العقرب التركي كان في نفس الوقت يتغلغل ليس في حكايا
السياسة بل في القصص والتاريخ والدراما وحيثما تذوقنا السم واللدغ كان
العقرب قد غطاهما بستار من العسل .. فدخلت المسلسلات التركية الى بيوتنا
لتجعلنا نحب المجتمع التركي الذي يعيش الناس فيه قصصا كالناس .. فبعد أن
كان التركي في ذاكرتنا هو جمال باشا السفاح .. والسلطان سليم الأول ..
والجندي الانكشاري والجندرما التي تسوق الشباب العربي الى السفربرلك صار
التركي هو مهند الشاب الوسيم الذي تحبه النساء .. والتركي صار الرومانسي
الرقيق الذي يعيش قصص الحب ويكون مثل روميو .. وبخبث تحول الباشا السفاح
الى روميو ..
وفجأة خلع روميو ثوب الغرام وشرب السم من أجل المحبوبة وأخرج من تحت
الثياب السيف العثماني الذي عليه دم أجدادنا وأبائنا .. دم تراكم على
السيف منذ 400 سنة .
المشروع التركي لم يعد خافيا علينا والأتراك اختاروا ان يقتلوا روميو
ويتخلصوا من جثته .. وأن يعيدوا عصر السفاح والسفاحين .. ولحظة اطلاق
المشروع كانت في مسرحية دافوس ومسرحية مرمرة حيث قبض الأتراك على اللحظة
التاريخية التي حبكوا لها زمنا .. وهي احياء اللحظة الاخوانية الشاملة
والتي اسلمت المجتمع الشرقي بسرعة أي جعلته يميل الى فكرة المشروع
الاسلامي الكبير بزعامة الزعيمة التاريخية للمشروع الاسلامي والخلافة
الاخيرة .. تركيا .. حتى العلمانيون المسلمون مالوا فجأة الى فكرة
المشروع الاسلامي التركي .
ولكن المشروع بعد ان انتشر في الاقليم انتقل الى مرحلة متقدمة وهي اعادة
تتريك المجتمع الشرقي .. بادماج قطاعات عربية في الجنوب التركي والعمل
على تذويبها في المجتمع التركي بفتح استثمارات وتسهيلات تجارية وتعليم
للأطفال في المدارس التركية .. وهؤلاء يهيؤون لاعادة نشرهم في الداخل
السوري على الحدود لملء الفراغ السكاني الذي صنعه اردوغان في المنطقة
الكردية لأنه يريد أن يملأ هذا الحزام الموازي لتركيا ببديل سكاني ليس
كرديا بل مبواطنين سوريين تم تتريكهم .. وغالب الظن ان اردوغان سيقبل بأن
تعود السلطة السورية في النهاية الى كل الشمال السوري سلما او حربا ..
ولكن بعد ترتيبات ديموغرافية بحيث ينشر العناصر العربية التي سيتم ضمان
أمنها واحترام آرائها ككتلة معارضة التي تتم تتريكها لغة وتعليما وتجارة
وارتبطت مصالخها بالداخل التركي اما اقتصاديا او اجتماعيا وختى بالحصول
على الجنسية التركية .. وهذه الطبقة الرقيقة من الحزام السكاني ستبقى
خميرة لمشروع مستقبلي تركي يتكرر في الشمال كلما سنحت الفرصة .
تنظيم الاخوان المسلمين يتولى تنفيذ المشروع التركي عبر نشر المحبة
والمودة والولاء لتركيا في المجتمعات الشرقية العربية .. وهناك نشاط
ثقافي وترويجي ملحوظ لاعادة تصوير العنصر التركي والزمن التركي على أنه
الزمن الجميل الذي ضحينا به .. والذي لم نساعده على العودة عندما تقدم
لمساعدتنا .. وبدأ ترويج مصطلحات ان الوجود العثماني ان كان احتلال فانه
كان في النهاية “احتلالا اسلاميا” .. رغم أن أول سؤال يتلعثم أصحاب
التتريك في الرد عليه هو ان كان علينا ان نقبل باحتلال اسلامي فلماذا
يرفضون مايسمونه احتلالا ايرانيا طالما ان القضية هي اننا يجب ان ننظر
الى الطموح التركي على انه احتلال جميل اسلامي .
ومنذ فترة تتواصل عملية تتريك الذاكرة والمزاج
الشعبي ومسح لها وتبييض لسجل تركيا الرهيب في المنطقة .. وتغطية لصور
المجازر والقمع بستائر العسل .. وأورد هنا مثالا على عملية التزوير
والتتريك التي ارسلها لي احد الأصدقاء الغاضبين من عملية التطبيع مع
العدو العثماني .. حيث يفسر الاخوان المسلمون سبب بقاء الدولة
العثمانية في بلادنا 400 سنة تفسيرات منافقة خطيرة .. وهؤلاء يرون ان
سبب المكوث الطويل هو الرحمة والأداء الحسن للاحتلال الاسلامي التركي
وتمتعه بالشعبية والولاء لأنه كان وجودا مشبعا بالآداب والأخلاق ..
فيقول أصحاب المنشور العثماني مايلي:
((( ترك العثمانيون بصمتهم بشكل واضح وكبير,عبر دولتهم التي امتد
عمرها لقرون ،من آثار وثقافة وآداب وعادات وتقاليد يومية فريدة ,على
الرغم من المزيج الثقافي الفسيفسائي الذي كانت تتمتع به الدولة.
وتستمر بعض( واقول بعض) تلك العادات حتى اليوم رغم مرور أكثر من قرن
على انتهاء الدولة العثمانية, منها :
كأس الماء مع القهوة: حيث كان العثمانيون يقدمون الماء مع القهوة عند
استقبال ضيوفهم، ففي حال كان الضيف شبعان يمد يديه إلى القهوة، أما
في حال تفضيل الضيف الماء، فيفهم صاحب البيت أنه جائع، فيشمر عن
سواعده لإعداد المائدة، بهذه العادة صاحب البيت يطعم ضيفه دون أي حرج
الوردة الصفراء والحمراء: كانت توضع وردة صفراء أمام البيت الذي فيه
مريض, لإعلام المارة والجيران بضرورة إلتزام الهدوء وتجنب إزعاج
المريض .. أما إذا وُضعت وردة حمراء , فكان هذا يعني بأن هناك شابة
وصلت إلى سن الزواج موجودة داخل البيت يمكن التقدم لخطبتها ,ويُحذر
النطق بالأقوال البذيئة بجانب البيت حرمة لعواطفها.
الأذان: كان مؤذنو المساجد السلطانية الكبرى في اسطنبول و الولايات
العثمانية الآخرى يرفعون آذان كل صلاة بمقام مختلف عن الآخر ..
فكانوا يرفعون آذان الفجر بمقام الصبا, وهو مقام الحزن والخشوع
والوحده والبكاء بين يدي الله |
 |
وآذان الظهر كانوا يرفعونه بمقام الرست ، وهو مقام الاستقامه, و رفع
الآذان بهذا المقام للتذكير بواجب الاستقامه والامانه أثناء العمل ..
وآذان العصر كانوا يرفعونه بمقام الحجاز, وهو مقام الشوق والحنين الى
الديار المقدسه لأداء عمرة أو حج كمكافئه من الله للمسلم على ما قام به
من عمل طوال اليوم .. وآذان المغرب كانوا يرفعونه بمقام السيكا (
البنجكاه ) ,ويعني التفكر والتأمل في ملكوت الله خصوصاً مع لحظات غروب
الشمس .. وآذان العشاء كانوا يرفعونه على مقام يشبه مقام البيات في السلم
الصوتي ,وهو بالتالي مقام الفرح والأنس والراحه بما قام به المسلم من
طاعات وواجبات تجاه ربه ودينه
سخاء الأغنياء على الفقراء
كانت فئة الأغنياء العثمانية تحرص على تقديم الصدقات دون التسبب بأي
إحراج للفقراء، فكانت تقوم بالذهاب للبقالة وبائعي الخضار وتطلب دفتر
الدين وتطلب حذف الديون وتقوم بتسديدها ,دون ذكر اسمها، وكان الفقراء
دومًا يجدون دينهم قد حُذف دون أن يعلموا من قام بذلك فكانوا لا يشعرون
بمنة الأغنياء
النظر إلى ركبة وجبين العريس: كان أهل العروس يتعمدون النظر إلى ركبة
بنطال العريس وجبينه لترصد علامات السجود على هذين النقطتين
قد تجاوزنا الحد يابني: عندما كان يسُئل كبار السن الذين هم فوق سن 63
عن سنهم في زمن الدولة_العثمانية , كانوا يعدّون عاراً أن يقولوا إن سنهم
فوق سن النبي صلى الله عليه وسلّم , أدباً واحتراماً وتعظيماً له فكانوا
يجيبون:
.. ” لقد تجاوزنا الحدّ يا بنيّ”)))) ..
الخلاصة
التاريخ كالسيل في الجدول، سبيله الى الامام. فالحلم حلم، والعقرب
التركي اليوم ما هو الا صورة او ورقة شمخاء بعد عمليات احياء ومونتاج
اصطناعية فحفوظة في ارشيف مظلم للذاكرة، وثورة هذا العقرب
كالدخان المختنق المتصاعد من الرماد ...
لا اعتقد ما نحتاجه في مقابل هذه العملية التتريكية المتواصلة في
المجتمعات الريفية والشرقية هو عملية مناقضة بايقاف عملية التطبيع مع
الثقافة التركية عبر دراما او دوبلاج تحت أية ذريعة دون ان نعني بها
العداء للشعب التركي بل رسم حواجز في عقولنا لمدى السماح له بالعودة الى
حياتنا لان عودة التركي تبين انها سهلة بدغدغة المشاعر الدينية .. كما
يجب تدريس شيء من الفظائع العثمانية في المدارس عبر قصص.. في المنهاج
واقامة متاحف عثمانية مثل التكية السليمانية فيها صور وحكايات عن مجازر
ارتكبها العثمانيون مثل متحف مذبحة الارمن .. كما يقوم الفرنسيون
والبريطانيون باقامة متاحف الهولوكوست ومتاحف العبودية والرق لتدريسها ..
ولابأس من ان تمر بها رحلات مدرسية اجبارية .. لأن المعركة مع العدو
العثماني لن تنتهي وماحدث هو جولة ستتكرر .. وسيحاول الكرة مجددا .. كلما
أحس هذا العدو فينا وهنا وضعفا .. ولذلك يجب ترسيخ الصورة الحقيقية لهذا
الخطر العثماني خاصة مع نهاية جمهورية اتاتورك ونهوض العثمانية الجديدة
التي انتخبت متطرفا عثمانيا كأردوغان ليمثل طموحاتها التوسعية الكامنة
والتي لن تمانع يوما ان تغامر وتجدد مشروع أردوغان .. خاصة ان عملية
تتريك الذاكرة والوعي قد تساعدها أكثر اذا استمرت في صمتنا واسترخائنا
واحساسنا اننا انتصرنا على أصحاب الخازوق .. بخازوق دققناه في أسفلهم في
معركة الربيع العربي اللئيم .. يجب قتل العقرب حتى ولو كان في خلية العسل
.. حتى ولو وقف على وردة فواحة تقطر بالرحيق .. ويجب سحق رأس الأفعى ولو
كان محشوا بالسكر .. فأصحاب الخازوق لايجب الوثوق بهم .. |