الإنجيل اليوميّ   -      يا ربّ، إِلى مَن نَذهَب وكَلامُ الحَياةِ الأَبَدِيَّةِ عِندَك ؟ (يوحنا 6: 68) التقويم الماروني
  الرئيسية  

1 الى 15، من شهر اذار 2023
 

الإنجيل اليومي   -     التقويم الماروني  

 

شرح \ تقيم

1- الأربعاء الثاني من الصوم الكبير    
                                          إنجيل
  «وهَهُنا أَعظَمُ مِن سُلَيمان!»
      
روبير من دوتز (نحو 1075 - 1130)، راهب بِنِدِكتي
2- عيد مار يوحنّا مارون المعترف       (2 اذار)
                                          إنجيل القدّيس متّى 17-13:5
  «بَل عَلى ٱلمَنارَة، فَيُضيءُ لِجَميعِ ٱلَّذينَ في ٱلبَيت»
      
للقدّيس خوسيه ماريا إسكريفا دي بالاغير (1902 - 1975)، كاهن ومؤسّس
3- يوم الجمعة الثاني  من الصوم الكبير
                                          إنجيل القدّيس متّى 35-23:18
  «أَفما كانَ يجِبُ عليكَ أَنتَ أَيضاً أَن تَرحَمَ صاحِبَكَ كما رحِمتُكَ أَنا؟»
      
للقدّيس قيصاريوس (٤٧٠ - ٥٤٣)، راهب وأسقف آرل
4- السبت الثاني من الصوم الكبير
                                          إنجيل القدّيس مرقس 25-19:11
  «فأَجابَهم يسوع: آمِنوا بِالله» (مر 11: 22)
      
للطوباويّ شارل دو فوكو (1858 - 1916)، ناسك ومُبشِّر في الصحراء
5- الأحد الثالث من الصوم الكبير : أحد شفاء النازفة
                                          إنجيل القدّيس لوقا 56-40:8
  «يا ابنَتي، إِيمانُكِ خلَّصَكِ، فاذهَبي بِسَلام»
      
للطوباويّ شارل دو فوكو (1858 - 1916)، ناسك ومُبشِّر في الصحراءّ
6- الاثنين الثالث من الصوم الكبير
                                          إنجيل القدّيس يوحنّا 27-21:8
  «عِنْدَمَا تَرْفَعُونَ ٱبْنَ الإِنْسَان، تَعْرِفُونَ حِينَئِذٍ أَنِّي أَنَا هُوَ»
      
للقدّيس مكسيمُس الطورينيّ (؟ - نحو 420)، أسقف
7- الثلاثاء الثالث من الصوم الكبير
                                          إنجيل القدّيس متّى 12-1:23
  الحياة الجماعيّة: «أنتم جميعًا إخوة»
      
عظة منسوبة للقدّيس مقاريوس (؟ - 405)، راهب مصري
8- الأربعاء الثالث من الصوم الكبير
                                          إنجيل القدّيس متّى 13-10:17
  إيليّا الجديد
      
للقدّيس كيرِلُّس (313 - 350)، بطريرك أورشليم وملفان الكنيسة
9- الخميس الثالث من الصوم الكبير    
                                          إنجيل القدّيس لوقا 37-20:17
  «فَها إِنَّ مَلكوتَ ٱللهِ بَينَكُم»
      
للطوباويّ يوحنّا هنري نِيومَن (1801 - 1890)، كاهن ومؤسّس جماعة دينيّة
10- يوم الجمعة الثالث من الصوم الكبير
                                          إنجيل القدّيس لوقا 21-16:12
  الاغتناء بنظر الله
      
للقدّيس أوغسطينُس (354 - 430)، أسقف هيبّونا (إفريقيا ) وملفان الكنيسة
11- السبت  الثالث من الصوم الكبير      
                                          إنجيل القدّيس متّى 14-1:12
  «فَٱبنُ ٱلإِنسانِ سَيِّدُ ٱلسَّبت»
      
للقدّيس أوغسطينُس (354 - 430)، أسقف هيبّونا (إفريقيا ) وملفان الكنيسة
12- الأحد الرابع من الصوم الكبير : أحد مثل الابن الشاطر    
                                          إنجيل القدّيس لوقا 32-11:15
  «أَقومُ وأَمضي إِلى أَبي»
      
للقدّيس بطرس خريزولوغُس (نحو 406 - 450)، أسقف رافينا وملفان الكنيسة
13- الاثنين  الرابع من الصوم الكبير
                                          إنجيل القدّيس لوقا 45-37:9
  «وَأَنْتُمُ ٱجْعَلُوا هذَا الكَلامَ في مَسَامِعِكُم: فَٱبْنُ الإِنْسَانِ سَوْفَ يُسْلَمُ إِلَى أَيْدِي النَّاس»
      
للقدّيس توما الأكوينيّ (1225 - 1274)، لاهوتيّ دومينكيّ وملفان الكنيسة
14- الثلاثاء الرابع من الصوم الكبير
                                          إنجيل القدّيس مرقس 26-22:8
   
15- الأربعاء الرابع من الصوم الكبير
                                          إنجيل القدّيس لوقا 10-1:7
  «أَقولُ لَكم: لم أَجِدْ مِثلَ هذا الإيمانِ حتَّى في إسرائيل»
      
التعليم المسيحيّ للكنيسة الكاثوليكيّة
 
 
15    الأربعاء الرابع من الصوم الكبير     -     إنجيل القدّيس لوقا 10-1:7    
 
    إنجيل القدّيس لوقا 10-1:7 
 

بَعْدَ أَنْ أَكْمَلَ يَسوعُ كَلامَهُ كُلَّهُ عَلى مَسَامِعِ الشَّعْب، دَخَلَ كَفَرنَاحُوم.

وكَانَ لِقائِدِ مِئَةٍ خَادِمٌ بِهِ سُوء، وقَدْ أَشْرَفَ عَلى المَوت، وكَانَ عَزيزًا عَلَيه.

وَسَمِعَ بِيَسوعَ فَأَرْسَلَ إِلَيهِ بَعْضَ شَيُوخِ اليَهُود، يَسْأَلُهُ أَنْ يَأْتِيَ ويُنقِذَ خَادِمَهُ.

فَأَقْبَلُوا إِلى يَسُوع، وأَلَحُّوا يَتَوسَّلُونَ إِلَيهِ قَائِلين: «إنَّهُ مُسْتَحِقٌّ أَنْ تَصْنَعَ لَهُ هذَا،

لأَنَّهُ يُحِبُّ أُمَّتنَا، وَقَد بَنَى لَنَا المَجْمَع».

فَمَضَى يَسُوعُ مَعَهُم. ومَا إنْ صَارَ غَيرَ بَعِيدٍ عَنِ البَيْت، حَتَّى أَرْسَلَ إِلَيهِ قَائِدُ المِئَةِ بَعْضَ أَصْدقَائِهِ، يَقولُ لَهُ: «يا رَبّ، لا تُزعِجْ نَفْسَكَ، لأَنِّي لَسْتُ أَهْلاً أَنْ تَدْخُلَ تَحْتَ سَقْفي.

لِذلِكَ لَمْ أَحسَبْ نَفْسي مُسْتَحِقًّا أَنْ آتِيَ إِلَيْك، لكِنْ قُلْ كَلِمَةً فَيُشْفَى فَتَاي.

فَإنِّي أَنا أَيْضًا رَجُلٌ خَاضِعٌ لِسُلْطان، وَلِي جُنُودٌ تَحْتَ إِمْرَتي، فَأَقولُ لِهذَا: ٱذْهَب! فَيَذْهَبْ، وَلآخَرَ: ٱئْتِ! فَيَأْتي، وَلِخَادِمِي: ٱفْعَلْ هذَا! فَيَفْعَل».

وَلَمَّا سَمِعَ يَسوعُ أُعْجِبَ بِه، وٱلتَفَتَ إِلى الجَمْعِ الَّذي يَتْبَعُهُ فَقاَل: «أَقولُ لَكُم: لَمْ أَجِدْ مِثْلَ هذَا الإِيْمَانِ حَتَّى في إِسْرائِيل».

وَعَاد المُرْسَلُونَ إِلى البَيْت، فَوَجَدُوا الخَادِمَ مُعَافَى.


 

«أَقولُ لَكم: لم أَجِدْ مِثلَ هذا الإيمانِ حتَّى في إسرائيل»
التعليم المسيحيّ للكنيسة الكاثوليكيّة،
§ 27-30

 

إن التّوق إلى الله أمر محفورٌ في قلب الإنسان، لأنّ الإنسان مخلوقٌ من الله ومن أجل الله؛ ولا ينفكُّ الله من جذب الإنسان نحوه، كما أن الإنسان لن يجد الحقيقة ولا السعادة اللتان ينشدهما إلاّ في الله... على مدى العصور وحتّى تاريخنا هذا، عبّر البشر بطرقٍ مختلفة عن بحثهم المستمر عن الله انطلاقًا من معتقداتهم وتصرّفاتهم الدّينيّة (صلوات، تقادم، عبادات، تأمّلات، إلخ...). وبالرّغم من الغموض الّذي يمكن أن تنطوي عليه طرق تلك التّعابير، فإنّها ذات طابع عالمي لدرجة يمكن أن نسمّي الإنسان كائنًا دينيًّا... غير أنّ هذه "العلاقة الحميمة والحيويّة الّتي تربط وتوحّد الإنسان بالله" يمكن أن يلفّها النسيان وأن تصبح غير معروفة لا بل يمكن أن تُرفض قطعيًّا من الإنسان. إن مواقف كهذه قد يكون لها جذورًا مختلفة جدًّا: الثورة ضد الشّر في العالم، الجهل واللامبالاة الدّينيّين، "هَمّ الحَياةِ الدُّنيا وفِتنَة الغِنى" (مت 13: 22)، المثال السّيّء الّذي قد يقدّمه بعض المؤمنين، التّيّارات الفكريّة المعادية للدّين، وأخيرًا وليس آخرًا ذلك الموقف الّذي يتخذه الإنسان الخاطئ بداعي الخوف، يختبئ من وجه الرّب (راجع تك 3: 8 وما يليها) ويهرب من وجهه (راجع يون 1: 3)

"لتفرَحْ قلوبُ مُلتَمِسي الرَّبّ" (مز 105[104]: 3). إن أراد الإنسان أن ينسى الله أو يرفضه، فإن الله لا ينفك يدعو كل إنسان للبحث عنه لكي يعيش ويجد السّعادة. غير أن هذا البحث تتطلب من الإنسان كل جهد ذكائه، وتصميم إرادته، واستقامة قلبه (راجع مز 97[96]: 11) وتتطلّب أيضًا شهادة الآخرين الّذين يعلّمونه البحث عن الله.

" الرَّبُّ عَظيمٌ ومُسبَحٌ جِداً ولا حَدَّ لِعَظَمَتِه، ولا قِياسَ لإدْراكِه" (مز 145[144]: 3 + 147[146]: 5). إن الإنسان، الّذي يشكّل جزءًا صغيرًا من خلقك، يدّعي تسبيحك، وبالتّحديد الإنسان اللابس طبيعة الفساد، والّذي يحمل في داخله شهادة خطيئته وشهادة أنّ "اللهَ يُكابِرُ المُتَكَبِّرين" (يع 4: 6). بالرّغم من كل ذلك، فإن الإنسان، الّذي يشكّل جزءًا صغيرًا من خلقك، يريد أن يسبّحك. إنّك أنت تحثّه على ذلك، إذ تجعله يجد سعادته في تسبحتك، لأنّك خلقتنا من أجلك وقلبنا لا يجد الرّاحة إن لم يرتح فيك يا رب (القديّس أوغسطينس، اعترافات)

 
 
14   الثلاثاء الرابع من الصوم الكبير     -     إنجيل القدّيس مرقس 26-22:8   
 
    إنجيل القدّيس مرقس 26-22:8
 
وَصَلَ يَسُوعُ وتَلامِيذُهُ إِلى بَيْتَ صَيْدَا، فجَاؤُوا إِلَيْهِ بِأَعْمَى وتَوَسَّلُوا إِلَيْهِ أَنْ يَلْمُسَهُ.
فَأَخَذَ بِيَدِ الأَعْمَى، وقَادَهُ إِلى خَارِجِ القَرْيَة، وتَفَلَ في عَيْنَيْه، ووَضَعَ يَدَيْهِ عَلَيْهِ وسأَلَهُ: «هَلْ تُبْصِرُ شَيئًا؟».
فرَفَعَ الأَعْمَى نَظَرَهُ وقَال: «أُبْصِرُ النَّاس، أَراهُم كأَشْجَارٍ وَهُم يَمْشُون!».
فوَضَعَ يَسُوعُ يَدَيْهِ ثَانِيَةً عَلَى عَيْنَي الأَعْمَى، فأَبْصَرَ جَلِيًّا، وعَادَ صَحِيحًا وصَارَ يُبْصِرُ كُلَّ شَيءٍ بِوُضُوح.
فأَرْسَلَهُ يَسُوعُ إِلى بَيْتِهِ قَائِلاً: «لا تَدْخُلِ القَرْيَة!».
 
 
13    الاثنين  الرابع من الصوم الكبير     -     إنجيل القدّيس لوقا 45-37:9    
 
    إنجيل القدّيس لوقا 45-37:9 
 
فيمَا يَسُؤعُ وتَلاميذُهُ نَازِلُونَ مِنَ الجَبَل، لاقَاهُ جَمْعٌ كَثِير.
وإِذا رَجُلٌ مِنَ الجَمْعِ صَرَخَ قَائِلاً: «يا مُعَلِّم، أَرْجُوك، أُنْظُرْ إِلَى ٱبْنِي، لأَنَّهُ وَحيدٌ لي!
وهَا إِنَّ رُوحًا يُمْسِكُ بِهِ فَيَصْرُخُ بَغْتَةً، وَيَهُزُّهُ بِعُنْفٍ فَيُزْبِد، وَبِجَهْدٍ يُفارِقُهُ وهُوَ يُرضِّضُهُ.
وقَدْ رَجَوْتُ تَلامِيذَكَ أَنْ يُخْرِجُوهُ، فَلَمْ يَقْدِرُوا!».
فَأَجَابَ يَسُوعُ وقَال: «أَيُّهَا الجِيلُ المُلْتَوِي غَيرُ المُؤْمِن، إِلى مَتَى أَكُونُ مَعَكُم وَأَحْتَمِلُكُم؟ قَدِّمِ ٱبْنَكَ إِلى هُنَا».
ومَا إِنِ ٱقْتَرَبَ الصَّبِيُّ حَتَّى صَرَعَهُ الشَّيْطَان، وَهَزَّهُ بِعُنْف. فَزَجَرَ يَسُوعُ الرُّوحَ النَّجِس، وأَبْرَأَ الصَّبِيّ، وَسَلَّمَهُ إِلى أَبِيه.
فَبُهِتَ الجَمِيعُ مِنْ عَظَمَةِ الله. وفِيمَا كَانُوا جَمِيعًا مُتَعَجِّبِينَ مِنَ كُلِّ مَا كَانَ يَعْمَلُهُ يَسُوع، قالَ لِتَلامِيذِهِ:
وَأَنْتُمُ ٱجْعَلُوا هذَا الكَلامَ في مَسَامِعِكُم: فَٱبْنُ الإِنْسَانِ سَوْفَ يُسْلَمُ إِلَى أَيْدِي النَّاس.
أَمَّا هُم فَمَا كَانُوا يَفْهَمُونَ هذَا الكَلام، وَقَد أُخْفِيَ عَلَيْهِم لِكَي لا يُدْرِكُوا مَعْنَاه، وَكَانُوا يَخَافُونَ أَنْ يَسْأَلُوهُ عَنْهُ.

 

«وَأَنْتُمُ ٱجْعَلُوا هذَا الكَلامَ في مَسَامِعِكُم: فَٱبْنُ الإِنْسَانِ سَوْفَ يُسْلَمُ إِلَى أَيْدِي النَّاس»
القدّيس توما الأكوينيّ (1225 - 1274)، لاهوتيّ دومينكيّ وملفان الكنيسة،
تأمّل عن رسالة القدّيس بولس إلى أهل غلاطية

 

قال القدّيس بولس: "أَمَّا أَنا فمَعاذَ اللهِ أَن أَفتَخِرَ إِلاَّ بِصَليبِ رَبِّنا يسوعَ المسيح!" (غل 6: 14). وقال القدّيس أوغسطينُس إنّه حيث وجد حكماء هذا الدهر العار، فإنّ القدّيس بولس وجد كنزًا. فما اعتبره الآخرون حماقة أصبح بالنسبة إليه حكمة (1كور 1: 18) وعنوان مجد.
كلّ واحد يجد المجد فيما يجعله كبيرًا بنظره. فإذا رأى أنّه إنسان كبير لأنّه غنيّ، يتمجّد بممتلكاته. والذي لا يرى كبره إلاّ بالرّب يسوع المسيح، يضع مجده في الرّب يسوع وحده، وهكذا كان الرَّسول بولس. "فما أَنا أَحْيا بَعدَ ذلِك، بلِ المسيحُ يَحْيا فِيَّ" (غل 2: 20). لهذا، فهو لا يتمجّد إلاّ بالرّب يسوع المسيح وبصليبه قبل كلّ شيء، الذي فيه تجتمع كلّ الحوافز.
هناك مَن يتمجّدون بصداقة الكبار والأقوياء، أمّا بولس فلم يجد حاجة إلاّ إلى صليب الرّب يسوع المسيح ليكتشف فيه علامة صداقة الله. "أَمَّا اللهُ فقَد دَلَّ على مَحبتِّهِ لَنا بِأَنَّ المسيحَ قد ماتَ مِن أَجْلِنا إِذ كُنَّا خاطِئين" (رو 5: 8). ليس هنالك ما يبرهن حبّ الله لنا أكثر من موت الرّب يسوع المسيح. وعلى حسب قول القدّيس غريغوريوس: "إن موت ابنك يا ربّ شهادة لا تًقدّر بثمن. لقد أسلمتَه لتخلّص العبد".
 
 
12    الأحد الرابع من الصوم الكبير : أحد مثل الابن الشاطر     -     إنجيل القدّيس لوقا 32-11:15    
 
    إنجيل القدّيس لوقا 32-11:15 
 
قَالَ الرَبُّ يَسُوع: «كانَ لِرَجُلٍ ٱبْنَان.
فَقالَ أَصْغَرُهُمَا لأَبِيه: يَا أَبي، أَعْطِنِي حِصَّتِي مِنَ المِيرَاث. فَقَسَمَ لَهُمَا ثَرْوَتَهُ.
وَبَعْدَ أَيَّامٍ قَلِيلَة، جَمَعَ الٱبْنُ الأَصْغَرُ كُلَّ حِصَّتِهِ، وسَافَرَ إِلى بَلَدٍ بَعِيد. وَهُنَاكَ بَدَّدَ مَالَهُ في حَيَاةِ الطَّيْش.
وَلَمَّا أَنْفَقَ كُلَّ شَيء، حَدَثَتْ في ذلِكَ البَلَدِ مَجَاعَةٌ شَدِيدَة، فَبَدَأَ يُحِسُّ بِالعَوَز.
فَذَهَبَ وَلَجَأَ إِلى وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ ذلِكَ البَلَد، فَأَرْسَلَهُ إِلى حُقُولِهِ لِيَرْعَى الخَنَازِير.
وَكانَ يَشْتَهي أَنْ يَمْلأَ جَوْفَهُ مِنَ الخَرُّوبِ الَّذي كَانَتِ الخَنَازِيرُ تَأْكُلُهُ، وَلا يُعْطِيهِ مِنْهُ أَحَد.
فَرَجَعَ إِلى نَفْسِهِ وَقَال: كَمْ مِنَ الأُجَرَاءِ عِنْدَ أَبي، يَفْضُلُ الخُبْزُ عَنْهُم، وَأَنا ههُنَا أَهْلِكُ جُوعًا!
أَقُومُ وَأَمْضي إِلى أَبي وَأَقُولُ لَهُ: يَا أَبِي، خَطِئْتُ إِلى السَّمَاءِ وَأَمَامَكَ.
وَلا أَسْتَحِقُّ بَعْدُ أَنْ أُدْعَى لَكَ ٱبْنًا. فَٱجْعَلْنِي كَأَحَدِ أُجَرَائِكَ!
فَقَامَ وَجَاءَ إِلى أَبِيه. وفِيمَا كَانَ لا يَزَالُ بَعِيدًا، رَآهُ أَبُوه، فَتَحَنَّنَ عَلَيْه، وَأَسْرَعَ فَأَلْقَى بِنَفْسِهِ عَلى عُنُقِهِ وَقَبَّلَهُ طَوِيلاً.
فَقالَ لَهُ ٱبْنُهُ: يَا أَبي، خَطِئْتُ إِلى السَّمَاءِ وَأَمَامَكَ. وَلا أَسْتَحِقُّ بَعْدُ أَنْ أُدْعَى لَكَ ٱبْنًا...
فَقالَ الأَبُ لِعَبيدِهِ: أَسْرِعُوا وَأَخْرِجُوا الحُلَّةَ الفَاخِرَةَ وَأَلْبِسُوه، وٱجْعَلُوا في يَدِهِ خَاتَمًا، وفي رِجْلَيْهِ حِذَاء،
وَأْتُوا بِالعِجْلِ المُسَمَّنِ وٱذْبَحُوه، وَلْنَأْكُلْ وَنَتَنَعَّمْ!
لأَنَّ ٱبْنِيَ هذَا كَانَ مَيْتًا فَعَاش، وَضَائِعًا فَوُجِد. وَبَدَأُوا يَتَنَعَّمُون.
وكانَ ٱبْنُهُ الأَكْبَرُ في الحَقْل. فَلَمَّا جَاءَ وٱقْتَرَبَ مِنَ البَيْت، سَمِعَ غِنَاءً وَرَقْصًا.
فَدَعا وَاحِدًا مِنَ الغِلْمَانِ وَسَأَلَهُ: مَا عَسَى أَنْ يَكُونَ هذَا؟
فَقالَ لَهُ: جَاءَ أَخُوك، فَذَبَحَ أَبُوكَ العِجْلَ المُسَمَّن، لأَنَّهُ لَقِيَهُ سَالِمًا.
فَغَضِبَ وَلَمْ يُرِدْ أَنْ يَدْخُل. فَخَرَجَ أَبُوهُ يَتَوَسَّلُ إِلَيْه.
فَأَجَابَ وقَالَ لأَبِيه: هَا أَنا أَخْدُمُكَ كُلَّ هذِهِ السِّنِين، وَلَمْ أُخَالِفْ لَكَ يَوْمًا أَمْرًا، وَلَمْ تُعْطِنِي مَرَّةً جَدْيًا، لأَتَنَعَّمَ مَعَ أَصْدِقَائِي.
ولكِنْ لَمَّا جَاءَ ٱبْنُكَ هذَا الَّذي أَكَلَ ثَرْوَتَكَ مَعَ الزَّوَانِي، ذَبَحْتَ لَهُ العِجْلَ المُسَمَّن!
فَقالَ لَهُ أَبُوه: يَا وَلَدِي، أَنْتَ مَعِي في كُلِّ حِين، وَكُلُّ مَا هُوَ لِي هُوَ لَكَ.
ولكِنْ كانَ يَنْبَغِي أَنْ نَتَنَعَّمَ وَنَفْرَح، لأَنَّ أَخَاكَ هذَا كانَ مَيْتًا فَعَاش، وَضَائِعًا فَوُجِد».

 

«أَقومُ وأَمضي إِلى أَبي»
القدّيس بطرس خريزولوغُس (نحو 406 - 450)، أسقف رافينا وملفان الكنيسة،
العظتان 2 و3

 

ذاك الذي قال هذا الكلام كان مطروحًا على الأرض. لقد أدركَ أنّه سقطَ، وأيقنَ أنّه أفلسَ، كما وجدَ نفسَه مُنغمسًا في الخطيئة فهتَفَ: "أَقومُ وأَمضي إِلى أَبي". من أين جاءَه هذا الرّجاء، وهذا اليقين وهذه الثقة؟ من كون المسألة متعلّقة بأبيه. قالَ الابن لنفْسِه: "لقد خسرتُ موقعي كابن، لكن هو لم يخسرْ موقعَه كأب. لا حاجة إلى غريبٍ كي يتوسّط لدى الأب: إنّه حنان الأب الذي يتدخّل ويتوسّط في أعماق قلبه. فتَحثّه أحشاؤه الأبويّة ليَلدَ ابنَه من جديد من خلال الغفران. مذنبٌ، أقومُ وأمضي إلى أبي".
وما كان من الأب، لحظة رؤية ابنِه، إلاّ أن غطّى فورًا خطأه. لقد فضّلَ دورَه كأبٍ على دورِه كقاضٍ. فحوّلَ فورًا الإدانة إلى غفران، هو الذي كان يرغب في عودة الابن، لا في فقدانه... "ألقى بِنَفسِهِ على عُنُقِه وقَبَّلَه". هكذا يحاكِمُ الأب وهكذا يُصلِح: فيُعطي القبلة بدل العقاب. قوّة الحبّ لا تَكتَرِث للخطيئة، لذا ردّ الأب بقبلةٍ على خطيئة ابنه؛ وغطّاها بمُعانقته. لم يكشفْ الأب عن خطيئة ولدِه، ولم يُشهِّر بابنِه، بل اعتَنى بجراحِه حتّى لا تترك أيّ أثرٍ وأيّ عار. "طوبى لِمَن مَعصِيَته غُفِرَت وخَطيئَته سُتِرَت" (مز 32[31]: 1).
 
 
11    السبت الثالث من الصوم الكبير     -     إنجيل القدّيس متّى 14-1:12    
 
    إنجيل القدّيس متّى 14-1:12 
 
ٱجْتَازَ يَسُوعُ يَوْمَ السَّبتِ بَيْنَ الزُّرُوع. وجَاعَ تَلامِيذُهُ فَأَخَذُوا يَقْلَعُونَ سَنَابِلَ ويَأْكُلُون.
ورآهُمُ الفَرِّيسِيُّونَ فَقَالُوا لِيَسُوع: «هُوَذَا تَلامِيذُكَ يَفْعَلُونَ مَا لا يَحِلُّ فِعْلُهُ يَوْمَ السَّبْت».
فقَالَ لَهُم: «أَمَا قَرَأْتُم مَا فَعَلَهُ دَاوُدُ حِيْنَ جَاعَ هُوَ والَّذِينَ مَعَهُ؟
كَيْفَ دَخَلَ بَيْتَ الله، وأَكَلُوا خُبْزَ التَّقْدِمَةِ الَّذي لا يَحِلُّ لَهُ أَكْلُهُ، ولا لِلَّذِينَ مَعَهُ، بَلْ لِلْكَهَنَةِ وَحْدَهُم؟
أَوَ مَا قَرَأْتُم في التَّورَاةِ أَنَّ الكَهَنَة، أَيَّامَ السَّبْت، يَنْتَهِكُونَ في الهَيْكَلِ حُرْمَةَ السَّبْت، ولا ذَنْبَ عَلَيْهِم؟
وأَقُولُ لَكُم: ههُنا أَعْظَمُ مِنَ الهَيْكَل!
ولَوْ كُنْتُمْ تَعْرِفُونَ مَا مَعْنَى: أُريدُ رَحْمَةً لا ذَبيحَة، لَمَا حَكَمْتُم على مَنْ لا ذنْبَ عَلَيْهِم!
فَرَبُّ السَّبْتِ هُوَ ٱبْنُ الإِنْسَان!».
وٱنْتَقَلَ يَسُوعُ مِنْ هُنَاك، وجَاءَ إِلى مَجْمَعِهِم.
وإِذَا بِرَجُلٍ يَدُهُ يَابِسَة، فَسَأَلُوهُ قَائِلين: «هَلْ يَحِلُّ الشِّفَاءُ يَوْمَ السَّبْت؟». وكَانَ مُرَادُهُم أَنْ يَشْكُوه.
فقَالَ لَهُم: «أَيُّ رَجُلٍ مِنْكُم يَكُونُ لَهُ خَرُوفٌ وَاحِد، فَإِنْ سَقَطَ يَوْمَ السَّبْتِ في حُفْرَة، أَلا يُمْسِكُهُ ويُقِيمُهُ؟
وكَمِ الإِنْسَانُ أَفْضَلُ مِنْ خَرُوف؟ فَعَمَلُ الخَيْرِ إِذًا يَحِلُّ يَوْمَ السَّبْت».
حِينَئِذٍ قَالَ لِلرَّجُل: «مُدَّ يَدَكَ». ومَدَّهَا فَعَادَتْ صَحِيحَةً كاليَدِ الأُخْرَى.
وخَرَجَ الفَرِّيسِيُّونَ فَتَشَاوَرُوا عَلَيْهِ لِيُهْلِكُوه.

 

«فَٱبنُ ٱلإِنسانِ سَيِّدُ ٱلسَّبت»
القدّيس أوغسطينُس (354 - 430)، أسقف هيبّونا (إفريقيا الشماليّة) وملفان الكنيسة،
الاعترافات، الكتاب 13، الفصل 35-38

 

"يَا رَبُّ، أَنت يا من صَنَعْتَ كُلَّ أَعْمَالِنَا لَنَا، إجْعَلُ لَنَا سَلاَمًا" (إش 26: 12)، سلامَ الراحة وسلامَ السبت، السبت الذي لا مساء له. لأن النظام الفائق الروعة للأمور التي عملتها وهي "حسنة جدًا" (تك 1: 31) سينتهي عندما يبلغ نهاية مصيره. نعم هذه الأمور رأت صباحها وسترى أيضًا مساءها. لكن اليوم السابع لا مساء له ولا مغيب لأنك كرسّته ليدوم إلى الأبد. وفي نهاية أمورك "الحسنة جدًا" التي قمت بها حتى خلال الراحة، استرحت في اليوم السابع. وبذلك تقول لنا في كتابك أنه يمكننا نحن أيضًا أن نرتاح في سبتِ الحياة الأبدية عند اختتام أعمالنا الحسنة جدًا لأنك أنت صنعتها لنا (راجع إش 26: 12). وعندها سترتاح أنت أيضًا فينا كما تعمل اليوم من خلالنا وبذلك ستكون هذه الراحة التي سنتنعّم فيها راحة لك أيضًا كما أن أعمالنا هي أيضًا لك.
أيها الربّ أنت تعمل دومًا ولكنك دومًا ما ترتاح. ويأتي وقتٌ نندفع فيه نحن أيضًا لفعل الخير بعد أن يكون قلبنا قد صممّه من روحك، في حين كنا في الماضي نندفع نحو عمل الشرّ عندما كنا نتخلّى عنك. وأنت أيها الربّ الفريد الطيبة لم تتوقف أبدًا عن عمل الخير. لقد كانت بعض الأعمال التي قمنا بها - بنعمتك طبعًا - حسنة ولكنها ليست أبدية. ونأمل بعدها أن نرتاح في قُدسِك الذي لا يوصف. أنت الخير الذي لا يحتاج إلى خيرٍ آخر فأنت دومًا في راحة لأن راحتك هي أنت نفسك.
وَمَن بين البشر يمكنه أن يهب الذكاء للإنسان ليفهم كل ذلك؟ وأي ملاك يمكن أن يهبه للملائكة الآخرين؟ وأي ملاك يمكن أن يعطيه للإنسان؟ فمنك يجب أن نطلب هذا الذكاء وفيك يجب أن نبحث عنه، وعلى بابك يجب أن نقرع، وبذلك، نعم بذلك نأْخُذُ، وبذلك نجِدُ، وَبذلك يُفْتَحُ الباب (راجع مت 7: 8).
 
 
10    يوم الجمعة الثالث من الصوم الكبير     -     إنجيل القدّيس لوقا 21-16:12    
 
    إنجيل القدّيس لوقا 21-16:12 
 
قالَ الربُّ يَسُوعُ هذَا المَثَل: «رَجُلٌ غَنِيٌّ أَغَلَّتْ لهُ أَرْضُهُ.
فَرَاحَ يُفَكِّرُ في نَفْسِهِ قَائِلاً: مَاذَا أَفْعَل، وَلَيْسَ لَدَيَّ مَا أَخْزُنُ فِيهِ غَلاَّتِي؟
ثُمَّ قَال: سَأَفْعَلُ هذَا: أَهْدِمُ أَهْرَائِي، وَأَبْنِي أَكْبَرَ مِنْها، وَأَخْزُنُ فِيهَا كُلَّ حِنْطَتِي وَخَيْراتِي،
وَأَقُولُ لِنَفْسِي: يا نَفْسِي، لَكِ خَيْرَاتٌ كَثِيرَةٌ مُدَّخَرَةٌ لِسِنينَ كَثِيرَة، فٱسْتَريِحي، وَكُلِي، وٱشْرَبِي، وَتَنَعَّمِي!
فَقَالَ لَهُ الله: يا جَاهِل، في هذِهِ اللَّيْلَةِ تُطْلَبُ مِنْكَ نَفْسُكَ. وَمَا أَعْدَدْتَهُ لِمَنْ يَكُون؟
هكذَا هِيَ حَالُ مَنْ يَدَّخِرُ لِنَفْسِهِ، وَلا يَغْتَنِي لله».

 

الاغتناء بنظر الله
القدّيس أوغسطينُس (354 - 430)، أسقف هيبّونا (إفريقيا الشماليّة) وملفان الكنيسة،
العظة 34 عن المزمور 150

 

يا إخوتي، راقبوا بتمعّن مساكنكم الداخليّة، افتحوا عيونكم وتأمّلوا بـمخزون حبّكم، ثم أضيفوا المجموع الذي تكونون قد اكتشفتموه في أنفسكم. اسهروا على هذا الكنز لكي تكونوا أغنياء من الداخل. نحن نعتبر أنّ الممتلكات الثمينة هي تلك المرتفعة الثمن... ولكن هل من أثمن من الحبّ، يا إخوتي؟ برأيكم، ما هو ثمن الحبّ؟ وكيف يمكننا أن ندفع هذا الثمن؟ إنّ ثمن الأرض أو ثمن القمح هو مالُكَ؛ وثمن اللآلئ هو ذهبُك؛ لكنّ ثمن حبّك هو أنت بنفسك. إن أردت شراء حقلٍ أو جوهرةٍ أو حيوانٍ ما، تبحث عن الأموال الضروريّة، تنظر حولك... أمّا إذا رغبت في امتلاك الحبّ، فلا تبحث سوى عن نفسك، إذ عليك أن تجد نفسك فحسب.
ماذا تخشى إن وهبت نفسك؟ هل تخشى أن تضيع؟ العكس هو الصحيح؛ أنت تضيع حين ترفض أن تهب نفسك. فالحبّ يعبّر عن ذاته من خلال الحكمة الإلهيّة ويخفّف بكلمة واحدة من وطأة هذه الكلمات: "عليك أن تهب نفسك!" فإن أراد أحدهم بيعك قطعة أرض، سوف يقول لك: "أعطِني مالك" أو "أعطِني عملتك". لكن اسمع ما قاله الحبّ بفم الحكمة الإلهيّة: "يا بُنَيَّ، أَعطِني قَلبَكَ ولتطِبْ عَيناك بِطرقي" (أم 23: 26). لقد كان قلبك في وضع سيّئ عندما كان ملكَك وفيكَ، إذ كنت فريسة الأمور السطحيّة والأهواء السيّئة. أخرج قلبك من ذاك المكان! إلى أين تحمله؟ أين تقدّمه؟ قال الحكمة": "يا بُنَيَّ، أَعطِني قَلبَكَ!"... فليَكنْ لي وحينها لن تفقده أبدًا...
"أَحبِبِ الرَّبَّ إِلهَكَ بِكُلِّ قَلبِكَ وكُلِّ نَفْسِكَ وكُلِّ ذِهِنكَ" (مت 22: 37)... فمَن خلقَك يريدكَ بكليّتك.
 
 
9    الخميس الثالث من الصوم الكبير     -     إنجيل القدّيس لوقا 37-20:17    
 
    إنجيل القدّيس لوقا 37-20:17 
 
سَأَلَ الفَرِّيسيُّونَ يَسُوع: «مَتَى يَأْتِي مَلَكُوتُ الله؟». فَأَجَابَهُم وَقَال: «مَلكُوتُ اللهِ لا يَأْتِي بِالمُرَاقَبَة.
وَلَنْ يُقال: هَا هُوَ هُنا، أَوْ هُنَاك! فَهَا إِنَّ مَلَكُوتَ اللهِ في دَاخِلِكُم!».
وقَالَ لِلْتَلامِيذ: «سَتَأْتِي أَيَّامٌ تَشْتَهُونَ فِيها أَنْ تَرَوا يَوْمًا وَاحِدًا مِنْ أَيَّامِ ٱبْنِ الإِنْسَان، وَلَنْ تَرَوا.
وَسَيُقالُ لَكُم: هَا هُوَ هُنَاك! هَا هُوَ هُنَا! فَلا تَذْهَبُوا، وَلا تَهْرَعُوا.
فَكَمَا يُومِضُ البَرْقُ في أُفُق، وَيَلْمَعُ في آخَر، هكذَا يَكُونُ ٱبْنُ الإِنْسَانِ في يَوْمِ مَجِيئِهِ.
وَلكِنْ لا بُدَّ لَهُ أَوَّلاً مِنْ أَنْ يَتَأَلَّمَ كَثِيرًا، وَيَرْذُلَهُ هذَا الجِيل!
وَكمَا كانَ في أَيَّامِ نُوح، هكذَا يَكُونُ في أَيَّامِ ٱبْنِ الإِنْسَان:
كانَ النَّاسُ يَأْكُلُونَ وَيَشْرَبُون، وَيَتَزَوَّجُونَ وَيُزَوِّجُون، إِلى يَوْمَ دَخَلَ نُوحٌ السَّفِينَة. فَجَاءَ الطُّوفَانُ وأَهْلَكَهُم أَجْمَعِين.
وكَمَا كانَ أَيْضًا في أَيَّامِ لُوط: كانَ النَّاسُ يَأْكُلُونَ وَيَشْرَبُون، وَيَشْتَرُونَ وَيَبيعُون، وَيَغْرِسُونَ وَيَبْنُون.
ولكِنْ يَوْمَ خَرَجَ لُوطٌ مِنْ سَدُوم، أَمْطَرَ اللهُ نَارًا وَكِبْرِيتًا مِنَ السَّمَاءِ فَأَهْلَكَهُم أَجْمَعين.
هكَذَا يَكُونُ يَوْمَ يَظْهَرُ ٱبْنُ الإِنْسَان.
في ذلِكَ اليَوْم، مَنْ كانَ عَلَى السَّطْحِ وَأَمْتِعَتُهُ في البَيْت، فَلا يَنْزِلْ لِيَأْخُذَهَا. وَمَنْ كانَ في الحَقْل، فَكَذلِكَ لا يَرْجِعْ إِلى الوَرَاء.
تَذَكَّرُوا ٱمْرَأَةَ لُوط!
مَنْ يَسْعَى لِكَي يَحْفَظَ نَفْسَهُ يَفْقِدُها، وَمَنْ يَفْقِدُ نَفْسَهُ يَحْفَظُهَا حَيَّةً.
أَقُولُ لَكُم: في تِلْكَ اللَّيْلَة، يَكُونُ ٱثْنَانِ عَلَى سَرِيرٍ وَاحِد، فَيُؤْخَذُ الوَاحِدُ وَيُتْرَكُ الآخَر.
وٱثْنَتَانِ تَطْحَنَانِ مَعًا، فَتُؤْخَذُ الوَاحِدَةُ وَتُتْرَكُ الأُخْرَى».
...
فأَجَابُوا وَقَالُوا لَهُ: «إِلَى أَيْنَ يا رَبّ ؟». فَقالَ لَهُم: «حَيْثُ تَكُونُ الجُثَّة، فَهُنَاكَ تَجْتَمِعُ النُّسُور».

 

«فَها إِنَّ مَلكوتَ ٱللهِ بَينَكُم»
الطوباويّ يوحنّا هنري نِيومَن (1801 - 1890)، كاهن ومؤسّس جماعة دينيّة ولاهوتيّ،
عظات أبرشيّة بسيطة (Parochial and Plain Sermons)، الجزء الرّابع. عظة بعنوان: العالم الخفيّ

 

هل هو أمر صعب على الإيمان أن يعترف بكلام الكتاب المقدّس فيما يخصّ علاقاتنا بعالم يفوقنا؟... إن هذا العالم الروحيّ حاضر، رغم أنه غير مرئي؛ هو حاضر وليس مستقبلاً، وليس بعيدًا. هو ليس فوق السماء، ولا هو ما وراء القبر؛ هو الآن وهنا: "ملكوت الله بيننا". هذا ما يتكلّم عنه القدّيس بولس: " فإِنَّنا لا نَهدِفُ إِلى ما يُرى، بل إِلى ما لا يُرى. فالَّذي يُرى إِنَّما هو إِلى حِين، وأَمَّا ما لا يُرى فهو لِلأَبَد" (2 كور 4: 18)...
هكذا هو ملكوت الله المحجوب؛ وكما هو اليوم محجوب، هكذا سوف يُكشَف في الوقت المناسب. يعتقد الناس إنّهم أرباب العالم وإنّه بإمكانهم القيام فيه بما يحلو لهم. يعتقدون أنهم يملكونه ويمتلكون السلطة على مجراه... لكنّ هذا العالم يسكنه وُدَعاءُ الرّب يسوع المسيح الّذين يحتقرونهم، وملائكته الّذين لا يؤمنون بهم. غير أنّه في نهاية الأمر، هؤلاء هم الذين سوف يملكون العالم، عندما يظهرون. الآن، "كلّ شيء" في الظاهر، "لا يَزالُ مُنذُ بَدءِ الخَليقَةِ على حالِه". ويسأل السّاخرون "أَينَ مَوعِدُ مَجيئِه؟" (2 بط 3: 4). لكن في الوقت المحدّد، سيتجلّى أَبناء اللّه، والقدّيسون المحجوبون "يُشِعُّونَ حِينَئذٍ كالشَّمْسِ في مَلَكوتِ أَبيهِم" (رو 8: 19؛ مت 13: 43).
عندما ظهر الملائكة على الرعاة، كان ظهورًا مفاجئًا: "انضَمَّ إِلى الـمَلاكِ بَغَتةً جُمهورُ الجُندِ السَّماوِيِّينَ" (لو 2: 13). في ذلك الوقت، كان الليل يشبه أيّ ليل آخر...- كان الرُّعاة يسهرون على قطيعهم، يراقبون مجرى الليل، والنجوم تتبع مسارهم. كان منتصف الليل؛ لم يكونوا يفكّرون في شيء مماثل عندما ظهر الملاك. هذه هي القدرة والقوة المحجوبتين في الأشياء غير المرئيّة. تظهر عندما يريد الله ذلك.
 
 
8    الأربعاء الثالث من الصوم الكبير     -     إنجيل القدّيس متّى 13-10:17    
 
    إنجيل القدّيس متّى 13-10:17 
 
سَأَلَ التَّلامِيذُ يَسُوعَ قَائِلِين: «لِمَاذَا يَقُولُ الكَتَبَةُ إِنَّهُ لا بُدَّ أَنْ يَأْتِيَ إِيلِيَّا أَوَّلاً؟».
فَأَجَابَ وقَال: «أَجَلْ، إِنَّ إِيلِيَّا آتٍ، وَسَيُصْلِحُ كُلَّ شَيء.
وأَقُولُ لَكُم: إِنَّ إِيلِيَّا قَدْ أَتَى، ولَمْ يَعْرِفُوه، بَلْ فَعَلُوا بِهِ كُلَّ مَا شَاؤُوا. وكَذلِكَ ٱبْنُ الإِنسَانِ مُزْمِعٌ أَنْ يَتَأَلَّمَ على أَيدِيهِم».
حينَئِذٍ فَهِمَ التَّلامِيذُ أَنَّهُ حَدَّثَهُم عَنْ يُوحَنَّا المَعْمَدَان.

 

إيليّا الجديد
القدّيس كيرِلُّس (313 - 350)، بطريرك أورشليم وملفان الكنيسة،
تعليم مسيحي للموعوظين، 3

 

لقد انتهى العهد القديم وأصبحتْ المعموديّة أيضًا بداية للعهد الجديد. وقد بشّر بها يوحنّا المعمدان الذي "لم يَظهرْ في أولادِ النساء أكبَرُ منه" (مت 11: 11). في الواقع، كان يوحنّا خاتمةَ الأنبياء، "فجَميعُ الأنبياء قد تَنَبّأوا، وكذلك الشريعة، حتّى يوحنّا" (مت 11: 13)؛ وقد افتَتَحَ عهد الإنجيل كما هو مكتوب: "بَدءُ بِشارَة يسوع المسيح... ظَهَرَ يوحنّا المعمدان في البريَّة، يُنادي بِمَعمودِيّةِ تَوبَةٍ لِغُفران الخطايا" (مر 1: 1–4).
أيمكن مقارنته بإيليّا الذي رُفع إلى السماء؟ لكنّه ليس أهمّ من يوحنّا المعمدان. أخنوخ أيضًا رُفِعَ إلى السماء، لكنّه ليس أعظم من يوحنّا المعمدان. كان موسى مُشرِّعًا عظيمًا في إسرائيل. كان جميع الأنبياء مدهشين، لكنّهم لم يكونوا أعظم من يوحنّا. لسنا هنا في وارد المقارنة بين الأنبياء؛ لكنّ معلِّمهم، ومعلِّمنا، الربّ يسوع نفسه أعلن: "لم يَظهرْ في أولادِ النساء أكبَرُ من يوحنّا المعمدان" (مت 11: 11). يمكن إجراء مقارنة بين كبير الخَدَم ومُعاونيه في الخدمة، غير أنّ عظمة الابن ونعمته لا تحتَمِلان أيّ مقارنة مع الخَدَم.
إذًا، أرأيت أيّ رجل اختارَه الله ليكون أوّل مَن تَحلُّ عليه هذه النعمة؟ لقد اختارَ رجلاً فقيرًا، وصديقًا للبريّة، لكن دون أن يكون عدوًّا للبشر. فمن خلال أكل الجراد، كان يعطي أجنحة لنفسه. ومن خلال تناول العسل، كان يتلفَّظ بكلمات حلوة ومفيدة أكثر من العسل. ومن خلال ارتداء ثوب من وبر الإبل، كان مثالاً للتفاني. ذاكَ لأنّه منذ أن كان في أحشاء والدته، حلَّ عليه الرُّوح القدس وقدّسَه (راجع لو 1: 15). كذلك حلَّ الرُّوح القدس على إرميا، لكنّه لم يَتَنبّأ حين كان في أحشاء أمّه. يوحنّا المعمدان وحده ارتكض فرحًا في أحشاء أمّه. بفعل الرُّوح القدس، وقبل أن يراهُ بعينيه البشريّتين، تعرّفَ إلى المعلِّم. فإنّ عظمة نعمة المعموديّة كانت تَستَوجب رجلاً عظيمًا.
 
 
7    الثلاثاء الثالث من الصوم الكبير     -     إنجيل القدّيس متّى 12-1:23    
 
    إنجيل القدّيس متّى 12-1:23 
 
كَلَّمَ يَسُوعُ الجُمُوعَ وتَلامِيْذَهُ
قَائِلاً: «على كُرْسِيِّ مُوسَى جَلَسَ الكَتَبَةُ والفَرِّيسِيُّون.
فَٱعْمَلُوا بِكُلِّ مَا يَقُولُونَهُ لَكُم وٱحْفَظُوه، ولكِنْ مِثْلَ أَعْمَالِهِم لا تَعْمَلُوا. فَهُم يَقُولُونَ ولا يَعْمَلُون.
إِنَّهُم يَحْزِمُونَ أَحْمَالاً ثَقِيلَة، ويَضَعُونَها عَلى أَكْتَافِ النَّاس، وهُم لا يُرِيْدُون أَنْ يُحَرِّكُوهَا بِإِصْبَعِهِم.
وجَمِيْعُ أَعْمَالِهِم يَعْمَلُونَها لِيَرَاهُمُ النَّاس: يُعَرِّضُونَ عَصَائِبَهُم، ويُطَوِّلُونَ أَطْرَافَ ثِيَابِهِم،
ويُحِبُّونَ مَقَاعِدَ الشَّرَفِ في الوَلائِم، وصُدُورَ المَجَالِسِ في المَجَامِع،
والتَّحِيَّاتِ في السَّاحَات، وأَنْ يَدْعُوَهُمُ النَّاسُ : رَابِّي!
أَمَّا أَنْتُم فلا تَقْبَلُوا أَنْ يَدْعُوَكُم أَحَدٌ: رَابِّي! لأَنَّ مُعَلِّمَكُم وَاحِد، وَأَنْتُم جَمِيعُكُم إِخْوَة.
ولا تَدْعُوا لَكُم على الأَرْضِ أَبًا، لأَنَّ أَبَاكُم وَاحِد، وهُوَ الآبُ السَّمَاوِيّ.
ولا تَقْبَلُوا أَنْ يَدْعُوَكُم أَحَدٌ مُدَبِّرين، لأَنَّ مُدَبِّرَكُم وَاحِد، وهُوَ المَسِيح.
وَلْيَكُنِ الأَعْظَمُ بَينَكُم خَادِمًا لَكُم.
فَمَنْ يَرْفَعْ نَفْسَهُ يُوَاضَع، ومَنْ يُوَاضِعْ نَفْسَهُ يُرْفَع.

 

الحياة الجماعيّة: «أنتم جميعًا إخوة»
عظة منسوبة للقدّيس مقاريوس (؟ - 405)، راهب مصريّ،
العظة الثالثة

 

مهما فعل الأخوة، يجب أن يُظهِروا الرَّحمة والسعادة تجاه بعضهم البعض. إذًا، ذاك الذي يعمل سيقول عن ذاك الذي يصلّي: "إنّ كنز أخي هو كنزي أنا أيضًا، لأنّه مشترك بيننا". من جهته، ذاك الذي يصلّي سيقول عن ذاك الذي يقرأ: "كلّ ما يغنيه من قراءته، يغنيني أنا أيضًا". وذاك الذي يعمل سيقول أيضًا: "أنا أقوم بهذه الخدمة لمصلحة الجماعة".
إنّ الأعضاء المختلفة تشكّل جسدًا واحدًا، وهي تدعم بعضها البعض من خلال قيام كلّ عضو بمهمّته. فالعين ترى عن الجسد كلّه؛ واليد تعمل عن الأعضاء الأخرى؛ والقدم تحمل جميع الأعضاء خلال المشي؛ وعندما يعاني أحد الأعضاء، يعاني عضو آخر. هكذا يجب أن يتعامل الإخوة مع بعضهم البعض (راجع رو 12: 4-5). ذاك الذي يصلّي لن يلوم الآخر الذي يعمل لأنّه لا يصلّي... وذاك الذي يعمل لن يلوم ذاك الذي يصلّي. وذاك الذي يخدم لن يلوم الآخرين. بل بالعكس، كلّ واحد، أيًّا كان عمله، سيعمل لمجد الله (راجع 1كور 20: 31؛ 2كور 4:15).
لذا، يشكّل الوئام الكبير والانسجام الهادئ "رباط السلام" (راجع أف 4: 3)، الذي سيوحّد بينهم ويساعدهم على العيش بشفافيّة وببساطة تحت عين الله. المهمّ هو المثابرة على الصلاة. والمطلوب أمر واحد: كلّ واحد يجب أن يملك في قلبه ذاك الكنز الذي هو وجود الربّ الحيّ والروحيّ. كلّ شخص، إن كان يعمل او يصلّي أو يقرأ، يجب أن يملك في قلبه هذا الخير الخالد، ألا وهو الرُّوح القدس.
 
 
6    الاثنين الثالث من الصوم الكبير     -     إنجيل القدّيس يوحنّا 27-21:8    
 
    إنجيل القدّيس يوحنّا 27-21:8 
 
قالَ الرَبُّ يَسُوع (للكتبة والفرّيسيّين): «أَنَا أَمْضِي، وتَطْلُبُونِي وتَمُوتُونَ في خَطِيئَتِكُم. حَيْثُ أَنَا أَمْضِي لا تَقْدِرُونَ أَنْتُم أَنْ تَأْتُوا».
فَأَخَذَ اليَهُودُ يَقُولُون: «أَتُراهُ يَقْتُلُ نَفْسَهُ؟ فَإِنَّهُ يَقُول: حَيْثُ أَنَا أَمْضِي لا تَقْدِرُونَ أَنْتُم أَنْ تَأْتُوا!».
ثُمَّ قَالَ لَهُم: «أَنْتُم مِنْ أَسْفَل، وأَنَا مِنْ فَوْق. أَنْتُم مِنْ هذَا العَالَم، وأَنَا لَسْتُ مِنْ هذَا العَالَم.
لِذلِكَ قُلْتُ لَكُم: سَتَمُوتُونَ في خَطَايَاكُم. أَجَل، إِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا أَنِّي أَنَا هُوَ تَمُوتُوا فِي خَطَايَاكُم».
فَقَالُوا لَهُ: «أَنْتَ، مَنْ أَنْت؟». قَالَ لَهُم يَسُوع: «أَنَا هُوَ مَا أَقُولُهُ لَكُم مُنْذُ البَدء.
لِي كَلامٌ كَثِيرٌ أَقُولُهُ فِيكُم وأَدِينُكُم. لكِنَّ الَّذي أَرْسَلَنِي صَادِق. ومَا سَمِعْتُهُ أَنَا مِنْهُ، فَهذَا أَقُولُهُ لِلْعَالَم».
ولَمْ يَعْرِفُوا أَنَّهُ كَانَ يُحَدِّثُهُم عَنِ الآب.

 

«عِنْدَمَا تَرْفَعُونَ ٱبْنَ الإِنْسَان، تَعْرِفُونَ حِينَئِذٍ أَنِّي أَنَا هُوَ»
القدّيس مكسيمُس الطورينيّ (؟ - نحو 420)، أسقف،
العظة 57

 

لقد صُلِب المسيح ربّنا لإنقاذ الجنس البشري من طوفان هذا العالم... في العهد القديم، صنع موسى حيّة من نحاس وجعلها على سارية؛ وطلب من الشعب أن يرجو االشفاء عند رؤية هذه العلامة (راجع عد 21: 6). كانت هذه الحيّة النحاسيّة بمثابة علاج قوي جدًا ضدّ لذع الحيّات الأخرى، إلى حدّ أن كلّ لذيع كان يطلب بإيمان فينال الشفاء فورًا عند توجيه نظره إلى الحيّة النحاسيّة على السارية. لم يتردّد الربّ في التذكير بهذه الحادثة في الإنجيل حين قال: "وكما رَفَعَ مُوسى الحَيَّةَ في البَرِّيَّة فكذلِكَ يَجِبُ أَن يُرفَعَ ابنُ الإِنسان" (يو 3: 14)...
إذًا، كانت الحيّة أوّل من صُلِب على يد موسى. وهذا عدل، لأنّ الشيطان كان أوّل من خطئ تحت ناظريّ الربّ (راجع تك 3)... عُلِّق على سارية، وهذا عدل، لأنّ الإنسان خُدِع بواسطة شجرة الرغبة؛ من الآن فصاعدًا، سيتمّ إنقاذه بواسطة سارية مأخوذة من شجرة أخرى... بعد الحيّة، صُلِب الإنسان بشخص المخلِّص، وذلك بدون أدنى شكّ لمعاقبة ليس المسؤول عن الإثم فحسب، بل الإثم بحدّ ذاته. الصليب الأوّل انتقم من الحيّة، والصليب الثاني انتقم من السمّ...: السمّ الذي دسّته الحيّة في الإنسان من خلال الإقناع، تمّ رذل هذا السمّ والشفاء منه... هذا ما فعله الربّ من خلال طبيعته البشريّة: هو البريء، لكنّه يتألّم؛ به، تم تعديل العصيان الناتج عن خدعة الشيطان؛ وبعد تحرير الإنسان من إثمه، حُرِّر من الموت.
بما أنّ ربّنا هو يسوع الذي حرّرنا من خلال آلامه، فلنُبقِ عيوننا محدّقة إليه، ولنأمل دائمًا بإيجاد العلاج لجراحنا في هذه العلامة. إن انتشر سمّ البخل فينا، فلنحدّق إلى الصليب، فهو سيحرّرنا؛ إن خالجنا الشعور بالرغبة، هذا العقرب اللاذع، فلنتوسّل إلى الصليب، فهو سيشفينا؛ إن مزّقتنا لسعات الأفكار على هذه الأرض، فلنوجّه صلواتنا إلى الصليب وسنحيا. هذه هي الحيّات الروحيّة لنفوسنا: لنتمكّن من دوسها بأقدامنا، صُلِب الربّ. فهو قال لنا: "وها قَد أولَيتُكم سُلطاناً تَدوسونَ بِه الحَيَّاتِ والعَقارِب وكُلَّ قُوَّةٍ لِلعَدُوّ، ولَن يَضُرَّكُم شَيء".
 
 
5    الأحد الثالث من الصوم الكبير : أحد شفاء النازفة     -     إنجيل القدّيس لوقا 56-40:8    
 
    إنجيل القدّيس لوقا 56-40:8 
 
لَمَّا عَادَ يَسُوع، ٱسْتَقْبَلَهُ الجَمْع، لأَنَّهُم جَميعَهُم كَانُوا يَنْتَظِرُونَهُ.
وَإِذَا بِرَجُلٍ ٱسْمُهُ يَائِيرُس، وكَانَ رَئِيسَ المَجْمَع، جَاءَ فٱرْتَمَى عَلَى قَدَمَي يَسُوع، وَأَخَذَ يَتَوَسَّلُ إِلَيْهِ أَنْ يَدْخُلَ بَيْتَهُ،
لأَنَّ لَهُ ٱبْنَةً وَحِيدَة، عُمْرُها نُحْوُ ٱثْنَتَي عَشْرَةَ سَنَة، قَدْ أَشْرَفَتْ عَلَى المَوْت. وفِيمَا هُوَ ذَاهِب، كانَ الجُمُوعُ يَزْحَمُونَهُ.
وَكانَتِ ٱمْرَأَةٌ مُصَابَةٌ بِنَزْفِ دَمٍ مُنْذُ ٱثْنَتَي عَشْرَةَ سَنَة، وَلَمْ يَقْدِرْ أَحَدٌ أَنْ يَشْفِيَهَا.
دَنَتْ مِنْ وَرَاءِ يَسُوع، وَلَمَسَتْ طَرَفَ رِدَائِهِ، وَفَجأَةً وَقَفَ نَزْفُ دَمِهَا.
فَقَالَ يَسُوع: «مَنْ لَمَسَنِي؟». وَأَنْكَرَ الجَمِيع. فَقَالَ بُطْرُسُ وَمَنْ مَعَهُ: «يا مُعَلِّم، إِنَّ الجُمُوعَ يَزْحَمُونَكَ وَيُضَايِقُونَكَ!».
فَقَالَ يَسُوع: «إِنَّ واحِدًا قَدْ لَمَسَنِي! فَإنِّي عَرَفْتُ أَنَّ قُوَّةً قَدْ خَرَجَتْ مِنِّي!».
وَرَأَتِ ٱلمَرْأَةُ أَنَّ أَمْرَها لَمْ يَخْفَ عَلَيه، فَدَنَتْ مُرْتَعِدَةً وٱرْتَمَتْ عَلَى قَدَمَيه، وَأَعْلَنَتْ أَمَامَ الشَّعْبِ كُلِّهِ لِماذَا لَمَسَتْهُ، وَكَيْفَ شُفِيَتْ لِلْحَال.
فَقَالَ لَهَا يَسُوع: «يا ٱبْنَتِي، إِيْمَانُكِ خَلَّصَكِ! إِذْهَبِي بِسَلام!».
وَفيمَا هُوَ يَتَكَلَّم، وَصَلَ وَاحِدٌ مِنْ دَارِ رَئِيسِ المَجْمَعِ يَقُول: «مَاتَتِ ٱبْنَتُكَ! فَلا تُزْعِجِ المُعَلِّم!».
وَسَمِعَ يَسوعُ فَأَجَابَهُ: «لا تَخَفْ! يَكْفي أَنْ تُؤْمِنَ فَتَحْيا ٱبْنَتُكَ!».
وَلَمَّا وَصَلَ إِلى البَيْت، لَمْ يَدَعْ أَحَدًا يَدْخُلُ مَعَهُ سِوَى بُطْرُسَ وَيُوحَنَّا وَيَعْقُوبَ وَأَبي الصَّبِيَّةِ وأُمِّهَا.
وكَانَ الجَمِيعُ يَبْكُونَ عَلَيْها وَيَقْرَعُونَ صُدُورَهُم. فَقَال: «لا تَبْكُوا! إِنَّهَا لَمْ تَمُتْ. لكِنَّهَا نَائِمَة!».
فَأَخَذُوا يَضْحَكُونَ مِنْهُ لِعِلْمِهِم بِأَنَّها مَاتَتْ.
أَمَّا هُوَ فَأَمْسَكَ بِيَدِها وَنَادَى قاَئِلاً: «أَيَّتُهَا الصَّبِيَّة، قُومِي!».
فَعَادَتْ رُوحُهَا إِلَيْهَا، وَفَجْأَةً نَهَضَتْ. ثُمَّ أَمَرَ بِأَنْ يُطْعِمُوهَا.
فَدَهِشَ أَبَوَاها، وَأَوْصَاهُمَا يَسُوعُ أَلاَّ يُخْبِرَا أَحَدًا بِمَا حَدَث.

 

«يا ابنَتي، إِيمانُكِ خلَّصَكِ، فاذهَبي بِسَلام»
الطوباويّ شارل دو فوكو (1858 - 1916)، ناسك ومُبشِّر في الصحراء،
خلوة في مدينة الناصرة سنة 1897



إنّ الإيمان هو ما يجعلنا نصدّق في أعماق نَفسِنا... جميع الحقائق الّتي يعلّمنا إيّاها الدين، وبالتالي مضمون الكتاب المقدّس وتعاليم الإنجيل كلّها، وأخيرًا كلّ ما تعرضه علينا الكنيسة. لأن البارّ يحيا حقيقةً بهذا الإيمان (راجع رو 1: 17)، فهو يحلّ مكان أغلبيّة حواسّه الطبيعيّة. وهو يبدّل كلّ الأشياء لدرجة تكاد تعجز فيها الحواسّ القديمة عن مساعدة النفس، فهي لا ترى من خلال هذه الحواسّ سوى المظاهر الخدّاعة، في حين أنّ الإيمان يُريها الحقائق.
فالعين تُريها فقيرًا، والإيمان يُريها الرّب يسوع (راجع مت 25: 40). والأُذُن تُسمِعها الشتائم والاضطّهادات، في حين يرنّم لها الإيمان: " اِفَرحوا وابْتَهِجوا" (مت 5: 12). وحاسّة اللمس تجعلنا نشعر بضربات الحجارة التي نتلقّاها، بينما الإيمان يقول لنا: "افرحوا لأنّكم حُسِبتُم مُسْتَأْهِلِينَ أَنْ تتألّموا من أجل اسم الرّب يسوع المسيح" (راجع أع 5: 41). وحاسّة الذوق تجعلنا نشتمّ البخور، أمّا الإيمان فيقول لنا إنّ البخور الحقيقيّ هو "صَلَوَات الْقِدِّيسِين" (رؤ 8: 4).
إنّ الحواسّ تُغرينا بالجمالات المخلوقة، والإيمان ينظُر إلى الجمال غير المخلوق ويشعُر بالشفقة تجاه جميع المخلوقات التي ليست سوى عَدمًا وغُبارًا أمام هذا الجمال. إنّ الحواسّ تكره الألم، لكنّ الإيمان يباركه كتاج الزواج الّذي يربطه بحبيبه، كمشية العروس مع عروسها، يدُها في يدِه الإلهيّة. والحواسّ تنتفض ضدّ الإهانة، بينما الإيمان يُباركها: "بَارِكُوا لاَعِنِيكُم" (لو 6: 28)...؛ ويجدها عذبةً لأنّها تعني مشاركة الرّب يسوع مصيرَهُ... والحواسّ فضوليّة، لكنّ الإيمان لا يريد أن يَعرِف شيئًا: فبِهِ عَطَشٌ إلى دفن ذاته ويرغب في أن يُمضي حياتَه كلّها ساكنًا أمام بيت القربان.
 
 
4    السبت الثاني من الصوم الكبير     -     إنجيل القدّيس مرقس 25-19:11    
 
    إنجيل القدّيس مرقس 25-19:11 
 
لَمَّا حَلَّ المَسَاء، خَرَجَ يَسُوعُ وتَلامِيذُه مِنَ المَدِينَة.
وفي الصَّبَاح، بَيْنَمَا هُم عَابِرُون، رَأَوا التِّيْنَةَ يَابِسَةً مِنْ جُذُورِهَا.
فتَذَكَّرَ بُطْرُسُ وقَالَ لَهُ: «رَابِّي، أُنْظُرْ، إِنَّ التِّيْنَةَ الَّتي لَعَنْتَهَا قَدْ يَبِسَتْ!».
فأَجَابَ يَسُوعُ وقَالَ لَهُم: «آمِنُوا بِٱلله!
أَلحَقَّ أَقُولُ لَكُم: مَنْ قَالَ لِهذا الجَبَل: إِنْقَلِعْ وَٱهْبِطْ في البَحْر، وهُوَ لا يَشُكُّ في قَلْبِهِ، بَلْ يُؤْمِنُ أَنَّ ما قَالَهُ سَيَكُون، يَكُونُ لهُ ذلِكَ.
لِهذَا أَقُولُ لَكُم: كُلُّ مَا تَسْأَلُونَهُ في الصَّلاة، آمِنُوا أَنَّكُم نِلْتُمُوهُ، فَيَكُونَ لَكُم.
وإِذَا قُمْتُم لِلصَّلاة، وكَانَ لَكُم عَلى أَحَدٍ شَيء، فَٱغْفِرُوا لَهُ لِكَي يَغْفِرَ لَكُم أَيْضًا أَبُوكُمُ الَّذي في السَّمَاواتِ زَلاَّتِكُم».

 

«فأَجابَهم يسوع: آمِنوا بِالله» (مر 11: 22)
القدّيس كيرِلُّس (313 - 350)، بطريرك أورشليم وملفان الكنيسة،
تعاليم مسيحيّة عماديّة، الرقم 5

 

إن كان الأمر يتعلّق بدراسة الإيمان أو بالاعتراف به، اكتسبْ واحفظْ فقط الإيمان الذي تنقله إليك الكنيسة اليوم، الإيمان الذي يرتكز على الكتاب المقدّس كلّه. لا يستطيع الجميع قراءة الكتاب المقدّس؛ البعض بسبب جهلهم، والبعض الآخر لأن انشغالاتهم تبعدهم عن المعرفة. لئلا يؤدّي هذا الجهل إلى موت النفس، نحن نختزن في هذه الآيات القليلة من قانون الإيمان كلّ تعليم الإيمان...
الإيمان الذي سمعتَ نصّه للتو، أبقِه في ذاكرتك. تلقَّ أيضًا، حين يحين الوقت، على كلّ واحد من فقراته، شهادة الكتابات الإلهيّة. لأنّ نزوة البشر لم تؤلّف هذا الملخّص عن لإيمان؛ لقد تمّ اختيار النقاط الأهمّ في الكتاب المقدّس كلّه، لتلخيص الإيمان كلّه. وكما أنّ حبّة الخردل الصغيرة تختزن أغصانًا عديدة (مت 13: 32)، هكذا يتضمّن هذا الرمز للإيمان، بكلمات قليلة، كلّ حكمة التقوى التي يتضمّنها العهد القديم والعهد الجديد.
انتبهوا إذًا، يا إخوتي، حافظوا على التعليم الذي تتلقّونه الآن، و"اكتبوه على ألواح قلوبكم" (2كور 3: 3)... كما قال بولس الرسول: "وأُوْصيكَ، في حَضرَةِ اللّهِ الَّذي يُحيِي كُلَّ شَيء وفي حَضرَةِ المسيحِ يسوعَ الَّذي شَهِدَ شَهادةً حَسَنَةً في عَهْدِ بُنطِيوس بيلاطُس، أَن تَحفَظَ هذه الوَصِيَّةَ وأنتَ بَريءٌ مِنَ العَيبِ واللَّوم إِلى أَن يَظهَرَ رَبُّنا يسوعُ المسيح" (1تم 6: 13-14).
 
 
3    يوم الجمعة الثاني  من الصوم الكبير     -     إنجيل القدّيس متّى 35-23:18    
 
    إنجيل القدّيس متّى 35-23:18 
 
قالَ الرَبُّ يَسوع: «يُشْبِهُ مَلَكُوتُ السَّمَاوَاتِ مَلِكًا أَرَادَ أَنْ يُحَاسِبَ عَبِيدَهُ.
وبَدَأَ يُحَاسِبُهُم، فَأُحْضِرَ إِلَيْهِ وَاحِدٌ مَدْيُونٌ لَهُ بِسِتِّينَ مَلْيُونَ دِيْنَار.
وإِذْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَا يُوفِي بِهِ دَيْنَهُ، أَمَرَ سَيِّدُهُ بِأَنْ يُبَاعَ هُوَ وزَوْجَتُهُ وأَوْلادُهُ وكُلُّ مَا يَمْلِكُ لِيُوفِيَ الدَّيْن.
فَوَقَعَ ذلِكَ العَبْدُ سَاجِدًا لَهُ وقَال: أَمْهِلْنِي، يَا سَيِّدِي، وأَنَا أُوفِيكَ الدَّيْنَ كُلَّهُ.
فَتَحَنَّنَ سَيِّدُ ذلِكَ العَبْدِ وأَطْلَقَهُ وأَعْفَاهُ مِنَ الدَّيْن.
وخَرَجَ ذلِكَ العَبْدُ فَوَجَدَ وَاحِدًا مِنْ رِفَاقِهِ مَدْيُونًا لَهُ بِمِئَةِ دِيْنَار، فَقَبَضَ عَلَيْهِ وأَخَذَ يَخْنُقُهُ قَائِلاً: أَوْفِنِي كُلَّ مَا لِي عَلَيْك.
فَوَقَعَ رَفِيْقُهُ عَلى رِجْلَيْهِ يَتَوَسَّلُ إِليْهِ ويَقُول: أَمْهِلْنِي، وأَنَا أُوفِيْك.
فَأَبَى ومَضَى بِهِ وطَرَحَهُ في السِّجْن، حَتَّى يُوفِيَ دَيْنَهُ.
ورَأَى رِفَاقُهُ مَا جَرَى فَحَزِنُوا حُزْنًا شَدِيْدًا، وذَهَبُوا فَأَخْبَرُوا سَيِّدَهُم بِكُلِّ مَا جَرى.
حِينَئِذٍ دَعَاهُ سَيِّدُهُ وقَالَ لَهُ: أَيُّهَا العَبْدُ الشِّرِّير، لَقَدْ أَعْفَيْتُكَ مِنْ كُلِّ ذلِكَ الدَّيْن، لأَنَّكَ تَوَسَّلْتَ إِليَّ.
أَمَا كَانَ عَلَيْكَ أَنْتَ أَيْضًا أَنْ تَرْحَمَ رَفيقَكَ كَمَا رَحِمْتُكَ أَنا؟!
وغَضِبَ سَيِّدُهُ فَسَلَّمَهُ إِلى الجَلاَّدين، حَتَّى يُوفِيَ كُلَّ مَا عَلَيْه.
هكَذَا يَفْعَلُ بِكُم أَيْضًا أَبي السَّمَاوِيّ، إِنْ لَمْ تَغْفِرُوا، كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُم لأَخِيْه، مِنْ كُلِّ قُلُوبِكُم».

 

«أَفما كانَ يجِبُ عليكَ أَنتَ أَيضاً أَن تَرحَمَ صاحِبَكَ كما رحِمتُكَ أَنا؟»
القدّيس قيصاريوس (٤٧٠ - ٥٤٣)، راهب وأسقف آرل،
العظة رقم 25

 

ما هي الرحمة البشريّة؟ هي بشكل خاص الاهتمام بشقاء الفقراء وبؤسهم. وما هي الرحمة الإلهيّة؟ هي من دون شكّ غفران الخطايا...
إنّ الله هو الذي يعاني في هذا العالم من البرد والجوع اللذين يطالان جميع الفقراء، وهذا ما قاله بنفسه (راجع مت 25: 40)... إذًا، أيّ نوع من الناس نحن الذين نريد التلقّي حين يعطي الله؛ وعندما يطلب منّا الله، نأبى أن نعطي بدورنا؟ عندما يجوع الفقير، يكون الرّب يسوع نفسه في العوز، كما قال لنا: "لأِنِّي جُعتُ فَما أَطعَمتُموني" (مت 25: 42). لا تحتقر إذًا شقاء الفقراء وبؤسهم إن كنتَ ترجو بثقة غفران خطاياك... ما يناله الله على الأرض، يعيده لك في السماوات.
إنّي أسألكم، يا إخوتي، عندما تأتون إلى الكنيسة، ما الذي تريدونه وما الذي تبحثون عنه سوى الرحمة؟ امنحوا رحمة الأرض وستنالون رحمة السماوات. الفقير يسألك وأنت تسأل الله: الفقير يطلب لقمة خبز وأنت تطلب الحياة الأبديّة... لذلك، عندما تأتون إلى الكنيسة، قدّموا الصدقة إلى الفقراء بحسب مواردكم.
 
 
2    عيد مار يوحنّا مارون المعترف     -     إنجيل القدّيس متّى 17-13:5    
القديس البطريرك يوحنا مارون المعترف - (2 اذار)
    إنجيل القدّيس متّى 17-13:5 
 

قالَ الربُّ يَسوع: «أَنْتُم مِلْحُ الأَرض. فَإِذَا فَسَدَ المِلْحُ فَأَيُّ شَيءٍ يُمَلِّحُهُ؟ إِنَّهُ لا يَعُودُ يَصْلُحُ لِشَيء، إِلاَّ لأَنْ يُطْرَحَ في الخَارِجِ وتَدُوسَهُ النَّاس.

أَنْتُم نُورُ العَالَم. لا يُمْكِنُ أَنْ تُخْفَى مَدِينَةٌ مَبْنِيَّةٌ عَلَى جَبَل.

ولا يُوْقَدُ سِرَاجٌ ويُوضَعُ تَحْتَ المِكْيَال، بَلْ عَلى المَنَارَة، فَيُضِيءُ لِكُلِّ مَنْ في البَيْت.

هكَذَا فَلْيُضِئْ نُورُكُم أَمَامَ النَّاس، لِيَرَوا أَعْمَالَكُمُ ٱلصَّالِحَة، ويُمَجِّدُوا أَبَاكُمُ الَّذي في السَّمَاوات.

لا تَظُنُّوا أَنِّي جِئْتُ لأُبْطِلَ التَّوْرَاةَ أَوِ الأَنْبِياء. مَا جِئْتُ لأُبْطِل، بَلْ لأُكَمِّل.


 

«بَل عَلى ٱلمَنارَة، فَيُضيءُ لِجَميعِ ٱلَّذينَ في ٱلبَيت»
القدّيس خوسيه ماريا إسكريفا دي بالاغير (1902 - 1975)، كاهن ومؤسّس،
عظة بتاريخ 04: عندما يمرّ المسيح



أن نملأ العالمَ من النور، أَن نكون الملح والنور، هذه مهمّتنا كتلاميذ الربّ يسوع كما وصفها بنفسه. أَن نحملَ حتّى أَقاصي الأرض البشرى السارّة لمحبّة الله. هذا ما ينبغي أَن يُكرِّس له جميع المسيحيّين حياتَهم بشكلٍ أَو بآخر... إنّ نعمة الإيمان لم تُمنَح لنا لنُبقيها مخفيّة، بل على العكس لنتألّقَ بها أمام الناس...

قد يتساءَل البعض كيف يُمكنهم إيصال معرفة المسيح للآخرين. أجيبُكم: بشكل طبيعي، وببساطة، وبالعيش تمامًا كما تفعلون في وسطِ العالم، بعطائكم الكلّي في عملكم ورعاية عائلاتكم، وبالمشاركة في جميع التطلّعات النبيلة للناس، وباحترام الحريّة المشروعة لكلّ شخص... إنّ الحياة العاديّة يُمكن أن تكون مقدّسة ومليئة من الله... الربّ يدعونا إلى تقديس أعمالنا اليوميّة، لأنّ في ذلك أيضًا يَكمنُ الكمال المسيحيّ.

علينا ألاّ ننسى أنّ معظم الأيّام التي أمضتها مريم العذراء على هذه الأرض جَرَت بطريقةٍ تشبه إلى حدٍّ بعيد أيّام الملايين من النساء المكرّسات لأُسَرهنَّ، ولتربية أطفالهنَّ، وللمهام المنزليّة. في كلّ هذا، قَدّسَتْ مريم أصغر التفاصيل التي يخطئ الكثيرون في اعتبارها بلا قيمة أو معنى... إنّ الحياة العاديّة المباركة يمكن أن تفيض بمحبّة الله! لأَنّ هذا ما يفسّر حياة مريم: حبّها الذي دفعها إلى نسيان ذاتها، وسعادتها العارمة بأَن تكون حيث هي، حيث أَرادها الله أَن تكون. لذا، فإنّ أَبسط أَعمالها ليس تافهًا أبدًا، بل على العكس هو مليء بالمعنى... إنّ الخيار يعود إلينا في محاولة أَن نكون مثل مريم وسط الظروف المحدّدة التي أَراد الله أَن نعيش فيها.

 
 
1    الأربعاء الثاني من الصوم الكبير     -     إنجيل القدّيس متّى 45-38:12    
القدّيستان دومنينا تلميذة مار مارون وأفدوكيا البعلبكيّة المعترفتان - (1 اذار)
    إنجيل القدّيس متّى 45-38:12 
 

أَجَابَ بَعْضُ الكَتَبَةِ والفَرِّيِسِيِّينَ يَسوعَ قَائِلين: «يَا مُعَلِّم، نُرِيدُ أَنْ نَرَى مِنْكَ آيَة».

فَأَجَابَ وقَالَ لَهُم: «جِيْلٌ شِرِّيرٌ فَاجِرٌ يَطْلُبُ آيَة، ولَنْ يُعْطَى آيَةً إِلاَّ آيَةَ يُونَانَ النَّبِيّ.

فكَمَا كَانَ يُونَانُ في بَطْنِ الحُوتِ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ وثَلاثَ لَيَال، كَذلِكَ سَيَكُونُ ٱبْنُ الإِنْسَانِ في قَلْبِ الأَرْضِ ثَلاثةَ أَيَّامٍ وثَلاثَ لَيَال.

رِجَالُ نِينَوَى سَيَقُومُونَ في الدَّيْنُونَةِ مَعَ هذَا الجِيلِ ويَدِينُونَهُ، لأَنَّهُم تَابُوا بِإِنْذَارِ يُونَان، وهَا هُنَا أَعْظَمُ مِنْ يُونَان!

مَلِكَةُ الجَنُوبِ سَتَقُومُ في الدَّيْنُونَةِ مَعَ هذَا الجِيلِ وتَدِينُهُ، لأَنَّهَا جَاءَتْ مِنْ أَقَاصِي الأَرضِ لِتَسْمَعَ حِكْمَةَ سُلَيْمَان، وهَا هُنَا أَعْظَمُ مِنْ سُلَيْمَان!

إِنَّ الرُّوحَ النَّجِس، إِذَا خَرَجَ مِنَ الإِنْسَان، يَطُوفُ في أَمَاكِنَ لا مَاءَ فيهَا، يَطْلُبُ الرَّاحَةَ فلا يَجِدُهَا.

حينَئِذٍ يَقُول: سَأَعُودُ إِلى بَيْتِي الَّذي خَرَجْتُ مِنْهُ. ويَعُودُ فَيَجِدُهُ خَالِيًا، مَكْنُوسًا، مُزَيَّنًا.

حينَئِذٍ يَذْهَبُ ويَجْلُبُ مَعَهُ سَبْعَةَ أَرْوَاحٍ آخَرِينَ أَكْثَرَ مِنْهُ شَرًّا، ويَدْخُلُونَ ويَسْكُنُونَ في ذلِكَ الإِنْسَان، فَتَكُونُ حَالَتُهُ الأَخِيْرَةُ أَسْوَأَ مِنْ حَالَتِهِ الأُولى. هكَذَا سَيَكُونُ أَيْضًا لِهذَا الجِيلِ الشِّرِّير!».


 

«وهَهُنا أَعظَمُ مِن سُلَيمان!»
روبير من دوتز (نحو 1075 - 1130)، راهب بِنِدِكتيّ،
عن الثالوث الأقدس وأعماله



"أمّا النبي ناثان، فبعد أن تشاور مع بَثْشَابَعُ، دخل معها ودافعا سويًّا عن مشروعهما أمام الشيخ، أمام الملك الحكيم داود الذي تقدّم في الأيّام" (راجع 1مل 1). وبهذه الطريقة مُسح سليمان ملكًا وٱسمه يعني "الربّ المسالم". وَصَعِدَ جَمِيعُ الشَّعْبِ وَرَاءَهُ. وَكَانَ الشَّعْبُ يَضْرِبُونَ بِالنَّايِ وَيَفْرَحُونَ فَرَحًا عَظِيمًا حَتَّى انْشَقَّتِ الأَرْضُ مِنْ أَصْوَاتِهِمْ لأن الملك أعلن "وَإِيَّاهُ قَدْ أَوْصَيْتُ أَنْ يَكُونَ رَئِيسًا عَلَى إِسْرَائِيلَ وَيَهُوذَا" (راجع 1مل1: 35 و40). إنّ عمليّة مسح سليمان ملكًا هي من دون أدنى شكّ صورة مسبقة عن السرّ الذي أعلنه دانيال: "فجَلَسَ أَهلُ القَضاء وفُتِحَت أَسْفار. كنتُ أَنظر في رُؤيايَ لَيلاً فإِذا بِمِثلِ آبنِ إِنسان آتٍ على غَمامِ السَّماء فبَلَغَ إِلى قَديمِ الأَيَّام وقُرِّبَ إِلى أَمامِه. وأُوتِيَ سُلْطاناً ومَجداً ومُلكاً" (دا 7: 10–14).

وبالتالي، فإنّ مبادرة نبيّ أدّت إلى مسح سليمان ملكًا، كما أنّ الرّب يسوع المسيح، ٱبن الله، إذ حقّق جميع النبوءات بمعناها الرُّوحي، عُرِف كملك مسالم، ملك مجد الآب، الذي يجذب الجميع إليه. مُسِح سليمان ملكًا في حياة والده، كما أنّ الرّب يسوع المسيح أُعلِن ملكًا من قبل الله الآب الذي لا يموت. نعم، جعله قطعًا ملكًا، "وَارِثًا لِكُلِّ شَيْءٍ" (عب 1: 2)، ذاك الذي لا يموت ولن يموت. ولكن ما هو مذهل وفريد أنّ الرّب يسوع المسيح، وارث الآب الحيّ أبدًا والذي يجب ألاّ يموت قد ذاق الموت، مرّة واحدة وإلى الأبد؛ ثمّ عاد إلى الحياة ولن يذوق الموت بعد أبدًا.

ها أنّ "سُلَيْمَانَ ركب عَلَى بَغْلَةِ الْمَلِكِ دَاوُدَ" (راجع 1مل1: 38). أمّا الرَبّ يسوع، فقد جلس على عرش أبيه، أي على الكنيسة جمعاء... "فَوقَ كُلِّ صاحِبِ رِئاسَةٍ وَسُلطانٍ وَقُوَّةٍ وَسِيادَة، وَفَوقَ كُلِّ ٱسمٍ يُسَمّى بِهِ مَخلوق، لا في هَذا ٱلدَّهرِ فَقَط، بَل في ٱلدَّهرِ ٱلآتي أَيضًا" (أف 1: 21)، "جَلَسَ عَن يَمينِ ذي ٱلجَّلالِ في ٱلعُلى" (عب 1: 3). لذا، صعدت الجموع وراءه، شعب يغّني ويفرح، وقد انشقت الأرض من أصواتهم. ونحن أيضًا سمعنا الفرح الكبير لأولئك الذين أعلنوا هذا المجد، فرح الرسل الذين ابْتَدَأُوا يَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَةٍ أُخْرَى (راجع أع 2)، و "في الأرضِ كُلِّها سُطورٌ بارِزة وكَلماتٌ إِلى أَقاصي الدُّنْيا بَيِّنة" (مز19[18]: 5).

 
 
فهرس نصف شهري، 2022-2023، للانجيل اليوي بحسب التقويم الماروني
 6 الى 15، من شهر ت 2 2022  16 الى 31، من شهر ك 2 2023  1 الى 15، من شهر نيسان 2023  16 الى 30، من شهر جزيران 2023  1 الى 15، من شهر ايلول 2023
 16 الى 31، من شهر ت 2 2022  1 الى 15، من شهر شباط 2023  16 الى 30، من شهر نيسان 2023  1 الى 15، من شهر نموز 2023  16 الى 30، من شهر ايلول 2023
 1 الى 15، من شهر ك 1 2022  16 الى 28، من شهر شباط 2023  1 الى 15، من شهر ايار 2023  16 الى 31، من شهر نموز 2023  1 الى 15، من شهر ت 1 2023
 16 الى 31، من شهر ك 1 2022  1 الى 15، من شهر اذار 2023  16 الى 31، من شهر ايار 2023  1 الى 15، من شهر اب 2023  16 الى 31، من شهر ت 1 2023
 1 الى 15، من شهر ك 2 2023  16 الى 31، من شهر اذار 2023  1 الى 15،  من شهر جزيران 2023  16 الى 31، من شهر اب 2023  
 
 
  النصوص مأخوذة من الترجمة الليتُرجيّة المارونيّة - إعداد اللجنة الكتابيّة التابعة للجنة الشؤون الليتورجيّة البطريركيّة المارونيّة (طبعة ثانية – 2007) © pure software code - Since 2003