زمن الصليب
بحسب طقس الكنيسة الانطاكية السريانية المارونية
       التنشئة المسيحية 2006 - 2007
 عيد ارتفاع الصليب المقدس - 14 ايلول 2007
  1. تقديم
  2. الاحد الاول من زمن الصليب - اخلاقية المسؤولية في ضوء الصليب
  3. الاحد الثاني من زمن الصليب - بين اضطهادات العالم وتعزيات الله
  4. الاحد الثالث من زمن الصليب - انتظار مجيء الرب
  5. الاحد الرابع من زمن الصليب - الحياة وكالة من الله للخدمة
  6. الاحد الخامس من زمن الصليب - الحياة التزام وانتظار تجليات الله
  7. الاحد السادس من زمن الصليب - مؤتمنون على مواهب وعطايا للخير العام
  8. الاحد السابع من زمن الصليب - انجيل العدالة والمحبة

 

 تقديم

 

العدد الرابع عشر من سلسلة التنشئة المسيحية الخاص بزمن الصليب، والذي يعكس مسيرة الكنيسة والشعوب نحو العالم الآتي ونهاية التاريخ، يكشف لنا ان الانجيل " فرح في الرجاء وثبات في الضيق" (روم 12/12).

       يتوزع نهجه في كل احد على ثلاثة اقسام: الاول، شرح نص الانجيل؛ الثاني، مواضيع حول الاسرة والقضايا الاخلاقية والحياة، مأخوذة من " معجم التعابير الملتبسة"؛ الثالث، الخطة الراعوية لتقبل النص المجمعي الحادي والعشرين: " الكنيسة المارونية والقضايا الاقتصادية".

       في هذا الزمن الصعب، سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، حيث كثيرون صمدوا وآخرون انحرفوا وغيرهم انكفاوا، يأتي كلام الرب في الانجيل ليزرع " الفرح في الرجاء"، ويشدد  "الثبات في الضيق". " فالعالم يدور وينطوي والصليب ثابت"، و "الكنيسة تسير بين اضطهادات العالم وتعزيات الله" (القديس اغسطينوس").

 

       نأمل ان يسهم هذا العدد من سلسلة التنشئة المسيحية في العمل على ان يكسب بواسطته كل انسان " الفرح في الرجاء والثبات في الضيق" ( روم 12/12)، ويشهد لعمل الخلاص الجاري في العالم بمحبة الآب ونعمة الابن وفعل الروح القدس وخدمة الكنيسة.

 

+ بشاره الراعي مطران جبيل


الاحد 16 ايلول 2007

 

الاحد الاول من زمن الصليب

اخلاقية المسؤولية في ضوء الصليب

 

       من انجيل القديس مرقس 10/35-45

       قال مرقس البشير: دنا من يسوع يعقوب ويوحنا، ابنا زبدى، وقالا له: " يا معلم نريد أن تصنع لنا كل ما نسألك". فقال لهما: " ماذا تريدان أن اصنع لكما؟". قالا له: " أعطنا أن نجلس في مجدك، واحد عن يمينك وواحد عن يسارك"؟ فقال لهما يسوع: " إنكما لا تعلمان ما تطلبان: هل تستطيعان أن تشربا الكأس التي أشربها أنا؟ أو أن تتعمدا بالمعمودية التي اتعمد بها أنا؟". قالا له: " نستطيع". فقال لهما يسوع: " الكأس التي أنا اشربها ستشرَبانها، والمعمودية التي أنا أتعمد بها ستتعمدان بها. أما الجلوس عن يميني او عن يساري، فليس لي أن امنحه إلاّ للذين أُعِد لهم". ولما سمع العشرة الآخرون، بدأوا يغتاظون من يعقوب ويوحنا. فدعاهم يسوع إليه وقال لهم: " تعلمون أن الذين يعتبرون رؤساء الأمم يسودونهم، وعظماءهم يتسلطون عليهم. أما أنتم فليس الأمر بينكم هكذا، بل من اراد أن يكون فيكم عظيماً، فليكن لكم خادماً. ومن أراد أن يكون الاول بينكم، فليكن عبداً للجميع؛ لان ابن الانسان ايضاً لم يأتِ ليُخدم، بل ليَخدم، ويبذلَ نفسه فداءً عن كثيرين.

 

       نحن في بداية زمن الصليب وهو الاخير من السنة الطقسية. يتميز بزمن الجهاد في سبيل توطيد ملكوت الله على الارض، بحيث يدخل كل انسان في شركة عامودية مع الله بروح القداسة، وفي شركة افقية مع جميع الناس بروح المحبة والعدالة والتضامن. ويتميز بزمن التطلع الى اكتمال الملكوت او هذه الشركة المزدوجة، في نهاية الازمنة، بالسهر والصبر ورجاء الانتظار.

       انجيل اليوم يشكل زمن الجهاد، اما اناجيل الاحاد الآخرى فتشكل زمن التطلّع.

 

اولاً، شرح نص الانجيل

 

1.   اطار الحدث

الرسولان الاخوان يعقوب ويوحنا، ابناء سالومه شقيقة مريم ام يسوع، يطلبان " الجلوس عن يمين الرب ويساره في مجده".

       جاء الطلب بعد ان انهى يسوع نبوءته للمرة الثالثة عن آلامه وموته وقيامته ( مر 10/32-34). وسبق نبوءته سؤال- طلب وجهه بطرس الى يسوع: " ها نحن قد تركنا كل شيء وتبعناك، فما عساه يكون لنا؟ " ( مر10/28؛ متى 19/27).

       علم يسوع ما يجول في مخيلة الرسل، فهم يعقدون الآمال الجسام على ان يسوع سيعيد مجد اسرائيل وينشىء مملكة زمنية يشيع فيها الغنى والرفاهية. فاراد يسوع ان يوضح لهم الغاية من صعوده الى اورشليم، فينقلهم من جو الامل والخيال الى جوّ الواقع والحقيقة. قال: " ها نحن صاعدون الى اورشليم، وسيتم كل ما كُتب بالانبياء عن ابن البشر، فانه سيُسلّم الى الامم، ويُهزأ به ويُشتم ويُبصق عليه، وبعد ان يجلدونه يقتلونه وفي اليوم الثالث يقوم" (مر10/33-34). يبدو ان المقطع الاخير من كلامه استقرّ في مخيلتهم، وهو انتصاره على الموت وقيامته في اليوم الثالث، فاستنتجوا ان من ينتصر على الموت لن يقوَ عليه عدو، مهما بلغ من القوة. وتأكّد لهم ان يسوع سيرتقي عرش المُلك الموعود، وتسابقوا الى احتلال المراكز الاولى في ذلك المُلك الزمني. فكان ان راودت فكرة الحظوة بأرفع المراتب ابني زبدى ( نصري سلهب: في خطى المسيح، ص 268-269). وبفضل الدالة على يسوع بداعي النسب، وهما ابنا خالته، طلبا اليه: " أعطنا ان نجلس في مجدك، واحد عن يمينك، وواحد عن يسارك"  (مر 10/ 37).

       هذا مطلب بشري، يصدر عفوياً عن كل انسان، لانه طموح من طبعه. يريد المكان الاول دونما تفكير بما ينطوي عليه من مسؤولية وتضحيات، وقلما يفكّر بانه بذل وعطاء في سبيل الخير العام على حساب الفائدة الشخصية. ولهذا ترى الناس يتسابقون بشتى الوسائل الى احتلال المراكز الاولى، بل يتقاتلون بسببها ويتعادون. فالانسان مفطور في اصله على " الانا"، بينما المادة الاولى من دستور الحياة، في انجيل التطويبات، تدعو الى فضيلة التجرد وافراغ الذات: " طوبى للفقراء بالروح، فان لهم ملكوت السموات" ( متى5/3). هؤلاء المتجردون من ذواتهم وانانيتهم يدخلون في شركة القداسة مع الله، وفي شركة الخدمة والمحبة والتضامن مع الناس. هذه الفضيلة عاشها يسوع، ويدعونا بولس الرسول ان نتخلق باخلاقيتها: "تخلّقوا بخلق المسيح يسوع. فهو مع كونه في صورة الله، لم يحسب مساواته لله غنيمة، بل أخلى ذاته متخذاً صورة العبد، صائراً في شبه البشر. واضع نفسه، وأطاع حتى الموت، الموت على الصليب. فرفعه الله جداً..." ( فيل 2/5-9).

 

2.   مجد المسيح والجلوس عن يمينه ويساره

اوضح يسوع طلب يعقوب ويوحنا، بحيث ولج به الى عمق جوهر " مجده". ليست المملكة الزمنية عرش مجده، بل صليبه. على عرش الصليب ظهر مجد الله ومجد المسيح. انه " مجد" ارادة الآب بخلاص البشر اجمعين، باذلاً ابنه الوحيد لكي لا يهلك أحد من ابناء البشر، و" مجد" محبة الابن الذي اطاع حتى الموت و" أحب حتى النهاية" ( يو 13/ 1). انبأ يسوع عن هذا المجد يوم الشعانين، خمسة ايام قبل حدوثه: " نفسي الآن قلقة، فماذا اقول؟ يا ابتِ، نجّني من هذه الساعة؟ ولكن من اجل هذا بلغت الى هذه الساعة! يا ابتِ، مجِّد اسمك. فجاء صوت من السماء يقول: " قد مَجّدتُ، وسأمجِّد" ( يو12/27-29).

لقد دعاهما للجلوس عن يمين صليبه ويساره، اي للمشاركة في سرّ آلامه وموته تمجيداً لله ولهم على مثاله. فسمّى هذه المشاركة كأس الألم وصبغة معمودية الدم: " هل تستطيعان ان تشربا الكأس التي اشربها انا؟ او ان تصطبغا بالمعمودية التي اتعمّد بها أنا؟". فكانت كلمته بمثابة دعوة جديدة لاتباعه، فلبّيا الدعوة مجيبين: " نستطيع". وتذكّرا دعوته الاولى وهما في السفينة يصلحان الشباك، فتركا اباهما زبدى في السفينة مع الاجراء، وتبعاه" ( مر1/19-20).

السلطة والمسؤولية، في ممارستها كفن شريف لخدمة الخير العام، انما تندرج في الدعوة الى تمجيد الله باتمام ارادته التي تشاء ان يعرف كل انسان الحقيقة وينال الخلاص، وبالتالي الى نيل المجد من خلال طاعة الله ومحبته في ممارسة السلطة.

هؤلاء الذين يشاركون المسيح في عمل " التمجيد" يعدّ لهم الجلوس عن يمينه ويساره: " "اما الجلوس عن يميني او يساري، فليس لي ان امنحه إلاّ للذين اٌعدّ لهم" ( مر 10/ 40).

 

3.   السلطة خدمة

 

اغتاظ الرسل العشرة الباقون من طلب يعقوب ويوحنا حسداً، اذ كل واحد منهم يتمنى ان يكون صاحب الحظ الاوفر. وربما " فرحوا" لجواب يسوع وكأنه " بخعة" للتلميذين. وهذا دليل انهم هم ايضاً لم يفهموا " مجد يسوع"، وكلهم يصبون الى الاستفادة منه بمراكز ومراتب. فكان ان حدّثهم الرب عن مفهوم السلطة التي سيسندها اليهم وهي تختلف مضموناً وممارسة عن السلطة السياسية.

السلطة السياسية سيادة على الناس وتسلّط على الامم. اما السلطة الحقيقية المستمدّة من نهج المسيح فهي: " من اراد ان يكون فيكم عظيماً، فليكن لكم خادماً. ومن اراد ان يكون الاول بينكم، فليكن عبداً للجميع" ( مر 10/ 42-44).

ثم يوضح يسوع انه القدوة لكل صاحب سلطة ومسؤولية في البذل والتفاني من اجل خير جميع الناس: " ابن الانسان لم ياتِ ليُخدم بل ليَخدم، ويبذل نفسه فداءً عن كثيرين" ( مر10/45).

أدرك التلاميذ هذه الحقيقة وانطلقوا مع يسوع الى عمقها. ولما ملأهم الروح القدس وارسلهم لمواصلة عمل الفداء، تفانوا في الخدمة والمحبة حتى الاستشهاد. فتكللوا جميعهم باكليل الشهادة، وتمّ لهم وعد يسوع في جوابه الى سؤال بطرس: " الحق اقول لكم: انتم الذين تبعتموني، متى جلس ابن الانسان على عرش مجده، في زمن التجديد، تجلسون انتم ايضاً على اثني عشر عرشاً، لتدينوا اسباط اسرائيل الاثني عشر" ( متى 19/28). ان السلطة دعوة ايضاً للقداسة، تقدّس بها عدد من الملوك والرؤساء المدنيون.

***

ثانياً، الاسرة والقضايا الاخلاقية والحياة

 

من المواضيع المطروحة في " معجم التعابير الملتبسة والمتنازع فيها حول الاسرة والقضايا الاخلاقية والحياة"، نختار موضوع " دولة الرفاهية" ( Welfare State) او " الدولة- العناية" (Etat-Providence). وهو موضوع أشدّ ما نحتاج اليه في الزمن الراهن من حياة لبنان على المستوى الوطني، وفي زمن الصليب على المستوى اللاهوتي. كاتب هذا المقال هو José T. Raga.

وطنياً، نحن في مرحلة جديدة حاسمة، تقتضي قيام دولة راعية مسؤولة، تعمل من خلال مؤسساتها الدستورية. ولاهوتياً، زمن الصليب، الذي هو مسيرة حج نحو مجيء الرب النهائي، يقتضي منا بناء مجتمع ووطن يليقان بالخالق وبعمل الفداء، وبالتالي بالانسان ليعيش بكرامة، ويحقق ذاته، ويشارك بمسؤولية واعية في صنع التاريخ.

" دولة الرفاهية" تعبير ملتبس لان الواقع يجعل منها " رفاهية" للنافذين ولضابطي زمام السلطة السياسية والعامة، حيث قلة تعيش في تخمة من البحبوحة، وتسخّر قدرات الدولة للمصالح الشخصية والفئوية، وتهدر المال العام دونما رقيب او حسيب، وكثرة تعاني من الفقر والحرمان. اما الفظة فتعني بحدّ ذاتها ان مثل هذه الدولة تستعمل سلطتها لتعديل لعبة قوى السوق في ثلاثة مجالات:

المجال الاول، تضمن للافراد والعائلات مدخولاً يسمح لهم بحياة ملائمة بمعزل عن الاجر الذي يحدده السوق لعملهم، وعن الثمن الذي يحدده لسلعهم.

المجال الثاني، تؤمن للآخر ضماناً ضد المخاطر المتصلة بحياتهم المهنية الشخصية، بحيث تحدّ من عدم الاستقرار الذي قد يتسبب، في داخل العائلات ولدى الافراد بازمات وانحطاطات اقتصادية ونفسية. على الدولة ان تؤمن نفقة معيشية للمرضى والعاطلين عن العمل والمسنين والمعوَّقين والارامل واليتامى.

المجال الثالث، تضمن لجميع المواطنين، اياً كانت اوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية، استفادة حرّة من الخدمات الضرورية لحياة منسجمة داخل المجتمع وسط جماعة تنعم بالنمو.

ان ما يبرر وجود " الدولة العناية" ان تعمل على اصلاح نواقص اقتصاد السوق، وادارة الثروات العامة، والبلوغ الى خير الامّة ومواطنيها، والاعتراف بحقوق العمال، وتوفير مساعدات، واذكاء المحبة الاجتماعية، وان يكون لها سياسة اجتماعية شاملة تموّلها السياسة الضريبية، وان تضمن النمو الاقتصادي والاستقرار وتوزيع الثروات.

كم نتمنى لو ان السياسيين  الذين يتنافسون على الوظائف الدستورية العامة، ان يكشفوا للمواطنين عن برامجهم الاقتصادية والاجتماعية والضريبية، بدلاً من الاتهامات المتبادلة على مستواهم الشخصي.

***

 

ثالثاً، الخطة الراعوية لتطبيق المجمع البطريركي الماروني

 

       نختتم مع زمن الصليب السنة الطقسية والسنة الاولى من تقبّل نصوص المجمع البطريركي الماروني، بحسب الخطة الخمسية التي وضعتها لجنة المتابعة. فنعرض النص 21: الكنيسة المارونية والقضايا الاقتصادية. كانت نصوص السنة الاولى: 1 و2 و3 و4 و19 و20 و21.

       1. يذكّر النص المجمعي في المقدمة بالاساس اللاهوتي للحياة الاقتصادية، وهو ان الله منح الارض وخيراتها ليؤمّن منها الانسان قوته وحاجاته المادية. فنظمت الكنيسة حياة الانسان الاقتصادية والمادّية وفقاً لارادة الله، وحرّمت بالتالي عمليات الربا واستغلال القوي للضعيف، وكل انواع الكسب غير المشروع الاتي من غير تعب الانسان وعمله الانتاجي ( فقرة 1). واعتبرت، مع الفيلسوف القديس توما الاكويني، انه انطلاقاً من مفهوم الخير العام يحق للانسان ان يتمتع تمتعاً شرعياً بالخيرات المشتركة بين البشر ولا يحق لاحد قهره وحرمانه منها. وبينما  تدافع الكنيسة عن المبادرة الفردية والملكية الخاصة، فانها تٌخضع الاعمال الاقتصادية لمبدأ الخير العام، وتدعو الى ان تكون التنمية الاقتصادية والتقدم التقني في خدمة الانسان والمجتمع، لا وسيلة في ايدي بعض الناس لاستغلال الاخرين ( فقرة 2).

       2. ويبيّن النص المجمعي في الفصل الاول اهتمام الكنيسة البالغ بالشأن الاقتصادي- الاجتماعي على مدى قرون عديدة من خلال مؤسساتها واديارها ومراكزها وتعاونياتها. والى جانب نشاطاتها المتنوعة في هذا الحقل، كان لها منذ القرن التاسع عشر تعليم بابوي واسع في هذا الشأن. يستعرض النص المجمعي في الفقرات 3-5 عناوين من الرسائل البابوية العامة: الشؤون الحديثة للبابا لاوون الثالث عشر          ( 1891)، والسنة الاربعون للبابا بيوس الحادي عشر ( 1931)، وام ومعلمة للبابا يوحنا الثالث والعشرين ( 1961)، وترقي الشعوب للبابا بولس السادس (1967)، وصولاً الى البابا يوحنا بولس الثاني الذي اصدر ثلاث رسائل عامة: العمل البشري ( 1981) والاهتمام بالشأن الاجتماعي ( 1987) والسنة المئة (1991) التي جددت النظر في القضايا المطروحة في رسالة " الشؤون الحديثة".

       3. تقتضي الخطة الراعوية من الجماعات المنظمة في الرعية والاديار والمجتمع تقبّل ما جاء في هذه الفقرات من افكار، واتخاذ مبادرات عملية محلية لتطبيقها.

 

***

       صلاة

       ايها الرب يسوع، بالمعمودية اشركتنا في آلامك وموتك وقيامتك. ساعدنا لنعيش فعلياً، في حياتنا اليومية، هذه المشاركة، في سبيل انسان أرقى ومجتمع افضل. اعطنا الادراك بان العائلة والمجتمع والوطن انما ينهضون بتضحيات اعضائهم وتفانيهم في سبيل الخير العام، الذي منه خير كل انسان وكل الانسان. لك المجد والتسبيح ولابيك المبارك وروحك القدوس الآن والى الابد. آمين.


 

الاحد 23 ايلول 2007

 

الاحد الثاني من زمن الصليب

بين اضطهادات العالم وتعزيات الله

 

       من انجيل القديس متى 24/ 1-14

       قال متى الرسول: خرج يسوع من الهيكل ومضى. فدنا منه تلاميذه يلفتون نظره الى ابنية الهيكل. فأجاب وقال لهم: " ألا تنظرون هذا كله؟ الحق أقول لكم: لن يُترك هنا حجرٌ إلاّ وينقض". وفيما هو جالس على جبل الزيتون، دنا منه التلاميذ على انفراد قائلين: " قل لنا متى يكون هذا، وما هي علامة مجيئك ونهاية العالم؟". فاجاب يسوع وقال لهم: " إحذروا أن يضلكم أحد! فكثيرون سيأتون باسمي قائلين: " أنا هو المسيح! ويضلون الكثيرين. وسوف تسمعون بحروب وبأخبار حروب، اتظروا، لاترتعبوا! فلا بد ان يحدث هذا. ولكن ليست النهاية بعد! ستقوم أمة على أمة، ومملكة على مملكة، وتكون مجاعات وزلازل في اماكن شتى، وهذا كله اول المخاض. حينئذ يسلمونكم الى الضيق، ويقتلونكم، ويبغضكم جميع الامم من اجل اسمي. وحينئذ يرتد الكثيرون عن الايمان، ويسلم بعضهم بعضاً، ويبغض بعضهم بعضاً. ويقوم أنبياء كذبة كثيرون ويضلون الكثيرين. ولكثرة الاثم تفتر محبة الكثيرين. ومن يصبر الى النهاية يخلص. ويكرز بانجيل الملكوت هذا في المسكونة كلها شهادة لجميع الامم، وحينئذ تأتي النهاية".

 

       زمن الصليب هو المحطة الاخيرة من السنة الطقسية، التي تدور فيها الكنيسة حول  سرّ المسيح، كما تدور الارض حول الشمس. تدور حول المسيح المتجلي في المجد، وحول مجيئه الثاني في نهية الازمنة، دياناً لجميع الناس، للخلاص الابدي او الهلاك، للحياة السعيدة في مجد السماء او للموت النهائي في آلام الجحيم. انه زمن النهايات المعروف بالاسكاتولوجيا eschatologia، الذي يتم فيه مجيء المسيح الثاني بالمجد ويسمى باروزيا(parusia). لكنه في الوقت عينه زمن الكنيسة التي تعبر بدورها فصح المسيح، مختبرة الصلب والقيامة، و"سائرة بين اضطهادات العالم وتعزيات الله" (القديس اغسطينوس). القديسة الشهيدة تقلا انعكاس ساطع لوجه الكنيسة هذا.

 

***

اولاً، شرح النص الانجيلي

 

1.   المجيء والنهاية وامتحان الكنيسة

عندما تنبأ يسوع عن خراب هيكل اورشليم قائلاً: " لا يترك هنا حجر على حجر إلا ويُهدم"، ظن التلاميذ انه يتكلم عن نهاية العالم. فسألوه " قل لنا متى تكون هذه، وما هي علامة مجيئك وانتهاء العالم" ( متى24/3). فخراب الهيكل عندهم نهاية كل شيء.

المجيء- parusia يعني مجىء المسيح  بوصفه دياناً، او مجيئه الثاني، انه مجيء الله المنتظر. نهاية العالم- eschatologia مرتبطة بمجيء المسيح، وتعني آخر تدخّل لله في التاريخ. وقد كان تدخله الاول عندما ظهر على الارض بشخص يسوع، عمانوئيل الذي المترجم " الله معنا".

سألوه عن علامات مجيئة ونهاية العالم. فاعطى علامات، لكنه أكد انها لا تسبق مباشرة نهاية العالم، فذكّر الانسان بانه في رحلة نحو عالم جديد، لان ليس له هنا مدينة ثابتة. علامات الفتن والحروب والزلازل والمجاعات لا تدعو الى الاضطراب، فهي تشبه آلام المخاض، التي تمرّ بها الام قبل ولادة طفلها: " هذا كله اول المخاض"  (متى24/8). هذه العلامات تبشّر بولادة جديدة. انها تنعكس على حياتنا اليوم التي تقتضي منا تجدداً في النظرة والمسلك، في العمل والسؤولية. ينبغي ان تبلغ بنا المعاناة والمحن الى ولادة مواطن جديد، ومسؤول جديد، ووطن جديد.

أليس تاريخنا في لبنان يشهد ان ابناءه لم يبخلوا بارواحهم في سبيل وطنهم، ولنا أمل وطيد بأن التضحيات الكبيرة التي بذلها الشهداء واهلهم وعائلاتهم ستثمر في النهاية وئاماً وسلاماً يشد اللبنانيين بعضهم الى بعض، وتوحد صفوفهم، لينهضوا بهذا الوطن الذي لن يجدوا شبيهاً له في الاوطان، ومعلوم ان هذه لا تنمو وتزدهر إلاّ بقدر ما يبذله ابناؤها في سبيلها من تضحيات.

 العلامات المذكورة اعلاه وسواها من الضيقات والقتل والبغض والخيانة والكذب والتضليل وانتفاء المحبة انما تدعو الى الصبر: " فمن يصبر الى المنتهى يخلص" (متى24/13). والصبر يعني الثبات والامانة في الطريق الذي اختير، في ضوء دعوة الله ووعده.

 

قبل مجيء المسيح في نهية الازمنة، تمرّ الكنيسة في امتحان كبير، يزعزع ايمان الكثيرين من المؤمنين. هو امتحان   المسيح الدجال:" تيقظوا، فلا يضلكم احد. كثيرون سيأتون باسمي ويقولون: انا هو المسيح، ويضلّون الكثرين" (متى24/4- 5). "المسيح الدجال" هو عملية تدجيل، يدّعي فيها الشخص، الذي يجعل ذاته " مسيحاً"، انه صاحب حلول لقضايا البشر. انه يمجّد نفسه في مكان الله ومسيحه المتجسد. انه مناهض للمسيح، لان هذا الانسان، المسيح الدجال، يدّعي انه يحقق في التاريخ الوجه المسيحاني السياسي العلماني. هكذا يفعل " سرّ الاثم" ( 2 تسا2/7)  في التاريخ البشري (التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية، 675-676 ). لقد حذّر بولس الرسول من هذا التدجيل: " لا تتزعزعوا سريعاً بافكاركم، ولا تندهشوا لكل كلمة وروح ورسالة. فانسان الاثم، ابن الهلاك، هو المتمرّد المتطاول على كل من يدعى الهاً، يجلس في هيكل الله كاله، ويُظهر من نفسه انه اله" (2تسا2/2 و4). وحدد يوحنا الرسول " المسيح الدجال" بانه انسان" لا يعترف ان يسوع المسيح اتى في الجسد"، وبالتالي " لا يسلك في المحبة، بحسب وصيته" ( انظر2يو5-7)، ولا يتصرف في ضوء الحقيقة (1يو2/21)، بل، على ما يقول بولس الرسول: " لا يقبل محبة الحق التي بها يحيا. ولذلك يبعث الله فيه عمل الضلال، حتى يصدّق الكذب" (انظر 2 تسا2/10 – 11).

زمن الصليب هو  زمن الكنيسة التي تصبر على محنتها في مسيرتها نحو مجد الملكوت. فعليها، مع ابنائها وبناتها، ان تعبر فصحها بحيث تتبع ربها في موته وقيامته، فيما تنادي بانجيل الملكوت في المسكونة كلها، شهادة لكل الامم، وحينئذٍ يكون الانتهاء" ( متى24/14)، هذا يعني ان ملكوت الله، ملكوت القداسة والحقيقة والمحبة والعدل، لن يتحقق بانتصار تاريخي للكنيسة، بل بانتصار الله على ثورة الشر في الدينونة الاخيرة، بعد نهاية العالم  (التعليم المسيحي،677).

 

2.   الكرازة بانجيل الملكوت

 

في صٌلب امتحان الضيقات والاضطهادات يدعو المسيح " ليُكرز بانجيل الملكوت في المسكونة كلها، لجميع الامم" ( متى 24/14).

عيد ارتفاع الصليب يذكّرنا بهذه الدعوة. وزمن الصليب التزام بحمل قضية الانسان المتألم والمعذب. المسيحية تتنكر لرسالتها، اذا لم تلتزم بخلاص البشرية من عذاباتها. فالمسيح ارتضى الألم لكي يرفع الألم عن الانسان. هذا هو فصح المسيح: ان يعبر كل انسان من حالة موت الى حالة حياة، من سقوط الى قيامة، على المستوى الروحي والمادي، الثقافي والسياسي، الاقتصادي والخلقي. هذه هي " الكرازة بانجيل الملكوت" التي تنير العقل وتشحذ الارادات في عملية العبور.

بهذا المعنى نقرأ في الارشاد الرسولي "رجاء جديد للبنان" ( عدد 113)، ان على المسيحيين الذين يتعاطون الشأن السياسي، ان يمارسوه ملتزمين بابعاد معموديتهم المثلثة: ففي البعد النبوي، يشهدون لحقيقة الله والانسان والتاريخ، بتجسيد روح الانجيل في حياتهم اليومية والعائلية والوطنية، ويعبّرون بجرأة عن الحقيقة، ويصمدون برجائهم في المجد الآتي وسط مشقات زمنهم الحاضر. في البعد الكهنوتي، يجعلون من نشاطهم السياسي، التشريعي والاجرائي والاداري والقضائي والاقتصادي، ومن سائر اعمالهم قرابين روحية، يسبّحون بها الخالق والفادي. في البعد الملوكي، يتغلبون على الخطيئة والظلم والاستضعاف، ويخدمون المحبة والعدالة والانصاف، ويعملون على خلق مستقبل افضل، واكثر انسانية، وجديرٍ بكرامة الشخص البشري، وعلى بعث تحولات لا بدّ منها.

 

 

 

       3. القديسة تقلا زنبقة الصليب

تقلا هي اولى الشهيدات اللواتي اختبرن فصح المسيح بالموت والقيامة. عاشت في ايام الرب يسوع من دون ان تلتقيه، لكونها من ايقونية، في آسيا الصغرى، حيث ولدت حوالي سنة 20، في عائلة وثنية. لكنها عرفته من خلال كرازة بولس الرسول في مدينتها حوالي سنة 45. وقع كلامه في قلبها، فولّد الايمان بالمسيح: " الايمان من السماع". تعمقت في التعاليم الانجيلية وطلبت المعمودية، فتبدلت حياتها كلها. هذه كانت حقاً ولادتها الثانية التي جعلتها تعاين سرّ ملكوت الله وتدخل في عمق الشركة مع الله، على ما قال يسوع لنيقوديمس: " ما لم يولد الانسان ثانية من الماء والروح، لا يستطيع ان يعاين ملكوت الله، ولا أن يدخله" (يو3/3و5).

تركت خطّيبها الوثني والوجيه مثلها، ونذرت بتوليتها لله، وعكفت على التأمل والصلاة. ولما سألتها امها عن هذا التغيير الجذري في حياتها، اجابت: انه ثمن اصطباغها بماء العماد المقدس وايمانها بالمسيح. شكوها الى الوالي فامر بتعذيبها بالرمي في النار، وطرحها للوحوش الضارية، وتكبيلها في السجن، وربطها بثيران غير مروضة. هذا " سرّ الاثم" الذي تنبأ عنه الرب في انجيل اليوم. انها محنة الصليب واختبار ميتة المسيح.

لكن الله نجاها، وظلت بنعمته صامدة وثابتة في ايمانها وكرازتها. وسمّت نفسها مثل بولس معلمها " عبدة يسوع المسيح". وراحت بدورها تنادي بانجيل الملكوت في القلمون ومعلولا وصيدنايا. انه فصح المسيح ومجد القيامة المتجليان في القديسة تقلا. منذ الفي سنة ونعمة الله فاعلة في التاريخ، والانتصار على الشر جارٍ بشفاعة هذه القديسة.

 

*****

 

ثانياً، الاسرة والقضايا الاخلاقية والحياة

 

من " معجم التعابير الملتبسة والمتنازع فيها حول الاسرة والقضايا الاخلاقية والحياة" نواصل موضوع "دولة الرفاهية" ( Welfare-State) او " الدولة – العناية" ( Etat-Providence). لكي يكون هذا النوع من الدولة مستوفياً مفهوم " الرفاهية" و " العناية"، ينبغي ان يكون هدف الدولة الانسان والاسرة والمجتمع.

الانسان من طبعه كائن اجتماعي. وبهذه الصفة يحمل مسؤولية طبيعية تجاه اعضاء المجتمع الآخرين. هذه المسؤولية تصبح  في خطر عندما يعتقد الانسان انه اهمّ من غيره، فتولد فيه رغبة التسلّط على القريب. ولهذا يحتاج  الى قيم عليا تفوق حاجاته المادية كالطعام والمسكن والحياة في جماعة. فالقيم العليا تعطيه اسباباً للوجود والحياة، فيما الحاجات الاخرى تعطيه وسائل للعيش.

       الاسرة خلية المجتمع تقدم له نموذجاً حياً عن حاجاته الى اشخاص قادرين على بناء مجتمع يضحون في سبيله، وينالون منه خيرات كبيرة. والاسرة مرآة تمكّن افرادها من البحث في عمق ذواتهم عن قدرتهم على اعطاء معنى للحياة الاجتماعية، ودعماً كاملاً للدولة-العناية. اذا تربى افراد العائلة على المحبة والتضامن، تجاوزوا الذهنية الفردية. الاسرة هي المكان حيث يتنشأ الانسان على التمييز الاساسي بين ما هو مادّي وما هو روحي، وإلاّ اختار الطريق الخاطىء المؤدي الى الاستهلاكية.

       المجتمع هو الجماعة-الامتداد للاسرة، فيصبح " العائلة البشرية" التي تتميز بالتضامن والعمل معاً. ان مجتمعاَ مبنياً على الفردية والنفعية والانانية مجتمع سائر الى التفكك والانحلال، اذ يصبح مجموعة افراد غير قادرين على العيش معاً، وبعيدين عن جماعة تعيش التقاسم في كل اشكال النشاط البشري، وفي طليعتها الحياة الاقتصادية.

       مطلوب من الدولة- العناية اجراء ما يلزم من اصلاحات في داخلها تشمل ثلاثة: تجنب هدر المال العام في نشاطات منتجة تشكلّ عبئاً ثقيلاً على الميزانية العامة؛ اعتماد الخصخصة التي تؤمّن دخلاً مالياً من بيع الاملاك العامة، وتزيل الخسارات الثقيلة التي يٌمنى بها عدد من مشاريع الدولة، وتحررها من عبء البحث عن مداخيل لتمويلها؛ وضع نظام للتقاعد  وفقاً لامكانيات الدولة، مع تخفيضات في التقدمات حيث يلزم.

 

ثالثاً، الخطة الراعوية لتطبيق المجمع البطريركي الماروني

 

       تواصل الخطة الراعوية تقبل النص المجمعي الحادي والعشرين: " الكنيسة المارونية والقضايا الاقتصادية".

       1. لعبت كنيستنا دوراً تاريخياً على صعيد التربية والاقتصاد والفنون. فكانت لها نشاطات انتاجية زراعية عبر القرون في جبل لبنان، وقد اشتهر الموارنة بمهارتهم في اعمال الفلاحة. وعملت الكنيسة على نشر التربية والعلوم، فاسهم ابناؤها في نهضة اللغة العربية، وانفتحوا على الحضارة الاوروبية، وكان لهذا النشاط اثر اقتصادي عظيم في تقدّم الطائفة وتعميم الرقي الاقتصادي  والاجتماعي في محيطها (الفقرتان 7 و8).

       2. ادّت الرهبانيات المارونية دوراً اقتصادياً كبيراً في ازدهار الارياف الجبلية، بانشاء اديرة وتنظيم اعمال زراعية. وكانت وقفيات اراضٍ شاسعة ابتداءً من القرن الثامن عشر, ومارس الرهبان انواعاً مختلفة من المهن كالمحاماة والطباعة والصناعة ومهن البناء ( فقرة 9).

       3. امتدّ دور الموارنة الاقتصادي الى بلدان الانتشار بدءاً من القرن السادس عشر، فكان لهم اسهام كبير في اقتصاد البلدان التي اتنشروا فيها من خلال نشاطاتهم على مستوى الثقافة والعلم والتجارة والصناعة والاعلام والسياسة. هذا فضلاً عن دورهم في الداخل حيث ساندوا حركة الفلاحين لمناهضة الروح الاقطاعية التقليدية. ويذكر دور الكنيسة في تخفيف المجاعة اثناء الحرب العالمية الاولى، ودور البطريركية المارونية في اعادة الاجزاء المسلوخة من لبنان وهي مناطق تتميّز بوفرة مياهها وخصوبة سهولها. هذا فضلاً عن دورها في مساندة المطالب العالمية العادلة في اثناء عهد الانتداب ( فقرة 14).

       4. ولكن بعد الاستقلال اللبناني نسيت الاجيال المتتالية تاريخ كنيستهم الاقتصادي والثقافي، واهملت قضايا التنمية الاقتصادية والاجتماعية، متّكلة على الدولة الفتيّة. تدعو الكنيسة الى احترام قيمتين في واقع التنظيم الاقتصادي هما الحرية والتضامن. وتطالب الدولة بحماية حقوق كل فرد، وبالمساعدة الايجابية على الازدهار العام من اجل تأمين نمو أفضل للافراد والجماعات، وبتجنب الحلول محل النشاط الخاص الفردي او الجماعي، ما دام هذا النشاط قادراً على القيام بدوره، او غير رافض له، وفقاًُ لمبدأ الانابة ( subsidiarité) (فقرة 13 و14).

       5. جدير بالذكر ان الارشاد الرسولي " رجاء جديد للبنان" ركّز على القضايا الانسانية والاجتماعية، وعلى ضرورة العمل من اجل العدالة الاجتماعية. وذكرّ العاملين في الخدمة العامة، في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، باحترام الموجبات الاخلاقية، وباخضاع مصالحهم الخاصة والفئوية لصالح وطنهم والخير العام، وبتجاوز السلوك الاناني للعيش في تجرّد يذهب الى حدّ انكار الذات ( فقرة 15).

ان الخطة الراعوية تقتضي من الجماعات المنظمة ان تتعمق في هذه النصوص وبخاصة الفقرات 94 -96 من الارشاد الرسولي، وان تستمد منها مبادىء نشاطات افرادها.

****

       صلاة

       ايها الرب يسوع، انت تنبّهنا على المحن والاضطرابات التي ترافق زمننا، وتنبّهنا الى قيام مسحاء كذبة يضلّون العقول عن الحق والارادات عن الخير، ويزرعون الانشقاقات والانقسامات، حتى جفاف المحبة في القوب. نسألك ان تعضدنا لنلبي الدعوة الى الصبر والثبات في الايمان والرجاء والمحبة. ونضرع اليك من اجل المسؤولين في بلادنا ليكونوا خدام العدالة والخير العام. ساعدنا معهم على اعادة بناء الوطن اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً، فيصبح دولة راعية للانسان والعائلة والمجتمع. فنرفع الشكر والتسبيح للآب والابن والروح القدس الى الابد. آمين.


الاحد  30 ايلول 2007

 

الاحد الثالث من زمن الصليب

انتظار مجيء الرب

 

من انجيل القديس متى 24/ 23-31

قال الرب يسوع: إن قال لكم أحد: هوذا المسيح هنا أو هناك! فلا تصدقوا, فسوف يقوم مُسحاء كذبة وأنبياء كذبة، ويأتون بآيات عظيمة وخوارق، ليضلوا المختارين أنفسهم، لو قدروا. ها إني قد أنبأتكم! فإن قالوا لكم: ها هو في البرية! فلا تخرجوا، أو: ها هو في داخل البيت! فلا تُصدقوا. فكما أن البرق يُومض من المشارق، ويسطع حتى المغارب، هكذا يكون مجيء ابن الانسان. حيث تكون الجثة هناك تجتمع النسور. وحالاً بعد ضيق تلك الايام، الشمس تُظلم، والقمر لا يعطي ضوءه، والنجوم تتساقط من السماء، وقوات السماوات تتزعزع. وحينئذ تظهر في السماء علامة ابن الانسان، فتنتحب قبائل الارض كلها، وترى ابن الانسان آتياً على سحب السماء بقدرةٍ ومجدٍ عظيم. ويُرسل ملائكته ينفخون في بوق عظيم، فيجمعون مختاريه من الرياح الاربع، من أقاصي السماوات الى اقاصيها".

 

 

       هذا النص الانجيلي يواصل جواب يسوع على سؤال التلاميذ: " قل لنا ما هي علامة مجيئك وانتهاء العالم" ( متى 24/3). فينبه الى ظهور " مسحاء دجالين وانبياء كذبة" اي اشخاص وتيارات مضلِّلة، ويدعو الى عدم الانصياع لهم  (متى24/23-25)؛ ويؤكد ان يوم مجيء الرب مباغت مثل ظهور البرق، وفاعل اذ يجتذب الناس في كل مكان، كما الجثة  تجمع النسور (الآية 26-28)؛ ويستعمل صوراً رؤيوية من كتب انبياء العهد القديم تدل على كيفية نهاية العالم بتفكك عناصر الطبيعة الاساسية اي الشمس والقمر والكواكب والنجوم وتناثرها (الاية 29)، وتصف مجيء المسيح الاخير بالعزة والمجد، وانتحاب جميع القبائل من اعماق الارض ( الآية 30)، وتنتهي بخلاص المختارين الذين يجمعهم الملائكة على صوت البوق العظيم من جهات الارض الاربع ( الآية 31).

 

       نقرأ هذا النص في ضوء لاهوت الانتظار، حيث الانسان يسعى الى تحقيق ذاته، مختبراً محدوديته وعدم كفايته، ومدركاً حاجته الى نعمة المسيح التي تكمّله. اننا نجد نموذجاً لعيش لاهوت الانتظار في القديسة تقلا، اولى الشهيدات.

 

***

اولاً، شرح نص الانجيل

 

1.   النص الرؤيوي

نجد في اسفار الانبياء وفي كتاب رؤيا يوحنا النهج الادبي المعروف بالرؤيوي، الذي " يكشف ويوحي" Apocalypse)) من خلال صور حسّية حيّة، مستقبل شعب الله والكنيسة وما يواجههما من مصاعب. كما يكشف ويوحي على التوالي:تدخل الله في التاريخ، وخراب اورشليم، ونهاية العالم، ومجيء المسيح النهائي بالمجد. وينتهي هذا النوع الادبي الرؤيوي بالدعوة الى الرجاء والصبر والثبات والصمود في الحق، فالكنيسة منتصرة ابداً بقوة المسيح الذي هو سيد الظفر والخلاص.

 

ان الصور الحسية عن تفكك قوى الفلك ( متى24/29) مأخوذة من اشعيا (13/10)؛ ووصف مجيء المسيح، ابن الانسان، على غمام السماء بالعزة والجلال مستعار من نبؤة دانيال  الذي يروي رؤياه :" رأيت مثل ابن الانسان اتياً على غمام السماء، وأوتي سلطاناً ومجداً وملكاً، وسلطانه ابدي لا يزول وملكه لا ينقرض ( دا7/13-14)؛ انتحاب جميع قبائل الارض عند رؤية ابن الانسان مستوحاة من نبؤة زكريا الذي ينقل ما قاله له الرب: " فينظرون اليّ انا الذي طعنوه، وينوحون كما يُناح على الوحيد، ويبكون بكاءً مراً كما يبكى على البكر، وتنوح الارض، كل عشيرة على حدتها" ( زكريا 12 /10-12)، نفخ البوق في اليوم الاخير مأخوذ من نبؤة حزقيال (7/5-12)، وسيراه يوحنا الذي عندما نفخ الملاك السابع والاخير بوقه، تعالت اصوات في السماء تقول: " صار مُلك العالمين لربنا ولمسيحه، فيملك ابد الدهور" ( رؤيا11/15).

 

2. قراءة على ضوء لاهوت الانتظار

زمن الصليب معروف بزمن الانسان في انتظار المسيح، مع اختبار عدم كفاية ( insuffisance)  الانسان لتحقيق مستقبله بحثاً عن حلّ يقود الى المسيح. الانتظار هو البحث الجدي عن حلّ لعدم الكفاية بأمل الوصول اليه. نجد عند الفيلسوف الفرنسي Blondel  في كتابه الشهير L'Action   (سنة 1893) تحليلاً فلسفياً لواقع الانتظار الذي يعبر مراحل هي بمثابة تسع موجات : في الاولى يسعى فعل الانسان الى تحقيق علاقة متناغمة مع العالم المادي، في الثانية يبني الانسان حياته الداخلية، في الثالثة يبحث عن اكتمال حياته الشخصية بحب الآخرين، في الرابعة يصبح الحب عنده ينبوعاً للحياة العائلية، في الخامسة يعزز ويغذي الحياة في جماعة، في السادسة يتوق الى تحقيق جماعة اكثر شمولية، في السابعة يندفع الى ما وارء آفاق الزمان والعالم، الى تحقيق القيم الخلقية، في الثامنةيتشوق دوماً الى تجاوز حدود المكان والزمان، في التاسعة والاخيرة يبلغ الفعل الى بعده الديني، حيث اللقاء بنعمة المسيح التي هي الحلّ.

 

في كل " مرحلة" من المراحل التسع يصبح فعل الانسان نبعاً لكمال جديد نسبي يظهر في المرحلة  اللاحقة، يغني الحياة، ويبلغ الى قيم جديدة، في مسيرة تدريجية نحو تحقيق المصير. ولكن قلما تحقق اي مرحلة الكمال، فيبقى الانسان " كائناً غير مكتمل" في كل مرحلة وفي المراحل باجمعها. ان اختبار " عدم الاكتمال" و " عدم الكفاية" يصبح مقياس الاصالة والصدق، ويجعل الانسان في رحلة حج  يريد اكتشاف عالم جديد، هو بمثابة " الفردوس" الذي يجيب على رغباته غير المحددة. غير انه لا يلقى في مسيرته الطويلة إلاّ الصحراء، ويظل في عطش لا يروى: " طوبى للجياع والعطاش الى البر" ( متى5/6).

 

لن يقع الانسان، عبر هذا المسعى، في حالة تشاؤم او يأس، بل هو مدعو للانفتاح الدائم على الرجاء والانتظار، ولو كانت الدعوة قاسية ومؤلمة بسبب عدم الكفاية وعدم الارتواء: " ظمئت نفسي الى الله، الى الاله الحي" ( مز42م3). وبذلك يجد نفسه مرغماً على اختيار الانتظار: فهو لا يستولي على المستقبل، بل ينتظر حلاً له. انه التوق الى "عالم جديد ينبع من قلب المسيح، عالم جديد يصنعه حب المسيح" .

 

من القراءة في ضوء لاهوت الانتظار يكشف نص الانجيل ثلاث حقائق:

أ- في مسيرة حجّنا نحو تحقيق المستقبل والمصير، نلقى العديد من " المسحاء والانبياء الكذبة" الذين ينطقون بالحقيقة المزورة على مختلف الاصعدة، بحيث بعض الناس يخلقون" مسيحاً على قياسهم وفقاً لافكارهم وحساباتهم الزمنية، بينما المطلوب ان نكتسب فكره لا ان نجعله كما نريد. المسيح الذي يظهر كالبرق،  يتخطى كل حجم يحجّمه. نكون من الانبياء الصادقين عندما لا نخاف من قول الحقيقة مهما كلّف القول من اضطهاد. ينبغي ان يكون الانسان نبي الله لا نبي هذا او ذاك من الرؤساء." نبي الله" ينطق بالحق الذي يريده الله، بينما " نبي الرؤساء" يقول ما يقوله الرؤساء ويفكّر كما يفكرون. لقد ردد انبياء الله: " ما يقوله لي الرب اقوله انا". لا يستطيع المسؤول ان يزوّر الحقيقة، ولا يجوز ان يرضى بالمتملقين الذين يزوّرن الحقيقة السياسية او القضائية او الاقتصادية ارضاء لهم ولمصالحهم: " صديقك من صدقك"!  أيلطم على فمه من يقول الحقيقة ويُلقى في السجن؟ ولكن هذا ما فعله احد الحرس الذي صفع يسوع على وجهه امام عظيم الاحبار عندما فاه له يسوع بالحقيقة (يو18/20-22). وصفعه بيلاطس صفعة معنوية عندما سأل يسوع عن الحقيقة وخرج فوراً من دون ان يسمعها ( يو18/38).

 

ب- "الشمس التي تظلم والقمر الذي لا يعطي ضوءه والنجوم التي تتساقط من السماء"، قبل مجيء المسيح بالمجد، علامة للخلق الجديد والعالم الجديد، تماماً كما جرى في الخلق الاول، فقبل ان يتدخل الله الخالق ويخلق ما في السماء وعلى الارض، كانت الارض خاوية خربة دون شمس وقمر ونجوم. فلكي  "يجعل المسيح كل شيء جديداً" ( رؤيا21/5)، ينبغي ان تعود الارض الى حالتها الاولى، فيكون انحلالها مخاضاً  لولادة جديدة. هكذا مجيء المسيح في حياتنا اليومية يقتضي منا موتاً عن قديم، وتوبة قلب، وتنقية داخلية، لكي تولد حياة جديدة فينا وفي مجتمعنا والوطن.

 

ج- نحيب القبائل عند رؤية ابن الانسان آتياً في مجده وتلبية النداء بصوت البوق العظيم، علامة لبكاء التوبة اسفاً وندامة، ولبكاء الفرح عند الانخراط في موكب المختارين المخلّصين.

 

3.   القديسة تقلا نموذج لعيش لاهوت الانتظار

على الرغم من غناها وجمالها وذكائها وثقافتها وخطوبتها لشاب شريف ووجيه وانتمائها الى عائلة وثنية شريفة في ايقونة، اختبرت  تقلا " عدم كفايتها"، ودخلت في مسيرة الانتظار. فاستمعت ذات يوم من سنة 45 بعد المسيح، وهي بعمر 25 سنة، الى بولس الرسول في مدينتها، فارتفعت الى قمم الروح واستنار عقلها بالحقيقة المطلقة، ووجدت الحل لعدم كفايتها، فطلبت المعمودية  وحققت مستقبلها، مكرّسة بتوليتها للمسيح  ولملكوت السماء. وعندما سألتها امها عن هذا التبدّل في حياتها، اجابت انه " ثمن اصطباغها بماء العماد المقدس وايمانها بالمسيح الذي نذرت له بتوليتها".

 

       وكان لا بدّ لها من " صبغة الدم" ومن اختبار حالة " عدم الاكتمال" ومن المرور عبر محنة اخلاء الذات. فشكوها للوالي، ورغم تهديداته، احتملت    بشجاعة وصبر وثبات عذاب النار والوحوش والسجن والثيران والحيات، فكانت تنجو وتنتصر، وعندما سئلت عن سرّ ذلك، اجابت: " انا عبدة يسوع المسيح ابن الله الحي. هو وحده الطريق والحق والحياة وخلاص من يرجونه" ( السنكسار الماروني).

 

***

 

ثانيا، الاسرة والقضايا الاخلاقية والحياة

 

       نواصل التعمق في موضوع " دولة الرفاهية" او " دولة-العناية" المأخوذ من " معجم التعابير الملتبسة والمتنازع عليها حول الاسرة والقضايا الاخلاقية والحياة".

1. يُطلب من " دولة الرفاهية" ( Welfrae State) او " الدولة-العناية" ( Etat-Providence) لكي تكون كذلك، ألاّ تهمل او تضع جانباً مهامها الاجتماعية، وألا تحدّ من مبادرات الافراد على الصعيد الاجتماعي. عندما تتدخل مثل هذه الدولة في الشأن الاقتصادي، يبقى من واجبها ان تقف عند حدود درجة التدخل. فلا يحق لها ان تجرّد القوى الفردية او الجماعية الخاصة من صلاحيتها، بل عليها ان تساعدها بالتنسيق بين نشاط الدولة ونشاط العناصر الاخرى التي يتألف منها االمجتمع، تحقيقاً للخير العام. فاذا عمدت دولة الرفاهية الى التدخل المباشر حتى تجريد المجتمع من مسؤولياته، أفضى بها الامر الى استنزاف الطاقات البشرية واستعمال الاجهزة العامة بذهنيتها البوروقراطية وما يرافقها من تضخّم في النفقات (البابا يوحنا بولس الثاني: السنة المئة،48).

       2. ولكي تكون الدولة راعية حقاً، ينبغي ان  تعتبّر الانسان محور النشاط الاقتصادي وكل النشاط الاجتماعي. كل شيء في الكون هو في خدمة الانسان. فالادوات والتقنية والتقدم العلمي وكل خيور الطبيعة تتجه الى هدف واحد هو خدمة الانسان والانسانية جمعاء. ولذا لا يجوز ابداً ان يؤدي تدخل الدولة الى عرقلة قدرات اعضاء الجماعة.

       من المؤسف ان نلحظ كيف ان الدولة تخنق الحق في المبادرة الاقتصادية، الذي هو حق مهمّ ليس فقط للافراد، بل ايضاً للخير العام. يبيّن الاختبار ان انكار هذا الحق او الحدّ منه لسبب او لآخر، يحدّ من روح المبادرة اي شخصية المواطن الخلاقّة، اذا لم نقل انه يهدمها فعلياً. لا يجوز للدولة ان تدخل في تنافس مع القطاع الخاص بشكل غير متساوٍ. اذا فعلت ذلك حدّت من طاقة الافراد الخلاّقة التي هي من أهم خيور المجتمع. فينقص بالتالي التضامن الشخصي، ويفقد العديد من الاوضاع المؤلمة مبادرات التضامن، فيما الدولة عاجزة عن معالجتها. وهكذا يبقى الحقل واسعاً بانتظار الشعور الانساني والمحبة المسيحية والاجتماعية. لن تستطيع الدولة ابداً ان تؤدي المساعدة في كل وضع وبخاصة عندما يكون الناس بحاجة الى قرب واستقبال وتفهّم.

       3. كم نأمل ان يعمل المسؤولون عندنا على اعادة اعمار دولة راعية حقاً، تبنى على هذه المبادىء! وكم ننتظر منهم ان يأتوا مجتمعنا ببرامج انمائية، على هذا المستوى، بدلاً من الاتهامات الفارغة والتخوين البغيض. وتبقى القاعدة صحيحة وهي ان الانسان يتّهم غالباً غيره في ما هي عليه، ويظن  ان غيره مثله.

       الدولة-العناية هي التي تؤمن شبكة من المؤسسات الاجتماعية توفّر الأمين والاستقرار وتضع خيرات الدنيا في متناول الجميع. وهي التي تنمّي الخدمات العائلية والثقافية والتربوية، شرط ألاّ تضع المواطن في حالة الاتكالية واللامسؤولية ورفض الخدمة (البابا يوحنا الثالث والعشرون: ام ومعلمة، 105).

 

***

ثالثاً، الخطة الراعوية لتطبيق المجمع البطريركي الماروني

 

       الخطة الراعوية في هذا الاسبوع ترتكز على الفصل الثاني من النص المجمعي الحادي والعشرين:  "الكنيسة المارونية والقضايا الاقتصادية"، وتحديداً على التيار الفكري في لبنان المتمثّل في " جعل وظيفة لبنان الاقتصادية التخصص في دور الوسيط في التجارة والخدمات بين الدول العربية والدول المتقدمة، على حساب تطوير قطاعيه الزراعي والصناعي، وعلى عدم تدخّل الدولة في الاقتصاد تاركة لآليات السوق قيادة دفة الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية" ( فقرة 18).

 

1.   كانت نتائج هذا التيار الفكري الاقتصادي ما يلي:

أ‌-     تأكيد وظيفة بيروت مركزاً لخدمات تجارية.

ب‌-      اعتبار وظيفة جبل لبنان مركزاً سياحياً.

ج- تحويل لبنان وكيانه الاقتصادي الى الدولة-المدينة والى " جمهورية" تجارية الطابع على غرار المدن اليونانية والايطالية القديمة.

 

       2. استوحى هذا التيار نظريتة من التراث الفينيقي القديم بوجهه التجاري فقط مهملاً  وجهه الادبي والشعري، علماً ان هذا التراث متعدد الجوانب ومبدع وخلاّق. ان الرؤية الفينيقية لوظيفة الكيان الاقتصادي ادّت الى تخصص لبنان في مجال الخدمات والسياحة، وانحصر الازدهار في بيروت وجبل لبنان (الفقرتان 19 و20).

 

       3. وكانت النتيجة ان حصرت الكنيسة دورها في مجال التربية والاستشفاء والاعمال الخيرية، ما خلّف  فراغاً على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي، وخلق نوعاً من الفراغ سهّل لتيارات التشنج الطائفي، وتيارات رفض التغيير الاجتماعي او رفض توسع الدولة في الشأن الاجتماعي والاقتصادي لتأمين تعادل الفرص. ثم جاء اندلاع الحرب سنة 1975، وجعل الدولة اللبنانية مهددة في وجودها واستمرارها، وسُدل الستار على اي اصلاح اقتصادي واجتماعي ( فقرة 22).

       ان الخطة الراعوية تهدف الى وعي هذا الواقع، والى المطالبة بالاصلاحات الاقتصادية والاجتماعية بدلاً من الاصطفاف العقيم في هذا او ذاك من التيارات السياسية.

 

***

صلاة

تعال ايها الرب يسوع، نحن والعالم بانتظارك هادياً وفادياً ومخلصاً. أنرنا بانوار الانجيل لنصحح نظرتنا الى العالم والتاريخ. أخرجنا من القلق، فاننا نصرخ اليك: تعال ايها الرب يسوع! ان مجتمعنا يتمخض ليولد من جديد، ساعدنا لنعبر به الى وطن يُخلص له ابناؤه، والى قيام دولة راعية للانسان فيه، ومحامية عن الاسرة في كيانها ووحدتها، فانها الخليّة الاساسية للمجتمع الجديد. اليك والى ابيك المبارك وروحك الحي القدوس نرفع كل مجد وتسبيح وشكر الآن والى الابد. آمين.


الاحد  7 تشرين الاول 2007

 

 

الاحد الرابع من زمن الصليب

الحياة وكالة من الله للخدمة

 

 

من انجيل القديس متى 24/ 45-51

قال الرب يسوع: " من هو العبد الامين الحكيم الذي أقامه سيده على أهل بيته، ليعطيهم الطعام في حينه؟ طوبى لذلك العبد الذي يجيء سيده فيجده فاعلاً هكذا‍ الحق أقول لكم: إنه يقيمه على جميع ممتلكاته. ولكن إن قال ذلك العبد الشرير في قلبه: سيتأخر سيدي ‍  وبدأ يضرب رفاقه، ويأكل ويشرب مع السكيرين، يجيء سيد ذلك العبد في يوم لا ينتظره، وفي ساعة لا يعرفها، فيفصله، ويجعل نصيبه مع المرائين. هناك يكون البكاء وصريف الاسنان".

 

زمن الصليب هو انتظار مجيء الرب في حياتنا اليومية استعداداً لمجيئه الاخير في نهاية الرحلة الشخصية على الارض، استباقاً لمجيئه النهائي في نهية الازمنة. انجيل اليوم يشرح مضمون هذا الانتظار: الانسان موكَّل من الله لخدمة الناس الذين هم عائلة الله. حياته انصراف الى هذه الخدمة بالحكمة والامانة، منتظراً مجيء الرب للثواب. اما اذا نسي حالته، كوكيل على خيرات الله، وحجبها عن الناس، وظلمهم واعتدى عليهم، كان مصيره الهلاك الابدي.

 

اولاً، شرح نص الانجيل

 

1.    الخدمة بالحكمة والامانة

يستعمل الرب يسوع في انجيل اليوم لفظة " عبد" لا خادم او وكيل، لان الاولى بيبلية. فالعبد في الكتاب المقدس هو الذي يعبد الله بالعيش في شركة حياة عميقة معه، ويصغي اليه، ويصلي له تسبيحاً وشكراً، تشفعاً واستغفاراً، ويبحث عن ارادته ويعمل بها. وهو الذي اختاره الله معاوناً في تحقيق مقاصده الخلاصية في التاريخ. ولذا، لفظة " عبد" أشمل من لفظتي " خادم" و " وكيل".

       كل انسان يأتي الى العالم هو " عبد" لله. عليه ان يبحث، بالصلاة والاصغاء والاسترشاد وقراءة علامات الازمنة، عن ارادة الله عليه، وعن دوره الخاص في تاريخ الخلاص، بل كل مسؤول في العائلة او المجتمع في الكنيسة او الدولة، هو " عبد" الله الموكّل باعطاء طعام الله للجماعة المسؤول عنها.

       يطلب من العبد- الوكيل ان يتحلّى بفضيلتي الامانة والحكمة.

       الامانة هي لله الذي وكّله، وللناس الذين ينتظرون منه حقوقهم التي ينالونها اذا هو أدى واجب حالته. يحذره الرب يسوع من استغياب الله ومن ايقاع الظلم بجماعته المدعوة " اهل بيت الله" (متى 24/46). فيحاسبه على الامانة، اما ثواباً " باقامته على جميع خيراته"، واما عقاباً "بفصله وجعله بين الهالكين".

       الحكمة هي اولى مواهب الروح القدس السبع التي تتوجها مخافة الله: " رأس الحكمة مخافة الله". هذه الفضيلة تقتضي من المسؤول ان يتصرف وفقاً لارادة الله ولنظرة الله، وان يحرص على عدم الاخلال بمسؤوليته، لكي لا يسيء الى الله. بل يجتهد في تحقيق مقاصده عاملاً من اجل مرضاته ومجده. هذه هي الحكمة المتوَّجة بمخافة الله.

 

2.    عبد الله وواجبات الحالة

 

في ضوء انجيل اليوم، لا بدّ لكل مسؤول من ان يتساءل عن مضمون وكالته، او بتعبير آخر عن واجب حالته.

رعاة الكنيسة ، الاساقفة، مؤتمنون بملء الكهنوت على خدمة النفوس التي اقتناها المسيح بدمه، متممين واجب خدمتهم، على صورة الكاهن الازلي، الراعي الصالح، بالقداسة والغيرة والتواضع والاندفاع والثبات، منصرفين الى واجب الصلاة والكرازة والتقديس والتدبير (الدستور العقائدي في الكنيسة، 41).

       الكهنة، معاونو الاساقفة في الخدمة المثلثة وهم  " اكليلهم الروحي" ( اغناطيوس الانطاكي)، مؤتمنون على مواصلة عمل الفداء بالمسيح، الوسيط الازلي الوحيد، بالانصراف الى خدمتهم اليومية في محبة الله والناس، والمحافظة على رباط الشركة، وتوفير الخير الروحي، واداء الشهادة الحية لله. يصلون ويقدمون ذبيحة الخلاص عن شعبهم وشعب الله باسره، متأملين في ما يفعلون، ومقتدين  بما يخدمون (المرجع نفسه).

       المكرسون والمكرسات، في الجماعات الرهبانية وفي العالم، يعتنقون المشورات الانجيلية، بنذور او وعود، وهي العفة الفقر والطاعة، وبها يتحررون ويحررون العالم من شهواته الثلاث، ويقفون ذواتهم كلياً على الله والكنيسة لخدمة محبة المسيح، بجعله حاضراً، معلماً وشافياً وصانعاً الخير لكل انسان، من خلال مؤسساتهم ونشاطاتهم في مختلف الاوساط والامكنة. ويكونون علامة تجتذب ابناء الكنيسة وبناتها الى اتمام واجبات حياتهم المسيحية باندفاع وفرح (الدستور العقائدي في الكنيسة،44).

       الازواج والوالدون مؤتمنون على وديعة الحب والحياة. يتعاضدون ويتساندون بالحب الدائم، بقوة النعمة الالهية، مدى العمر. ويحترمون حياة كل واحد منهم ويعززونها ويكملونها ويعملون على تحقيق الذات. ويخدمون الحياة البشرية بالانجاب معاونين الله في نقلها الى الوجود، وبتربيتها جسدياً وروحياً، ثقافياً وخلقياً، انسانياً واجتماعياً (المرجع نفسه، 41).

       العلمانيون في مختلف حالاتهم، الارامل والعازبون، العمال وارباب العمل، المعلمون والطلاب، الاطباء والممرضون، المقتدرون والاغنياء، الرازحون تحت عبء الفقر والظلم والمرض والضعف، وسواهم. جميعهم مدعوون للالتزام بواجبات حالتهم. انهم يجدون جواباً على تساؤلاتهم حول هذه الواجبات في شخص المسيح وتعليمه واعماله.

       المسؤولون السياسيون مدعوون لاستعمال السلطة الشرعية بهدف تأمين الخير العام اي " مجمل اوضاع الحياة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والخلقية والسياسية التي تمكّن الناس والعائلات والمجموعات من تحقيق ذاتهم تحقيقاً أكمل (الكنيسة في عالم اليوم،74). انها دعوة لحكم الدول وسنّ الشرائع وادارة الشؤون العامة على مختلف المستويات بالالتزام في خدمة الآخرين، والعمل بتجرد بحثاً عن خير الجميع وخير كل واحد، ولاسيما من هم اكثر حاجة، لا سعياً الى المصلحة الخاصة او الفئوية ( خطاب البابا يوحنا بولس الثاني للمسؤولين عن الحكومات ورجال السياسة في 4/11/2000 فقرة 1و2).

        ان العمل السياسي فن شديد الخطورة لما يترتب عليه من موجبات تتوزع على اربعة مستويات:

أ- تنظيم الحياة العامة في مقتضياتها اليومية ومتفرعاتها.

           ب- تنظيم الدولة في نشاطها الداخلي: ادارة واجهزة ومخططات ومشاريع في ميادين الاقتصاد والاجتماع والتشريع والثقافة، وفي نشاطها الخارجي مع الدول وما تبرمه معها من اتفاقيات ومعاهدات.

ج- تعزيز محبة الوطن وحياته وقيمه وتراثه ورموزه وتاريخه وعاداته، وتحقيق آمال ابنائه وطموحات اجياله الطالعة، وازالة هواجسهم، ودرء ما يتهددهم من اخطار.

د- تأمين الخير العام، الذي تتوفر فيه حقوق الشخص البشري وتمارس الواجبات المتعلقة بها (القرار المجمعي في الحرية الدينية،6). هذا الخير العام يشمل الجنس البشري باسره ( الكنيسة في عالم اليوم، 26).

ان مبرر وجود الجماعة السياسية، المؤلفة من شعب وسلطة ومؤسسات دستورية، هو الخير العام. فيه تجد معناها ومنه وفي سبيله تنظم مؤسساتها، وتثمّر قدراتها وثرواتها الطبيعية.

 

***

ثالثا، الاسرة والقضايا الاخلاقية والحياة

 

من " معجم التعابير الملتبسة والمتنازع فيها حول الاسرة والقضايا الاخلاقية والحياة"، نواصل النظر في موضوع " دولة الرفاهية" ( Welfare State) او " الدولة-العناية" ( Etat Providence). من النقاط الملتبسة في هذا الموضوع مفهوم " نوعية الحياة" التي تسعى الى تعزيزها الدولة- العناية.

       1. في البلدان المتطورة ينحصر مفهوم " نوعية الحياة" بوجهه المادي، النفعي، الاستهلاكي. الدولة مسؤولة عن تأمين المساعدة الاجتماعية للمواطنين والسكان، بهدف توفير "نوعية حياة لهم". نرى هذه النوعية محصورة بالرفاهية وغياب الهموم والحياة السهلة، في البلدان المتطورة.

       أما " نوعية الحياة" المطلوبة فلا تقف عند حدود الرفاهية المادية، بل ينبغي ان تشمل انماء الانسان والمجتمع، انماءً شاملاً. تكون "نوعية الحياة" متوفرة عندما يُحمى البعد الانساني والديني عند الاجيال الجديدة، كما وعند اعضاء المجتمع الكبار. ولن تكون متوفرة طالما يوجد عائلات فقيرة، وشباب لا يستطيعون ان يعيشوا في مساكن لائقة، واشخاص مسنون يُتركون لوحدهم ومعوَّقون لا تؤدى لهم المساعدة المناسبة، وطالما التمييز الديني والعرقي والسياسي قائم، والسلاح متفشي خارج اطار المؤسسات الامنية الشرعية، والمخدرات مروّجة، والجسد البشري مرهون للدعارة (الدستور الراعوي: الكنيسة في عالم اليوم، 26).

 

       2. من واجبات " الدولة- العناية" ان تؤمّن العيش الرغيد للجميع, ماذا نعني بالجميع. هل ابناء الوطن الوحيد الاصليين؟ هل الموالون للسلطة الحاكمة؟ هل المنتمون الى هذه وتلك من الطوائف او التيارات السياسية؟ ان الخير العام لا يقصي احداً لاي اعتبار او سبب، ولا ينحصر ضمن حدود جغرافية معينة. من واجب الدولة- العناية ان تُدخل في سياستها الاجتماعية مفهوم الترابط والتبادل الشاملين. فالروابط البشرية تتكاثر وتمتد شيئاً فشيئاً الى العالم كله. والخير العام، وهو يشمل الاوضاع الاجتماعية التي تسمح للمجموعات، كما ولكل واحد من اعضائها، يتخذ اليوم بعداً اكثر شمولية، وبالتالي يشمل حقوقاً وواجبات تعني الجنس البشري باسره. ينبغي لكل مجموعة ان تعنى ايضاً بحاجات المجموعات الاخرى وتطلعاتها المشروعة. وان تضع في حسابها خير العائلة البشرية بمجملها.

       نأمل من المسؤولين عندنا، لكي يكون للسلطة السياسية مبررُ، ان ينهضوا  "بدولة- العناية" التي تتحمل مسؤوليتها الاجتماعية الخطيرة، فتنصرف الى انماء الانسان والمجتمع، انماءً شاملاً. هذا فضلاً عن واجبها في تنظيم القدرات العامة وتوجيهها الى الخير العام، الذي هو خير الجميع وخير كل انسان.

 

***

ثالثا، الخطة الراعوية لتطبيق المجمع البطريركي الماروني.

 

       تواصل الخطة الراعوية تقبّل النص المجمعي الحادي والعشرين: " الكنيسة المارونية والقضايا الاقتصادية"، وتحديداً " الاصلاحات الاقتصادية والاجتماعية" منذ احداث 1958 حتى اليوم (الفقرات 23-35).

       1. يستعرض النص الاصلاحيات التي جرت ما بين 1958 و1964، في عهد الرئيس فؤاد شهاب. وهي اصلاحات أحوج ما نحتاج اليها اليوم في لبنان لكي يخرج من ازمته الاقتصادية والاجتماعية الحادّة. لقد أجراها الرئيس شهاب مستعيناً بخبراء فرنسيين ولبنانيين بقيادة الاب لويس لوبريه في وزارة التصميم الذي استلهم الرسالة العامة الشهيرة للبابا بولس السادس: " ترقي الشعوب".

       شملت الاصلاحات ثلاثة: تحديث جهاز الدولة وتطويره في المجالين الاقتصادي والاجتماعي، وتطوير البنى التحتية في جميع المناطق، وتأمين الحدّ الادنى من تعادل الفرص بين اللبنانيين ( فقرة 23). أجري مسح شامل للمناطق ووضعت الخطط الكفيلة بتأمين نمو متواصل وعادل في توزيع ثماره على كل المناطق والقطاعات الاقتصادية والشرائح الاجتماعية. قامت صعوبات واجهت تطبيقها، فكان لا بدّ من العمل تدريجياً على ولادة حسّ مدني واقامة انصهار وطني حقيقي (فقرة 24).

 

2. هدفت الاصلاحات الشهابية الى تطبيق سياسة اعادة البناء والاصلاح بالارتكاز الى مبدأين رئيسين: التضامن الاجتماعي وبناء الدولة.

على صعيد التضامن الاجتماعي، عملت الاصلاحات على ازالة الفقر الريفي وعدم التوازن المناطقي، بجرّ المياه ومدّ شبكات الكهرباء، وتطوير مرفأ بيروت واقامة معرض طرابلس الدائم، وانشاء سلسلة من المدارس الرسمية والمستوصفات وتطوير الجامعة اللبنانية، واستصلاح الاراضي بموآزرة المشروع الاخضر، وانشاء مكتب الفاكهة ومكتب الحرير، وتأسيس الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، وانشاء مكتب الانعاش الاجتماعي.

 وعلى صعيد بناء الدولة، اُنشئت مؤسسات كبرى هي: المصرف المركزي، مجلس الخدمة المدنية، هيئة التفتيش الكبرى، ومجلس تنفيذ المشاريع الكبرى لمدينة بيروت ( فقرة 24).

 

3. فجّرت احداث 1975 الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية ( فقرة 25 و26). وكانت سياسة اعمار جديدة ركّزت على ثلاثة: مشاريع البنية التحتية العالية الكلفة والمحصورة في بيروت وجبل لبنان، فتح باب التعويض للمهجرين بمعايير عشوائية، وسياسة نقدية اعتمدت الفوائد العالية للغاية. لقد اهملت سياسة الاعمار احياء القدرات الانتاجية في الميدانين الصناعي والزراعي، كما احجمت عن مساعدة اللبنانيين في تأمين قدرة تنافسية لمنتوجاتهم في هذين القطاعين، مع التطورات العلمية السريعة التي حصلت في العالم العربي والغربي، وانتشار حركة العولمة ( فقرة 27). ادّت سياسة الاعمار هذه الى نتائج سلبية كبيرة تعددها الفقرات 28-31.

 

4. واجهت الكنيسة المارونية الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية الحاضرة بايقاظ الوعي بالتعليم من خلال عظات السيد البطريرك وبيانات السادة المطارنة، وبمبادرات انمائية على المستوى الاجتماعي والثقافي والاستشفائي والانمائي بواسطة المؤسسات الكنسية البطريركية والابرشية والرهبانية (الفقرات 32-34).

***

صلاة

ايها الرب يسوع، لقد أوكلت الينا الحياة والخدمة الاجتماعية، وجعلتنا لك وكلاء على اسرار الله وعلى خيرات الدنيا، اعطنا ان نؤدي الخدمة بحكمة وامانة. اننا على موعد دائم مع مجيئك اليومي في حياتنا، عبر نداءات المجتمع الروحية والاجتماعية والاقتصادية، تطلب منا موقفاً ومبادرات لتلبية الحاجات الكثيرة. ساعدنا، بشفاعة امنا مريم العذراء، في هذا الشهر المخصص لتكريم ورديتها، لكي نرى وجهك كما رأته هي، وان نجعله حاضراً في اعمالنا وشهادة حياتنا. لك المجد والشكر مع ابيك المبارك وروحك الحي القدوس الى الابد، آمين.


 

الاحد  14 تشرين الاول 2007

 

الاحد الخامس من زمن الصليب

الحياة التزام وانتظار تجليات الله

 

 

من انجيل القديس متى 25/ 1-13

قال الرب يسوع: " يُشبه ملكوت السماوات عشر عذارى أخذن مصابيحهن وخرجن الى لقاء العريس، خمسٌ منهن جاهلات، وخمسٌ حكيمات. فالجاهلات أخذن مصابيحهن ولم يأخذن معهن زيتاً. أما الحكيمات فأخذن زيتاً في آنية مع مصابيحهن. وأبطأ العريس فنعسن جميعهن، ورقدن. وفي منتصف الليل، صارت الصيحة: هوذا العريس اخرجوا الى لقائه حينئذ قامت أولئك العذارى كلهن، وزيّنّ مصابيحهن. فقالت الجاهلات للحكيمات: أعطيننا من زيتكن، لأن مصابيحنا تنطفىء. فأجابت الحكيمات وقلن: قد لا يكفينا ويكفيكن. إذهبن بالاحرى الى الباعة وابتعن لكنّ. ولمّا ذهبنّ ليبتعنّ، جاء العريس، ودخلت المستعدات الى العرس، وأغلق البابا. وأخيراً جاءت العذارى الباقيات وقلنّ: يا ربُ، يا ربُ، افتح لن، فأجاب وقال: ألحق أقول لكنّ، إني لا اعرفكنّ. إسهروا إذاً، لأنكم لا تعلمون اليوم ولا الساعة".

 

       في المسيرة نحو ملكوت الله، نحو النهايات التي نتأملها في زمن الصليب، يكشف الرب يسوع ان الحياة دعوة الى عرس الخلاص، ينبغي الاستعداد له، وان هذه الدعوة تعاش في الالتزام بموجبات الحالة الشخصية. هذا يقتضي منا ان نوجّه عقلنا وقلبنا الى المسيح وصليبه الذي هو علامة محبة الله ورحمته. فقد تجلت محبة الله ورحمته في التاريخ واتخذت شكلاً واسماً هو يسوع المسيح (البابا يوحنا بولس الثاني: فادي الانسان، 9).

***

اولاً، شرح نص الانجيل

 

1.    الحياة دعوة الى عرس الخلاص

المثل الانجيلي يأخذ صورة العرس ليكشف ان الحياة كلها دعوة الى عرس الخلاص. يدخل قاعة العرس العذارى الحكيمات، النفوس او الاشخاص الذين استعدوا وسهرواعلى موجبات حالتهم الشخصية. ويُطرح خارج قاعة العرس الخلاصي العذارى الجاهلات، الاشخاص الذين لم يستعدوا واهملوا موجبات حالتهم.

العريس الاتي هو يسوع المسيح. لقد دخل عالم البشر بتجسده منذ الفي سنة، مهيئاً لجميع الناس عرس الخلاص وداعياً اليه وتاركاً له الوسائل اللازمة: نور الانجيل ونعمة الاسرار ومحبة الكنيسة. وهو في دخول دائم الى حياة كل انسان  لخلاصه بفيض من محبة الآب وبقوة الروح القدس وحلوله. هذا ما عناه بولس الرسول بقوله: " المسيح هوهو امس واليوم والى الابد" ( عبرانيين 13/8). وسيدخل بالبشرية الى قاعة الخلاص الابدي، الارض الجديدة والسماء الجديدة (رؤيا21/1)، في نهاية الازمنة.

قال الرب يسوع عن نفسه: " انا البداية والنهاية، الالف والياء" (رؤيا21/6)، للدلالة على هذا الدخول المثلث في عالم البشر:الدخول التاريخي بالتجسد والفداء، والدخول السري بمنح ثمار هذا التجسد والفداء لكل مستعد، والدخول النهيوي بمجيئه الثاني بالمجد  دياناً، مثيباً بالخلاص او معاقباً بالهلاك الى الابد. انها محطات ملكوت الله، اي لقاء الله بالانسان والدخول الى قاعة عرس الخلاص. بتجسد الكلمة الالهي بدأ ملكوت الله كزرع، فكانت الكنيسة جماعة اللقاء بالله الثالوث، تجمعها " محبة الآب ونعمة الابن وشركة الروح القدس" (2كور13/13؛ نافور القداس الماروني)؛ ويتحقق هذا الملكوت في حياة كل انسان بقبول حقيقة الانجيل والسير في هدي نوره، وبالولادة الجديدة بواسطة نعمة الاسرار للحياة الالهية والسير في موكب العرس برعاية الكنيسة؛ ويكتمل الملكوت بانتهاء التاريخ عندما يعود المسيح فادي الانسان فيسلّم الملك كله لله الآب، في نهاية الازمنة، بقيامة الموتى والدينونة العامة. هذه هي صورة العرس في المثل الانجيلي.

 

2.    مفاهيم مًثًل العرس

 

يُقسم الحدث الى اثنين: الاول حالة انتظار مجيء الرب في حياتنا، الثاني، مجيئه والنتائج، ثم العبرة بالسهر والانتظار.

العريس هو المسيح. العذارى هم جميع الناس، على مدى اجيال التاريخ، المدعوين الى وليمة عرس الخلاص. الحكيمات هم الذين لبوا الدعوة واستمروا امناء لها بسهرهم عليها، واستعدوا لها متممين اعمال حالة حياتهم الخاصة. الجاهلات هم الذين لبوا الدعوة لكنهم لم يكونوا امناء، فاهملوها، ولم يستعدوا لها بالالتزام بموجبات حالتهم الشخصية. المصابيح هي العقل لمعرفة حقيقة الخلاص الموحاة بالمسيح، والارادة للالتزام بعيش هذه الحقيقة الخلاصية ومقتضياتها،والقلب لمحبة الله والناس وهي ملء الخلاص. الزيت هو الفضائل الالهية: الايمان للعقل، والرجاء للارادة، والمحبة للقلب، ومواهب الروح القدس السبع التي تشدد العقل والايمان بالحكمة والمعرفة والعلم، وتشدد الارادة والرجاء بالمشورة والقوة، وتشدد القلب والمحبة بالتقوى ومخافة الله ( اشعيا11/2). ابطاء العريس هو جهل موعد قدومه في حياتنا اليومية، عند ساعة موتنا، وفي نهاية العالم. النعاس والرقاد هو التعب والرتابة ومصاعب الحياة وصمت الله وحالة النفق.

 انتصاف الليل والصيحة هما لحظة مجيء الرب الحاسمة: " صارت الصيحة: " هوذا العريس آتٍ". انها لحظة النداء الالهي التي يتم فيها موعد قدومه. انها صيحة نداء الانجيل والهامات الروح القدس وتعليم الكنيسة والتربية العائلية وصوت الضمير وحاجات المجتمع واحداث الحياة اليومية. تهيئة المصابيح هي الاستعداد الدائم والجاهز للقاء الرب الآتي، من خلال الالتزام بواجبات الحالة الشخصية. لا أحد يحل محلّ احد، فالالتزام عمل شخصي؛ هذا معنى رفض الحكيمات اعطاء الجاهلات من زيتهن: " ربما لا يكفينا ويكفيكن". ذهاب الجاهلات لابتياع الزيت وعودتهن بعد وصول العريس واقفال باب قاعة العرس، يعني ان الزمن السابق لمجيء المسيح الرب حاسم ولا يعوض. ما يمكن فعله قبل مجيئه لا يمكن فعله من بعده. هذا هو معنى التاريخ، والتاريخ اليومي من حياتنا وحياة البشر: “  اسهروا لانكم لا تعلمون ذلك اليوم ولا تلك الساعة" ( متى 25/13). دخول المستعدات الى قاعة العرس هو البلوغ الى الخلاص في هذه الدنيا وفي الآخرة.

امام هذه اللوحة الانجيلية لا بد من فحص ضمير وجداني وشخصي لاعادة قراءة مسيرة حياتي الشخصية، ولتحديد الالتزام بواجبات حالتي، وبما تقتضيه مسؤوليتي في العائلة والكنيسة والمجتمع.

 

*** 

ثانياً، الاسرة والقضايا الاخلاقية والحياة

 

نتناول موضوع " دولة الرفاهية" ( Welfare State) او " الدولة-العناية" ( Etat Providence) المأخوذ من " معجم التعابير الملتبسة والمتنازع فيها حول الاسرة والقضايا الاخلاقية والحياة"، من ناحية مسؤولية الدولة تجاه حفظ التوازن بين السكان المساهمين في الانتاج الوطني واؤلئك المستفيدين من تقدمات الدولة.

يُطرح الموضوع في البلدان المتطورة من ناحية نسبة الانجاب، التي هي في انحدار دائم، ما يجعل واقع السكان فيها مؤلفاً من كثرة المسنين البالغين من العمر ما يفوق الخامسة والستين- وهم المستفيدون من تقدمات الدولة، وقلة المنتجين البالغين من العمر ما دون الرابعة والستين، وهم المنتجون.

لا تستطيع دولة –العناية ان تهمل هذا التغيير في طبيعة السكان. وفيما تعنى بحفظ انواع النبات والحيوان من الانقراض بشتى الوسائل، كيف تهمل حفظ الجنس البشري بمواجهة مشكلة عدم الانجاب او قلته؟ ينبغي ان تتضافر جهود الدولة والكنيسة في سبيل الانجاب والعيش الكريم. من واجب الدولة وضع سياسة اجتماعية وعائلية تمكّن الازواج من تحمل مسؤولية الانجاب، ومن واجب الكنيسة تثقيف ضمائر المتزوجين على اخلاقيات مسؤولية الابوة والامومة (الدستور الراعوي: الكنيسة في عالم اليوم، 87).

لا يجوز ان يصبح الانجاب معضلة تقف حيالها الدولة من دون مبادرات. لا يجوز ان تطغى الروح الفردية والنفعية والاستهلاكية على قيمة الحياة البشرية. ولا يجوز ان تقاس الحياة البشرية من ناحية العيش برفاهية، على حساب اعتبارها هبة بحاجة الى انماء وفقاً لدعوتها الشخصية الخاصة.

ولا يجوز ان يُعتبر انجاب ولد مشكلة اجتماعية وعبئاً اقتصادياً وتربوياً، بل يجب اعتبار كل ولد يولد ثروة رجاء لحفظ عنصر الشباب في المجتمع، وهبة ثمينة للعائلة.

خادم الله البابا يوحنا بولس الثاني، في رسالته العامة "السنة المئة" ( اول ايار 1991) يدعو الى  حماية " البيئة البشرية" ( الايكولوجية البشرية) التي هي العائلة المبنية على الزواج والانجاب. ففي العائلة يتلقى الانسان أولى المبادىء الاساسية المتصلة بالحق والخير، ويتعلم معنى الحب، حبه للاخرين وحب الاخرين له، وبالتالي كيف يكون الانسان في الواقع انساناً. ان تبادل العطاء بين الرجل والمرأة، في الزواج والعائلة، يخلق محيط حياة يستطيع الولد ان يولد فيه، ويُنمي طاقاته، ويعي كرامته، ويتأهب لمواجهة ما يتعارض ومصيره فريد" ( عدد39).

 

3. يطرح الموضوع عندنا في لبنان من ناحيتين: الاولى، مشكلة الكثرة من المستفيدين من تقدمات الدولة الذين لا يؤدون واجب الضرائب والرسوم لتغطية النفقات العامة، والقلة من المساهمين في الرسوم والضرائب، ما يجعل " دولة-العناية" عاجزة عن تقديم الخدمات العامة كالكهرباء والماء وسواها. الثانية، مشكلة الهجرة، بسبب عدم توفر فرص العمل والامن والاستقرار السياسي والاجتماعي، التي تحرم العائلة من قواها الحية والفتية، وتترك في البلاد عائلات متقدمة في السنّ مع ما ينتج عن هذا الواقع من اوضاع نفسية واجتماعية مؤلمة.

لا يستطيع المسؤولون السياسيون التمادي في خلق الازمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وفي تعطيل دور الدولة وقدراتها، وهذا ما يتسبب بالمشكلتين المذكورتين. فينبغي ان يدرك الشعب حقوقه ويطالب بها، وواجباته ويلتزم بادائها.

***

ثالثاً، الخطة الراعوية لتطبيق المجمع البطريركي الماروني

 

       تواصل الخطة الراعوية تقبّل النص المجمعي الحادي والعشرين: الكنيسة المارونية والقضايا الاقتصادية، وتحديداً الفصل الثالث: تطلعات مستقبلية واقتراحات.

 

       1. ينطلق الاصلاح الاقتصادي والاجتماعي من ادانه الممارسات المالية والاقتصادية والاجتماعية التي ادّت الى تفشي الفساد وسوء الاخلاق وحصر الثروات بشكل هائل في ايدي عدد محدود من المواطنين. كما ينطلق من العودة الى المبادىء والقيم الاخلاقية في الحياة الاقتصادية التي توجهها الى غاية الغايات، الى الله الذي هو لنفسه ولنا الخير الاسمى الذي لا ينضب. وواقعياً يرتكز الاصلاح على تحقيق اللامركزية الادارية، والتنمية المتوازنة بين كل المناطق اللبنانية، والتعاضد الاجتماعي من اجل بناء وطن المستقبل (الفقرات 36-40).

 

2. ويبدأ الاصلاح من تعديل النظام الضريبي في لبنان ليكون عادلاً وفاعلاً. فيوجب على الفئات الميسورة دفع ما يتوجب عليها من ضريبة مباشرة على المداخيل، ويحدّ من تهرّبها من هذا الواجب، ومن هيمنة مصالح ذوي الارصدة المالية الكبيرة او الممتلكات العقارية على النظام الاقتصادي، مما يعرقل النمو الاقتصادي وخلق فرص العمل. ويخفف هذا التعديل من الاعباء الضريبية عن عاتق الفئات المحددة الدخل، وهي اعباء ترتكز على الضرائب غير المباشرة (الفقرات 41-42).

 

3. ويرتكز الاصلاح على تصويب السياسة النقدية ومواجهة قضية الدين العام. ذلك ان نهضة لبنان الاجتماعية والاقتصادية مرتبطة بايجاد الحلول لقضيتي السياسة النقدية والدين العام، وبتغيير المسلك الاقتصادي والمالي والنقدي الذي اصاب المجتمع اللبناني باضرار جسيمة (الفقرة 43).

 

***

 

صلاة

 ايها الرب يسوع، انت الذي تأتي كل يوم في حياة كل انسان لخيره وخلاصه وسعادته، ألهمنا بانوار روحك القدوس لنكون ساهرين ومتأهبين لوعي مجيئك عبر احداث حياتنا اليومية، ومن خلال قراءة علامات الازمنة. ساعدنا لنحافظ على العائلة وقيمة الحياة البشرية ونضارة المجتمع. نوّر المسؤولين عن الشأن العام لكي يجروا الاصلاح الاجتماعي والاقتصادي اللازم على اساس الشريعة الاخلاقية ومبادىء العدالة والتضامن الاجتماعي. انت الذي يجب لك ولابيك وروحك القدوس كل الشكر والاكرام الآن والى الابد. آمين.


الاحد  21 تشرين الاول 2007

 

الاحد السادس من زمن الصليب

 مؤتمنون على مواهب وعطايا للخير العام

 

من انجيل القديس متى 25/ 14-31

قال الرب يسوع: " يشبه ملكوت السماوات رجلاً أراد السفر، فدعا عبيده، وسلّمهم امواله. فأعطى واحداً خمس وزنات، وآخر وزنتين، وآخر وزنة واحدة، كلاً على قدر طاقته، وسافر. وفي الحال مضى الذي أخذ الوزنات الخمس، وتاجر بها فربح خمس وزنات أخرى. وكذلك الذي  أخذ الوزنتين ربح وزنتين أخريين. أما الذي أخذ الوزنة الواحدة فمضى وحفر في الارض، وأخفى فضة سيده. وبعد زمان طويل، عاد سيد أولئك العبيد، وحاسبهم. ودنا الذي أخذ الوزنات الخمس، فقدم خمس وزنات أخرى قائلاً: يا سيد، سلمتني خمس وزنات، وهذه خمس وزنات أخرى قد ربحتها! قال له سيده: يا لك عبداً صالحاً وأميناً! كنت أميناً على القليل، سأقيمك على الكثير: أدخل الى فرح سيدك! ودنا الذي أخذ الوزنتين فقال: يا سيد، سلمتني وزنتين، وهاتان وزنتان أخريان قد ربحتهما. قال له سيده: يا لك عبداً صالحاً وأميناً! كنت أميناً على القليل، سأقيمك على الكثير: أدخل الى فرح سيدك! ثم دنا الذي أخذ الوزنة الواحدة وقال: يا سيد، عرفتك رجلاً قاسياً، تحصد من حيث لم تزرع، وتجمع من حيث لم تبذر. فخفت وذهبت وأخفيت وزنتك في الارض، فها هو مالك! فأجاب سيده وقال له: يا عبداً شريراً كسلان، عرفت أني أحصد من حيث لم أزرع، وأجمع من حيث لم أبذر، فكان عليك أن تضع فضتي على الطاولة الصيارفية، حتى اذا عدت أسترجع ما لي مع فائدته. فخذوا منه الوزنة وأعطوها لمن له الوزنات العشر. فكل من له يعطى ويزاد، ومن ليس له يؤخذ منه حتى ما هو له. وهذا العبد الذي لا نفع منه أخرجوه والقوه في الظلمة البرانية. هناك يكون البكاء وصريف الاسنان".

 

       لاهوت الانتظار، الذي يشكل زمن الصليب، يشمل محاسبة الله لكل واحد منا عما وضع بين يديه من مواهب وامكانيات معروفة " بالوزنات"، فأعطى واحداً خمساً، وآخر اثنتين، وآخر واحدة، لكي يثمّرها في خدمة الجماعة، ذلك ان كل واحد منا بحاجة الى غيره. هذه المحاسبة يجريها الله معنا، في حياتنا اليومية، من خلال فحص الضمير، وفي محطات اخرى مثل الرياضات الروحية السنوية. وسيجريها عند موتنا، ساعة نحضر امامه لتأدية الحساب، فننال إما الثواب: " يا لك عبداً صالحاً واميناً. وجدت اميناً على القليل، فأقيمك اميناً على الكثير. ادخل فرح سيدك" ( متى25/21 و23)، واما العقاب: " العبد البطال اخرجوه الى الظلمة البرّانية. هناك البكاء وصريف الاسنان"  (متى25/30). في ضوء لاهوت الانتظار، الموت موعد اللقاء مع الله لتأدية الحساب الاخير، وعلى اساسه يكون إما الخلاص الابدي إما الهلاك. ولهذا قيل: " الموت هو المستقبل بامتياز" ( Martin Heidegger ).

 

***

 

 

اولاً، شرح نص الانجيل

 

1.   المواهب المتنوعة

 

المجتمع البشري جماعة اشخاص مرتبطين عضوياً بمبدأ وحدة تفوق كل واحد منهم، على اساس من الشركة والتقاسم. نعني بالشركة العلاقة الشخصية، الانسانية والروحية والاجتماعية، التي تحاك كل يوم بين اعضاء المجتمع الواحد. ونعني بالتقاسم تبادل خيرات الارض الروحية والمادية والثقافية. لا احد يعيش لنفسه، ولا احد يحتفظ بما يملك لنفسه. بسبب الشركة والتقاسم، يقام كل انسان وريثاً، يقبل من الله مواهب او وزنات تغني هويته ، وتوجب عليه تثميرها وانماءها، وتوظيفها في خدمة الغير والجماعة (الكنسية في عالم اليوم، 25؛ التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية،1880).

الكنيسة ايضاً جماعة منظمة عضوياً وتراتبياً، مثل الجسد البشري. فانها جسد المسيح السرّي، على ما يقول  بولس الرسول: " انتم جسد المسيح واعضاؤه، كل واحد في مكانه. ان الله وضع في كنيسته الرسل اولاً، وبعدهم الانبياء، وبعدهم المعلمين، وبعدهم صانعي المعجزات، وبعدهم مواهب الشفاء والمعاونين والمدبرين وانواع الآلسنة" ( 1كور12/27-28). ويتكلم عن تنوع المواهب التي يوزعها الروح القدس: " انواع المواهب والخدمات موجودة غير ان الروح واحد والرب واحد. فكل واحد يعطى من الروح ما ينفعه: واحد يعطى كلام الحكمة، وآخر النبوءة، وآخر تمييز الارواح، وآخر انواع الآلسنة، وآخر ترجمة الالسنة، هذه جميعها انما يفعلها الروح الواحد، ويقسّمها على كل أحد كما يشاء"  (1كور12/4-11).

من الواضح ان  لكل واحد كرامته ودوره ومكانه في المجتمع البشري وفي الجماعة الكنسية، من خلال موهبته، أخمس وزنات كانت ام اثنتين ام واحدة. وهكذا يصبح كل واحد منا ليس فقط نافعاً بل وحيداً وضرورياً. من هذا المنطلق يزول التزاحم والحسد، ويسقط مبدأ " قم لأجلس مكانك". فالحسد والتزاحم يهدمان الجماعات، ويسببهما جهل الموهبة الخاصة وعدم الايمان بها كفاية. الجماعة البشرية، زمنية كانت ام روحية، تبنى وتنمو على المواهب المنظمة والمميزة من السلطة المسؤولة. من اولى واجبات السلطة ان تميّز المواهب وتحكم في اصالتها، وتفسح بالمجال لتثميرها لخير الجماعة، وفق ارادة الله الذي وزّعها حسب اصحابها، ويحاسب السلطة عليها ( الدستور العقائدي في الكنيسة 12).

المواهب هبة من الله، وهي متنوعة: منها العادية ومنها الخارقة العادة، ومنها الطبيعية والفائقة الطبيعة، ومنها الجسدية والخلقية والروحية. لا تعطى المواهب من اجل التباهي او التسلط او لاحراز مكانة اجتماعية، بل من اجل الكرامة الشخصية وخدمة الجماعة. ويقال لها carisma ( كاريسما) مثل فن الشعر والخطابة والتمثيل والرسم والكتابة والادارة والنحت وما شابهها. نذكر " كاريسما" البابا يوحنا بولس الثاني في التواصل مع الشعوب بمختلف لغاتهم وعاداتهم وتقاليدهم، و" كاريسما" الطوباوية الام تريزا في محبة فقراء العالم، و " كاريسما" المكرم الاب يعقوب حداد الكبوشي في محبة المعاقين والمتألمين، اكليروساً وعلمانيين من جميع الاديان والشعوب.

 

 

 

2.   المواهب والمجتمع البشري

 

بما ان الشخص البشري ذو بعد اجتماعي من طبعه فان الاسرة، على مختلف اصعدتها الدموية والوطنية والدولية، هي الاكثر تناسباً مع الطبيعة البشرية في هذا البُعد. ولهذا، المجتمعات البشرية ضرورية لكي يعيش الانسان بعده الاجتماعي، فيساهم الجميع من خلال مواهبهم وخدماتهم الخاصة في السعي لبلوغ الاهداف المشتركة التي تتجاوز الامكانات الفردية.

من هذا الواقع النابع من الطبيعة البشرية، قامت تجمعات ورابطات وجمعيات ومؤسسات ونقابات واحزاب واندية وما شابهها، ذات اهداف اقتصادية وثقافية واجتماعية وسياسية ورياضية ومهنية وترفيهية، محلياً واقليمياً ودولياً. غايتها تعزيز مشاركة العدد الاكبر من الناس في الحياة الاجتماعية، وتنمية المواهب الشخصية، وتحقيقها بمبادرات ومسؤوليات، وحماية الحقوق الخاصة والعامة (التعليم المسيحي،1882).

       ان السلطة السياسية مؤتمنة على الخير العام، بحيث تمكّن المواطنين والعائلات والمجموعات من تحقيق ذواتهم تحقيقاً اكمل، وتوفر مجمل اوضاع الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية والفنية التي تؤمّن الخير العام (الكنيسة في عالم اليوم،74). وعلى هذا الاساس، " مدعوة هي السلطة السياسية للعمل بتجرد بحثاً عن خير الجميع وخير كل مواطن، ولاسيما من هم اكثر حاجة، لا عن المصلحة الخاصة او الفئوية، فيما تحكم الدولة وتسنّ الشرائع وتدير الشؤون العامة" ( خطاب البابا يوحنا بولس الثاني الى المسؤولين عن الحكومات ورجال السياسة في 4/11/2000، فقرة 1 و2).

       من مقتضيات العمل السياسي، الكفيل بتأمين الخير العام ومشاركة المواطنين فيه،  فضيلتان اجتماعيتان هما العدالة والتضامن.

 " العدالة هي السعي الى خلق اوضاع مساواة وتكافؤ فرص بين المواطنين، وليس فقط ان تعطي كل ذي حق حقه. والعدالة تقتضي العمل على ألا يصبح الاغنياء اكثر غنى، والفقراء اكثر فقراً، ولاسيما في زمن العولمة.

 والتضامن هو الشعور بأننا كلنا مسؤولون عن كلنا، والضمانة للانتصار على الانانية، وللانفتاح على الخير العام، على مستوى الاشخاص والدول. ( المرجع نفسه، فقرة2و3).

      

            

3.   المواهب والكنيسة

 

يشارك المسيحيون في حياة الكنيسة ورسالتها، وفي مهمة التعليم والتقديس والتدبير بحكم معموديتهم التي تشركهم في رسالة المسيح النبوية والكهنوتية والملوكية. هذه المشاركة حق لهم لا ينتزعه منهم احد، وواجب عليهم لا يحق لهم التخلي عنه ( انظر الدستور العقائدي " في الكنيسة، 34-36؛ العلمانيون المؤمنون بالمسيح،14؛ رجاء جديد للبنان، 113). انهم ينالون القوة والنور، في ممارسة حقهم وواجبهم، من سرّ الميرون بحلول الروح القدس وما يوزع عليهم من مواهب (1كور12/1-10و28-31). ويتفانون في البذل والعطاء بفضل القربان. انهم بذلك ينتمون الىالكنيسة- السرّ: " انا الكرمة وانتم الاغصان"، ويحيون في  الكنيسة – الشركة: " من يثبت فيّ واثبت فيه يأتي بثمر كثير"، ويعملون في الكنيسة – الرسالة: " انا اخترتكم واقمتكم لتذهبوا وتأتوا بثمار" ( يوحنا 15/1-16) ( انظر العلمانيون المؤمنون بالمسيح،8-44).

يبقى على الكاهن في رعيته والاسقف في ابرشيته ان يقرّا بهذا الحق وان يشجّعا على ممارسة هذا الواجب، وان يعدّا العلمانيين بالتثقيف والتوجيه للقيام بدورهم، وان يسندا اليهم المهام الملائمة لمواهبهم وامكانيتهم وكفاءاتهم (المرجع نفسه، 14). تشكل الرعية النوذج الرائع للرسالة الجماعية, لانها تضم في الوحدة كل ما فيها من تنوع العناصر البشرية، وتدرجها في جامعية الكنيسة، بفضل مجالسها وهيكليتها ولجانها وتجمعات المؤمنين والمنظمات الرسولية. تكون الرعية وفية لدعوتها ورسالتها، وتجسّد واقعياً كنيسة المسيح الجامعة، اذا كانت " المكان"  الصالح لعيش شركة المؤمنين، و " العلامة" لهذه الشركة، و " الاداة" للدعوة اليها وتحقيقها (المرجع نفسه،27). هذا القول عن الرعية ينطبق على الابرشية بشكل أولى.

ولا بدّ من الاهتمام اهتماماً خاصاً بدور الشبيبة في الرعية والابرشية، بمساعدتهم في وعي مواهبهم وتنميتها وممارستها. فالشباب، حسب تسميات خادم الله البابا يوحنا بولس الثاني: " قوة التجدد في الكنيسة والمجتمع"، و " حراس الصباح"، و " امل الكنيسة"، و " ثروة لبنان" ، و " وعمرهم عمر اللقاء بالمسيح والكنيسة، وعمر البطولة في القرار".

انجيل الوزنات دعوة الى المحاسبة. نحن نحاسب ذواتنا بفحص الضمير اليومي. الجماعات الكنسية تحاسب نفسها ومسؤوليها في المجامع والرياضات الروحية. الشعب يحاسب نوابه بالانتخابات، والبرلمان كسلطة تشريعية يحاسب الحكومة ويسائلها لكونها السلطة الاجرائية، والرئيس يحاسب الجميع حول الامانة للدستور والخير العام. والمسيح الفادي يحاسب جميع الناس والشعوب على نعم الخلق والفداء والتبرير.

 

****

 

ثانياً، الاسرة والقضايا الاخلاقية والحياة

 

       من " معجم التعابير الملتبسة والمتنازع فيها حول الاسرة والقضايا الاخلاقية والحياة"، نختار موضوعاً ملتبساً هو " اختيار الشر الاصغر".

1. هو تعبير ملتبس لانه اولاً يخلط بين القيم والخيور الاخلاقية من جهة، والخيور الاخرى من جهة ثانية، من مثل الخيور الاقتصادية والصحة والرفاهية والحياة. ولانه ثانياً لا يميّز بشكل ملائم بين النتائج الحسنة والسيئة الصادرة عن فعل ما، وبين جودة الخيار نفسه وفساده. ولانه ثالثاً يخلط بين ما هو " واجب" وبين ما هو فقط " احسن"، ذلك انه يعتمد لفظة " من المفضّل".

يطبّق مبدأ او برهان الشر الاصغر في مختلف الحقول: السياسة والقانون والاخلاق. يعتمد مثلاً في التشريعات البرلمانية لنزع صفة الجرم والعقوبة عن الاجهاض والموت الرحيم وتعاطي المخدرات. في ضوء هذا المبدأ، يكون الاقرار بالاجهاض او بالموت الرحيم او بالمخدرات انه شرّ على المستوى الاخلاقي، لكنه يُسمح به ويشرّع "كشر اصغر"، بالنسبة الى التشريع القائم المنوي تعديله. وهكذا تُبرّر شريعة سيّئة لكنها أحسن من سابقتها لكون هذه اكثر سوءاً، بغية الحدّ من النتائج السيّئة. لكن تطبيق مبدأ الشر الاصغر في هذه الحالات شرٌ ادبي بحد ذاته، ولا يمكن القبول به. وهذا هو جوهر الالتباس.

 

2. ان لمبدأ الشر الاصغر"  بعدين: بُعد شخصي مرتبط بالضمير، وبُعد اجتماعي مرتبط بالقرار  الجماعي. في البُعد الشخصي يُطبّق المبدأ في الاوضاع المتعلقة باحداث الضمير: يكون القرار سيئاً لكنه مباح اذا لم يكن مخالفاً لتعليم الكنيسة والنظام الطبيعي الاخلاقي. وفي البُعد الاجتماعي يُطبّق خيار الشر الاصغر من بين الشرور التي تطال المجتمع بشكل حتمي، شرط ألاّ يكون القرار سيئاً بحد ذاته، كما هو مثلاً قرار تشريع الاجهاض والموت الرحيم اللذان هما شران على المستوى الاخلاقي. يُسلَّم بالشر الاصغر الادبي اذا لم ينتج عنه ضرر للغير او للخير العام. مثلاً في حال وفاة شخص عزيز على نسيب له عجوز او مريض ويسأل عنه، فيقال له انه مريض او مسافر، لاخفاء حقيقة موته، يكون الكذب هنا شراً اصغر مباحاً. نقول في العامّية ط كذبة بيضاء".

 

3. " مبدأ اختيار الشر الاصغر" هو بحد ذاته تبرير واضح من حيث الالفاظ اي: بوجه عدة شرور حتمية، يجب اختيار الاقل شراً. لكنه تعبير ملتبس في تفسير ما هو شر وما هو اقل شراً، وفي استعمال المبدأ.

في معناه الواسع، مبدأ الشر الاصغر هو تفضيل أوسماح أواختيار الشر الاصغر، بين عدة شرور حتمية، بغية تجنب الاسوأ. في اطار هذا المفهوم، الشر الاصغر هو كذلك بالنسبة لنتائج قرار كان من الواجب اتخاذه في وضع لا مناص منه.

اما في معناه الضيّق، مبدأ الشر الاصغر يعني ضرورة الحسم بين حلول كلها سيئة، ولا مجال لاي خيار آخر غير ما هو لصالح الحلّ الاقل سوءاً. هذا المفهوم يتعلق بالقرار بحد ذاته، الذي يشكّل اشكالية، لان اي قرار آخر سيكون سيئاً.

ان تطبيق مبدأ الشر الاصغر، في اي من المعنيين الواسع او الضيّق، له حدود خلقية مرتبطة  "بمطلبات اخلاقية"، وبافعال غير اخلاقية بحد ذاتها. نبّه بولس الرسول بانه "لا يُصنع الشر للحصول على الخير" ( روم3/8). ونبّه اغسطينوس الى ان " خيار الشر هو اكبر الشرور قاطبة" ( في القرار الحرّ، الجزء1، الفصل 6، العدد 14).

سنرى فيما بعد تعليم القديس توما الاكويني الذي توسّع في مبدأ الشر الاصغر في بعديه الشخصي والاجتماعي.

***

 

ثالثاً، الخطة الراعوية لتطبيق المجمع البطريركي الماروني

 

 تواصل الخطة الراعوية تقبل ما جاء في النص المجمعي الحادي والعشرين، وهو بعنوان:  "الكنيسة المارونية والقضايا الاقتصادية"، حول المبادىء والقيم في الحياة الاقتصادية والاجتماعية التي هي بمثابة توصيات، وقد رأينا ثلاثاً منها في الاحد الماضي. يضاف الى هذه المبادىء- التوصيات ما يلي:

1. العمل على ان يصبح البقاء في الوطن حقاً دستورياً مقدساً. ينبغي ان تعمل المؤسسات التربوية المهنية والجامعية والقطاع الخاص واجهزة الدولة المختصة، يداً واحدة، لاستثمار قدراتها البشرية الفتية والمتخصصة، محلياً، والحؤول دون شتات العائلات اللبنانية في انحاء العالم، بالحدّ من الفساد، وتوفير فرص العمل الملائمة، وحفظ السيادة والحرية السياسية دونما انتقاص (الفقرات 44-46).

2. التعاون بين القدرات اللبنانية الخلاقة والمنتجة وجاليات الانتشار التي تتوفر لديها ثروة كبيرة، وذلك على اساس رؤية اجتماعية واقتصادية واضحة، والقضاء على الفساد الاقتصادي الذي يحول دون رغبة اللبنانيين المنتشرين في العودة الى لبنان واستثمار اموالهم في بنائه وازدهاره (فقرة 47).

3. العمل على تحقيق نهضة انتاجية شاملة في لبنان، تعتمد على مهارات ابنائه وقدراتهم الخلاقة، اسوة بسواه من البلدان الصغيرة، فلا تكون الهجرة حتمية، بل تجد الادمغة والكفاءات اللبنانية المجالات للعمل بقدراتها فيه وتحصيل اموال تفوق بكثير ما يحوّله المنتشرون الى ذويهم في الوطن (الفقرات 48-50). هذه النهضة الانتاجية الشاملة تقتضي اصلاحات نذكر منها:

       أ- اقامة سياسة دعم شاملة للنشاطات الانتاجية ( فقرة51)

       ب- التعاون المتواصل بين المؤسسات التربوية والقطاع الخاص لجعل لبنان مركز تفوق انتاجي (فقرة 42)

       ج- تأمين الحماية للنشاطات الانتاجية (فقرة 53)

       د- مكافحة الفساد في علاقة القطاع الخاص بالقطاع العام ( فقرة 54)

       ه- تحقيق الاصلاح الاداري (فقرة 55)

       و- اصلاح المسار الاقتصادي اللبناني المشوّه ( فقرة 56).

 

***

صلاة

ايها الرب يسوع، لقد وضعت وزنات متنوعة بين ايدينا، مع مواهب الروح القدس، لكي نثمّرها في سبيل خدمة الانسان والمجتمع. ساعدنا لنحقق ذواتنا من خلالها، ونمكّن غيرنا من تحقيق ذاته. اعطنا ان نحسن الخيارات في حياتنا الشخصية والاجتماعية والاقتصادية، فنتجنّب خيار الشر أياً كان، كبيراً ام صغيراً. وإن كان لا بدّ من خيار فليكن خيار الشر الاصغر في نتائج افعالنا الصالحة بحدّ ذاتها. وساعدنا ربِّ للعمل على جمع شمل اللبنانيين، وعلى حفظ القوى الحيّة وطاقاتها وقدراتها في الوطن للنهوض به وبشعبه، ولاداء رسالته في البيئة المشرقية. لك ولابيك وروحك القدوس نرفع كل مجد وشكر الآن والى الابد، آمين.


الاحد  28 تشرين الاول 2007

 

 

الاحد السابع من زمن الصليب

انجيل العدالة والرحمة

 

 

من انجيل القديس متى 25/ 31-46

 

قال الرب يسوع: " متى جاء ابن الانسان في مجده، وجميع الملائكة معه، يجلس على عرش مجده. وتُجمع لديه جميع الأمم، فيميّز بعضهم من بعض، كما يُميّز الراعي الخراف من الجداء. ويُقيم الخراف عن يمينه والجداء عن شماله. حينئذ يقول الملك للذين عن يمينه: تعالوا يا مباركي أبي، رثوا الملكوت المُعد لكم منذ إنشاء العالم؛ لأني جعت فأطعمتموني، وعطشتف فسقيتموني، وكنت غريباً فآويتموني، وعرياناً فكسوتموني، ومريضاً فزرتموني، ومحبوساً فأتيتم اليّ. حينئذ يجيبه الأبرار قائلين: يا ربّ، متى رأيناك جائعاً فأطعمناك، او عطشان فسقيناك؟ ومتى رأيناك غريباً فآويناك، أو عرياناً فكسوناك؟ ومتى رأيناك مريضاً أو محبوساً فأتينا إليك؟ فيجيب الملك ويقول لهم: ألحق أقول لكم: كل ما عملتموه لأحد اخوتي هؤلاء الصغار، فلي عملتموه! ثم يقول للذين عن شماله: اذهبوا عنيّ، يا ملاعين، الى النار الابدية المعدة لإبليس وجنوده؛ لاني جعت فما اطعمتموني، وعطشت فما سقيتموني، وكنت غريباً فما آويتموني، وعرياناً فما كسوتموني، ومريضاً ومحبوساً فما زرتموني! حينئذ يجيبه هؤلاء ايضاً قائلين: يا رب، متى رأيناك جائعاً أو عطشان أو غريباً أو مريضاً او محبوساً وما خدمناك؟ حينئذ يجيبهم قائلاً: الحق أقول لكم: كل ما لم تعملوه لأحد هؤلاء الصغار، فلي لم تعملوه. ويذهب هؤلاء الى العذاب الأبدي، والابرار الى الحياة الأبدية".

      

       مع هذا الاحد نختم زمن النهايات، المعروف بزمن الصليب، وتنتهي معه السنة الطقسية، دورة الكنيسة التأملية حول سرّ المسيح، مثل دوران الارض حول الشمس. وتعيّد فيه الكنيسة للمسيح الملك. انه انجيل العدالة والرحمة وفيه آخر فعل من التاريخ البشري هو الدينونة العامة.

 

 

اولاً، شرح نص الانجيل

 

1.الرحمة والعدالة

 

في الدينونة سندان بعدل عن الرحمة. اتى المسيح الى العالم راعياً صالحاً، معلناً لنا انجيل الرحمة بالخلق والفداء والتقديس. وسيأتي، في نهية الازمنة، دياناً عادلاً، معلناً للمسكونة انجيل العدالة. انه بكل ذلك محور التاريخ البشري، ألفه وياؤه، بدايته ونهايته (رؤيا22/13). ان الكتب المقدسة الستة والسبعين تتمحور كلها حول المسيح، ونختصرها كالآتي:

" في سفر التكوين المسيح هو حمل ذبيحة ابراهيم، في الخروج هو الحمل الفصحي، في الاحبار هو كاهننا الاعظم، في العدد هو الغمامة في النهار وعامود النار في الليل، في المزامير هو الراعي، في نشيد الاناشيد هو العريس المتلألىء، في نبؤة اشعيا هو العبد المتألم، في انجيل متى هو المسيح ابن الله الحي، في انجيل مرقس هو فاعل المعجزات، في انجيل لوقا هو ابن الانسان، في انجيل يوحنا هو الباب الذي به ندخل الحياة، في رسالة بولس الى الرومانيين هو الذي يديننا، في رسائل يوحنا هو الله المحبة، في رسالة يعقوب هو النعمة الشافية، في رسالة بطرس هو رأس كهنوتنا، في رؤيا يوحنا هو فرح الكنيسة وملك الملوك وسيد السادة" (Raniero Cantalamessa, gettate le reti B,P 335,).

ليس المسيح محصوراً في صفحة صغيرة من التاريخ البشري، بل يملأه كله: فهو حاضر في العهد القديم منبَّئاً عنه، وفي العهد الجديد متجسداً، وفي زمن الكنيسة مبشراً به. ولهذا يقسم تاريخ العالم الى اثنين: قبل المسيح، وبعده.

       يستنير كل التاريخ بانجيل الرحمة، المسيح كلمة الرحمة الالهية الذي تجسد: " في البدء كان الكلمة، والكلمة كان لدى الله، والكلمة كان الله. كلٌ به كوّن، وبدونه لم يكوَّن شيء مما كوّن. به كانت الحياة، والحياة نور الناس. كان نور الحق الذي ينير كل انسان آتٍ الى العالم. الذين قبلوه اعطاهم ان يصيروا ابناء الله. والكلمة صار جسداً وحلّ فينا، كابن وحيد مملؤ نعمة وحقاً" (يو1/1-4). هذا المسيح هو داخل التاريخ وفوق التاريخ، انه زمني وازلي. انه الملك الذي " لا فناء لملكه"  (النؤمن).

 

       انجيل الرحمة ملأ التاريخ بثلاثة افعال الهية: الخلق فعل الآب، والفداء فعل الابن، والتقديس فعل الروح القدس. الكل تمَّ بالابن الكلمة، الازلي غير المنظور الذي اتى في ملء الازمنة متجسداً، هو يسوع الناصري الوديع والمتألم " الذي احبنا وحررنا بدمه من خطايانا، وجعلنا مملكة كهنوتية لله ابيه" ( رؤيا 1/5-6)؛ ويأتي الآن – اليوم في حياة كل انسان- خفياً ومتواضعاً في علامات سرّ الخبز والخمر وسائر الاسرار؛ وسيأتي بالمجد على غمام السماء، جالساً عن يمين عرش الآب، ملكاً ودياناً للعالمين، خاتماً تاريخ البشر بانجيل العدالة، فيسلّم الملك كله لله الآب (انظر دانيال 7/13-14). ولهذا تهتف الكنيسة بشوق: " تعال، ايها الرب يسوع!" (رؤيا22/20). هتاف تُختم به كل الكتب المقدسة. في البدء خلق الله السموات والارض بكلمة رحمته ( تكوين1/1)، وفي نهاية الازمنة يدين الشعوب بكلمة عدله  (متى25/31)، وبين البداية والنهاية يأتي الرب بكلمة محبته (رؤيا22/20).

 

       انجيل العدالة يوضح نهائياً كل شيء ويضع حداً لكل ظلم، ويروي كل عطش الى العدل والبر. هذا الانجيل يؤكد ان التائق الى العدالة هو الجائع والعطشان والغريب والعريان والمريض والمحبوس الذي يستصرخ العدالة؛ وهو كل من يطعمه ويسقيه ويأويه ويكسوه ويعوده ويزوره ( متى25/35-36) الذي يمارس العدالة بافعال الرحمة. لهؤلاء الذين يعدهم الرب في انجيل الرحمة: " طوبى للجياع والعطاش الى العدل، فانهم سيشبعون" ( متى5/6)، في انجيل العدالة سيقول لهم:  "هلموا يا مباركي ابي رثوا الملك المعدّّ لكم منذ انشاء العالم"، " فيدخلون الى الحياة الابدية" (متى25/34-46).

       ولكن لانجيل العدالة وجه الغضب: " هو يوم الغضب ذلك اليوم" ( الليتورجيا اللاتينية). يظهر غضب الرب، بعد طول رحمته مدى حياتهم، على الذين لم يعطوا الجائع خبزاً وحسب بل انتزعوا منهم الخبز؛ وعلى الذين ليس فقط  لم يأووا الغريب بل جعلوه غريباً في ارضه؛ وعلى الذين ليس فقط لم يزوروا السجين بل جعلوه اسيراً ومعتقلاً. لهؤلاء سيقول الديان العادل: " اذهبوا عني يا ملاعين الى نار الابد المعد لابليس وجنوده" ( متى25).

       معظم الناس اليوم يخالفون وصايا الله من دون رادع، الواحدة تلو الاخرى. علماً ان الرب يسوع اكّد للشاب الذي سأله: " ماذا اعمل لارث الحياة الابدية، اجابه احفظ الوصايا: " لا تقتل، لا تزن، لا تسرق، لا تشهد شهادة زور، اكرم اباك وامك، واحبب قريبك كنفسك" ( متى19/16-19).

 

       فالوصايا هي المجالات حيث تمارس الرحمة بكل مفاهيمها وابعادها، وهي الطريق المؤدي الى الخلاص. نخالفها بخفية مدّعين بأن الجميع يعملون ويتصرفون ويسلكون كذلك، بداعي الحرية والتقدم والثقافة وشريعة ضعف الطبيعة البشرية. لكن الله لم يلغ اياً من وصاياه وكلمات الانجيل، بل اكّد: " السماء والارض تزولان وحرف واحد من الناموس لا يزول" ( متى5/18). والبعض يدّعي ان الله صالح ورحوم وغفور؛ هذا صحيح. لكن الله عادل ويميّز تماماً بين ما هو خير وما هو شر، فلا يساوم مع الخطيئة. فالثواب والعقاب على اعمال الانسان الحرة هما ترجمة العدالة. مع الموت ينتهي زمن الرحمة ويبدأ زمن العدالة. هذا يؤكده بولس الرسول:

       أرى انك تستخف بغنى رحمة الله وطول روحه عليك بامهاله لك؟ ألا تعلم ان الله يلطف لك ليحملك على التوبة؟ ولكنك بقساوة قلبك غير التائب، تدّخر الغضب ليوم الغضب، يوم ظهور الحكم العادل، الذي يجازي كل انسان بحسب اعماله" (روم2/4-6). ويضيف في مكان آخر مؤكداً الهلاك للذين لا يتوبون في زمن الرحمة: " اما تعلمون ان الاثمة لا يرثون ملكوت الله. فلا تضلوا: فانه لا الزناة ولا عبدة الاوثان ولا العاهرون ولا المفسدون ولا مضاجعو الذكور ولا الغاصبون ولا السارقون ولا السكيرون ولا الشتامون ولا الخاطفون، يرثون ملكوت الله" ( 1كور6/9-10).

 

2. انجيل الدينونة، حضارة المحبة

 

       يكشف انجيل اليوم اربع حقائق من حضارة المحبة.

       1) من لا يحب يضع نفسه خارج الشركة مع الله، خارج النور، في عمق الظلمة الخارجية، الهلاك الابدي. هكذا يشرح يوحنا الرسول خطورة انجيل الدينونة: " من لا يحب اخاه، هو في الموت مقيم" (1يو3/14). لنا حياة واحدة فقط لنتعلم ان نحب اخوتنا. الناس ينتظرون محبتنا. كل يوم هو يوم الحب، ولن يعوّض.

 

       2) انجيل المسيح هو انجيل المحبة. هذا هو الخبر السّار الذي يزرع الفرح والطمأنينة والسلام في من هو جائع وعطشان وغريب وعريان وسجين ومريض حسياً وروحياً وثقافياً. يريد الرب، بكلمات انجيل اليوم، ان تتم انجلة العالم بهذا الانجيل. " فحيث المحبة هناك الله" دون ان نراه: " متى رأيناك جائعاً واطعمناك؟...- " كل مرة صنعتم ذلك مع اخوتي هؤلاء الصغار، فأليّ صنعتموه" ( متى25/37-39). وحيث المحبة هناك العلامة لحضور الله: " بهذا يعرف الجميع انكم تلاميذي، اذا أحب بعضكم بعضاً" (يو13/35). كما " المحبة تستر جماً من الخطايا" (1بطرس4/8)، هكذا المحبة وحدها ترفع الانسان من معاناة الجوع والعطش والعري... وبسبب المحبة يغفر الله خطايانا الكثيرة، مثلما اكّد يسوع لسمعان الفريسي: " ان خطايا هذه المرأة مغفورة لها لانها احبت كثيراً" ( لو7/47).

 

       3. هكذا احبّ الله العالم حتى تماهى بالمسيح مع صغار العالم. هذا التماهي الحسي والمعنوي عاشه المسيح مع "صغار" العالم، حتى اصبحوا الطريق الى الله: " كل مرة صنعتم ذلك الى احد اخوتي هؤلاء الصغار، فإليّ صنعتموه، وكل مرة لم تفعلوا ذلك اليهم، فاليّ لم تفعلوه". بهذا التماهي باركهم وقدسهم: " تعالوا يا مباركي ابي رثوا الملك المعد لكم". في الواقع، جاع يسوع الى الخبز وطلبه من التلاميذ: " اعندكم شيء يؤكل؟" (يو21/5)؛ وعطش الى الماء فطلبه من السامرية: " اعطيني ماء لاشرب" ( يو4/7). لكنه جاع ايضاً الى الحقيقة وعطش الى العدل والخلاص (يو8/31 وما يليها،19/28)؛ ارتضى العري حتى اقتسام ثيابه (يو19/23-24)، لكنه عُرّي من كرامته يوم صلب بين مجرمين (لو23/33)؛ مرّ غريباً بين اخوته الذين لم يؤمنوا به ولم يعرفوه (يو1/7؛7/5) وبين بني قومه الذين لم يقبلوه: " لا يُقبل نبي في مدينته" (متى6/4)؛ اعتقل في بستان الزيتون كمجرم وسيق الى دار الولاية، ومَثَلَ متهماً امام قيافا وهيرودس وبيلاطس. هم جالسون على عرش الحكم، وهو واقف مكموم اليدين بلباس قرمزي، متروكاً من الجميع ومنكراً من بطرس؛ تألم ومات كمريض تحتضنه امه ومحبة يوحنا " التلميذ الذي كان يسوع يحبه"، لكنه حمل ايضاً برص خطايانا (اشعيا53/3-5؛2كور5/21)، هذا الذي شهد له بولس الرسول: "  لا يستحيي ان يدعوهم اخوة له" ( عب 2/11).

 

       4) الحياة خيار بين حضارتين: المحبة والانانية. بين نعم ولا: نعم لقبول الآخر ومساعدته والسخاء في سبيله، أو لا، فانانية واهمال وعدم اكتراث. تنقسم البشرية امام عرش الله، كما ظهرت في انجيل الدينونة، بين يمين ويسار، بين الذين انتموا الى حضارة المحبة فهم المختارون المباركون، وبين الذين انتموا الى حضارة الانانية فهم المنبوذون والملاعين. في مسيرة الدنيا ننعم بحرية القرار والخيار على هدي انجيل الرحمة والشفقة والغفران. اما في نهايتها فتنتهي هذه الحرية امام انجيل العدالة والقرار الالهي بالثواب او العقاب.

****

 

ثانياً، الاسرة والقضايا الاخلاقية والحياة

 

       من " معجم التعابير الملتبسة والمتنازع فيها حول الاسرة والقضايا الاخلاقية والحياة"، ننهي موضوع: مبدأ الشّر الاصغر، كما جاء في تعليم القديس توما الاكويني والكنيسة، في بعديه الشخصي والاجتماعي.

1.المبدأ في بعده الشخصي

يعتبر القديس توما الاكويني ان " الشر الاصغر" خيار مفضّل بين شرور آتية لا محالة. ويشير الى انه لا يمكن اقتراف الشر الادبي بسبب ان النتائج المرتقبة ستكون اقل سؤاً من النتائج المادية المؤلمة الحاصلة من التصرف باستقامة. من كان ضحية الظلم ليس بظالم، كذلك من يسمح بالشر الاصغر ليس بسيّء. ولهذا، تحمُّل الشرور هو أقل سوءاً من اقتراف الشر الادبي. الكذب، مثلاً، والقتل لا يمكن تبريرهما بالشر الاصغر، لان اقتراف الشر الادبي اسوأ من تحمّل النتائج التي تحصل من التصرف المخلص.

ويخلص القديس توما الى القول، ان اختيار الشر الاصغر ليس جائزاً إلا اذا انتفت امكانية اختيار البديل، واذا كانت الشرور، التي ستحصل، حتمية ولا يمكن تجنّبها., عندئذ يُسمح باختيار الاصغر  بين الشرور. ويعطي هذا المثل: الطبيب يختار الشر الاصغر للمريض، ولكن فقط اذا لم تتوفر امكانية شفائه. اذا كان الشفاء ممكناً، عندئذٍ عليه اختياره، لا الشر الاصغر.

       هذا الاقرار بسمو القيم الاخلاقية على الخيرات المادية، وبالتالي على الشرور التي ترهق الانسان، يتعثر بسرعة العطب والضعف البشريين. ولهذا من السهل محاولة تبرير الشر الادبي بعرضه كأنه شرٌ اصغر، هرباً من النتائج المؤلمة التي تتبع خيار التصرف كأنسان خيّر. وهكذا، بسبب الضعف يوضع على ذات المستوى الشر الادبي وسائر انواع الشرور التي تفترض الحرمان من خيور انسانية، فيما الخير الادبي هو، في الواقع، أسمى من سواه. بهذا المعنى سرعة العطب والضعف البشريان يرميان الى تشويش صوابية الحكم الادبي.

 

2.المبدأ في بعده الاجتماعي

من واجب السلطة السياسية وحقها اتخاذ التدابير لصالح الخير العام وتحقيق مصير الانسان. ولكن على الحكام ان يأخذوا بعين الاعتبار الطبيعة البشرية الاصيلة. ومن واجبهم، عند سنّ الشرائع، السهر على ان تكون الشريعة البشرية مطابقة للعقل وللشريعة الطبيعية المكتوبة من الخالق في قلب جميع الناس. الشريعة التي لا تطابق العقل والمنطق لا تأتي من الشريعة الطبيعية. بل تكون شريعة ظالمة، ولها فقط مظهر الشريعة. ان الموافقة على شرائع ظالمة ليست شراً أصغر، بل هي ظلم ، وشرٌ ادبي.

***

ثالثاً، الخطة الراعوية لتطبيق المجمع البطريركي الماروني

 

       تختم الخطة الراعوية تقبّل النص المجمعي الحادي والعشرين: " الكنيسة المارونية والقضايا الاقتصادية"، وتحديداً الاقتراحات التي تلتزم بها الكنيسة والمسيحيون من اجل تصحيح المسار الاقتصادي اللبناني (الفقرات 57-64).

       1. ترتكز الاقتراحات على هذا المبدأ: ان تتخذ الكنيسة موقفاً واضحاً وحازماً من الانحرافات وسوء الاخلاق في الحياة الاقتصادية؛ وان يكون المسيحي قدوة في الاخلاقيات الاقتصادية والمالية، غير منجرّ الى الصفقات والمضاربات والتبذير والفساد؛ وتثمّر ممتلكات الكنيسة وقدراتها لتأمين استمرارية تأصل المسيحيين في ارض اجدادهم، بايجاد فرص عمل في المدن والريف، وبتعزيز نهضة انتاجية (الفقرتان 57-58).

       أ- تفعيل المجالس الاقتصادية في الابرشيات، بغية استثمار ممتلكات الكنيسة على نحو يؤدّي الى خلق فرص عمل، وتحسين الاوضاع المعيشية (فقرة 60).

       ب- تحديث اساليب ادارة اموال الكنيسة وتطويرها، باعتماد طرق واساليب تقنية فعالة لضمان مردود الممتلكات ورفع قيمته وترشيد أوجه استعماله لمساعدة المسيحيين بالبقاء في الوطن وعدم بيع اراضيهم ( فقرة 61).

       ج- انشاء مجلس للتنمية الاقتصادية والاجتماعية لرصد الامكانات المالية والقدرات البشرية في لبنان ولدى جاليات الانتشار، ووضع الخطط من اجل تأمين التعاضد والعيش الكريم ووقف نزيف الهجرة. يرسم النص المجمعي المبادىء التي يرتكز عليها هذا المجلس (فقرة 62).

***

       صلاة

       ايها الرب يسوع، الملك السماوي وفادي الانسان وناشر انجيل العدالة والرحمة، اعضدنا بنعمتك وبانوار روحك القدوس لنشهد لهذا الانجيل في حياتنا الاجتماعية والوطنية. لتكن حضارة المحبة الخميرة الفاعلة في ثقافتنا، فتأتي خياراتنا الشخصية والاجتماعية مطابقة للحقيقة والخير. ولتكن مبادىء انجيل العدالة والرحمة الحافز للكنيسة وللمسيحيين في استثمار ممتلكات الكنيسة وخيرات الارض لعيش كريم ينعم به جميع الناس، ويرسّخهم في ارضهم ليشهدوا في قولهم ومسلكهم ومبادراتهم لهذا الانجيل، من اجل ترقي الانسان والمجتمع. ولك ايها الابن الوحيد ولابيك المبارك ولروحك القدوس كل مجد واكرام الآن والى الابد، آمين.

 

 

     
 بقلم  بشاره الراعي    مطران جبيل
 
 

pure software code