الليتورجيا المارونيّة

 

 
   مقدّمة
   
   أساسها وطبيعتها
   
   التنشئة الليتورجيّة
   
   الرتب الليتورجيّة
   
  اتجديد الليتورجيّا
   
   الفنّ الكنسيّ
   
   خاتمة
   
   
   
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

يسوع القيامة
 
 
 
 
 
 
 
 
الليتورجيا المارونيّة

  

الفنّ الكنسيّ والأعياد

هندسة الكنيسة المارونيّة
البناء المقدّس علامة ترشدنا إلى سيّد الخليقة، القدّوس وحده، الّذي جاء وسكن في ما بيننا كي يقودنا إلى الملكوت، أرض ميعادنا الحقيقيّة في السماء. واعتُبرت الكنيسة – الحجر علامة المذبح السماويّ والهيكل الحقيقيّ في حضرة الله. والبناء المقدّس هذا يعبّر عن العلاقة بين العالمين الأرضيّ والسماويّ. لذا ترى الكنيسة من الضرورة أن يُفسَح في المجال أمام الخلق والإبداع في هندسة بنائها، إلى جانب الحفاظ على ثوابت التقليد والتراث الكنسيّين.
ولمّا صار المكان مقدّسًا بتجسّد الربّ وموته وقيامته[1]، تحوّل الكون كلّه إلى "بيت لله مقدّسًا"، نعبده فيه بالروح والحقّ (يو 4/23). والكنيسة، جسد المسيح السرّيّ، ستختار مكانًا تجتمع فيه لتعبد الله وتمجّده. وحيث تلتقي جماعة المؤمنين تكون الكنيسة، وهذا المكان سيأخذ اسمه من اسم الجماعة المجتمعة فيه. وعليه، يجب أن تكون الكنيسة، الهيكل الجديد المبنيّ بالحجارة، على صورة الجماعة المؤمنة الّتي تبنيها: بيتًا لله يحتضن إيمان شعب الله، ذات هندسة مقدّسة وفنٍّ معماريٍّ خاصٍّ ينبثق من روحانيّة الكنيسة المارونيّة وتقاليدها العريقة وليتورجيّتها الأنطاكيّة السريانيّة[2].
والمذبح هو التعبير الصريح للعبادة المرتبطة بالذبيحة الجديدة على رأس الجلجلة، به يُحمَد الله على مواهب نلناها، وعليه يتجدّد الاحتفال بعشاء الربّ الأخير، استجابة لوصيّته: "إصنعوا هذا لذكري حتّى مجيئي". فهو كمالُ قبر الربّ، ومجد قيامته، ومصدر كلّ نعمةٍ أسراريّة، وإيقونة المذبح السماويّ حيث يحتفل الملائكة بليتورجيّا التقديس السرمديّة، وحيث تقدّم كنيسة الأرض القربان مع الابن نحو الآب. وعليه، تعبّر الكنيسة أصدق تعبير عن تجلّي الله وحضوره في وسطها. لذا يجب أن يكون مكانه صوب الشرق ضمن هندسة الكنيسة الداخليّة[3]، وذلك تماشيًا مع المعنى اللاهوتيّ والتقاليد الشرقيّة المشتركة.
الثياب الطقسيّة
اللباس الليتورجيّ هو عنصر مهمّ من عناصر الاحتفال الطقسيّ. لذا يوصي المجمع البطريركيّ المقدّس بالسهر على أن يتمتّع هذا اللباس بالنبل والرونق والجمال والبساطة، بعيدًا عن المغالاة، مستلهمًا أصالة اللباس الليتورجيّ في الطقس السريانيّ الأنطاكيّ، فيكون أداة صالحة لتأدية الوظيفة الطقسيّة في الاحتفال الليتورجيّ.
 
كما يوصي المجمع بضرورة توحيد اللباس في كلّ طقس أو رتبة أو احتفال. فللحبر لباسه، وللكاهن المحتفل لباسه، وللكاهن المعاون لباسه، وللشمّاس لباسه، وللشدياق والقارئ والمرتّل لباسهم الخاصّ بهم، بحسب درجاتهم. ولكلّ رتبة أو مناسبة لباسها ولونها الخاصّ بها. وعليه، يوصي المجمع بالتقيّد بجميع الإرشادات الّتي تصدر عن اللجنة البطريركيّة للشؤون الطقسيّة في هذا الشأن، والّتي يقرّها مجمع الأساقفة برئاسة غبطة السيّد البطريرك، الّذي يأمر بتنفيذها[4].
الأَيقونات
الإيقونة المقدّسة قيمةٌ عظيمة، لأنّها تذكّر المؤمنين بعظائم الله وبما حقّقه بواسطة قدّيسيه، ولأنّها تؤوّن مختلف أزمنة التدبير الخلاصيّة. تستحضر الإيقونة وتمثّل الجدّة المسيحيّة المطلقة الّتي "لم ترها عين، ولا سمعت بها أذن، ولا خطرت على قلب بشر" (1 قور 2/9)، وذلك بتقنيّاتٍ خاصّة وأشكالٍ من وحي التراث الحضاريّ الخاصّ وأساليب منسجمة ومتناسقة مع التصاوير المقدّسة، تعبيرًا عن إيمان المؤمنين بالحقائق السماويّة[5].
وعليه، يوصي المجمع المقدّس بضرورة استرداد هذا التراث العريق في كنيستنا، بعيدًا عن التأثيرات الغريبة عن تقاليدنا المارونيّة. ويوصي أيضًا بضرورة العمل على توعية المؤمنين إلى أهميّة تكريم الإيقونات المقدّسة، وعرضها، بترتيب وانسجام مع روحانيّة الكنيسة المارونيّة، في المكان الخاصّ بها في الكنيسة، وفي الاحتفالات الّتي يجب أن تظهر فيها بتطابق وتناسق مع الاحتفال الطقسيّ[6].
الآنية المقدّسة والأدوات المقدّسة
اهتمّت أمّنا الكنيسة وسهرت منذ البدايات على الأثاث المقدّس، واعتنت أشدّ العناية بالآنية المقدّسة والأدوات المقدّسة، وطالبت دائمًا بأن تسهم هذه كلّها، بما لها من لياقة وجمال وفنّ، في نجاح الاحتفالات الليتورجيّة لتمجيد الله[7].
وعليه، يوصي المجمع المقدّس بالسهر الكامل على الأثاث الكنسيّ، والآنية المقدّسة، واللباس الليتورجيّ، وكلّ ما يمتّ بصلة إلى التحف القديمة والجميلة والعريقة، لئلاّ تتعرّض للتلف أو البيع، بل فليحافظ عليها بعناية فائقة لكونها زينة بيت الله المقدّس[8]، ولتخضع كلّها لصلاة البركة بحسب التقليد الليتورجيّ المارونيّ العريق، قبل البدء باستعمالها.
الموسيقى الكنسيّة
الموسيقى في الكنيسة هي إرث عريق وكنـز ثمين للغاية. منبعه الأوّل هو الكتاب المقدّس والتقاليد الكنسيّة والشعبيّة، وما الترتيل إلاّ صلاة الكنيسة المباركة الّتي لا تَنْفَصل عن الاحتفال الطقسيّ. لذا توصي الكنيسة بضرورة إتقان التراتيل المقدّسة لتعبّر في المعنى واللحن عن إيمان الكنيسة الوطيد عبر الصلاة المرنّمة بلحنٍ شجيّ، فيناغم القلب بالصوت في تسابيح ترتفع إلى الآب بوقار وجلال.
وعليه، يوصي المجمع المقدّس بالحفاظ على قواعد التقليد اللحنيّ المارونيّ المعروف في كلّ صلواته واحتفالاته ورتبه الطقسيّة، على أن يراعى الهدف الأوّل للموسيقى الكنسيّة، وهو تمجيد الله وتقديس المؤمنين. وتكلَّف، لهذه الغاية، لجنة موسيقيّة خاصّة تنبثق عن اللجنة البطريركيّة للشؤون الطقسيّة، فتوجّه التأليف الموسيقيّ الكنسيّ وفق مقاييس لحنيّة ولاهوتيّة ثابتة وواضحة، وتسهر على كلّ الأعمال الموسيقيّة الجديدة، وتبدي رأيها قبل أن توافق عليها المراجع الكنسيّة المختصّة. وليتمّ الإهتمام بجمع التراث الموسيقيّ المارونيّ وتجديده بما يتلاءم وحاجات المؤمنين في كلّ بقعة انتشروا فيها. ولتشجّع، في هذا الإطار، الجوقات في الكاتدرائيّات لتسهم في إشراك جماعة المؤمنين الفعّالة في كلّ احتفال طقسيّ. كما يوصي المجمع بأن تعنى الإكليريكيّات وأديرة الرهبان والراهبات بتدريس الموسيقى والألحان الكنسيّة، ولاسيّما تراث المزامير، الّذي يشكل غنى موسيقيًّا مميّزًا[9].
الفنّ المقدّس
يعتبر الفنّ المقدّس من أسمى نشاطات العقل البشريّ. فهو يهدف إلى التعبير عن الجمال الإلهيّ غير المحدود، ومن ثمَّ، إلى تمجيده وتوجيه المؤمنين إليه ليحمدوه ويشكروه. احتلّت الفنون المقدّسة مكانة مميّزة في الكنيسة المارونيّة، ولا سيّما في القرون الماضية، وكانت صديقة لها منذ البدايات. وما المنمنمات في أناجيلها، والتصاوير على جدران كنائسها ومغاور نسّاكها سوى دليل قاطع على اهتمامها بالشأن الفنّـيّ ببعديه اللاهوتيّ والأنتروبولوجيّ.
وعليه، يوصي المجمع البطريركيّ المقدّس، بتفعيل عمل لجنة الفنّ المقدّس التابعة للّجنة البطريركيّة للشؤون الطقسيّة، ولجان أخرى فرعيّة تابعة لها على مستوى الأبرشيات، فتسند إليها مهمّة التحقّق من أنّ مشاريع بناء الكنائس أو الكاتدرائيّات أو البازيليكات الجديدة، وتزيينها من الداخل، وترميم القديمة منها، تتوافق ومعايير التقليد الليتورجيّ المارونيّ العريق ومعانيه. تسعى هذه اللجنة إلى الحفاظ على تراث الفنّ المارونيّ المقدّس وتطويره، ولا سيّما رسم الإيقونات، فتنشيء مشاغل لهذا الغرض ترتبط بالأبرشيّات والأديار[10].
السنة الطقسيّة والأعياد والأصوام والبطالة
تقوم الليتورجيّا ببناء المؤمنين هيكلاً مقدّسًا للربّ، ومسكنًا لله في الروح، في ديناميّة الحركة الزمنيّة الّتي قدّسها الربّ يسوع بتجسّده وفدائه، وكرّسها بالسنين والأشهر والأسابيع والأيّام والساعات. وتتكوّن السنة الطقسيّة لتحتفل بسرّ يسوع المسيح وبكلّ مراحل تدبيره الخلاصيّة إنطلاقًا من سرّه الفصحيّ: موته وقيامته السعيدة. وتتصاعد حركة السنة الطقسيّة المقدّسة بشكلٍ لولبيّ يعبّر عن ارتقاء الجماعة المقدّسة نحو ملكوت الآب، فلا تعود المحطَّات السنويّة تكرارًا فارغًا لأحداث جرت في الماضي، بل تصبح مع المسيح دورة تهدف إلى الوصول إلى ملء قامته[11].
والأعياد هي تعبير إيمانيّ تشرح فيه الكنيسة تعلّقها العميق بالمسيح وبتدبيره الخلاصيّ، عبر محطّات دعتها "أعيادًا"، وصنّفتها "سيّديّة" و"مريميّة"، وميّزتها عن تذكارات الأنبياء والرسل والشهداء والمعترفين لتكريمهم بعدما غاصوا في محبّة الله، واتّحدوا به، وأصبحوا أمثلة تحتذى، وشفعاء لجماعة المؤمنين، فعيّدت لهم، وكانت "الروزنامة الطقسيّة"، وكانت الأصوام، وكانت رسوم البطالة[12].
ويوصي المجمع البطريركيّ المقدّس، في هذا السياق، بضرورة الالتزام بما يصدر عن مجمع الأساقفة في شأن السنة الطقسيّة والأعياد والأصوام والبطالة. وعليه، فليردّ هذا الطابع بفطنة رعويّة إلى "الروزنامة الطقسيّة" وإلى ما كانت عليه في التقليد المارونيّ ، ولتُلغَ كلّ العناصر الّتي لا تتوافق وروح التقليد الشرقيّ الأنطاكيّ السريانيّ المارونيّ[13].
 

[1]توجيه لتطبيق المبادئ الليتورجيّة، الواردة في مجموعة قوانين الكنائس الشرقيّة، منشورات اللجنة الأسقفيّة لوسائل الإعلام، جل الديب، لبنان 1996، 100.
[2]المرجع ذاته، 102.
[3]المجمع اللبنانيّ "1736"، بيروت 1986، 1-8؛ توجيه لتطبيق المبادئ الليتورجيّة، الواردة في مجموعة قوانين الكنائس الشرقيّة، منشورات اللجنة الأسقفيّة لوسائل الإعلام، جل الديب، لبنان 1996، 102-107؛ إ. الدويهيّ، منارة الأقداس، جزء أوّل، بيروت 1895، 93-175.
[4]الدويهي، منارة الأقداس، جزء أوّل، 285 -325.
[5]بدأت تنمو في الكنيسة المارونيّة اليوم أهمّيّة الايقونوغرافيا وارتباطها بالليتورجيّا. يواكب هذا التطوّر مبادرات لإنشاء مشاغل إيقونوغرافيّة تستوحي أعمالها من التراث السريانيّ المارونيّ العريق، ونذكر منها على سبيل المثال مشغل مطرانيّة قبرص، ومشغل كليّة الفنون الكنسيّة في الكسليك، ومشغل الراهبات الأنطونيّات، ومشاغل بإدارة أفراد من كهنة وعلمانيّين. توجيه لتطبيق المبادئ الليتورجيّة، الواردة في مجموعة قوانين الكنائس الشرقيّة، منشورات اللجنة الأسقفيّة لوسائل الإعلام، جل الديب، لبنان 1996، 108.
[6]توجيه لتطبيق المبادئ الليتورجيّة، الواردة في مجموعة قوانين الكنائس الشرقيّة، منشورات اللجنة الأسقفيّة لوسائل الإعلام، جل الديب، لبنان 1996، 109.
[7]دستور عقائديّ في الليتورجيّا المقدّسة، المجمع المسكونيّ الثاني، الوثائق المجمعيّة، مطابع الجميّل، بيروت 1984، 122.
[8]المرجع ذاته، 126.
[9]المرجع ذاته، 242 - 246؛ نلفت الانتباه هنا الى أنّ البطريرك إسطفان الدويهيّ هو الّذي رتّب الألحان السريانيّة المارونيّة آنذاك، واستنادًا إليه، أُنجزِت دراسات موسيقيّة وعلميّة في هذا المضمار. ومن أهمّ من تعمّق فيها: الأب بولس الأشقر، الأب يوسف الخوري، الأب لويس الحاج.
[10]دستور عقائديّ في الليتورجيّا المقدّسة، المجمع المسكونيّ الفاتيكانيّ الثاني، الوثائق المجمعيّة، مطابع الجميّل، بيروت 1984، 246 – 249.
[11]مصادر السنة الليتورجيّة؛ دستور عقائديّ في الليتورجيّا المقدّسة، المجمع المسكونيّ الثاني، الوثائق المجمعيّة، مطابع الجميّل، بيروت 1984، 239 – 241؛
[12]المجمع اللبنانيّ "1736"، بيروت 1986، 1-10؛ هـ. مطر، الكلندار المارونيّ، (أطروحة دكتوراه في المعهد البابويّ الشرقيّ)، روما 1987، (في الفرنسيّة). م. طوني جبران، الجمعة العظيمة في الليتورجيّا المارونيّة، دراسة لاهوتيّة وليتورجيّة، (أطروحة دكتورا، في المعهد البابويّ الشرقيّ)، روما، 2001.
[13]توجيه لتطبيق المبادئ الليتورجيّة، الواردة في مجموعة قوانين الكنائس الشرقيّة، منشورات اللجنة الأسقفيّة لوسائل الإعلام، جل الديب، لبنان 1996، 36.
 
 
   

2008

 

© pure software code