مارونيات  الحرية علّة المارونية وشهادتها
 
 د. سمير الخوري
   
0   مقدمة، 3   المارونية: مطمح المشاركة.
     الحرية علّة المارونية وشهادتها  
3.1  حرية التطوير: نظام الشراكة.
3.2  حرية التحرير: نظام العامية.
1   المارونية: بيرقدار الحرية 4  المارونية: فعل اعتراض.
 
1.1  حرية التعبير: حق الفرادة.
1.2  حرية التفكير: حق المغايرة.
 
4.1  حرية التنظير: حق النقد.
4.2  حرية التغيير: حق الإبداع
2    المارونية: افق المقاومة 5  كرامة الإنسان، قياميته بالحب  والحرية  والسلام.
 
2.1  حرية التدبير: حق التجمّع.
2.2  حرية التقرير: حق المشرعة.
 
5.1  صعيد الاجتماع-السياسي: تحقيق الذات معًا
5.2  صيد الاجتماع-الديني: تخطي الذات
الحرية علّة المارونية
 

  مقدمة -  الحرية علّة المارونية وشهادتها

    مهما كان تصدير الحروف الآراميَّة السريانيَّة الثلاث: م، ر، ن، مطلع الكلام والكتابات، وأيًا كان تداول اسماء مصادرها الرائجة مثل: مَارون، مُورون، مَاران مُوران ومَرْوان مَرون، أو إقصارها على اشتقاق ألفاظ مختزلة لها، مثل: مار(ت)، مور(ت)، المعروفة باستباقها الدائم أسماء الأبرار القدّيسين - القديسات (مارشربل، مارت رفقا...)، فإنها بمجملها، تحمل مشتركاً واحداً يجمعها، محوره معنى السيادة souveraineté، الخاصة بالكائن البشري  السيّد seigneur  maitre,، من حيث هو حرية وعقل وضمير وذاكرة وخيال في آن، والدالة على وجوب احترام كرامته الإنسانية، الغير مشروطة. إنها سيادة كيانية وجودية، يتفرد بها الأنسان دون سائر المخلوقات. بها يحاكي كرامة خالقة، لكونه خلق على صورته كمثاله. كرامته هي من كرامة الله، لانه شخص بشري[اي علاقة مع آخرين] كما الثالوث[الأب والإبن والروح القدس] هم ثلاثة أشخاص في طبيعة الهية واحدة. تستدعي كرامة الإنسان الإحترام الكلي له إحتراما يليق بسيادته التامة، تلك التي تلازمه مهما كانت ألإعتبارات الأفهومية التي تطاله: أكان ذلك بإعتباره شخصاً personne ذي علاقة مع آخرين، أو كان ذاتاً sujet صاحب حقوق- واجبات تجاه الآخرين، أو كان فرداً  individu متمايزاً عن الجماعة، وهو عضو فيها. إنه سيد، ويبقى سيّدا أبدأ. سيادته هي صنو حريته للتحكم بمساره والسيطرة على مسيرته وصنع مصيره [راجع "المسيح يسوع كلي الإحترام لكرامة كل إنسان". المشرق 2013. ص. 503-543].  بمرجعية السيادة هذه، تدان العبودية والإسترقاق وكل مشتقاتها المذلة. مارون هو اسم جنس عام، وقد تحوّل اسم علم مخصوص. لا فرق هنا إن كان الإسم يعني، معجميًا، "السيّد"، تمثلاً لهوية االشخص السيّدية، وتشبهًا بمقام ذوي الشأن، أو يعني قواعدياً، "السيّد الصغير"، تمييزًا له عنه أو تحببًا به، أو هُزأً منه. المهم أن اسم مارون يدل على السيادة والإستقلالية المشبعة بقيم الحرية الكيانية الشخصية. لذا، فالموارنة ليسوا من تبع مارون السيد وإكتبسوا منه وتماهوا به،  وحسب، بل هم هم الأسياد،  طلاب الحرية وشهودها،  على شاكلته وفي إثره، تحت كل سماء.

             حول مارون، ناسك آفاميا، تحلَّق جَمْعٌ من الراهبات والرهبان والمؤمنين، يعشقون يسوع في أثر ناسكهم. فاتّخذت أولى ثلاثة راهبات  قديسات ، تـنسّكن باكرًا  في متَّحدٍ مارون communauté، التعدّدي الأنطاكي، أسماء تحمل، نبويًّا، نفس معنى السيادة والحرية والكرامة، هنَّ، بحسب ما يذكره التقليد الكنسي: القديسة مارانا (مَرانَا نسبة الى مارون، في الآرامية)، والقديسة كيريا ( نسبة الى كيريوس κύριος، في اليونانية، ومنها لفظة خوري إشارة الى السيد الكاهن)، والقديسة دومنينا ( نسبة الى dominus، في اللاتينية)، وهي اللغات الثلاث، السائدة عصر ذاك، والتي كتب بيلاطس بها عنوان لوحة الحكم بالصلب على يسوع (يو19/20)، لكأن الحكمُ اياه، سوف يلاحق، مدى التاريخ، شعبَ قرابة يسوع الآرامية السريانية، لتعلقهم بمعشوقهم الإلهي، ولحملهم  معه، بالتالي، صليب التحرر الإنساني، ذاك المنغرس في شرف حملة ورع الحضارات وروعتها المستولدة والمتفاعلة والمتعاقبة على المشرق. عُرِف أهل "بيت مارون" بالموارنة. ولم يلبث أن تكشّفت لهم، منذ بدء تاريخ معاناتهم الطويل، أبعاد الحرية المُلهمة، التي تلمّسوها عندما اعتنقوا روحانيَّة مارون الخصبة، وعانقوا صليب الحرية الافتدائي المحرر في المشرق، ومنه الى العالم [راجع "بطولة الثبات على القيم" مجلة المشرق 1998 ص. 123-153]. وعوا هويتهم الكنسية، الخلقيدونية والإنطاكية، في إثر صدمة إستشهاد جمع كبير منهم، سنة 517. حتى بلغ بالحرية عشاقها، سنة 2010-2011، الى فرح إحياء اليوبيل المئوي السادس عشر، لوفاة مارون، ذاك السكران بالحب الإلهي في فضاء حرية "العراء"، في الهواء الطلق. من جراء فهمهم المميز الفذّ  للحرية الكيانية، الفردية والمتحدية، تفرّد الموارنة،  دون سائر المسيحيين، بملامح عشرة أساسية إمتازت بها كنيستهم، بوجهها الروحي الديني  البيعي أي "الموراني"، من جهة، وبوجهها الإنساني المدني الزمني أي " الماروني" من جهة ثانية. يجمع هذه الميزات مشترك اساسي واحد، هو الحرية، التي  تربط بينها بإحكام قيمي،الميزات العشر هي:

  1.  كنيسة رهبانية. من خصب حياة رهبانيتهم الروحية،  ومن زخم ورع نضارتها النسكية، وإنجذاب المؤمنين المسيحيين اليها وتكوكبهم حولها، تولّدت الكنيسة المارونية، سنة 685، لملء فراغ مؤسسي طال أمده في بطريركية انطاكية، أولى الكراسي الرسولية الخمس المنثورة على شطآن البحر المتوسط ...، بالمقابل، تتولد سائر الرهبانيات، عبر التاريخ الكنسي المحلي والعالمي، من خصب حياة كنائسها.

  2. كنيسة سيدة حرة مستقلة. إنطلقت الكنيسة المارونية ببطريركيتها الإنطاكية، في  جسم الكنيسة الجامعة، وهي على علاقة شوتفة communion إيمانية وشركة روحية، إستمرت ثابتة مدى الدهور، بخليفة هامة الرسل أسقف روما، متحررة بذلك حقوقياً وهييرركياً وليتورجياً، من السلطة الملكية البيزنطية ومن هيمنتها السياسية monocratie، ومستقلة نظاميا وإداريا وإنتخابيا عن السلطة الخليفية الإسلامية وعن طغيان شريعتها nomocratie...، فيما عرفت، بالمقابل،  سائر الكنائس تدخلات في شؤؤنها، وإملاآت إستمرت بين مد وجزر، ما بين سلطتها الدينية وتلك الزمنية المحلية
     

  3. كنيسة مشروعية  القرار الحر. قامت الكنيسة المارونية، رغبة بالتملص من نظام هيمنة الملكية البيزنطية (انظر -2-) ومن نظام سطوة الخلافة الإسلامية (أنظر-9-)، الطامعين، كل وفق مسوغاته، بإنتزاع القرار الحر عن الكنيسة المارونية. لم تنشاء  المارونية من جراء النزاعات الكريستولوجية العقيدية، ولا كانت حصيلة  تمسكها بهوية لغوية أو ليتورجية، أبت مراى تذويبها القهري في الليتورجيات المسيطرة سلطويا: بيزنطية كانت السيطرة في القرن الثامن، أم لاتينية لاحقة  حتى بداية العصور الحديثة. بل سوغت  بقرارها الحر مشروعية تحرر إستقلاليتها التنظيمية، المرافقة مع اصرارها العميق على البقاء بحالة شركة إيمانية مع خليفة بطرس "إيماني إيمان بطرس وإيمان بطرس إيماني" تقول الصلاة الشعبية المارونية المتوارثة في صيغتها اللبنانية عن أعتق تقاليدها الأولى.

  4. فكرة وطن الحرية. أستنبط الموارنة فكرة الوطن، بركائزه الثلاثة، القيم والإنسان والأرض: أوّنوا قيم  الحرية، أنسنوا أرض لبنان وأرتبطوا بمكوناته المجتمعية، برباط يحاكي "الزواج الماروني" محققين بذلك، لاول مرة في المشرق، طروحات "الوجود الوطني" existence nationale قاعدة اساسية واجبة "للحضور السياسي"، الفردي والمتحدي...، بينما، بالمقابل،  تسعى سائر الكنائس  والمذاهب والأديان، بفكرة هيمنات، دينية، امبراطورية الطابع، أو مملكية المنحى،  سلطانية الإتجاه، طغيانية السلوكات، او عشائرية الإنتماء، وما شابهها 
     

  5. خبرة الله الشخصية على إسم قديسها القدوة. تحمل الكنيسة المارونية اسم قدّيسها القدوة، مارون، كأنموزج مسيحي حي معيوش، هو شاهِد "خبرة الله" فريدة، انها كنيسة على شاكلة مؤسسة رهبانية،[ كما سوف تعرف مؤسسات الرهبنة الباسيلية، الأنطونيانية، الأوغوسطينية، البندكتانية، الفرنسيسكانية...]، لا كأنموزج لآهوتي علاّمة، شبيه معاصره وصديقه وأسقفه، يوحنا الذهبي الفم)347-407)...، ولا كفعل معاكسة عقيدية، ناقمة على الممارسات الكنيسة الكاثوليكية، كما سوف تكون عليه حال بروتستنطية لوثر (1485-1546)، او كفعل أعتناق معتقدات المعاكس المصلح كالفين (1509-1564) وإتّباعه. بينما، بالمقابل،  تُعْرَف سائر كنائس العالم باسم لغات ثقافاتها  وليتورجياتها، وطقوس بلدانها، أو بنمط تنظيمها الحضاري: كنيسة قبطية، كنيسة لاتينية، أرمنية، آشورية، يونانية، مالابارية...

  6. رسولية حية جذابة. إجتذب الموارنة الى إيمان كنيستهم، أمراء ووجهاء وجماعات وأفراداً، من كل المذاهب في المشرق [آل شهاب، آل ابي اللمع، آل الحرفوش، آل عساف...]، وجذبوا صوب قطب فهمهم للحرية، مكونات المجتمع اللبناني المقاوم...، بينما، بالمقابل،  أمم الأرض وشعوبها،  تتحول، تدريجياً،  الى دين ملوكها  وحكّامها، وتحل طوع بنان زعمائها وآمريها، سمعاً وطاعة ومصلحة
     

  7. القلب المفتوح واليد الممدودة. جمعت الكنيسة المارونية بنيها بأخلاقية الحرية وبأدوات السلام وحسب، وواحدتهم "تحت جناحيها"، الكهنوتي والرهباني (متى 23/37)، في "شراكة ألإيمان"، بإقناعية القيم الإنجيلية وحسب. إنها كنيسة رسالية لا جهادية، شهودية لا إشهادية، إحترامية لا تكفيرية، بشروية لا شرعوية، التزامية لا الزامية،   تشاركية  collegialeلا إملائية، شعبية لآ فوقية ...، بينما رجال دين سائر الكنائس وألأديان، بالمقابل، [راجع "القيادة في المؤسسة الدينية" المشرق 2006 ص. 49-69] لا يأنفون من ألإستعانة بالزند الزمني المسلح، وبأدوات  ممالك الأرض القهرية، الشرائعية و/أو العسكرية، لتطييع أتباعها، أو لتطويع  تبّاعا وأتباعا جدداً، بقوة العصا و/أو الجزرة.

  8. المتحد الديني الواحد الغير منقسم. شكل الموارنة معاً، مدى التاريخ، كنيسة واحدة موحَّدة، غير منقسمة ولا متفرّعة ولا منشقة، رغم ألإختلافات  والمنازعات والمآزم الداخلية، ورغم الإضطهادات والمضايقات من الخارج، والعزلة تجاهه. يعتنق الموارنة إيديولوجيا الحرية الكيانية، ويتبعون بموجبها، إستراتيجيا السير معا بإتجاه واحد [وإن لم يحسنوا دوما إدارة هذا السير الديموقراطي السوي]، في مشرق يستثيغ التماثل الإستنساخي التسيير بصف واحد أحد تأحيدي صهري.  يخرج الماروني على كنيسته مفردا منفردا، ولا ينشق عنها جماعة ومجموعة لإنشاء فرقة دينية مبتدعة ...، فيما، بالمقابل،  أصاب كنائس العالم، وأديانه ومذاهبه، مساوءى  المسارات التاريخية، المؤدية الى إنقسامات والى إنشقاقات وفرق متعددة، والى إفتراقات كشيع  وبدع متنوعة،  بل والى إنشطارات ثقافية سسياسية  وجغرافية
     

  9. المتحد الكنسي الإنطاكي المشرقي الما بعد إسلامي. أنمى الموارنة حبة خردل "إيمانهم البطرسي"، في إثر أبيهم الناسك مارون (345-410) ورهبانه وعابداته، وأنضجوا شهادة  خيارهم الخلقيدوني (517)، وأوثقوا إرتباطهم الكنسي بخليفة  هامة الرسل الروماني (685). فشكلوا بذلك االمتحد الكنسي الإنطاكي المشرقي، الوحيد، الذي قام تاريخيا، بعد بروز الإسلام، (دين الهجرة  622)، وبعد تمدد فتوحاته العسكرية على ضفاف البحر المتوسط، بِ 63  سنة. أحترم الموارنة المسلمين وما تعرضوا لنبي الإسلام قط. رفضوا دوما التبعية، وتمنعوا بإستمرار عن الحصول على "وثيقة، فرمان، سند، مستند..." شرعية إنتخابهم  بطريركهم، ومشروعية إطلاق  متحدهم الكنسي، من غير ذواتهم [ أنظر أعلاه ملمح -2-] ... فيما، بالمقابل،  قامت سائر الكنائس  الرسولية  والبطريركية، وإكتمل بناؤها، قبل ذاك التاريخ. وما لبث أن إصطدمت مجتمعات وإمبراطوريات أتباعها بجهاد المسلمين الفتحوي المقدسن sacralisé سقطت أربع أخماس كراسي بطريركياتهم [عدى كرسي  روما]  تحت سنابك خيل الفتوحات الإسلامية.  وفيما بعد أخضعت شرعية انتخاب بطاركتهم لموافقة ولإعتراف الخليفة- السلطان تحت طائلة البطلان والملاحقة...ثم راحت نخبهم الفكرية تستنطق صحةَ رسالة نبي الإسلام السماوية.   

  10.  معطوبية اللاسلطان fragilité de l’impouvoir. لم تعرف الكنيسة المارونية يومًا، مجد المُلك الدنيوي في تاريخها الطويل. حتى ولا "مُجيد gloriole صبيحة أحد الشعانين، تسير فيه، زاهية، على ظهر جحش إبن أتان (يو21/14). إن أقصى ما بلغته الكنيسة المارونية، هو بعض من الإستقلالية الذاتية الملجومة، وكثير من السيادة المتحدية الطليقة، إنشتلت على حرية عبادة إيمانية، تمت لها في وعورة جبل لبنان القاسية، بل وبفضل تلك الوعورة، الى حدٍ كبير. ومؤشر ذلك إرتحال بطاركة الكنيسة المارونية، قسرا وإضطرارا، وتنقلهم ما بين 24 ديرا، أسموه على إسم السيدة، مقرا بطريركيا، خلال 1300 سنة، قبالة اقل من ثلاثة مقرات لكل من بطاركة الكنائس الإنطاكية، والبابلية والأورشليمية والإسكندرية،... وقبالة، مقرين إثنين لبابوات روما خلال الفي سنة...، بينما، بالمقابل، تمتَّعت سائر الكنائس، شرقا وغرباً، بمجد الممالك الدنيوية وتنعمت بعظمتها وغناها وسلطانها  (متى 4/8)، ولو لفترة زمنية، وبعضها إستقر في الحضن الزمني وإرتاح الى الزند المدني، او جمع بين العرشين معاً.
     

  11.  روحانية قضية الحرية. تنهد الكنيسة المارونية للتحرر، بتوتر مستدام، عبر عيشها سر ترقب إنبلاج نور الصباح العظيم. لشدة قسوة ضيقاتها وغلاظة مضايقاتها، بدت صلاتها الطقوسية ممهورة بصورة المسيح السيد المحرر، ومسكونة بالتوق الى لقياه، في الحرية، وبحرية "الهواء الطلق"...، بينما، بالمقابل، تعيش كنائس العالم، بإرتياح شبه مستقر ومستمر، إما تداعيات سر التجسد والملك، إما إمتدادات سر المجد  والبهاء.

  1. الروحانية الألمية، تدفع صاحبها لتحمل العذاب بتجبر مازوشي لجلد الذات. يستعجز نفسه. يتنعجن بعقلية إستضحائية victimisation. يسعى بمنطق جنائزي، فاجعي السمة. يرتاح لمسيحانية تقوية إستبكائية سخيفة طمعا برضوان معبود سادي ظن أنه أبا يسوع. إنه إنسان خارجاني  إتكالي  إحتمائي
     

  2. الروحانية الفصحية، ترفع صاحبها لحمل الآمه بفرح، ولروحنتها بإيمان مسيحي راشد ناضج. يتشاهق الى القيامة. يستنهض الآخرين بروح المغفرة  والوثوق المحب، لحمل صليب الثبات على قيم الحب في الشهادة المسيحية. يتماهى بيسوع غالب الموت بقوة الحب. يلتزم بمسيحانية الهامية رسولية إحترامية، إنه إنسان داخلاني  يؤمن بذاته إيمانه بالحب الثالوثي، وبأن الأب السماوي ، يرجو منه يؤمن به  ويحبه 

      من عمق  روحانية "سبت النور" المعتتم، وبقوة رجاء انبلاج النور المرتقب، أدرك الموارنة أن الرجاْ المسيحي، هو الإيمان الحي بان هناك، حب الهي مشخصن، عنه صدرنا، له ملء الرجاء في كل إنسان، الإنسان الفعلي الحر. راح الأنقياء والأتقياء والأنبياء من الموارنة، إكليريكيين وعلمانيين، يُخَمِّرون عجين الشرق بقيم الحرية، وما زالوا. أما من أرهبتهم الرسالة المحضَّرة civilisatrice هذه، لمشقّتها ولشقاوتهم، فهؤلاء، راحوا يرسبون تباعًا، في الشهادة للحق (يو18/37) بالأمس واليوم، ويسقطون في امتحان التاريخ، حتى يصيح الديك في زمن الضمائر(مر 14/72)، وإلا، فوحتى قيام الساعة.
 
   
1   المارونية، بيرقدار الحرية
          ليست الحرية شبكة قراءة صحيحة لمطالعة تاريخ المارونيَّة (الوجه الاجتماعي السياسي) والمورانية (الوجه الاجتماعي الديني) وحسب، بل هي ما يعطي لهذا التاريخ معناه. بدون الحرية الكيانية، تَفْرغ المارونية من جوهرها، فتَبْهت وتتفه وتزول. فحيثما الحرية، هناك المارونية حقاً. وحيثما المارونية، هناك تنشتل الحرية معها حتماً. اتّخذ الموارنة من الحرية قاعدة هويتهم. ابتنوا بموجبها متن عباداتهم مع الله الثالوث: أنشدوا عشقهم للحبيب الإلهي، تحت عنوان المسيح المحرر (تو4/18). قبلوا الإبن، آمنوا به، حررهم إذ اولاهم أن يصيروا أبناء الله أحرارا (يو 4/12). أدركوا روعة بنوّتهم للأب في إبنه يسوع  بالكنيسة، فمجّدوا الأب الذي حررهم، بحبه الأبوي المتضامن مع إبنه المصلوب، من الخوف منه، بل حررهم من الخوف من  أي أمر (روم 8/15). في مشرق كان وما زال يخاف من الله،  إله الجند والصباووت، سقط الخوف عنهم مذ آمنوا بالأب الحب.  عرفوا أن ليس هناك، في الكون، ما ومن يخيف، بل هناك من يخاف فيجبن ويرتد فينحل ويتحلل. شكروا الروح القدس، الذي احيا شجاعتهم الأدبية وشحن إيمانهم بالطاقة الروحية  énergetiser فحررهم من ذلة الإنكفا، ومن مذلة الجبانة، ومن إذلال الخنوع، وذل الركوع. إستنهضهم (روم 8/21)، للشهادة، بجسارة الأنبياء، لمسيح إيمانهم، امام المتربعين على كراسي الطغيان والأصوليات، أو القابعين في ظلمة التكفيريات وظلامية السلفيات. حسبهم أنهم عرفوا أن المسيحي، هو ذاك الذي يؤمن  بأن الله يحب ألإنسان أولآً، حباً غير مشروط. صاغوا من الحرية شعاع معاملاتهم مع الناس. وحاكوا منها إيديولوجية تَرَسُّلهم الروحي، وأساطير تعنترهم الزمني... وها هم، بمرجعية الحرية اياها، يجيرون ولا يجورون. بمَعْلَمها يُبَرِّرون خياراتهم الكبرى، يسيرون باتجاه واحد لا بصف واحد، ويتنازعون فيما بينهم، تاكيدا على حرية كل منهم، وبرهاناً، في الوقت نفسه، على فشلهم في حسن إدارة تعددياتهم، كل مرة كانوا فيها تافهين مغفلين. يَهْوَون التلاقي الإنساني في عجنة الشرق الشعوبية التعددية، بدافع من ايمانهم الثالوثي، اي ايمانهم بالوحدة في التعددية، وتعلقهم بالمساواة في المغايرة، وحرصهم على المتبادلية في التعامل...وتراهم بموجب الحرية إياها، يقاومون الانصهار والذوبان، ويناهضون التسطيح والتأحيد، لئلا تضيع هويتهم، من جهة، ويرفضون الانفراد والانغلاق، وينفرون من الإنسحاب والاعتزال، لئلا ينتفي تَرَسَّلُهم من جهة ثانية. إنهم حملة رسالة لا سعاة تحنيط. انهم شهود قيامة لا حراس قبر فارغ. يؤمن الموانة الأقحاح، بأنه حيثما الروح فهناك الحرية. لذلك إندفع الموارنة بفعل الروح،  مذ عرفوا، أن الحرية هي علتهم وهواهم، إنها رسالتهم  ووطنهم، إنها شهادتهم الثقافية لتسييد ألإنسان، ولمساعدته  وإسعاده، أنى حل هذا الإنسان، وحيثما كان، في لبنان والمشرق  والعالم
 
   
1.1      حرية التعبير: حق الفرادة.
 

        لم يَرِد في مشروع مارون، أن يكون مُؤسِّسًا، لأي مشروع: لا لأخوية، أو لجماعة رهبانية، ولا لجماعة كنسية. بل عاش في عراء الهواء الطلق anaeros bios، كما وصفه تاودوريطس القورشي. يعشق، بقوة الروحِ، الآب في إبنه يسوع، ويشهد، بحبه الناس، لصدق عشقه هذا. إفْـتُـتن بعضُهم (ن) به (سنة 410)، فجدُّوا مثْله طالبين حرية الحرية، في "العراء": حرية في العبادة عامودياً، مع الثالوث، وفي المعاملة أفقيا، مع الناس. حرية لا تقيدها حروف الناموس مهما كانت مقدسة، ولا تخنقها جدران العمارات مهما كانت باهرة. بسبب حرية التعبير، الدالة على حق الفرادة، عاكس الموارنة منحى "النخ" والتذلل والتسطيح، ومسرى التطييع والتنميط والتسيير، المعشعش في ذهنيات عناترة الشرق وزيرانه، منذ بني القسطنطينية وبني أميّة في امبراطوريات الأمس، إلى منظومات العَرْبَنَة والمصرنة والسَرْيَنَة والوهبنة، في مونوقراطيات اليوم. "قطيع صغير"، هم ؟! لا بأس، أقلية عددية هم، في منطق مشرقي يهاب/ يعتدّ بالأكثريات "الساحقة" طبق "الواقعية السياسية؟! وما هَم. حسبهم أنهم متحد إيمان، طبق يقين "الواقعية القيمية"،["ثقوا، انا غلبت العالم"(يو8/33) بالحب، اي باخلاقية الحرية]، الموارنة وقيم الحرية أكثرية. إثمهم، أن "إسمهم" خُطّ بنجيع صليب الحرية، وبه إصطبغ  "كسمهم" المؤسسي، ووسم "رسمهم" الرمزي [راجع "بطولة الثبات على القيم" مجلة المشرق 1998 ص. 123-153]. وحده  بطريركهم، بين قادة المتحدات الدينية، وبخاصة بين كنائس المشرق، لم يقبل يوماً، عبر تاريخ  جلجلة بنيه في الشرق، بفرمان أمبراطوري أو سلطاني، يعترف له بصحة تسلمه مهام  عصا رئآسته الكنسية المارونية الإنطاكية، ويثبته فيها[أنظر أعلاه فصل-1- ميزة -8-]. حسبه في ذلك، درع "الباليوم" الأخوي،  تعبيرا عن "الشوتفة الأيمانية"، أي الشركة في الإيمان، والتواحد النظامي  مع الحبر الروماني، المتقدم في الرعاة. تلك كانت علاقتهم بروما، أو ما كان يتوقع لها أن تكون، وأن تبقى. إعتصم الموارنة في جبال لبنان وفي وعورة تضاريسه. لجأوا الى المغاور والكهوف، يصارعون قساوة الطبيعة، ويواجهون غلاظة الطامعين بهم، كل ذلك من أجل أن تسلم لهم الحرية، إن هم أُعْدِموا الحياة ورخاءها، ليقيموا القربان بحرية، وبحرية يشهدون للحب الإلهي المحرر. تعبر صلاتهم الشعبية، التي تناقلتها الأجيال، [نقلا لربما، عن السريانية، لغتهم الأولى؟!]، عن تقاليد صلواتهم ذات النمط الرهباني، في الليل والنهار، من  جهة، وتعبر، من جهة ثانية، عن رَجْع معاناتهم الدهرية، في مقاومتهم المزدوجة،  لعناصر الطبيعة، ولعدائية جيرانهم والطامعين بهم كما يبينه الجدول - 3 -:

          " يا رب  لاتموتني، لا حريق، ولا غريق، ولا مشرحط،ع الطريق

           لكن قربانة طرية، وموتة هـنية، وراسي ع  فراشي، والعدرا فوق راسي

           يا عدرا  يا أم النور، يا شعّالة البخور، عطيني من كتابكك مزمور

           تصلّي  سبع مرات بالليل، وسبع مرات بالنهار، وإخلص من عذاب النار..."

جدول- 3- سيمائية مدلولات الأحداث في صلاة الموارنة الشعبية المتعلقة بِ"الآخرة الصالحة"

مدلول حدث - موت مكروه

طبيعي- جغرافي

تـــاريـــخي

إجتماع- سياسي

حدثان التاريخ

 

موت  الغريق

- فياضانات، سيول طوفانات، غمر مياه

أمطار، جرف مواشي ومزروعات

- إغراق، جرف في السيول، رمي في الأنهر، إعدام بالتقعير في البرك  والآبار والبحر

 

 

إغراق المعتصمين في عاصي حوقا 1283، وعاصي الحدث 1290، ...

 

موت  الحريق

- محل، قحط، جدب، جفاف، يباس، تصحّـر

جراد، مجاعة

- محرقة أشخاص، حرق أديرة  وبيوت ومغاور،

إشعال حقول ومزروعات

 

حرق دير مارمارون 694، 732، 964،  محرقة البطريرك جبرائيل حجولا 1367،

حرق دير قنوبين وبيوت شركائه 1430

حرائق إنتقامية، تاديبية 1009  ،1980...

 

موت على  الطريق

 

         

- حراك، إرتحال، إتلاف بالجراد، ترك، تجوال، تـنـقل، سفر

- تهجير، مطاردة، سحل

هدم،غزو ترهيب للإخلاء والهرب، سبي  سخرة،

تنكيل بالبطريرك لوقا البنهراني 1282،

إعدام ابوكرم الحدثي بالكلاب 1642

 تهجير  ومجازر جماعية 517، 694، 759 ، 1265، 1306،...1840، 1860، 1975-1990...

   
1.2     حريَّة التفكير: حق المغايرة.
 

       إن أبرز ما في الوجدان التاريخي لدى الموارنة هو، التأكيد على هويتهم الذاتية، وتعشقهم الحرية وقيمها المجتمعية، وأهمها حرية التفكير الدالة على حق المغايرة، وعلى قيمة التعدديات على كل صعيد إنساني. إنهم نقيض كل تسطيح  وكل تأحيد ، وكل أحدانيات mono. لذا كانوا، موضوعيًا، بحالة صدام مع النهج الإحداني إيَّاه، بالأمس واليوم: فهُدِرَت دماؤهم، وهُدِمَت ديارهم، ودكَّت أديارهم على يد اتباع أحْدَية الطبيعة monophysisme في المسيح، وأحْدَية المشيئة monothélisme، بمحرقة 350 شخصاً من الرهبان والراهبات والمؤمنين الموارنة سنة 517. وأحدنة الطقوس بيزنطياً، ويوننتها  monoliturgisme... أما في الأزمنة الحديثة، فمازالوا يُماتون على يد تباع أحْدَنة الثقافة mono culturalisme، ويُخوّنون لمعارضتهم أحدنة اللغة ولتعريب كل شيء monolinguisme، ويُعَـنّفون لمقاومتهم الأحدنة الحزبية monopartisme، وأحدنة السلطة السياسية monocratisme ، ما بين الطوائف، وداخل كل طائفة، في لبنان وفي محيطه. يرفض الموارنة ويقاومون، كل أنواع الأحْدَنات الصبيانية، التي تُبقي أبناء الشرق بحالة قصور ورضاعة على أكثر من صعيد. إنهم وحدانيون لا إحدانيون، بدليل بقائهم، مدى التاريخ، كنيسة واحدة، فيما سائر الكنائس تتفرع الى عدة تشكيلات كنسية.  إن مقاومة الأحدنة ورفض التبعيات والإصطفافات والصف الواحد والتمرد على القهر والظلم، هو مصدر الحرية وتعبيرها ودافعها  وملهمها. هناك مسوغات اساسية ثلاث  لموقفهم الرفضي الحاسم هذا، هي:
 
  1. سبب لاهوتي، قوامه أن المسيحية، كما فهمها وإختبرها الموارنة،  هي إيمان بثالوث أشخاص متساوين في الجوهر، لهم الطبيعة الإلهية ذاتها، (على عكس ما طلع به آريوس 256-336). المسيحية هي وحدانية ثالوث اشخاص في إحدانية طبيعة الهية. هي ديانة توحيدية uni théisme تؤمن بوحدانية  الأب والإبن والروح القدس. كذا ينص قانون الإيمان النيقاوي على  "نؤمن باله واحد"[credo in Unum Deum] لا باله أحد، اي ليس،[credo in monum Deum]  )أنظر جدول -4-). فيما الديانات التأحيدية  monotheisme تؤمن بكيان الهي أحد أو بطبيعة الهية أحدانية، لا بشخص الهي، كما هي حال اليهودية والإسلام، "قل هو الله أحد، الله الصمد، لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوء أحد" ( سورة الإخلاص112/4).
      جدول- 4- مقارنة الديانات بحسب تصورها  الألوهة،  بمنظار    كمي  أو علائقي
      منظار
     
     العددية

      العلاقة

    الألوهة

     كثرة آلهة - Polythéisme

    إحدانية الله - Monothéisme

    وحدانية الله - Uni théisme

     
     مقومات

     عدد من الآلهة
     تكاثر بالإستيلاد
     إرتباط دون علاقة:
     * صراعات الهية
     * تلاعب بالأقدار
     * رسوم قدرية
     صنيعة تقوى البشر
     نؤمن بقدرة الآلهة 

     الله كيان أحد مفرد
     ليس لله كفؤ أحد
     لا علاقة ولاشريك لله:
     * ذات الهية وليس شخص
     * سلطة خلق وتكليف
     * عناية تدبيرية
     عزة الهية صمد
     نؤمن بكيان إلهي أحد

     الله ثالوث أشخاص
     متساوين في الجوهر
    -علاقة :
     * متبادلية حب ثالوثي
     * دفق حب للخلائق
     * عناية الهامية
     طبيعة الهية واحدة
     نؤمن بأشخاص الثالوث
      الأب والإبن والروح القدس

       ديانة

    ديانات طبيعانية

    "اليهودية"،  إلإسلام، الآريوسية

    المسيحية
     
  2. سبب تاريخي، مفاده أن الموارنة  تاثروا، منذ البدء، بتعددية  البيئة الأنطاكية،  مرجعهم الديني اللاهوتي والتنظيمي المؤسسي. هي تعددية  لغوية  وعرقية وثقافية دينية وليتورجية، إمتشقوها وتبنوها، مدى تاريخهم، كفعل تلاقٍ حضاري وكمورد غنىً أنسانوي (جدول -2-)،  منذ "بستان زيتون" قورش، والمدن والقرى الماية  والعشرين وألإديار السبع والتسعين، المهدمة بين حلب وإنطاكية في القرن السابع، الى ديرهم مار مارون الذي دك على  ضفاف العاصي في أفاميا، فالى جبل إختبار الإيمان في لبنان، جبل أرز الرب، حتى بلوغهم فيه أعلى قمم المشرق المسماة قرنة السوداء، وهي أعلى قمة في المشرق [وهي تسمية منحولة، لَـكـَن فيها اللسان العربي، وإنحرف بها عن مخارج لفظها السرياني الأصلي: "قرنو دسُهديه" قَرنُادسُؤدِا  أي قرن الشهود أو قمة الشهداء) إرتفاع 3093 م.) وهي الإمتداد الجغرافي العامودي المباشر لوادي قاديشا السحيق [ فارق الإرتفاع بين الوادي والقرنة، يعادل 2453 م.]، وقد إنتشر الرهبان الموارنة في كلٍ من مغاور الوادي القديسين، وفي عراء قمة الشهداء، وتوطن الشعب الماروني ما بين القمة العالية والوادي العميق]، ومنه إنطلقوا الى عالم الإنتشار. وهكذا بدا الموارنة تعددين، وهم في الأصل، عجنة شعوبية، يتقنون عدد من اللغات، يتواصلون مع ما أمكن من البلدان والشعوب، وهذا ما يفسر، إلى حد كبير، قيامهم مع أنسبائهم السريان، بحركة أبجدية الترجمة الى العربية في القرن الثامن، ومن ثم، بحركة أبجدية التذهين المسماة النهضة العربية في القرن التاسع عشر. الى حركة أبجدية التحرر الإجتماعي الوطني في القرن العشرين. تعبر كل من حركة الترجمة والنهضة والتحرر هذه، عن التصميم إياه، في إندفاعته الى تحرير الفكر المشرقي والعربي من خنقة الجهل ومن خناق الإنحطاط ومن إختناق التبعية...
     
  3. سبب إجتماعي، قوامه  أن الموارنة، حيثما حلوا،  أنشاؤا حالة إختلاط  إنساني، تعددية الطابع  والهوى والرأي، يستثيغونها ويعتمدونها في البيت، والقرية، والبلدة، والمدينة، ومثله حتى،  في بناء كنائس وأديار متعددة في القرية الواحدة، وفي إنشاء عدة احزاب في الرقعة الجغرافية إياها. بتعددياتهم هذه، ينهدون، بشكل أو بآخر، الى الديموقراطية الناظمة لترتيبات معقلنة في مجتمع تعددي. أنهم تواقون إلى نشر ثقافة الذهنية إلإنسانية، المترافقة مع الديموقراطية، بها يقارعون ظفرية الذهنيات التعصبية، المتشرنقة في منظومة المونوقراطية التأحيدية (جدول-5-)...
      جدول -5- مقارنة الذهنية التعصبية والانسانوية بحسب خصائص كل منها

      الذهنية - الخصائص

    التعصبية - Fanatique

     الانسانوية - Humaniste

      
       الفكر

      فكر جامد متحجر فئوي
      نظام فكري يعصى الاختراقات
      ثنائية إثنينية ، تعميم قاطع
      صعوبة النقاش والمجادلة -  imperméabilité

      فكر متحرك متفهم استقبالي
      نظام فكري نشيط منفعل بالوقائع
      أحتمالات عدة، تخصيص حصري
      استدرار الحوار والنقاش - flexibilité

      الفعـل

      تمحور السلوكات و تشرنقها
      قتال في سبيل المطلق المعبود
      يقين مطبق بالنصر الماحق

      معنية مدركة والتزام  حر
      نضال في سبيل الانسان الحي
      سعي حثيث الى الترقي معا

     
    التعامل

      انصهار في جماهرية الرأي
      تتـفيه مبدئي جاهز للرأي الآخر
      امحاء شخصية المتعصب
      لاتساو،لاتسامح، لا تصافح،

      فرادة الرأي وتواصل مع الآخر
      تقدير فعلي للراي الآخر
      اغناء شخصية الانسانوي
      مصالحات  لتحقيق الذات معا

     
    الوجدان

      تخدر الضمير الادبي
      عقيدتي هي  الحقيقة المطلقة
      الانسان للدين للنظام للعقيدة - rigidité, cristallisation   

      رهافة الضمير الحي
      معتقدي احد حقائق المطلق
      الدين والنظام والمعتقد للانسان  -  souplesse,plasticité
     
  1. الذهنية التعصبية. تمتاز الذهنية التعصبية، بكونها ذات نظام فكري  عقيدي، يعصى الإختراقات. هنا  لا معنى للحوار والتفاوض والتسويات . يشرعن المتعصب عدائيته بالأصولية. ويقدسنها بالإطلاقية المصنمة في حركة إثنينية قاطعة dichotomisation, absolutisation. يخدر ضميره الأدبي بطيبة خاطر. يندفع للقتال وللقتل في سببيل الله، بغيرة عمياء باردة، وبه يقين مطبق بالنصر الإلهي. يعيش حالة ذوبانية في جماهرية الرأي. يُخوّن الرأي الآخر ويأبلس صاحبه. يلذ له إخضاع المغايرين لعقيدته بل وسحقهم دون رحمة. يكفرهم لشرعنة نحرهم بإسم معبوداته الممطلقة...
     
  2.  الذهنية الأنسانوية. تمتاز الذهنية الإنسانوية، بكونها ذات نظام فكري متفهم منفعل بالواقع. الحوار والنقاش هو القاعدة. يندفع الإنسانوي للنضال في سبيل الإنسان، سعيا الى الترقي الحضاري  معا.  يعيش فرادة الرأي الحر في تواصله مع ألآخر، يستدر المصالحات من أجل تحقيق الذات معا. تسهل له رهافة ضميره، إحترام الآخر وصون كرامته، والبقاء بحالة جهوزية لملاقاته، والوثوق به، وبناء مساحات عامة مشتركة للنماء معاً في مناخ ديموقراطي تشاركي واضح المعالم طبق مقولة حقوق الإنسان ...

       إجتهد الموارنة للحفاظ على منطلقات  الذهنية الإنسانوية، حية في وجدانهم الجمعي، وبها يُقوّمون إنجازاتهم الإجتماعية على كل صعيد، وبخاصة  متى اشتدت عليهم الأزمات، ومتى نزلت بهم سيول العصبيات الدينية والسياسية المجاورة، تكرههم على مقارعتها بخسة سلاحها، أي بإستبدال إنسانويتهم بتعصبيات مستعديهم، بل وبأمتشاق حقارة تكفرياتهم... فإن اعمىت الضيقات صدورهم ووقعوا في التجربة اللاإنسانية المرة، إذ ذاك، يتطلعون صوب "صليب الحرية"، ويشربون من كأس إفتدائيته، رحيق  المقاومة الأدبية، ودواء المنعة المسيحية ألإنسانية، بعدها، يقرعون صدور التوبة، يستغفرون الله المحبة ويعتذرون من إخوانهم، وبذلك، يرتدون إلى أصالتهم. هذا ما يفسر، بدرجة عالية من الصحة، لما يسير الموارنة بإتجاه واحد لا بصف واحد، بل ويجتهدون للسير معا، "سينودسساً" جامعاً، ينطلقون فيه بسرعة واحدة، بإتجاه واحد، بتزامن فكري وقيمي واحد، وبمعاصرة مكانية واحدة، بالرغم من صعوبة التصميم ومن عثرات الإنجاز، بل ومن ضعف نفوس بعض القيادات من المردة والمقدمين والقوات او المشايخ.... يعبّر السير هذا، عن حرص المارونية على التعددية، ويختزن منطلقات الديموقراطية المجتمعية.

        ما من قضية إلا وتمايز فيها الموارنة، بدافع مقاومة التسطيح والإنصهار، ورفض العزل والإنعزال، حرصا على  إثبات الحق بالمغايرة، وبالمساواة في المغايرة. يتقنون التمييز بين تغيير الموقف وتغيير المبداء. يطلقون صوت تبرمهم  ليسمعه العالم وإن لم يسمعوا  له دوما. إنهم في معمعة كل قضية مشرقية، وفي صلب كل مسألة إنسانية، ولكنهم فيها، يبقون على شيء آخر منها، يتمسكون بالمشتركات تمسكهم بالفرادة فيها:

  • الموارنة سريان ولكنهم ليسوا يعاقبة،
  •  هم إنطاكيون لا بيزنطيون،
  • هم أراميون لا يونانيون،
  • هم خلقيدونيون لا ملكيون،
  • هم مشرقيون لا أروام،
  • هم كاثوليك لا لاتينيون،
  • هم عرب لا مسلمون...

           بفرادة هويتهم يواجهون المخاطر، وأهمها  خفاشية الأحدنة الأكولة vampirisme الفتّاكة  والمهلكة. إن أمثلة الأحْدَنة التسطيحية أو الإصطفافية منشورة في بطاح الدول الناطقة بالعربية، وقد بلغ سيلها سفوح جبل لبنان، بدعم من مونوقراطيات الوهابية والعروبية والبعثية والبنلادينية... فأنبتت تكفيريات محلية، و"حوّشت" أصوليات مبرعمة، وهيجت عصبيات متشنجة (جدول-2-)، تصادر الحقيقة، وتأبلس معارضيها، تلاحق التعددّيين، وتتعقّبهم لتعاقبهم بسبب مطالبتهم بحريَّة التفكير، وحق المغايرة، فتخوِّن الأصوات الرافضة وتكم المقاومة اللبنانية، بكل روافدها المتعددة الألوان، تلجم حق المشاركة في إدارة الشأن العام، ترسي النهبوقراطية  cleptocratieفي الإدارة، تشيع "الشعور بالعجز المكتسب" والإنسحابية impuissance apprise، تنفث التسييب الإجتماعي في كل القطاعات anomie sociale، تطبع اللامحاسبات،  ترشو المقترعين وتزغل اللوائح، وتفسد الإنتخابات، وتعطلها، لتزوير ارادة المواطنين،...

   
   
2- المارونية أفق مقاومة.
 
           وحده، حامل الحريَّة، يخاف عليها، يعمل لصَوْنها، ويَجْهَد لمقاومة الجلادين، فيحرِّرهم من خناق تسلّطاتهم، ويتحرر. أما المستكين إلى متساقطات موائد المونوقراطيات والتيوقراطيات، شرقية كانت ام غربية، فهو، يخاف من الحرية، بل يخافها، ويسارع للإجهاز على عشّاقها. بإعتمادهم في دمع ودم وماء الحرية الكيانية التي تعَشقوها، يخاطر الموارنة بمواجهة اخطار ثلاث، جرّت عليهم الويل والهول ، ولمّا تزل تتسبب لهم، بالعذاب  والتمويت، هي:
  1.  بلادة التعتير.
     من الخطر تعَشق الحرية في محيط مشرقي، إجتماعي ودولوي Etatique، يعيش حالة إستقالة وإنسحاب من الزمن، ويرتاح على رصيف التاريخ وهو بحالة قيلولة، يصعب معها محاولة  بعث الحيوية الديموقراطية فيه، مما يغضب سلطاته، ويدفع جماهيرأصولييه، للتخريب وللترهيب، كما حدث مثلا، في عزوة الأشرفية، في 05-02- 0062. إنتقاما لكاريكاتور دانمركي يتناول نبي المسلمين، بل كما أصاب اللبنانيين منذ 13-04-1975 بهدف إمرار توطين الفلسطيني، وما لا زال ينزل بهم على إمتداد  دول المشرق بذريعة "الربيع العربي" وبمسوغ فرض  "حكم الشريعة" على يد التكفيريين متعددي الوجوه المقنعة والأسماء السوداء... وماذا عن تعقب المسيحيين وذوي الإرادات الخييرة  وخيرة ألأحرار من كل دين في تونس وليبيا ومصر وفلسطين وسوريا والعراق، كرمى لبقاء ولهناء دولة إسرائيل بل وبتخطيط تلاعبي من صهيونيتها... ومعاقبة المعارضين  وناشطي حقوق الإنسان في السعودية والإمارات  والجزائر...؟ تتهلل المارونية  ويغتبط أهلوها ومعتنقوا هواجسها، بحراك شعوب الدول المشرقية الناطقة بالعربية الناهدة الى تقرير مصائرها بحرية وكرامة. لعل علة المارونية التي عللوا النفس الدهرية بإحقاقها مشرقيا، وإعتلّوا من وزر الشهادة لها مدى التاريخ، تنجز اليوم، بإتجاه الحرية والتعددية والمساواة، والمشاركة في تحقيق الذات بالتساوي لكل مكونات المجتمع، على المستوى السياسي... لذا، يندفعون تلقائيا  لدعم الحراك والتحركات، فكريا وإنسانيا وأدبيا، وبهم خشية مريرية من أن تسرق من هذه الشعوب نجاحاتها، ويسلب منها حلمها  بالتحرر الحق، لصالح "حكم الشريعة" وما شابهها من الفوقيات الأرضية  و/أو السماوية...
     
  2. غيبوبة التخدير.
     من الخطر إشهار الحرية والمناداة بها، لتذهين جموع ذات طابع جماهيري (عشائرية، مناطقية، حزبية، مذهبية، دولية...)، لتصحو الى واقع شعب حر، في حين تراها كانت إنصاعت لتكليفات الشريعة الدينية، وإستكانت الى حالة جماهير قطعانية قانعة وتبعية، تحسن التصفيق أو الرجم، تبعاً لإشارات عناترة السطة وزيرانها. تستفيق يوماً على بهورات بلهاء،  وتنام دهراً، على أنغام ترهات جوفاء، تحت سماء الشرق وصنمية معبوداتها.
     
  3. عجز التقصير. من الخطرالترسّل بالحرية، مقياسا ومرقاة  وغاية قيمية سامية، ودعوة  الناس، بموجبها، الى فك خناق العجزالمكتسب، ودك جدران سجن، أعده لهم جلادوهم، وكسر قمقم التدجين الديني والسياسي، وهتك القدر والمكتوب، في لبنان ودول المشرق، ليتمكن الإنسان المواطن من تقرير مصيره وصنع تاريخه، كذات حر سيد ممسأل، على مستوى الفرد، وكشعب راشد مدرك مشارك، على مستوى الجماعة

      الموارنة هم أهل تمرد وعصيان. هكذا هم، أو هكذا يطالعون مسار تاريخهم الطويل، على ضؤ مثالهم الأعلى المنشود أو المتصور الموهوم.  أنهم جماعة مقاومة لأنهم أبناء الحرية. لم ينجح أحد في الهيمنة على مقدراتهم، إلا باستعماله قوة الفتك والإفناء و/ أو قوة الإغراء والدهاء، فدام تفوقه فترة ثم أنحل وفل. دفع الموارنة، في كل جيل، ضريبة عشقهم الحرية، عرقا ودمعاً ودماً. هي حرية، قاوموا عناصر الطبيعة وعدائية الأقربين، من أجل أن يعيشوا بها، يعيشونها ويشهدوا لها، في "عراء" قمم جرود لبنان. يكفي لذلك، ذكر إستشهاد بطريركهم، مار جبرائيل  الحجولاوي (1357-1367)، الذي إفتدى أربعين رهينة إحتجزهم المماليك، ليمسكوا به. أسلم نفسه بدلا عنهم (يو 18/9). فإقتيد وأحرق على الخازوق في طيلان طرابلس، يوم الأول من نيسان 1367، في المحلة المعروفة الى اليوم، بمقام الشيخ مسعود. [من المؤسف أن لا يكون لمار جبرائيل، البطريرك الماروني الشهيد، لا تمثال ولا نافور ولا مذبح ولا كنيسة على  إسمه، في لبنان أو في العالم. أيستحيل التعويض عن هذا الإهمال المتمادي، طيلة سبعة قرون، بإنشاء معبد له، يبرز بطولة شهادته، ويذهّن الناس بها، في إثر المئوية السادسة عشرة لوفاة مار مارون 2010 ؟!]. ومثله يتوجب النظر في بطولة حياة البطريرك لوقا البنهراني (1283)... ليست المارونية وقفًا على موارنة المنشأ او المعتقد، شأنهم في ذلك شأن الحرية وعشاقها تحت كل سماء. فمن يحمل شعار هذه، ينتسب إلى تلك، ويعبّر عن ذلك بالتدبير والتقرير.

   
2.1 حرية التدبير: حق التجمّع.
      بالأمس، يوم شغر المقام الأنطاكي، تنادى بنو بيت مارون، سنة 685، وانتخبوا من بينهم من أقاموه بطريركًا لهم، عملاً بشرعية استمدّوها من ممارسة إرادتهم الحرَّة، لا من فرمان تمليه عليهم أو تجيزه لهم، أوامر بيزنطيَّة أو أمويَّة بالأمس، سورية أو أردنية أو عراقية ومصرية اليوم، لشرعنة إنتخاب البطاركة في بلدانهم هناك... مؤكّدين بأن حق التجمّع والتنظيم والحكم، ينبع من الشعب، لا من إملاآت الإرادات الإقليمية أو الدولية. لذا رفضوا إنعامات السلطان العثماني وإمتيازات فرمانه الشاهنشاه، حرصا على ألا يرهنوا له خياراتهم السييدية.  في الأزمنة الحديثة حمل البطريرك عريضة (1932-1955) رغبة مواطنية، لإقامة نظام دولة لبنان. ومثله اليوم، يتطلّع الموارنة، إلى اعتماد نظام حكم، ديموقراطي تشاركي، يتشاركون مع مواطنيهم، الأحرار والأخيار، في وضعه وتطويره بحرية، وإدارة شؤونهم الوطنية معًا، بأنفسهم. بمسوغ من عقيديهم الخلقيدونية، ومن معاناتهم التاريخية، إستخلص الموارنة، قولة " الوحدة في التعددية، والمساواة في المغايرة": إعتنقوا الإيمان المسيحي وتعشقوا أشخاص الثالوث، على المستوى الديني، ومثله، على المستوى المجتمعي، التزموا القيم، وتعاهدوا مع مواطنيهم، وأرتبطوا بأرضهم، في عملية قران أدبي مثلث الأضلع، هي أشبه  "بزواج ماروني" لا ينفصم، يحتكم الى مقولة " السير معا بإتجاه واحد، وصنع مصير وطني  وحضاري مشترك"   
   
2.2   حرية التقرير: حق المشرعة.
         باسم الحرية وبمقتضاها ، تقاوم المارونية أي حكم يبغي التسلّط على شعبها، كذا بالأمس قاوم الرهبان تسلط بيزنطية، وناهض المردة الأمويين(720)، وعصت المنيطرة العباسيين )759)، والجبة قاومت المماليك( 1268)، وانتفض فخر الدين ضد العثمانيين، وتمرّد كرم على المتصرّفية (1823-1889)، وثار شاهين ضدّ الإقطاعيين، وواجهت عين إبل الوهّابيَّة( 1922)، ونازع عريضة الانتداب، ومثله، في النصف الثاني من القرن العشرين، ناهضت المقاومة اللبنانية، بكل فصائلها وتنظيماتها ومقاوميها، ومن كل المناطق والمذاهب والتوجهات، تسلطات الفلسطيني وأعوانه عليهم، وسطوة الاحتلال الإسرائيلي والسوري وواجهاته... يرفض الموارنة أن يُمَشْرع لهم سواهم. إنهم قادرون على المشرعة لأنفسهم بأنفسهم، وعلى كافة المستويات. ولكن الموارنة، ومثلهم سائر مواطنيهم، لم يكونوا دوما، على قدر ما تجتذبهم اليه متطلبات الحرية. غالبا ما يجتمعون ولا يحسنون، لا المشرعة الصحيحة ولا توزع الأدوار فيها، ولا إتقان العمل بخارطة طريق إرتسموها فإرتضوها... وبذلك يهدرون الجهد والوقت والمال، وتضيع عليهم روائع تضحياتهم سدىً، وتغيب بطولات ترسلهم، دون طائل... لكونهم يأنفون التقية والباطنيَّة، لا يماري الموارنة الاقحاح، أيَّ تسلط عليهم ولا يمالئونه. قد يقوى المحتل على قهرهم، ولكنه لا يقوى على أخذ تواقيع موافقتهم على احتلاله، عدا بعضٍ منهم، يتشرنقون في لعبة الخوف والكيدية، وفي الواقعية السياسية الممرغة بشهوة المال والسطة، فيتيهون.
   
3   المارونية: مطمح مشاركة.
         ما مَن يدّعي اعتناق الحرية، فيصادرها لنفسه ولجماعته ويمنعها سواه، ويكون كلامه صادقًا. وما مَن يزعم اعتمادها في المساحة الخاصة دون العامة، وتكون الحرية، هي ما يتحدّث عنها. ان المشاركة (وكل روافدها ومشتقّاتها من: اشتراك، اشراك، شراكة، تبادل، تحاور، تحالف، تفاهم، تقاسم، تداول، تعاون، توافق، تواثق، تضامن، تعاطف، تآخي، تساوي، تخادم، تراحم، ...) هي الترجمة العملية لمبدأ الحرية المسؤولة، المعبّر عنها: بالعدالة، بالمساواة وبالمتبادلية     réciprocité وبالممساءلة     responsabilisation (متى 12/7  ) ، تلك القيم الكبرى المعبرة عن سيادة الإنسان، المنفتحة على العلمانية، والساعية الى مأسستها بأدوات الديموقراطية [راجع "العلمانية دعوة تسييد الإنسان. مجلة المشرق 2010 ص.551-592].
3.1   حريَّة التطوير: نظام الشراكة.
          ناهض الموارنة منطق السخرة، ونظام الرق والعبودية، المتبع في الاستبداد الشرقي (انظر جدول-6-)، فطوّروا علاقات الإنتاج عندهم، طبّق منطق الشراكة، وبموجب نظام الأجر و"الكِري"، ووفق قاعدة تملّك الأرض والعقارات بالشراء لا بالانتزاع، بالتراضي لا بالبلص، بالجهد لا بالفتح، بالكسب لا بالتزوير. منطق شراكاتهم الاجتماع- اقتصادية، ومنطوق عامياتهم الاجتماع- سياسية ، بما فيها من منطلقات ديموقراطية استباقية في الزمن، هو امتداد منطق تعدديتهم، وتعدديتهم هي الترجمة الاجتماعية لمضمون ايامنهم الثالوثي الديني، الممهور بالحرية.

جدول -6-  مقارنة أنظمة الحرية والاستبداد بحسب محاور المعاملات الاجتماعية. 

  البيئة    الخصائص

ديموقراطية  جبل   لبنان

 

مونوقراطية بوادي الشرق


صورة الإنسان

- قيمة وكرامة لذاته


- أهمية بذاته


- مواطن، شريك

- قيمة وهيبة لجماعته


- أهمية لربعه


- رعايا، عبد السلطان

منزلة الأرض

- ملكية خاصة


- ملك فردي، إرث


- الأرض قيمة، وطن

- ملكية هاميون


- ملك السلطان، اقطاع


- الأرض سلعة، موطن

تعامل اقتصادي

- منطق الشراكة


- نظام الأجر، الكري


- تملّك الأرض بالشراء

- منطق السخرة


- نظام الرق، العبيد


- انتزاع بالقوة، التوسع

تعامل اجتماعي

- نسق التبرع الاكتتاب

- اتباع العونة

- نظام التضامن

- نسق الخراج الجزية

- اتباع الخوة

- نظام الغزو السطو.

تعامل أمني

- قاعدة طرح الصوت

- تطوع ذاتي

- فعل دفاع ومقاومة

- قاعدة التجنيد، العسكرة

- تطويع مرتزقة

- فعل فتح واحتلال

تعامل سياسي

- مبدأ اختيار وانتخاب

- نظام العامية والشعبية

- نهج الاستفتاء والالتزام

- مبدأ توارث وبكورية

- نظام اقطاعية وزبائنية

- نهج الأمر والإلزام.

          لا ارقاء ولا عبيد للدير مثلاً، بل له شركاء ومَكاريون يعملون لديه ومعه، ومثله، لدى كبار المالكين الدروز، مواطنيهم في جبل لبنان. إتبع الموارنة نظام التبرع «بالمعاليم» و«بالنورية» التي استمر العمل بها في بلدة عمشيت حتى الأمس القريب، إعتمدوا منطق العونة والتضامن، والنخوة، به يناقضون نظام الّخوة والغزو والاحتلال. أما على المستوى الدفاعي، فطوروا نظام التطوع الحر، وقاعدة "طرح الصوت"، و "عمل الكوشه" وإقامة "المعقودة"،  للزود عن مقدساتهم، المادية والروحية والثقافية، في الملمات [راجع "الخدمة الإجتماعية لدى الموارنة". المشرق 2011. ص. 349-373]. كذا تكوكبوا مع شركائهم، في إمارة جبل لبنان، حول فخر الدين، ابان معركة عنجر، بالأمس. ومثله البارحة، تجمعوا مع مواطنيهم في الجمهورية اللبنانية، لمواجهة الطامعين بوطنهم وبمؤسساته، بالرغم من ان المتشهونين على المال والسلطة، من كل طوائف اللبنانيين، الذين اصطنعوا من أنفسهم، حربائيات مدّاحي قوى الاحتلالات «الاخوية أو العدوة»، والبسوا قادة هؤلاء، أجنحة «الملاك الحارس»، وعمامة «الأخ أبو الإعمار وابو الفوارس»، وخلعوا عليه وشاح «الفدائي المغوار»، او عباءة "الشقيق الباسل"

   
3.2    حريّة التحرير: نظام العامية
                       باسم الحرية والكرامة والسيادة، رفض الموارنة مبدأ التوارث ونظام البكورية، قاعدة لتداول السلطة. فناهضوا الاقطاعيّة وأدانوا الزبائنية ورفضوا المحسوبية، سبيلاً للتعامل السياسي. إعتمدوا مبدأ الاختيار والانتخاب الحر، على المستوى الكنسي، في أنتخاب رؤسائهم في الأديار أو إنتخاب بطريركهم (يتم ألإنتخاب الديري، بوضع حبة قمح أو حبة شعير ترميزا إلى "نعم"  أو إلى "لا"، لفلان). إستنبطوا مبدأ العاميّة الشعبية، على المستوى المدني الوطني،  يجتمعون فيها مع مواطنيهم، بحالة جهوزية عملية، ومساواة بين الأفراد، وتكافوء ما بين الجماعات، في لحفد(1832) وإنطلياس (1840)... [يتم ألإنتخاب إما بوضع  ورقة في صندوق الإقتراع، وإما برفع الأيدي، وإما بالمناداة..]. إن عمليات الإنتخاب والعامية هذه هي الترجمة المباشرة لأواليات الممارسة الديموقراطية، المشدودة الى قاعدة الإقرار بالحرية الشخصية والقرار الحر، وبسييدية الإنسان الذات الفرد، وبسيادة الشعب. وحدهم سكان جبل لبنان مارسوا العاميات دون سائر بلدان ومجتمعات المشرق. لأنهم أوئل سكان جبال الأرز ورثة الكنعانيين الفينيقيين، فقد أوسعوا للوافدين تباعاً الى جيرتهم، مكاناً لهم مرحباً بهم، في فضاء قلوبهم وفي مدى سكناهم: منذ سنّة بني سفيان في القرن السابع، وشيعة آل البيت في الثامن ، ودروز حمزة في العاشر، الى آخر الوافدين في القرن العشرين من ارمن واشوريين (في مطلع القرن العشرين) ومن اكراد وفلسطينيين (في منتصفه)، ومن عراقيين وسوريين في نهايته وبداية القرن الواحد والعشرين،). إستمروا في جبال لبنان العالية، يسكنون بعيدا نسبياّ عن يد السلطات الحاكمة وعن متناول زندها الأكول، ولم يهبطوا الى سكنى الساحل، جدياً، الأ في أوائل القرن العشرين بعدما إستوثقوا مواطنيهم، ووثقوا معهم بسيادة لبنانهم الجامع لتضحيات كل أبنائه التاريخية، وتواثقوا في الحفاظ على الميثاق الوطني...  وحدهم كانوا الشواذ عن قاعدة التجانس الشعبوي الماحق في دول المشرق homogénéité، بل كانوا الشذوذ فيه، منذ قيام سلطة سرجون الأكادي [القرن الخامس والعشرين ق.م.] الى اليوم، لكونهم تواثقوا وتوافقوا، مع إخوانهم الدروز في جبل لبنان على بناء أمارة إجتماعية- سياسية،  بقيادة الأمير فخر الدين المعني، محققين بذلك أول تشارك تام، بين قومَين ودينَين مختلفَين، بمساواة كلية، وفي ذلك معجزة مجتمعية، تبلغ حد الإعجاز السياسي في منظومات المشرق التنظيمية... وحدهم في لبنان اليوم، كما في البلدان المجاورة، يشتركون مع  مواطنيهم، من كل الطوائف والمذاهب، في سكنى قرى مشتركة، بنسب عالية، لا تجاريهم فيها بمثله، أية مذاهب أخرى، تتساكن فيما بينها  في قرى مختلطة. لعل عشقهم التساكن الثقافي المختلط، وإرتياحهم الإنساني الإحترامي الى العيش معا مع جماعات مغايرة عنهم [ مذهب، عقيدة ، نظم أخلاق، خيار سياسي...]، إن هو إلا التطبيق العملي، لمثال "الحياة معا" التي الفوها وأجلّوها في أنموذج الحياة الديرية في قنّوبين ومغاورها [ قنوبين لفظة يونانية مركبة  تعني koinos اي معا،  bios اي الحياة. ومنها cenobite اي راهب (ة)  ديري، يقابله في المعية الديرية calybite اي الراهب الساكن في مغارة حول الدير، كما هي حال مغاور نساك دير قنوبين] ... بمقدار ما يتحالف الموارنة مع رافضين مثلهم، بمقدار ذلك ينجحون في مسعاهم لتحرير وطنهم من الإحتلالات، ولاستقدام  خيور المستقبلات، برافعة الحداثة. تلك هي القاعدة الإجتماع سياسية الذهبية، المستخلصة عن امثولات تاريخ الموارنة.
   
4    المارونية، فعل اعتراض
   الحرية طاقة ديناميّة، يتحرّق صاحبها للترقي بها، فرديًا وجمعيًا، نحو الأسمى. فيحلم، ويتحرك باتجاه تحقيق حلمه. يشكل النقد أداة الاقلاع عن الاتباع، وتسريع سبيل الابداع، والتجروء على المستحيل بإستقدامه من رحم المستقبلات. أما مقولة: « لمَ لا يكون الأمر على غير ما هو عليه»؟ فتشكل رافعة التجديد والتغيير، تجديدًا يطال كل شرع وقانون أو تقليد، لاستبداله بمعايير normes جديدة، تكون أكثر صفاء  ونقاء لتحقيق القيم valeurs والتعبير عنها بشفافية. المارونية هي أصلا فعل إعتراض روحي، قام به الناسك مارون، على سهولة العيش والرخاْء، وفي أثره سار الرهبان والراهبات وتبعهم الشعب، يطلبون الشهادة  للحرية في الهواء الطلق:  هذا يطلبها في صومعته، وتلك في ديرها، وهولاء في بيوتهم وحقولهم وأولئك في محترفاتهم ومتاجرهم، ويشترك الكل في ألإعتراض إياه، على كل إساءة الى كرامة الكائن البشري، وعلى كل  تفاهة تجاه الحق والعدل والخير. كذا مثلا، إعتصم الرهبان والراهبات، ليل نهار، طيلة 36 يوما، في "العراء"، على قارعة الطريق المؤدي إلى قصر رئاسة الجمهورية في بعبدا، إحتجاجاً على حصار الجيش السوري مدينة  زحلة، وقصفه المستمر والمدمر لها، في صيف سنة1981، وكذا تحلق الناس حول كمال جنلاط في موقفه الرفضي 1974، وحول الإمام موسى  الصدر في ممانعاته  الأجتماعية 1979،  وتكوكبوا حول قيادات الجبهة اللبنانية في رفضها التدخلات الشقيقة 1977، وتجمعوا حول بشير الجميل في القوات اللبنانية لمناهضة التمدد الفلسطيني 1980، وعانقوا طروحات ميشال عون في قصر الشعب 1989 لإنقشاع مقومات القضية اللبنانية والتذهين بقيم المقاومة اللبنانية الجامعة، في عملية وطنية أفقها التحرر الداخلي من المفسدين والتحرير من احتلالات الخارج، وتعاونوا في 2000  لإنكفاء الإحتلال الإسرائيلي، وتجمهروا في ربيع 2005 لجلاء قوى الإحتلال السوري، وتلاحموا لصد عدوان الإسرائيلي في 2006، وتضامنوا في 2013 لمواجهة تفجيرات التكفريين الفتنوية...
 
   
4.1   حرية التنظير: حق النقد
      وثق الموارنة بتواضع، من أنفسهم، وحرصوا بأباء على كرامة الانسان، واستلهموا شعلة الحرية المتلازمة مع سيّدية الإنسان. فرفضوا بموجبها جمود ما هو متبع، واعملوا فيه نقدًا وتصويبًا، بل تحسينا وتجديدا، كما في العبادات الدينية البيعية، كذلك في المعاملات المدنية الزمنية... ذاك كان موقف بطرس البستاني، وفارس الشدياق... وبعضهم، تعاطى النقد الذاتي، بما يقتضيه شغف الحقيقة ونبل الفكر وإحتراميَّة الآخرين: ذاك كان نهج جبران خليل جبران، وأمين الريحاني، ومي زيادة، وخليل سركيس، ومارون عبود وعشرات المفكرين، والمنظرين والأدباء، مثقفو ومتفكرو intellectuels "وأنبياء" المجتمع المدني والكنسي، بالأمس واليوم، أمثال، لويس خليفة، وعمانوئل خوري، ويواكيم مبارك، وميشال الحايك وسواهم اليوم وكل يوم. إنهم مخاطرون سبّاقون في كل أمر جلل. فمتى تسامح معهم مضطهدوهم وعفّ عنهم متعقبوهم، طلبوا  هم أنفسهم الترقي الروحي بالإستشهاد الإيماني عبر التقشف في المناسك، وتطلبوا التجرد والتعفف في الأديرة والصوامع، او طالبوا بصدقية الألتزام في يوميات حياتهم عبر المساءلة والممسألة والنقد الذاتي، يتناولون فيها  أمور الدين وشوؤن الدنيا. مقصدهم  من عرض واقعهم ومن إستعراض مسارهم، ومن التعرض لهذا وذاك بالنقد والمراجعة، هو إبقاء الذاكرة التاريخية حية، بعد تطهير جدي لها من روايات تحريفية او تخريفية اصابتها. بالمقابل  يصعب على أهل المشرق ومثقفيه إبداء موقف ناقد لممارسات أصحاب السلطة عندهم، بل وقد يستحيل عليهم الأمر. السطة هنا تحصي على اصحاب الراي أنفاسهم، ببرهان ضيق زنزاناتها عن إستيعاب سجناء الرايء عندها. أما متفكروا الموارنة فإن نقدياتهم تصيب أولا أهل البيت واصحاب الدار فيها، وبخاصة رؤوس الهرم الكنسي والتنظيم المدني، بهدف تصويب المسار وبوصلة الصيرورة وكشف المصير. قيل  "ان الموارنة لا يتفقون" ، وإعتبر القول هذا حكما ثابتا مبرما، يجرّم الموارنة بمشاحناتهم،  ويعيب عليهم "نقاراتهم" الصبيانية ، ويستسخف مسالك فضهم نزاعاتهم. والحال إن تفسير القول الماثور هنا على هذا النحو، يشي بسؤ فهم فاضح مغرض مشبوه. الصحيح أن القولة في السريانية مورونوييه لو مطقسيه، تعني ان الموارنة يتفقون ويتوافقون،  ولكنهم لا ينتظمون في صف  ترتيبي ولا يصطفون في خط مخطط. لا يتبعون أحدأ، ولا يسيرون خلف احد. يسيرون سوية سينودسا واحدا، أي إنه  يطيب لهم السير معا بإتجاه واحد لا بصف واحد، تماما كما  قطيع المعزة، [الذي ألفوه في حياتهم الجبلية]، يسير بإتجاه واحد حتى في اصعب معابر الجبال وعورة، على عكس مسيرة قطيع أغنام وانعام السهل، وبخلاف قوافل الإبل في إسرائها في البوادي. لم يسر الموارنة يوما صفا واحدا. ومن المرجح أن لا يسيروا يوما في صف واحد، لا لشيء سوى لتشبعهم من الحرية والتعددية، وإن لم يحسنوا ادارة هذه وتلك، على نحو ديموقراطي كافٍ. لئن عبّر هذا السير عن مدى إستماتة الموارنة للحفاظ عليه، فإن ما إرتضاه الموارنة  لذواتهم، يصرون على حسن التعامل  مع مواطنيهم بمقتضاه، اي السير معا بإتجاه واحد، بندية مساواة، وتشاركية حاكمية، وتوافقية وجهة، وتفاهمية إجرائيات، مع تعددية اراء وتنوع استحسانات، وإختلاف إجرائيات، ومغايرة تدبيرات، تبقى كلها مشدودة الى القيم العليا في الخيارات الوطنية الجامعة، أو أقله هكذا تطيب لهم،  وكذا يتوجب أن تكون...
   
4.2    حرية التغيير: حق الابداع
        يساهم الناقد في تغيير الواقع المشكو منه، بمجرد تذهين الناس بموطئ نقده، ويبلغ أقصى مهمته، إن استطاع ابداع بدائل تطبيقية لذاك الواقع المشكو منه او الذي ينتقده. ان مجرد تذهين الناس، هو هو فعل شحنهم بالمناعة وبالمنعة، وفعل تمكينهم من المقاومة الادبية المبتغاة. تشكل أفعال التذهين والمناعة والمقاومة، رافعة تحويل الناس من حالة جماهير منقادة، الى حالة شعب سيد، وتحويل الكائن البشري من فرد مستنسخ منمط في مجموعته الثقافية الدينية، الى شخص حر راشد سيد، يتمتع بحرية الضمير المطلقة، يلتزم إن قبل وإقتنع، وينفر الى منظومة فكرية دينية أو ثقافية أخرى إن بدت له صوابيتها. فلا تحرج عنده ولا حرج عليه في كلا الحالتين. إنه حر بمقدار ما هو كرامة، لايخشى "حكم المرتد" تنزله فيه جماعته الكنسية، ولا يهاب بطش ذويه  أو شماتتهم يكرهونه " بقوة المطاوعة" على ممارسة "للخبث البنيوي" بالتظاهر بأنه متدين فيما هو مكره على إتباع التقية الفكرية والنفاق  الخلقي... حرية الضمير  هي عمق جوهر حرية التغيير،  وبرهان تقدمية المجتمع وعلامة ثورية فلسفة الحرية الكيانية لدى الموارنة، تلك المتعارضة كلياً مع أحكام الفقهاء الشرعيىة، التي تخشى  ممارسة المؤمن المسلم حريته، لذا تلجاء لحظر حرية الضمير تحت طائلة إنزال حكم المرتد فيه....لقد مارس الموارنة حرية التغيير، وما يزالون، يمارسون النقد الذاتي، والحلم بشكيلات متجددة باستمرار، عبر كتابات مفكريهم، ومجامع أحبارهم، لا بل نجحوا على الدوام، في هيكلة قوة الاعتراض، وتوظيف اندفاع التطلُّب لديهم، في إجتماعات ديريّة، وخلوات رهبانيّة ومجامع بطريركية، ومنتديات إجتماعية سياسية. كما في مؤسسات الرياضات الروحية، الرعائية والفريقية، والحركات الرسولية... القائمة كلها، على فعل  «الميطانية» أي الارتداد الجواني المتمثل بثلاث:
  • العودة إلى الذات، إلى الجذور، وفي ذلك فعل أصالة لا هوس أصولية  رعناء
  •    إعادة النظر في الواقع وتقويمه، وفي ذلك فعل نقد موضوعي لا جلدٌ للذات 
  •    المشرعة والسعي لتاوين القيم  actualiser ولتحقيق الأهداف، لا تكرار إجترار

   تلك كانت مسيرة السينودس في تسعينات القرن الماضي، وهذا هو مسار المجمع البطريركي في بدايات القرن الواحد والعشرين اليوم، والسينودسات الأقليمية والمحلية...

   
5    كرامة الانسان، قيامته بالحب والحرية والسلام
           بالحرية تكيَّن الموارنة وتكونوا. لقد تمثلوا الحرية، فأصبحوا قياميين، يجتمعون للصلاة وقوفا في حضرة الحب المتأنسن يسوع، أو يقيمون "المطانية" إرتداداً الى جوانيات دفق الروح، عطية الأب لهم وللعالم. لذا لم تركع ركبهم، في عباداتهم كلها، إلا لرفعة القربان، ولم يركعوا سياسيا لأي من بعاليم العالم.  فاجتذبوا إليهم: بأخلاقية الحرية وبأدوات السلام، من كان من غير متحدهم، كأمراء آل شهاب، وحرفوش، وعساف، وأبي اللمع وسواهم، أفرادًا وجماعات (يو 10/16). بالحرية والمحبة، لا زالوا يجهدون، مع مواطنيهم في لبنان واخوانهم في أرض الشرق، للبناء وللارتقاء، وإلا زالوا من الفعل الحضاري.  هويتهم انهم ابطال محضّرون héros civilisateurs، ورسالتهم انهم ابطال مؤسّسونhéros fondateurs ، وقد اثبتوا بدرجة عالية، ميزتهم في هذه وامتيازهم في تلك...

                 تلك هي سيرة الموارنة في وجهها المشرق. أما في الوجه المظلم منها، فقد تهاوى عدد منهم: في الجبانة أو الإغترار كبطرس (لو 23/55)، والخيانة أو التعنتر كيوضاس (لو 23/37)، وفي الهلع  والإرتعاب  كالتلاميذ (مر 14/51)، وتلوع البكآآت (لو 23،28)، وغلاظة الجند (متى 27/28)، وانحراف الحَرَس (يو 18/23)، وتآمر الأحبار والزعماء (مر 15/11)، وتواطؤ الحاكم (مر 15/15)، وجهالة الجماهير (لو 23/21)... هؤلاء أساءوا كلهم، بشكل أو بآخر، إلى المارونية إساءآت خمس أساسية:
  • ادغام المارونية (الوجه الثقافي السياسي)،  بالمورانية (الوجه الإيماني الديني).
  • إغفال مناهل قيم المارونية، والانقطاع عنها، او تسليعها وإستصغارها.
  • التذرع بالمارونية وادوتها instrumentaliser لتغطية سوء تصرفات المتذرع،
  • إسقاط الروح الرسولية عن المارونية، بتحوّل جسمها الحي إلى جثمان مُرْوِح.
  • تفويت فرصة إضاءة طريق الحرية الشخصية الكيانية المُمَسئلة، أمام كل من مات من أجلهم يسوع وقام، في مجتمعات المشرق.
  من أمات في نفسه عنفوان كرامة الانسان، وركع أمام المعبودات ليملك وليمتلك (متى 4/9)، مات في عتمة الفناء. ولكن من عانق الحرية، إذ يعشق الانسان الكامل يسوع المحرر (يو 8/32)، فاضت فيه الحياة (يو 10/10)، وأتى بثمار كثيرة (يو 15/5)، فهذا، وإن مات، فسوف يحيا (يو 11/25).  تلك هي سيرة عشاق الحرية ومسيرة شهادة محبتهم، على الصعيد الاجتماع- السياسي والاجتماع- الديني.

 
   
5.1    صعيد الاجتماع-السياسي: تحقيق الذات معًا
       شغف الموارنة بالحرية، هو شغفهم بمعنى وجودهم الثقافي. باسمها لاقوا، اخواناً لهم انتبذتهم عصبيات المشرق وأصولياته الخانقة... فتحول الكل مغرما بالحرية عاشقا فعلها المزخِّر بمناعة المقاومة، في لبنان، وان بدرجات متباينة. حمل الموارنة، مع ذوي الارادات الطيبة، ريادة الدفاع عن حقوق الانسان، وهمهم السعي مع مواطنيهم في ترجمة شرعة حقوق الانسان إلى ثقافة ديموقراطية، وترجمة ممارسة الحرية إلى نظم ديموقراطية، مشدود الى فضاء العلمانية الإحترامية، في لبنان، ومنه إلى المجتمعات المجاورة، من أجل تحقيق الذات معًا على المستوى السياسي. إن في رغبة الشعوب التي تعاني من ظلمة الظلم، قوة دفع الىى التحرر الإنساني، يعصى  اواليات القمع  والتلاعب manipulation والتهويل. تستمد الشعوب من الحرية الكيانية  ومن وعي قيمة الكرامة الشخصية،  وأهمية حقوق الإنسان، فائضا من الطاقة، تندفع بموجبه الى تسييد  ذاتها في قرارها الحر  وتقرير مصيرها.   هذا ما يفسر حراك  شعوب الدول المشرقية، بمناهضتها أنظمة القهر والفوقية، لا لتستبدلها بأنظمة "حكم الشريعة" بل سعيا الى إقامة الديموقراطية ذي الوجه الإنساني.
   
5.2    صعيد الاجتماع-الديني: تخطي الذات
         تتصف المارونية بالتعمق لا بالتوسع. بالحب عاش أنقياء الموارنة، اكليرسا وعلمانيين. وللحب شهدوا في مناسكهم وأديرتهم، كما في حقولهم وديارهم. عبّروا عن المحبة بالبذل والمصالحة، بالتفاهم والتواثق، وبها بلغوا القداسة، ورفع بعضهم على المذابح، امثال شربل، ورفقا، والحرديني، وقريبًا يعقوب  الكبوشي واسطفان الدويهي، وإسطفان نعمة... وبدافع الحب إياه، اندفع أتقياء الموارنة وأنبياؤهم، بروح الخدمة والأخوة، إلى توحيد قميص انطاكية الممزق منذ خلقدونيا، في وحدة مسكونية كنسية، فيها، لا تحقق كل الكنائس ذاتها معًا، وحسب، بل تتخطى كلٌ منها ذاتها، باتجاه يسوع القائم من الموت الذي وعد بأنه. "اذا ارتفع، جذب اليه كل احد". يمكن  النفاذ الى قانون  إجتماعي يندرج على مستويين:
  • المستوى المسكوني،  بقدر ما ترنو الكنائس إلى يسوع والى قيم إنجيله،  وترتفع صوبه، بقدر ذلك تتقلص المسافات الفاصلة بينها. فتسقط جدران الخصامات، ويتواحد الجميع في الاب بابنه يسوع. إن كرامة الانسان قيامته. ولا قيامة إلا بالحب الخالص
  • المستوى الوطني ،   بمقدار ما ترفع مكونات المجتمع اللبناني، الحرية الكيانية ومفاعيلها القيمية، مَعْلماً لها ومنارة، وبمقدار ما يترجم اللبنانيون الحرية، الى مشاركة ديموقراطية، من أجل تحقيق ذواتهم معاً على المستوى السياسي، بمقدار ذلك، يقوم لبنان الرسالة، بل يقوم اللبنانيون بحمل  الرسالة بفرح، ويتحصنون بمناعة الحرية. ولا قيامة حقة للبنان ولبنيه،  ولا رسالة  إنسانية مُحَضِّرة، تتم بنجاح على يدهم، لخيرهم، ولخير ألمشرق والعالم، خارج أخلاقية الحرية، وأدوات السلام.
 
       Chucri Simon Zouein, Computer engineer
     
echkzouein@gmail.com
www.puresoftwarecode.com
© pure software code - Since 2003