الاحد 29 حزيران 2008
الاحد الثامن من زمن العنصرة
عيد القديسين الرسولين بطرس وبولس
الشاهدين والشهيدين للايمان بالمسيح
من انجيل القديس متى 16/13-20
وجَاءَ يَسُوعُ إِلى نَواحِي قَيْصَرِيَّةِ فِيْلِبُّسَ فَسَأَلَ
تَلامِيْذَهُ قَائِلاً: "مَنْ يَقُولُ النَّاسُ إِنِّي أَنَا ابْنُ
الإِنْسَان؟". فقَالُوا: "بَعْضُهُم يَقُولُون: يُوحَنَّا
الـمَعْمَدَان؛ وآخَرُون: إِيْليَّا؛ وغَيْرُهُم: إِرْمِيَا أَو
أَحَدُ الأَنْبِيَاء". قَالَ لَهُم: "وأَنْتُم مَنْ تَقُولُونَ
إِنِّي أَنَا؟".فَأَجَابَ سِمْعَانُ بُطْرُسُ وقَال: أَنْتَ هُوَ
الـمَسِيحُ ابْنُ اللهِ الـحَيّ!".فأَجَابَ يَسُوعُ وقَالَ لَهُ:
"طُوبَى لَكَ يَا سِمْعَانُ بنَ يُونَا! لأَنَّهُ لا لَحْمَ ولا
دَمَ أَظْهَرَ لَكَ ذلِكَ، بَلْ أَبي الَّذي في السَّمَاوَات.
وأَنَا أَيْضًا أَقُولُ لَكَ: أَنْتَ هُوَ بُطْرُسُ، أَيِ
الصَّخْرَة، وعلى هـذِهِ الصَّخْرَةِ سَأَبْنِي بِيْعَتِي،
وأَبْوَابُ الـجَحِيْمِ لَنْ تَقْوى عَلَيْها.
سَأُعْطِيكَ مَفَاتيحَ مَلَكُوتِ السَّمَاوَات، فَكُلُّ مَا
تَربُطُهُ على الأَرْضِ يَكُونُ مَرْبُوطًا في السَّمَاوَات، ومَا
تَحُلُّهُ على الأَرْضِ يَكُونُ مَحْلُولاً في السَّمَاوَات".
حينَئِذٍ أَوْصَى تَلامِيْذَهُ أَلاَّ يَقُولُوا لأَحَدٍ إِنَّهُ
هُوَ الـمَسِيح.
تحيي الكنيسة اليوم عيد القديسين الرسولين بطرس وبولس،
عمودي الايمان بالمسيح اللذين اعلنا الايمان واستشهدا في روما سنة
67، بطرس بالصلب على مثال المسيح، وبولس بقطع الرأس. في هذا اليوم
يفتتح قداسة البابا بندكتوس السادس عشر السنة اليوبيلية المخصصة
للقديس بولس، بمناسبة ذكرى الفي سنة لميلاده، والتي تنتهي في 29
حزيران 2009.
***
اولاً، شرح نص الانجيل
1.
اعلان الايمان بالمسيح
" انت هو المسيح ابن الله الحي"
في قيصرية فيلبّس، حيث الناس يعبدون الهاً وثنياً هو "بان"،
والمحلّة تدعى بانياس، وفيها بنى هيرودس الكبير قصراً وهيكلاً
لفيلبس ابنه على اسم اغسطس قيصر الامبراطور الروماني "الالهي"،
اعلن سمعان بن يونا ايمانه بالمسيح، مجيباً على سؤال الرب: وانتم
من تقولون اني هو؟ "انت المسيح ابن الله الحي". فبدّل يسوع اسم
سمعان الى بطرس وجعله صخرة الايمان التي يبنى عليها كنيسته،
المملكة الجديدة النازلة من السماء، المعروفة بملكوت الله او ملكوت
المسيح.
في قيصرية فيلبس كانت العبادة للاله الوثني الصنمي "بان"، فتحولت
العبادة لله الحي. وكان الناس يرون في الامبراطور البشري اغسطس
وجهاً صنماً للالوهة، فكشف ايمان بطرس ان يسوع المسيح ابن الله،
الاله الحقيقي الوحيد خالق السماء والارض والسيد المطلق، وانه
القيصر الالهي الجديد. وكانت الصخور الشاهقة المحيطة بالقيصرية
ضمانة لثباتها، فتحوّلت الى صخرة بشرية ايمانية، في شخص بطرس
المؤمن، بُنيت عليها كنيسته الثابتة مدى الدهور، فيما تندثر كل
الامبراطوريات المبنية على صخور الارض. وفوهة الشر التي في
القيصرية كانت رمز الانغلاب لشر الانسان الغريزي، رأى فيها الرب
يسوع رمزاً لقوى جحيم الشر التي لن تقوىَ على الكنيسة.
تقع بانياس على السفح الشمالي لجبل حرمون حيث ينبع نهر الاردن. وهي
منطقة وثنية، فيها شفى يسوع المرأة النازفة، فيما كان متوجهاً الى
بيت قائد المئة الروماني الوثني ليشفي فتاه. بُنيت فيها القيصرية
بين السنتين 3 و2 قبل المسيح.
في قيصرية فيلبس أعلنت العلاقة بين العقل والايمان اللذين اذا
اتحدا، وصلا الى الحقيقة الموضوعية المطلقة، حقيقة الله والانسان
والتاريخ. الجواب الاول الذي اعطاه الرسل على السؤال، كان جواب
العقل، فاتى خاطئاً، لان العقل البشري كشف لهم ان في شخص يسوع
تقمّص احد الانبياء، مثل ايليا او ارميا او احد آخر. اما جواب
العقل المستنير بالايمان، الذي اعطاه بطرس، كان جواب الحقيقة: "انت
هو المسيح ابن الله الحي"! فامتدح يسوع ايمانه، وهو عطية الله
لانارة عقل الانسان.
نقرأ في الرسالة العامة لخادم الله البابا يوحنا بولس الثاني "الايمان
والعقل" (14 ايلول 1998):
الايمان والعقل هما بمثابة جناحين يمكّنان العقل البشري من
الارتقاء الى تأمل الحقيقة والى معرفة الله ومعرفة الذات (الفقرة
الاولى). انها معرفة واحدة يبلغ اليها العقل، معتمداً الادراك
الحسّي والاختبار، ومستنيراً بالايمان الذي يهتدي بانوار الروح
القدس، بحيث يجد في المسيح الخلاص وهو "ملء النعمة والحق"
(يو1/14)، (الفقرة 9). هذا التلاقي بين الايمان والعقل في الحقيقة
الواحدة يتحقق عبر وسيلتين: سماع الايمان بقبول ما جاء في الوحي
الالهي، متطوراً شيئاً فشيئاً في التقليد المقدس والكتب المقدسة
والتعليم الكنسي الحي، وفهم الايمان بتحليل العقل الفلسفي والعلمي
(الفقرات 64 -66).
2.
اعلان سرّ الكنيسة
في قيصرية فيلبس اعلن المسيح سرّ الكنيسة انها "بيت الله" المبني
على صخرة الايمان بالمسيح، فلا تتزعزع بل
تصمد
بوجه قوى الشر، لان اساسها ابن الله يسوع المسيح؛ وانها "ملكوت
السماوات" الذي يبدأ معها على الارض، وهي"جماعة تراتبية منظمة"
فيها سلطة تحمل "سلطان الحلّ والربط" المتمثّلة بشخص بطرس وخلفائه.
"سلطان المفاتيح" لادارة بيت الله، الذي هو الكنيسة، معروف ايضاً
بسلطان التدبير او الرعاية: "ارع خرافي" (يو21/15)، ويعني السلطان
على مغفرة الخطايا، وتحديد العقيدة ووضع قواعد خلقية وتهذيبية في
الكنيسة (كتاب التعليم المسيحي 552-553). لكن السلطة في الكنيسة
تعني رسالة خدمة جسد المسيح كله وجميع الناس، وتوجيه الخِدم
الشخصية وفقاً للمواهب التي يوزّعها الروح القدس من اجل خير
الجماعة، بهدف ان يعرف جميع الناس الحقيقة ويبلغوا الخلاص (الدستور
العقائدي في الكنيسة،18؛ التعليم المسيحي،874-875). انها رسالة-
خدمة- وتوجيه تمارسها السلطة الكنسية باسم المسيح وبشخصه، وتقتضي
بذل الذات على مثال المسيح الراعي والخادم والفادي (المرجع
نفسه،876-879).
لكن كنيسة المسيح هي في جوهرها "المسيح السرّي او الكلّي" حسب
تعبير القديس اغسطينوس: "لقد اصبحنا لا مسيحيين فحسب بل المسيح
اياه، فهو الرأس ونحن اعضاء جسده. هذا هو ملء المسيح، المسيح
الكامل" (التعليم المسيحي، 795).
3.
الرسولان بطرس وبولس
لقد اعتبر دائماً التقليد المسيحي الرسولين بطرس وبولس غير
منفصلين، ولو كان لكل واحد منهما رسالته الخاصة.
بطرس هو الاول في اعلان الايمان بالمسيح، وبولس نال الموهبة لاغناء
هذا الايمان. بطرس اسس اول جماعة مسيحية آتية من الشعب المختار،
وبولس اصبح رسول الوثنيين "الامم".
لقد عملا بمواهب مختلفة، من اجل قضية واحدة، هي بنيان كنيسة
المسيح. نعيّد لهما في يوم واحد، بالرغم من استشهادهما الواحد بعد
الآخر، وليس في اليوم عينه. بطرس سبق، وبولس لحق. لكنه يوم مكرّس
بدماء الشهيدين. لا شيء يفصل بينهما، لا شيء يضاد بينهما، لان
الاختيار الالهي جعلهما اثنين متلازمين، شبيهين على تنوّع، وفي
الغاية متساويين.
وبالنسبة الى روما، كان بطرس وبولس يُعتبران، منذ الاجيال المسيحية
الاولى، مؤسسيّ المدينة المسيحية، مثلما اسسها مدنياً الأخوان
Remus
و
Romulus
اللذين ارضعتهما اللبوة، وفقاً للاسطورة. وبالرغم من اختلافهما على
المستوى الانساني، كانا بروح الانجيل شقيقين على يدهما وُلدت روما،
وقد أرسيا اساساتها(من عظة البابا بندكتوس السادس عشر في 28 حزيران
2007).
***
ثانياً، السنة اليوبيلية للقديس بولس
(28 حزيران 2008- 29 حزيران 2009)
انها سنة يوبيلية تحيي تذكار ألفي سنة لميلاده الحاصل بين السنتين
7 و10 بعد المسيح. يدور محور "سنة بولس" في روما، لان رفاته
محفوظة، حسب التقليد، تحت المذبح الكبير في بازيليك القديس بولس،
خارج الاسوار. في ساحاتها الداخلية وفي باحات دير الآباء البندكتان
الذين يتولون خدمتها، يمكن اقامة احتفالات ليتورجية وثقافية
ومسكونية، بالاضافة الى مبادرات راعوية واجتماعية وثقافية من وحي
الروحانية البولسية.
تُنظم رحلات حج يوبيلية الى ضريح القديس بولس الرسول بروح التوبة
لجني الثمار الروحية. وتُعقد مؤتمرات وندوات مع منشورات علمية
لمعرفة تعليم بولس الرسول، هذه الثروة الغنية والتراث الكبير
للبشرية المفتداة بالمسيح. نشاطات مماثلة يمكن اقامتها في مختلف
مناطق العالم، ولاسيما في الابرشيات والجمعيات الرهبانية والمؤسسات
اللاهوتية التي تستلهم روحانية القديس بولس وتعليمه وشخصيته.
وفي سنة بولس، لا بدّ من ايلاء البعد المسكوني اهتماماً خاصاً، ذلك
ان رسول الامم تفانى كلياً في سبيل الوحدة والوفاق بين جميع
المسيحيين. تستشفعه الكنيسة خلال سنوات يوبيل الالفي سنة لميلاده
ليساعدها على التقدم في البحث المتواضع والصادق عن السبل المؤدية
الى ملء الوحدة بين جميع اعضاء جسد المسيح السري (عظة البابا
بندكتوس السادس عشر في 28 حزيران 2007).
***
ثالثاً، الخطة الراعوية لتطبيق المجمع البطريركي الماروني
في ختام تقبّل النص المجمعي الثامن: "الحياة الرهبانية في
الكنيسة المارونية"، نستكمل مبادىء "التجديد في الحياة الرهبانية"
(الفقرات 49-54). بالاضافة الى المبادىء الاربعة السابقة، نعرض
التالية:
1. اعادة تعزيز الحياة الديرية المشتركة والحفاظ على
ثوابتها: المحبة الاخوية، شهادة الحياة، واحة الصلاة والاشعاع،
الشهادة لقيم الملكوت، ملجأ الفقراء وملاذ الغرباء، مراكز شفاء
ورجاء، علامة لحضور الله مع شعبه.
2. وعي الهدف الاساسي من المؤسسات الرهبانية ونشاطاتها
واعمالها الرسولية والراعوية والاجتماعية على تنوعها، والهدف نقل
بشرى الانجيل والبلوغ الى الخلاص. ما يقتضي تقوية البُعد الزهدي
وبساطة العيش، وجعل المؤسسات كنائس حيّة شاهدة للمسيح ورحمته،
ومدارس روحانية انجيلية.
3. شهادة الحياة الاخوية المحبة، المتجرّدة والمتفانية التي
منها ينبع خصب الحياة الروحية، وسط عالم ممزّق بالانقسامات
والنزاعات. فلا بدّ من عيش فرح الوحدة والاستغفار والغفران
والمصالحة، والانطلاقة من جديد بثقة متبادلة وتطلعات مشتركة الى
المستقبل.
4. اعطاء التنشئة الرهبانية اهميتها القصوى، فان مستقبل
الحياة المكرسة مرتبط الى حدّ بعيد بتنشئة اعضائها. فلا يغلب الهمّ
العددي على الالتزام الصادق والشاهد، قولاً وحياة.
5. التعاون والنسيق بين الرهبانيات، من اجل عمل متكامل
ومسؤول، بتأكيد وحدة الانتماء والتقارب والمسعى الواحد، كما
وبالتعاضد البنّاء وتبادل الخبرات.
6. الاهتمام من جديد بالارض واستثمارها، وتحديث انماط
الشراكة مع العلمانيين لانهاض الروحيّة المارونية، ولاستباق شركة
القديسين. وبهذا تُصان العائلة الصغرى المجاورة للدير، صوناً
للعائلة الكبرى.
***
صلاة
يا راعي الخراف العظيم، ربنا يسوع المسيح، لقد دعوت بطرس
وبولس، الرسولين الشهيدين، لرعاية الكنيسة بالمحبة وتثقيف الايمان
بالمعرفة السامية. جعلتهما عمودي الايمان والمحبة وبنيت عليهما
الكنيسة. قدّس رعاة كنيستك ليكونوا مثلهما "رعاة مثل قلبك يرعون
الخراف بالفطنة والعلم". اجعل من سنة القديس بولس موسم تجديد في
الايمان وتعمّقٍ في سرّك ايها المسيح، لنحمله للعالم شهادة حياة،
وثقافة لجيلنا. جدد، ايها المسيح، في قلوب الرهبان والراهبات وسائر
المكرّسين دينامية المحبة التي نذروا نفوسهم من اجلها، وللسعي الى
كمالها، تلك التي قال عنها بولس خادمك ورسول الامم: "محبة المسيح
تستحثنا". فنرفع الى الآب والابن والروح القدس، الاله الواحد، كل
مجد وتسبيح وشكر، الآن والى الآبد، آمين.
مجلس رئاسة اليوبيل الكبير للعام 2000: "الروح القدس يملأ
الكون" ، تعريب الخوري ايلي اديب ضو، المطبعة البولسية 2 نيسان
2007 صفحة 75-78.
"الروح القدس يملأ الكون"، تعريب الخوري ايلي اديب ضو، صفحة
82-83.
الاحد 6 تموز 2008
الاحد
التاسع من زمن العنصرة
مسحة
الروح القدس والرسالة المسيحية
من رسالة القديس
بولس الرسول: 2 كورنتس 5/20-6/10.
َيا إخوَتِي، نحْنُ
سُفَرَاءُ الـمَسِيح، وكَأَنَّ اللهَ نَفْسَهُ يَدْعُوكُم
بِوَاسِطَتِنَا. فَنَسْأَلُكُم بِاسْمِ الـمَسِيح: تَصَالَحُوا
مَعَ الله! إِنَّ الَّذي مَا عَرَفَ الـخَطِيئَة، جَعَلَهُ اللهُ
خَطِيئَةً مِنْ أَجْلِنَا، لِنَصِيرَ نَحْنُ فِيهِ بِرَّ الله.
وَبِمَا أَنَّنا مُعَاوِنُونَ لله، نُنَاشِدُكُم أَلاَّ يَكُونَ
قَبُولُكُم لِنِعْمَةِ اللهِ بِغَيْرِ فَائِدَة؛ لأَنَّهُ يَقُول:
"في وَقْتِ الرِّضَى اسْتَجَبْتُكَ، وفي يَوْمِ الـخَلاصِ
أَعَنْتُكَ". فَهَا هُوَ الآنَ وَقْتُ الرِّضَى، وهَا هُوَ الآنَ
يَوْمُ الـخَلاص. فإِنَّنَا لا نَجْعَلُ لأَحَدٍ سَبَبَ زَلَّة،
لِئَلاَّ يَلْحَقَ خِدْمَتَنَا أَيُّ لَوْم. بَلْ نُظهِرُ
أَنْفُسَنَا في كُلِّ شَيءٍ أَنَّنَا خُدَّامُ الله، بِثَبَاتِنا
العَظِيمِ في الضِّيقَاتِ والشَّدَائِدِ والـمَشَقَّات، في
الضَّرَبَات، والسُّجُون، والفِتَن، والتَّعَب، والسَّهَر،
والصَّوْم، وبِالنَّزَاهَة، والـمَعْرِفَة، والأَنَاة، واللُّطْف،
والرُّوحِ القُدُس، والـمَحَبَّةِ بِلا رِيَاء، في كَلِمَةِ
الـحَقّ، وقُوَّةِ الله، بِسِلاحِ البِرِّ في اليَدَيْنِ
اليُمْنَى واليُسْرَى، في الـمَجْدِ والـهَوَان، بالصِّيتِ
الرَّدِيءِ والصِّيتِ الـحَسَن. نُحْسَبُ كَأَنَّنَا مُضِلُّونَ
ونَحْنُ صَادِقُون! كأَنَّنَا مَجْهُولُونَ ونَحْنُ مَعْرُوفُون!
كأَنَّنَا مَائِتُونَ وهَا نَحْنُ أَحْيَاء! كأَنَّنَا
مُعَاقَبُونَ ونَحْنُ لا نَمُوت؛ كَأَنَّنَا مَحْزُونُونَ ونَحْنُ
دَائِمًا فَرِحُون! كأَنَّنَا فُقَرَاءُ ونَحْنُ نُغْنِي
الكَثِيرِين! كأَنَّنَا لا شَيءَ عِنْدَنَا، ونَحْنُ نَمْلِكُ
كُلَّ شَيء!
في هذا الاحد الاول
من يوبيل الالفي سنة للقديس بولس الذي اعلنه البابا بندكتوس السادس
عشر "سنة بولسية" من 28 حزيران 2008 الى 29 حزيران 2009،
نبدأ بتخصص التنشئة المسيحية لتعليم القديس بولس في رسائل الآحاد
طيلة هذه السنة، بالارتباط مع تعليم السنة الطقسية.
كتب بولس
الرسول رسالته
الى اهل كورنتس حوالي سنة 56، بعد ان اقام فيها سنتين من 50 الى
51، وغادرها الى افسس. الموضوع الاساسي في رسالته الثانية الى اهل
كورنتس هو الخدمة الرسولية التي يقوم بها، مبّيناً عظمتها
واصالتها من جهة، ومحدوديتها وسرعة عطبها من جهة اخرى. لكن المسيح
المنتصر هو الضامن لنجاح الرسالة. هذا قول يشدد عزيمتنا نحن
المسيحيين اليوم، ويوطّد رجاءنا بالمسيح وبرسالة الخلاص الموكولة
الى الكنيسة.
***
اولاً، شرح نص
الرسالة وربطها بتعليم الانجيل
1.
المصالحة رسالة
المسيحيين
" نحن سفراء
المسيح للمصالحة"
(2 كور 5/20)
يؤكد بولس الرسول ان
الله صالح البشرية مع نفسه بالمسيح، ولم يحسب للبشر
خطاياهم، لان المسيح اشتراهم بدمه، وافتداهم بقبول الصلب عنهم
ارضاءً للعدالة الالهية، " فذاك الذي لم يعرف الخطيئة، جعله الله
خطيئة لاجلنا، لنصير به برّ الله" (2 كور 5/21).
لقد بدأ بالمسيح ومعه
العهد الجديد، وهو عهد المصالحة الذي يجدد كل شيء: " الاشياء
القديمة مضت، وكل شيء صار جديداً" ( 2كور5/17). وحدها المصالحة
تجدد العلاقات مع الله وبين الناس. هذه هبة عظيمة من الله بالمسيح:
ان يتجدد الانسان كل يوم بالمصالحة. ما أتعس الذي يعيش يوماً بعد
يوم في عتيق خلافاته والنزاعات.
لكن المصالحة
الاجتماعية تبدأ بالمصالحة الشخصية، مع الله والذات، بهذا
الجديد الذي فينا من جراء سرّ الفداء والقيامة: " كل من هو بالمسيح
الآن، هو خليقة جديدة" (2كور5/17).
المسيحي سفير
المسيح الداعي الى مصالحة الله والناس:
" نحن سفراء المسيح، وكأن الله يدعوكم على يدنا... ان تصالحوا
الله" ( 2كور5/20). فلا يحق للمسيحيين، وقد تصالحوا مع الله
بالمعمودية والتوبة، ان يتوانوا عن خدمة المصالحة " لئلا تصير
باطلة فيهم خدمة الله التي قبلوها" ( 2كور6/1). ولا يحق لهم ان
يكونوا بخلافاتهم سبب عثرة وشك " لئلا يكون في خدمتنا عيب"
(2كور6/3)، مهما كانت الصعاب والمحن واسباب الخلاف والنزاع.
يدعو بولس
المسيحيين
ان يتصرفوا كخدّام الله بالصبر الكثير على الشدائد والعذابات...
بالسهر والصوم... بالأناة والرفق... بالحب الذي لا
غش فيه. وبقول
الحق بقوة الله" ( 2كور6/4-7). ويؤكد لهم قيمة الرجاء
الوطيد بالمسيح بالرغم من المظاهر الخارجية ، وهذا منطق مناقض
لمنطق العالم، فيقول: " كأننا مجهولون، ونحن معروفون. كأننا
مضلّون، ونحن محقّون. كأننا اموات، ونحن احياء. كأننا كئيبون، ونحن
دائماً فرحون. كأننا فقراء، ونحن نغني الكثيرين. كأن لا شيء لنا،
ونحن نملك كل شيء (2كور6/8-10).
2.
الرسالة المسيحية من
مسحة الروح القدس
يتلى في هذا الاحد
انجيل القديس لوقا (4/14-21)، عن مسحة الروح القدس والرسالة
التي يقبلها الرب يسوع في بشريته، لانجاز عمل الخلاص. فالروح القدس
كرّسه كاهن الفداء والخلاص: " روح الرب عليَّ، مسحني وارسلني"
(لو4/18). هذه المسحة نالها ايضاً المؤمنون بالمسيح، وقد اصبحوا
اعضاء في جسده السرّي بالمعمودية والميرون، وصاروا شعباً كهنوتياً،
يشارك المسيح في كهنوت الفداء والخلاص. هذه الحقيقة اكّدها القديس
اغسطينوس بقوله: " كما اننا ندعى جميعاً مسيحيين، بسبب المسحة
السرّية، كذلك ندعى جميعاً كهنة، لاننا جميعاً اعضاء في جسد الكاهن
الاوحد" ( مدينة الله 20/10؛ الارشاد الرسولي: العلمانيون المؤمنون
بالمسيح،14).
هذه المسحة نالها
شاول واصبح بولس الرسول
بدعوة واختيار من المسيح، وبصلاة ووضع يد حننيا عليه: " شاول، يا
اخي، ان ربنا يسوع الذي تراءى لك في الطريق، وانت آت، هو الذي
ارسلني لتنفتح عيناك، وتمتلىء من الروح القدس". ولساعته تساقط من
عينيه ما يشبه القشر، وانفتحت عيناه. فقام واعتمد" (اعمال9/17-18).
وهي اياها ينالها
الاساقفة والكهنة والشمامسة
بوضع اليد والصلاة وحلول الروح القدس في الرسامة المقدسة. هؤلاء
يصوّرهم الروح القدس، في كيانهم الداخلي، على صورة يسوع المسيح
الرأس والراعي، ويشركهم في رسالته، اذ يجعلهم ادوات حيّة بيد
المسيح الكاهن الازلي، الذي ينتدبهم ليشيّدوا جسده كله اي الكنيسة،
ويواصلوا باسمه وبشخصه عمله الخلاصي العجيب، لترميم الاسرة البشرية
بكاملها، ولقيادة شعب الله الى كمال الحقيقة والمحبة ( انظر البابا
يوحنا بولس الثاني: اعطيكم رعاة،19).
مضمون الرسالة
المسيحية
التي هي مشاركة في كهنوت المسيح المثلث الابعاد، هي:
أ- رسالة نبوية
تعلن للناس انجيل الخلاص: ارسلني لابشّر المساكين، واحرّر
المستعبدين، واعطي رؤية جديدة ( لو4/48). فانجيل المسيح يعزّي
ويغني بالقيم الانسانية والروحية والخلقية؛ ويحرّر
المأسورين المستعبدين للناس او لنزواتهم الشخصية ومصالحهم الصغيرة
او لايديولوجيات واحكام مسبقة؛ وينير عيون العقل والضمير والقلب في
ضوء الحقيقة المطلقة عن الله والانسان والتاريخ.
ب- رسالة تقديسية
تمنح الغفران للتائبين، منسحقي القلوب ( لو4/18)، بفضل ذبيحة
الفداء التي قبلها الرب يسوع بموته على الصليب، ونعمة قيامته التي
تقدّس النفوس بهبة الروح القدس، الحياة الالهية فينا.
ج- رسالة ملوكية
تجعل الزمن مقبولاً لدى الرب (لو4/49)، هو زمن العدالة التي تسود
على الظلم، وزمن انتصار المحبة على البغض، والسلام على النزاع،
والحرية على العبودية، والحقيقة على الكذب.
***
ثانياً،
البطريركية المارونية ولبنان
الكل يتطلع الى
البطريركية المارونية، الى بكركي، للخروج من الازمة السياسية في
لبنان: ينتظرون كلمتها، يسألون رأيها يقفون عند رغبتها. لماذا؟
يعلمنا التاريخ
الحديث والقديم ان البطريركية كانت على مدى الاجيال مرجعية وطنية
في لبنان، ملتقى القادة السياسيين، حيث كانوا يلتئمون ويحسمون
شؤونهم الوطنية. نخصص لهذا الموضوع القسم الثاني من التنشئة
المسيحية في زمن العنصرة المعروف بزمن الكنيسة ورسالتها. نبدأ
اليوم مع الحقبة الاولى الممتدة ما بين سنة 686 و970 (*).
1.
الجذور
عُرف الشعب الماروني
" بالامّة المارونية" في رسائل البابوات والكرسي الرسولي
الروماني وملوك فرنسا لويس التاسع ولويس الرابع عشر ولويس الخامس
عشر. تكونت هذه " الامّة" من عناصر اساسية هي: جماعة اشخاص موارنة
تنظمّوا في جبل لبنان بقيادة بطاركتهم، بدءاً من البطريرك الاول
القديس يوحنا مارون؛ حافظوا على تراثهم الانطاكي العريق ولغتهم
السريانية الاصلية؛ عاشوا ضمن حكم ذاتي وسط أنظمة تيوقراطية
للبيزنطيين والعرب؛ حافظوا على ايمانهم وحرّيتهم؛ استمروا على هذه
البُنية فيما اصبحت الجماعة المارونية كنيسة بطريركية.
كان
البطريرك الماروني محور الامّة المارونية وحامي وحدتها،
وكان الرئيس الوحيد للشعب والمسؤول السياسي والديني على السواء،
متعاوناً كنسياً مع الاساقفة كنواب وممثلين له، ومدنياً،
مع المقدّمين كذراعه الزمنية. فكان المجتمع الماروني، المؤلف من
الاكليروس والمقدّمين والملاّكين النبلاء وعامة الشعب، يعيش نظاماً
طبقياً، اجتماعياً، عسكرياً ودفاعياً، فيه ترتبط الحياة الدينية
بالحياة المدنية ارتباطاً وثيقاً.
نشأت الامّة
المارونية، السياسية والدينية في اطار مجتمع مشرقي تيوقراطي لا
يفصل بين مفهومي الدين والدنيا. فكان الحكم التيوقراطي السائد في
المنطقة مزدوجاً: بيزنطياً رومياً، واسلامياً عربياً.
2.
البطريرك الاول
القديس يوحنا مارون والدولتين البيزنطية والاموية
انتخب رهبان دير مار
مارون على العاصي البطريرك يوحنا مارون على كرسي انطاكية
عندما كان خالياً من بطريرك كاثوليكي مقيم في كرسي بطرس الاول قبل
انشاء كرسي روما. كان انتخابه حسب البطريرك الدويهي سنة 686. وقد
كتب التّلمحري بطريرك اليعاقبة سنة 746: " لا يزال الموارنة، كما
هو اليوم، يرسمون بطريركاً واساقفة من ديرهم". وذلك في بدايات
العهد الاموي ( 660-750).
__________________________________________________________
(*) الاب
فرنسوا عقل: اضواء على العلاقات السياسية والقانونية بين
البطريركية المارونية والدولة اللبنانية- منشورات جامعة سيدة
اللويزه (2007)، ص 17-32.
كان يوحنا مارون قبل
انتخابه اسقفاً على البترون. وبسبب اشتداد المضايقات من الملك
البيزنطي يوستنيانوس الثاني، غادر انطاكية الى جبل لبنان واستوطن
ديره في كفرحي، وقاد الامّة المارونية محافظاً على عقيدتها
الكاثوليكية وفقاً لمجمعي افسس المنعقد سنة 431 عن امومة السيدة
العذراء لابن الله المتجسد، وخلقيدونية سنة 451 عن طبيعتي السيد
المسيح الالهية والانسانية؛ وحفظ استقلاليتها بحكم ذاتي في جبل
لبنان، فكانت جماعة متماسكة عقائدياً وعسكرياً، ما ضمن لها نموها.
استطاع الموارنة، بقيادة البطريرك يوحنا مارون وبفضل تماسكهم، من
العيش بتفاهم وانسجام مع الدولة الاموية التي كانت تهاب وحدتهم
وقدرتهم الدفاعية في القتال. البطريرك اسطفانوس الدويهي يعطي
الشواهد التاريخية ويصف خوض المعارك بوجه الغارات البيزنطية التي
كانت تُشن عليهم في منطقتي الكورة والبترون (الشرح المختصر في اصل
الموارنة وثباتهم في الامانة وصيانتهم من كل بدعة وكهانة الذي نشره
الاباتي بطرس فهد سنة 1974، صفحة 117-118).
لقد جاهد البطريرك
يوحنا مارون جهاداً كبيراً ومستمراً في تنظيم الكنيسة المارونية
بحفظ عقيدتها وسط الاضطهادات، وحسن سيرها الكنسي والليتورجي
والقانوني، ورسم اساقفة وكهنة في جبل لبنان، ثم رقد بالرب في اوائل
سنة 707 ودفن بكثير من المهابة في الدير الحامل اسمه في كفرحي
(الشرح المختصر المجلد الاول صفحة 123-127).
3.
البطاركة الاولون
والدولة العباسية (750-970).
تعاقب على كرسي
انطاكية بعد البطريرك يوحنا مارون عدد من البطاركة نجدهم في سلسلة
البطاركة التي وضعها البطريرك الدويهي
(الخماسية
المارونية للاب يواكيم مبارك، الجزء الاول، المجلد الاول، صفحة
18-20). في العهد العباسي الذي كان شديد الوطأة على المسيحيين في
العراق والشام، وبخاصة في عهد المتوكّل الذي أمر بهدم الكنائس التي
شُيدت بعد الاسلام. اما الموارنة في جبل لبنان، فحافظوا على
استقلاليتهم النوعية، كي لا يصبحوا ذميين مثل سواهم من المسيحيين
واليهود المعروفين "باهل الكتاب". وارتضوا احياناً دفع الجزية او
ضريبة الرأس لقاء استقلاليتهم والمحافظة على كيانهم وايمانهم
الكاثوليكي المختلف عن ايمان الجماعات المقيمة في الجوار.
****
ثالثاً الخطة الراعوية لتطبيق المجمع البطريركي الماروني
نبدأ بعرض النص
المجمعي التاسع: "العلمانيون"، وفقاً لخطة الخمس سنوات التي
رسمتها الامانة العامة.
يتبع النص المنهجية
المجمعية المثلثة وهي: اولاً، لمحة تاريخية عن دور العلمانيين في
حياة الكنيسة المارونية، ثانياً، المبادىء الكنسية وواقع حال حياة
العلمانيين في الزمن الحاضر، ثالثاً، التطلعات المستقبلية من اجل
حياة ورسالة أفضل.
1. في المقدمة،
يظهر الاساس الذي يُبنى عليه دور المؤمنين العلمانيين في حياة
الكنيسة ورسالتها، وهو مزدوج: الدعوة الى القداسة بلا عيب
في المحبة بموجب اختيار الهي قبل انشاء العالم (انظر افسس1 /4)،
والرسالة الرامية الى بنيان ملكوت الله في العالم، وتجسيد محبة
المسيح في الحياة الشخصية والمجتمع وسائر الشؤون الزمنية، والسعي
الذاتي الى تحقيق " ملء قامة المسيح" (الفقرة1).
2. في تاريخ
الكنيسة المارونية، عُرف الموارنة العلمانيون بلفظة " العوام"
من السريانية "عامو" اي الشعب، وكان لهم حضور في حياة الكنيسة
ورسالتها، بما فيه المشاركة في المجامع الكنسية، ورأي في اختيار
خوري الضيعة ومطران الابرشية، وفي انتخاب البطريرك (الفقرة 3).
كان العوام في اساس
تكوين الكنيسة المارونية، ومن بينهم رجال ونساء عديدون اختاروا ان
يعيشوا حياة شبيهة بالقديس مارون، فكانت جماعة " بيت مارون" التي
اصبحت كنيسة منظمة يرئسها البطريرك. كانوا يجتمعون صباحاً ومساءً
في الكنائس للصلاة وقراءة الانجيل والكتب المقدسة وسيَر القديسين
والاشتراك بالذبيحة الالهية (الفقرة 4).
3.
مع المجمع اللبناني ( 1736)، توطد موقع العلمانيين ودورهم
على مستوى العلاقة بالاكليروس. ثم نما هذا الموقع وهذا الدور بعد
تكاثر الارساليات الغربية، وانتشار المؤسسات التربوية والجماعات
الرهبانية، وقيام المدارس في الاديار والرعايا، حتى يومنا هذا.
في هذه الحقبة
التاريخية ظهر عاملان مهمان: الاول، انتشار اخويات النساء
والرجال في الرعايا، ومنظمات العمل الرسولي؛ الثاني، بداية الهجرة
المارونية في اعقاب احداث 1860، والتزام الموارنة المنتشرين
بالممارسة الدينية وبناء الكنائس وانشاء الرعايا في بلدان
الانتشار.
وتفاعل دور
العلمانيين في التربية من خلال العمل في المدارس والجامعات؛
وفي الخدمةالاجتماعية من خلال المستوصفات والمستشفيات والجمعيات؛
وفي الحياة الراعوية من خلال الاخويات والمنظمات الرسولية
ولجان ادارة الاوقاف والجوقات والمجالس الرعوية وسائر اللجان
(الفقرات 5-7).
***
صلاة
ايها الرب يسوع، لقد مسحتنا بمسحتك، مسحة الروح القدس، واشركتنا في
رسالتك النبوية والتقديسية والملوكية، لنقبل سرّ الكلمة والنعمة
والمحبة، وننقلها بشهادة حياتنا. لقد صالحتنا مع الآب السماوي،
وجعلتنا سفراء المصالحة، لنعمل في سبيلها في عالمنا الممزّق
بالخلافات والنزاعات والاحقاد. بارك كنيستنا واطلقها داعية سلام
وتفاهم، فان شعبنا يتطلع اليها، كما اعتاد على مدى الاجيال. شدد
عزيمتها ورسّخها على صخرة الرجاء، انت وحدك رجاؤنا. انتزع منها
الخوف والتردد، وضع فيها شجاعة الايمان والمحبة.
ساعد المؤمنين العلمانيين على وعي دورهم في الكنيسة ورسالتهم في
المجتمع، لكي يتواصل بناء ملكوتك، ملكوت المحبة والقداسة، الحقيقة
والحرية، العدالة والسلام. لك المجد والشكر والتسبيح ايها الاب
والابن والروح القدس، الآن والى الابد، آمين.
الاحد 13 تموز
2008
الاحد
العاشر من زمن العنصرة
عمل الروح
القدس ومواهبه
من رسالة القديس
بولس الرسول: 1كورنتس 12/1-11.
يا إخوَتِي، أَمَّا
في شَأْنِ الـمَوَاهِبِ الرُّوحِيَّة، أَيُّهَا الإِخْوَة، فلا
أُريدُ أَنْ تَكُونُوا جَاهِلِين. تَعْلَمُونَ أَنَّكُم، عِنْدَمَا
كُنْتُم وَثَنِيِّين، كُنْتُم تَنْقَادُونَ مُنجَرِفِينَ إِلى
الأَوْثَانِ البُكْم. لِذـلِكَ أُعْلِنُ لَكُم أَنَّهُ مَا مِنْ
أَحَدٍ يَنْطِقُ بِرُوحِ الله، ويُمكِنُهُ أَنْ يَقُول: "يَسُوعُ
مَحْرُوم!"؛ ولا أَحَدَ يَقْدِرُ أَنْ يَقُول: "يَسُوعُ رَبّ!"
إِلاَّ بِالرُّوحِ القُدُس. إِنَّ الـمَوَاهِبَ الرُّوحِيَّةَ عَلى
أَنْوَاع، لـكِنَّ الرُّوحَ وَاحِد؛ والـخِدَمَ عَلى أَنْوَاع،
لـكِنَّ الرَّبَّ وَاحِد؛ والأَعْمَالَ القَدِيرَةَ عَلى أَنْوَاع،
لـكِنَّ اللهَ وَاحِد، وهوَ يَعْمَلُ في الـجَمِيعِ كُلَّ شَيء.
وكُلُّ وَاحِدٍ يُعْطَى مَوْهِبَةً يَتَجَلَّى الرُّوحُ فيهَا مِنْ
أَجْلِ الـخَيْرِ العَام. فوَاحِدٌ يُعْطَى بِالرُّوحِ كَلاَم
الـحِكْمَة، وآخَرُ كَلاَمَ الـمَعْرِفَة، وَفْقًا لِلرُّوح
عَيْنِهِ؛ وآخَرُ الإِيْمَانَ في الرُّوحِ عَيْنِهِ؛ وآخَرُ
مَوَاهِبَ الشِّفَاءِ في الرُّوحِ الوَاحِد؛ وآخَرُ الأَعْمَالَ
القَدِيرَة، وآخَرُ النُّبُوءَة، وآخَرُ تَمْييزَ الأَرْوَاح،
وآخَرُ أَنْوَاعَ الأَلْسُن، وآخَرُ تَرْجَمَةَ الأَلْسُن. كُلُّ
هـذَا يَعْمَلُهُ الرُّوحُ الوَاحِدُ عَيْنُهُ، مُوَزِّعًا لِكُلِّ
وَاحِدٍ مَوَاهِبَهُ كَمَا يَشَاء.
كورنتس مدينة يونانية
مزدهرة وذات مرفأين، احدهما على بحر إيجيه او الارخبيل، والآخر على
بحر الادراياتي. سكانها مختلطون من جميع الاجناس والاديان
والثقافات، ومعروفة بالانحرافات الخلقية، حتى اصبحت مثلاً للذم
بالقول: " سار سيرة اهل كورنتس". شعبها وثني يؤدي العبادة الكبرى
لالهة الجمال افروديت، وهي عشتروت عند الفينيقيين، وقد خُصَّّت
بهيكل لمزاولة البغاء. عاش فيها بولس الرسول حوالي سنتين، وانشأ
جماعة مسيحية، اصبحت نشيطة وكثيرة التقوى. انما كانت لا تزال عرضة
لاخطار الفساد المتفشّي، والخلافات الداخلية، واغراءات الحكمة
الفلسفية الوثنية.
كتب اليهم بولس
رسالته الاولى من افسس في ربيع سنة 56، كما يظهر من كلامه عن فصح
المسيح والدعوة الى المشاركة فيه بتجديد السيرة (1كور5/7-8).
يحدثهم اليوم عن فعل الروح القدس في المسيحي، وعن مواهبه
التي يوزعها على المؤمنين من اجل بنيان الجماعة المسيحية
المتنوّعة في الوحدة.
في المقابل انجيل هذا
الاحد يحدثنا عن الارواح الشرير التي تُفسد الانسان وتهدم حياة
الجماعة. لكن المسيح المنتصر على الشيطان والخطيئة والموت يحرر
الانسان من مسّ الارواح.
***
اولاً،
شرح نص الرسالة وربطها بتعليم الانجيل
1.
المواهب متعددة
والروح واحد (1كور12/4).
ذكّر بولس الرسول مسيحيي كورنتس انهم كانوا وثنيين، منقادين
للاصنام وللارواح الشريرة المفسدة، لكهنم اصبحوا مؤمنين بالمسيح
الرب بفضل هبة الروح القدس الذي جدّدهم، ليعيشوا على هدي مواهبه.
هذا التذكير هو لنا نحن ايضاً، ولاسيما لاولئك الذين من بيننا
استغنوا عن الله في حياتهم اليومية وخياراتهم وقراراتهم. وابتعدوا
عن الممارسة الدينية في يوم الرب، الذي هو الاحد والعيد. واصبحوا
منقادين لروح الشر.
مواهب الروح القدس الواحد متنوعة: بعضها للمعرفة والعلم،
"فيُعطى واحد كلام الحكمة، وآخر كلام المعرفة، وآخر الالسنة، وآخر
اللغات"؛ وبعضها للخدمة، "فيُعطى واحد موهبة الايمان
للتعليم، وواحد مواهب الشفاء"؛ وبعضها للقوة في الخيار
والثبات: " فيُعطى واحد القوة وآخر النبؤة، وآخر تمييز الارواح"
( 1كور12/4-10).
ان
الروح الواحد الغني بالمواهب يوزّعها على كل أحد كما يشاء من اجل
وحدة الجماعة في تنوّعها، ومن اجل وحدة الكنيسة التي تظهر مثل عروس
مزينة لعريسها (رؤيا21/2).
انها مواهب للمعرفة، تنير العقل وتفتحه على انوار الحكمة
الالهية، وهي له بمثابة النور للاعين. وهي مواهب من اجل الخدمة،
فالمواهب لا تُعطى فقط من اجل الذات، بل ايضاً من اجل الآخرين
لخدمتهم في ما هم بحاجة اليه. فالانسان كائن لغيره، ويحمل بُعدين
متلازمين البُعد الشخصي الرامي الى انسنته، والبُعد الاجتماعي الذي
يقتضي منه الخدمة للآخرين وللمجتمع. وهي مواهب لحسن القرار
والخيار، تساعد الحرية في خياراتها الفضلى.
اننا بحاجة الى الروح الالهي والى مواهبه في حياة كل يوم. من اجل
التماسها نصلي في المزمور 143:
"
يا رب، لا تحجب وجهك عني، لئلا اكون كالهابطين في الحفرة.
اني توكّلت عليك. عرّفني الطريق الذي أسلكه، فاني اليك رفعت نفسي.
علّمني ان اعمل ما يرضيك، لانك انت الهي.
ليهدني روحك الصالح في ارض سويّة" ( مز143/7-10).
2.
الارواح الشريرة
تُفسد وتقسّم
يُتلى في هذا الاحد انجيل القديس متى ( 12/22-32)، الذي يُظهر عمل
الشيطان والارواح الشريرة في الانسان. اذا سكنته أعمته عن
الحقيقة واخرسته عن قول الحق، مثل ذاك المسكون الاعمى
والأخرس الذي شفاه يسوع. فقال الفريسيون، رافضو حقيقة المسيح وعمله
الخلاصي: " ان هذا لا يطرد الشياطين إلا باركون الشياطين"، فيما
المؤمنون به عرفوا بالمقابل "انه ابن داود"، المسيح الآتي الى
العالم ( متى12/22-24).
اما يسوع فاجاب الفريسيين والمشككين بسلطانه الالهي " انه بروح
الله يطرد الشياطين، ما يعني ان ملكوت الله قد اقترب منكم" (
متى12/28). هذا الكلام يدلّ على ان يسوع هو " عمانوئيل" اي " الله
معنا". فملكوت الله تعبير يعني ان الله دخل في تاريخ البشر بشخص
الاله المتجسّد يسوع المسيح، ليحررهم بسلطانه المطلق من عبودية
الشيطان ومسّ الارواح.
علّمنا الرب ان نصلي في الابانا: " لا تدخلنا في التجارب، بل نجّنا
من الشرير"، وبذلك نلتمس موهبة التمييز والقوة، التي يتكلم عنها
بولس الرسول في رسالته اليوم، لكي لا ننزلق في تجربة تقودنا الى
الطريق المؤدي الى الخطيئة. بموهبة التمييز ندرك اننا امام
تجربة شيطانية كل مرة تحركنا شهوة العين او شهوة الجسد او كبرياء
الحياة (1 يوحنا 2/16). وبموهبة القوة ننتصر على
التجربة-الشهوة بفضل كلام الله ونعمة صليب المسيح.
فعل الشيطان والاروح الشريرة نوعان، فعل عادي بواسطة التجربة من
باب الشهوة المثلثة الكامنة في الانسان، كما وصفها يوحنا الرسول،
وفعل خارق العادة بالمس الشيطاني الذي يحصل إما بواسطة اضطرابات
حسية في جسد الانسان الممسوس؛ او بواسطة افكار استحواذية ودوافع
داخلية ترمي الى الاستسلام وتجربة الانتحار؛ او بواسطة توترات
عصبية تقود الممسوس الى فقدان الوعي الذاتي، والقيام بافعال او
التلفّظ بكلمات ضد االله والمسيح والعذراء والقديسين؛ او ايضاً
بواسطة تأثيرات على البيوت والاشياء والحيوانات.
ولكن يجب التمييز بين المسّ الشيطاني والامراض النفسية والعصبية.
فلا بدّ من استشارة الاخصائيين النفسانيين.
ان
المسّ الشيطاني يقتضي " صلاة التعزيم لطرد الارواح الشريرة" التي
قال عنها يسوع في انجيل اليوم: " انا بروح الله اخرج الشياطين.
صلاة التعزيم (
exorcisme)
هي التي تلتمس بها الكنيسة علناً وبقوة سلطانها، باسم يسوع المسيح،
حماية الاشخاص او الاشياء من قبضة الشيطان والارواح الشريرة
ونفوذهم؛ وتلتمس طردهم واعتاق النفس من استحواذهم. ان الرب يسوع
مارس صلاة التعزيم والتحرير من المسّ الشيطاني، كما روى مرقس
الانجيلي ( مر1/23-27)، ومارسها بولس الرسول ( اعمال 16/16-18).
ويدعو الرب يسوع في انجيل اليوم الى الايمان بقوة روحه القدوس على
تحرير الانفس من تجارب الارواح الشريرة ومسّهم، لانهم بهذا الايمان
يلجأون الى التماس قوة الروح ليتحرروا ويخلصوا، وإلا ماتوا في حالة
بؤسهم: " لهذا اقول لكم: يُغفر للناس كل خطيئة وتجديف، اما التجديف
على الروح القدس، فلا يُغفر للناس" (متى12/31). لا لأن الله لا
يغفر، بل لأن المجدف يرفض قدرة روح الله، فلا يلتمسها.
****
ثانياً، البطريركية المارونية ولبنان
نستعرض مسيرة البطريركية المارونية في لبنان ودورها الوطني
المتواصل جيلاً بعد جيل بثوابته الواضحة التي تدور حول اثنتين وحدة
الايمان الكاثوليكي عند الموارنة، واستقلاليتهم النوعية سياسياً.
وبهذا نبيّن مرجعيتها التاريخية.
في عهد الفرنج
(1089-1291) (*)
هو
عهد الصليبيين المعروفين عربياً بالفرنج. بدأ مع سقوط انطاكية سنة
1098 في يدهم. بعدها احتلوا طرابلس سنة 1102 بموآزرة المقاتلين
الموارنة، ثم البترون وجبيل. عاونهم الموارنة لانهم اخوة لهم في
الايمان. وساعدوهم عسكرياً في الاستيلاء على الاراضي المقدسة في
اورشليم وسائر فلسطين وسواها من المدن الساحلية.
رسّخ الموارنة في هذا العهد عقيدتهم الكاثوليكية ووحدتهم مع رومية،
وامتلكوا اراضي، وتمتّعوا باميازات وحافظوا على دورهم السياسي
والعسكري بقيادة بطريركهم المقدّمين.
في
عهد الفرنج توطدت العلاقة مع رومية على يد البطريرك ارميا
العمشيتي (1199-1230) الذي شارك في اعمال المجمع اللاتراني
الرابع ( سنة 1213)، حيث جرت في قداسه بحضور آباء المجمع معجزة
القربان: فعندما رفع القربان هاتفاً: " الاقداس للقديسين" توقفت
القربانة فوق رأسه. وكان هذا البطريرك معروفاً بالقديس.
ثم
دبّ خلاف مع الفرنج في طرابلس بسبب بعض التدابير الادارية التي
حاول حكام المدينة فرضها عن طريق التنظيم الاقطاعي، وبسبب الاخطاء
التي ارتكبوها في حق المسيحيين الشرقيين عموماً.
انتشر الموارنة
(1)،
بعد جبل لبنان، في
جزيرة قبرس، وانشأوا فيها دير مار يوحنا كوزبند. وكان البطاركة
يولون الجالية المارونية هناك اهتماماً خاصاً ويرسلون رؤساء لدير
مار يوحنا. هكذا فعل سنة 1120 و1121 البطريرك بطرس الاول
(1120-1130)، القاطن في دير سيدة ايليج ميفوق(2). وفي
سنة 1141 البطريرك يعقوب الراماتي (1140-1151)، وقد توسطهما
البطريرك غريغوريوس من حالات (1130-1139).
وكذلك فعل بطاركة آخرون في القرن اللاحق وبتواصل: البطريرك يوحنا
الجاجي (1239-1245) سنة 1239والبطريرك يوحنا العاقوري سنة 1254،
كما نجد في المخطوطات المارونية.
وسيتزايد عدد الموارنة في قبرس بعد انكسار الفرنج، وبداعي الظلم
والاضطهاد في عهد المماليك، حتى انهم بنوا في جبالها 72 قرية. فلم
يختلطوا بسكان الجزيرة، اذ كانوا يخشون حياة المدن التي لم يألفوها
من قبل. انصرفوا الى الزراعة وحافظوا على تقاليدهم العائلية
والكنسية.
__________________________________________________
(*) الاب فرنسوا عقل:
اضواء على العلاقات السياسية والقانونية بين البطريركية المارونية
والدولة اللبنانية، ص 35-37
(1)
الاباتي بطرس فهد:
بطاركة الموارنة واساقفتهم من القرن 13 الى 15 (دار لحد خاطر
1985)، ص 25-31.
(2)
بطرس الاول هو
البطريرك الاول الذي سكن في دير سيدة ايليج وتبعه 17 بطريركياً
آخرين حتى البطريرك يوحنا الجاجي(1404-1445). فيكون كرسي ايليج قد
امتدّ من سنة 1120 الى 1445، واحتضن 18 بطريركياً. ثم انتقل الى
دير قنوبين في الوادي المقدس حيث مكث حتى سنة 1854، واقام فيه
ايضاً 18 بطريركياً.
وبسبب اخلاصهم للفرنج ومساعدتهم عسكرياً في حملاتهم. ارسل اليهم
ملك فرنسا لويس التاسع، الذي أعلن قديساً سنة 1298، رسالة بتاريخ
21 ايار 1250، يضع فيها الموارنة تحت حماية فرنسا، معتبراً الامّة
المارونية جزءاً من الامّة الفرنسية. واعطى سببين لهذه الحماية:
الاول، مساعدته بارسال 25 الفاً من الجنود تحت امرة سمعان ابن امير
الجبل لملاقاته عندما كان في قبرس، تعبيراً عن محبة الموارنة
للفرنسيين؛ الثاني، تعلّق السيد البطريرك والمطارنة والاكليروس
والشعب والامير تعلقاً ثابتاً بالدين الكاثوليكي. (3).
***
ثالثاً،
الخطة الراعوية لتطبيق المجمع البطريركي الماروني
تعرض الخطة الراعوية
من النص المجمعي التاسع: " العلمانيون" مضمون الفصل الثاني
حول المبادىء الكنسية بشأن العلمانيين ورسالتهم من المجمع
الفاتيكاني الثاني حتى اليوم (الفقرات8-14).
1.
من هم العلمانيون
هم
المسيحيون، غير الاكليروس، الذين بالمعمودية والميرون والقربان،
اصبحوا جسداً روحياً واحداً، هو الكنيسة، رأسه المسيح، ورباطه
الروح القدس، روح المحبة. أنهم بهذه الصفة ينتمون الى شعب الله
الذي كرامته الحرية الروحية، وغايته بناء ملكوت الله على الارض، اي
الاتحاد بالله ووحدة الجنس البشري. وبالتالي يشاركون في وظائف
المسيح النبوية والكهنوتية والملوكية. انهم يستنيرون بحقيقة
الانجيل، ويتقدسون بنعمة الاسرار، ويتعاونون بالمحبة، ويصبجون
رسلاً وشهوداً لهذه الثلاث، الحقيقة والنعمة والمحبة، في العائلة
والمجتمع وفي سائر اعمالهم ونشاطاتهم وحالاتهم (فقرة8).
لكي يدرك العلمانيون هويتهم، ويؤدوا رسالتهم المسيحية في العالم
والمجتمع والعائلة، فانهم بحاجة الى رباط وثيق مع حاملي رسالة
الخدمة الكهنوتية، من اساقفة وكهنة وشمامسة، المؤتمنين بسلطان الهي
على الكرازة بالانجيل وتعليم حقائق الايمان، وعلى توزيع نعمة
الاسرار، وعلى تنظيم الجماعة المؤمنة بسنّ قوانين غايتها خلاص
النفوس، وعلى توجيه الرسالة المسيحية وتمييز المواهب وتنسيق
الخدمات والوظائف (الفقرتان 9 و10).
______________________
(3)
انظر نص الرسالة
الكامل في المرجع المذكور.
2.
العلمانيون والكنيسة
ارتباط العلمانيين بالكنيسة مشبّه بالكرمة والاغصان ( يوحنا15/5)
وعضويتهم في الكنيسة مثل ارتباط الاغصان بالشجرة بثلاثة ابعاد:
في الكنيسة –السّر
يوطدّون
الاتحاد الشخصي بالله.
في الكنيسة –الشركة
يشدّون
اواصر الوحدة في ما بينهم والتضامن والتعاون.
في الكنيسة – الرسالة
يتساندون في اداء الرسالة المسيحية بالالتزام والشمولية (الفقرتان
11 و12).
من
اجل تحقيق ارتباط العلمانيين بالكنيسة في ابعاده الثلاثة، لا بدّ
من قيام مجالس راعوية ولجان وهيئات يشاركون فيها كاعضاء، ويلتزمون
بما هو منوط بها من مهمات وخدمات، وفقاً لمواهبهم (الفقرتان
13-14).
يستقي هذا الفصل
المجمعي مضمونه من وثائق المجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني، ومن
الارشادين الرسوليين: " العلمانيون المؤمنون بالمسيح" و"رجاء جديد
للبنان".
****
صلاة
ايها الروح القدوس،
افض علينا مواهبك لنحسن معرفة سرّ الله والانسان، فنؤدي خدمة
العبادة والمساعدة، ونميّز ما هو الافضل والانفع في ما نقوم به من
عمل ونشاط وفي ما نتخذ من مواقف.
نجّنا، ايها الرب
يسوع، من تجارب الارواح الشريرة ومسّهم، واعطنا ان نطردهم باسمك
وبرسم صليبك.
اعضد، اللهم الآب،
المؤمنين العلمانيين بمحبتك لكي يكونوا فعلة نشيطين في الكنيسة
وشهوداً للمسيح في المجتمع.
للآب والابن والروح
القدس كل مجد وشكر واكرام الآن والى الابد، آمين.
الاحد 20 تموز
2008
الاحد
الحادي عشر من زمن العنصرة
الخلاص
بالمسيح رسالة الكنيسة لكل الشعوب
من رسالة القديس
بولس الرسول: افسس 2/17-22.
يا إخوَتِي، لَمَّا
جَاءَ ربنا يسوع المسيح بَشَّرَكُم بِالسَّلامِ أَنْتُمُ
البَعِيدِين، وبَشَّرَ بالسَّلامِ القَرِيبين، لأَنَّنَا بِهِ
نِلْنَا نَحْنُ الاثْنَينِ في رُوحٍ وَاحِدٍ الوُصُولَ إِلى الآب.
إِذًا لَسْتُم بَعْدُ غُرَبَاءَ ولا نُزَلاء، بَلْ أَنْتُم أَهْلُ
مَدِينَةِ القِدِّيسِينَ وأَهْلُ بَيْتِ الله، بُنِيتُمْ على
أَسَاسِ الرُّسُلِ والأَنْبِيَاء، والـمَسِيحُ يَسُوعُ نَفْسُهُ
هُوَ حَجَرُ الزَّاوِيَة. فيهِ يَتَمَاسَكُ البِنَاءُ كُلُّه،
فَيَرْتَفِعُ هَيْكَلاً مُقَدَّسًا في الرَّبّ، وفيهِ أَنْتُم
أَيْضًا تُبْنَونَ معًا مَسْكِنًا للهِ في الرُّوح.
وجّه بولس الرسول
رسالته الى اهل افسس من السجن بعبارة: " انا بولس، أسير
يسوع المسيح لاجلكم ايها الامم" (3/1). لكن السجن قوّاه في الايمان
بتدبير الله الخلاصي الذي كُشف له سرّه، ووُهبت له نعمته (3/2-3).
وبفضل هذا السجن وآلامه طالب المؤمنين الالتزام بالخلقية المسيحية:
" اطلب منكم الآن، انا الاسير بربنا، ان تسيروا كما يليق بالدعوة
التي دُعيتم اليها" (4/1). ويفصّل مضامين هذه السيرة (4/2-7). وقد
اكسبه السجن مزيداً من الشجاعة على اعلان سرّ المسيح: "افتح فمي
وأعطى الكلمة لانادي بسرّ البشارة جهاراً. ذاك السّر الذي صرت له
بالسلاسل رسولاً، لانطق بشجاعة جهاراً، كما يجب عليَّ ان أنطق" (
افسس6/19-20).
***
اولاً،
شرح نص الرسالة وربطها بانجيل اليوم
1.
الخلاص الشامل وتوحيد
الشعوب
يصف بولس الرسول التحوّل العظيم الذي تمَّ على يد المسيح في
العالم: " فهو الامان" (افسس2/14)، الذي جعل من الاثنين
واحداً، وهدم جدار الانقسام، وجدّد الانسان ومحا عتيقه، وصالح
المتخاصمين بموته وقتل العداوة بصليبه، وحمل بشرى انجيل السلام
للقريب وللبعيد، وقرّب جميع الناس من ابيه بروحه القدوس الواحد (
افسس2/14-18).
يؤكد بولس الرسول في كل ذلك ان نعمة الخلاص تدرك كل انسان،
من اي لون او عرق او ثقافة، وأياً كانت حالته او جنسه. فالخلاص
يجمع في المسيح جميع البشر، ولا من حاجز بين الكنيسة والاديان
والامم الوثنية. انها تبشّر الجميع بالمصالحة مع الله بالمسيح.
اليهم جميعاً تتوجّه " الكنيسة الجامعة الواحدة الرسولية"
بكلمة بولس الرسول: " لستم الآن بعد غرباء ولا دخلاء، بل انتم بنو
مدينة القديسين، وبنو بيت الله". هذا هو الروح الذي يروحن رسالة
الكنيسة في الداخل وفي الخارج: في الرعية والابرشية، في الوطن وفي
المجتمعات المختلفة عن ثقافتنا وديننا. وكم من المسيحيين في لبنان
وسواهم بحاجة الى هذا الروح الرسولي، والى الالتزام ببناء الوحدة،
وهدم الجسور، وحلّ الخلافات، ورأب الانقسامات؟
ويضيف بولس الرسول ان الحياة المسيحية ورسالتها هي اكمال البناء
الروحي والاجتماعي والكنسي على الاساس اياه الذي وضعه الانبياء
والرسل، ورأس الزاوية الحامية والضامنة للبنيان يسوع المسيح (
افسس2/20). هذا البناء ليس حجرياً، بل هو هيكل الله القدوس،
والمؤمنون حجارته، والروح القدس ساكنه ( افسس2/21-22).
تحيي الكنيسة في هذا الاحد عيد وجهين ملأهما روح الله وقدّستهما
نعمة المسيح: القديس ايليا النبي والقديس شربل.
ايليا النبي
سبق المسيح بثمانماية سنة، لكن روح الرب ملأه، فقال عنه يشوع بن
سيراخ: "وقام ايليا كالنار، وتوقّد كلامه كالمشعل" ( 48/1). هذا
الروح جعله ذا غيرة رسولية على الله وحقيقة سره، وملأه شجاعة وقوة
فحارب الظلم بوجه الملك آحاب والملكة ايزابيل، ودافع عن المظلوم
بشخص نابوت اليزراعيلي، وعمل من اجل المصالحة، " فردّ قلب الآباء
الى الابناء، وقرّب الى الله البعيدين، وأصلح النزاعات في بيت شعب
الله" ( بن سيراخ 48/10).
لقد شبّه الرب يسوع يوحنا المعمدان بايليا النبي ( مرقس9/13)
واعتقد الناس ان يسوع هو ايليا نفسه ( متى16/14).
القديس شربل
ملأته نعمة المسيح ومواهب الروح القدس، فاخلص للنعمة وسار في هدي
الروح، وراح يعلو ويعلو على قمم القداسة، مسيحياً في بقاعكفرا،
وطالب الترهب قي دير ميفوق وتلميذ لاهوت قي دير كفيفان، وراهباً
كاهناً في دير عنايا، وحبيساً في الصومعة. وهكذا " مثل الابرار
تلألأ كالشمس في ملكوت الآب" (متى13/43)، في كنيسة الارض وفي كنيسة
السماء.
2.
توبة زكا العشار
وتجدده بنعمة المسيح
تتلو الكنيسة في هذا الاحد انجيل القديس لوقا (19/1-10)،
وفيه لقاء زكا العشار الخاطىء بالمسيح وتوبته وانقلاب سيرة حياته.
الخلاص المعلن بالمسيح بلغ زكا العشار والخاطىء المعروف، بفضل
ايمانه بالمسيح. كان زكا، المصتّّف بالخاطي والمنبوذ من
الجماعة المؤمنة، يطلب في اعماق نفسه ان يرى يسوع، وهذا
دليل محبة الله الساكنة قلبه، على الرغم من خطاياه. فعندما دخل
يسوع الى بيته، تشكك الجمع وقالوا: " في بيت رجل خاطىء دخل يقيم" (
لو19/7).
لكن يسوع بادله هذا الحب: نظر اليه، وهو فوق الجميزة، ودعاه
باسمه، وأسعده بانه سيزور بيته. فاسرع زكا بالنزول، واستقبله
مسروراً ( لو19/5-6).
سقط الجدار الفاصل بينه وبين الله. زكا البعيد صار قريباً، والعتيق
صار جديداً. هذا مضمون رسالة بولس الرسول لهذا الاحد. زكا يتغيّر
ويتجدد، لان اللقاء بالمسيح، لقاء الايمان والحب، يصنع خليقة
جديدة، على ما قال بولس: " كل من هو بالمسيح الآن، هو خليقة
جديدة؟ ان الاشياء القديمة مضت، وكل شيء صار جديداً من
الله الذي صالحنا مع نفسه بالمسيح" (2كور5/17-18).
في
الواقع، زكا يولد من جديد في حضرة المسيح. في وهج نور شخصه
وكلامه، رأى كل ماضيه السيّء فتاب عنه، وصمم ان يسير سيرة تليق
بالدعوة الخلاصية: " يعطي الفقراء، الذين لم يكن يأبه بهم، نصف
ماله، ويردّ للذين ظلمهم في حياته، وهو يجبي مال العشر للدولة،
اربعة اضعاف". فأعلن يسوع خلاصه ودخوله في جماعة المؤمنين الواحدة
بالروح القدس: " اليوم دخل الخلاص هذا البيت، لانه هو ايضاً ابن
لابراهيم" (لو19/8-9).
لكل واحد منا يقول الرب يسوع:
" ان ابن الانسان جاء يطلب ويحيي من كان هالكاً" (لو19/10).
****
ثانياً، البطريركية المارونية ولبنان
نعرض كيف ان
البطريركية المارونية حافظت على وحدتها وصمودها رغم الاضطهاد
والتنكيل في عهد المماليك (1291-1515)، مع ذكر مآثر
البطاركة على مدى المئة سنة الاولى من حكم المماليك.
وقع لبنان وسوريا عام 1291 تحت سيطرة المماليك، وهم مسلمون من
العرق التركي والشركسي. كانوا في الاساس خداماً لدى الايوبيين في
مصر، ثم ثاروا على اسيادهم واستولوا على السلطة. هؤلاء عادوا
فاحتلوا جميع الاراضي التي كانت تحت سلطة الفرنج.
عرف تاريخ الموارنة في عهدهم مأساتهم الكبرى. لكنهم حافظوا على
حريتهم واصالتهم، على المستوى الديني والمدني والسياسي. واجه على
رأسهم البطريرك لوقا البنهراني، وهو البطريرك الثامن
والثلاثون، ما مارس المماليك من ظلم بحقهم. حتى انهم أسروه
واعتبروا " امساكه فتحاً عظيماً، أعظم من افتتاح حصن او قلعة"،
ووصفه مؤرخ السلطان قلاوون " بطريركاً عتيّأً، قد تجبّر واستطال
وتكبّر واخاف والي طرابلس وجميع الفرنجة".
في
عهد
هذا البطريرك كانت معركة الفيدار سنة 1291 التي اسهم فيها المقدمون
الموارنة الثلاثون ومعهم ثلاثين الف مقاتل الى جانب الفرنج، فكسروا
المسلحين. وقد وصف ابن القلاعي تفاصيل هذه المعركة الشهيرة
(1).
انكافأ الموارنة الى الجبال، وانقطعت امكانية الاتصال بالغرب، لأن
الشواطىء اللبنانية أصبحت بيد المسلمين، يرعاهم البطريرك ارميا
من دملصا (1282-1297)، وخلفه البطريرك سمعان او
شمعون(1297-1339).
في
اول سنة من عهد بطريركية هذا الاخير كان هجوم على كسروان على يد
سبعماية فارس من الشام بامر السلطان برقوق، فاستنجد الكسروانيون
بمقدمي الجرد، وهم الدروز، ففتكوا بهم. ثم هاجم المسلمون كسروان من
جديد سنة 1305 واحتلوا جبالها وخرّبوا قراها وقتلوا واسروا
________________________________________
(1) انظر الاباتي
بطرس فهد: بطاركة الموارنة واساقفتهم من القرن 13 الى 15، ص 15-23.
من فيها من الكسروانيين
والدروز وغيرهم. كان الموارنة يقطنون المنطقة الشمالية من نهر
ابراهيم حتى جبّة بشري. وكان البطريرك شمعون يحضّهم على الهدوء
وضبط النفس. وفي سنة 1313 انعمت الملكة قسطنسية، زوجة ملك صقليه،
على الموارنة بمغارة الصليب في القدس مع اربعة مذابح في أربع
كنائس. وفي عهده قام الفرنج بثلاث غارات على السواحل اللبنانية من
دون جدوى في السنوات 1302 و1306 و1333.
في عهد البطريرك
يوحنا العاقوري (1339-1357)،
حدثت تعدّيات واضطرابات، واشتد ظلم المماليك على الموارنة بمرسوم
مانع من السلطان: "فلا يُستخدمون في الدواوين السلطانية ولا في
غيرها، ولا يحمل حكم مواريثهم قيمة في المحاكم الشرعية. ولا يزيد
احد منهم عمامته على عشرة اذرع، ولا يركبون الخيل والبغال بل
الحمير، ويكون زنارهم كتاناً ازرق، ويكون احد الخفّين اسود والآخر
ابيض"، كما جاء في تاريخ الدويهي.
في عهد البطريرك
جبرايل من حجولا
(1357-1367).
اشتد اضطهاد المماليك للموارنة بسبب الغارة التي قام بها ملك قبرص
الفرنسي بيار دي لوزينان على مدينة الاسكندرية، وامعانه في السلب
والنهب والقتل. فردّ عليه سلطان القاهرة سنة 1367 بحملة الى لبنان
للاقتصاص من الموارنة المتّهمين بتحالفهم مع الفرنج.
وكان القبض بواسطة جنود والي طرابلس على الاساقفة والرهبان
وسجنهم، وعلى زعماء المقاطعة، مع الانذار باهلاكهم اذا لم يتم
تسليم البطريرك. فسار البطريرك جبرايل الى طرابلس مستسلماً، وحُكم
عليه بالموت ظلماً، ونفذ فيه الحكم حرقاً بالنار في نيسان 1367.
يقول البطريرك اسطفان الدويهي ان قبر البطريرك جبرايل كان يهب
الشفاء لكل من طلبه. واتخذه المسلون مزاراً يحجّون اليه (2).
انه البطريرك الثاني والاربعون في سلسلة البطاركة.
****
ثالثاً، الخطة الراعوية لتطبيق المجمع البطريركي الماروني
تتناول الخطة الراعوية من النص المجمعي التاسع "العلمانيون"
الفصل الثالث: " واقع حال العلمانيين في الزمن الحاضر"،
من ناحيتي الالتزام الديني والانخراط في الحركات والمنظمات
الرسولية (الفقرات 15-18).
1.
من ناحية التزامهم
الديني
يتميز واقع الحال بثلاثة:
أ-
عودة متجددة ومتقدة، عند بعضهم، الى حياة الالتزام الناضج، والرغبة
في التثقيف الديني والتعمق في مسائل الايمان. وفي هذا المجال، ثمة
ممارسات دينية وطقسية ذات اطار تقليدي عاطفي موروث.
_______________________________________
(2) تاريخ الازمنة،
نشرة الشرتوني، صفحة 128؛ بطرس فهد، المرجع المذكور،ص 46-47.
ب- حصر الايمان في
انتماءات طائفية ضيّقة، لدى البعض الآخر، وتحويله الى ايديولوجية
سياسية، بتأثير من معطيات جغرافية وسياسية معيّنة.
ج- الدمج بين الدين
ورجل الدين، لدى آخرين، بحيث اذا اتخذ رجل الدين موقفاً من احدى
القضايا الاجتماعية او السياسية، لا يلائم احدهم، ابتعد هذا عن
الدين وقاطع الكنيسة والحياة الاسرارية.
فلا بدّ من راعوية
تثقّف وتوجّه وتنشّط من اجل مزيد من الالتزام الديني الواعي
والعميق.
2. من ناحية
الحركات والمنظمات الرسولية نجد عدداً وفيراً من العلمانيين
المنتمين الى اخويات ومنظمات وحركات رسولية وجماعات صلاة. هؤلاء
يمارسون واجباتهم الدينية، ويشكلون خلايا حيّة وفاعلة في الرعية.
وبعض من اعضائها يتابع دروساً في معاهد اللاهوت والتثقيف الديني من
اجل مزيد من الالتزام الراعوي والرسولي في الرعايا والابرشية.
هؤلاء يسميهم خادم الله البابا يوحنا بولس الثاني " الربيع الجديد
في الكنيسة".
يلفت النص المجمعي
الى تجنب نظرتين خاطئتين:
أ-
الاعتقاد بأن الكنيسة تلجأ الى التعاون مع العلمانيين بسبب تناقص
عدد الكهنة.
ب-
اعتبار مشاركة العلمانيين في العمل الراعوي تجاوز لصلاحيات كاهن
الرعية.
لا
بدّ من التذكير ان شعب الله، اي الكنيسة، باكليروسها وعلمانييها،
مسؤولون معاً عن الرسالة المسيحية: الاكليروس بحكم الدرجة المقدسة
والنذور الرهبانية، والعلمانيون بحكم معموديتهم، ولكن من خلال شركة
تراتبية منظمة.
***
صلاة
يا
رب، اننا نصلي من أجل ان يشمل الخلاص بالمسيح جميع الناس والشعوب،
فيتوحّدوا في عائلة الله الواحدة، المبنية على الاحترام المتبادل
والتعاون والتضامن. نصلي لكي يٌلهم روحك القدوس كل انسان بعيد، كما
الهم زكا العشار، فيبحث عنك في اعماق قلبه، ويلتقيك على دربه، فيجد
ذاته على حيقتها ويتغيّر في النظرة والمسلك. ساعدنا لان نصمد بوجه
الظلم والتجربة، كما صمد اجدادنا في هذا الجبل اللبناني. حرّك
الشبيبة في رعايانا لينخرطوا في المنظمات والحركات الرسولية وفي
الجماعات الراعوية لكي يشكلوا القوة التجددية في الكنيسة والمجتمع.
للآب والابن الروح القدس كل تسبيح واكرام وشكر، الآن والى الابد،
آمين.
الاحد 27 تموز
2008
الاحد
الثاني عشر من زمن العنصرة
تدبير
الخلاص شامل لجميع الشعوب
من رسالة القديس
بولس الرسول الى اهل افسس 3/1-13.
يا
إخوَتِي، لِذـلِكَ أَنَا بُولُس، أَسِيرَ الـمَسيحِ يَسُوعَ
مِنْ أَجْلِكُم، أَيُّهَا الأُمَم... إِنْ كُنْتُم قَدْ
سَمِعْتُم بِتَدْبِيرِ نِعْمَةِ اللهِ الَّتي وُهِبَتْ لي مِنْ
أَجْلِكُم، وهوَ أَنِّي بِوَحْيٍ أُطْلِعْتُ على السِرّ،
كَمَا كَتَبْتُ إِلَيكُم بإِيْجَازٍ مِنْ قَبْل، حِينَئِذٍ
يُمْكِنُكُم، إِذَا قَرَأْتُمْ ذـلِكَ، أَنْ تُدْرِكُوا فَهْمِي
لِسِرِّ الـمَسِيح، هـذَا السِّرِّ الَّذي لَمْ يُعْرَفْ
عِنْدَ بَنِي البَشَرِ في الأَجْيَالِ الغَابِرَة، كَمَا أُعْلِنَ
الآنَ بِالرُّوحِ لِرُسُلِهِ القِدِّيسِينَ والأَنْبِيَاء،
وهُوَ أَنَّ الأُمَمَ هُم، في الـمَسِيحِ يَسُوع، شُرَكَاءُ لَنَا
في الـمِيرَاثِ والـجَسَدِ والوَعْد، بِوَاسِطَةِ الإِنْجِيل،
ألَّذي صِرْتُ خَادِمًا لَهُ، بِحَسَبِ هِبَةِ نِعْمَةِ اللهِ
الَّتي وُهِبَتْ لي بِفِعْلِ قُدْرَتِهِ؛ لي أَنَا،
أَصْغَرِ القِدِّيسِينَ جَمِيعًا، وُهِبَتْ هـذِهِ النِّعْمَة،
وهِيَ أَنْ أُبَشِّرَ الأُمَمَ بِغِنَى الـمَسِيحِ الَّذي لا
يُسْتَقْصى، وأَنْ أُوضِحَ لِلجَمِيعِ مَا هُوَ تَدْبِيرُ
السِّرِّ الـمَكْتُومِ مُنْذُ الدُّهُورِ في اللهِ الَّذي خَلَقَ
كُلَّ شَيء، لِكَي تُعْرَفَ الآنَ مِن خِلالِ الكَنِيسَة،
لَدَى الرِّئَاسَاتِ والسَّلاطِينِ في السَّمَاوات، حِكْمَةُ اللهِ
الـمُتَنَوِّعَة، بِحَسَبِ قَصْدِهِ الأَزَلِيِّ الَّذي
حَقَّقَهُ في الـمَسِيحِ يَسُوعَ رَبِّنَا، الَّذي لَنَا
فيهِ، أَيْ بِالإِيْمَانِ بِهِ، الوُصُولُ بِجُرْأَةٍ وثِقَةٍ إِلى
الله. لِذلِكَ أَسْأَلُكُم أَنْ لا تَضْعُفَ عَزِيْمَتُكُم
بِسَبَبِ الضِّيقَاتِ الَّتي أُعَانِيهَا مِنْ أَجْلِكُم: إِنَّهَا
مَجْدٌ لَكُم!
يعلن بولس في هذه
الرسالة سرّ المسيح انه سرّ تدبير الخلاص المكتوم
منذ الدهور في الله. فانكشف في شخص المسيح، وسيعرفه الجميع من خلال
الكنيسة، وقد وُضع فيها بولس خادماً لانجيل سرّ المسيح. يوضح في
رسالته هذه ان سرّ الله ووحي تدبيره لا يُكشف عنهما في نظريات او
في نظام فكري، بل من خلال الكنيسة، السّر والشركة والرسالة.
فالكنيسة، جماعة المؤمنين التراتبية، تعلن الايمان، وتحتفل بسرّ
الخلاص المسيحي، وتعيش الدعوة الى الحياة بالمسيح، وتغتذي من معين
الصلاة. هذه الاربعة تشكل أقسام كتاب التعليم المسيحي للكنيسة
الكاثوليكية.
***
اولاً،
شرح نص الرسالة وربطه بتعليم الانجيل
1.
بولس رسول الامم
للخلاص بالمسيح
لقد جُعل بولس " رسول الامم" اي الشعوب الوثنية التي لم
تعرف تدبير الله الخلاصي الذي تمّ بالمسيح. فكتب الى المسيحيين من
اهل افسس المهتدين من الوثنيين، بشان " السّر" المعروف
بتدبير الله الخلاصي. انه دعوة الشعوب الوثنية كلها الى الخلاص،
" ليكونوا من ذوي ميراثه السماوي، وشركاء في جسده، الذي هو
الكنيسة. وليتّم له الوعد بالانجيل" ( افسس3/6). كتب لهم عن هذا
السّر ليكونوا هم بدورهم رسلاً للانجيل الذي اصبح " بولس خادمه
بموهبة نعمة الله" (3/7). ليست هذه الخدمة بفضل استحقاق من أحد،
بل هي فقط باختيار مجّاني من الله. ولذا، يقول بولس: " اُعطيت لي
موهبة نعمة الله – اي خدمة انجيل الخلاص بالمسيح- " وانا
أصغر القديسين جميعاً – اي المؤمنين- لكي ابشّر في الامم بغنى
المسيح الذي لا يُدرك غوره" ( 2/8).
انجيل الخلاص بالمسيح
دعوة الى الايمان بالله-المحبة، والى قبول المعمودية لمغفرة
الخطايا والولادة الجديدة وتغيير نمط الحياة والمسلك. هذه كانت
الدعوة التي اعلنها الرب يسوع وواصلها الرسل بعد قيامته.
جوهر رسالة بولس اعلان سرّ المسيح وهو " تدبير الخلاص الذي
كان مكتوماً في الله منذ الدهور"، وظهر في الخلق، واكتمل في التجسد
والفداء بالمسيح، ويتحقق في المؤمنين بواسطة الروح القدس. هذه هي "
حكمة الله المتميّزة الوجوه" الموكول اعلانها للعالم " على يد
الكنيسة" (3/10). سر المسيح المكتوم هو في جوهره سرّ الله الذي
هو محبة (1يو4/8،16)، وكشفه في ملء الازمنة عندما أرسل ابنه
الوحيد وروح المحبة. فالله تبادل حب ازلي: اب وابن وروح قدس، ويدعو
البشرية للمشاركة في سرّ محبته (التعليم المسيحي للكنيسة
الكاثوليكية، 221).
سرّ المسيح يصبح " سرّ الكنيسة" لانها متحدة بالمسيح كعريس
لها وهو حاضر فيها.هذا الاتحاد والحضور يصفهما بولس " بالسرّ عظيم"
( افسس5/32). في عمل اعلان الانجيل لجميع الشعوب الرب يسوع يسبق
المرسلين لهذا الاعلان ويرافقهم ويقودهم ويؤتي الثمار. ان مجريات
كتاب اعمال الرسل تتواصل في كل مكان وزمان (مجمع عقيدة الايمان:
مذكّرة حول بعض وجوه التبشير بالانجيل،1). لابناء الكنيسة اليوم
وهنا، رعاة ومؤمنين، يقول الرب يسوع: " تقدموا الى العمق وألقوا
الشباك للصيد" ( لو5/4). انها شباك الانجيل تُرمى وسط شعوب هذا
العالم، "لصيد البشر" (لو5/10) الى سرّ الاتحاد بالله.
التبشير بالانجيل
او الانجلة هو رسالة ابناء الكنيسة، ويعني اعلان الانجيل ونقله الى
الناس اجمعين، لكونه " قوة الله لخلاص كل انسان يؤمن به"
(روم1/16). الانجلة لا تعني فقط تعليماً لعقيدة، بل كرازة –
اعلاناً لشخص يسوع المسيح بالكلمة والافعال، بحيث نكون نحن
المسيحيين اداة حضوره وعمله في العالم (المرجع نفسه،2).
من حق كل انسان ان
يسمع بشارة الانجيل السارّة:
فالله يعلن ذاته ويهبها بالمسيح لكل انسان ليحقق ذاته (البابا
يوحنا بولس الثاني: رسالة الفادي،46). ان ما تقوم به الكنيسة من
عمل ونشاط، على المستوى الراعوي والاجتماعي، والانمائي والاستشفائي،
لا ينفصل عن اعلان الانجيل وسر المسيح، "وإلاّ كان عملها قليلاً"
(البابا بندكتوس السادس عشر، عظة 10 ايلول 2006).
المرأة الكنعانية
( متى15/21-28)
اعلان المرأة الكنعانية، وهي فينيقية وثنية، عن ايمانها بالمسيح
ابن داود القادر على شفاء ابنتها المريضة، وحدوث الشفاء ساعة هذا
الاعلان، دليل على ان سرّ المسيح"، وهو " سرّ تدبير الله الخلاصي"،
يشمل كل الشعوب.
هذا ما اراد الرب يسوع، كمعلّم
الهي له نهجه
التعليمي والتربوي، ان يُظهره للعلن، من خلال حواره معها، وكان فيه
شيء من الاساءة والاحتقار:
-
عدمُ الاكتراث لها ولألمها ولطلبها: هي توسلّت اليه: " ارحمني يا
سيدي، يا ابن داود، ابنتي يعذّبها شيطان". اما هو فلم يجرِ جواباً.
-
تمييز عنصري وكأن للألم لوناً دينياً او عرقياً: تلاميذه توسلوا
اليه بشأنها ليلبي مطلبها ويصرفها فتكفّ عن الصراخ. اما هو فقال: "
ما أرسلت إلاّ الى الخراف التي ضلّت من بيت اسرائيل".
-
احتقار
واهانة: هي سجدت له وألحّت: " يا سيدي، ساعدني"! اما هو فوجّه لها
كلاماً جارحاً للغاية: " لا يحسن ان نأخذ خبز البنين، ونطرحه
للكلاب".
لكن ايمان المرأة الصامد على صخرة الرجاء ظهر في جوابها الذي لم
يكن ليتوقعه احد، وهو جواب ابطال الايمان والرجاء، مهما صدر عن
الشخص الذي نؤمن به ونرجو رحمته التي لا تخيّب، وفي هذه الحالة هو
الله.
كان يسوع ينتظر هذا
الجواب الايماني من المرأة، التي كان يعرف ايمانها، هو عالم
الافكار وفاحص القلوب. فبلغ الى ما كان يريد قوله للؤمنين
الفنيقيين، في نواحي صور وصيدا، انه هو المسيح الأتي لخلاص جميع
الشعوب. فامتدح ايمانها ولبّى طلبها: " عظيم ايمانك يا امرأة،
ليكن لكٍ ما تريدين". ومن تلك الساعة شفيت ابنتها.
2.
من اين ايمان المرأة
الوثنية؟
السؤال الكبير
المطروح:
كيف آمنت المرأة الوثنية بالمسيح؟ من اين ايمانها؟ كيف عرفت انه
ابن داود، وانه قادر على شفاء ابنتها؟
الايمان عطية من الله، فضيلة فائقة الطبيعة مزروعة في قلب الانسان،
كل انسان، على ما قال الرب يسوع لسمعان بطرس عندما اعلن ايمانه به
في قيصرية فيليبس: " لا لحم ولا دم أظهر لك ذلك، بل ابي الذي في
السماء" (متى16/17). والله، بنعمته الواقية والمساعدة، يساعد
الانسان لكي يعطي جواب الايمان. هذه النعمة هي عمل الروح القدس
الذي يمسّ القلب ويوجّهه نحو الله، كما يفتح عيون النفس، ويعطي
الجميع عذوبة قبول الحقيقة والايمان بها (التعليم المسيحي للكنيسة
الكاثوليكية، 153).
هذا الايمان بالله، كثير الرحمة للبشر وشافيهم من بؤسهم، معطى
لجميع الناس. وقد أعطي للمرأة الفينيقية الوثنية. هذه حافظت عليه
وغذّته في قلبها، ولم تقيّده بتعليم البشر وتقاليدهم وسياساتهم، بل
ظلت حرّة في داخلها، بحرية ابناء الله.
ولهذا السبب، عندما سمعت بيسوع وآياته ورأت الجميع يتقاطرون اليه
لسماع كلمة الحياة ومشاهدة اعماله، أوحى اليها ايمانها الطبيعي ان
يسوع هو هذا الموعود به، المسيح الآتي، ابن داود، وانه مجسّد رحمة
الله. فكان نداؤها والحاحها.
ما
اجمل الايمان! ما أجرأه! الشكر لله الذي مع الايمان الذي يهبه
للانسان، كل انسان، يعطيه الشجاعة والحرية ليعلن حقيقة الله
المتجلية بشخص المسيح، الكلمة المتجسّد.
كم
نحن بحاجة الى المحافظة على عطية الايمان، لنكون احراراً حقاً
من الناس والسياسيين والايديولوجيات البشرية ومن المصالح
الرخيصة! كم نحن بحاجة الى تغذية عطية الايمان بسماع صوت الله في
الكتب المقدسة والانجيل وتعليم الكنيسة، لنعرف الحقيقة المطلقة
ونكسب الشجاعة للجهار بها وتطبيقها كحضارة حياة في الشؤون
الروحية والخلقية والزمنية!
يعلمنا ايمان المرأة
الكنعانية
ان الله ليس بأصمّ عن صرخة الايمان، ولهذا أوصى الرب يسوع: " صلوا
ولا تملّوا. أطلبوا تجدوا، إقرعوا يفتح لكم." (لو11/8-11).
ويعلمنا ان الايمان يفتح جميع الابواب، حتى تلك التي تبدو مقفلة
بشكل محكم ونهائي. "فالايمان هو الذي غلب العالم. وكل مولود من
الله يغلب العالم" ( 1يو5/4).
ازمة عالم اليوم
هي في العمق ازمة الايمان على كل المستويات. ان صحراء عدم
الايمان تتقدم وتقسّي القلوب.
" يا رب، زدنا
ايماناً".
***
ثانياً، البطريركية المارونية ولبنان
في
آواخر المئة سنة الاولى من عهد المماليك (1291-1515)، بعد
استشهاد البطريرك جبرايل من حجولا سنة 1367 ظل الكرسي البطريركي
الماروني شاغراً لبعض السنوات. ثم انتُخب البطريرك داود من جاج
الملقب بيوحنا الذي مات سنة 1404، نجهل تاريخ انتخابه. في
عهده، وتحديداً في سنة 1382، عرف الموارنة نوعاً جديداً من نظام
الحكم الداخلي، وهو حكم "المقدّمين". انهم حكام بعض
المقاطعات في الجبل اللبناني يعيّنهم البطريرك ويخضعون له، ويمنحهم
درجة الشدياقية، فيحق لهم ان يجلسوا في الكنيسة بعد الكهنة، كونهم
يوآزرون البطريرك في الشؤون المدنية للامة المارونية انهم همزة
الوصل بين البطريركية ونيابة طرابلس المملوكية. وكان للسيد
البطريرك ان يعاقبهم بالحرم الكنسي عندما يرتكبون جرماً، كما حصل
بعض الاحيان، ما يشير الى ان سلطة البطريرك كانت فوق كل سلطة زمنية
(1).
وعلى الرغم من اشتداد الظلم والاضطهاد من المماليك، ظل البطاركة
الموارنة محافظين على استقلاليتهم. ففيما كان البطاركة الاخرون
يحصلون بعد تنصيبهم على تثبيت مدني من السلطان المملوكي "بفرمان"،
كان البطاركة الموارنة معفون منه، ولم يجد البحاثة والمؤرخون اي
وثيقة تثبيت خلاف ذلك (2).
وبسبب الظلم والاضطهاد سكن البطريرك داود في دير مار سركيس قرب
قرن حردين.
وانتُخب خلفاً له، بطريرك آخر من جاج، هو يوحنا الجاجي
(1404-1445). هو من البطاركة العظام الذي ساس الطائفة بكل
امانة وغيرة وتقوى في احوال صعبة للغاية، وجنّبها الاضطهادات وصان
ايمانها وامانتها ووصل ما انقطع بينها وبين الكرسي الرسولي. كان
انتخابه في دير سيدة ميفوق واقام فيه.
________________________________________________________
(1)
الاب فرنسوا عقل:
اضواء على العلاقات السياسية والقانونية بين البطريركية المارونية
والدولة اللبنانية،صفحة 39-40، حيث توجد
مراجع.
(2)
المرجع نفسه، ص 40.
في
سنة 1438 بلغته دعوة من البابا اوجين الرابع (1431-1447) لحضور
مجمع فلورنسا، فارسل البطريرك الاب جوفاني رئيس رهبان مار فرنسيس
في بيروت، ليعرب للبابا وآباء المجمع عن استعداد الكنيسة المارونية
لقبول كل ما يرسمه هذا المجمع، وليطلب منه درع التثبيت "الباليوم"
والموافقة على انتخابه بطريركاً. وهذا ما حصل. وفيما كان
Fra
Giovanni
راجعاً من روما حاملاً درع التثبيت وتاجاً هدية من البابا
للبطريرك، اقام له الموارنة في طرابلس استقبالاً حاشداً في تشرين
الاول 1439، فاعتقله نائب المدينة خوفاً من قيام حملة جديدة كحملات
الفرنج، وظناً منه ان مجمع فلونسا انعقد لهذه الغاية. ارسل
البطريرك اعيان الموارنة الى النائب لتوضيح الامر واقناعه بهبة من
الدراهم وتخليص الموفد البطريركي من السجن. فحصل ذلك واشترط عليه
النائب العودة اليه بعد احتفال تسليم درع التثبيت.
كان هذا الاحتفال مهيباً وشعبياً للغاية وتليت فيه رسالة البابا
اوجانيوس المؤرخة في 9 حزيران 1439. ولم يعد الموفد الى طرابلس بل
عاد الى بيروت، فغضب النائب غضباً شديداً وارسل جنوداً لاعتقال
البطريرك والاساقفة، اما هم فاختبأوا في اماكن عصيّة. عندها دخلوا
المقر البطريركي ونهبوه، وامسكوا بعض الشركاء واضرموا النار في
منازلهم. فانتقل البطريرك والاساقفة الى دير قنوبين حيث كان الامن
سائداً بقوة المقدم يعقوب البشراني. وكان في النهار يختبىء في
مغارة قرب دير قنوبين خوفاً من عساكر المماليك(3). ومنذ
تلك السنة انتقل الكرسي البطريركي من بلاد جبيل الى دير قنوبين في
الوادي المقدس.
توفي البطريرك يوحنا الجاجي سنة 1445 ودفن في مغارة القديسة مارينا
في قنوبين، ودفن فيها من بعده 16 بطريركاً، كان آخرهم البطريرك
يوسف الخازن سنة 1854. نذكر من بينهم خادم الله البطريرك اسطفان
الدويهي (1670-1704).
***
ثالثاً،
الخطة الراعوية لتطبيق المجمع البطريركي الماروني
اذ تواصل الخطة
الراعوية تقبّل النص المجمعي التاسع:" العلمانيون"، فانها
تعرض اليوم دور العلمانيين في البنى الكنسية (الفقرات
19-24).
1. من حيث المبدأ،
يُطلب من العلماني ان يكون ملتزماً فعلياً وحقيقياً في البنى
الكنسية، فيتعمق في ايمانه، ويواصل تنشئته المسيحية، وينميّ روح
الشركة الكنسية، ويضع مؤهلاته في
________________________________________________________
انظر التفاصيل
في كتاب الاباتي بطرس فهد: بطاركة الموارنة واساقفتهم من القرن 13
الى 15 ص، 64-68، ورسالة البابا اوجين الرابع الى البطريرك في
الصفحة 69-70
خدمة الكنيسة، ويتولى مسؤوليات
في الرسالة الراعوية، متعاوناً مع كهنة الرعايا ومرشدي الحركات
الرسولية وفقاً لتوجيهات مطران الابرشية والخطة الراعوية التي
يرسمها سنة بعد سنة.
2. من حيث
التطبيق، يحدد النص المجمعي ثلاثة قطاعات لدور العلمانيين في
البنى الكنسية.
أ- في الحركات
الرسولية ومنظمات العمل الراعوي التي تمكنّهم من اكتشاف
مواهبهم وعيش خبرة حياتهم وتادية دورهم بتناغم وتنسيق كاملين في
اطار الضوابط الكنسية. ما يقتضي مساعدتهم بالتنشئة والارشاد
والتوجيه، ليكونوا فاعلين في قلب الكنيسة المحلية.
ب- في المؤسسات
الكنسية، يتاح للعلمانيين اكثر من مجال: المدارس الكاثوليكية
على مستوى الادارة والتعليم والتربية والعمل الروحي؛ التعليم
المسيحي والارشاد في المدارس الرسمية والكاثوليكية، تنشئة الاطفال
والفتيان والشبيبة في الرعايا؛ العمل الراعوي في الجامعات
والمستشفيات والسجون.
يُطلب من العلمانيين ان يكونوا شهوداً للايمان من خلال ممارسة
خدمتهم وعملهم، وبالتالي حجارة حيّة في بناء ملكوت الله الذي هو
الكنيسة.
ج- في اللجان
الاسقفية والادارات الكنسية العامة،
حيث للعلمانيين ادوار واسعة في المجالس الرعوية واللجان والهيئات
والادارات سواء على مستوى الرعايا والابرشيات، ام على مستوى
القرارات والاستراتيجيات. يوجب النص المجمعي تحديد المعايير
لاختيار العلمانيين اعضاء في هذه الهيكليات مثل الالتزام المسيحي
المشهود له والكفاءة العلمية، والثقافة الكافية، وروح الشركة
الكنسية، والخدمة المتواضعة والمتجردة. كما يوجب تحديد
الصلاحيات والمهام على مستوى التقرير والمشاورة.
***
صلاة
يا
رب، لقد ارسلت الكنيسة، رسلاً ورعاة ومؤمنين، لاعلان أنجيل الخلاص
بالمسيح لجميع الشعوب، من اجل الارتداد الى الله والايمان وتغيير
نمط الحياة. اعطنا ان نصغي، على مثال بولس الرسول، الى نداء
الارسال، فنعلن الانجيل بحماس وثبات. اعطنا ان نشعر بعطش الشعوب
الى خبر سار في حياتهم، وهذا الخبر هو انجيلك يهدي الانسان الى
تحقيق ذاته والى الايمان الذي يخلّص ويحيي. بارك ابناء الكنيسة
واضرم في قلوبهم شعلة الرجاء ليصمدوا بوجه الظلم والاضطهاد، وحرّك
فيهم الغيرة للانخراط في عمق حياتها ورسالتها. لك المجد والاكرام
ايها الآب والابن والروح القدس، الآن والى الابد، آمين.
الاحد 3 آب
2008
الاحد
الثالث عشر من زمن العنصرة
المؤمنون
عمل الله
من رسالة القديس
بولس الرسول: 1 كورنتس 3/1-11.
أَنَا، أَيُّهَا الإِخْوَة، لَمْ أَسْتَطِعْ أَنْ أُكَلِّمَكُم
كَأُنَاسٍ رُوحَانيِّينَ بَلْ كَأُنَاسٍ جَسَدِيِّين، كَأَطْفَالٍ
في الـمَسِيح. قَدْ غَذَوْتُكُم بِالـحَليبِ لا
بِالطَّعَام، لأَنَّكُم لَمْ تَكُونُوا بَعْدُ قَادِرِين، ولا
حَتَّى الآنَ أَنْتُم قَادِرُون. فَأَنْتُم لا تَزَالُونَ
أُنَاسًا جَسَدِيِّين: فَمَا دَامَ بَيْنَكُم حَسَدٌ وَخِصَام،
أَفَلا تَكُونُونَ جَسَدِيِّين، وسُلُوكًا جَسَدِيًّا تَسْلُكُون؟
فإِذَا كَانَ أَحَدُكُم يَقُول: أَنَا لِبُولُس! وآخَر: أَنَا
لأَبُلُّوس! أَفَلا تَكُونُونَ جَسَدِيِّين؟ فمَا هوَ
أَبُلُّوس؟ ومَا هوَ بُولُس؟ هُمَا خَادِمَانِ آمَنْتُم عَلى
أَيْدِيهِمَا، عَلى قَدْرِ مَا أَعْطَى الرَّبُّ كُلاًّ مِنْهُمَا.
أَنَا غَرَسْتُ، وأَبُلُّوسُ سَقَى، ولـكِنَّ اللهَ هُوَ
الَّذي كَانَ يُنْمِي. فلا الغَارِسُ بِشَيءٍ ولا
السَّاقِي، بَلِ اللهُ الَّذي يُنْمِي! لـكِنَّ الغَارِسَ
والسَّاقِي وَاحِد، وكُلٌّ مِنْهُمَا يَأْخُذُ أَجْرَهُ عَلى
قَدْرِ تَعَبِهِ. فَنَحْنُ مُعَاوِنَانِ لله، وأَنْتُم
حَقْلُ اللهِ وَبِنَاءُ الله. وأَنَا بِنِعْمَةِ اللهِ
الَّتي وُهِبَتْ لي، وَضَعْتُ الأَسَاسَ كَبَنَّاءٍ حَكِيم،
لـكِنَّ آخَرَ يَبْنِي عَلَيْه: فَلْيَنْظُرْ كُلُّ وَاحِدٍ كَيْفَ
يَبْنِي عَلَيْه! فَمَا مِنْ أَحَدٍ يُمْكِنُهُ أَنْ يَضَعَ
أَسَاسًا آخَرَ غَيْرَ الأَسَاسِ الـمَوْضُوع، وهُوَ يَسُوعُ
الـمَسِيح.
كتب بولس الى الجماعة المسيحية التي في كورنتس، المدينة الصاخبة بما فيها
من اباحية وشقاق وخلافات ومخاصمات داخلية واغراء الحكمة الفلسفية
من اصل وثني. كتب اليهم من افسس وقد بلغته اخبار انقسام المسيحيين
بين مؤيّد له ومؤيّد لابلّس. فكان جوابه ان الاثنين عاملان مع
الله، وان الجماعة المؤمنة عمل الله.
****
اولاً،
شرح نص الرسالة وربطه بنص الانجيل
1.
المؤمنون عمل الله
شجب بولس الرسول الانقسام القائم في جماعة كورنتس المسيحية،
فبعض منهم تحزّّب لابلّس، وهو يهودي مرتد اصبح مبشّراً مسيحياً
عظيم الشأن لفصاحته التي ربما ضاهت فصاحة بولس، وقد ادّى مساعدة
كبيرة لمسيحيي كورنتس، والبعض الآخر تحزّب لبولس.
وصفهم
في هذا الانقسام والتحزّب بأنهم ما زالوا "جسديين" اي
سالكين حسب اهواء الجسد لا حسب فضائل الروح، وقال لهم: " انتم بعدُ
جسديين، وما زال فيكم حسدٌ وخصام وانقسام" (1كور3/3).
هذا الشجب وهذا الوصف موّجه الينا اليوم نحن المسيحيين. فكل انقسام
بيننا هو منافٍ للايمان وللمحبة. فعندما صلّى الرب يسوع من اجل
وحدة المسيحيين قال: " ليكونوا واحداً، لكي يؤمن العالم انك انت
ارسلتني، وانك احببتهم كما احببتني" ( يو17/23). انقسامهم يطعن في
مصداقيتين: ان المسيح الذي ارسله الآب هو مبدأ وحدة المؤمنين به،
من اجله يتجاوزون كل شقاق وانقسام؛ وان محبة الله هي شريعتهم التي
تجمعهم، ومن اجلها وبروحها يصلحون كل خلاف.
يخرجهم بولس من هذا الانقسام مؤكداً انه هو وابلّس معاونان لله،
اما هم المؤمنون " فعمل الله" (1كور3/9). وسيقول لاهل
فيليبي: "ان الله يعمل في كل ما تريدون وتنجزون" (فيليبي2/13).
ويؤكد لهم انهم "حقل الله" ( 3/9) وانهم مغروسون فيه مثل
"كرمة" يتعهدها بيمينه، بواسطة ابلّس وبولس الساقيين. لكن الله
هو الذي ينمّيها ويحضنها بالمسيح الذي هو " الكرمة الحقيقية".
جماعة المؤمنين اغصان فيها، وهو يعطيها الحياة والخصوبة
(يو15/1-15).
ليس احد من المؤمنين من عمل انسان،
hنما من عمل الله. ان
الذين على ايديهم يتمّ عمل الله هم مجرد معاونين و"اداة"، اما
الاخلاص والشكر والانتماء
فالى الله لا
الى البشر. الكنيسة-السّر هي الكرمة المغروسة في حقل الله:
الآب غرسها، والابن المسيح كوّنها وجمعها، والروح القدس يحييها
ويخصبها. رعاة الكنيسة موكّلون بحراستها وحراثتها وتشذيبها بكلمة
الانجيل ونعمة الاسرار ورعاية المحبة.
ويؤكد لهم انهم "بنيان الله" (3/9) الذي اساسه المسيح،
وبولس كبنّاء حكيم بنى عليهم (3/10). كل العاملين في الكنيسة، على
مختلف مستوياتهم ومسؤولياتهم، مدعوون ليبنوا هم ايضاً على هذا
الاساس، يسوع المسيح. وسيؤدي الجميع حساباً على كيفية بنائهم
(1كور3/12-15). الكنيسة هي بنيان الله المبني على اساس
المسيح وايمان بطرس، ولذا تسمى " مسكن الله بالروح"
(افسس2/19-22)، و"سكنى الله بين البشر" (رؤيا31/3) و"
هيكل الله المقدس" والمؤمنون "حجارته الحيّة" (1بطرس2/5).
2.
المؤمنون ارض طيبة
لزرع الله
(لوقا 8/4-15)
يشبّه الرب يسوع كلمة الله بالزرع. انها حاملة الحياة
وتنتظر ان تقع في الارض الطيّبة. المؤمنون هم "الارض الطيبة
الذين يسمعون الكلمة بقلب نقي صالح ويتمسكون بها، فيثمرون بالصبر
الواحد مئة" (لو8/8 و15).
ليس الانسان ارضاً لقبول كلام البشر وحفظه وتثميره، بل لقبول كلام
الله واي كلام بشري آخر منسجم ومتّفق مع كلام الله، لئلا تأتي
الثمار رديئة. كم من الناس يسمعون فقط لكلام البشر، ويفضّلونه على
كلام الله، ويعملون بموجبه خلافاً لكلام الله الواضح والصريح؟
ولهذا كثر الفساد والكذب والظلم والحقد والاضاليل في المجتمع
البشري.
لقد اصبح مجتمعنا الذي يصغي فقط لكلام البشر والزعماء، أشبه ببرج
بابل، تلك المدينة التي شاء شعبها ان يبنيها بمعزل عن الله وكلامه
وتعليمه ووصاياه، فبلبلهم الله ومزّقهم وشتتهم على وجه الارض (
تكوين11/1-9).
أليست هذه حال مجتمعنا؟ خلاصنا ان يعود كل واحد منا الى اصالته
وكرامته: انه ارض طيّبة ذات عقل واعٍ، وضمير حي، وقلب نقي
وارادة حسنة، ليقبل كلام الله ويثمر حضارة قيم انسانية وخلقية
وروحية.
يشجب الرب يسوع ثلاثة مواقف سلبّية تجاه كلام الله الخارج
الينا من فم الله:
- موقف المهملين
المشبّه بقارعة الطريق حيث يداس الزرع وتأكله طيور السماء، للدلالة
ان كلام الله يُقبل منهم بعدم الاكتراث فينتزعه الشيطان بسهولة.
- موقف السطحيين
الذين ينقصهم العمق الروحي والجذور، فتموت عندهم كلمة الله امام اي
تجربة، بسبب يباس عقولهم وضمائرهم وقلوبهم. انهم مشبّهون بالارض
الحجرة التي لا تربة فيها، فينبت الزرع حالاً ثم ييبس لقلة
الرطوبة.
- موقف المستهلكين
المنهمكين بشؤون الارض وهمومها، اكلاً وشرباً ولباساً. هؤلاء لا
يثمرون ثمار كلمة الله وتعليم الكنيسة، لان شهوات العين والجسد
وكبرياء الحياة تخنق الكلمة والتعليم. فهم مشبّهون بالارض الملأى
بالاشواك التي تخنق الزرع فلا يثمر (لو8/5-7،12-14).
****
ثانياً، البطريركية المارونية ولبنان
نختتم وقائع البطاركة
الموارنة في الحياة اللبنانية في الستين سنة الاخيرة من عهد
المماليك (1291-1515). تعاقب على الكرسي البطريركي ثلاثة بطاركة من
حدث الجبه، هم يعقوب الحدثي وبطرس الحدثي وسمعان او شمعون الحدثي.
الاخير منهم عايش نهاية عهد المماليك وبداية عهد العثمانيين.
1. البطريرك يعقوب
الحدثي
(1445-1458)
هو اول بطريرك انتخب
في وادي قنوبين. عايش ثلاثة بابوات في عهده الذي دام اثنتي عشرة
سنة، وكاتبهم ومتّن الروابط بين الكنيسة المارونية وكرسي روما. طلب
درع التثبيت من البابا اوجانيوس الرابع ( 1431-1447)، لكن البابا
توفي قبل الاجابة على رسالة البطريرك. فكتب اليه خلفه البابا نقولا
الخامس ( 1447-1455)، ثم كتب له ايضاً البابا كاليستوس
(1455-1458).
في الرسالة الاولى
سنة 1447، يشدد البابا نقولا الخامس الروابط بين كرسي روما
والكنيسة المارونية، ويعيّن معتمداً للكرسي الرسولي في مملكة قبرص
وبعض نواحي الشرق للجوء اليه عند الحاجة، وترتيب الشؤون المشتركة
بينهم وبين الكرسي الرسولي.
في الرسالة الثانية،
وهي موجّهة من البابا كاليستوس في 14 حزيران 1455 يثني على وحدة
الايمان الكاثوليكي التي تجمع بين الكرسي الرسولي والكنيسة
المارونية (1).
_______________________________________________________________________________
(1)
نشر الرسالتين
الاباتي بطرس فهد في كتابه: بطاركة الموارنة واساقفتهم من القرن 13
الى 15، صفحة 78-79؛83.
ان هاتين
الرسالتين، كما الرسالة التي وجهها من قبل البابا اوجانيوس الرابع
الى البطريرك يوحنا الجاجي، وسواها من رسائل وبراءات
باباوية مرسلة الى بطاركة الكنيسة المارونية واساقفتها واكليروسها
وشعبها، وأحصي عددها بسبع عشرة رسالة وبراءة من بين سنة 1441 و1515(2)،
تدوران بنوع خاص حول وحدة الكنائس في اعقاب مجمع فلورنسا
1438 ولاسيما الكنائس الشرقية المنفصلة عن روما.
هذه كلها تدل على
وحدة الموارنة وتعلقهم الدائم بكرسي روما، ما حفظ وحدتهم العائلية
والاجتماعية والوطنية، حول شخص البطريرك، حافظ هذه الوحدة ومعززها.
وهكذا تمكنوا من الصمود بوجه الظلم في عهد المماليك.
2. البطريرك بطرس
الحدثي (1458-1492)
دام عهد بطريركيته 34
سنة. شدد هو ايضاً على وحدة الايمان الكاثوليكي في الكنيسة
المارونية وانفذ رسائل الى بابا روما بهذا الشأن سنة 1469، بعد ان
جمع الاساقفة والاكليروس وعامة الشعب. فوجّه الرسائل الى البابا
بولس الثاني بواسطة المرسلين الفرنسيسكان المنتدبين. ثم كتب الى
خلفه البابا سيكستوس الرابع (1471-1484)، وطلب اهتمامه بالموارنة
المشتتين في بلاد بعيدة، بين غير المؤمنين.
في هذه الفترة
الزمنية نَعِم جبل لبنان بالطمأنينة والراحة بفضل ولاية المقدّمين
الملتفين حول السيد البطريرك، وكثرت دور العبادة ولاسيما في بشري.
وعندما راح بعض اليعاقبة الرافضين عقيدة المجمع الخلقيوني
(451)،يتسللون بين الموارنة لاستمالتهم الى مذهبهم، تصدّوا لهم
وطردوهم من مناطقهم. وكان قد سقط في شرك اليعاقبة المقدم عبد
المنعم، ما خلق في الجبل انقساماً، سرعان ما تمكن موارنة اهدن من
وضع حد له وطردوا اليعاقبة (3).
ومن ناحية
ثانية، كان حكام المماليك يعتدون بظلم على الموارنة وبيوتهم
وينهبونها، بحجة تحصيل الضرائب، ويضربون الفقراء العاجزين عن
دفعها. فاضطر البطريرك بطرس الحدثي على بيع آنية الكنائس، والتبرع
بمداخيل الكرسي البطريركي لدفع الضرائب عن الفقراء. واستغاث بقداسة
البابا فبادر الى المساعدة وتخفيف الاثقال عن شعب لبنان (4).
3. البطريرك
سمعان او شمعون الحدثي (1492-1524)
هو ابن شقيق البطريرك
بطرس الحدثي. دامت ولايته 32 سنة. منها 23 سنة في آخر عهد
المماليك. تأخر في طلب درع التثبيت حتى سنة 1514 وأوفد الاب بطرس
الماروني الى روما لهذه الغاية، حاملاً رسالة الى البابا لاون
العاشر، مؤكداً فيها امانة الموارنة على الوحدة مع كرسي
_____________________________________________
(2)
نشرها الاب طوبيا
العنيسي بنصها اللاتيني:Bullarium
Maronitarum, Roma 1911, p.13-43.
(3)
الاباتي بطرس فهد
المرجع المذكور، ص 90-93.
(4)
الخوراسقف يوسف داغر:
تاريخ البطاركة، ص 42.
روما. ولكن بسبب صعوبة الطريق
في البحر والحروب المتواصلة في بلاد الشام، لم يستطع الموفد
البطريركي الوصول الى روما، الا بعد سنة. سنعود الى الموضوع
بكلامنا عن عهد العثمانييبن،
***
ثالثاً،
الخطة الراعوية لتطبيق المجمع البطريركي الماروني
تواصل الخطة الراعوية
تقبل النص المجمعي التاسع: العلمانيون، في القسم الاخير من
فصله التاسع، وهو دور العلمانيين في البنى المدنية
(الفقرات25-30). يعرض النص روحانية دورهم وقطاعات شهادتهم.
1.
روحانية الدور
المسيحيون العلمانيون مدعوون ليكونوا في مجتمعاتهم ومجالات عملهم
وفي عائلاتهم "شهوداً للانجيل" بحياة مسيحية ملتزمة، تناغم بين
ايمانهم وحياتهم المهنية والسياسية والاقتصادية، اذ يطبعون هذه
بقيم الانجيل. انهم مدعوون ليعملوا من الداخل، " كالخمير في
العجين"، على تقديس الشؤون الزمنية، عائشين بصدق ومحبة، بالاتكال
على النعمة الالهية التي تعضد وتوجّه، وتقوّي وتعزّي، ومؤمنين
بقدرة الحقيقة والمحبة على التغيير في المجتمع.
2.
قطاعات شهادتهم
المسيحية
أ- العلاقة مع
الديانات الاخرى
انطلاقاً من " لبنان الرسالة"، ومن واقعه الموصوف "بالتعددية في
الوحدة". تقوم هذه العلاقة على قبول الآخر المختلف واحترام
الفوارق. من اجل تعزيز هذه العلاقة، لا بدّ من الخروج من ثلاث
حالات: الحََذَر المبني على الاحكام المسبقة والاختبارات
المريرة، والخوف من امتداد التيارات الاصولية الاسلامية
وجنوحها الى التفرّد بالسلطة، والاحباط الذي يؤدي الى
التقوقع والى الهجرتين الحسيّة والنفسية.
فلا بدّ من ترسيخ مفهوم " لبنان الرسالة"، وروابط الشركة،
والالتزام ببناء الوطن المشترك، بحوار الحياة والتواصل والانفتاح
وتغيير الذهنيات.
ب- في الحياة
الاقتصادية
من واجب المسيحيين العلمانيين الجمع بين الانتاج الاقتصادي والقيم
الانسانية والروحية والاخلاقية، على ثلاث قواعد متلازمة ومتكاملة:
الربح ورعاية المصلحة العامة والاخلاقية في التعامل. وتذكّر
الكنيسة في تعليمها الاجتماعي بواجب اولوية انماء الذات بكل
ابعادها على المقتنى، وبواجب التضامن مع الفقراء، فالملكية الخاصة
والربح مقيّدان برهن اجتماعي، بحيث ليُتاح للفقير ان ينعم من
مائدة الغني.
ج-في الحياة
السياسية،
المسيحيون العلمانيون مدعوون الى المشاركة فيها من اجل خدمة الخير
العام. فانها تشمل النشاط الاقتصادي والاجتماعي والتشريعي والاداري
والثقافي. وبحكم معموديتهم يشاركون في وظائف المسيح النبوية
والكهنوتية والملوكية.
نبوياً،
يُجسّدون قيم الانجيل
في حياتهم اليومية ونشاطاتهم ويعبّرون عن رجائهم في عملية التغيير.
كهنوتياً، يجعلون من اعمالهم قرابين روحية يسبّحون بها الله
ويكمّلون عمل الخلق. ملوكياً، يخدمون بالتفاني والمحبة
والعدالة ( رجاء جديد للبنان،113). انهم بذلك يأنسنون السياسة
ومجالات عملها على مستوى الانسان والمجتمع والدولة.
د- في الحياة المهنية
المسيحيون العلمانيون مدعوون ليجمعوا بين الايمان ومقتضياته
الروحية والاخلاقية وبين ممارسة المهن على اختلاف انواعها، واضعين
نصب اعينهم تحقيق الخير العام والعمل بصدق وامانة. ويدعو المجمع
الى تعزيز راعوية خاصة بالمهن واصحابها والعاملين فيها، حفاظاً على
القيم الانسانية والاجتماعية، وتجذراً في ارض الوطن، وتفعيلاً
للتضامن والانماء الشامل على مستوى الشخص البشري والمجتمع.
****
صلاة
ايها الرب يسوع، نسألك ان تتعهد بيمينك المؤمنين الذين غرستهم في
الكنيسة، كرمك الروحاني. احفظهم في وحدة الحقيقة والمحبة ليؤمن
العالم انك انت المبدأ لوحدة الشعوب، وان المحبة وحدها تجمعهم.
حرّر الشعوب من روح التبعية لهذا وذاك في المجتمع والكنيسة،
ليعيشوا في جمال حرية ابناء الله ويميّزوا بين ما هو خير وشر، حق
وباطل ، عدالة وظلم. ساعدنا لنكون مثل الارض الطيبة، نقبل كلامك في
عقول صافية وضمائر واعية وقلوب منقاة، لكي يثمر فينا كلام الانجيل
حضارة حياة. أعضد رعاة الكنيسة في حماية ابنائها وحفظهم في الوحدة
والايمان، ليشهدوا لقيم الانجيل في شؤونهم الزمنية. فنرفع التسبيح
والشكر للآب والابن والروح القدس، الآن والى الابد، آمين.
الاحد 10 آب
2008
الاحد
الرابع عشر من زمن العنصرة
كلمة الله
تنير المسؤوليات
من رسالة القديس
بولس الرسول: 1 تسالونيكي 2/1-13.
يا
إخوَتِي، وأَنْتُم أَنْفُسُكُم تَعْلَمُونَ، أَيُّهَا
الإِخْوَة، أَنَّ دُخُولَنَا إِلَيْكُم لَمْ يَكُنْ باطِلاً.
ولـكِنْ، كَمَا تَعلَمُون، بَعْدَ أَنْ تَأَلَّمْنَا
وشُتِمْنَا في فِيلِبِّي، تَجَرَّأْنَا بإِلـهِنَا أَنْ
نُكَلِّمَكُم بإِنْجِيلِ الله، في جِهَادٍ كَثِير. ولَمْ
يَكُنْ وَعْظُنَا عَنْ ضَلال، ولا عَنْ نَجَاسَة، ولا بِمَكْر،
بَلْ كَمَا
اخْتَبَرَنَا اللهُ فَأَمَّنَنَا على الإِنْجِيل، هـكَذَا
نَتَكَلَّم، لا إِرْضَاءً لِلنَّاسِ بَلْ للهِ الَّذي يَخْتَبِرُ
قُلُوبَنَا. فَإِنَّنا ولا مَرَّةً أَتَيْنَاكُم بِكَلِمَةِ
تَمَلُّق، كَمَا تَعْلَمُون، ولا بِدَافِعِ طَمَع، واللهُ شَاهِد،
ولا طَلَبْنَا مَجْدًا مِنْ بَشَر، لا مِنْكُم ولا مِنْ غَيرِكُم،
معَ أَنَّنَا قادِرُونَ أَنْ نَكُونَ ذَوِي وَقَار، كَرُسُلٍ
لِلمَسِيح، لـكِنَّنَا صِرْنَا بَيْنَكُم ذَوِي لُطْف، كَمُرْضِعٍ
تَحْتَضِنُ أَوْلادَهَا. وهـكَذَا فَإِنَّنَا مِنْ شِدَّةِ
الـحَنِينِ إِلَيْكُم، نَرْتَضِي أَنْ نُعْطِيَكُم لا إِنْجِيلَ
اللهِ وحَسْب، بَلْ أَنْفُسَنَا أَيْضًا، لأَنَّكُم صِرْتُم لَنَا
أَحِبَّاء. وإِنَّكُم تَتَذكَّرُون، أَيُّهَا الإِخْوَة، تَعَبَنَا
وكَدَّنَا: فَلَقَد بَشَّرْنَاكُم بِإِنْجيلِ الله، ونَحْنُ
نَعْمَلُ لَيْلَ نَهَار، لِئَلاَّ نُثَقِّلَ عَلى أَحَدٍ مِنْكُم.
أَنْتُم شُهُود، واللهُ شَاهِد، كَيْفَ كُنَّا مَعَكُم، أَنْتُمُ
الـمُؤْمِنِين، في نَقَاوَةٍ وبِرٍّ وبِغَيرِ لَوم، نُعامِلُ
كُلاًّ مِنْكُم، كَمَا تَعْلَمُون، مُعَامَلَةَ الأَبِ
لأَوْلادِهِ. وكُنَّا نُنَاشِدُكُم، ونُشَجِّعُكُم، ونَحُثُّكُم
على أَنْ تَسْلُكُوا مَسْلَكًا يَلِيقُ بالله، الَّذي يَدْعُوكُم
إِلى مَلَكُوتِهِ ومَجْدِهِ. لِذـلِكَ نَحْنُ أَيضًا نَشكُرُ اللهَ
بغيرِ ا]نْقِطَاع، لأَنَّكُم لَمَّا تَلَقَّيْتُم كَلِمَةَ الله
الَّتي سَمِعْتُمُوهَا مِنَّا، قَبِلْتُمُوهَا لا بِأَنَّهَا
كَلِمَةُ بَشَر، بَلْ بِأَنَّهَا حَقًّا كَلِمَةُ الله. وإِنَّهَا
لَفَاعِلَةٌ فيكُم، أَيُّهَا الـمُؤْمِنُون.
رسالة بولس الرسول
الى اهل تسالونيكي هي اولى رسائله واقدم وثيقة مسيحية، كتبها اليهم
سنة 51، بعد موت يسوع بحوالي 20 سنة. تسالونيكي مدينة تجارية
مزدهرة بفضل مرفأها على بحر ايجه الذي يصل بالبحر الادرياتي. وهي
اكبر المدن بسكانها، وعاصمة اقليم مقدونيه في الامبراطورية
الرومانية. واصبحت سنة 42 قبل المسيح مكان الادارة القيصرية
المتمثلة بنائب قنصل.
قدم اليها بولس سنة50
اثناء رحلته الرسولية الثانية، لكنها كانت اول عاصمة دخلها في
اوروبا. وكان يعيش فيها كثير من الغرباء، وفيهم جالية يهودية هامة.
فلما بشّر بالمسيح واعتنق المسيحية كثيرون من اليهود والدخلاء
وبخاصة من الوثنيين. لكن الجالية اليهودية تصدّت له، اوقفت عمله
بخشونة، واتّهموه والمبشرين معه، اي سيلا وطيموتاوس، بمخالفة اوامر
قيصر، وجرّوا بعض المسيحيين الى القضاة (اعمال الرسل 17/4-9).
فاضطر بولس ان يرحل عن المدينة ليلاً مع بعض الاخوة. وهكذا ترك
جماعة في اول نشأتها.
***
اولاً،
شرح نص الرسالة وربطه بنص الانجيل
1.
اعلان انجيل المسيح
بجرأة وثبات
يخاطب بولس اهل تسالونيكي بكثير من المودّة وبقلب منشرح. يذكرّهم
اولاً بالاضطهاد والاهانة والعذاب الذي لقيه، هو وسيلا، في فيليبي
(2/2). لكنه اختبار مرير أكسبه الكثير من الشجاعة والاقتناع بقدرة
الله وبقوة الحقيقة (انظر اعمال الرسل 16/16-40). بالعودة الى هذا
النص نفهم معنى قوله: : لكنا جرؤنا، لثقتنا بالهنا، ان نكلمكم
ببشارة الله في جهاد كثير.
حادثة السجن في فيليبي، والشهادة التي ادّاها بولس وسيلا بعدم
الهروب مثل سائر السجناء، اثمرت ارتداد حارس السجن وتبرئتهما
المشرّفة. ان قوة الرسول، كل رسول، انما من قدرة مرسله ومن ايمانه
وثقته به.
يتكلم عن " اختيار الله" له في السجن في فيليبي، فيستنتج
" ائتمان الله له على بشارة الانجيل". ولهذا لا يكون " وعظه عن
ضلال ولا فجور ولا مكر. ولا يتكلم ليرضي الناس، بل ليرضي الله الذي
يختبر قلوبنا" (1 تسا2/3-4).
هذه عبرة وامثولة لكل مسؤول عن اعلان الانجيل ولكل مربّ بل
لكل صاحب سلطة يخاطب الشعب بشأن اي قضية، زمنية كانت ام روحية. "
فلا سلطة إلا من الله"، ولا يستطيع صاحبها ان يتصرف خلافاً لما
يريد الله الذي يفحص القلوب ويعرف ما يجول في خاطر الانسان.
2.
مزايا المسؤول
المسؤول، كل مسؤول، مدعو ليكون اميناً لله الذي سلّمه مسؤولية
الخدمة، في العائلة والكنيسة والمجتمع والدولة. اذا عاش هذه
الامانة اغتنى بالمزايا التي زيّنت نفس بولس وسيلا (1 تسا2/5-8):
-
لا ينطق بكلام تملّق، ولا يضمر طمعاً، ولا يطلب مجداً بشرياً
لقاء رتبته.
-
يعامل بحنان الام من هم في عهدته، يجود بنفسه من اجلهم وقد
اصبحوا احباء له.
-
لا يثقّل على احد لتأمين عيشه المادي، بل يعمل في الليل والنهار،
ويعامل الجميع باخلاص وعدل من دون نقص ولوم، معاملة الاب لاولاده.
-
يدعو ويشدد على السيرة الجديرة بالله الذي يدعونا لنكون جديرين
بمجد ملكوته.
في
زمن اصبحت المسؤولية والسلطة لدى الكثيرين خدمة للذات وللمآرب
الشخصية، وتسلطاً ورشوة، وكلاماً كاذباً، وسيرة عاطلة، وتحريضاً
على القتل والعداوة والشغب والهدم، كم نحن بحاجة الى مسؤولين
يتصالحون مع الله والناس، لتسلم العائلة والمجتمع والدولة.
الارشاد الرسولي "
رجاء جديد للبنان" يذكّر العاملين في الحقل العام، السياسي
والاقتصادي والاجتماعي، بواجب الالتزام بما تقتضي منهم مسؤوليتهم
من احترام للموجبات الاخلاقية، ومن تجرّد بحيث يُخضعون المصالح
الفردية والفئوية لخير الامّة العام، ويتجاوزون الانانيات
(الفقرة94). فان عملوا بروح المشاركة في المسؤولية وبروح التضحية،
ينجو نظام العلاقات العامة من الخلل، وتتعزز الثقة لدى المواطنين
بمؤسسات الدولة، وتحفظ كرامة الجميع والمساواة في الحقوق
والواجبات: هذه المزايا توفّر خدمة الخير العام الذي منه خير
الجميع وخير كل واحد)الفقرة
92).
3.
الانجيل ينير
الواقعات الزمنية
يُتلى في هذا الاحد انجيل القديس لوقا (10/38-42)، وفيه
زيارة يسوع لبيت مرتا ومريم.
مرتا
انهمكت بواجب الخدمة والضيافة، ومريم جلست عند قدمي الرب
يسوع تسمع كلامه. فكان جواب يسوع على اعتراض مرتا: " مرتا،
مرتا المطلوب واحد. اما مريم فقد اختارت لها حظاً صالحاً لا يُنزع
منها". انه كلام نبوي ينير كل نشاط يقوم به الانسان.
قوله يعني ان من يسمع كلام الله ويستنير به، يحسن العمل بالواجب،
ويأخذ عمله قيمة ومعنى، وهو شخصياًَ يفرح ويتعزّى. هذا شأن الذين
يقومون بواجبهم بفرح وسخاء وحبّ واندفاع. ولكن، من دون الاستنارة
الروحية يأتي عمل الواجب ناقصاً، ويعتبره صاحبه عبئاً ثقيلاً،
ويؤدّيه عن غير حماس وفرح.
الانسان مشدود في آن
الى عالمين:
عالم الله وعالم البشر، وله بُعدان: عامودي وافقي، لا يستطيع
الانسان ان يعيش البعد الافقي في عالم البشر، ويقوم بواجباته في
الحق والعدل والانصاف، من دون الاصغاء لكلام الله واستلهامه
عمودياً. ولا يستطيع ان يحمل قيم عالم الله الى عالم البشر من دون
الاتحاد عامودياً بالله والقديسين.
تحتاج الحرية البشرية
الى مرجعية الحقيقة. هذه وحدها تجمع وتحرر، وبدونها تحكمّ وانشقاق وعبوديات. اذا انفك الرباط
بين الحرية والحقيقة، اصبح " الانا" مع كل رغباته المعيار الوحيد
والنهائي، وتحت مظاهر الحرية، اصبح سجناً. هذا هو تيّار النسبية (
relativisme)
الذي يجعل تعددية المواقف تعددية على ذات المستوى، ما يفقد الحقيقة
طابعها الاستئثاري، انطلاقاً من الافتراض بانها تظهر بشكل متساوٍ
في العقائد المختلفة، بل والمتناقضة. عندما ينكر الانسان قدرته
الاساسية على البلوغ الى الحقيقة، انما يرتاب من طاقته على معرفة
ما هو حق بالواقع، فيخسر ما يستطيع ان يأسر عقله ويغوي قلبه (مجمع
عقيدة الايمان: مذكرة حول بعض وجوه الانجلة،4).
هذا هو " المطلوب الواحد" و " الحظ الصالح" الذي
اشار اليه المسيح في جوابه لمرتا وهو اياه تدعو اليه الكنيسة عندما
تعلن الانجيل في الكرازة والتعليم والموقف. انها تريد فقط ان تقدّم
مجاناً للناس والشعوب ما قبلته هي مجاناً. تفعل ذلك بشخص رعاتها
وابنائها وبناتها الملتزمين بتعليمها ورسالتها. يخبر كتاب اعمال
الرسل ان تلاميذ المسيح، في الكنيسة الناشئة، بذلوا جهدهم لحمل
الناس على الاعتراف بالمسيح رباً، لا بالكرازة ولا بالمهارة، بل
قبل كل شيء بقوة كلمة الله" ( الكرامة البشرية،11).
***
ثانياً، البطريركية المارونية ولبنان
بين اواخر عهد
المماليك وبداية عهد العثمانيين
الذي دام اربعماية سنة (1516-1918)، برزت شخصية البطريرك سمعان
او شمعون الحدثي،(1492-1524). لقد عاصر ستة باباوات: اسكندر
السادس ( 1492-1503) وبيوس الثالث ( 1503) ويوليوس الثاني (
1503-1513) ولاوون العاشر (1513-1521) وادريانوس السادس
(1522-1523) وكليمنضوس (1523-1534). فوطّد العلاقة مع روما على اسس
العقيدة الكاثوليكية، من خلال رسائل متبادلة معهم، وزوار رسولين من
الآباء الفرنسيسكان حافظي الاراضي المقدسة. وتوضحت سلامة عقيدة
الموارنة وليتورجيتهم وتنظيمهم الكنسي (1).
وفي عهده عاد سنة 1493 من روما الراهب الفرنسيسكاني جبرايل ابن
القلاعي من لحفد، الذي اصبح مطران قبرص سنة 1505 وتوفي في شباط
1516. كان ذراع البطريرك الايمن في مواجهة الهرطقات وتصحيح ما كان
اليعاقبة يعلّمون وينشرون بين الموارنة. عُرف ابن القلاعي بغيرته
وغزارة علومه وقداسته، وترك العديد من المصنفات، نذكر من بينها "
كتاب الطوباوي مارون"، فضلاً عن الزجليات المتضمنة مدائح نشر منها
خمس واربع عشر مرحلة من تاريخ الطائفة المارونية في جبل لبنان
(2)
وفي سنة 1510 بسبب الضيق العظيم على الموارنة من جور الحكام
والجراد الذي اتى على مزروعاتهم، غادر موارنة عديدون ولاسيما من
بلاد جبيل الى جزيرة قبرص. واذ عانى موارنة الجزيرة من اطماع
اليونانيين باملاك دير مار يوحنا واوقافهم، كتب البطريرك شمعون
الحدثي الى البابا لاوون العاشر بهذا الشأن، فكتب البابا الى
المسؤولين للمحافظة على املاك الموارنة (3).
2.
في عهد هذا البطريرك تغلب السلطان سليم الاول (1516-1566) ملك
القسطنطينية على المماليك في معركة مرج دابق بقرب حلب سنة 1516،
بمعاونة المعنيين، فقدّم الامير فخر الدين على كل الامراء
اللبنانيين واعترف لسلالته بوراثة الامارة في الشوف، واقام على
بلاد كسروان وجبيل الامير عساف. تميّز السلطان سليم بكثرة حلمه،
فامر باعمار البلاد بعد ان خرّبتها الحروب. فجاء المتاولة من بعلبك
وسكنوا في فاريا وحراجل وبقعاته، والسنّة من البقاع واستوطنوا
فيطرون والقليعات وعرمون والجديدة وساحل علما وفتقا، والدروز من
المتن والجرد وأقاموا في برمانا ومزارع كسروان، والمسيحيون من
طرابلس والشمال وسكنوا في عرمون واهالي يانوح في كفور الفتوح
وغزير، حسب ما اورد البطريرك اسطفان الدويهي في تاريخ الازمنة(4)..
3.
احتلّ العثمانيون سوريا ولبنان وصولاً الى مصر بقيادة السلطان سليم
الاول وقسموا السلطنة الى ثلاث دوائر كبرى: دمشق وحلب وطرابلس.
عاملوا المسيحيين كأهل ذمّة وسمحوا لهم بممارسة معتقداتهم وادارة
شؤونهم وفقاً لقوانين الاحوال الشخصية مقابل ان يدفعوا الجزية او
ضريبة الرأس. لم يكن لهم حق المساواة بالمسلمين، فلا يلبسوا مثلهم،
ولا يركبوا الخيل، ولا يتقلدوا السلاح، ولا تقبل شهادتهم لدى
المحاكم العثمانية، ولا يحق لهم ترميم الكنائس والمعابد او بناؤها
إلاّ باذن سلطاني. وأوجب العثمانيون على البطاركة ورؤساء الطوائف
طلب " الفرمان" او " براءة التثبيت" من السلطان، لكي يتمكنوا من
ممارسة سلطتهم الدينية والمدنية.
(1)
انظر الرسائل لدى
الاباتي بطرس فهد: بطاركة الموارنة واساقفتهم في القرن السادس عشر،
صفحة 7-17.
(2)المرجع نفسه، ص
17-20، 22-26 حياة ابن القلاعي ومؤلفاته باسهاب في بطاركة الموارنة
واساقفتهم من القرن 13 الى 15، ص،111-129.
(3)
بطاركة الموارنة
واساقفتهم في القرن السادس عشر، ص 19.
(4)
(نشرة الاباتي بطرس
فهد، سنة 1976، ص 392).
غير ان السلطان سليم عفا البطريرك الماروني من طلب " الفرمان"
خلافاً لبطاركة الشرق. وبفضله نعم جبل لبنان بنوع من الاستقلالية:
فشؤونه العامة كان يتولاها امير وطني معروف " بالحاكم الكبير"،
وسيادة الدولة العثمانية عليه كانت اسمية، وسكانه لم يدفعوا العُشر
ولا الخراج ولا جزية الرأس، ولم يكونوا " اهل ذمّة" تحت حماية
الدولة التركية، بل كانوا يحمون انفسهم بانفسهم، فلم يدفعوا إلاّ
المال الاميري. لا يؤدون الخدمة العسكرية خارج بلادهم، بل كانوا
ينضوون تحت لواء جيشهم الوطني. وكان امير البلاد او حاكمها يعترف
بسلطة رؤساء الدين ورتبهم. ونعم الاكليروس الماروني ببعض
الامتيازات، منها الحماية الفرنسية برضى الباب العالي، بسبب مذهبهم
الكاثوليكي، مثل الاكليروس اللاتيني (5).
****
ثالثاً، الخطة الراعوية لتطبيق المجمع البطريركي الماروني
تعرض الخطة الراعوية التطلعات المستقبلية التي يرسمها
المجمع البطريركي الماروني في نصّه التاسع "العلمانيون".
فيطرح رهانات حياتية من نوع التحديات المصيرية وتوصيات
(الفقرات 31-32).
1. الرهان -التحدي
الاول،
المحافظة على اصالة ايمانهم فيما هم ينخرطون في قطاعات العمل
ومجالاة الحياة.
الثاني،
الانفتاح والتعاون مع
الاخرين على اساس ثوابتهم من دون اضاعة هويتهم.
الثالث،
اكتساب العلوم والمعارف ومواكبة التطور العلمي والتكنولوجي مع
المحافظة على قيمهم الروحية والخلقية.
2.
اما التوصيات المجمعية فهي:
أ-
اغناء هوية العلمانيين ودعوتهم ورسالتهم بما جاء في تعليم المجمع
الفاتيكاني الثاني وفي الارشاد الرسولي " رجاء جديد للبنان".
ب-
اصدار ارشاد رعائي عام بشأن مشاركة العلمانيين في حياة الكنيسة
ورسالتها يشمل: مشاركتهم في البنى الكنسية من مجالس رعوية وهيئات
ولجان تختص بالعمل الراعوي والاجتماعي والاقتصادي والليتورجي؛
مساهمتهم في خدمة الكلمة والنعمة والمحبة؛ شهادة حياتهم المسيحية
في العائلة والرعية والمجتمع؛ آلية اشراكهم في اتخاذ القرارات على
مستوى الرعية والابرشية؛ مشاركة المرأة على هذا المستوى في مختلف
الخدمات والقطاعات.
ج-
تعزيز انتشار الاخويات والحركات الرسولية، وارشادها وتثمير طاقاتها
في حياة الرعية والابرشية مع المحافظة على خصوصية كل واحدة منها
والتنسيق فيما بينها، بالتعاون مع اللجنة الاسقفية لرسالة
العلمانيين.
(5)
الاب فرنسوا عقل:
اضواء على الع8لاقات السياسية والقانونية بين البطريركية المارونية
والدولة اللبنانية، ص 41-47.
د-
اعداد برامج تنشئة على مفهوم القيادة، والتدريب على المهارات،
والعيش بموجب تعليم الكنيسة الاجتماعي.
ه-
تأسيس راعوية مهنية للعلمانيين وفقاً لمهنتهم تشمل التثقيف على
المبادىء، وتعزيز مبادرات تضامن وتنمية.
و-
تشجيع المنظمات، الطلابية المسيحية لاجتذاب المراهقين، ومواجهة
التيارات المادية التي تتهدد الشبيبة.
ز-
ايجاد آلية لجمع الشباب الماروني في بلدان الانتشار للتعارف وتبادل
الخبرات وتعزيز روح الانتماء، مثل : لقاءات دورية، مخيمات صيفية،
لقاء عالمي للشباب او مبادرات اخرى مماثلة.
****
صلاة
يا
رب، نسألك نعمة الشعور، مثل بولس الرسول، بائنتمائك ايانا على
بشارة الانجيل، لننقلها بمسؤولية وامانة وصدق، غير آبهين بصعوبات
الرفض او عدم الاكتراث. فحقيقة الانجيل من شأنها ان تنير وتوحّد
وتحرر. في عالم النسبية والاعتداد بالنفس، يبقى الانجيل المرجعية
الاكيدة للحقيقة. اعطنا ان نصغي الى كلامك الحي قبل القيام باي عمل
ليأتي وفق ارادتك. قوِّ بروحك القدوس العلمانيين المؤمنين
العائشين وسط العالم ليضعوا مواهبهم في خدمة الكنيسة ورسالتها،
وليعملوا على تغيير المجتمع من الداخل، مثل الخميرة في العجين.
ونرفع المجد والشكر للآب والابن والروح القدس الآن والى الابد،
آمين.
الاحد 17 آب 2008
الاحد
الخامس عشر من زمن العنصرة
اسس
الجماعة المسيحية: اختيار وفداء وانجيل
من رسالة القديس
بولس الرسول: 1 تسالونيكي 1/1-10.
يا
إخوَتِي، مِنْ بُولُسَ وسِلْوانُسَ وطِيمُوتَاوُسَ إِلى
كنِيسَةِ التَّسَالُونِيكيِّينَ الَّتِي في اللهِ الآبِ والرَّبِّ
يَسُوعَ الـمَسيح: أَلنِّعْمَةُ لَكُم والسَّلام! نَشْكُرُ
اللهَ دائِمًا مِنْ أَجْلِكُم جَمِيعًا، ونَذْكُرُكُم في
صَلَواتِنَا بِغَيْرِ انْقِطاع. ونتَذَكَّرُ في حَضْرةِ
إِلـهِنَا وأَبِينَا عَمَلَ إِيْمَانِكُم، وتَعَبَ مَحَبَّتِكُم،
وثَبَاتَ رَجَائِكُم، كَمَا في رَبِّنَا يَسُوعَ الـمَسِيح.
ونَعْلَم، أَيُّهَا الإِخْوَة، أَحِبَّاءُ الله، أَنَّ اللهَ ا]خْتَارَكُم؛
لأَنَّ إِنْجِيلَنَا لَمْ يَصِرْ إِلَيْكُم بِالكَلامِ وحَسْب،
بَلْ أَيضًا بِالقُوَّةِ وبِالرُّوحِ القُدُسِ وَبِمِلْءِ
اليَقِين، وأَنتُم تَعْلَمُونَ كَيْفَ كُنَّا بَيْنَكُم مِن
أَجْلِكُم. فَقَدْ صِرْتُم تَقْتَدُونَ بِنَا وبِالرَّبّ،
إِذ قَبِلْتُمُ الكَلِمَة، في وَسَطِ ضِيقَاتٍ كَثِيرة، بِفَرَحِ
الرُّوحِ القُدُس، حَتَّى صِرْتُم مِثَالاً لِجَمِيعِ
الـمُؤْمِنينَ في مَقْدُونِيَةَ وأَخَائِيَة؛ لأَنَّهَا
مِنْكُم ذَاعَتْ كَلِمَةُ الرَّبّ، لا في مَقْدُونِيَةَ
وأَخَائِيَةَ وحَسْب، بَلْ في كُلِّ مَكَانٍ ا]نتَشَر إِيْمَانُكُم
بِالله، حتَّى لَمْ يَعُدْ بِنَا حَاجَةٌ إِلى أَنْ نَقُولَ في
ذـلِكَ شَيْئًا. فَهُم أَنْفُسُهُم يُخْبِرُونَ عَنَّا
كَيْفَ كَانَ دُخُولُنَا إِلَيْكُم، وكَيْفَ رَجَعْتُم عَنِ
الأَوْثَانِ إِلى الله، لِكَي تَعْبُدُوا اللهَ الـحَيَّ الـحَقّ،
وتَنْتَظِرُوا مِنَ السَّمَاواتِ ابْنَهُ، الَّذي أَقَامَهُ
مِنْ بَينِ الأَمْوَات، يَسُوع، مُنَجِّينَا مِنَ الغَضَبِ الآتي.
رسالة بولس الى اهل تسالونيكي هي اول رسالة له، وأقدم ما كُتب من
العهد الجديد. كتبها عندما وافاه طيموتاوس حاملاً اليه اخبارهم.
تعابير الرسالة أشبه بكلام عطف ومودّة يخاطب بها الاب اولاده.
في
رسالة هذا الاحد شكر لله وتهنئة للجماعة المسيحية في تسالونيكي،
التي يدعوها "كنيسة"، على اعتناقها الايمان المسيحي وعلى انتشار
كلمة الله في المناطق المجاورة. وفيها رجاء انتظار يسوع المسيح
القائم من الموت.
***
اولاً، شرح نص الرسالة وربطه بتعليم الانجيل
1.
ملامح الكنيسة
الوجه الاول: جماعة
ايمان ورجاء ومحبة
يسمي الرسول جماعة المسيحيين في تسالونيكي " كنيسة" (1/1)
بالمعنى البيبلي منذ العهد القديم، وهي من اصل " جمع". انها
الجماعة التي دعاها الله وجمعها. الكنيسة هي جماعة المدعوين
للخلاص: دعاهم الله الآب بابنه المتأنس يسوع المسيح، وجمعهم برباط
الروح القدس، ليكونوا " جماعة نشاط الايمان وثبات الرجاء وجهود
المحبة" (1/3).
بالايمان،
نؤمن بالله، ونؤمن بكل ما اوحاه، وبكل ما تقدمه لنا الكنيسة لنؤمن
به. بالرجاء، ننتظر بشوق من الله، وبثقة ثابتة، الحياة
الالهية والنعم التي تؤهلنا لنستحقها. وبالمحبة، نحبّ الله
فوق كل شيء، ونحبّ قريبنا كنفسنا وحباً بالله. المحبة هي " رباط
الكمال"، وتعطي شكلاً لكل الفضائل ( كتاب التعليم المسيحي،
1814-1844).
هذه الثلاث تُسمى " فضائل الهية" لان الله يهبها لكل نفس،
ولانها مرتبطة به مباشرة. انها تؤهل المسيحي ليعيش بعلاقة مع الله
الثالوث الذي هو اصله وسبب وجوده وغايته.
الوجه الثاني: كنيسة
مختارة ومفتداة
بقوة هذه الفضائل " يجمع الله المؤمنين ليكوّنوا الكنيسة.
ان
لفظة " كنيسة" سواء باليونانية "Ekklésia"
ام بالسريانية " كنوشتو" تعني "جماعة" من فعل جَمَعَ. اهل
تسالونيكي هم هؤلاء الذين جمعهم الله فصاروا كنيسته.
ويؤكد انه اختارهم قبل ان يجمعهم. يسميهم بولس " احباء
الله" الذين هم من المختارين" (1/4). هذا الاختيار والجمع تمّا
بفضل بشارة الانجيل التي قبلوها كلمة من الله وباليقين التام،
وبعمل الفداء الالهي الذي نالوا ثماره، وبقوة الروح القدس (1/5/6).
الوجه الثالث: كنيسة
تحمل بشرى الانجيل
هؤلاء المؤمنون صاروا قدوة ومثالاً في الايمان للجميع، واصبحوا
رسل كلمة الرب، التي شاعت على ايديهم في كل المنطقة (8/1)
المؤمنون، ابناء الكنيسة، هم الذين يؤدون شهادة الحياة ويعلنون
حقيقة الانجيل. ان نقل الانجيل يتمّ بواسطة الكلمة وشهادة الحياة
(الدستور العاقئدي، في الكنيسة،35). اذا كانت الكلمة على نقيض مع
المسلك، فانها تُقبل بصعوبة. شهادة الحياة وحدها لا تكفي ما لم
يرافقها اعلان واضح وغير ملتبس لسرّ المسيح الرب (البابا بولس
السادس: واجب اعلان الانجيل،22). من الاعلان والشهادة تشع الحقيقة
على جميع الناس، وهي حقيقة تخلّص وتضع حرية الانسان في سعي دائم
الى الخير. فتبلغ الحرية ملئها وتنال كرامتها وتحظى بالاحترام.
ولهذا ارسل الرب يسوع الكنيسة لتعلن الانجيل للخليقة كلها، لكي
يبلغ جميع الناس الى الحقيقة والخير، فلا يهلكون ( مر 16/15-17).
2.
المرأة الخاطئة
وقارورة الطيب
( لوقا 7/36-50)
سمعت المرأة الخاطئة كرازة يسوع ورأت اعماله، فشاهدت الحقيقة،
وبضوئها أدركت ان حياتها بعيدة عنها ومسيئة لها، فندمت وقررت السير
في طريق الحقيقة والخير. واذ علمت انه في بيت سمعان الفرّيسي،
تشجعت ودخلت البيت. وبصلاة صامتة وبمبادرة مميّزة عبّرت عن توبتها.
مسحت دموعها عن رجلي يسوع بشعرها لانسحاق قلبها وقرار التغيير.
الطيب الذي دهنت به رجليه تعبير عن حبها الذي لا يوازيه حبٌ لغيره
وعن شكرها المسبق على الغفران الذي ستناله من محبته العظمى.
شرح يسوع لسمعان، مع شيء من العتاب، معنى ما فعلت تلك المرأة
وابعاده: لقد أحبّت كثيراً ولهذا غُفرت خطاياها الكثيرة. التوبة
الى الله والعودة عن الخطيئة والخطأ فعل حب كبير. لا يتوب حقاً
إلاّ الذي يحب الله، وبالتالي الحقيقة والخير. ولا يغفر من كل
القلب إلاّ الذي يحب حقاً.
اما عتاب يسوع لسمعان فهو انه أحبَّ يسوع قليلاً. فلا يكفي ان
يستضيفه في بيته ويولم له ويدعو اصدقاء. هذا حبّ خارجي. فلو احبَّ
يسوع من كل القلب، لكان تغيّر من الداخل، وتاب عن خطاياه، كما فعل
زكا العشار يوم دخل يسوع بيته ( لو19/8).
والعتاب نفسه موجّه بطريقة غير مناسبة الى المدعوين الذين تذمّروا
وقال: " الله وحده يغفر الخطايا"، عندما قال للمرأة: " ايمانك
احيلكِ، اذهبي بسلام"؟
التوبة عن الخطايا والتماس الغفران من الله فعل ايمان وحب. اما
الغفران فنلتمسه من الله على يد الكاهن المعطى السلطان الالهي
لمغفرة الخطايا باسم الله الثالوث.
****
ثانياً، البطريركية المارونية ولبنان
عهد العثمانيين
(1516-1918): الحقبة ما بين 1524-1567
1.
بعد البطريرك سمعان او شمعون الحدثي ( 1492-1524) الذي دامت رئاسته
32 سنة، انتخب البطريرك موسى العكاوي (1524-1567) من قرية
الباردة في عكار. كان عمره 42 سنة وهو في الاصل راهب في دير سيدة
حوقا (شمالي لبنان)، ورقي الى الاسقفية سنة 1522. دامت رئاسته 43
سنة وكانت غنية بالمآثر. عايش ستة بابوات وراسلهم وراسلوه، وهم:
اكليمنضوص السابع (1523-1534). وبولس الثالث (1534-1549) ويوليوس
الثالث (1550-1555) وبولس الرابع ( 1555-1559) وبيوس الرابع
(1559-1565) فبيوس الخامس (1566-1572)(1).
2.
في رسائله ركّز البطريرك موسى على الاضطهاد الذي يلقاه الموارنة من
غير الكاثوليك والظلم من غير المؤمنين بسبب خضوعهم لكرسي روما
والجالس عليه، وطلب زائرين رسوليين وستة رهبان فرنسيسكان من
الاراضي المقدسة للتثقيف والتعليم في جبل لبنان، وغفرانات. وكان
البطريرك موسى يردد في رسائله: " نحن كاثوليك حقيقيون، ممارسون،
خاضعون تماماً لامنا الكنيسة المقدسة". اما اجوبة البابوات فكانت
تثني على ايمان الموارنة وتمسّكهم بالامانة لكرسي بطرس وتلبي مطالب
البطريرك وتذكّر بشؤون عقائدية وليتورجية وتهذيبية(2).
وكان البابوات يرسلون للبطريرك بدلات طقسية مع توابعها.
3.
وكتب البطريرك موسى في 2 شباط 1564 الى البابا بيوس الرابع يلتمس
وساطته لدى الايطاليين البنادقة (من البندقية-
venezia)
الذين تملّكوا جزيرة قبرص للضغط على اليونان من اجل رفع ظلامتهم عن
موارنة قبرص: " فانهم يتصرفون كاسياد عليهم، ويبالغون بالبغض لنا
لاننا نقدس مثل اللاتين، ونخضع مباشرة للحبر الروماني ولاسباب اخرى".
________________________________________________
(1) انظر بشأن
المراسلات الاباتي بطرس فهد: بطاركة الموارنة واساقفتهم في القرن
السادس عشر، ص 6-7.
(2) انظر مثلاً رسالة
البطريرك الى البابا بولس الثالث وجواب البابا في سنة 1542 (المرجع
نفسه)
4.
وكانت للبطريرك اتصالات بالحكام الزمنيين لصالح الموارنة وجبل
لبنان. ففي سنة 1527 كتب الى الامبراطور الالماني شارل كان
يدعوه للمساعدة في نيل الاستقلال وانتزاعه من ايدي العثمانيين،
واكّد له امكانية ارسال خمسين الف من الرماة المدربين احسن تدريب
للمساعدة في الحرب الاستقلالية"(3). نظراً لما
للامبراطور من تقدير لشخص البطريرك، اهداه بدلة جميلة لخدمة
الاسرار الالهية.
وفي سنة 1550 ارسل البطريرك موسى موفداً الى حلب لمقابلة
السلطان سليمان خان الغازي للتخفيف من جباية الاموال التي
اصبحت مرهقة على دير قنوبين. فانفذ السلطان امراً همايونياً الى
قاضي طرابلس في سنة 1553 للنظر في الامور، ولكي لا يسمح لاحد بان
يتعرض للبطريرك الماروني بشيء البتة، ولكي يسهر على ان تبقى حقوق
الطائفة المارونية مرعية بنوع خاص، وان يعاقب بشدة من يتجاسر على
مخالفة هذا الامر.
وفي سنة 1564 حصل البطريرك موسى على امر من والي دمشق مصطفى
باشا الى قاضي القدس ليسمع دعوى البطريرك بشأن رفع يد الاقباط
عن كنيسة مار جرجس التي استولوا عليها سنة 1561. وكان البطريرك قد
سافر الى القدس الشريف في السنة نفسها لهذه الغاية.
5.
في عهده كان نزوح وانتشار للموارنة انطلاقاً من بلدة جاج:
فتوجّه آل الخازن الى عجلتون، وآل الجميّل الى بكفيا، وآل كميد الى
غزير، لان الامير منصور كان قد وطّد الامن والعدالة في منطقته. كما
نزح الموارنة الفلاحون من الشمال الى الجنوب فانتشرت الزراعة في
الجبال والقرى. تحالف الموارنة والدروز في الشوف والمتن لمحاربة
الفساد المستشري لدى باشوات الباب العالي، ولحصر ولايتهم على بعض
المدن الساحلية من لبنان.
*****
ثالثاً، الخطة الراعوية لتطبيق المجمع البطريركي الماروني
تتناول الخطة الراعوية من النص المجمعي التاسع: " العلمانيون،
استراتيجية العمل، كما يعرضها الفصل الرابع " تطلعات
مستقبلية". تشمل هذه الاستراتيجية تنشئة العلمانيين (الفقرة 33)،
ومشاركتهم في الرسالة والقرار الكنسيين (الفقرة 34) ودور المجالس
العلمانية الرسولية (الفقرة 35).
1.
تنشئة العلمانيين
( فقرة 33).
تنشئتهم ملحّة واساسية ولا يمكن تركها للعفوية المطلقة. فهي
تعدّهم لتلبية دعوتهم المسيحية والقيام برسالتهم، ما يشكل املاً
كبيراً للمستقبل. تهدف التنشئة الى النمو في الايمان
والتجدد الداخلي وتفعيل مواهب الروح القدس التي يوزعها لخير
الكنيسة، جسد المسيح السّري. تقع مسؤولية التنشئة على مطران
الابرشية وكاهن الرعية بالدرجة الاولى. وتتوفر بواسطة مراكز
التثقيف الديني ووسائل الاعلام
المسيحية والاخويات والمنظمات والحركات الرسولية، ولقاءات منظمة
على مستوى كل رعية، فضلاً عن الكرازة والتعليم المسيحي في المدارس.
(3)
انظر الرسالة في
المرجع مفسه، ص 48-49.
تعتمد التنشئة اربعة سبل اساسية: الاصغاء الواعي لكلمة الله
وتعليم الكنيسة، الصلاة الفردية والجماعية، الارشاد الروحي،
التمييز الروحي.
تنفتح التنشئة
على العقيدة المسيحية والبُعد الرسولي والرسالي للحضور المسيحي في
الشرق والعالم العربي، وعلى الشركة مع الكنائس الكاثوليكية،
والتعاون المسكوني مع الكنائس الارثوذكسية والبروتستنتية، وعلى
حوار الحياة مع المسلمين واتباع الديانات الاخرى.
2.
مشاركة العلمانيين في
الرسالة والقرار الكنسيين (فقرة 34).
تقتضي هذه المشاركة
تثمير طاقات العلمانيين وغناهم الروحي ومؤهلاتهم الفردية، ليكونوا
في بناء الكنيسة " حجارة حيّة" للعمل معاً. وتتحقق من خلال
المجالس الراعوية على مستوى الابرشية وكل رعية، واللجان المنبثقة
منها.
3.
دور المجالس
العلمانية الرسولية
(فقرة 35)
تعنى هذه المجالس برسم خطة شاملة للاخويات المنظمات والحركات
الرسولية، لتوعية افرادها وسائر المؤمنين العلمانيين على فهم
هويتهم وتلبية دعوتهم واداء رسالتهم، وتنسيق العمل على قاعدة
التعددية في الوحدة.
هذه المجالس تنسّق
عملها مع المجلس الرسولي العلماني، المنبثق من اللجنة الاسقفية
لرسالة العلمانيين، وتعمل وفقاً لتوجيهاته.
نختم هذا القسم
الثالث من التنشئة المسيحية بكلمات المجمع البطريركي الماروني:
اننا بشجاعة الرجاء نسير معاً نحو المستقبل، وعقولنا وقلوبنا
منفتحة على عمل الروح القدس الحي والمحيي، لندخل في دينامية التجدد
الشخصي والجماعي. فالمسيح اتى ويأتي ليجعل كلّ شيء جديداً (رؤيا
21/5).
***
صلاة
نشكرك ايها الرب يسوع
لانك احببتنا واخترتنا وجمعتنا بكلمة الانجيل، وافتديتنا بدمك
الثمين، واحييتنا بروحك القدوس، وجعلتنا كنيسة الايمان والرجاء
والمحبة. اننا نلتزم بالشهادة لك في حياتنا، وباعلان انجيل الحقيقة
والمحبة والحياة لجميع الناس. افتح قلوبنا على محبتك لنعود اليك
بالتوبة مثل المرأة الخاطئة في بيت سمعان. اننا نصلي من اجل
المؤمنين المسيحيين العائشين في العالم، لكي يدركوا دعوتهم
ورسالتهم في الكنيسة والعالم، وينالوا التنشئة اللازمة التي
تمكّنهم من تلبية الدعوة والقيام بالرسالة، فنسير جميعنا نحو
مستقبل افضل يتجدد بالمسيح. ونرفع المجد والشكر للاب والابن والروح
القدس، الآن والى الابد.
الاحد 24 آب
2008
الاحد
السادس عشر من زمن العنصرة
السعي الى
مجد حرية ابناء الله
من رسالة القديس
بولس الرسول: روم 8/18-22.
يا
إخوَتِي، وإِنِّي أَحْسَبُ أَنَّ آلامَ الوَقْتِ الـحَاضِرِ
لا تُوَازِي الـمَجْدَ الَّذي سَوْفَ يتَجَلَّى فينَا.
فإِنَّ الـخَليقَةَ تَنْتَظِرُ بِفَارِغِ الصَّبْرِ تَجَلِّيَ
أَبْنَاءِ الله؛ لأَنَّ الـخَليقَةَ أُخْضِعَتْ لِلبَاطِل،
لا طَوْعًا، بَل "بِسُلْطَانِ اللهِ الَّذي أَخْضَعَهَا"، ولـكِنْ
عَلى رَجَاءِ أَنَّ الـخَليقَةَ نَفْسَهَا سَتُحَرَّرُ هيَ
أَيْضًا مِنْ عُبُودِيَّةِ الفَسَادِ إِلى حُرِّيَةِ مَجْدِ
أَوْلادِ الله. ونَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ الـخَليقَةَ
كُلَّهَا مَعًا تَئِنُّ وتَتَمَخَّضُ إِلى الآن. ولـكِنْ لا
هيَ فَحَسْب، بَلْ نَحْنُ أَيْضًا الَّذينَ لَنَا بَاكُورَةُ
الرُّوح، نَحْنُ أَيْضًا نَئِنُّ في أَنْفُسِنَا، مُنْتَظِرِينَ
التَّبَنِّيَ أَيْ فِدَاءَ جَسَدِنَا. فإِنَّنَا
بِالرَّجَاءِ خُلِّصْنَا. والرَّجَاءُ الَّذي يُرَى لَيْسَ رَجَاء.
فهَلْ يَرْجُو أَحَدٌ مَا يَرَاه؟ أَمَّا إِذَا كُنَّا
نَرْجُو مَا لا نَرَاه، فَبِالصَّبْرِ نَنْتَظِرُهُ.
وهـكَذَا فَالرُّوحُ نَفْسُهُ يَعْضُدُنَا في ضُعْفِنَا، لأَ}نَّنَا
لا نَعْرِفُ أَنْ نُصَلِّيَ كَمَا يَنْبَغِي، لـكِنَّ الرُّوحَ
نَفْسَهُ يَشْفَعُ لَنَا بِأَنَّاتٍ لا تُوصَف. والَّذي
يَفَحَصُ القُلُوبَ يَعْرِفُ رَغْبَةَ الرُّوح، وهيَ أَنَّهُ
يَشْفَعُ لِلقِدِّيسِينَ بِمَا يُوَافِقُ مَشِيئَةَ الله.
كتب بولس الرسول الى اهل رومة بين السنتين 57 و58 من كورنتس وهو لم
يكن يعرف الجماعة المسيحية فيها معرفة مباشرة، لانه لم يزر رومة من
قبل. بل كان يتشوق الى زيارة الكنيسة هناك، على ما يقول في مطلع
الرسالة: " انني كثيراً ما قصدت الذهاب اليكم، فحيل بيني وبينه الى
اليوم" ( روم1/13).
انها اهمّ رسائل بولس
الرسول، وأطولها وأغناها من جهة العقيدة، وكثيراً ما اعتُبرت بحثاً
ومؤلّفاً عقائدياً في صيغة رسالة مفتوحة.
نص القراءة لهذا
الاحد هو من شفاه الانسان
بالمسيح من
شقاه الانساني، اذ حرّره الروح القدس واشركه بمجد المسيح وبحياته
الالهية، بعدها قام من بين الاموات.
اولاً،
شرح نص الرسالة وربطه بنص الانجيل
1.
مشاركون المسيح في
الآلام اذاً مشاركون في مجد القيامة
ان
مدخل نص الرسالة يبدأ بقول الرسول بولس: " إن شاركنا المسيح حقاً
في آلامه، نشاركه ايضاً في مجده" ( روم8/17). ولذلك " آلام الوقت
الحاضر لا توازي المجد الذي سوف يتجلّى فينا" (8/18). يعطي بولس
لهذا التأكيد شهادات.
شهادة الخليقة،
الخاضعة اصلاً للفساد، بينما هي تنتظر بفارغ الصبر تجلّي مجدها في
البنوّة لله، وقد تحررت من عبودية الفساد بحرية ابناء الله. انها
في حالة مخاض دائم من اجل هذه الولادة الجديدة (8/9-22). لا تستطيع
الخليقة لوحدها ان تبلغ هدفها. لذلك تئن وتتمخض لتخرج من فوضاها
وتستعيد بهاءها الذي اوجدها فيه الخالق قبل الخطيئة.
شهادة الروح القدس
الذي يعضدها ويصلي فينا ويشفع لنا لننال ما يوافق مشيئة الله
(8/26-27). ان الروح يصلي فينا لانه روح البنوة الذي اُعطيناه وبه
نصرخ بدالّة وبدون خوف: ابّا، ايها الآب (8/15). " والروح يشفع لنا
بأنات لا توصف" اي بما شاهده بولس يوم " خطف الى الفردوس، وسمع
اقوالاً تعلو الوصف، ولا يجوز انسان ان ينطق بها" (2كور12/4).
2.
تجلّي المجد محبة
ورجاء فمشاهدة سعيدة
ان
تجلي مجد الله فينا يبدأ في هذه الدنيا بمحبة الله التي
تمكننا من حفظ وصاياه وسماع كلامه والتجدد بنعمة اسرار الخلاص.
والمحبة تثبت بالرجاء الذي يقوى على اليأس ويحرر من
الادّعاء.
فباليأس ينقطع
الانسان عن ان يرجو خلاصه الشخصي من عند الله، ومساعدته للبلوغ
اليه او غفران خطاياه. ان اليأس منافٍ لجودة الله ولعدله، لانه
امين في وعده ولرحمته. وبالادّعاء، يتكل الانسان على قواه
الشخصية وحدها، مدعياً انه قادر على خلاص نفسه من دون مساعدة الهية،
او يفترض ان الله يخلصه بقدرته ويغفر له من دون ان يتوب هو عن
خطاياه الشخصية، ويظن انه ينال المجد من دون اي استحقاق ( كتاب
التعليم المسيحي،2090).
ومجد الله الذي يبتدأ
في هذه الدنيا يكتمل بعد الموت بمشاهدة الله السعيدة،
التي يقول عنها بولس الرسول في مكان آخر: " لم تر عين، ولم يخطر
على بال احد، ولم تسمع به اذن، ما اعدّه الله لمحبّيه".
3.
الرجاء والادّعاء في
مثل الفريسي والعشار (لوقا 18/9-14).
الفريسي
هو رجل الادّعاء الذي يبرّر نفسه بنفسه، وصلاته فقط للتباهي
وتمجيد الذات، لا للالتماس معونة الله والاستغفار. انه يغش نفسه،
ولا يرى ذاته خادماً لله، بل يمتدح نفسه وكأنه محسن على الله
بصيامه واداء العشر. ولهذا يحتقر العشار، جابي الضرائب.
اما العشار
فهو رجل
الرجاء الذي يشعر بانه خاطىء امام الله. ولا يعتبر نفسه
مستاهلاً اي شيء بسبب ما فعل. صلاته انسحاق قلب واستغفار: "
اللهّم، ارحمني، انا الخاطيء". هي روح الطفولة المطلوبة في الانجيل
التي تحتاج الى مساعدة من الله، وروح التواضع الذي يرفع القلب الى
الله، ويقف بالذات امامه، فيدرك الانسان عظمة الله من جهة، وحقارة
نفسه من جهة ثانية.
كانت النتيجة في كلام المسيح ان الفريسي المحافظ على الشريعة
عاد الى بيته من الصلاة في الحالة التي كان فيها سابقاً من دون اي
تغيير في داخله، اما العشار الخاطىء فعاد مبرّراً بسبب
توبته وتجدده من عبودية الفساد الى حرية مجد ابناء الله" (
روم8/21)، بينما الفريسي ظل خاضعاً لعبودية الفساد.
وأعلن الرب يسوع ان
التواضع هو القاعدة للصلاة امام الله والتوبة اليه: " كل من
يرفع نفسه يُواضع، ومن يواضع نفسه يُرفع" (
لو18/14). التواضع اساس الصلاة، ويهيء النفس لقبول عطية الله
المجانية. يقول القديس اغسطينوس: " الانسان المصلّي هو شحاّذ
الله". والتواضع باب التوبة، لان المتواضع يرى ضعفه وخطيئته
ويقرّ بهما، اما المتكبّر فلا. والتواضع استعداد النفس
الدائم للبحث باخلاص عن ارادة الله.
والقاعدة الثانية
أعلنها بولس الرسول: " اما انتَ، فلماذا تدين أخاك؟ وانت، لماذا
تحتقر اخاك؟ فجميعنا سنقف امام منبر الله! لانه مكتوب: حيّ انا،
يقول الرب، لي تجثو كل ركبة، ويعترف كل لسان! اذاً فكل واحد منا
سيؤدي لله حساباً عن نفسه!" (روم14/10/12).
****
ثانياً، البطريركية المارونية ولبنان
عهد العثمانيين
(1516-1918): الحقبة ما بين 1567-1580
عهد البطريرك مخايل
الرزي (1567-1580)
البطريرك مخايل الرزي كان حبيساً في محبسة دير مار انطونيوس قزحيا،
وقد اعتزل رئاسة الدير وعاش في المحبسة منذ سنة 1556. فانتخبه
الاساقفة بطريركاً رغماً عنه باجماع الكلمة سنة 1567، لما تميّز به
من روح طيّبة وقداسة وتجرّد واندفاع في عمل الخير. وكان مشهوراً
بفن الخط وله مخطوط عن اعمال الرسل ورسائل القديس بولس محفوظ في
مكتبة حلب المارونية.
اهمّ ما امتازت به
بطريركيته(1):
1. الصبر على مظالم
الاتراك العثمانيين واضطهاداتهم،
وقد احتل عساكرهم الكرسي البطريركي في قنوبين فور انتخابه، ونهبوه
واستولوا على مواشيه واملاكه، وعلى الاواني المقدسة. فارضاهم
البطريرك بشيء من المال وردّ املاك الكرسي. لكن ظلمهم رافقه طيلة
مدة حبريته التي دامت 23 سنة.
2.
علاقته مع الكرسي الرسولي الروماني الذي تبادل معه الرسائل
المختصة بعقيدة الموارنة الكاثوليكية وتكريس الميرون واسرار
المعمودية والتثبيت والقربان ودرجات القرابة الدموية والاهلية
المبطلة للزواج. وبذلك رفع التهم المزوّرة بحق الموارنة من جهة
اليعاقبة. وقد تزامن عهد بطريركيته مع حبرية البابا غريغوريوس
الثالث عشر ( 1572-1585). تجدر الاشارة الى براءة البابا المؤرخة
في 14 شباط 1577، وجواب البطريرك في 14 نيسان 1577 بشأن نقاط عقيدة
الموارنة المنسجمة تماماً مع تعليم الكنيسة الكاثوليكية. وكانت
رسائل اخرى مماثلة من البطريرك سنة 1578 ومن الاساقفة الموارنة سنة
1579. اجاب عليها البابا غريغوريوس ببراءة 18 ايلول 1579.
(1) الاباتي بطرس
فهد: بطاركة الموارنة واساقفتهم في القرن السادس عشر، صفحة 61-64.
3. قصادتان رسوليتان
(1578-1579؛ 1570-1582) تمتا بطلب ورضى والحاح البطريرك مخايل
الرزي، وترأسهما الراهب اليسوعي الاب خوان باتيستا اليانو ثم الاب
اليسوعي ايرونيموس دنديني. كانت الغاية منهما تسهيل الاتصالات
بالكرسي الرسولي، وتثقيف الاكليروس الماروني، وتثبيت العقيدة
المارونية ونشرها طباعة، وحلّ بعض المسائل التهذيبية والخلافية.
فكانت النتيجة ان الموارنة حفظوا وديعة الايمان الكاثوليكي بين
المنشقين عن الكنيسة، وهم متحدون اتحاداً وطيداً بالكرسي الرسولي،
ومجاهرون بمحبتهم لخليفة بطرس ولمجمع الكرادلة، وصامدون بوجه
الاتراك الذين يسودون عليهم في جبل لبنان ويضايقونهم فيه وفي جزيرة
قبرس. وكان حاكماً على جبلهم سيّد عربي ينتسب الى مماليك مصر اسمه
منصور.
بسبب التهم والتزوير ودسّ الشائعات واضطهاد الاتراك، لم يصل درع
التثبيت الى البطريرك مخايل الرزي، الذي سبق وطلبه فور انتخابه من
البابا بيوس الخامس ( 1566-1572)، وجدد طلبه باستمرار من خلفه
البابا غريغوريوس الثالث عشر، إلا في سنة 1580 قبيل وفاته. ففي 15
آب 1580 بمناسبة عيد انتقال السيدة العذراء بنفسها وجسدها الى
السماء، وهو عيد الكرسي البطريركي في قنوبين، جرى الاحتفال الكنسي
المهيب بلبس درع التثبيت. وبعد شهر كانت وفاة البطريرك في 21 ايلول
1580.
4.
الطلب الى البابا غريغوريوس الثالث عشر تاسيس مدرسة اكليريكية في
روما لتعليم الاكليريكيين. لكن التأسيس تمّ بعد وفاة البطريرك
مخايل الرزي ببراءتين رسميتين الاولى في 31 كانون الثاني 1582 خصصت
داراً رومانية قديمة في قلب العاصمة منزلاً للموارنة، والثانية في
13 كانون الاول 1583 جعلتها مع كنيستها ملكاً للطائفة المارونية.
واصبحت في سنة 1584 مدرسة اكليريكية، أوقفت لها املاكاً لتأمين
مداخيلها وسدّ حاجاتها.
*****
ثالثاً،
الخطة الراعوية لتطبيق المجمع البطريركي الماروني
تبدأ الخطة الراعوية
اليوم بتقبّل النص المجمعي العاشر: " العائلة المارونية".
يتبع هذا النص المنهجية المجمعية اياها بمحطاتها الثلاث: الهوية او
العودة الى الجذور، الحاضر وتجدده، المستقبل ومواجهة تحدّياته.
1. هوية العائلة
المارونية تتسم اولاً بالايمان بالله، ذلك ان العائلة
المارونية نشأت حول الكنيسة والدير، وتمسكت بالايمان المسيحي
والخلقية التي يقتضيها، وشهدت بشجاعة لهويتها الايمانية، متحدّية
الاخطار الدينية والسياسية والاجتماعية والبيئية. وهكذا التزمت
بالايمان وعاشت رسالتها ( فقرة 1).
2. ان عناصر هذه
الهوية هي التالية:
أ- المشاركة في
الحياة الليتورجية بممارسة الواجب الديني وحفظ يوم الرب
والمشاركة في سائر الصلوات الليتورجية وفقاً للاعياد السيدية
والمريمية. فكم من العائلات تقدّست من خلال هذه المشاركة. رافقت
الحياة الليتورجية العائلة في البيت حيث حملت صورها ورموزها، وفي
الحقل والزراعة، حتى سمّى المؤمنون السيد المسيح "فلاحاً ماهراً"
والسيدة العذراء مريم " سيدة الزروع" (الفقرة 2).
ب- تكريم العذراء
مريم، وقد ازدانت البيوت بصورها، وتحلّقت العائلة حول تلاوة
مسبحتها، وأضاءت امام ايقونتها الشموع ورفعت البخور على ترنيمة "
يا أم الله، يا حنونة...وان كان جسمك بعيداً عنا، فصلواتك هي
تصحبنا". واعتادت العائلة ان تكرّم السيدة العذراء في شهر ايار،
ومسبحتها في شهر تشرين الاول. والى اليوم ما زال مؤمنون ومؤمنات
يكرّمونها بالصوم في يوم ثابت من الاسبوع (الفقرة 3).
ج- جعل الرعية
عائلة كبيرة. كانت العائلات تلتقي في كنيسة الرعية كنقطة
ارتكاز لحياة الجماعة ومحورها، وتؤلف معاً عائلة كبيرة حول مائدة
الرب تقدم لها قوتها الذي يوحدها: خبز الكلمة وذبيحة الفداء وخبز
جسد الرب ودمه. وهكذا تعيش كلها في الوحدة والتضامن والتعاون
(الفقرة 4).
د- عيش رسالة
العائلة المسيحية بانجاب الاولاد " كبركة ونعمة" من الله،
وتربيتهم وفقاً للتقاليد الروحية والاجتماعية والكنسية. تحمّلت
العائلة بالصبر ما اصابها من محن ومشكلات وازمات من الداخل ومن
الخارج. شجعت الابناء والبنات على قبول الدعوة المقدسة الى الحياة
الكهنوتية والرهبانية. واوقفت املاكاً للعبادة وخدمة الفقراء،
ولدعم الدعوات الاكليريكية والاعمال الخيرية. وانفتحت على الحوار
والتعاون في حالة العيش المشترك (الفقرات 5-7).
ان الجماعات التي
تلتقي لتقبّل هذا النص المجمعي مدعوة للالتزام في ميزات العائلة
المارونية. وبذلك تلقى العائلات سعادتها، وتساهم في اعادة بناء
العائلة الوطنية وترميمها في ما مزّقت الحروب والاحداث، وما شوّهته
الانحرافات الخلقية، وما أيبسه الابتعاد عن الممارسة الدينية.
*****
صلاة
لقد حررتنا ايها
المسيح بنعمة الفداء، لكي يتجلّى فينا مجد الله. فنعيش في هذه
الدنيا شاهدين لمحبتك، وننعم في الآخرة بمشاهدتك السعيدة. حررنا من
الادّعاء، جمّلنا بفضيلة الرجاء، علّمنا التواضع لنصلي ونتوب ونبحث
عنك. بارك العائلة المسيحية لتظل امينة لهويتها المتسمة بالايمان
بالله، فينتقل هذا الايمان من جيل الى جيل. لك المجد والشكر ايها
الآب والابن والروح القدس، الآن والى الابد، آمين.
الاحد 31 آب
2008
الاحد
السابع عشر من زمن العنصرة
المحبة
جوهر المسلك المسيحي
من رسالة القديس
بولس الرسول: روم 13/8-14.
يا
إخوَتِي، لا يَكُنْ عَلَيْكُم لأَحَدٍ دَيْنٌ إِلاَّ حُبُّ
بَعْضِكُم لِبَعْض. فَمَنْ أَحَبَّ غَيْرَهُ أَتَمَّ الشَّرِيعَة؛
لأَنَّ الوَصَايَا: "لا تَزْنِ! لا تَقْتُلْ! لا تَسْرِقْ! لا
تَشْتَهِ!"، وأَيَّ وَصِيَّةٍ أُخْرَى، تَخْتَصِرُهَا هـذِهِ
الكَلِمَة: "أَحْبِبْ قَرِيبَكَ كَنَفْسِكَ!" إِنَّ الـمَحَبَّةَ
لا تَصْنَعُ بِالقَريبِ شَرًّا؛ إِذًا فَالـمَحَبَّةُ هِيَ كَمَالُ
الشَّرِيعَة. وإِنَّكُم لَعَالِمُونَ في أَيِّ وَقْتٍ
نَحْن: لَقَدْ حَانَتِ السَّاعَةُ لِتَسْتَيْقِظُوا مِنَ
النَّوْم! لأَنَّ الـخَلاَصَ أَقْرَبُ إِلَيْنَا اليَوْمَ مِمَّا
كَانَ يَوْمَ آمَنَّا. لَقَدْ تَنَاهَى اللَّيلُ واقْتَرَبَ
النَّهَار. إِذًا فَلْنَطْرَحْ أَعْمَالَ الظُّلْمَة، ونَلْبَسْ
أَسْلِحَةَ النُّور. وَلْنَسْلُكْ سُلُوكًا لائِقًا كَمَا في
وَضْحِ النَّهَار، لا في القُصُوفِ والسُّكْر، ولا في الفُجُورِ
وَالفَحْشَاء، ولا في الـخِصَامِ والـحَسَد، ولا
تَهْتَمُّوا بِالـجَسَدِ لِقَضَاءِ شَهَوَاتِهِ، بَلِ الْبَسُوا
الرَّبَّ يَسُوعَ الـمَسِيح!
تُقسم رسالة القديس
بولس الى الرومانيين الى قسمين كبيرين: الاول عقائدي (1-11)،
والثاني ارشادي او تهذيبي (12-16). نص رسالة اليوم ينتمي الى القسم
التهذيبي، ويدعو الى المحبة المتبادلة التي هي جوهر وصايا الله
وكمال كل شريعة، كما يدعو الى حياة اليقظة والتنبّه لان المسيح آتٍ
كل يوم في حياتنا.
***
اولاً،
شرح نص الرسالة وربطه بنص الانجيل
1.
المحبة دين على
المسلك المسيحي
المحبة دين
على المسيحي، لانه لبس المسيح يوم اقتبل المعمودية، ونال هبة الروح
بالميرون، واغتذى على مائدة الكلمة الالهية وجسد الرب ودمه. لقد
اصبحت المحبة جزءاً من جوهر الحياة المسيحية لا مجرد شريعة نحافظ
عليها او نخالفها. ذلك ان سبب فدائنا بموت المسيح على الصليب كان
المحبة. ولذا، يتساءل بولس الرسول: " من يفصلنا عن محبة المسيح؟
أضيق أم شدّة؟ ام اضطهاد ام جوع؟ أم عري ام خطر ام سيف؟"
(روم8/35). وبقوله في رسالة اليوم: " إلبسوا الرب يسوع المسيح" (
13/14)، انما يعني: إلبسوا المحبة التي تعلمتموها من المسيح. ولهذا
قال: " لا يكن عليكم لأحد دين، إلاّ حب بعضكم لبعض".
ولان الشريعة، كل شريعة، طريق الى الله والى الانسان، لا عبء، اضاف
الرسول: " فمن احبَّ غيره اتمَّ الشريعة". وفي كل حال ان وصايا
الله العشر تختصر وتكتمل بوصية واحدة: المحبة. فالوصايا الثلاث
الاولى تختص بمحبة الله، والوصايا السبع الباقية تختص بمحبة
الانسان، بدءاً من الوالدين، وصولاً الى كل انسان، دونما تمييز،
على ان تكون هذه الاخيرة تماماً كما يحب الانسان نفسه (روم8/9-10).
ان محبة الله والانسان يسّميها كتاب التعليم المسيحي للكنيسة
الكاثوليكية " الحياة في المسيح" التي تقتضي من المسيحي ان" يقتدي
به، ويسلك في المحبة كما المسيح أحبنا، فبذل نفسه عنا قرباناً
وذبيحة لله، طيباً ذكي الرائحة" ( افسس5/1-2)، وان "يكون فيه من
الافكار والكلمات والافعال ما هو في المسيح" (فليبي2/5). فالرب
يسوع اوصانا نحن المسيحيين " لقد اعطيتكم مثالاً، لتفعلوا انتم
ايضاً كما فعلت انا لكم" ( يو13/15). ( كتاب التعليم
المسيحي،1094).
2.
المحبة معيار
لاخلاقية المسلك
المحبة خير ونقيضها شر؛ وهي نور لحسن المسلك
والتصرف كمن يمشي في وضح النهار، ونقيضها ظلمة كمن يتخبط في
ظلام الليل. هذه صور يستعملها بولس الرسول في رسالته
(13/12)، ليبيّن ان المحبة هي المعيار لما هو خير ولما هو شرّ.
فالخير هو المحبة والحقيقة والوفاق والعطاء، اما الشر،
نقيض المحبة، فهو القصوف اي الاكل والشرب واللهو، والفجور،
والفحشاء، والخصام والحسد (13/13). هذه الرذائل اختصرها يوحنا
الرسول بثلاثة: شهوة الجسد وشهوة العين وكبرياء الحياة (1يو2/16).
المحبة كرامة ونقيضها خجل.
3.
مثل السامري الصالح
امثولة في المحبة (لو10/25-37).
روى يسوع مثل السامري لذاك العالم بالتوراة الذي سأله " من هو
قريبي" لفهم الشريعة القائلة: "احبب قريبك كنفسك" ( لو10/27و29). "
القريب" في المسيحية ليس القريب بالنسب او الجيرة او الرأي او
اللون او العرق او الجنس، بل يصبح الانسان قريباً للانسان عندما
يعامله بالمحبة والرحمة. هكذا كان جواب يسوع (لو10/37). وهذا هو
الجواب على السؤال الاساسي: " ماذا اعمل لارث الحياة الابدية؟"
الكاهن واللاوي،
العالمان بالشريعة هما ايضاً، لم يفهما الشريعة الالهية في جوهرها،
بل عرفاها فقط على مستوى المعرفة والعقل، لا على مستوى الارادة
والقلب. اما السامري، المعتبر عدواً لهم، فقد فهم جوهر
الشريعة بممارسته المحبة والرحمة. ذلك ان شريعة المحبة مكتوبة
اساساً في قلب الانسان لا في عقله. والشريعة تلزم القلب لا العقل
فقط. فالايمان معرفة وطاعة في آن لكي يكون الانسان مؤمناً.
فالايمان هو خضوع العقل بقبول ما يوحي الله وما يقول،
وطاعة الارادة بالعمل وفقاً لوحي الله وقوله، ومحبة القلب
لله الموحي والمتكلّم.
****
ثانياً،
البطريركية المارونية ولبنان
عهد العثمانيين
(1516-1918): الحقبة ما بين 1580-1597
البطريرك سركيس
الرزي (1580-1597)
كان اسقفاً حبيساً في
محبسة دير قزحيا في وادي قاديشا. انتخبه الاساقفة بطريركاً سنة
1580 بحضور القاصدين البابويين اليانو وبرونو اليسوعيين، وطلبوا له
درع التثبيت من البابا غريغوريوس الثالث عشر، فمنحه اياه بالبراءة
الحبرية المؤرخة في 31 اذار 1583. تميّز عهد البطريرك سركيس الرزي
بالاعمال التالية:
أ- انشاء مدرسة
رومة سنة 1584 على يد البابا غريغوريوس الثالث عشر قبيل وفاته
سنة 1585. وقد رتّب لها مدخولاً مناسباً خلفه البابا سيكستوس
الخامس (1585-1591).
2. تثبيت عقيدة
الموارنة وتبديد الاتهامات والتزويرات بواسطة القاصد الرسولي
الاب ايرونيموس دنديني ومعاونه الاب غابيوس برونو وكلاهما يسوعيان،
في عهد البابا كليمنضوس الثامن (1592-1605) الذي كتب الى البطريرك
بتاريخ 10 نيسان 1595 رسالة امتدح فيها ايمان الموارنة الكاثوليكي
واخلاصهم الممتاز للكرسي الرسولي. وقد فنّد الاب دنديني التّهم
المزوّرة التي أُلصقت بالموارنة(1).
3. حسن العلاقة مع
الامير فخر الدين الثاني الذي بدأ عهده سنة 1591، وكان يعيش
قبل تولّيه الامارة في بلّونه-كسروان لدى آل الخازن. فعيّن الشيخ
ابا نادر الخازن مدبراً لاموره في امارة بعقلين، بغية ازالة آثار
التعصّب الطائفي، وتوحيد القوميات المذهبية، وتأسيس قومية لبنانية
موحّدة. ثم وسّع الامير فخر الدين الثاني سلطته حتى ضمّت امارات
اخرى.
4. عقد مجمع
قنوبين سنة 1596، بحضور القاصد الرسولي الاب ايرونيموس دنديني
والاساقفة والاكليروس والاعيان والمشايخ والمقدّمين وكثير من
الشعب. فحدد هذا المجمع العقيدة المارونية في 13 نقطة، ووضع
مقرراته في 21 قانوناً(2).
دام المجمع يومين فقط
(18-20 ايلول 1591) خوفاً من الاتراك الذين كانوا قد شعروا بأن
هناك اجتماعاً كبيراً يعقد في وادي قنوبين، وعلى رأس المجتمعين
مندوب بابوي غريب عن البلاد.
ولقد وضعت قوانين
المجمع حداً لبعض العادات الذميمة التي طرأت في بعض الاطراف
المأهولة بالموارنة، إما لجهل الكهنة، وإما لمجاورة المنشقين لهم
واختلاطهم بهم.
***
ثالثاً،
الخطة الراعوية لتطبيق المجمع البطريركي الماروني
تتقبّل الخطة
الراعوية وجهاً آخر من هوية العائلة المارونية، كما رسمها النص
المجمعي العاشر: "العائلة المارونية". هذا الوجه هو علاقة
العائلة بالارض وبالقيم الانسانية.
1. تعلّقت العائلة
المارونية بالارض. نحتتها، زرعتها، كتبت عليها تاريخها.
فعلّمتها الألفة والتعاون. عاشت منها بعرق الجبين وخبز الكرامة،
وتعلمت روح البساطة والقناعة والثبات والعطاء. ووطدّتها على الحرية
(الفقرة 8 و9).
___________________________________
(1)
انظر الاباتي بطري
فهد: بطاركة الموارنة واساقفتهم في القرن السادس عشر، ص 127.
(2)
المرجع نفسه، ص
129-134.
2. تمسّكت
العائلة المارونية بالقيم الانسانية وربّت اجيالها عليها. وهي:
أ- نظام الابوّة:
الاب هو المرجعية في العائلة. انه " رب العائلة" ، وسندها وضامن
وحدتها. وكانت المرأة-الزوجة والام الى جانبه في السرّاء والضراء،
تعاونه وترافقه. وساهمت بدورها وبعرق جبينها وتعبها في اعالة
العائلة. وتحملّت الدور الاساس في تربية الاولاد بمسؤولية وسهر،
دونما تعب، حتى قيل: " الام كتاب الحياة"، من دون كلمات. وبفضل
نظام الابوّة المكمّل بالامومة، تحفظ العائلة المارونية للمسن
احتراماً كبيراً، وللكاهن والراهب والراهبة اجلالاً رفيعاً
(الفقرات 10-13).
ب- الجمع بين
العلم والدين: أعزّ ما عند العائلة المارونية التضحية بالمال
من اجل تعليم اولادها مقروناً بالتربية الدينية والاخلاقية (الفقرة
14).
3. واجهت العائلة
المارونية بعض التحوّل بسبب استبداد الحكم العثماني وظلم
بعض الامراء المستفيدين من خلال الامعان في تحصيل الجزية وفرض
السخرة وهيمنة بعض العائلات على المجتمع بشيء من الاقطاعية؟ وبسبب
تدخّل دول اجنبية لدعم طائفة دون اخرى، لا من اجل الحماية، بل
لمصالح خاصة. كل هذه الاسباب اثّرت على العائلة في قيمها ووحدتها
وتماسكها (الفقرة 15 و17). وتفاقم الامر مع الحرب العالمية الاولى
(1914-1918) التي افقرت العائلة المارونية، وازداد العوز وتبدّل
الواقع السياسي والاجتماعي والاقتصادي، ما زاد من تشتت العائلة
والتحوّل في تقاليده.
****
صلاة
ايها الرب يسوع، لقد
دعوتنا، نحن المؤمنين بك، لنشهد لمحبتك في عالمنا، ولنكون روّاد
حضارة المحبة. أعطنا النعمة لنعيش حسب وصية رسولك القديس بولس،
فنجعل المحبة ديناً علينا تجاه كل انسان. اجعلنا سامرياً صالحاً
فننحني على جراح اي انسان نلتقيه. ما اكثر الذين يعانون بيننا من
جراح حسية ومعنوية وروحية. احفظ عائلاتنا وسط المحن لتظل الخليّة
الصالحة للكنيسة والمجتمع. فنرفع لك ايها المسيح ولابيك المبارك
وروحك الحي القدوس كل مجد وشكران، الآن والى الابد، آمين.
الاحد 7
ايلول 2008
الاحد الثامن عشر من زمن العنصرة
الكنيسة
كرم الله وكرمة المسيح
انجيل القديس
مرقس 12/1-12
وبدَأَ يُكَلِّمُهُم
بِأَمْثَال: "رَجُلٌ غَرَسَ كَرْمًا، وسَيَّجَهُ، وحَفَرَ
مَعْصَرَةً، وبَنَى بُرْجًا، ثُمَّ أَجَّرَهُ إِلى كَرَّامِين،
وسَافَر. ولَمَّا حَانَ الأَوَان، أَرْسَلَ عَبْدًا إِلى
الكَرَّامِين، لِيَأْخُذَ مِنْهُم حِصَّتَهُ مِنْ ثَمَرِ الكَرْم.
فقَبَضُوا عَلَيْهِ وضَرَبُوه، ورَدُّوهُ فَارِغَ اليَدَيْن وعَادَ
رَبُّ الكَرْمِ فَأَرْسَلَ إِلَيْهِم عَبْدًا آخَر، وهـذَا أَيْضًا
شَجُّوا رَأْسَهُ وأَهَانُوه. وأَرْسَلَ آخَر، وهـذَا أَيْضًا
قَتَلُوه. ثُمَّ أَرْسَلَ غَيْرَهُم كَثِيريِن، فضَرَبُوا بَعْضًا،
وقَتَلُوا بَعْضًا. وبَقِيَ لَهُ وَاحِد، هُوَ ابْنُهُ الـحَبِيب،
فَأَرْسَلَهُ أَخِيرًا إِلَيْهِم وقَال: سَيَهَابُونَ ابْنِي.
ولـكِنَّ أُوْلـئِكَ الكَرَّامِينَ قَالُوا فِيمَا بَيْنَهُم:
هـذَا هُوَ الوَارِث! تَعَالَوْا نَقْتُلُهُ، فَيَكُونَ
الـمِيرَاثُ لَنَا. فقَبَضُوا عَلَيْه، وقَتَلُوه، وأَخْرَجُوهُ
مِنَ الكَرْم. فمَاذَا يَفْعَلُ رَبُّ الكَرْم؟ سَيَأْتِي
ويُهْلِكُ الكَرَّامِين، ثُمَّ يُسَلِّمُ الكَرْمَ إِلى آخَرين.
أَمَا قَرَأْتُم هـذِهِ الآيَة: الـحَجَرُ الَّذي رَذَلَهُ
البَنَّاؤُونَ هُوَ صَارَ رَأْسَ الزَّاوِيَة؛ مِنْ لَدُنِ
الرَّبِّ كانَ هـذَا، وهُوَ عَجِيبٌ في عُيُونِنَا؟". وكَانُوا
يُحَاوِلُونَ أَنْ يُمْسِكُوه، لأَنَّهُم أَدْرَكُوا أَنَّهُ قَالَ
هـذَا الـمَثَلَ عَلَيْهِم. ولـكِنَّهُم خَافُوا مِنَ الـجَمْع،
فَتَرَكُوهُ ومَضَوا.
مع هذا الاحد الثامن
عشر ينتهي زمن العنصرة الذي هو زمن الكنيسة، " كرم الله" الجديد.
لقد نصبه المسيح الرب، بدلاً من الكرم القديم. وسلّمه الى كرامين
جدداً هم رعاة الكنيسة. في اليوم التالي للاحد القادم يصادف عيد
ميلاد العذراء، سيدة الخلاص. مريم هي الارض الطيبة الذي نصب الله
فيه شجرة الحياة، يسوع المسيح، التي تفرّع منه الكرم الجديد.
اولاً، شرح نص
الانجيل
1.
كرم الله
هو في الاساس شعب
الله القديم المعروف في كتب العهد القديم " ببيت اسرائيل" (اشعيا
5/7). لوحة الكرم مأخوذة من النبي اشعيا، حيث الله يلوم كرمه- شعبه
لانه كان ينتظر منه ان يثمر عنباً، فأثمر حصرماً برّياً. غضب الرب
وأعلن: " والآن لأعلمنّكم ما اصنع بكرمي. ازيل سياجه فيصير مرعى،
واهدم جداره فيصير مداساً، وأجعله بوراً لا يُقضب ولا تُقلع اعشابه،
فيطلع فيه الحسك والشوك، وأوصي الغيوم ألاّ تمطر عليه مطراً" (
اشعيا5/5-6).
هذه حال كل انسان
وعائلة ومجتمع لا يثمر ثمار الله. فالانسان مخلوق على صورة
الله ومزيّن بعقل هو الطاقة لبلوغ الحقيقة والعيش بموجبها، وبارادة
هي الطاقة لصنع الخير وتجنّب الشر، وبقلب هو الطاقة للحب والرحمة
والحنان فينبذ كل انانية وحقد وضغينة. والعائلة هي صورة
الله الثالوث، جماعة حب وحياة، تتجسّد فيها محبة الله وقدرته على
نقل الحياة البشرية وتربيتها وتوجيهها الى الخلاص. والمجتمع
هو عائلة الله التي أسكنها الارض، بتنوع افرادها والمواهب، لنعيشوا
بسعادة واخوة وانسجام وتعاون.
كل اهمال "لكرْم"
الانسان او العائلة او المجتمع، هو انكار لصاحب الكرْم الذي هو
الله، وتحدٍ له، ورفضٌ لتدبيره. فيصاب هذا الكرْم بما اصيب به
الكرم الموصوف في نبؤة اشعيا.
صورة كرم الله نجدها
ايضاً في نبؤة هوشع: " ان اسرائيل كرمة وافرة يثمر ثمراً
لنفسه. وعلى حسب كثرة ثمره كثّر المذابح، وعلى حسب حسن ارضه حسّن
الانصاب. ولكن تقسّمت قلوبهم- بين عبادة الله والبعل- والله يحطّم
مذابحهم ويخرّب انصابهم" ( هوشع 10/1-2). ونجدها في نبؤة ارميا:
" اني غرستكِ أفضل كرمة كلها من زرع أصيل. فكيف تحوّلت لي الى نبات
برّي، والى كرمة هجينة؟" (ارميا 2/12).
لكن الشعب التائب الى
الله، أكان انساناً فرداً ام عائلة ام مجتمعاً، يصلي مع داود
الملك: " لماذا، يا رب، كسرت سياج كرمتك، فقطفها كل عابر سبيل؟
خنزير الغاب أتلفها، ووحش الحقول رعاها. إرجع يا الله. تطلّع من
السماء وانظر. وافتقد هذه الكرمة. واحمِ ما غرست يمينك" (
مز80/13/15).
الرب يسوع في انجيل
اليوم يلوم الكرّامين وهم لدى الشعب اليهودي، اي كرم الله، الاحبار
والكتبة والشيوخ الذين قتلوا ابن الله، مثلما قتل آباؤهم الانبياء
الذين ارسلهم الله الى كرمه لجمع غلاته. فغضب الرب منذراً باهلاك
الكرّامين، وبتسليم الكرم الى آخرين.
2.
الكنيسة الكرمة
الجديدة
كرْم الله الجديد هو الكنيسة. الرجل الغارس هو المسيح،
الكرْم هم المؤمنون، السيّاج هو الوصايا ورسوم الله
والانجيل، المعصرة هي مذبح اسرار الخلاص، البرج هو
بيت الله ومكان سكناه اي الكنيسة حجراً وبشراً، الكرامون هم
رعاة الكنيسة: الاساقفة والكهنة ومعاونوهم من شمامسة ورهبان
وراهبات وعلمانيين.
ويسمو الرب يسوع من الكرْم الى الكرمة : "انا الكرمة وانتم الاغصان"،
التي يكشف في صورتها وجه الكنيسة-السّر-الشركة-الرسالة في انجيل
يوحنا (15/5-8).
الكنيسة –السّر "
اثبتوا
فيّ وانا فيكم" ( يو15/5). هي جماعة المؤمنين الذين يتحدون
بالمسيح، مثل الاغصان بالجذع، بواسطة الماوية التي هي كلمة الانجيل
ونعمة الاسرار والحياة الجديدة بالروح القدس.
الكنيسة – الشركة:
" انا الكرمة وانتم الاغصان. من يثبت فيّ وانا فيه، يحمل ثمراً
كثيراً، لانكم بدوني لا تقدرون ان تفعلوا شيئاً" ( يو15/5). هي
جماعة المؤمنين الذين يتعاونون ويتكاملون في الخدمة، وينعشون بعضهم
بعضاً، ويحافظون على وحدتهم التي هي مصدر قوتهم وخصوبة رسالتهم.
الكنيسة –الرسالة:
" بهذا يتمجّد ابي ان تحملوا ثمراً كثيراً، وتكونوا لي تلاميذ"
(يو15/8). هي رسالة الخلاص التي اتمّها الرب يسوع، وسلّمها
للكنيسة. انها تحمل رسالة انجيل الحقيقة والمحبة والخلاص. فيتمجد
الله بالانسان الحيّ الذي يقبل هذا الانجيل.
العائلة مدعوة على صورة الكنيسة لتكون كرمة الله. وكذلك ينبغي على
المجتمع البشري ان يتكوّن وينمو بابعاده الثلاثة: الاتحاد بالله من
خلال كل فرد من افراده (السّر)، والوحدة بين الاعضاء
(الشركة)، وتحقيق الخير العام الذي منه خير الجميع وخير كل شخص
(الرسالة).
مريم العذراء الكلية
القداسة
التي نحتفل بعيد مولدها غداً (8 ايلول) هي بداية سرّ الكنيسة وصورة
الانسان والعائلة والمجتمع. فالله الذي عصمها من خطيئة آدم الاصلية
ودعاها لتكون ام ابن الله المتجسد، المسيح التاريخي، وام اعضاء
جسده السرّي المولودين من المعمودية ومن سرّ موته وقيامته، والذين
يؤلفون "المسيح الكلي"، قد جعلها الايقونة والمثال لعيش الاتحاد
بالله والوحدة مع الجنس البشري.
***
ثانياً،
البطريركية المارونية ولبنان
عهد العثمانيين
(1516-1918): الحقبة ما بين 1597-1608
عهد البطريرك يوسف
الرزي (1597-1608)
البطريرك يوسف الرزي
هو البطريرك الثالث على التوالي من عائلة الرزي، وابن اخي البطريرك
سركيس ورئيس محبسة دير مار انطونيوس قزحيا واحد تلامذة المدرسة
المارونية في رومة.
انتُخب في 4 تشرين
الاول 1597 واظهر غيرة كبيرة على الاصلاح في حياة الكنيسة
المارونية. نذكر من بين اعماله:
1) تطبيق مجمع
قنوبين 1596:
ثبّت قوانينه وأضاف عليها ستة قوانين جديدة اقرّها في اجتماع عقده
مع جميع الاساقفة والقاصد الرسولي. تناولت هذه القوانين واجبات
تختص بلبس الثياب البيعية عند القيام بالشعائر الدينية، بالبتولية
الكهنوتية وزواج الكهنة، باللباس الاسقفي، بالكرازة والتعليم،
وبالحصن الرهباني.
2) تثبيت العلاقة
مع الكرسي الرسولي: كانت للبطريرك مراسلات مع حبرين رومانيين
هما كليمنضوس الثامن الذي منحه درع التثبيت، والبابا بولس الخامس
(1605-1621) الذي وصف في كتاباته الموارنة " بالورد بين الاشواك في
الشرق" (1).
(1) انظر رسالته
لدى الاباتي بطرس فهد: بطاركة الموارنة واساقفتهم، ص 146-147.
3. اعتماد الحساب
الغريغوري الجديد في روزنامة الاعياد سنة 1606.
4. تحسين العلاقة
مع حاكم جبل لبنان يوسف باشا بن سيفا الذي ساعد البطريرك في
ضبط شؤون الكنيسة المارونية، راداً الى الطاعة المخالفين، وبانياً
دير القديس دوميط في داريا الشمال، والجسر على نهر اهدن- كفرصغاب.
***
ثالثا، الخطة
الراعوية لتطبيق المجمع البطريركي الماروني
تستعرض الخطة
الراعوية واقع العائلة المارونية في الزمن الحاضر وما يحمل من
تحدّيات.
1. الواقع هو التغيّرات الكبيرة في العائلة المارونية التي حوّلتها من نموذج العائلة
الكبيرة الى العائلة النواتية، واضعفت دورها الاجتماعي والاقتصادي
والديني والوطني. اما اسباب التغيّرات فهي النمو الاسكاني المطّرد
والتحولات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وتطّوّر الظروف
الحياتية، وواقع الهجرة (الفقرة 19).
2. اما التحديات
فثقافية ودينية واجتماعية واخلاقية. نذكر منها.
أ- الالتباس في
جوهر الدين
بسبب التغيير في نمط حياة العائلة وتقاليدها، والاختلاط بثقافات
وديانات اخرى، وانتشار العلمنة والتيارات الالحادية والتقدم
التقني، وتفشي الفساد الاخلاقي. فالتبس مفهوم الدين والايمان، وقلت
الممارسة الدينية، وكان خلط بين المسيحية والنزعة الانسانية
(الفقرة 20).
ب- تفاقم النزعة
المادّية بسبب النمط الاستهلاكي، ومنطق الربح السريع واختلال
سلّم القيم. فكان الميل الى روح الفردية والمادّية. تجلّت هذه
النزعة في تراخي السلوك الجنسي الذي تروّجه بعض وسائل الاعلام
والملصقات الاعلامية، ما يشكّل تحدياً للقيم الروحية والاخلاقية.
فاذا بالاهل يواجهون تحديّاً تربوياً كبيراً. وادّت النزعة
الماديّة الى جعل التحصيل العلمي غاية بحدّ ذاته ووسيلة للانتاج
النفعي دونما اعتبار لنمو الانسان بكل ابعاده ولخير المجتمع
البشري. وعلى المستوى الاجتماعي تجلّت النزعة في الانطواء على
الحاجات الذاتية وتقليص العلاقات الانسانية، وتراجع في روح
القناعة، واستقالة الوالدين من مسؤوليتهم التربوية، ما جعل الشبان
والشابات في حالة ضياع وانحراف.
وعلى مستوى الحياة
الروحية والرعوية، نلحظ لدى العائلة المارونية وافرادها تراجعاً في
الممارسة الدينية وفي احترام يوم الاحد، يوم الرب. لكن ثمة وعياً
عند بعض العائلات. وانشئت مراكز للتثقيف الديني يرتادها المؤمنون
والمتزوجون وافراد العائلات. والكنيسة تعمل جاهدة على تطوير وسائل
نقل الايمان ونشره بين ابنائها (الفقرات 21-27).
******
صلاة
ايها الرب يسوع،
لقد نصبت الكنيسة كرماً لك في حقل العالم تطلّعْ من السماء
وتعهّدْها بيمينك، لكي يحسن رعاتها الكرامون الاعتناء بها، فتثمر
ثمار الحق والخير والقداسة والجمال. انت يا رب، جعلتنا بالمعمودية
اغصاناً في كرمتك، ارسل الينا ماوية روحك القدوس لنعطي ثمار
الانجيل الذي وضعته روحاً وحياة للانسان وللعالم. احفظ العائلة
والمجتمع ليعيشا جمال سرّ الكنيسة بروح الشركة وخصوبة الرسالة.
لك
المجد ايها الابن الفادي ولابيك المبارك وروحك الحي القدوس كل مجد
وشكر واكرام، الآن والى الابد، آمين.
|