مقدمة |
مجازر 1860 في لبنان هو
صراع في لبنان وسوريا قام بين الموارنة من جهة والدروز
والمسلمين من جهة أخرى. بدأ الصراع بعد سلسلة من الاضطرابات
توجت بثورة الفلاحين الموارنة على الإقطاعيين وملاك الأراضي
من الدروز. وسرعان ما امتد إلى جنوب البلاد حيث تغير طابع
النزاع، فبادر الدروز بالهجوم على الموارنة. بلغ عدد القتلى
من المسيحيين حوالي 20,000 كما دمرت أكثر من 380 قرية مسيحية
و560 كنيسة. وبالمثل تكبد الدروز والمسلمون خسائر كبيرة كذلك.
امتدت الأحداث إلى دمشق وزحلة وجبل عامل وغيرها من المناطق.
سقط خلالها الأخوة المسابكيون الذين اعتبرتهم الكنيسة
الكاثوليكية طوباويين عام 1860. جاءت هذه الفتنة مرحلة ثالثة
بعد اشتباكات طائفية أقل حدة حصلت عامي 1840 و1845 بين
الموارنة والدروز أيضًا. |
|
خلقية
ما حدث |
عين بشير الثالث كاخر
أمير على جبل لبنان من قبل السلطان العثماني عبد المجيد
الأول يوم 3 سبتمبر 1840. مثلت "إمارة لبنان" جغرافيا الجزء
الأوسط من لبنان المعاصر، وكان أغلب سكانه تاريخيا من
الموارنة والدروز. بينما شكل لبنان الكبير (بحدوده الحالية)
على حساب سوريا الكبرى تحت انتداب عصبة الأمم الممنوح لفرنسا
في عام 1920. وشمل بذلك وادي البقاع، و بيروت، وجنوب لبنان (حتى
الحدود مع فلسطين)، و شمال لبنان (حتى الحدود مع سوريا).
استعمل المؤرخون لفظتي لبنان وجبل لبنان بشكل تبادلي حتى
تأسيس لبنان الحديثة رسميا.
بدأت الصراعات المريرة بين المسيحيين والدروز، التي كان قد
تصاعدت حدتها بالخفاء تحت حكم إبراهيم باشا، بالظهور تحت
سلطة الأمير الجديد. وعلى اثرها قام السلطان العثماني، بخلع
بشير الثالث يوم 13 يناير 1842، وعين عمر باشا كحاكم لجبل
لبنان. بيد أن هذا التعيين، خلق مشاكل أكثر مما حل. فاقترح
ممثلوا الدول الأوروبية إلى السلطان تقسيم لبنان إلى
مقاطعتين للمسيحيين والدروز. وفي 7 ديسمبر 1842، اعتمد
الاقتراح السلطان هذا المقترح وطلب من أسعد باشا، حاكم دمشق،
تقسيم المنطقة، إلى منطقتين: منطقة شمالية تحت حاكم نائب
مسيحي وجنوبية تحت سلطة نائب درزي. وعرف هذا الترتيب باسم "القائمقامية
المزدوجة". وتبع كلا المسؤولين حاكم صيدا، الذي بدأ يقيم في
بيروت. واعتبر طريق بيروت-دمشق السريع الخط الفاصل بين هاتين
المقاطعتين.
سرعان ما ظهرت ضحالة تجزئة لبنان. حيث زادت العداوات بين
الطوائف الدينية، والتي كانت تغذيها قوي خارجية. فالفرنسيون
على سبيل المثال، دعموا المسيحيين، في حين أيد البريطاني
الدروز، وغذى العثمانيون الصراع لزيادة سيطرتهم على الولاية
المقسمة. أدت هذه التوترات إلى صراع بين المسيحيين والدروز،
بحلول أيار 1845. ونتيجة لذلك، طلبت القوى الأوروبية من
السلطان العثماني إعادة النظام، فحاول إنشاء مجالس جديدة في
كلا المقاطعتين. كانت كل المجلس مؤلفا من أعضاء يمثلون
المجتمعات الدينية المختلفة، وكان يهدف إلى مساعدة نائب
الحاكم. |
|
التنظيمات في السلطنة
العثمانية |
في سنة 1839، أصدر
السلطان محمود الثاني حزمة من القوانين الجديدة وسميت (التنظيمات).
وتحت هذه القوانين حاول أن يساوي بين مواطني السلطنة بالحقوق
والواجبات بصرف النظر عن دينهم أو عرقهم أو قوميتهم. وأصبح
بإمكان غير المسلم أن يشارك في الحياة الثقافية والإقتصادية،
وسمح له بالدخول إلى المدارس وتعلم اللغة العربية (التي كانت
حصراً على المسلمين) واللغات الأجنبية.
على أثر إصدار التنظيمات، نشأت علاقات تجارية متميزة بين
الأوروبيين من جهة ومسيحيي ويهود سوريا من جهة أخرى. وبرزت
بيروت كميناء هام يؤمن للأوروبيين التواصل مع الداخل السوري
وخاصة دمشق. واعتمدت الدول الأوروبية على المسيحيين واليهود
من سكان دمشق لمساعدتها كمترجمين ووكلاء تجاريين. فأصبحوا
هؤلاء من الأغنياء واكتسب العديد منهم حصانة دبلوماسية
بحصولهم على جنسيات أوروبية.
أدى ذلك إلى ازدياد غنى التجار المسيحيين واليهود على حساب
التجار المسلمين وخاصة صغار الكسبة. كما تأثرت صناعات النسيج
والحرير المحلية مع إزدياد الواردات الأوروبية والمنافسة على
السوق المحلية. وانخفض الإنتاج المحلي منها إلى الربع تقريباً
وأغلق العديد من الورشات.
وفوق كل هذا جاء الكساد الإقتصادي الذي أصاب أوروبا في عامي
1857-1858 ليزيد الطين بلة، فكثرت جرائم السرقة ولم تسلم حتى
قوافل الحج القادمة من بغداد. ولجأ الكثير من التجار
الدمشقيين المسلمين إلى الإقتراض من التجار ورجال الأعمال
المسيحيين واليهود في دمشق وبيروت. حتى أن المسيحيين واليهود
أصبحوا دائنين للحاكمين العثمانيين.
وفي عام 1858 وضعت السلطنة قانوناً يسمح للأوروبيين وأعوانهم
في سوريا بشراء الأراضي من نبلاء دمشق المسلمين ليخفف عنهم
عبء الديون. كل هذه التغيرات الإقتصادية لعبت دوراً في زيادة
غنى الأغنياء (خصوصًا من المسيحيين واليهود) وفقر الفقراء (بشكل
خاص من المسلمين) وكان اللوم كله ينصب على الأوروبيين
وحلفائهم في المدينة من الأقليات الدينية. |
|
ملخص:
مجاراتا للتطور والمساوات في اوروبا، صدر في
السلطنة العثمانية قانون جديد لمجارات الحداية والتمدن
بشكل فرمانين:
- عام 1838، اصدر السلطان محمود
خان الثاني فرمان تحت اسم "خط كلخانة"، الذي منح
مواطني الدولة العثمانية الأمان على النفس،
والأملاك، والعرض؛ وضمان الحرية الشخصية؛ ومنع
المصادرة والسخرة، ضمان حق مواطني الدولة
بالمحاكمة قبل تنفيذ أي حكم قضائي، تحديد
طريقة الجندية الإجبارية،...
- عام 1856، اصدر السلطان
عبد المجيد الأول فرمان فرمان تحت اسم "خط
الهمايوني"، أعاد فيه السلطان التأكيد على ما ورد
في خط كلخانة من المساواة في الحقوق المدنيّة وقال
بأن جميع المذاهب والطوائف "ترتبتط بالروابط
القلبية المتساوية الماهية في نظر شخصنا
الملوكية"،
ومحافظًا على الامتيازات التقليدية لغير المسلمين،
وحرية ممارسة الشعائر الدينية في العلن، وبناء
الكنائس والمعابد والمؤسسات الدينية الأخرى أي
المقابر والمدارس والمشافي والأديرة، دون العودة
إلى الباب العالي في المناطق المسيحية، وبموافقة
السلطان في حال التجديد أو استحداث هذه الأبنية في
المناطق المختلطة.
والمساواة في المعاملة بين جميع الطوائف، ومنع
استعمال الألفاظ التي تحطّ من قيمة الانسان او مسّ
الشرف أو يستوجب العار،
والمساواة بين رعايا السلطان في تولي الوظائف
العامة، والاستفادة من خدمات الدولة التعليمية،
وإنشاء محاكم للفصل في القضايا الجنائية المختلفة،
أما القضايا المختصة بالأحوال الشخصية استمرت
إحالتها إلى المحاكم المختصة بكل مذهب على حدا؛
...
|
|
انتفاضة فلاحي
كسروان |
فشل هذا النظام في
الحفاظ على النظام عندما تمرد فلاحوا كسروان، الذين أثقلتهم
الضرائب المتزايدة، على الممارسات الإقطاعية التي كانت سائدة
في لبنان. ففي 1858 طالب طانيوس شاهين، أحد قادة الفلاحين
الموارنة، بإلغاء الامتيازات التي تميزت بها الطبقة
الإقطاعية. وعندما تم رفض هذا الطلب، بدأ الفلاحون الفقراء
للتحضير للثورة. وحدث ذلك في كانون الثاني 1859، عندما ترأس
شاهين انتفاضة مسلحة. واستهدفت الانتفاضة مشايخ جبل لبنان،
فنهبت أراضيهم وحرقت منازلهم. بعد هزيمتهم وطردهم الإقطاعيين
الموارنة سيطر الفلاحون المتمردون على معظم أرضي كسروان
وأسسوا بها حكمهم.
كانت لانتفاضة كسروان، آثار ثورية على مناطق أخرى في لبنان.
فانتشرت الاضطرابات إلى اللاذقية ووسط لبنان. وبدأ الفلاحون
الموارنة، بدعم من جانب رجال الدين، بالتحضير لانتفاضة على
الإقطاعيين الدروز. وبالمقابل بدأ هؤلاء بدورهم بتسليح
رعاياهم من الدروز، وذلك بدعم من الوالي العثماني خورشيد
باشا |
|
|
|
|
 |
 |
 |
لاجئون مسيحيون بعد المجازر.1860 |
حي النصارى
المدمر في دمشق
بعد المجازر، يوليو 1860. |
عبد القادر الجزائري وهو ينقذ مسيحيين عام
1860 |
|
|
المجازر
المارونية الدرزية |
تصاعدت التوترات عندما
هدد البطريرك الماروني بولس بطرس مسعد، الأمير الدرزي مصطفى
باشا، بطرد الدروز من لبنان بقوة قوامها 300,000 رجل.
بدأت الحرب بين الطائفتين بحسب رواية تقليدية بعد نزاع بين
طفلين درزي وماروني من دير القمر، فتدخلت عائلتيهما ومن ثم
طائفتيهما. وأشعلت هذه الخلافات سيلا من أعمال العنف اجتاحت
لبنان. دمرت خلالها 60 قرية بالقرب من بيروت في ثلاثة أيام،
من 29 إلى 31 أيار، 1860. قتل خلالها 33 مسيحي و-48 درزي.
بحلول حزيران امتدت الاضطرابات إلى الأحياء المختلطة من جنوب
لبنان، وجبال لبنان الشرقية، وحتى صيدا وحاصبيا وراشيا و دير
القمر وزحلة. أقام خلالها الفلاحين الدروز حصارا حول الأديرة
الكاثوليكية والبعثات وحرقوها وقتلوا رهبانها.
امتدت المجازر إلى زحلة واللاذقية في 8 تموز و-9 تموز. وفي
دمشق نظمت جماعات شبه عسكرية درزية ومسلمة المذابح بالتواطؤ
من السلطات العسكرية العثمانية، استمرت ثلاثة أيام (9-11
تموز)، قتل خلالها 25,000 مسيحي بما في ذلك بعض أفراد
البعثات الأجنبية بها كالقنصل الأمريكي والهولندي. تم في هذه
الفترة حرق الكنائس والمدارس التبشيرية. وقام بعض المتنفذين
من المسلمين بإنقاذ العديد من المسيحيين من أبرزهم عبد
القادر الجزائري الذي أواهم في مقر إقامته وفي قلعة دمشق.
دمرت خلال هذه المجازر حارة النصارى في دمشق القديمة والتي
كان يسكنها الكاثوليك وكانت تُقيم فيه الطبقة البرجوازية
الصناعية التجارية بشكل كامل، بما في ذلك عدد من الكنائس
القديمة، بينما نجا سكان حي الميدان الفقير خارج الأسوار
والذي شكل الأرثوذكس معظم سكانه بسبب حماية جيرانهم المسلمين
لهم.
تضع معظم المصادر عدد القتلى في لبنان بين 7,000 إلى 11,000
بينما تصل أخرى إلى 20,000 أو أكثر. وشملت 2600 نسمة في دير
القمر و1500 نسمة في جزين و1000 في حاصبيا من الروم
الأرثوذكس وفي راشيا 800 نسمة، وكانت الخسارة في الأملاك
أربعة ملايين جنيه إسترليني ذهبي إلى جانب اعتناق قرى
بأكملها للإسلام في الجليل الأعلى وصيدا وصور هربًا من
الإبادة كما فتحت الأحداث باب الهجرة المسيحية من الشرق.
وتذكر صحيفة ديلي نيوز الإنكليزية في تموز 1860 بهذا الصدد
أن بين 7,000 و8،000 قتلوا ورملت 5,000 امرأة ويتم 16,000
طفلاً. قدر المؤرخ جيمس لويس فارلي (ت. 1823)، أن الأضرار
بلغت حوالي 326 قرية و-560 كنيسة و-28 مدرسة، و-42 ديراً و-9
مؤسسات دينية. ويضع شارلز تشرشل أعداد القتلى ب- 11,000
بالإضافة إلى 000 100 لاجئ وحوالي 20,000 أرملة ويتيم، كما
دمر حوالي 3,000 مسكن وقضى 4,000 نحبه جراء الفقر المدقع
الذي تسببت به المجازر. كما تكبد الدروز والمسلمين خسائر
كبيرة كذلك. أما صناعتا الغزل والنسيج اللتان كانتا مزدهرتين
في ذلك الوقت، وكان يعمل فيهما في دمشق ما يقرب من 20,000
شخص، فقد أصيبتا بالكساد؛ إذ كان المسيحيون حصراً هم الذين
يديرون كلتا الصناعتين؛ حوادث 1860 سبَّبت أيضاً حركة هجرة
مكثفة لعدد كبير من المسيحيين إلى بيروت والإسكندرية
والقاهرة. لقد كان أكثر هؤلاء المهاجرين يمثلون يداً عاملة
ثمينة في أعمال وصناعات وحرف مختلفة يختص بها المسيحيون حصراً
في دمشق، لقد سمحت "التنظيمات" العثمانية الصادرة عام 1839
لبعض الفئات المسيحية المميزة أن تشارك مشاركة فعالة في أكثر
المجالات الإدارية والاقتصادية والثقافية. ولكن حوادث 1860،
إضافة لما سببته من خسائر فادحة في الأرواح والممتلكات، فقد
أفسحت المجال للتدخل الأوروبي في الشؤون الداخلية للبلاد
ولوضع يده على مرافق اقتصادية هامة، وكانت إحدى نتائج "التنظيمات"
أيضًا السماح للأقلية المسيحية بإنشاء مدارس خاصة للتعليم
ونشر الثقافة العربية والأجنبية. وقد ظهرت نتيجة لذلك طبقة
مسيحيّة مثقفة تتميز بمعرفتها الممتازة للغة العربية الفصحى.
كما أن تعلم اللغات الأجنبية في معظم هذه المدارس سمح لاحقاً
بترجمة الكثير من المؤلفات الأدبية الكلاسيكية من الفرنسية
والإنكليزية إلى اللغة العربية |
|
مجازر 1860 في دمشق، شاهد العيان |
|
وُلد ديمتري بن يوسف بن جرجس الدبّاس العام 1837
"بدمشق الشام في حارة بولاد في باب توما". وتوفّي العام
1912.
دوّن ذكرياته (تاريخ حياته) في مخطوط يعود إلى 22
آب 1911 في منطقة ظهور مرحاتا الشوير، في لبنان.
هذا المخطوط
محفوظ عند السيّد أنطوان
الدبّاس،
ويتضمن بالإضافة إلى رحلات ديمتري الدبّاس وتنقّلاته
وتجارته وأعماله، سردًا لبعض ما عاينه وعاناه في محنة
1860 التي عصفت بدمشق. |
|
قبل القراءة
للمذكرات اليكم بعض العبر من مجازر 1860
في دمشق:
- يبدو
جليًّا أنّ الروس تخلّوا عن حماية
الأرثوذكس، أو أنّهم لم يقدروا على أن
يوفوا بعهودهم تجاه الطائفة الأرثوذكسيّة،
وذلك بعدما دفعوا بالأرثوذكس إلى مواقف
تؤدّي إلى تأجيج الصراع، وتاليًا، تحميل
المسيحيّين مسؤوليّة بدء المشكلات. من
هنا، تؤدّي التدخّلات الأجنبيّة دورًا
مهمًّا في تزكية النزاعات والحروب
الأهليّة، من دون أن ننفي على الإطلاق
مسؤوليّة أبناء البلد الواحد عن مساهمتهم
في دفع الأمور نحو مزيد من الحقد
والكراهية.
- على رغم
بُعد ديمتري الدبّاس عن مواقع القرار،
وعدم تأثيره في مجرى الحوادث التي جرت في
عصره، غير أنّ ذكرياته، كشاهد عيان، مهمّة
جدًّا، لأنّها شهادة حيّة تنقل الوقائع
كما جرت على الأرض، وتمزج بين الجماعيّ
والشخصيّ.
- على رغم
وجود ذوي المصالح وراء إيقاد الفتنة
الطائفيّة لدى المسلمين، يقدّم الدبّاس
نماذج ثلاثة عن مسلمين (هاشم آغا، آغوات
حارة الميدان، الأمير عبد القادر
الجزائريّ) وقفوا سدًّا ضدّ ارتكاب
المجازر في حقّ المسيحيّين. ولا يتورّع
الدبّاس عن وصف هذه النماذج بالعجائب التي
أوجدها الله لخلاص المسيحيّين.
- نرى عبر
هذه الذكريات أنّ الفساد عامل من عوامل
اندلاع الحروب الأهليّة، كما أنّه عامل من
عوامل استمرارها وديمومتها، لكنّه أيضًا
يستمرّ عبر "الكمسيونات" والتعويضات غير
المنصفة بعد استتبابها.
|
|
|
ويصف
السيد ديمتري بن يوسف بن جرجس الدبّاس
هروبه مع الكثيرين من دمشق
إلى بيروت. فيقول
عن هذه الفترة:
"وهذه
السنة (1860) سنة الفاجعة العظيمة التي حدثت كما هو
معلوم في تواريخها عند العموم، مذابح بدأت بجبل لبنان
حتّى وصلت إلى دمشق. وهذه مضت علينا كما دار حينها
حرفيًّا، بقدر ما نفتكر به بتلك الأهوال العظيمة التي
مضت علينا، والعجائب من الله التي سلّمتنا كما يلي".
يروي الدبّاس أنّ صلحًا عُقد، إثر حرب القرم، "على جملة
شروط منها أخذ عسكر من المسيحيّين. وأرادت الدولة أن
تلغي الشروط، فأرسلت تطلب بدل العسكريّة من جميع ولايتها.
فأجاب جميع بلادها بأنّهم يدفعون متى تدفع الشام. فأرسلت
حالاً أحمد باشا سرّعسكر إلى الشام وطلب بدل العسكريّة،
فلم تقبل الطوائف أن تدفع حتّى تدفع طائفة الروم
الأرثوذكس قبلها. وهذه رفضت أن تدفع مالاً بل عسكرًا
بالتسوية. وكانت روسيا تحرّضهم على هذا الطلب بألاّ
يدفعوا بدلاً، بل رجالاً بحسب الشروط المعطاة في حرب
روسيا. فانغشّت الطائفة وافتكرت روسيا تأخذ بناصرها.
فتنازل أحمد باشا عن طلبه من مئة ألف غرش لحدّ عشرة آلاف
غرش، ولم تقبل الطائفة، وكانت تقول: لا يوجد عندنا سوى
رجال"... تابع
>>>
المضمون كامل
|
|
 |
المضمون كامل
|
دمشق، حوادث 1860 في مذكّرات ديمتري الدبّاس"، من
كتاب للأب جورج مسّوح. | |
ويصف
السيد ديمتري بن يوسف بن جرجس الدبّاس هروبه مع الكثيرين من دمشق
إلى بيروت. فيقول في بدء كلامه على هذه الفترة:
"وهذه
السنة (1860) سنة الفاجعة العظيمة التي حدثت كما هو
معلوم في تواريخها عند العموم، مذابح بدأت بجبل لبنان
حتّى وصلت إلى دمشق. وهذه مضت علينا كما دار حينها
حرفيًّا، بقدر ما نفتكر به بتلك الأهوال العظيمة التي
مضت علينا، والعجائب من الله التي سلّمتنا كما يلي".
يروي الدبّاس أنّ صلحًا عُقد، إثر حرب القرم، "على جملة
شروط منها أخذ عسكر من المسيحيّين. وأرادت الدولة أن
تلغي الشروط، فأرسلت تطلب بدل العسكريّة من جميع ولايتها.
فأجاب جميع بلادها بأنّهم يدفعون متى تدفع الشام. فأرسلت
حالاً أحمد باشا سرّعسكر إلى الشام وطلب بدل العسكريّة،
فلم تقبل الطوائف أن تدفع حتّى تدفع طائفة الروم
الأرثوذكس قبلها. وهذه رفضت أن تدفع مالاً بل عسكرًا
بالتسوية. وكانت روسيا تحرّضهم على هذا الطلب بألاّ
يدفعوا بدلاً، بل رجالاً بحسب الشروط المعطاة في حرب
روسيا. فانغشّت الطائفة وافتكرت روسيا تأخذ بناصرها.
فتنازل أحمد باشا عن طلبه من مئة ألف غرش لحدّ عشرة آلاف
غرش، ولم تقبل الطائفة، وكانت تقول: لا يوجد عندنا سوى
رجال".
"امتلأ السرّعسكر غيظًا وحبس من طائفة الروم أربعين
نفرًا مع اثنين من الكهنة... وفي الليل حضر عندهم وأخذ
يتلطّف بهم ويطيّب خاطرهم وفكّ قيودهم. أمّا المرحوم
نقولا صرّوف فقال له: "هذا الجنزير لا أفكّه إلاّ بروسيا".
فامتلأ أحمد باشا غيظًا وكمن له الشرّ، وكتب إلى
البطريركيّة الأرثوذكسيّة يحرّضها على أن تعظ شعبها".
كان البطريرك إيروثيوس غائبًا في الآستانة، وكان وكيلاه
الشمّاسين ساروفيم ويوسف. فنادى الوكيلان الشعب وتَلَوَا
عليهم إسطاطيكون (منشور كنسيّ) يطالبهم بأن يخضعوا
للدولة ويدفعوا المال بدل العسكريّة. فهاج الشعب على
الوكيلين ورفضوا طلبهما. فكتب الشمّاسان ساروفيم ويوسف "تحريرًا"
أرسلاه إلى أحمد باشا يشتكون همجيّة الشعب ويطلبون
الأمانة لأنفسهم. أخذ أحمد باشا هذا التحرير وأرسله إلى
الباب العالي فأتاه الجواب بأن يكسر أنف الشعب.
بدأت الحوادث الطائفيّة في ربيع 1860 في عمّيق، وفي 29
أيّار انتقلت إلى المتن. وفي 18 حزيران وصلت إلى زحلة،
وفي 21 حزيران حلّت في دير القمر وحاصبيّا وراشيّا. وها
هي تباشير وصولها إلى دمشق.
يتابع الدبّاس روايته فيقول: "لـمّا وصلت أخبار زحلة
ورجال دير القمر وأهالي حاصبيّا وراشيّا، هاجت البلد
والمسلمون ألوف ألوف بالصلاة، في يوم نهار الجمعة، أحضر
طابور عسكر وأوقفه على أبواب الجامع فتعجّب المسلمون
وقالوا: "ما هذا؟" فأجابهم أنّ النصارى مرادها تكبسهم
بالجامع. فهاج المسلمون، ولأنّهم لم يعتادوا سفك الدماء،
صارت أولادهم تعمل صلبان من طباشير بالأرض، وصاروا
يظهرون الإذلال للمسيحيّين، حتّى سُمع بأنّ زحلة راحت.
عند ذلك زاد تعصّب المسلمين وزادوا مظاهرتهم بكلام جافٍ،
وتكدّر المسيحيّون".
على إثر ذلك، نزل المرحوم حنّا فريج، أحد أعيان
المسيحيّين، إلى السرايا وحكى السرّ عسكر عمّا يحصل في
البلد (27 حزيران 1860). فأرسل السرّعسكر حالاً عساكر
وكمش من المسلمين شبّانًا من ذوي العيال الشريفة
المعتبرين، ووضع لهم جنازير وأخذ يزيّحهم في البلد حتّى
وصلوا إلى باب البريد. وعند وصولهم نظرتهم أهاليهم
الأفنديّة فهجموا على العسكر وضربوهم وخلّصوا أولادهم.
وسُمع هذا الخبر في البلد، فقام الأهالي في هيجان عظيم.
ولـمّا وصل الخبر إلى البلدات والضيع المحيطة بالمدينة،
نزل أهاليها برسم النهب. وإذ اختبأ الدبّاس في الخان رأى
"مئات من الألوف تتراكض بالسلاح والعصي. وكنّا قدر خمسة
أنفار، وفضلنا للمغرب. وكنّا نبكي دمًا وليس لنا مناصّ،
وخائفين أن يهجموا علينا إلى الخان ويقتلونا".
عند حلول المساء، لجأ الدبّاس إلى بيت عبدالله أفندي
الشربجيّ، آغة الحارة. "فدخلت ووجدت ألوف العالم
المسيحيّين نساءً ورجالاً مزدحمين كالجبن". ويتابع
الدبّاس روايته فيقول: "وفي نصف الليل أتى الرجال
الموظّفين للمحافظة على باب توما وقالوا لعبدالله أفندي:
"إنّ الأغراب تأتي وتنهب الحارات ونحن نقوم بوظائفنا،
فاسمح لنا بالذهاب للنهب". فأشار بيده "اذهبوا إنّما
لغير حارات باب توما"، فذهبوا. لكنّ الشربجيّ، حين كثر
الازدحام في بيته، أخذ يسبّ ويشتم ويقول "لقد خربتم بيتي".
فأحضر رجالاً من وجوه البلد المعتبرين وأخذ يسلّمهم ذوات
النصارى من أفنديّة وقسوس وإفرنج، وأوصاهم بأن يوصلوهم
لبيت العماديّ، فعرفتُ أنّ من بعده يفتكون بالباقين.
فهربت مع الذوات. وعند الصباح سلّموا الذوات كما فعل
الشربجيّ إلى ذوات البلدة في الإسلام للمحافظة عليهم
فأخذوهم إلى بيت الشيخ عبدالله الحلبيّ". يقول الدبّاس: "يوم الأربعاء (29 حزيران) طلع منادي في البلد أمان
واطمئنان بدون معارضة. بعد الظهر، سلّم عبدالله أفندي
العماديّ الوجوه المنظورين وأرسلهم لبيت الشيخ عبدالله
الحلبيّ. فمشيت معهم وكان لم يزل ابن أختي ماسكًا بيدي
حتّى دخلنا البيت، فوجدنا العالم هناك بهيجان عظيم. وبعد
انتقالنا من بيت إلى آخر، كنّا نسمع أنّ جانبًا عظيمًا
من المشهورين قُتل. وعند المساء أحضروا لنا خبزًا وأخذوا
يرمون لكلّ مسيحيّ رغيفًا أو نصف رغيف، وكانت أعيننا
دمًا".
في الغد (الخميس 30 حزيران)، "أرسل السرّعسكر واستدعى
المشايخ إلى السرايا وطلب منهم أن يدفعوا له المسيحيّين
المختبئين عندهم ليعدمهم، وهم يمانعونه بذلك. وطلبوا منه
أخيرًا الأمر السامي الذي أُحضر له فلم يجدوا فقالوا له:
"نحن لا نسلّم بهدر دم في بيوتنا". فقال لهم: "أرسلوا
المسيحيّين الذين في بيوتكم إلى القلعة". وهكذا حصل.
يتابع الدبّاس روايته، فيقول: "من بعد اجتماع جميع مشايخ
البلدة وأغواتها وأعيانها قدر عشر ساعات عند أحمد باشا،
ولـمّا كانوا لا يريدون أن يسفكوا دم المسيحيّين في
بيوتهم، حضر الخبر من عند الشيخ عبدالله الحلبيّ بأنّه
صدر الأمر بأنّ كلّ من عنده نصارى يرسلهم إلى القلعة.
فسحبونا على الطريق فوجدنا عسكرًا قدر مائتين بسلاحهم
صفّين، فأخلوا المسيحيّين بالوسط. وبقيت أنا مختبئًا في
بيت الشيخ عبدالله الحلبيّ، خوفًا من القلعة كيلا يصير
بنا نظير دير القمر وحاصبيّا وراشيّا"، حيث حصلت مجازر
ذهب ضحيّتها المسيحيّون.
غير أنّ الدبّاس تراجع عن موقفه وذهب إلى القلعة بناءً
على نصيحة أسداها له الحاجّ بكري باقر الذي "كان يعامل
المرحوم والدي، يشتغل له قماش ويرسله إلى حلب. حلف
يمينًا ومسك ذقنه وقال: لا تخَف، لن يصير عليكم خوف في
القلعة". فكان آخر الخارجين في القافلة.
يشبّه الدبّاس أحوال المسيحيّين اللاجئين إلى القلعة
بيوم القيامة، فيقول: "وصلنا إلى القلعة ودخلنا فوجدنا
المسيحيّين آلاف آلاف، فسلّمنا أنفسنا إلى الله، وقلنا:
إنّا بسعر هذا العالم. وكانت العالم نظير يوم الدينونة،
نساء عمّال تخلّف، ونساء تصرخ من الرعب، ورجال يصرخون من
أوجاعهم، ومنهم مضروب... آه من تلك المناظر التي تُبكي
الصخر".
يمتدح الدبّاس هاشم آغا، باشا القلعة، ويقول عنه: "كان
يلاطف العالم بوجه بشوش ويطيّب خاطرهم ويقوّيهم ويقدّم
لهم بعض احتياجاتهم. إنّه أب حنون ويقول للعالم: لا
تخافوا. وكان عمره سبعين أو ثمانين سنة، وهذا كان يقوّي
الأمم ويشجّعها... وهذا الرجل كان أصله مسيحيًّا من
المجر، والله أوجده لخلاص الموجودين بالقلعة".
يتابع الدبّاس روايته فيقول: "أرسل أحمد باشا إلى
هاشم آغا بأنّه بعد ثلاث ساعات يحضر الدروز من بوّابة
الميدان لعندكم، تستلم المسيحيّين كي تحميهم فجاوبه هاشم
آغا على الفور قائلاً له: كما أنّك أنت سرّعسكر تحكم على
العسكر، وأنا مأمور حافظي على القلعة التي هي عرض
السلطان، شخص واحد لا أسلّم ونقطة دم ما أُتلف... وحالاً
سكّر أبواب القلعة وأرخى سلاسل الحديد وحفظ الأبواب،
وطلع لظهور القلعة ودار المدافع على البلد، وأوقف
الطوبّجيّة (المدفعجيّة) للضرب متّى أمرهم". ويختم حديثه
عن هاشم آغا بهذه العبارة: "هذه أوّل عجيبة أوجدها الله
لخلاصنا".
العجيبة الثانية حدثت، وفق الدبّاس، عندما حضر الدروز
بالوقت الذي عيّنه لهم أحمد باشا. فطلع أهالي الميدان
وحاربوهم وكسروهم وأرجعوهم. وكما فعل أهالي الميدان كذلك
صنع آغواتها نظير بيت النوريّ وغيرهم، جمعوا أهالي
الميدان الذين هم سفهاء البلد ووعظوهم: "يا أولادنا،
برضانا عليكم، لا يحرّك أحد ساكنًا مطلقًا. احموا
النصارى في الميدان، إذ سيعود هذا الأمر الحاصل على الذي
فعله. فإن كانت هذه الثورة بأمر شاهاني عموميّة فأنتم
أحقّ بأهل حارتكم، وإن كانت افتراء فسوف تنظرون ماذا
يحصل من ملوك المسيحيّين، نكون نحن حفظنا نصارتنا
وحامينا عن صوالحنا وديننا ودنيانا". فأجاب جميع الأهالي:
خاضعين تحت أوامركم. هكذا ظهرت العجيبة الثانية".
أمّا العجيبة الثالثة، وفق الدبّاس، فالأمير عبد القادر،
باشا المغاربة، الذي جمع عنده ثلاثة آلاف عسكريّ مغاربة
وحمّلهم السلاح، "وصاروا يطوفون البلد بحسب أمره، وكلّما
وجدوا مسيحيّين كانوا يحضرونهم لبيت الأمير عبد القادر".
يعتبر الدبّاس أنّ نجاة المسيحيّين الدمشقيّين تعود إلى
ثلاث وسائط: "أوّلهم هاشم آغا، وثانيهم آغوات الميدان،
وثالثهم الأمير عبد القادر. وهؤلاء يشبهون الثلاثة
الملائكة الذين أضافوا إبراهيم، برسم الثالوث القدّوس:
الآب والابن والروح القدس".
بعد نزوح المسيحيّين من دمشق إلى بيروت "حضرت كلّ طائفة
تأخذ طائفتها". ويتابع الدبّاس رواية الرحيل، فيقول: "وصلنا
إلى بيروت وقصدنا أن نسافر إلى أثينا، فرحنا قنصلاتو
اليونان كتبنا أسماء ثلاثة عشر شابًّا، إنّما حصل حجز في
البحر وما عادوا يخلّوا أحد يسافر، وهذا بمخابرة
الأوروبيّين حتّى لا تفضى سوريا من المسيحيّين".
في الختام يعود الدبّاس إلى رواية ما جرى بعد انتهاء
الحروب الطائفيّة (1860) واستتباب السلام، فيقول: "المهاجرون
كثيرون، وصار الخوف عظيمًا في الشام على المسلمين حيث
فؤاد باشا أعدم مائتي واحد من آغوات البلد، ونيشن أحمد
باشا الذي سبّب الثورة مع مائتي عسكريّ. فوقع الرعب في
قلوب المسلمين... فصارت الحكومة تجمعهم وتحضر المسيحيّين
فيأخذون الذي يخصّهم والذي لا يخصّهم. ومن جملتهم وجدوا
باسمنا عشر صايات قماش عرفوه من دمغتنا عليه في اسمنا.
فأحضروهم لنا إلى بيروت".
أمّا التعويضات الماليّة فسادها الكثير من الفساد. في
هذا الصدد يقول الدبّاس: "وفُتحت مجالس لتعويض المسلوبات
والمحروقات، وعُيّنت كمسيونات... فحصّلنا أربعين ألف غرش
لمحروقات وتعويضات لنا، لم يبلغ ربع مطاليبنا وكثيرون
الذين أخذوا مئات الألوف وليس لديهم شيء. ملخّص الأمر
كانت أكثر النقود تُدفع براطيل إلى أعضاء الكمسيونات
وهذه الأموال كانت تُعطى شراكي. وصارت تباع بستّين أو
سبعين يأخذوها أغنياء بيروت فيدفعوا منها للحكومة
ويقبضوها، حتّى صارت مصائب قوم عند قوم فوائد". |
|
|
|
|
|
|
|
|
دور التدخل الدولي |
دعت هذه الأحداث
الدامية فرنسا للتدخل بعد الشك باحتمال دعم القوات العثمانية
للقوات الدرزية إما بدعم مباشر أو بنزع سلاح القوات المسيحية.
أشارت فرنسا، بقيادة نابليون الثالث، إلى دورها التاريخي
كحامية للمسيحيين في الإمبراطورية العثمانية بحسب اتفاقية
بين الطرفين في 1535. فوافق العثمانيون في 3 آب على إرسال
قوة أوربية مؤلفة من 12,000 جندي لإعادة النظام.
في 5 أكتوبر 1860، اجتمعت لجنة دولية مؤلفة من فرنسا
والمملكة المتحدة، والنمسا وبروسيا والإمبراطورية العثمانية
للتحقيق في أسباب أحداث 1860 والتوصية بنظام إداري وقضائي
جديد للبنان يحول دون تكرارها. اتفق أعضاء اللجنة أن تقسيم "إمارة
لبنان" في 1842 بين الدروز والمسيحيين كانت السبب الرئيسي
وراء المجازر. وبحسب ذلك تم تشكيل نظام جديد عام 1861 فصل
لبنان عن سوريا ووحده على هيئة متصرفية تحت سيطرة حكم مسيحي
يعين من قبل السلطان العثماني وبموافقة القوى الأوروبية،
ويعاونه مجلس إداري مكون من اثني عشر عضواً من مختلف الطوائف
الدينية في لبنان.
قامت فرنسا بنشر قوة مؤلفة من 6,000 جندي لحماية النظام بحسب
الأتفاق، تم الاتفاق على أن ترسل دول أخرى قوات إضافية حسب
الحاجة. وقد وصف التدخل الفرنسي واحدا من التدخلات الإنسانية
الأولى في تاريخ العالم. وبالرغم من إخماد العثمانيين
للاضطرابات قبيل وصول هذه البعثة، فقد تمركز فيلق مشاة فرنسي
في سوريا من آب 1860 إلى حزيران 1861. وصف المؤرخون هذا
التواجد العسكري بكونها إحدى أول قوات حفظ سلام في التاريخ.
عمومًا يتفق المؤرخون أن السلطان قد راعه ما حدث، وأن تواطئ
الوالي العثماني لا يعني بالضرورة تورط الدولة، هذا ما يترجم
فعليًا بالإجراءات التي اتخذتها الدولة فقد عيّن السلطان عبد
المجيد الأول، فؤاد باشا حاكمًا على الشام مخولاً بصلاحيات
استثنائية، لرأب الصدع الذي حصل في المجتمع ولتفادي أي تدخل
أوروبي، وقد قاد فؤاد باشا حملة اعتقالات بحق المتورطين
بالمذابح ضد المسيحيين، فأعدم رميًا بالرصاص 111 شخصًا، وشنق
57 آخرين، وحكم بالأشغال الشاقة على 325 شخصًا ونفى 145؛
وكان بعض المحكومون من كبار موظفي الدولة في الشام |