشّر في الهند وانشأ فيها كنيسة، ثم انتقل
الى بلاد فارس ( ايران) فارمينيا حيث اضطهده الوثنيون وسلخوا جلده
وقطعوا رأسه سنة 71.
7. توما، بفضل سؤاله عن الطريق المؤدي الى الآب، قال يسوع
عن نفسه انه " الطريق والحق والحياة" ( يو 14/6). وهو بعد ان شكك
بقيامة يسوع، وتراءى له الرب، اعترف بالوهيته هاتفاً: " ربي والهي"
( يو 20/28). بشّر في بلاد فارس ( ايران) ثم في الحبشة، واخيراً في
الهند حيث انشأ الكنائس. اضطهده كهنة الاصنام وقتلوه رجماً سنة75.
8. متى هو لاوي بن حلفى ( مر2/14) من قانا الجليل،
كان عشاراً، مسؤولاً عن جباية المال للدولة (متى 9/9؛ لو5/27)،
وبالتالي يعتبره الناس خاطئاً. هذا دعاه يسوع لاتباعه، وهو جالس في
دارالجباية، فقام وتبعه ( مر2/14). بشّر في فلسطين والحبشة حيث
انشأ الكنائس واستشهد مرمياً بالرمح سنة 90 فيما كان يقيم الذبيحة
الالهية. كتب الانجيل الاول حوالي سنة 41 باللغة الارامية ثم
باليونانية. لكن النص الآرامي قد ضاع.
9. يعقوب بن حلفى، من قانا الجليل، المعروف بيعقوب
الصغير و " اخي الرب"، هو ابن عم يسوع من جهة امه، وهو من بين
الذين يقال لهم " اخوة يسوع" ( متى 13/55). امه كانت حاضرة على جبل
الجلجلة مع النسوة ( مر 15/40). بعد موت يعقوب الكبير اصبح اسقف
على اورشليم ام الكنائس، حيث بشّر بالمسيح. هو الذي قدم الحل
للمسألة المطروحة في مجمع اورشليم، وهو " عدم ارهاق الراجعين الى
الله من الوثنية بختانتهم بحسب عادة الناموس" ( اعمال 15/19). عاش
حياة تقشف ونسك واستشهد رجماً بالحجارة سنة 62 في عهد رئيس الكهنة
حنان الشاب، اثناء الفترة الانتقالية بين وفاة الحاكم فستوس ووصول
خلفه ألبينوس. له رسالة هي الاولى بين الرسائل الرسولية نجد فيها
اعلان سرّ مسحة المرضى الذي اسسه الرب يسوع (يعقوب 5/14-18). وهو
واضع اول نافور لليتورجية القداس.
10. لابي الملقب بتادي هو ايضاً يهوذا ابن يعقوب ( لو6/16؛
اعمال1/13)، اخو يعقوب بن حلفى الذي ربما سمي " الصغير" لان اسم
ابيه كان يعقوب. له رسالة بين رسائل العهد الجديد الرسولية. بشر في
بلاد ما بين النهرين (العراق) والبلدان العربية وارمينيا حيث قبض
عليه الوثنيون ورموه بالسهام سنة 68.
11. سمعان القانوي الملقب بالغيور بسبب غيرته على التقاليد
اليهودية " وتعليم الآباء" ( غلا1/14)، ولانتمائه الى المقارمة ضدّ
المحتل الروماني. لُقّب "بقانوي" لانه من قانا الجليل. بشّر في مصر
وجزر ايطاليا، استشهد مصلوباً في روما في عهد الامبراطور ترايانوس.
12. متّيا انتخبه الاحد عشر باختيار الهي ( اعمال1/24-26)
من بين التلاميذ الاثنين والسبعين، بعد خيانة يهوذا الاسخريوطي
وانتحاره. وهو من الذين " صحبوا الرسل طوال الزمن الذي فيه كان
الرب يسوع يدخل ويخرج معهم، بدءاً بعماد يوحنا الى يوم صعد من
بينهم" ( اعمال1/21-22). بشّر في العراق والبلدان العربية، وافتقد
توما الرسول في الهند، ثم عاد الى اليهودية ومنها انطلق الى الحبشة
حيث استشهد سنة 63.
تجدر الاشارة الى ان بولس الرسول ليس من الرسل الاثني عشر،
لكنه يُعد رسولاً، بسبب ترائي الرب يسوع له واختياره اياه "اناء
مصطفى ليحمل اسم يسوع امام الامم والملوك وبني اسرائيل"، وبسبب
كرازته الكاملة للانجيل ورحلاته الرسولية ( اعمال9/15). استشهد في
روما سنة 67 في عهد الامبراطور نيرون، بقطع الرأس، تاركاً 14 رسالة
رسولية.
2.
موقع الرسل في تاريخ الخلاص
ارادهم الرب يسوع اثني عشر عاموداً للكنيسة يتحدر منهم شعب الله
الجديد. فيحلون محل اسباط الشعب القديم الاثني عشر. اما تسميتهم
" رسلاً" فلانهم " مرسلون" من المسيح للكرازة بالانجيل، حسب
التعبير اليوناني
Apòstolos
من فعل
apostéllo..
ومضمون الانجيل اعلان دخول الله في شركة مع عالم البشر بشخص
يسوع المسيح،
ابن الله المتجسد:
“
لقد اقترب ملكوت السماء” ( متى 10/7)، وبدأ عمل الخلاص بشفاء
الارواح والاجساد (متى10/1و8).
الرسل هم الذين يبشرون بالمسيح جميع الشعوب وجميع البشر،
وفقاً لارادة الله وهي " ان يخلّص جميع الناس ويبلغوا الى معرفة
الحق"، الى معرفة يسوع المسيح ( 1 تيم 2/4). هذا هو الانجيل،
البشرى السارة، مصدر كل حقيقة، والنظام الخلقي، وكنز المواهب
الالهية التي تُسبغ على الجميع ( الوحي الالهي،7؛ التعليم المسيحي
للكنيسة الكاثوليكية 74-75).
هذا الانجيل اعلنه يسوع بلسانه وامر رسله ان يبشروا به الناس
اجمعين، فنقلوه شفوياً وكتابة:
أ- شفوياً:
بالكرازة الشفوية وسيرة حياتهم النموذجية وتنظيمهم القانوني، كما
تسلّموه من المسيح، كلاماً سمعوه، وعيشاً الفوه، واعمالاً عاينوها،
وحقائق تلقنوها من ايحاءات الروح القدس. هذا النقل الحي بالروح
القدس، المتواصل على يد خلفاء الرسل، الاساقفة، والمحفوظ سالماً
بتعاقب غير منقطع حتى منتهى الدهر، يدعى التقليد الرسولي
(التعليم المسيحي، 76-77).
ب- كتابة:
بتدوين بشارة الخلاص بالهام من الروح القدس: الاناجيل الاربعة،
واعمال الرسل، والرسائل الراعوية، والرؤيا. هذه تشكل العهد الجديد
الذي مع العهد القديم يؤلف الكتاب المقدس اي كلمة الله
المدونّة كتابه بالهام من الروح القدس، بينما التقليد
المقدس هو كلمة الله التي ألقى بها المسيح السيد والروح القدس الى
الرسل، والتي تُنقل بحذافيرها الى خلفائهم الذين، اذا كرزوا بها،
وهم في غمرة انوار روح الحق، يحافظون عليها ويعرضونها وينشرونها
بامانة" ( الوحي الالهي 9؛ التعليم المسيحي،81).
الكتاب المقدس والتقليد متميزان ومترابطان ومتكاملان: ينبثقان من
ينبوع الهي واحد، ويسعيان الى غاية واحدة: سرّ المسيح الحاضر في
الكنيسة حضوراً خصباً الى منتهى العالم ( الوحي الالهي 9؛ التعليم
المسيحي80). الذي أدخل الشركة العامودية بين الله والناسن والشركة
الافقية بين الناس انفسهم من خلال شخصه. هذا هو " ملكوت الله"،
والكنيسة هي زرعه وبدايته.
يجب تمييز التقليد الرسولي عن "التقاليد الكنسية" اللاهوتية
والتنظيمية والليتورجية التي نشأت عبر الازمان في الكنائس المحلية،
وفقاً للامكنة والعصور المختلفة. انها تعابير تتبدّل في حكم السلطة
التعليمية في الكنيسة، ولا تدوم إلا في نور التقليد الرسولي (
التعليم المسيحي، 83).
عندما نقول " نؤمن بكنيسة رسولية" نعني ثلاثة:
أ-
ان الكنيسة مبنية على اساس الرسل
( افسس2/20)، هؤلاء الشهود الذين اختارهم المسيح وارسلهم لاعلان
انجيله الخلاصي.
ب-
ان الكنيسة تحفظ وتنقل بعون الروح الساكن فيها التعليم،
اي وديعة الايمان والكلمات السليمة التي سُمعت من الرسل.
ج-
ان الكنيسة لا تزال تُعلّم وتُقدّس وتوجّه منذ عهد الرسل حتى مجيء
الرب،
بفضل الذين خلفوهم في المهمة الراعوية، هيئة المطارنة ومعاونوهم
الكهنة، بالوحدة مع خليفة بطرس، راعي الكنيسة الاعلى ( التعليم
المسيحي، 857).
الخاتمة
ما جرى منذ ألفي سنة يتكرر اليوم مع خليفة بطرس،البابا الجديد
بندكتوس السادس عشر الذي اعلن في قداسه الاول، غداة انتخابه،
ان حدث قيصرية فيليبس يتجدد، فيعلن هو: " انت هو المسيح ابن الله
الحي"، والرب يسوع يعلنه: "انت الصخرة- بطرس التي ابني عليها
كنيستي"! وقال: هذا هو الطريق الذي أسلكه على خطى بطرس وخلفائه في
الشركة الاسقفية لخدمة الكنيسة الجامعة والواحدة في الايمان بواسطة
الكرازة بالانجيل في العالم المعاصر، حاملاً هماً وحيداً: ان اعلن
للعالم اجمع حضور المسيح الحي، معتمداً نهج الوجود المسيحي وهو "ان
نصنع الحقيقة في المحبة".
***
ثانياً، الخطة الراعوية
يتواصل النشاط الرسولي الهادف الى اعلان انجيل ملكوت الله
وتثقيف الايمان وصُنع الحقيقة في المحبة، من خلال العائلة المسيحية
التي تنقل الايمان من جيل الى جيل.
ما زالت الخطة الراعوية تركّز على موضوع اللقاء العالمي
الخامس للعائلات مع قداسة البابا في فالينسيا باسبانيا، وهو "
نقل الايمان في العائلة"، وتتخذ محور نقل الايمان عبر التقوى
الشعبية.
1. تلتقي الجماعات العائلية الرعائية والتربوية، وتفكر معاً في
السبل التي تمكّن كل عائلة من المشاركة في الاحتفالات الليتورجية
احياءً لايمان افرادها، وتغذية له. وتربط هذه الجماعات بين الافعال
الليتورجية، وبخاصة ليتورجيا القداس، وممارسات التقوى الشعبية التي
تنطلق منها وتشكل اختبارات اصيلة للايمان، ووسائل لنقله الى
الاولاد في العائلة. تنظم الخطة الراعوية هذه الممارسة ضمن
برنامج لنقل الايمان.
2. ممارسات التقوى الشعبية عامة هي: زمن الصوم واسبوع الآلام
والثلاثية الفصحية، والعبادات الخاصة بالعذراء والقديسين وزيارات
الحج الى مزاراتهم، وتذكارات الموتى وزيارات المدافن، والمسيرات
الشعبية والزياحات. تعمل الخطة الراعوية على تعزيز هذه
الممارسات وعلى اشراك العائلات المسيحية فيها، لكونها الكفيلة
لتنقل هذه العادات من الاهل الى اولادهم. بتناقلها يُنقل الايمان
من الكبار الى الصغار. معلوم ان هذه الممارسات تترك انطباعات لا
تمحى في الاولاد. من شأن الخطة الراعوية تنظيم الممارسات بشكل يضمن
نقل الحقائق الايمانية انطلاقاً من ظروف كل ممارسة ومن انواعها.
3. تعنى الخطة الراعوية بان تصقل ممارسات التقوى الشعبية
هوية الشعب المسيحي، وبأن تكون تعبيراً خارجياً عن ايمانه، وبأن
تصبح شهادة اصيلة للايمان الشخصي تجاه غير المؤمنين، وحافزاً
للضعفاء في ايمانهم والتزامهم.
تبقى
ممارسات التقوى الشعبية الوسيلة الفضلى لنقل الايمان الى الاولاد
في العائلة. ويشهد عليها اختبار الكنيسة العريق.
***
صلاة
ايها الآب السماوي، لقد جعلت العائلة المقدسة في الناصرة قدوة
للممارسة التقوية، كما عاشها يوسف ومريم ويسوع كل سبت، وفي مناسبة
الحج السنوي الى اورشليم في عيد الفصح، وسواها من المناسبات
التقوية. نسألك ان تعطي كل عائلة مسيحية ان تقتدي بالعائلة المقدسة
في ممارسة التقوى الشعبية، وفي الاقتداء بفضائلها، بحيث ينمو
اولادها "في القامة والحكمة والنعمة امام الله والناس"، على مثال
الطفل يسوع. واجعل يا رب ان تكون كل عائلة ناقلة للايمان الى
اولادها، وصانعة للحقيقة في المحبة. لك المجد والشكر الى الابد.
آمين.
( مقتبسة من كتاب " نقل الايمان في العائلة").
انجيل القديس متى 10/16-25
مرسلون
للشهادة لانجيل الخلاص
الكنيسة مرسلة لتشهد لانجيل الخلاص،
فيلقى ابناؤها المحاكمة والاضطهاد. لكن الرب يسوع يدعوهم الى
الثبات في الشهادة وسط المحن، متحلّين بفضيلتين: الحكمة والوداعة.
ويعطيهم ضمانة الهية تطمئنهم ان الروح القدس يلهمهم ما به يتكلمون.
هذا الواقع عبّر عنه القديس اغسطينوس بالقول: " ان الكنيسة تعلن،
دونما انقطاع ومدى الاجيال، سرّ تجسد ابن الله وسرّ الفداء الذي
حققه، وسط اضطهادات العالم وتعزيات الله ".
اولاً،
مرسلون للشهادة
1. مرسلون للشهادة كخراف بين الذئاب
" ها انا ارسلكم كالخراف بين الذئاب "
(متى10/16).
الكنيسة مؤتمنة على الشهادة لسرّ المسيح : التجسد والفداء
اللذين يشكلان قلب ايمانها وتراثها النفيس.
بالتجسّد، الله صار معنا، أخذ الحالة البشرية وجاء
يسكن بيننا لكي نستطيع ان نسكن فيه. هو الكلمة الالهي ، ابن الله،
صار بشراً وسكن بيننا (يو1/14)، عطية حب من الآب، ليرمم في الانسان
صورة الله التي شوهتها الخطيئة.بالفداء، ابن الله المتجسد،
افتدانا بالآمه وموته، وحررنا من الخطيئة والموت الابدي، وصار لكل
انسان ينبوع الحياة الجديدة: واحد مات من اجل الجميع (2كور5/14).
وراء موت يسوع، يوجد تصميم حب، تسميه الكنيسة بايمان " سر الفداء"
أي ان البشرية باسرها مخلِّصة، اذ انها تتحرر من عبودية الخطيئة،
وتدخل في ملكوت الله. كل هذا يعني ان اله الخلق هو عينه اله
الفداء، امين لنفسه، امين لحبه للانسان وللعالم، كما كشف عن نفسه
يوم الخلق.
ابناء الكنيسة يشهدون لهذه الحقيقة بثبات في ايمان
الكنيسة، عندما يطبعون بها الثقافة والاقتصاد والسياسة.
أجل ان اعلان سرّ المسيح الذي انكشفت معه حقيقة الله
والانسان والتاريخ بشكل كامل ونهائي، باعلان سرّ التجسد والفداء،
مسألة لا تقف عند البُعد اللاهوتي بل تمتد الى ابعاد خلقية وثقافية
وسياسية وتكشف النقاب عن الانحرافات.
سرّ المسيح يكشف ان الله واحد في طبيعته وثالوث في
اقانيمه. ولانه اله واحد لا ثلاثة الهة ، بل ثلاثة اشخاص في
الالوهة الواحدة، فانه محبة. ولانه محبة فهو خالق وفادٍ ومبّرر:
الآب خلق، والابن تجسد وافتدى البشرية بموته وقيامته،
والروح القدس قدس الانسان وأشركه في الحياة الالهية بحلوله.
ولو لم يكن الله واحداً في ثلاثة اقانيم لما كان محبة ولما خلق
الانسان، ولما افتداه ، ولما اشركه في سعادة حياته الالهية، ولما
دخل في علاقة مع الانسان والتاريخ، ولما اسس الكنيسة اداة للخلاص
الشامل، واداة للشركة مع الله وبين الناس. هذه الحقيقة الايمانية
تستدعي مقتضيات روحية وخلقية وثقافية.
المقتضيات الروحية هي اولاً عبادة الله الواحد وخضوع
لشرائعه ووصاياه وطاعة لارادته، وعمل في المجتمع من وحي الهاماته.
فتسقط كل الاصنام وتسقط عبادة الذات والشخص والنظام والايديولوجية؛
وهي ايضاً انخراط في حياة الكنيسة المؤتمنة على كلمة الحياة ونعمة
الخلاص وشريعة المحبة، وواجب التزام برسالتها. لقد قامت بالمقابل
بدع وشيع وتيارات مناوئة للكنيسة، ورافضة لوديعة الايمان المسلَّمة
اليها، ولسلطتها الالهية التشريعية والاجرائية والقضائية، ولسلطة
التعليم والتقديس والولاية التي سلّمها اياها السيد المسيح
لتمارسها من اجل خلاص جميع الناس، وعرقلت رسالتها. كل ذلك من خارج
الكنيسة ومن داخلها.
المقتضيات الخلقية هي التصرف قولاً وعملاً على قاعدة
القيم الروحية والانسانية والاجتماعية التي تنطلق من مبدأ كرامة
الشخص البشري وحقوقه الاساسية، ومن قدسيته ككائن مخلوق على صورة
الله، مفتدى بدم المسيح، مكرساً ليكون هيكلاً للروح القدس وعضواً
في جسد المسيح السّري، ووريثاً للحياة الالهية. هذه المقتضيات
تصطدم بتيارات الاباحية الخلقية، والفئوية، والطبقية، والتسلط،
والظلم والاستبداد والاستعباد والاستغلال، واللامساواة، وتسييس
القضاء، وروح التفرقة والنزاعات، والسعي وراء المصالح الخاصة
والنزوات، والروح الاستهلاكية.
المقتضيات الثقافية هي ترجمة المبادىء في حضارات
الشعوب وثقافاتهم وانظمتهم الاقتصادية والسياسية والاجتماعية.
وتتجلى في نظام الحريات العامة، وحقوق الانسان الاساسية،
والديموقراطية، والحوار، والتعاون والنمو الشامل للانسان والمجتمع.
لكنها تلقى حرباً من الانظمة الديكتاتورية والتوتاليتارية
والشيوعية والماركسية والراسمالية الفردية.
هذا الواقع المتنوع على الاصعدة المختلفة شبّهه السيد
المسيح بواقع الخراف بين الذئاب. من هنا القول القديم
والحديث: " الانسان ذئب لاخيه الانسان ". لكن الكنيسة مرسلة لتحقق
نبوءة اشعيا عن الزمن المسيحاني الذي يحل فيه روح الرب بمواهبه
السبع: " حينئذٍ يسكن الذئب مع الحمل، ويربض النمر مع الجدي ...لا
يسيئون ولا يفسدون في كل جبل قدسي، لان الارض تمتلىء من معرفة
الرب، كما تغمر المياه البحر" (اشعيا11/6و9). وحدها معرفة الرب
توحّد البشر ، وتقرّب فيما بينهم. ان اساس الازمات كلها فقدان
معرفة الرب.
2.
سوء تفهم العالم واضطهاداته
" يسلمونكم الى المجالس، ويجلدونكم في مجامعهم، وتساقون الى
الحكام والولاة "
(متى10/17-18).
هذا ما جرى للسيد المسيح نفسه وللرسل وسائر المؤمنين من جيل
الى جيل حتى يومنا. كتاب رؤيا القديس يوحنا يعطي نظرة نبوية
عن هذا الواقع تهدف الى تعزية الجماعات المستضعفة، الاخوة والاخوات
في الايمان وتشجيعهم. يكتب يوحنا الرسول من جزيرة باتموس، حيث نفي
" بسبب كلمة الله وشهادة يسوع "، الى الجماعات المسيحية السبع في
آسيا الصغرى قائلاً: " انا اخاكم يوحنا الذي يشارككم في الشدة
والملكوت والثبات في يسوع " (رؤ1/9).
هذا الكتاب وضعه يوحنا في اواخر عهد الامبراطور الروماني
دوميسيانس (سنة81-96) حيث كانت سائدة عبادة الاوثان وعبادة
الامبراطور، وكان مطلوباً تأليهه. كانت مراسيمه المعممة تقول في
فاتحتها: " سيدنا والهنا يأمر..." هذا الكتاب يخاطب اليوم شعبنا في
لبنان وسواه، وكلهم بحاجة ماسة الى تشجيع وثبات ، ليحافظوا على
هويتهم ورسالتهم، ولينالوا المكافأة من الذي قال لهم: " سيكون لكم
في العالم ضيق. لكن تقووا، انا غلبت العالم " (يو16/33).
واقعنا اليوم في لبنان، في تنوع فئاته، يعاني هنا
من اضطهاد سياسي، وهناك من ظلم واستبداد وضغوطات، وهنالك
من تجويع وتهجير واضعاف. وكأن " امبراطورية رومانية " ما تنهش
الشعب، و"امبراطور روماني" ما يفرض العبادة والتأليه .الشعب مقهور
ومذلول: منهم من يستقوي بالنافذين، ومنهم من يتنازل عن كرامته
وقيمه وتقاليده ومواطنيته ؛ ومنهم من، يروح يستجدي من السفارات
تأشيرة هجرة ، بدلاً من هوية وكرامة ضائعتين.
كُتب عن الديموقراطية، في الممارسة السياسية
اللبنانية، انها اصبحت اليوم اوليغارخِية (oligarchie)
أي حكم جماعة نافذة تهيمن على الدولة بهدف الاستغلال. هذا النوع من
الحكم ديكتاتورية مقنعة، اذ يتميز بالفوقية المستقوية، وبفرض نظام
غير مشكل قانونياً، وبالاستغلال المادي والمعنوي والسياسي. فالشعب،
في الديموقراطية اللبنانية، مغيَّب تماماً فلا رأي له ولا حساب،
هواجسه وفقره وقهره له وحده ولا يعني ممثليه في الحكم، لانهم
يأتمرون بمصالحهم الخاصة واحقادهم وتصفية حساباتهم السياسية.
في الفصل الثالث عشر
من كتاب الرؤيا، يستعمل يوحنا الرسول رموزاً وصوراً
واعداداً ، ليفسر للجماعات المستضعفة واقع معاناتهم، دون ان يسمي
الحكم والاشخاص، لكي يحمي القراء وسامعيه ويجنّبهم اخطاراً لا
فائدة منها. يستعمل صورة الوحش والتنين ليتكلم عن الدولة
واجهزتها الظالمة، ويستعمل ارقاماً لكي لا يسمي الامبراطور الحاكم
المتسلط الذي يستعبد الناس، ويقتل ويهمّش كل من لا يواليه
(رؤ13/15-17).
ويذكرّ يوحنا المؤمنين بأن الظالم سيخلع عن عرشه،
والفساد سينتهي لان المسيح الرب، حمل الله المذبوح، قد احرز
انتصاراً على الوحش والتنين. نراه يردد هتاف المخلَّصين:" انت اهل..لانك
ذبُحت فافتَديت لله بدمك اناساً من كل قبيلة ولسان وشعب وامّة ،
وجعلت منهم لالهنا مملكة وكهنة سيملكون على الارض ..الحمل الذبيح
اهل لان ينال القدرة والغنى والحكمة والقوة والاكرام والمجد
والتسبيح" (رؤ5/9-10؛ انظر ايضاً : 11/15-18؛15/3-4؛19/1-8).
في الفصل الثاني عشر، يشبّه الكنيسة بالمرأة التي
تتهيأ لتلد، والتنين يترقبها ليبتلع مولودها، فحماها الله وحمى
ابنها من شر التنين، كما وعد : " ابواب الجحيم لن تقوى عليها"
(متى16/18).
3.
قاعدة الحياة
" كونوا حكماء كالحيات
وودعاء كالحمام " (متى10/16).
يحتاج شعبنا اليوم الى حكمة ووداعة، قاعدةً لحياته:
الحكمة هي من مواهب الروح القدس، التي تجعل من يمتلكها قادراً
على ان ينظر الى وقائع الحياة من منظار الله. ذروة الحكمة مخافة
الله أي مرضاته والعيش في صداقته. الوداعة هي فضيلة الرب
يسوع المحببة: " تعلموا مني اني وديع ومتواضع القلب " (متى11/29)،
وقوامها حمل صليب الحياة بصبر، والعيش ببساطة وتجرد، وانفتاح القلب
على تعزيات الله.
ان الذين يتحلون بالحكمة والوداعة يلهمهم الروح ما يقولون
ويفعلون من اجل التغيير والتحرير واعادة بناء المجتمع. بالنسبة
الينا في لبنان، للروح القدس كلام واضح ومنير في الارشاد الرسولي
"رجاء جديد للبنان" يمكّننا من التجدد الشخصي وتجديد الهيكليات،
والنهوض بالمجتمع والوطن الى حالة تعيد له دعوته التاريخية.
***
ثانياً الخطة الراعوية
استمدت الكنيسة قوتها عبر العصور، وسط المحن والصعوبات، من
افخارستيا الاحد، حيث كانت تجلس جماعاتها وعائلاتها المسيحية،
اسبوعياً، كعائلة الله، حول المائدتين: مائدة كلمة الله التي تفتح
اذهان المؤمنين والمؤمنات لفهم الحقيقة، ومائدة جسد الرب ودمه التي
تغذي قلوبهم بالمحبة وتنشطهم في الرسالة صابرين على المحنة. وكانت
تنطلق للرسالة على هدي الهامات الروح القدس.
تتمحور الخطة الراعوية حول موضوع اللقاء العالمي
الخامس للعائلات مع قداسة البابا في فالينسيا ( تموز 2006)، وهو:
" نقل الايمان في العائلة". فتركّز على افخارستيا الاحد
للانطلاق في رسالة اعلان انجيل الخلاص، ولمواجهة الصعوبات اليومية،
ولادخال حضارة الحقيقة والمحبة في عالم الشؤون الزمنية: العلاقات
الاجتماعية، الثقافية، الاقتصاد، السياسة...
1. تعقد العائلات والمنظمات الرسولية والجماعات الرعائية
والتربوية والديرية لقاءات تشاور وتفكير حول اهمية قداس الاحد لنقل
الايمان الى الاولاد في العائلة، ولتنشئتهم على الرسالة المسيحية
في محيطهم بالرغم من الصعوبات والمعاكسات والمحن. تستنير هذه
اللقاءات بما قال شهداء اثيوبيا ( الحبشه)، عندما سئلوا عن
مخالفتهم اوامر الامبراطور الصارمة، فأجابوا: " بدون لقائنا كجماعة
كل يوم احد للاحتفال بالافخارستيا، لا نستطيع ان نعيش, فبدونها
تنقصنا القوة لمجابهة الصعوبات اليومية، وعدم السقوط.
2. يوم الاحد، يوم الرب القائم من الموت ويوم هبة الروح
القدس، هو يوم الايمان والمحبة. تتساءل الخطة الراعوية حول
مبادرات عملية لتثقيف ايمان الاولاد في العائلة انطلاقاً من مثل
الاهل في حياتهم، ولخدمة المحبة تجاه الفقراء، والمسنين، والاشخاص
الذين في حاجة مادية او معنوية، بحيث تكون افخارستيا الاحد المنطلق
والغاية في هذه المبادرات.
3. الايمان المسيحي يقتضي الالتزام بالوحدة بين افراد
الجماعة العائلية والرعائية والمجتمعية، كما صلى الرب يسوع: " ايها
الآب، ان الذين وهبتهم لي، ليكونوا واحداً كما نحن واحد" (
يو17/21). تقترح الخطة الراعوية مبادرات لشدّ اواصر الوحدة،
وانتزاع اسباب التشرذم والانقسامات. فالمشاركة في الافخارستيا دخول
المؤمنين والمؤمنات في شركة الاتحاد بالله الثالوث والوحدة، فيما
بينهم، انطلاقاً من الشركة في جسد المسيح ودمه التي تقتضي التزاماً
بحضارة العطاء وبذل الذات في سبيل الاخوة.
***
صلاة
ايها الرب الاله، الذي تجمعنا كل يوم احد حول مائدة الكلمة ومائدة
جسد ابنك ودمه، لنحتفل بتذكار قيامته من بين الاموات، شددنا في
الرجاء والالتزام برسالتنا وحضورنا الفاعل، وسط المحن والصعوبات،
وساعدنا لنعيش عائلة متحدة بالايمان والمحبة، فيتربى اولادنا
وينموا بايمانهم، وتنفتح قلوبهم على آفاق المحبة الاجتماعية,
فنسبّح رحمتك الى الابد بيسوع المسيح ربنا. آمين.
( صلاة مقتبسة من
كتاب: نقل الايمان في العائلة).
الاحد السابع من زمن العنصرة
انجيل القديس لوقا
10/1-7
الرسالة المسيحية متأصلة في الكهنوت العام
يبرز النص الانجيلي، في زمن الكنيسة، رسالتها كشعب كهنوتي، مع اصلها
ومقتضياتها. وينبين ان الرسالة المسيحية واجب على جميع المؤمنين
المسيحيين بحكم المعمودية والميرون، وهي تبدأ في العائلة، "الكنيسة
البيتية".
اولاً، شرح الانجيل
1.
رسالة الاثنين والسبعين
" اختارهم وارسلهم اثنين اثنين امام وجهه"
( لوقا10/1).
رسالة الاثنين والسبعين تشكل الاساس الانجيلي لرسالة المسيحيين:
" ارسلهم يسوع امامه" لكي يعدّوا طريقه، وكأنهم سفراؤه. فلا
يبشرون بذواتهم ولا يعلمون تعليمهم الخاص بهم. فالمسيح نفسه قال عن
تعليمه انه تعليم الله الآب: " الكلام الذي تسمعونه ليس لي بل للآب
الذي ارسلني" ( يو14/24)، وعن الهامات الروح القدس انها من كلام
الآب والابن: " حين يجيء روح الحق، هو يقودكم الى جميع الحق، لانه
لا يتكلم من عنده، بل يقول كل ما يسمع، ويطلعكم على ما سيكون. جميع
ما هو للآب هو لي، لهذا قلت: يأخذ مما هو لي ويطلعكم عليه"
(يو16/13 و15).
" ارسلهم اثنين اثنين" ليشهدوا للمسيح في ما يدعون اليه
بشأن يسوع وملكوت الله. والشهادة الرسمية تقتضي وجود شخصين: " على
فم شاهدين تقوم كل كلمة" ( متى 18/16). جميع الافعال القانونية،
المدنية والكنسية، تشترط لقيامها وجود شاهدين.
" ارسلهم الى الحصاد الكثير" لكي يشعروا بالمسؤولية
المشتركة الملقاة على الكنيسة جمعاء: "نؤمن بكنيسة واحدة رسولية".
انها واحدة في رسالتها، وواحدة في المسؤولية. فليست الرسالة مقتصرة
على قلة او بعض بل تشمل الجميع. المشاركة فيها " حق وواجب" (
العلمانيون المؤمنون بالمسيح، 14). ولهذه الغاية يوزع الروح القدس
مواهبه المتنوعة (1كور12/4-11؛28-31). ويدعوالرب يسوع للصلاة حتى
يكثر الرب الفعلة الملتزمين بالحصاد. الله هو صاحب الحصاد ويدبّر
الحصادين، لكنه يريد منا ان نحمل نحن همّ الرسالة، والبحث عن فعلة
وفهمهم وتشجيعهم وموآزرتهم واعدادهم. تدعو قوانين الكنيسة المؤمنين
المسيحيين ليعوا دورهم في رسالة الكنيسة، وتوجب على الاكليريكيين
ان يقروا بهذا الدور ويعززوه، وان يميزوا على الاخص مواهبهم
المتنوعة، ويوجهوها مع اختصاصهم وخبرتهم الى خير الكنيسة ورسالتها
(القانون 381 بند3).
"ارسلهم كخراف بين الذئاب" الى حصاد استولى عليه اعداء
يمنعون الحصادين ويعتدون عليهم، كما جاء في مثل الكرامين والقتلة (
متى21/33-39). اعداء الحصادين هم كل الذين يقاومون الرسالة
المثلثة: كلمة الانجيل، ونعمة الاسرار، وشريعة المحبة والاخوّة،
وهم اما اشخاص، واما جمعيات عقائدية او عصابات، واما اصحاب سلطات
تمتهن الظلم والتسلط والاستضعاف، يشبهون بالذئاب لانهم يبلغون الى
اهدافهم بالعنف والقوة والاعتداء. اما الفعلة الذين يرسلهم صاحب
الحصاد فهم كالخراف مسالمون وودعاء وملتزمون بالحق والخير، وقوتهم
منه لا منهم.
امرهم " ألا يحملوا كيساً او زاداً او حذاء"، محرراً اياهم
من همّ المادّيات لينصرفوا الى مقتضيات الرسالة. اما الجماعة التي
يؤدون لها خدمة التعليم والتقديس والتدبير فهي تحسن عليهم بوسائل
العيش: "فالفاعل يستحق اجرته" ( لو10/7). وهكذا انطلقت العادة
الحميدة في الكنيسة منذ عهد المسيح والرسل، اذ راح المؤمنون يحسنون
على كهنتهم بما يحتاجون اليه من ماديات. ان ما يقدمه المؤمنون
للكهنة عند ممارسة الاسرار والخدمات الروحية يسمى "حسنة"، وما
تقدم الرعية من مال شهري اوسنوي يسمى " معلوم" او "معاليم" اي
الواجب الكنسي الذي يجمعونه من بعضهم البعض، ويقدمونه لكاهن رعيتهم
بشكل مالوف، لكي يؤمّن وسائل عيشه لقاء ما يقدم لهم من خدمة للكلمة
والنعمة والمحبة.
أوجب عليهم "ألا يسلموا على احد في الطريق"، لا بالمعنى
الضيق اي عدم اداء تحية السلام، بل بالمعنى الواسع اي عدم التلهي
بشؤون الدنيا على حساب رسالة الانجيل. يشرح هذا القول بولس الرسول:
"كل شيء مباح، ولكن ليس كل شيء ينفع". ثمة نزعة علمانية هي اللهو
بشؤون دنيوية، وتشبه بالمدنيين وتسلياتهم، تؤثر سلباً على الرسالة
وقواها والتزاماتها، وعلى شهادة الحياة المنتظرة من قبل الذين
أتمنهم الرب على الرسالة والحصاد. ولهذا أوجبت القوانين الكنسية
على الكهنة الامتناع عن الوظائف المدنية العامة، وعن المشاركة
مشاركة ناشطة في الاحزاب السياسية والنقابات العمالية، وعن التعاطي
بانفسهم او بواسطة غيرهم الاعمال التجارية، والفئوية المفرطة
والارتهان، وعن كل ما لا يليق بحالتهم (القوانين 382-385؛ الشرع
الخاص، المادة 85-86).
وسلمهم خدمة السلام: " السلام لهذا البيت" ( لو10/5). هو
سلام المسيح اي نور الكلمة والنعمة الشافية والروح معطي المحبة، لا
مجرد تحية اجتماعية. انه السلام الفائض من موت المسيح وقيامته،
"السلام الذي لا يعطيه العالم"، كما يقول الرب يسوع.
2.
الرسالة المسيحية والكهنوت
بعد أن اختار يسوع 12 رسولاً وارسلهم ليعلنوا انجيل ملكوت الله
ويشفوا المرضى، وهم سيكونون كهنة العهد الجديد ( لو9/1-6)، اختار
72 تلميذاً وارسلهم اثنين اثنين ليعدوا طريقه بشهادة المثل
والحياة. الفرق بينهم وبين الرسل هو ان الرسل يحملون سلطان
الكهنوت، المعطى بالدرجة المقدسة، والمثلث الابعاد: سلطان الكرازة
والتعليم بخدمة الكلمة (البُعد النبوي)، وسلطان تقديس
الاجسلد والنفوس بواسطة افعال العبادة وتوزيع الاسرار، وهي خدمة
النعمة ( البُعد الكهنوتي)، وسلطان قيادة الجماعة ورعايتها
بخدمة المحبة ( البُعد الملوكي). اما التلاميذ فيشاركون
بالكهنوت بحكم المعمودية. خلفاء الرسل هم الاساقفة والكهنة
معاونوهم؛ وخلفاء التلاميذ هم المعمدون العائشون في العالم او في
الحياة المكرسة.
للعدد المحدد معانيه ومبرراته:12 رسولاً هم اعمدة
الكنيسة، شعب الله الجديد، الذين يحلون محل الاثني عشر رئيساً
لاسباط اسرائيل، شعب الله القديم؛ 72 تلميذاً يمثلون جامعية
الكنيسة التي تشمل الاثنين والسبعين امّة من شعوب الارض المتحدرين
من ابناء نوح الثلاثة: سام وحام ويافت، الذين خرجوا من السفينة بعد
الطوفان ( تك،10). انهم يمثلون العائلة البشرية التي تتأصل في
العائلات الدموية، ومنها تنطلق وتكبر. هذه هي الكنيسة الجامعة
المنفتحة على جميع شعوب الارض، المؤتمنة على شمولية الخلاص بالمسيح
وقد اراد الله " ان يخلص جميع الناس ويبلغوا الى معرفة الحق "
(1تيم2/4).
الكنيسة رسولية بحكم طبيعتها، لكونها تنبع من رسالة الابن
ورسالة الروح القدس، وفقاً لتصميم الله الآب، المعروف " بينبوع
المحبة" ( القرار المجمعي في النشاط الرسالي،2). ورسوليتها هي ان
تكون " اداة خلاص" (sacramentum)
للجنس البشري باسره، بنعمة الخلاص النابعة من موت المسيح وقيامته.
فالكنيسة، التي تحتوي اسرار الخلاص، تفجرت ينابيع خلاص من صدر
المسيح المائت على الصليب، كما جاءت العلامة بالماء والدم عندما
طعن صدره بحربة( يو19/34)، على ما قرأها اغسطينوس، ومن بعده، تعليم
الكنيسة (الدستورالمجمعي في الليتورجيا،5).
يمتاز انجيل لوقا بانه وحده يذكر ارسال الاثنين والسبعين، بعد
ارسال الاثني عشر رسولاً، ليبين ان رسولية الكنيسة تشمل جميع
ابنائها. فالكنيسة هي " شعب كهنوتي اختاره الله ليكهن للملكوت
ويخبر بمجد الله الذي يدعو من الظلمة الى النور" ( 1 بطرس2/9).
تميز الكنيسة بين " الكهنوت العام" الذي ينتمي اليه
المؤمنون بالمسيح بواسطة المعمودية والميرون، " وكهنوت الخدمة"
الذي يختار له الرب بعضاً من المؤمنين المعمدين ويوليهم سلطانه
الالهي الكهنوتي المثلث بواسطة سرّ الدرجة ( الشماسية والكهنوت
والاسقفية)، من خلال وضع اليد ومسحة الميرون. عبّر القديس اغسطينوس
عن حقيقة الكنيسة كشعب كهنوتي: " كما اننا ندعى جميعاً مسيحيين،
بسبب المسحة السرّية، كذلك ندعى جميعاً كهنة، لاننا جميعاً اعضاء
في جسد الكاهن الاوحد" ( مدينة الله، 20/10). ويضيف في مكان آخر: "
ان رأسنا المسيح لم يتقبل وحده المسحة، فنحن ايضاً تقبلناها معه،
لاننا جسده... واذا كنا جسد المسيح، فهذا ناجم بوضوح عن كوننا قد
تقبلنا المسحة، واصبحنا في المسيح ممسوحين ومسحاء، لان الرأس
والجسد يؤلفان، على وجه ما، المسيح الكلي ( العلمانيون المؤمنون
بالمسيح، 14). وقد تبسط آباء المجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني في
مفهوم الكهنوت العام وكهنوت الخدمة في الدستور العقائدي "في
الكنيسة" (10-11).
3.
الرسالة المسيحية تنطلق من العائلة
العائلة، في تعليم الكنيسة، هي "كنيسة مصغرة" او " كنيسة
بيتية" مبنية على سرّ الزواج، وبهذه الصفة هي "خلية
الكنيسة الاساسية". انها جماعة الايمان والرجاء والمحبة،
وبالتالي المكان الاول للتربية على الصلاة. وبهذه الصفة عينها
تشارك كنيسة المسيح في حياتها ورسالتها، وتساهم في بناء ملكوت
الله، اذا عاشت مشاركتها كهنوت المسيح في ابعاده الثلاثة: البعد
النبوي بأن تكون جماعة مؤمنة ومبشرة بالانجيل، و البعد
الكهنوتي بأن تكون جماعة مصلية وفي حوار مع الله، والبعد
الملوكي بأن تكون جماعة في خدمة الانسان (الدستور العقائدي في
الكنيسة، 11؛ التعليم المسيحي 2204-2205؛ في وظائف العائلة
المسيحية،49-64).
من خلال العائلة تبلغ الرسالة المسيحية عمق الحياة الاجتماعية
والوطنية، ما جعل العائلة " الخلية الاساسية للمجتمع"، حيث
يتنشأ الانسان للحياة في جماعة، و "خلية الدولة"، لانها هي
التي تلد المواطنين وتحمي اخلاقهم ( التعليم المسيحي، 2206-2207؛
في وظائف العائلة المسيحية، 42).
لهذه الاسباب اوجبت الكنيسة الاعداد للزواج، ودعت الى تعزيز راعوية
العائلة. بهذا الخصوص اصدرت اللجنة الاسقفية لشؤون العائلة في
لبنان وثيقتين:" البرنامج الموحد للاعداد للزواج"، و "
دليل الجماعات العائلية الرعائية". هذه فضلاً عن كتيب "
الاولاد ربيع العائلة والمجتمع" ( 2000) وكتاب "صلاة العائلة"
(2001)، وكتيب " العائلة المسيحية بشرى سارة للالفية الثالثة" (
2002). وهذه السنة كتيب " نقل الايمان في العائلة" (2006).
في الختام،
نأمل ان يفيض الله بركاته على كل عائلة لتسهم في بنيان ملكوته على
ارضنا، ملكوت القداسة والعدالة والمحبة والسلام.
***
ثانياً، الخطة الراعوية
نختتم استلهام الخطة الراعوية في كتيب " نقل الايمان في
العائلة"، الصادر عن المجلس الحبري للعائلة تحضيراً للقاء
العالمي الخامس للعائلات مع قداسة البابا. انها تتمحور حول موضوع:
"مريم العذراء تحفة الفداء وقدوة المؤمنين".
1. تنطلق الخطة الراعوية من ادراكنا اننا تلقينا تكريم
السيدة العذراء في جوّ البيت الوالدي، كإرث ثمين، من خلال مَثَل
ابائنا وامهاتنا وشهادتهم في كل من صلاة المسبحة في العائلة، وصلاة
التبشير الملائكي والاحتفال بالاعياد المريمية، واحياء شهر ايار
المخصص لتكريم العذراء، والزيارات التقوية الى معابدها.
تفكّر الجماعات الرعائية معاً في كيفية احياء هذا التكريم لامنا
مريم العذراء، وتضع خطة ملائمة له بهدف نقل حقائق الايمان، في هذه
المناسبات التقوية، الى اجيالنا الطالعة، وبهدف الدخول في اتحاد
عميق مع الرب يسوع، على مثال السيدة العذراء منذ حبلها الالهي به
حتى موته على الصليب فقيامته وارسال روحه القدوس عليها وعلى
الكنيسة الناشئة.
2. انطلاقاً من الاتحاد بالمسيح، تضع الخطة الراعوية
مبادرات لادخال الاهل واولادهم في الاتحاد بحياة الكنيسة
ورسالتها، على مثال مريم، التي تقدمها لنا الكنيسة تحفة الفداء
وقدوة. وفي طليعة المبادرات ممارسة سرّي التوبة والافخارستيا بشكل
دؤوب.
***
صلاة
الّلهم ربنا، لقد منحت البشرية جمعاء، بواسطة امومة مريم العذراء،
ثمار الخلاص، ووضعتها لنا قدوة في حياة الكنيسة ورسالتها. اعطنا ان
نفتح عقولنا وقلوبنا، مثلها، لكلمة الحياة، فنقبلها ونحفظها ونعمل
بها، بايمان ورجاء ومحبة. وامنحنا ان نختبر بفرح شفاعة تلك التي
اعطتنا ابنها يسوع المسيح، واهب الحياة. ولك نرفع الشكر والتسبيح
ايها الآب والابن والروح القدس، الى الابد. آمين.
( مقتبسة
من كتاب: نقل الايمان في العائلة).
|