الإنجيل اليوميّ     -      يا ربّ، إِلى مَن نَذهَب وكَلامُ الحَياةِ الأَبَدِيَّةِ عِندَك ؟ (يوحنا 6: 68) التقويم الماروني
        4-    زمن الصوم الكبير
4.4-   الاسبوع الرابع من الصوم الكبير
4.5-   الاسبوع الخامس من الصوم الكبير
4.6-   الاسبوع السادس من الصوم الكبير
4.7.1-   أحد الشعانين
  الرئيسية  

 
 

الإنجيل اليومي   -     التقويم الماروني  

 

شرح \ تقيم

4.4.1- الأحد الرابع من الصوم الكبير : أحد مثل الابن الشاطر    
                                          إنجيل القدّيس لوقا 32-11:15
  «أَقومُ وأَمضي إِلى أَبي»
      
للقدّيس بطرس خريزولوغُس (نحو 406 - 450)، أسقف رافينا وملفان الكنيسة
4.4.2- الاثنين  الرابع من الصوم الكبير
                                          إنجيل القدّيس لوقا 45-37:9
  «وَأَنْتُمُ ٱجْعَلُوا هذَا الكَلامَ في مَسَامِعِكُم: فَٱبْنُ الإِنْسَانِ سَوْفَ يُسْلَمُ إِلَى أَيْدِي النَّاس»
      
للقدّيس توما الأكوينيّ (1225 - 1274)، لاهوتيّ دومينكيّ وملفان الكنيسة
4.4.3- الثلاثاء الرابع من الصوم الكبير
                                          إنجيل القدّيس مرقس 26-22:8
   
4.4.4- الأربعاء الرابع من الصوم الكبير
                                          إنجيل القدّيس لوقا 10-1:7
  «أَقولُ لَكم: لم أَجِدْ مِثلَ هذا الإيمانِ حتَّى في إسرائيل»
      
التعليم المسيحيّ للكنيسة الكاثوليكيّة
4.4.5- الخميس الرابع من الصوم الكبير
                                          إنجيل القدّيس متّى 39-29:15
  خبزنا في الصحراء: الإفخارستيّا، ضمانة المجد الآتي
      
التعليم المسيحيّ للكنيسة الكاثوليكيّة
4.4.6- يوم الجمعة الرابع من الصوم الكبير
                                          إنجيل القدّيس متّى 35-27:9
  «فيكَ قالَ قلبي: اِلتَمِسْ وَجهَه، وَجهَكَ يا رَبِّ أَلتَمِس» (مز 27[26]: 8)
      
للقدّيس أنسيلموس (1033- 1109)، راهب وأسقف وملفان الكنيسة
4.4.7- السبت الرابع من الصوم الكبير
                                          إنجيل القدّيس مرقس 12-1:3
  «فَأَجالَ طَرفَهُ فيهِم مُغضَبًا مُغتَمًّا لِقَساوَةِ قُلوبِهِم»
      
ميليتون السّرديسيّ (؟ - نحو 195)، أسقف
4.5.1- الأحد الخامس من الصوم الكبير : أحد شفاء المخلّع
                                          إنجيل القدّيس مرقس 12-1:2
  «فأَتَوه بمُقعَدٍ يَحمِلُه أَربَعَةُ رِجال»
      
للقدّيس أوغسطينُس (354 - 430)، أسقف هيبّونا (إفريقيا) وملفان الكنيسة
4.5.2- الاثنين الخامس من الصوم الكبير      
                                          إنجيل القدّيس مرقس 20-1:5
  «وَبَينَما هُوَ يَركَبُ ٱلسَّفينَة، سَأَلَهُ ٱلَّذي كانَ مَمسوسًا أَن يَصحَبَهُ. فَلَم يَأذَن لَهُ ...
      
للقدّيسة تيريزيا الكالكوتيّة (1910 - 1997)، مؤسِّسة الأخوات مرسلات المحبّة
4.5.3- الثلاثاء الخامس من الصوم الكبير
                                          إنجيل القدّيس مرقس 56-47:6
   
4.5.4- الأربعاء الخامس من الصوم الكبير     
                                          إنجيل القدّيس لوقا 17-11:7
  «يا فتى، أقولُ لَكَ: قُمْ!»
      
للقدّيس أوغسطينُس (354 - 430)، أسقف هيبّونا (إفريقيا) وملفان الكنيسة
4.5.5- الخميس الخامس من الصوم الكبير                 
                                          إنجيل القدّيس مرقس 41-33:4
  «فسَكَنَتِ الرِّيحُ، وحَدَثَ هُدُوءٌ عَظِيم»
      
للقدّيس أوغسطينُس (354 - 430)، أسقف هيبّونا (إفريقيا) وملفان الكنيسة
4.5.6- يوم الجمعة الخامس من الصوم الكبير
                                          إنجيل القدّيس لوقا 44-31:4
  «فَٱنتَهَرَهُ يَسوع، وَقال: إِخرَس وَٱخرُج مِنهُ!»
      د
يادوكُس الفوتيكي (حوالى 400 - ؟)، أسقف
4.5.7- السبت الخامس من الصوم الكبير               
                                          إنجيل القدّيس مرقس 37-31:7
  «فلمّا تمّ الزمان، أرسل الله ابنه مولودًا لامرأة» (غل 4: 4)
      
للقدّيس أوغسطينُس (354 - 430)، أسقف هيبّونا (إفريقيا) وملفان الكنيسة
4.6.1- الأحد السادس من الصوم الكبير : أحد شفاء الأعمى       
                                          إنجيل القدّيس مرقس 52-46:10
  «فأَبصَرَ مِن وَقتِه وتَبِعَه وهو يُمَجِّدُ الله»
      
للقدّيس غريغوريوس الكبير (نحو 540 - 604)، بابا روما وملفان الكنيسة
4.6.2- الاثنين السادس من الصوم الكبير      
                                          إنجيل القدّيس يوحنّا 36-32:7
  «أَجَل، إِنَّكُم تَعرِفونَني وتعرفونَ مِن أَينَ أَنا»
      
للقدّيس يوحنّا بولس الثاني (1920 - 2005)، بابا روما
4.6.3- الثلاثاء السادس من الصوم الكبير
                                          إنجيل القدّيس يوحنّا 13-1:7
   
4.6.4- الأربعاء السادس من الصوم الكبير
                                          إنجيل القدّيس لوقا 48-37:11
  «تَصَدَّقوا بِما فيهِما، يَكُنْ كُلُّ شَيءٍ لكُم طاهِراً»
      
للقدّيس رافاييل أرناييز بارون (1911 – 1938)، راهب ترابيست إسباني
4.6.5- الخميس السادس من الصوم الكبير     
                                          إنجيل القدّيس لوقا 34-31:18
  «ومَضى بالِاثنَيْ عَشَرَ فقالَ لَهم: ها نحنُ صاعِدونَ إِلى أُورَشَليم» (لو 18: 31)
      
للقدّيس أوغسطينُس (354 - 430)، أسقف هيبّونا (إفريقيا) وملفان الكنيسة
4.6.6- يوم الجمعة تمام الأربعين: تجارب يسوع في البريّة
                                          إنجيل القدّيس لوقا 13-1:4
  «لَقَدِ امتُحِنَ في كُلِّ شَيءٍ مِثْلَنا ما عَدا الخَطِيئَة» (عب 4: 15)
      
للقدّيس أوغسطينُس (354 - 430)، أسقف هيبّونا (إفريقيا  وملفان الكنيسة
4.6.7- سبت إحياء إلعازر
                                          إنجيل القدّيس يوحنّا 11-1:12.57-55:11
  «فعَبِقَ البَيتُ بِالطِّيب»
      
أوريجينُس (نحو 185 - 253)، كاهن ولاهوتيّ
4. 7.1- أحد الشعانين
                                          إنجيل القدّيس يوحنّا 22-12:12
  «هُوشَعْنا! تباركَ الآتي باسم الربّ! تباركَ ملكُ إسرائيل!» (يو 12: 13)
      
للقدّيس أندراوس الكريتيّ (660 - 740)، راهب وأسقف
 
 
4.4.1-    الأحد الرابع من الصوم الكبير : أحد مثل الابن الشاطر     -     إنجيل القدّيس لوقا 32-11:15    
 
    إنجيل القدّيس لوقا 32-11:15 
 
قَالَ الرَبُّ يَسُوع: «كانَ لِرَجُلٍ ٱبْنَان.
فَقالَ أَصْغَرُهُمَا لأَبِيه: يَا أَبي، أَعْطِنِي حِصَّتِي مِنَ المِيرَاث. فَقَسَمَ لَهُمَا ثَرْوَتَهُ.
وَبَعْدَ أَيَّامٍ قَلِيلَة، جَمَعَ الٱبْنُ الأَصْغَرُ كُلَّ حِصَّتِهِ، وسَافَرَ إِلى بَلَدٍ بَعِيد. وَهُنَاكَ بَدَّدَ مَالَهُ في حَيَاةِ الطَّيْش.
وَلَمَّا أَنْفَقَ كُلَّ شَيء، حَدَثَتْ في ذلِكَ البَلَدِ مَجَاعَةٌ شَدِيدَة، فَبَدَأَ يُحِسُّ بِالعَوَز.
فَذَهَبَ وَلَجَأَ إِلى وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ ذلِكَ البَلَد، فَأَرْسَلَهُ إِلى حُقُولِهِ لِيَرْعَى الخَنَازِير.
وَكانَ يَشْتَهي أَنْ يَمْلأَ جَوْفَهُ مِنَ الخَرُّوبِ الَّذي كَانَتِ الخَنَازِيرُ تَأْكُلُهُ، وَلا يُعْطِيهِ مِنْهُ أَحَد.
فَرَجَعَ إِلى نَفْسِهِ وَقَال: كَمْ مِنَ الأُجَرَاءِ عِنْدَ أَبي، يَفْضُلُ الخُبْزُ عَنْهُم، وَأَنا ههُنَا أَهْلِكُ جُوعًا!
أَقُومُ وَأَمْضي إِلى أَبي وَأَقُولُ لَهُ: يَا أَبِي، خَطِئْتُ إِلى السَّمَاءِ وَأَمَامَكَ.
وَلا أَسْتَحِقُّ بَعْدُ أَنْ أُدْعَى لَكَ ٱبْنًا. فَٱجْعَلْنِي كَأَحَدِ أُجَرَائِكَ!
فَقَامَ وَجَاءَ إِلى أَبِيه. وفِيمَا كَانَ لا يَزَالُ بَعِيدًا، رَآهُ أَبُوه، فَتَحَنَّنَ عَلَيْه، وَأَسْرَعَ فَأَلْقَى بِنَفْسِهِ عَلى عُنُقِهِ وَقَبَّلَهُ طَوِيلاً.
فَقالَ لَهُ ٱبْنُهُ: يَا أَبي، خَطِئْتُ إِلى السَّمَاءِ وَأَمَامَكَ. وَلا أَسْتَحِقُّ بَعْدُ أَنْ أُدْعَى لَكَ ٱبْنًا...
فَقالَ الأَبُ لِعَبيدِهِ: أَسْرِعُوا وَأَخْرِجُوا الحُلَّةَ الفَاخِرَةَ وَأَلْبِسُوه، وٱجْعَلُوا في يَدِهِ خَاتَمًا، وفي رِجْلَيْهِ حِذَاء،
وَأْتُوا بِالعِجْلِ المُسَمَّنِ وٱذْبَحُوه، وَلْنَأْكُلْ وَنَتَنَعَّمْ!
لأَنَّ ٱبْنِيَ هذَا كَانَ مَيْتًا فَعَاش، وَضَائِعًا فَوُجِد. وَبَدَأُوا يَتَنَعَّمُون.
وكانَ ٱبْنُهُ الأَكْبَرُ في الحَقْل. فَلَمَّا جَاءَ وٱقْتَرَبَ مِنَ البَيْت، سَمِعَ غِنَاءً وَرَقْصًا.
فَدَعا وَاحِدًا مِنَ الغِلْمَانِ وَسَأَلَهُ: مَا عَسَى أَنْ يَكُونَ هذَا؟
فَقالَ لَهُ: جَاءَ أَخُوك، فَذَبَحَ أَبُوكَ العِجْلَ المُسَمَّن، لأَنَّهُ لَقِيَهُ سَالِمًا.
فَغَضِبَ وَلَمْ يُرِدْ أَنْ يَدْخُل. فَخَرَجَ أَبُوهُ يَتَوَسَّلُ إِلَيْه.
فَأَجَابَ وقَالَ لأَبِيه: هَا أَنا أَخْدُمُكَ كُلَّ هذِهِ السِّنِين، وَلَمْ أُخَالِفْ لَكَ يَوْمًا أَمْرًا، وَلَمْ تُعْطِنِي مَرَّةً جَدْيًا، لأَتَنَعَّمَ مَعَ أَصْدِقَائِي.
ولكِنْ لَمَّا جَاءَ ٱبْنُكَ هذَا الَّذي أَكَلَ ثَرْوَتَكَ مَعَ الزَّوَانِي، ذَبَحْتَ لَهُ العِجْلَ المُسَمَّن!
فَقالَ لَهُ أَبُوه: يَا وَلَدِي، أَنْتَ مَعِي في كُلِّ حِين، وَكُلُّ مَا هُوَ لِي هُوَ لَكَ.
ولكِنْ كانَ يَنْبَغِي أَنْ نَتَنَعَّمَ وَنَفْرَح، لأَنَّ أَخَاكَ هذَا كانَ مَيْتًا فَعَاش، وَضَائِعًا فَوُجِد».

«أَقومُ وأَمضي إِلى أَبي»
القدّيس بطرس خريزولوغُس (نحو 406 - 450)، أسقف رافينا وملفان الكنيسة،
العظتان 2 و3

 

ذاك الذي قال هذا الكلام كان مطروحًا على الأرض. لقد أدركَ أنّه سقطَ، وأيقنَ أنّه أفلسَ، كما وجدَ نفسَه مُنغمسًا في الخطيئة فهتَفَ: "أَقومُ وأَمضي إِلى أَبي". من أين جاءَه هذا الرّجاء، وهذا اليقين وهذه الثقة؟ من كون المسألة متعلّقة بأبيه. قالَ الابن لنفْسِه: "لقد خسرتُ موقعي كابن، لكن هو لم يخسرْ موقعَه كأب. لا حاجة إلى غريبٍ كي يتوسّط لدى الأب: إنّه حنان الأب الذي يتدخّل ويتوسّط في أعماق قلبه. فتَحثّه أحشاؤه الأبويّة ليَلدَ ابنَه  من جديد من خلال الغفران. مذنبٌ، أقومُ وأمضي إلى أبي".
وما كان من الأب، لحظة رؤية ابنِه، إلاّ أن غطّى فورًا خطأه. لقد فضّلَ دورَه كأبٍ على دورِه كقاضٍ. فحوّلَ فورًا الإدانة إلى غفران، هو الذي كان يرغب في عودة الابن، لا في فقدانه... "ألقى بِنَفسِهِ على عُنُقِه وقَبَّلَه". هكذا يحاكِمُ الأب وهكذا يُصلِح: فيُعطي القبلة بدل العقاب. قوّة الحبّ لا تَكتَرِث للخطيئة، لذا ردّ الأب بقبلةٍ على خطيئة ابنه؛ وغطّاها بمُعانقته. لم يكشفْ الأب عن خطيئة ولدِه، ولم يُشهِّر بابنِه، بل اعتَنى بجراحِه حتّى لا تترك أيّ أثرٍ وأيّ عار. "طوبى لِمَن مَعصِيَته غُفِرَت وخَطيئَته سُتِرَت" (مز 32[31]: 1).
 
 
4.4.2-    الاثنين  الرابع من الصوم الكبير     -     إنجيل القدّيس لوقا 45-37:9    
 
    إنجيل القدّيس لوقا 45-37:9 
 
فيمَا يَسُؤعُ وتَلاميذُهُ نَازِلُونَ مِنَ الجَبَل، لاقَاهُ جَمْعٌ كَثِير.
وإِذا رَجُلٌ مِنَ الجَمْعِ صَرَخَ قَائِلاً: «يا مُعَلِّم، أَرْجُوك، أُنْظُرْ إِلَى ٱبْنِي، لأَنَّهُ وَحيدٌ لي!
وهَا إِنَّ رُوحًا يُمْسِكُ بِهِ فَيَصْرُخُ بَغْتَةً، وَيَهُزُّهُ بِعُنْفٍ فَيُزْبِد، وَبِجَهْدٍ يُفارِقُهُ وهُوَ يُرضِّضُهُ.
وقَدْ رَجَوْتُ تَلامِيذَكَ أَنْ يُخْرِجُوهُ، فَلَمْ يَقْدِرُوا!».
فَأَجَابَ يَسُوعُ وقَال: «أَيُّهَا الجِيلُ المُلْتَوِي غَيرُ المُؤْمِن، إِلى مَتَى أَكُونُ مَعَكُم وَأَحْتَمِلُكُم؟ قَدِّمِ ٱبْنَكَ إِلى هُنَا».
ومَا إِنِ ٱقْتَرَبَ الصَّبِيُّ حَتَّى صَرَعَهُ الشَّيْطَان، وَهَزَّهُ بِعُنْف. فَزَجَرَ يَسُوعُ الرُّوحَ النَّجِس، وأَبْرَأَ الصَّبِيّ، وَسَلَّمَهُ إِلى أَبِيه.
فَبُهِتَ الجَمِيعُ مِنْ عَظَمَةِ الله. وفِيمَا كَانُوا جَمِيعًا مُتَعَجِّبِينَ مِنَ كُلِّ مَا كَانَ يَعْمَلُهُ يَسُوع، قالَ لِتَلامِيذِهِ:
وَأَنْتُمُ ٱجْعَلُوا هذَا الكَلامَ في مَسَامِعِكُم: فَٱبْنُ الإِنْسَانِ سَوْفَ يُسْلَمُ إِلَى أَيْدِي النَّاس.
أَمَّا هُم فَمَا كَانُوا يَفْهَمُونَ هذَا الكَلام، وَقَد أُخْفِيَ عَلَيْهِم لِكَي لا يُدْرِكُوا مَعْنَاه، وَكَانُوا يَخَافُونَ أَنْ يَسْأَلُوهُ عَنْهُ.

«وَأَنْتُمُ ٱجْعَلُوا هذَا الكَلامَ في مَسَامِعِكُم: فَٱبْنُ الإِنْسَانِ سَوْفَ يُسْلَمُ إِلَى أَيْدِي النَّاس»
القدّيس توما الأكوينيّ (1225 - 1274)، لاهوتيّ دومينكيّ وملفان الكنيسة،
تأمّل عن رسالة القدّيس بولس إلى أهل غلاطية

 

قال القدّيس بولس: "أَمَّا أَنا فمَعاذَ اللهِ أَن أَفتَخِرَ إِلاَّ بِصَليبِ رَبِّنا يسوعَ المسيح!" (غل 6: 14). وقال القدّيس أوغسطينُس إنّه حيث وجد حكماء هذا الدهر العار، فإنّ القدّيس بولس وجد كنزًا. فما اعتبره الآخرون حماقة أصبح بالنسبة إليه حكمة (1كور 1: 18) وعنوان مجد.
كلّ واحد يجد المجد فيما يجعله كبيرًا بنظره. فإذا رأى أنّه إنسان كبير لأنّه غنيّ، يتمجّد بممتلكاته. والذي لا يرى كبره إلاّ بالرّب يسوع المسيح، يضع مجده في الرّب يسوع وحده، وهكذا كان الرَّسول بولس. "فما أَنا أَحْيا بَعدَ ذلِك، بلِ المسيحُ يَحْيا فِيَّ" (غل 2: 20). لهذا، فهو لا يتمجّد إلاّ بالرّب يسوع المسيح وبصليبه قبل كلّ شيء، الذي فيه تجتمع كلّ الحوافز.
هناك مَن يتمجّدون بصداقة الكبار والأقوياء، أمّا بولس فلم يجد حاجة إلاّ إلى صليب الرّب يسوع المسيح ليكتشف فيه علامة صداقة الله. "أَمَّا اللهُ فقَد دَلَّ على مَحبتِّهِ لَنا بِأَنَّ المسيحَ قد ماتَ مِن أَجْلِنا إِذ كُنَّا خاطِئين" (رو 5: 8). ليس هنالك ما يبرهن حبّ الله لنا أكثر  من موت الرّب يسوع المسيح. وعلى حسب قول القدّيس غريغوريوس: "إن موت ابنك يا ربّ شهادة لا تًقدّر بثمن. لقد أسلمتَه لتخلّص العبد".
 
 
4.4.3-   الثلاثاء الرابع من الصوم الكبير     -     إنجيل القدّيس مرقس 26-22:8   
 
    إنجيل القدّيس مرقس 26-22:8
 
وَصَلَ يَسُوعُ وتَلامِيذُهُ إِلى بَيْتَ صَيْدَا، فجَاؤُوا إِلَيْهِ بِأَعْمَى وتَوَسَّلُوا إِلَيْهِ أَنْ يَلْمُسَهُ.
فَأَخَذَ بِيَدِ الأَعْمَى، وقَادَهُ إِلى خَارِجِ القَرْيَة، وتَفَلَ في عَيْنَيْه، ووَضَعَ يَدَيْهِ عَلَيْهِ وسأَلَهُ: «هَلْ تُبْصِرُ شَيئًا؟».
فرَفَعَ الأَعْمَى نَظَرَهُ وقَال: «أُبْصِرُ النَّاس، أَراهُم كأَشْجَارٍ وَهُم يَمْشُون!».
فوَضَعَ يَسُوعُ يَدَيْهِ ثَانِيَةً عَلَى عَيْنَي الأَعْمَى، فأَبْصَرَ جَلِيًّا، وعَادَ صَحِيحًا وصَارَ يُبْصِرُ كُلَّ شَيءٍ بِوُضُوح.
فأَرْسَلَهُ يَسُوعُ إِلى بَيْتِهِ قَائِلاً: «لا تَدْخُلِ القَرْيَة!».
 
 
4.4.4-    الأربعاء الرابع من الصوم الكبير     -     إنجيل القدّيس لوقا 10-1:7    
 
    إنجيل القدّيس لوقا 10-1:7 
 

بَعْدَ أَنْ أَكْمَلَ يَسوعُ كَلامَهُ كُلَّهُ عَلى مَسَامِعِ الشَّعْب، دَخَلَ كَفَرنَاحُوم.

وكَانَ لِقائِدِ مِئَةٍ خَادِمٌ بِهِ سُوء، وقَدْ أَشْرَفَ عَلى المَوت، وكَانَ عَزيزًا عَلَيه.

وَسَمِعَ بِيَسوعَ فَأَرْسَلَ إِلَيهِ بَعْضَ شَيُوخِ اليَهُود، يَسْأَلُهُ أَنْ يَأْتِيَ ويُنقِذَ خَادِمَهُ.

فَأَقْبَلُوا إِلى يَسُوع، وأَلَحُّوا يَتَوسَّلُونَ إِلَيهِ قَائِلين: «إنَّهُ مُسْتَحِقٌّ أَنْ تَصْنَعَ لَهُ هذَا،

لأَنَّهُ يُحِبُّ أُمَّتنَا، وَقَد بَنَى لَنَا المَجْمَع».

فَمَضَى يَسُوعُ مَعَهُم. ومَا إنْ صَارَ غَيرَ بَعِيدٍ عَنِ البَيْت، حَتَّى أَرْسَلَ إِلَيهِ قَائِدُ المِئَةِ بَعْضَ أَصْدقَائِهِ، يَقولُ لَهُ: «يا رَبّ، لا تُزعِجْ نَفْسَكَ، لأَنِّي لَسْتُ أَهْلاً أَنْ تَدْخُلَ تَحْتَ سَقْفي.

لِذلِكَ لَمْ أَحسَبْ نَفْسي مُسْتَحِقًّا أَنْ آتِيَ إِلَيْك، لكِنْ قُلْ كَلِمَةً فَيُشْفَى فَتَاي.

فَإنِّي أَنا أَيْضًا رَجُلٌ خَاضِعٌ لِسُلْطان، وَلِي جُنُودٌ تَحْتَ إِمْرَتي، فَأَقولُ لِهذَا: ٱذْهَب! فَيَذْهَبْ، وَلآخَرَ: ٱئْتِ! فَيَأْتي، وَلِخَادِمِي: ٱفْعَلْ هذَا! فَيَفْعَل».

وَلَمَّا سَمِعَ يَسوعُ أُعْجِبَ بِه، وٱلتَفَتَ إِلى الجَمْعِ الَّذي يَتْبَعُهُ فَقاَل: «أَقولُ لَكُم: لَمْ أَجِدْ مِثْلَ هذَا الإِيْمَانِ حَتَّى في إِسْرائِيل».

وَعَاد المُرْسَلُونَ إِلى البَيْت، فَوَجَدُوا الخَادِمَ مُعَافَى.


«أَقولُ لَكم: لم أَجِدْ مِثلَ هذا الإيمانِ حتَّى في إسرائيل»
التعليم المسيحيّ للكنيسة الكاثوليكيّة،
§ 27-30

 

إن التّوق إلى الله أمر محفورٌ في قلب الإنسان، لأنّ الإنسان مخلوقٌ من الله ومن أجل الله؛ ولا ينفكُّ الله من جذب الإنسان نحوه، كما أن الإنسان لن يجد الحقيقة ولا السعادة اللتان ينشدهما إلاّ في الله... على مدى العصور وحتّى تاريخنا هذا، عبّر البشر بطرقٍ مختلفة عن بحثهم المستمر عن الله انطلاقًا من معتقداتهم وتصرّفاتهم الدّينيّة (صلوات، تقادم، عبادات، تأمّلات، إلخ...). وبالرّغم من الغموض الّذي يمكن أن تنطوي عليه طرق تلك التّعابير، فإنّها ذات طابع عالمي لدرجة يمكن أن نسمّي الإنسان كائنًا دينيًّا... غير أنّ هذه "العلاقة الحميمة والحيويّة الّتي تربط وتوحّد الإنسان بالله" يمكن أن يلفّها النسيان وأن تصبح غير معروفة لا بل يمكن أن تُرفض قطعيًّا من الإنسان. إن مواقف كهذه قد يكون لها جذورًا مختلفة جدًّا: الثورة ضد الشّر في العالم، الجهل واللامبالاة الدّينيّين، "هَمّ الحَياةِ الدُّنيا وفِتنَة الغِنى" (مت 13: 22)، المثال السّيّء الّذي قد يقدّمه بعض المؤمنين، التّيّارات الفكريّة المعادية للدّين، وأخيرًا وليس آخرًا ذلك الموقف الّذي يتخذه الإنسان الخاطئ بداعي الخوف، يختبئ من وجه الرّب (راجع تك 3: 8 وما يليها) ويهرب من وجهه (راجع يون 1: 3)

"لتفرَحْ قلوبُ مُلتَمِسي الرَّبّ" (مز 105[104]: 3). إن أراد الإنسان أن ينسى الله أو يرفضه، فإن الله لا ينفك يدعو كل إنسان للبحث عنه لكي يعيش ويجد السّعادة. غير أن هذا البحث تتطلب من الإنسان كل جهد ذكائه، وتصميم إرادته، واستقامة قلبه (راجع مز 97[96]: 11) وتتطلّب أيضًا شهادة الآخرين الّذين يعلّمونه البحث عن الله.

" الرَّبُّ عَظيمٌ ومُسبَحٌ جِداً ولا حَدَّ لِعَظَمَتِه، ولا قِياسَ لإدْراكِه" (مز 145[144]: 3 + 147[146]: 5). إن الإنسان، الّذي يشكّل جزءًا صغيرًا من خلقك، يدّعي تسبيحك، وبالتّحديد الإنسان اللابس طبيعة الفساد، والّذي يحمل في داخله شهادة خطيئته وشهادة أنّ "اللهَ يُكابِرُ المُتَكَبِّرين" (يع 4: 6). بالرّغم من كل ذلك، فإن الإنسان، الّذي يشكّل جزءًا صغيرًا من خلقك، يريد أن يسبّحك. إنّك أنت تحثّه على ذلك، إذ تجعله يجد سعادته في تسبحتك، لأنّك خلقتنا من أجلك وقلبنا لا يجد الرّاحة إن لم يرتح فيك يا رب (القديّس أوغسطينس، اعترافات)

 
 
4.4.5-    الخميس الرابع من الصوم الكبير     -     إنجيل القدّيس متّى 39-29:15    
المجمع المسكونيّ الثاني في القسطنطينيّة 381 - (3 اذار)
    إنجيل القدّيس متّى 39-29:15 
 

أَتَى يَسُوعُ إِلى نَاحِيَةِ بَحْرِ الجَليل، وصَعِدَ إِلى الجَبَلِ فَجَلَسَ هُنَاك.

ودَنَا مِنْهُ جُمُوعٌ كَثِيْرَة، ومَعَهُم عُرْجٌ، وعُمْيَان، ومُقْعَدُون، وخُرْسٌ، ومَرْضَى كَثِيْرُون. وطَرَحُوهُم عِنْدَ قَدَمَي يَسُوعَ فَشَفَاهُم،

حَتَّى تَعَجَّبَ الجَمْعُ لَمَّا رَأَوا الخُرْسَ يَتَكَلَّمُون، والمُقْعَدِ²يْنَ يُشْفَوْن، والعُرْجَ يَمْشُون، والعُمْيَانَ يُبْصِرُون. فَمَجَّدُوا إِلهَ إِسْرَائِيل.

ودَعَا يَسُوعُ تَلامِيْذَهُ وقَال: «أَتَحَنَّنُ على هذَا الجَمْع، لأَنَّهُم يُلازِمُونَنِي مُنْذُ ثَلاثَةِ أَيَّام، ولَيْسَ لَهُم مَا يَأْكُلُون. ولا أُرِيْدُ أَنْ أَصْرِفَهُم صَائِمِينَ لِئَلاَّ تَخُورَ قُوَاهُم في الطَّريق».

فقَالَ لَهُ التَّلامِيذ: «مِنْ أَيْنَ لَنَا في البَرِّيَّةِ خُبْزٌ بِهذَا المِقْدَارِ حَتَّى يُشْبِعَ هذَا الجَمْعَ الغَفِيْر؟».

فَقَالَ لَهُم يَسُوع: «كَمْ رَغِيْفًا لَدَيْكُم؟». فَقَالُوا: «سَبْعَةُ أَرْغِفَة، وبَعْضُ سَمَكَاتٍ صِغَار».

وأَمَرَ يَسُوعُ الجَمْعَ أَنْ يَجْلِسُوا عَلى الأَرْض.

وأَخَذَ الأَرْغِفَةَ السَّبْعَةَ والسَّمَكَات، وشَكرَ وكَسَرَ وبَدَأَ يُنَاوِلُ التَّلامِيْذ، والتَّلامِيْذُ يُنَاوِلُونَ الجُمُوع.

فَأَكَلُوا جَمِيْعُهُم وشَبِعُوا، ورَفَعُوا مِنْ فَضَلاتِ الكِسَرِ سَبْعَةَ سِلالٍ مَمْلُوءَة.

وكَانَ الآكِلُونَ أَرْبَعَةَ آلافِ رَجُل، ما عَدَا النِّسَاءَ والأَطْفَال.

وبَعْدَ أَنْ صَرَفَ الجُمُوعَ ركِبَ السَّفِيْنَة، وجَاءَ إِلى نَوَاحِي مَجْدَلْ.


خبزنا في الصحراء: الإفخارستيّا، ضمانة المجد الآتي
التعليم المسيحيّ للكنيسة الكاثوليكيّة،
الفقرات 1402 – 1405

 

في صلاة قديمة، تهتف الكنيسة مهلّلة لسرّ الإفخارستيّا: "يا أيّتها الوليمة المقدّسة التي تُصَيِّر الرّب يسوع المسيح طعامنا، وتحيي ذكرى آلامه، وتفعم بالنعمة نفسنا وتعطينا عربون الحياة الآتيه". فالإفخارستيّا هي، ولا شكّ، تذكار فصح الربّ، وباشتراكنا في المذبح نمتلئ "من كلّ بركة سماويّة ونعمة". ولكنّ الإفخارستيّا هي أيضًا استباق للمجد السماوي. في العشاء الأخير، لفت الربّ نفسه نظر تلاميذه إلى اكتمال الفصح في ملكوت الله: "أَقولُ لكم: لَن أَشرَبَ بعدَ الآن مِن عَصيرِ الكَرْمَةِ هذا حتَّى ذلك اليَومِ الَّذي فيهِ أَشرَبُه مَعَكُم جَديدًا في مَلكوتِ أَبي" (مت 26: 29). كلّ مرّة تحتفل الكنيسة بالإفخارستيّا، تتذكّر هذا الوعد، وترنو بنظرها إلى "ٱلَّذي هُوَ كائِنٌ وَكانَ وَسَيَأتي" (رؤ 1: 4). وفى صلاتها تلتمس مجيئه: "ماراناتا" (راجع 1كور 16: 22)، "آمين! تَعالَ، أَيُّها الرَّبُّ يَسوع"، (رؤ 22: 20)، "لتأت نعمتك وليعبر هذا العالم!"(كتاب الدّيداكيه).

وتُعَلِّم الكنيسة أنّ الربّ، منذ الآن، يأتي في الإفخارستيّا، وأنّه ههنا فيما بيننا. ولكن هذا الحضور محجوب عن الأنظار. ولذا نحتفل بالإفخارستيّا "مُنتَظِرينَ ٱلسَّعادَةَ ٱلمَرجُوَّة، وَتَجَلِّيَ مَجدِ إِلَهِنا ٱلعَظيمِ وَمُخَلِّصِنا يَسوعَ ٱلمَسيحِ" (تي 2: 13)، وطالبين "أن نمتلئ من مجدك، في ملكوتك، كلّنا معًا وإلى الأبد، يوم تُمسح كلّ دمعة من عيوننا. ويوم نراك، أنت إلهنا، كما أنت، سوف نصير شبيهين بك إلى الأبد. ونسبّحك بلا انقطاع" (صلاة الإفخارستيّا).

هذا الرجاء العظيم، رجاء سماوات جديدة وأرض جديدة يقيم فيها البرّ (راجع 2بط 3: 13)، ليس لدينا عليه عربون أوثق وآية أوضح من الإفخارستيّا. ولا غرو، فكلّ مرّة نحتفل بهذا السرّ، "يتمّ عمل فدائنا" (المجمع الفاتيكاني الثاني- في الكنيسة 3)" ونكسر خبزًا واحدًا هو الدواء الذي يكفل لنا الخلود والترياق الذي يحول دون موتنا، بل يتيح لنا أن نحيا في الرّب يسوع المسيح دائمًا" (القدّيس أغناطيوس الأنطاكي).

 
 
4.4.6-    يوم الجمعة الرابع من الصوم الكبير     -     إنجيل القدّيس متّى 35-27:9    
 
    إنجيل القدّيس متّى 35-27:9 
 

فيمَا يَسُوعُ مُجْتَازٌ مِنْ هُنَاك، تَبِعَهُ أَعْمَيَانِ يَصْرُخَانِ ويَقُولان: «إِرْحَمْنَا، يَا ٱبْنَ دَاوُد!».

ولَمَّا جَاءَ إِلى البَيْتِ تَقَدَّمَ إِلَيْهِ الأَعْمَيَان. فَقَالَ لَهُمَا يَسُوع: «أَتُؤْمِنَانِ أَنِّي قَادِرٌ أَنْ أَفْعَلَ هذَا؟». قَالا لَهُ: «نَعَم، يَا رَبّ».

حينَئِذٍ لَمَسَ أَعْيُنَهُمَا قَائِلاً: «فَلْيَكُنْ لَكُمَا بِحَسَبِ إِيْمَانِكُمَا!».

فَٱنْفَتَحَتْ أَعْيُنُهُمَا. وٱنْتَهَرَهُمَا يَسُوعُ قَائِلاً: «أُنْظُرَا، لا تُخْبِرَا أَحَدًا».

ولكِنَّهُمَا خَرَجَا ونَشَرَا الخَبَرَ في تِلْكَ الأَنْحَاءِ كُلِّهَا.

ولَمَّا خَرَجَ الأَعْمَيَان، قَدَّمُوا إِلَيْهِ مَمْسُوسًا أَخْرَس.

وأُخْرِجَ الشَّيْطَانُ فَتَكَلَّمَ الأَخْرَس. وتَعَجَّبَ الجُمُوعُ فَقَالُوا: «لَمْ يُرَ شَيْءٌ مِثْلُ هذَا في إِسْرَائِيل».

أَمَّا الفَرِّيسِيُّونَ فَكَانُوا يَقُولُون: «إِنَّهُ بِرَئِيْسِ الشَّيَاطِيْنِ يُخْرِجُ الشَّيَاطِين».

وكَانَ يَسُوعُ يَطُوفُ المُدُنَ كُلَّهَا والقُرَى يُعَلِّمُ في مَجَامِعِهم، ويَكْرِزُ بِإِنْجِيلِ المَلَكُوت، ويَشْفِي الشَّعْبَ مِنْ كُلِّ مَرَضٍ وكُلِّ عِلَّة.


«فيكَ قالَ قلبي: اِلتَمِسْ وَجهَه، وَجهَكَ يا رَبِّ أَلتَمِس» (مز 27[26]: 8)
القدّيس أنسيلموس (1033- 1109)، راهب وأسقف وملفان الكنيسة،
Proslogion, 1




تكلّم أيّها القلب، افتح نفسك بالكامل وقل للرب: "وَجهَكَ يا رَبِّ أَلتَمِس". وأنت يا ربّي وإلهي، علّم قلبي أين وكيف يبحث عنك، أين وكيف يجدك. ربّي، إن لم تكن هنا، إن كنت غائبًا، أين إذًا أبحث عنك؟ وإن كنت حاضرًا في كلّ مكان، لمَ لا يمكنني أن أراك؟ لا شكّ في أنّك تسكن النور الذي لا يمكن الوصول إليه. لكن أين هو النور الذي لا يمكن الوصول إليه وكيف يسعني الوصول إليه؟ من سيقود خطواتي ويغرقني في هذا النور حتّى أراك؟ من ثمّ، أيّ إشارات أتبع ومن أي طريق أذهب؟ لم أرك قطّ، ربيّ وإلهي، ولا أعرف وجهك. ماذا يمكنه أن يفعل، أيّها السيد العليّ، ماذا يمكنه أن يفعل هذا المنفي البعيد عنك؟ ماذا يمكنه أن يفعل خادمك الذي يبغي حبّك والبعيد عن وجهك؟ يريد أن يجدك، ولا يعرف أين أنت. يقوم بالبحث عنك ويجهل وجهك.

ربّي، أنت إلهي، أنت سيدي ولم أرك قط. خلقتني مرةّ ثمّ خلقتني من جديد، أعطيتني كلّ ما أملك، ولا أعرفك بعد. صنعتني حتّى أراك ولم أدرك بعد مصيري. مصير الانسان الذي فقد معنى وجوده هو البؤس... سأبحث عنك برغبتي الخاصة وسأرغبك في بحثي. سأجدك وأنا أحبّك وسأحبّك حين أجدك.

 
 
4.4.7-    السبت الرابع من الصوم الكبير     -     إنجيل القدّيس مرقس 12-1:3    
 
    إنجيل القدّيس مرقس 12-1:3 
 

عَادَ يَسُوعُ فَدَخَلَ إِلى المَجْمَع. وكانَ هُنَاكَ رَجُلٌ يَدُهُ يَابِسَة.

وكانُوا يُرَاقِبُونَ هَلْ يَشْفِيهِ يَوْمَ السَّبْت، لِيَشْكُوه.

فقالَ لِلرَّجُلِ الَّذي يَدُهُ يَابِسَة: «قُمْ في الوَسَط!».

ثُمَّ قَالَ لَهُم: «هَلْ يَحِلُّ في السَّبْتِ عَمَلُ الخَيْرِ أَمْ عَمَلُ الشَرّ؟ تَخْليصُ نَفْسٍ أَمْ قَتْلُها؟». فَظَلُّوا صَامِتِين.

فأَجَالَ يَسُوعُ فِيهِم نَظَرَهُ غَاضِبًا، حَزينًا لِقَسَاوَةِ قُلُوبِهِم، ثُمَّ قالَ لِلرَّجُل: «مُدَّ يَدَكَ». ومَدَّ يَدَهُ فعَادَتْ صَحِيحَة.

وفي الحَالِ خَرَجَ الفَرِّيسيُّونَ مَعَ الهِيرُودُوسيِّين، وأَخَذُوا يَتَشَاوَرُونَ عَلَيْهِ لِيُهْلِكُوه.

وٱنْصَرَفَ يَسُوعُ مَعَ تَلامِيذِه إِلى البُحَيْرَة، وتَبِعَهُ جُمْهُورٌ غَفِيرٌ مِنَ الجَليل، وَمِنَ اليَهُودِيَّة،

ومِنْ أُورَشَلِيمَ وَمِنْ أَدُومَ وَعِبْرِ الأُرْدُنّ، وَمِنْ نَوَاحِي صُورَ وصَيْدَا، جُمْهُورٌ غَفِير، سَمِعُوا بِكُلِّ ما صَنَع، فَأَتَوا إِلَيْه.

وأَمَرَ تَلامِيذَهُ أَنْ يُعِدُّوا لَهُ قَارِبًا، يَكُونُ بِتَصَرُّفِهِ، لِئَلاَّ تَزْحَمَهُ الجُمُوع،

لأَنَّهُ شَفَى كَثِيرين، فصَارَ كُلُّ مَنْ بِهِ دَاءٌ يتَهَافَتُ عَلَيْهِ لِيَلْمُسَهُ.

وكَانَتِ الأَرْوَاحُ النَّجِسَة، حِينَ تَرَاه، تَسْقُطُ أَمَامَهُ وتَصْرُخُ قَائِلَة: «أَنْتَ هُوَ ٱبْنُ الله».

وكانَ يَسُوعُ يُحَذِّرُهَا بِشِدَّةٍ مِنْ أَنْ تُشْهِرَهُ.


«فَأَجالَ طَرفَهُ فيهِم مُغضَبًا مُغتَمًّا لِقَساوَةِ قُلوبِهِم»
ميليتون السّرديسيّ (؟ - نحو 195) أسقف،
عظة فصحيّة، 71 - 73

 

هو الحمل الصامت، هو الحمل المذبوح، هو الّذي وُلد من مريم، النعجة الوديعة. هو الّذي سُحب من القطيع واقتيد إلى الموت، قُتل في المساء، وكُفّن في الليل، ليقوم من بين الأموات ويقيم الإنسان من قعر قبره.

لقد مات إذًا. ولكن أين؟ في قلب اورشليم. لماذا؟ لأنّه شفى عُرْجهم، طهّر بُرصُهم، قاد عمياهم إلى النور، وأقام موتاهم (راجع لو 7: 22). هاك إذًا لماذا تألّم. لقد كُتب في الشريعة والأنبياء: "عنِ الخَيرِ بِالشرّ جازَوني لأّنِّي أَسْعى إلى الصَّلاح عادَوني" (مز 38[37]: 21)؛ نفسي في المنفى. لقد فكّروا بالشرّ تجاهي قائلين: لنقيّد البار، إذ هو مبغضٌ لنا" (راجع إر 11: 19).

لماذا صنعت هكذا جريمة من دون اسمٍ؟ لقد أخزيت ذاك الّذي كرّمك، لقد أهنت ذاك الّذي رفعك، لقد أنكرت ذاك الّذي اعترف بك، لقد نبذت ذاك الّذي دعاك، لقد قتلت ذاك الّذي أعطاك الحياة... إن كان عليه أن يتألّم فما كان يجب أن يكون ذلك بسببك. إن كان عليه أن يُهان فما كان يجب أن يكون ذلك من قِبلِك. إن كان عليه أن يُدان، فما كان يجب أن يكون ذلك من خلالك. إن كان عليه أن يُصلب، فما كان يجب أن يكون ذلك بيدك. ها هي الكلمات الّتي كان يجب عليك أن تصرخ بها لإلهك: "يا ربّي، إن كان على ابنك أن يتألم، وإن كانت هذه إرادتك، فليكن ذلك إنّما ليس بسببي".

 
 
4.5.1-    الأحد الخامس من الصوم الكبير : أحد شفاء المخلّع     -     إنجيل القدّيس مرقس 12-1:2    
 
    إنجيل القدّيس مرقس 12-1:2 
 

عَادَ يَسُوعُ إِلى كَفَرْنَاحُوم. وسَمِعَ النَّاسُ أَنَّهُ في البَيْت.

فتَجَمَّعَ عَدَدٌ كَبيرٌ مِنْهُم حَتَّى غَصَّ بِهِمِ المَكَان، ولَمْ يَبْقَ مَوْضِعٌ لأَحَدٍ ولا عِنْدَ البَاب. وكانَ يُخَاطِبُهُم بِكَلِمَةِ الله.

فأَتَوْهُ بِمُخَلَّعٍ يَحْمِلُهُ أَرْبَعَةُ رِجَال.

وبِسَبَبِ الجَمْعِ لَمْ يَسْتَطِيعُوا الوُصُولَ بِهِ إِلى يَسُوع، فكَشَفُوا السَّقْفَ فَوْقَ يَسُوع، ونَبَشُوه، ودَلَّوا الفِرَاشَ الَّذي كانَ المُخَلَّعُ مَطْرُوحًا عَلَيْه.

ورَأَى يَسُوعُ إِيْمَانَهُم، فقَالَ لِلْمُخَلَّع: «يَا ٱبْني، مَغْفُورَةٌ لَكَ خطَايَاك!».

وكانَ بَعْضُ الكَتَبَةِ جَالِسِينَ هُنَاكَ يُفَكِّرُونَ في قُلُوبِهِم:

لِمَاذَا يَتَكَلَّمُ هذَا الرَّجُلُ هكَذَا؟ إِنَّهُ يُجَدِّف! مَنْ يَقْدِرُ أَنْ يَغْفِرَ الخَطَايَا إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ؟.

وفي الحَالِ عَرَفَ يَسُوعُ بِرُوحِهِ أَنَّهُم يُفَكِّرُونَ هكَذَا في أَنْفُسِهِم فَقَالَ لَهُم: «لِمَاذَا تُفَكِّرُونَ بِهذَا في قُلُوبِكُم؟

ما هُوَ الأَسْهَل؟ أَنْ يُقَالَ لِلْمُخَلَّع: مَغْفُورَةٌ لَكَ خطَايَاك؟ أَمْ أَنْ يُقَال: قُمْ وَٱحْمِلْ فِرَاشَكَ وَٱمْشِ؟

ولِكَي تَعْلَمُوا أَنَّ لٱبْنِ الإِنْسَانِ سُلْطَانًا أَنْ يَغْفِرَ الخَطَايَا عَلَى الأَرْض»، قالَ لِلْمُخَلَّع:

لَكَ أَقُول: قُم، إِحْمِلْ فِرَاشَكَ، وٱذْهَبْ إِلى بَيْتِكَ!.

فقَامَ في الحَالِ وحَمَلَ فِرَاشَهُ، وخَرَجَ أَمامَ الجَمِيع، حَتَّى دَهِشُوا كُلُّهُم ومَجَّدُوا اللهَ قَائِلين: «مَا رَأَيْنَا مِثْلَ هذَا البَتَّة!».


«فأَتَوه بمُقعَدٍ يَحمِلُه أَربَعَةُ رِجال»
القدّيس أوغسطينُس (354 - 430)، أسقف هيبّونا (إفريقيا الشماليّة) وملفان الكنيسة ،
أحاديث عن المزامير، المزمور 37[36]

 

ألا يمكننا أن نرفع الشخص الّذي تخور قواه الداخليّة أمام كلّ صلاح مثل المقعد في الإنجيل، ونفتح له سقف الكتب المقدّسة لننزله عند أقدام الربّ؟

ترون جيّدًا أنّ هذا الرجل هو مُقعد على المستوى الروحي. وأنا أرى هذا السقف (الكتب المقدّسة) وأعرف أنّ الرّب يسوع المسيح محتجب تحت هذا السقف. سأبذل كلّ ما باستطاعتي للقيام بما استحسنه الربّ عند أولئك الّذين كشفوا سقف البيت وأنزلوا المقعد إلى أقدامه. فقد قال له: "يا بُنَيَّ، غُفِرَت لكَ خَطاياك". فشفى الرّب يسوع هذا الرجل من الشلل الداخلي: لقد غفر له خطاياه وشدّد ايمانه.

لكن كان هناك أشخاص لم تكن عيونهم قادرة على شفاء الإعاقة الداخليّة. فخالوا الطبيب الذي شفاه مجدّفًا. "ما بالُ هذا الرَّجُلِ يَتَكَلَّمُ بِذلك؟ إِنَّه لَيُجَدِّف. فمَن يَقدِرُ أَن يَغفِرَ الخَطايا إِلاَّ اللهُ وَحدَه؟" لكن بما أنّ هذا الطبيب كان الله، فقد سمع أفكار قلوبهم. كانوا يؤمنون بأنّ الله يملك هذه القدرة، لكنّهم لم يروا أنّ الله حاضر فيما بينهم. لذا، عمل هذا الطبيب أيضًا على جسد المقعد ليشفي الشلل الداخليّ عند أولئك الّذين كانوا يتكلّمون هكذا. فقام بأمر يمكنهم أن يروه لكي يؤمنوا هم أيضًا.

فتشجّعْ إذًا، أنتَ أيضًا يا صاحب القلب الضعيف، أنتَ المريض إلى حدّ أنّك تعجز عن كلّ صلاح في وجه ما يحصل في العالم. تشجّعْ، أنتَ المشلول داخليًّا! فلنكشف معًا سقف الكتب المقدّسة لننزل عند أقدام الربّ.

 
 
4.5.2-    الاثنين الخامس من الصوم الكبير     -     إنجيل القدّيس مرقس 20-1:5    
 
    إنجيل القدّيس مرقس 20-1:5 
 

وَصَلَ يَسُوعُ وتَلامِيذُهُ إِلى الضَّفَّةِ الأُخْرَى مِنَ البُحَيْرَة، إِلى بَلَدِ الجِراسِيِّين.

ومَا إِنْ نَزَلَ يَسُوعُ مِنَ السَّفينَةِ حَتَّى لاقَاهُ رَجُلٌ مِنْ بَيْنِ القُبُورِ فِيهِ رُوحٌ نَجِس.

كانَ يَسْكُنُ في القُبُور، ومَا كانَ أَحَدٌ يَقْدِرُ أَنْ يُكَبِّلَهُ حَتَّى بِسِلْسِلَة.

وكَثيرًا ما كَبَّلُوهُ بِقُيُودٍ وسَلاسِل، فكَانَ يَقْطَعُ السَّلاسِل، ويَكْسِرُ القُيُود، ومَا كانَ أَحَدٌ يَقْدِرُ أَنْ يَضْبِطَهُ.

وكانَ عَلَى الدَّوَام، لَيْلاً ونَهَارًا، في القُبُورِ وفي الجِبَال، يَصْرُخُ ويُهَشِّمُ جَسَدَهُ بِٱلحِجَارَة.

ورَأَى يَسُوعَ مِنْ بَعِيدٍ فَأَسْرَعَ إِلَيْهِ وسَجَدَ لَهُ.

وصَرَخَ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ وقَال: «مَا لي ولَكَ يا يَسُوعُ ٱبْنَ اللهِ العَلِيّ؟ أَسْتَحْلِفُكَ بِٱلله! لا تُعَذِّبْني!»؛

لأَنَّ يَسُوعَ كانَ يَقُولُ لَهُ: «أُخْرُجْ مِنَ الرَّجُل، أَيُّهَا الرُّوحُ النَّجِس!».

وسأَلَهُ: «مَا ٱسْمُكَ؟». فقَالَ لَهُ: «إِسْمي فِرْقَة، لأَنَّنَا كَثِيرُون!».

وكانَ يَتَوَسَّلُ إِلَيْهِ كَثِيرًا أَنْ لا يَطْرُدَهُم مِنْ ذلِكَ البَلَد.

وكانَ هُنَاكَ قَطِيعٌ كَبيرٌ مِنَ الخَنَازيرِ يَرْعَى قُرْبَ الجَبَل.

فتَوَسَّلَتِ الأَرْوَاحُ النَّجِسَةُ إِلى يَسُوعَ قَائِلَة: «أَرْسِلْنَا إِلى الخَنَازِيرِ فَنَدْخُلَ فِيها!».

وأَذِنَ لَهَا فَخَرَجَتْ، ودَخَلَتْ في الخَنَازِير، فَإِذَا بِٱلقَطِيعِ - وعَدَدُهُ نَحْوُ أَلْفَيْن - قَدْ وَثَبَ مِنْ عَلَى المُنْحَدَرِ الوَعْر، وغَرِقَ في البُحَيْرَة.

وهَرَبَ رُعَاةُ الخَنَازِير، وأَذاعُوا الخَبَرَ في المَدِينَةِ والقُرَى، فذَهَبَ النَّاسُ لِيَرَوا ما جَرَى.

فلَمَّا وصَلُوا إِلى يَسُوعَ شَاهَدُوا المَمْسُوس، الَّذي كانَ فِيهِ فِرْقَةُ شيَاطِين، جَالِسًا، لابِسًا، سَلِيمَ العَقْل، فخَافُوا.

والَّذين رَأَوا أَخْبَرُوهُم بِمَا جَرَى لِلْمَمْسُوسِ وَلِلْخَنَازِير،

فبَدَأُوا يَتَوَسَّلُونَ إِلى يَسُوعَ أَنْ يَرْحَلَ عَنْ دِيَارِهِم.

وفِيمَا هُوَ صَاعِدٌ إِلى السَّفينَة، تَوَسَّلَ إِلَيْهِ ذَاكَ الَّذي كانَ مَمْسُوسًا أَنْ يَكُونَ مَعَهُ.

فلَمْ يَسْمَحْ لَهُ يَسُوع، بَلْ قَالَ لَهُ: «إِذْهَبْ إِلى بَيْتِكَ، إِلى أَهْلِكَ، وَأَخْبِرْهُم بِكُلِّ ما صَنَعَ الرَّبُّ إِلَيْك، وَبِرَحْمَتِهِ لَكَ».

فذَهَبَ وبَدَأَ يُنَادي في المُدُنِ العَشْرِ بِكُلِّ مَا صَنَعَ إِلَيْهِ يَسُوع، وكانَ الجَمْيعُ يَتَعَجَّبُون.


«وَبَينَما هُوَ يَركَبُ ٱلسَّفينَة، سَأَلَهُ ٱلَّذي كانَ مَمسوسًا أَن يَصحَبَهُ. فَلَم يَأذَن لَهُ، بَل قالَ لَهُ: إِذهَب إِلى بَيتِكَ إِلى ذَويك، وَأَخبِرهُم بِكُلِّ ما صَنَعَ ٱلرَّبُّ إِلَيكَ، وَبِرَحمَتِهِ لَكَ»
القدّيسة تيريزيا الكالكوتيّة (1910 - 1997)، مؤسِّسة الأخوات مرسلات المحبّة ،
ما من حبٍّ أعظم

 

نحن مدعون لأنّ نحبّ العالم. "فإِنَّ اللهَ أَحبَّ العالَمَ حتَّى إِنَّه جادَ بِابنِه الوَحيد لِكَي لا يَهلِكَ كُلُّ مَن يُؤمِنُ بِه بل تكونَ له الحياةُ الأَبدِيَّة" (يو 3: 16). واليوم أيضًا، فإنّ الله يحبّ العالم كثيرًا حتّى إنّه جاد بنا نحن للعالم، أنت وأنا، لكي نكون حبّه، تعاطفه وحضوره في حياة صلاة، تضحيات، وتسليم. الجواب الّذي ينتظره الله منك هو أن تصبح تأمّليًّا، أن تكون تأمليًّا.

فلنأخذ ما يقوله الرّب يسوع حرفيًّا، ولنُغرِق ذواتنا بالتّأمّل في وسط هذا العالم، لأنّه إن كان لدينا الإيمان، فسوف نكون في حضرته دائمًا. بواسطة التأمّل، تستقي النّفس مباشرة من قلب الله النِّعم الّتي تتولّى الحياة العمليّة مسؤوليّة توزيعها. على وجودنا أن يكون مرتبطًا بالرّب يسوع المسيح الحيّ فينا. فإذا لم نعش في حضرة الله، لا نستطيع المواظبة.

ما هو التأمّل؟ هو أن نحيا حياة الرّب يسوع. أنا أفهمه بهذه الطريقة. أن نحبّ الرّب يسوع، أن نعيش معه في وسط حياتنا، أن نعيش حياتنا في وسط حياته... ليس التأمّل بأن نسجن أنفسنا في غرفة مظلمة ولكن بأن نسمح للرّب يسوع بأن يعيش آلامه، حبّه، تواضعه فينا، أن يصلّي معنا، أن يكون معنا، وأن يقدّس من خلالنا. إنّ حياتنا وتأمّلنا هما واحد. ليس الغرض هنا بان نعمل بل بأن نكون. يتعلّق الأمر في الواقع بفرح نفسنا الكامل بواسطة الرُّوح القدس الّذي ينفخ فينا كمال الله ويرسلنا في كلّ الخليقة كرسالته الشخصيّة للحبّ (راجع مر 16: 15).

 
 
4.5.3-    الثلاثاء الخامس من الصوم الكبير     -     إنجيل القدّيس مرقس 56-47:6    
 
    إنجيل القدّيس مرقس 56-47:6 
 

لَمَّا كانَ المَسَاء، كانَتِ السَّفِينَةُ في وَسَطِ البُحَيْرَة، ويَسُوعُ وَحْدَهُ عَلى اليَابِسَة.

ورَأَى التَّلامِيذَ مَنْهُوكِينَ مِنَ التَّجْذِيف، لأَنَّ الرِّيحَ كانَتْ مُخَالِفةً لَهُم، فجَاءَ إِلَيْهِم في آخِرِ اللَّيْلِ مَاشِيًا عَلَى البُحَيْرَة، وكانَ يُريدُ أَنْ يَتخَطَّاهُم.

ولَمَّا رَآهُ التَّلامِيذُ مَاشِيًا عَلَى البُحَيْرَة، ظَنُّوهُ شَبَحًا فصَرَخُوا،

لأَنَّهُم رأَوْهُ كُلُّهُم وٱضْطَرَبُوا. وفي الحَالِ كَلَّمَهُم يَسُوعُ وقَالَ لَهُم: «ثِقُوا! أَنَا هُوَ، لا تَخَافُوا!».

وصَعِدَ إِلَيْهِم، إِلى السَّفِينَة، فسَكَنَتِ الرِّيح. ودَهِشُوا في أَنْفُسِهِم غَايَةَ الدَّهَش،

لأَنَّهُم لَمْ يَفْهَمُوا مُعْجِزَةَ الأَرْغِفَةِ لِقَسَاوَةِ قُلُوبِهِم.

ولَمَّا عَبَرُوا جَاؤُوا إِلى أَرْضِ جِنَّاشَر، وأَرْسَوا هُنَاك.

ولَمَّا خَرَجُوا مِنَ السَّفِينَةِ عَرَفَهُ النَّاسُ حَالاً.

وطَافُوا تِلْكَ النَّاحِيَةَ كُلَّها، وبَدَأُوا يَحْمِلُونَ مَنْ بِهِم سُوءٌ إِلى حَيْثُ كَانُوا يَسْمَعُونَ أَنَّهُ مَوْجُود.

وحَيْثُما كانَ يَدْخُلُ قُرًى أَوْ مُدُنًا أَو ضِياعًا، كَانُوا يَضَعُونَ المَرْضَى في السَّاحَات، ويَتَوَسَّلُونَ إِلَيْهِ أَنْ يَلْمُسُوا وَلَو طَرَفَ رِدَائِهِ. وجَمِيعُ الَّذِينَ لَمَسُوهُ كانُوا يُشْفَون.

 
 
4.5.4-    الأربعاء الخامس من الصوم الكبير     -     إنجيل القدّيس لوقا 17-11:7    
 
    إنجيل القدّيس لوقا 17-11:7 
 
ذَهَبَ يَسُوعُ إِلى مَدينَةٍ تُدْعَى نَائِين، وَذَهَبَ مَعَهُ تَلاميذُهُ وَجَمْعٌ كَثِير.
وٱقْتَرَبَ مِنْ بَابِ المَدِينَة، فإِذَا مَيْتٌ مَحْمُول، وَهوَ ٱبْنٌ وَحِيدٌ لأُمِّهِ الَّتِي كانَتْ أَرْمَلَة، وَكانَ مَعَها جَمْعٌ كَبيرٌ مِنَ المَدِينَة.
وَرَآها الرَّبُّ فَتَحَنَّنَ عَلَيها، وَقَالَ لَهَا: «لا تَبْكِي!».
ثُمَّ دَنَا وَلَمَسَ النَّعْش، فَوَقَفَ حَامِلُوه، فَقَال: «أَيُّهَا الشَّاب، لَكَ أَقُولُ: قُمْ!».
فَجَلَسَ المَيْتُ وَبَدَأَ يَتَكَلَّم، فَسَلَّمَهُ يَسُوعُ إِلى أُمِّهِ.
وٱسْتَولى الخَوفُ عَلَى الجَميع، فَأَخَذُوا يُمَجِّدُونَ اللهَ وَيَقولون: «لَقَد قَامَ فِينا نَبِيٌّ عَظِيم، وَتَفَقَّدَ اللهُ شَعْبَهُ!».
وَذَاعَتْ هذِهِ الكَلِمَةُ عَنْهُ في اليَهُودِيَّةِ كُلِّهَا، وفي كُلِّ الجِوَار.

«يا فتى، أقولُ لَكَ: قُمْ!»
القدّيس أوغسطينُس (354 - 430)، أسقف هيبّونا (إفريقيا الشماليّة) وملفان الكنيسة ،
العظة 98

 

نَجِد في الإنجيل أن الرّب يسوع قد أقام ثلاث أموات بطريقة مرئيّة، لكن هناك ألوف آخرين قد أقامهم من الموت بصورة غير مرئيّة ... إنّ ابنة رئيس المجلس (راجع مر 5: 22)... وابن أرملة نائين ولعازر (راجع يو 11)... هم رمز لثلاثة أنواع من الخطأة الذين يقيمهم الرّب يسوع في أيّامنا أيضًا: الصبيّة كانت لا تزال نائمة في منزل والدها ...، ابن ارملة نائين لم يعد في منزل والدته إنّما لم يكن قد صار بعد في القبر...؛ لعازر كان قد دُفن ...

يوجد إذًا أناس خطيئتهم ما زالت في قلبهم، لكنّهم لم يرتكبوها بعد... لقد قبلوا بالخطيئة أي أنّ الميّت هو في داخل نفسهم ولم ينتقل بعد الى الخارج. والحال هذه، قد يحدث غالبّا أنّ بعض الناس يمرّون بهذه الخبرة في داخلهم: بعد سماعهم كلمة الله، يبدو كأنّ الرّب يقول لهم: "قُـمْ". فيستنكرون قبولهم للشرّ ويأخذون نَفَسًا جديدًا لكي يعيشوا في الخلاص والبرّ... آخرون، بعد قبولهم بالخطيئة، ينتقلون الى الفعل، فينقلون الميْت الذي كان مخبَّأ في أعماقهم ليعرضوه أمام الجميع. هل نيأس منهم؟ ألم يَقُل الربّ لذلك الشاب: "يا فتى، أقولُ لَكَ: قُمْ!"؟ ألم يُعِده الى أمِّه؟ هذا ينطبق على مَن تصرّف بهذا النمط: إذا تأثّر بعمق بكلمة الحق، فسيقوم من الموت عند سماعه صوت الرّب يسوع المسيح؛ لقد عاد الى الحياة. لقد قام بخطوة أخرى في طريق الخطيئة، لكنّه لم يتمكّن من الهلاك الأبدي.

فيما يخصّ الذين يكبّلون ذاتهم في عادات سيّئة الى حدّ فقدانهم حتى رؤية الشرّ الذي يرتكبون، فهم يسعون كي يبرّروا أعمالهم الشريرة وهم يغضبون حين يلومهم أحد... هؤلاء هم مسحوقون تحت ثقل الخطيئة ويبدون كأنّهم مدفونون في القبر... الحجر الموضوع على القبر هو قوّة العادة الطاغية التي ترهق النفس وتمنعها من النهوض ومن التنّفس.

إذًا فلنُصغي جيّدًا، أيّها الإخوة الأحبّاء، ولنعمل كي يحيا الأحياء، ومّن هُم موتى كي يقومون... ليتب هؤلاء الموتى جميعهم... ومَن هم أحياء، فليحافظوا على حياتهم ومَن هم مائتون فليُسرعوا الى القيامة.

 
 
4.5.5-    الخميس الخامس من الصوم الكبير     -     إنجيل القدّيس مرقس 41-33:4    
 
    إنجيل القدّيس مرقس 41-33:4
 
كانَ يَسُوعُ يُخَاطِبُ الجُمُوعَ بِكَلِمَةِ الله، في أَمْثَالٍ كَثِيرَةٍ كَهذِهِ، عَلَى قَدْرِ مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ أَنْ يَسْمَعُوا.
وبِدُونِ مَثَلٍ لَمْ يَكُنْ يُكَلِّمُهُم. لكِنَّهُ كانَ يُفَسِّرُ كُلَّ شَيءٍ لِتَلامِيذِهِ عَلَى ٱنْفِرَاد.
وفي مَسَاءِ ذلِكَ اليَوْم، قالَ يَسُوعُ لِتَلامِيذِهِ: «لِنَعْبُرْ إِلى الضَّفَّةِ الأُخْرَى».
فتَرَكَ التَّلامِيذُ الجَمْعَ، وأَخَذُوا يَسُوعَ مَعَهُم في السَّفِينَة، وكَانَتْ سُفُنٌ أُخْرَى تَتْبَعُهُ.
وهَبَّتْ عَاصِفَةُ ريحٍ شَدِيدَة، فٱنْدَفَعَتِ الأَمْواجُ عَلى السَّفينَة، حَتَّى أَوْشَكَتِ السَّفِينَةُ أَنْ تَمْتَلِئ.
وكانَ يَسُوعُ نَائِمًا عَلى الوِسَادَةِ في مُؤَخَّرِ السَّفينَة، فَأَيْقَظُوهُ وقَالُوا لَهُ: «يا مُعَلِّم، أَلا تُبَالي؟ فنَحْنُ نَهْلِك!».
فقَامَ وزَجَرَ الرِّيحَ وقَالَ لِلْبَحْر: «أُسْكُتْ! إِهْدَأْ!». فسَكَنَتِ الرِّيحُ، وحَدَثَ هُدُوءٌ عَظِيم.
ثُمَّ قالَ لِتَلاميذِهِ: «لِمَاذَا أَنْتُم خائِفُونَ هكَذا؟ كَيْفَ لا تُؤْمِنُون؟».
فخَافُوا خَوْفًا عظيمًا، وقَالُوا بَعْضُهُم لِبَعْض: «مَنْ هُوَ هذا، حَتَّى يُطِيعَهُ البَحْرُ نَفْسُهُ والرِّيح؟».

«فسَكَنَتِ الرِّيحُ، وحَدَثَ هُدُوءٌ عَظِيم»
القدّيس أوغسطينُس (354 - 430)، أسقف هيبّونا (إفريقيا الشماليّة) وملفان الكنيسة،
العظة 63

 

إنّ قلبك مغمور بالأمواج؛ لقد أثار الغضب فيك رغبة الانتقام. وها أنت قد انتقمت...، وغرقت في الدمار. لماذا؟ لأنّ الرّب يسوع قد غفا في داخلك، أي أنّك نسيته. أيقظ الرّب يسوع إذًا، تذكّرهُ، وليستيقظ في داخلك... هل نسيت الكلمة التي قالها على الصليب: "يا أَبَتِ اغفِرْ لَهم، لِأَنَّهُم لا يَعلَمونَ ما يَفعَلون"؟ (لو 23: 34) إنّ الّذي غفا في داخلك قد رفض الانتقام.
قم بإيقاظه، تذكّر ذكراه. ذكراه هي هذه الكلمة؛ هي وصيّته. وحين توقظ الرّب يسوع داخلك، ستقول لنفسك: "أيّ إنسان أنا لأرغب في الانتقام؟"... إنّ الّذي قال: "أَعطُوا تُعطَوا؛ أُعْفُوا يُعْفَ عَنكم" (لو 6: 38 + 37) لن يستقبلني. سأقمع غضبي إذًا وسيجد قلبي الراحة من جديد. لقد أمر الرّب يسوع البحر فهدأ... قم بإيقاظ الرّب يسوع، دعه يتكلّم، "مَنْ هُوَ هذا، حَتَّى يُطِيعَهُ البَحْرُ نَفْسُهُ والرِّيح" مَن هو ذلك الذي يطيعه البحر؟ "لَه البَحرُ وهو صَنَعَه ويَداه جَبَلَتا اليَبَس" (مز 95[94]: 5)؛ "بِهِ كان كُلُّ شَيءٍ" (يو 1: 3).
اقتدِ بالرِّيح والبحر: أطِع الخالق. إنّ البحر يسمع أوامر المسيح، هل تراك تصّم أذنيك؟ البحر يطيعه، الرِّيح سكنت، هل ستبقى عاصفًا؟... التكلّم، والتحرّك، وتدبير المكائد، ألا يعني ذلك أنّك تعصف وترفض أن تسكن عند سماعك وصيّة المسيح؟ حين يكون قلبك مضطربًا، لا تترك الأمواج تغرقك.
وإذا أوقعتنا الرِّياح- لأنّنا في النهاية لسنا سوى بشر- وأثارت مشاعر شريرة في قلبنا، دعونا لا نيأس. دعونا نوقظ الرّب يسوع، حتّى نتابع رحلتنا نحو بحر هادئ ونصل إلى الوطن.
 
 
4.5.6-    يوم الجمعة الخامس من الصوم الكبير     -     إنجيل القدّيس لوقا 44-31:4   
 
    إنجيل القدّيس لوقا 44-31:4
 
نَزَلَ يَسُوعُ إِلى كَفَرْنَاحُوم، وهيَ مَدِينَةٌ في الجَليل، وكَانَ يُعلِّمُهُم في السُّبُوت.
فبُهِتُوا مِنْ تَعْلِيمِهِ، لأَنَّهُ كانَ يَتَكَلَّمُ بِسُلْطَان.
وكانَ في المَجْمَعِ رَجُلٌ بِهِ رُوحُ شَيْطَانٍ نَجِس، فَصَرَخَ بِصَوْتٍ عَظِيم:
آه! مَا لَنَا ولَكَ يَا يَسُوعُ النَّاصِرِيّ ؟ هَلْ أَتَيْتَ لِتُهْلِكَنا؟ أَنَا أَعْلَمُ مَنْ أَنْت: أَنْتَ قُدُّوسُ الله!.
فزَجَرَهُ يَسُوعُ قَائِلاً: «إِخْرَسْ! وٱخْرُجْ مِنْ هذَا الرَّجُل!». فطَرَحَهُ الشَّيْطَانُ في الوَسَطِ، وخَرَجَ مِنْهُ، ولَمْ يُؤْذِهِ بِشَيء.
فتَعَجَّبُوا جَمِيعُهُم وأَخَذُوا يُخَاطِبُونَ بَعْضُهُم بَعْضًا قائِلين: «ما هذا الكَلام؟ فَإنَّهُ بِسُلْطَانٍ وقُوَّةٍ يَأْمُرُ الأَرْوَاحَ النَّجِسَةَ فَتَخْرُج».
وذَاعَ خَبَرُهُ في كُلِّ مَكَانٍ مِنْ تِلْكَ النَّاحِيَة.
وقَامَ يَسُوعُ مِنَ المَجْمَعِ فَدَخَلَ بَيْتَ سِمْعَان. وكَانَتْ حَمَاةُ سِمْعَانَ مُصَابَةً بِحُمَّى شَدِيدَة، فَسَأَلُوهُ مِنْ أَجْلِهَا.
فٱنْحَنَى عَلَيْها، وزَجَرَ الحُمَّى فَتَرَكَتْهَا. وفَجْأَةً قَامَتْ وصَارَتْ تَخْدُمُهُم.
وعِنْدَ غُرُوبِ الشَّمْس، كانَ جَمِيعُ النَّاسِ يَأْتُونَ إِلَيْهِ بِكُلِّ مَا لَدَيْهِم مِن مَرْضَى مُصَابِينَ بأَمْرَاضٍ مُخْتَلِفَة. فكَانَ يَضَعُ يَدَيهِ على كُلِّ واحِدٍ مِنْهُم ويَشْفِيهِم.
وكَانَتْ أَيْضًا شَياطينُ تَخْرُجُ مِنْ مَرْضَى كَثِيرِين، وهيَ تَصْرُخُ وتَقُول: «أَنْتَ هُوَ ٱبْنُ الله!». فكَانَ يَزْجُرُهُم ولا يَدَعُهُم يَتَكَلَّمُون، لأَنَّهُم عَلِمُوا أَنَّهُ هُوَ المَسِيح.
وعِنْدَ الصَّبَاح، خَرَجَ يَسُوعُ ومَضَى إِلى مَكَانٍ قَفْر، وكَانَ الجُمُوعُ يَطْلُبُونَهُ، فأَتَوا إِلَيْهِ وَحَاوَلُوا أَنْ يُمْسِكُوا بِه ِ لِئَلاَّ يَبْتَعِدَ عَنْهُم.
فقَالَ لَهُم: «عَلَيَّ أَنْ أُبَشِّرَ سَائِرَ المُدُنِ أَيْضًا بِمَلَكُوتِ ٱلله، فإِنِّي لِهذَا أُرْسِلْتُ ».
وكَانَ يُبَشِّرُ في مَجَامِعِ اليَهُودِيَّة.

« فَٱنتَهَرَهُ يَسوع، وَقال: إِخرَس وَٱخرُج مِنهُ!»
دِيادوكُس الفوتيكي (حوالى 400 - ؟)، أسقف، 
مائة فصل عن المعرفة، 78-80

 

إنّ العماد، غُسل القداسة هذا، يزيل وصمة عار خطايانا، لكنّه لا يغيّر الآن ازدواجية إرادتنا ولا يمنع الأرواح الشريرة من محاربتنا أو من إبقائنا في الوهم... لكنّ نعمة الله تقيم في عمق الرُّوح ذاته، وهذا يعني في الفهم. قد قيل، في الواقع، إنّ "المجد لابنة الملك في خدرها" (راجع مز45[44]: 14): إنها لا تظهر نفسها للشياطين. لهذا نشعر من أعماق قلوبنا وكأن الرغبة الإلهية تموج عندما نتذكر الله بحرارة. ولكن حينها تقفز الأرواح الشريرة إلى الحواس الجسدية وتختبئ هناك، مستغلة ضعف الجسد... وهكذا فإنّ فَهْمَنا، بحسب الرسول بولس، يتمتع دائماً بشريعة الروح (راجع رو 7: 22). ولكنّ حواس الجسد تريد أن تسترسل على منحدر المتعة...

"وَالنُّورُ يُضِيءُ فِي الظُّلْمَةِ، وَالظُّلْمَةُ لَمْ تُدْرِكْهُ" (يو 1: 5) ... إنّ كلمة الله، النور الحقيقيّ، رأى حسنًا أن يظهر للخليقة بجسده، بإشعال نور معرفته الإلهيّة فينا بحبّه الذي لا حدّ له للإنسان. إنّ روح العالم لم يتلقّ قصد الله، ما يعني أنه لم يعرفه...؛ ومع ذلك، يضيف اللاهوتيّ الرائع يوحنا الإنجيليّ: "كَانَ فِي الْعَالَمِ، وَكُوِّنَ الْعَالَمُ بِهِ، وَلَمْ يَعْرِفْهُ الْعَالَمُ. إِلَى خَاصَّتِهِ جَاءَ، وَخَاصَّتُهُ لَمْ تَقْبَلْهُ. وَأَمَّا كُلُّ الَّذِينَ قَبِلُوهُ فَأَعْطَاهُمْ سُلْطَانًا أَنْ يَصِيرُوا أَوْلاَدَ اللهِ، أَيِ الْمُؤْمِنُونَ بِاسْمِهِ"(يو 1: 10-12)... لا يتحدّث الإنجيليّ عن الشيطان عندما يقول إنه لم يتلقَّ النور الحقيقيّ، إذ من البدء كان غريبً عنه لأنّه لا يضيء فيه. لكنّه يعني بهذه الكلمة تحديداً الأشخاص الذين يسمعون قدرات الله وعجائبه ولكنّهم، بسبب قلوبهم المظلمة، لا يريدون الاقتراب من نور معرفته.

 
 
4.5.7-    السبت الخامس من الصوم الكبير     -     إنجيل القدّيس مرقس 37-31:7    
 
    إنجيل القدّيس مرقس 37-31:7 
 
خَرَجَ يَسُوعُ أَيْضًا مِنْ نَوَاحِي صُورَ ومَرَّ بِصَيْدَا، وأَتَى إِلى بَحْرِ الجَلِيلِ عَابِرًا في وَسَطِ المُدُنِ العَشْر.
وحَمَلُوا إِلَيْهِ أَصَمَّ أَخْرَسَ وتَوَسَّلُوا إِلَيْهِ أَنْ يَضَعَ يَدَهُ عَلَيْه.
فأَخَذَهُ عَلَى ٱنْفِرَادٍ بَعِيدًا عَنِ الجَمْع، ووَضَعَ إِصْبَعَيهِ في أُذُنَيْه، وتَفَلَ ولَمَسَ لِسَانَهُ.
ورَفَعَ نَظَرَهُ إِلى السَّمَاء، وتَنَهَّدَ، وقَالَ لهُ: «إفَّتَحْ، أَيْ إِنْفَتِحْ!».
وفي الحَالِ ٱنْفَتَحَتْ أُذُنَاه، وٱنْحَلَّتْ عُقْدَةُ لِسَانِهِ، وأَخَذَ يَتَكَلَّمُ بِطَريقَةٍ سَلِيمَة.
وأَوْصَاهُم يَسُوعُ أَلاَّ يُخْبِرُوا أَحدًا بِذلِكَ. ولكِنْ بِقَدَرِ مَا كانَ يُوصِيهِم، كَانُوا هُم يُذِيعُونَ الخبَرَ أَكْثَرَ فَأَكْثَر.
وَبُهِتُوا جِدًّا وقَالُوا: «لَقَدْ أَحْسَنَ في كُلِّ ما صَنَع! فَإِنَّهُ يَجْعَلُ الصُّمَّ يَسْمَعُون، والخُرْسَ يَتَكَلَّمُون!».

«فَٱنفَرَدَ بِهِ عَنِ ٱلجَمع، وَجَعَلَ إِصبَعَيهِ في أُذُنَيه، ثُمَّ تَفَلَ وَلَمَسَ لِسانَهُ»
القدّيس أوغسطينُس (354 - 430)، أسقف هيبّونا (إفريقيا الشماليّة) وملفان الكنيسة،
عظات حول المزامير

 

"الربّ هو الَّذي يَغفِرُ جَميعَ آثامِكِ ويَشْفي جَميعَ أَمْراضِكِ" (مز 103[102]: 3). ستُشفى جميع الأمراض، لا تخف. قد تقول إنّها أمراض مستعصية، لكنّ الطبيب بارع جدًّا. بالنسبة إلى طبيب كلّي القدرة، ليس هنالك من أمراض مستعصية. دعه يعالجك، لا تبعد يده. هو يعرف ما يجب أن يفعله. لا تفرح حين يعالجك بطريقة غير مؤلمة فحسب، بل تحمّله حين يضطرّ إلى إجراء عمليّة جراحيّة موجعة. تحمّل ألم العلاج وفكّر في الصحّة التي سيعيدها لك.
يا إخوتي، فكّروا فيما يتحمّله الناس حين يصابون بالأمراض الجسديّة كي يطيلوا حياتهم لأيّام عدّة... أنت على الأقلّ لا تتألّم من أجل نتيجة غير مضمونة: إنّ ذاك الذي وعدك بالصحّة لا يمكن أن يخطئ. لماذا يخطئ الأطبّاء أحيانًا؟ لأنّهم لم يخلقوا الجسد الذي يعالجونه. لكنّ الله خلق جسدك. الله خلق نفسك. هو يعرف كيف يعيد خلق ما خلقه. هو يعرف كيف يعيد صنع ما صنعه. ليس عليك إلاّ أن تسلّم نفسك إلى يدَيه كطبيب. تحمّلي يدَيه أيّتها النفس، "بارِكي الرَّبَّ يا نَفْسي ولا تَنسَي جَميعَ إِحساناتِه، هو الَّذي... يَشْفي جَميعَ أَمْراضِكِ (مز 103[102]: 2-3).
إنّ ذاك الذي خلقَك كي لا تكون مريضًا قطّ لو التزَمتَ بتعاليمه، هل يمكن ألاّ يشفيك؟ ذاك الذي خلق الملائكة، والذي سيُساويك بالملائكة خلال إعادة خلقك، هل يمكن ألاّ يشفيك؟ ذاك الذي صنع السماء والأرض، هل يمكن ألاّ يشفيك، بعد أن خلقك على صورته كمثاله (تك 1: 26)؟ هو سيشفيك، شرط أن توافق على عمليّة الشفاء. هو يشفي كليًّا كلّ مريض، لكن ليس رغمًا عنه. إن صحّتك هي الرّب يسوع المسيح.
 
 
4.6.1-    الأحد السادس من الصوم الكبير : أحد شفاء الأعمى     -     إنجيل القدّيس مرقس 52-46:10   
 
   إنجيل القدّيس مرقس 52-46:10
 
بَيْنَمَا يَسُوعُ خَارِجٌ مِنْ أَرِيحا، هُوَ وتَلامِيذُهُ وجَمْعٌ غَفِير، كَانَ بَرْطِيمَا، أَي ٱبْنُ طِيمَا، وهُوَ شَحَّاذٌ أَعْمَى، جَالِسًا عَلَى جَانِبِ الطَّريق.
فلَمَّا سَمِعَ أَنَّهُ يَسُوعُ النَّاصِرِيّ، بَدَأَ يَصْرُخُ ويَقُول: «يَا يَسُوعُ ٱبْنَ دَاوُدَ ٱرْحَمْنِي!».
فَٱنْتَهَرَهُ أُنَاسٌ كَثِيرُونَ لِيَسْكُت، إِلاَّ أَنَّهُ كَانَ يَزْدَادُ صُرَاخًا: «يَا ٱبْنَ دَاوُدَ ٱرْحَمْنِي!».
فوَقَفَ يَسُوعُ وقَال: «أُدْعُوه!». فَدَعَوا الأَعْمَى قَائِلِين لَهُ: «ثِقْ وٱنْهَضْ! إِنَّهُ يَدْعُوك».
فطَرَحَ الأَعْمَى رِدَاءَهُ، ووَثَبَ وجَاءَ إِلى يَسُوع.
فقَالَ لَهُ يَسُوع: «مَاذَا تُرِيدُ أَنْ أَصْنَعَ لَكَ؟». قالَ لَهُ الأَعْمَى: «رَابُّونِي، أَنْ أُبْصِر!».
فقَالَ لَهُ يَسُوع: «إِذْهَبْ! إِيْمَانُكَ خَلَّصَكَ». ولِلْوَقْتِ عَادَ يُبْصِر. ورَاحَ يَتْبَعُ يَسُوعَ في الطَّرِيق.

 

«فأَبصَرَ مِن وَقتِه وتَبِعَه وهو يُمَجِّدُ الله»
القدّيس غريغوريوس الكبير (نحو 540 - 604)، بابا روما وملفان الكنيسة‘
عظات عن الإنجيل، العظة 2

 

إن مخلّصنا، وقد عرف مسبقًا بأن تلاميذه سوف يتضعضعون بسبب آلامه، أعلمهم مسبقًا بآلامه وبمجد قيامته (راجع لو 18: 31-33) وهكذا فإن رؤيتهم له يموت كما سبق وأعلمهم لن تجعلهم يشُكّون بقيامته. لكن الرّسل الّذين ما زالوا مجبولين بالطّابع البشري لم يستطيعوا فهم هذه الكلمات الّتي كانت تعلن سرّ الخلاص كما يقول القدّيس لوقا في إنجيله "فلَم يَفهَموا شَيئًا مِن ذلِكَ، وكانَ هذا الكَلامُ مُغلَقًا علَيهم، فلَم يُدرِكوا ما قيل" (لو 18: 34). استمر عدم إدراكهم هذا إلى أن حدثت أعجوبة شفاء الأعمى الّتي حدثت تحت أنظارهم: استعاد الأعمى البصر لكي، بعملٍ فائقٍ للطبيعة، يتقوّى إيمان أولئك الّذين هم غير قادرين على إدراك السّر الفائق الطّبيعة.

يتوجّب علينا أن يكون لنا نظرة مزدوجة على عجائب مخلّصنا وربّنا: إنها حقائق يجب تقبّلها كما هي وهي أيضًا علامات تدلّ على أمور أخرى... هكذا، إننا لا نعرف تاريخيًّا ما كان شأن هذا الأعمى ولكننا نعرف ما هو مقصودٌ بطريقة مخفيّة. إن هذا الأعمى، يمثّل الجنس البشري المطرود من سعادة الجنّة، بشخص الإنسان الأول آدم والّذي لا يعرف أي شيء عن النّور الإلهي وهو محكومٌ عليه بالعيش في الظّلمات. غير أن وجود مخلّصنا قد أنار بصره وجعله يبصر؛ لقد بدأ برؤية السّعادة النّاتجة عن النّور الدّاخلي وبإمكانه منذ الآن أن يسير في درب حياة الأعمال الصّالحة.

 
 
4.6.2-    الاثنين السادس من الصوم الكبير     -     إنجيل القدّيس يوحنّا 36-32:7    
 
    إنجيل القدّيس يوحنّا 36-32:7 
 
سَمِعَ الفَرِّيسَيُّونَ مَا كَانَ يَتَهَامَسُ بِهِ الجَمْعُ في شَأْنِ يَسُوع، فَأَرْسَلُوا هُمْ والأَحْبَارُ حَرَسًا لِيَقْبِضُوا عَلَيْه.
فَقَالَ لَهُم يَسُوع: «أَنَا مَعَكُم بَعْدُ زَمَنًا قَلِيلاً، ثُمَّ أَمْضِي إِلى مَنْ أَرْسَلَنِي.
سَتَطْلُبُونِي فَلا تَجِدُونِي، وحَيْثُ أَكُونُ أَنَا لا تَقْدِرُونَ أَنْتُم أَنْ تَأْتُوا».
فَقَالَ اليَهُودُ بَعْضُهُم لِبَعْض: «إِلى أَيْنَ يَنْوِي هذَا أَنْ يَذْهَب، فلا نَجِدَهُ نَحْنُ؟ هَلْ يَنْوِي الذَّهَابَ إِلى اليَهُودِ المُشَتَّتِينَ بِيْنَ اليُونَانيِّينَ، ويُعَلِّمُ اليُونَانيِّين؟
مَا هذِهِ الكَلِمَةُ الَّتِي قَالَهَا: سَتَطْلُبُونِي فَلا تَجِدُونِي، وحَيْثُ أَكُونُ أَنَا لا تَقْدِرُونَ أَنْتُم أَنْ تَأْتُوا؟».

«أَجَل، إِنَّكُم تَعرِفونَني وتعرفونَ مِن أَينَ أَنا»
القدّيس يوحنّا بولس الثاني (1920 - 2005)، بابا روما ،
الرسالة العامة: "الغني بالمراحم" (Dives in Misericordia)، العدد 8

 

إنّ سرّ الفصح هو الرّب يسوع المسيح في قمّة الكشف عن سرّ الله الذي لا يُدرك. ويتمّ إذ ذاك، على أكمل وجه ما قيل في العليّة: "مَن رآني رأَى الآب" (يو 14: 9)، لأنّ الرّب يسوع المسيح الذي لم يشفق عليه الآب من أجل الإنسان (راجع رو 8: 32) والذي لم يحظَ في غمرة ما قاسى من آلام مبرّحة على الصليب، برحمة البشر، أظهر في قيامته ملء هذه المحبّة التي يكنّها له الآب، ومن خلاله، لجميع الناس: "وما كانَ إِلهَ أَمْوات، بل إِلهُ أَحْياء" (مر 12: 27).

وأبان الرّب يسوع المسيح بقيامته إله المحبّة الرحميّة، لأنه ارتضى الصليب طريقًا إلى القيامة. ولذا، عندما نذكر صليب الرّب يسوع المسيح وآلامه وموته يتركّز إيماننا ورجاؤنا على القائم من الأموات: على الرّب يسوع المسيح الذي "في مَساءِ ذلك اليَومِ، يومِ الأحد،... وَقَفَ بَينَهم" في العليّة، حيث كان التلاميذ... "ونَفَخَ فيهم وقالَ لَهم: خُذوا الرُّوحَ القُدُس، مَن غَفَرتُم لَهم خَطاياهم تُغفَرُ لَهم، ومَن أَمسَكتُم عليهمِ الغُفْران يُمسَكُ علَيهم" (يو 20: 19 - 23).

وها هوذا ابن الله قد أحسّ إحساسًا عميقًا، لدى قيامته، بما ظهر له من رحمة، أيّ بمحبّة الآب التي هي أقوى من الموت. وها هوذا أيضًا الرّب يسوع المسيح عينه، ابن الله الذي، عندما انتهت رسالته المسيحانيّة وحتّى بعد انتهائها، أظهر ذاته ينبوعًا للرحمة التي لا تنضب وللمحبّة عينها التي – على ما يدلّ عليه فيما بعد تاريخ الخلاص في الكنيسة – لا بدّ من أن تبقى أقوى من الخطيئة.

 
 
4.6.3-    الثلاثاء السادس من الصوم الكبير     -     إنجيل القدّيس يوحنّا 13-1:7    
 
    إنجيل القدّيس يوحنّا 13-1:7 
 
بَعْدَ ذلِك، كَانَ يَسُوعُ يَتَجَوَّلُ في الجَلِيل، ولا يَشَاءُ التَّجَوُّلَ في اليَهُودِيَّة، لأَنَّ اليَهُودَ كَانُوا يَطْلُبُونَ قَتْلَهُ.
وكَانَ عِيدُ اليَهُود، عِيدُ المَظَالِّ، قَريبًا.
فقَالَ لَهُ إِخْوَتُهُ: «إِنتَقِلْ مِنْ هُنَا، وَٱذْهَبْ إِلى اليَهُودِيَّة، لِكَي يُشَاهِدَ تَلامِيذُكَ أَيْضًا ٱلأَعْمَالَ الَّتِي تَصْنَعُهَا.
فَلا أَحَدَ يَعْمَلُ شَيْئًا في الخَفَاء، وهُوَ يَبْتَغِي الظُّهُور. إِنْ كُنْتَ تَصْنَعُ هذِهِ الأَعْمَال، فَأَظْهِرْ نَفْسَكَ لِلْعَالَم»،
لأَنَّ إِخْوتَهُ أَنْفُسَهُم مَا كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِهِ.
فَقَالَ لَهُم يَسُوع: «مَا حَانَ وَقْتِي بَعْد، أَمَّا وَقْتُكُم فَهُوَ حَاضِرٌ فِي كُلِّ حِين.
لا يَقْدِرُ العَالَمُ أَنْ يُبْغِضَكُم، لكِنَّهُ يُبْغِضُنِي، لأَنِّي أَشْهَدُ عَلَيْهِ أَنَّ أَعْمَالَهُ شِرِّيرَة.
إِصْعَدُوا أَنْتُم إِلى العِيد، وأَنَا لا أَصْعَدُ إِلى هذَا العِيد، لأَنَّ وَقتِي مَا تَمَّ بَعْد».
قَالَ لَهُم هذَا، وبَقِيَ في الجَلِيل.
وبَعْدَمَا صَعِدَ إِخْوَتُهُ إِلى العِيد، صَعِدَ هُوَ أَيْضًا، لا ظَاهِرًا بَلْ في الخَفَاء.
فَكَانَ اليَهُودُ يَطْلُبُونَهُ في العِيد، ويَقُولُون : «أَيْنَ هُوَ ذَاك؟».
وكَانَ في الجَمْعِ تَهَامُسٌ كَثِيرٌ في شَأْنِهِ. كَانَ بَعْضُهُم يَقُول: «إِنَّهُ صَالِح»، وآخَرُونَ يَقُولُون: «لا، بَلْ هُوَ يُضَلِّلُ الجَمْع».
ومَا كَانَ أَحَدٌ يَتَكَلَّمُ عَنْهُ عَلَنًا، خَوْفًا مِنَ اليَهُود.
 
 
4.6.4-    الأربعاء السادس من الصوم الكبير     -     إنجيل القدّيس لوقا 48-37:11    
 
    إنجيل القدّيس لوقا 48-37:11 
 
فيمَا يَسُوعُ يَتَكَلَّم، سَأَلَهُ فَرِّيسيٌّ أَنْ يَتَغَدَّى عِنْدَهُ. فَدَخَلَ وَٱتَّكأ.
وَرَأَى الفَرِّيسِيُّ أَنَّ يَسُوعَ لَمْ يَغْتَسِلْ قَبْلَ الغَدَاء، فَتَعَجَّب.
فَقَالَ لَهُ الرَّبّ: «أَنْتُمُ الآن، أيُّها الفَرِّيسِيُّون، تُطَهِّرُونَ خَارِجَ الكَأْسِ وَالوِعَاء، ودَاخِلُكُم مَمْلُوءٌ نَهْبًا وَشَرًّا.
أَيُّها الجُهَّال، أَلَيْسَ الَّذي صَنَعَ الخَارِجَ قَدْ صَنَعَ الدَّاخِلَ أَيْضًا؟
أَلا تَصَدَّقُوا بِمَا في دَاخِلِ الكَأْسِ وَالوِعَاء، فَيَكُونَ لَكُم كُلُّ شَيءٍ طَاهِرًا.
لَكِنِ ٱلوَيْلُ لَكُم، أَيُّها الفَرِّيسِيُّون! لأَنَّكُم تُؤَدُّونَ عُشُورَ النَّعْنَعِ وَالسَّذَابِ وَكُلِّ البُقُول، وَتُهْمِلُونَ العَدْلَ وَمَحَبَّةَ ٱلله. وَكانَ عَلَيْكُم أَنْ تَعْمَلُوا بِهذِهِ وَلا تُهْمِلُوا تِلْكَ.
أَلوَيْلُ لَكُم، أَيُّهَا الفَرِّيسِيُّون! يَا مَنْ تُحِبُّونَ صُدُورَ المَجَالِسِ في المَجَامِع، وَالتَّحِيَّاتِ في السَّاحَات.
أَلوَيْلُ لَكُم، لأَنَّكُم مِثْلُ القُبُورِ المَخْفِيَّة، وَالنَّاسُ يَمْشُونَ عَلَيْها وَلا يَعْلَمُون».
فَأَجَابَ وَاحِدٌ مِنْ عُلَمَاءِ التَّوْرَاةِ وَقَالَ لَهُ: «يا مُعَلِّم، بِقَوْلِكَ هذَا، تَشْتُمُنا نَحْنُ أَيْضًا».
فَقَال: «أَلوَيْلُ لَكُم، أَنْتُم أَيْضًا، يا عُلَمَاءَ التَّوْرَاة! لأَنَّكُم تُحَمِّلُونَ النَّاسَ أَحْمَالاً مُرهِقَة، وَأَنْتُم لا تَمَسُّونَ هذِهِ الأَحْمَالَ بِإِحْدَى أَصَابِعِكُم.
أَلوَيْلُ لَكُم! لأَنَّكُم تَبْنُونَ قُبُورَ الأَنْبِيَاء، وَآبَاؤُكُم هُمُ الَّذِينَ قَتَلُوهُم.
فَأَنْتُم إِذًا شُهُود! وَتُوَافِقُونَ عَلَى أَعْمَالِ آبَائِكُم، لأَنَّهُم هُمْ قَتَلُوهُم وَأَنْتُم تَبْنُونَ قُبُورَهُم.

«تَصَدَّقوا بِما فيهِما، يَكُنْ كُلُّ شَيءٍ لكُم طاهِراً»
القدّيس رافاييل أرناييز بارون (1911 – 1938)، راهب ترابيست إسباني،
كتابات روحيّة بتاريخ 04 /03 /1938



إنّ الله حاضر في القلب غير المتعلّق، كما في صمت الصلاة، وفي المعاناة كذبيحة إراديّة، كذلك في فراغ العالم ومخلوقاته. إنّه حاضر في الصليب، وما دمنا لا نحبّ الصليب، لن نرى الله أبدًا ولن نشعر به. أصمتوا أيّها الأشخاص الّذين لا ينفكّوا يضجّون.

آه يا ربّ، كم أنا سعيدٌ في رياضتي الروحيّة، كم أحبّك في عزلتي، كم أريد أن أهديك ما لم يعد عندي، لأنّي أعطيتُك كلّ شيء. سَلني يا ربّ. ماذا يمكنني أن أعطيكَ؟ جسدي؟ أنت تملكه، إنّه لكَ. نفسي؟ إلى من تتوق نفسي إن لم يكن إليكَ يا ربّ حتّى تنتهي بأخذها في النهاية. إنّ قلبي هو عند أقدام مريم، باكيًا من الحب، ولا يريد أي شيء غيرك. إراداتي: هل تراني أرغب، يا ربّ، فيما لا ترغبه؟ قُله لي؛ قُل لي، يا ربّ، ما هي إرادتك فأوحّدها بإراداتي. أحبّ كلّ ما ترسله إليّ وتعطيني إيّاه، الصحّة كما المرض، أن أكون هنا أو هناك، أن أكون شيئًا أو أن أكون شيئًا آخر. حياتي، خذها يا ربّ، متى تريد. كيف لا يمكنني أن أكون سعيدًا هكذا؟

يا ليت العالم والأشخاص يعرفون. لكنّهم لن يعرفوا أبدًا: إنّهم منشغلون بمصالحهم، قلبُهم مليء بكلّ ما ليس الله. يعيش العالم من أجل نهاية أرضيّة؛ يحلم الأشخاص بهذه الحياة الّتي تحوي الأباطيل، وبذاك لا يستطيعون أن يجدوا الفرح الحقيقيّ الّذي هو حبّ الله. لربّما نصل إلى فهم هذه السعادة، ولكن لاختبارها، قليلون هم، حتّى من المكرّسون، من ينكرون ذاتهم ويحملون صليب الرّب يسوع (راجع مت 16: 24). يا ربّ، كم هي الأمور الّتي تسمح بها! إنّ حكمتك تعرف ما تفعله. أنا، أَمسِك بيدي، ولا تسمح لرجلي بالانزلاق، لأنّه من يأتي إلى مساعدتي غيرك؟ وإن "لم تبنِ المنزل" (راجع مز 127[126]: 1)... آه، يا ربّ، كم أحبّك! إلى متى يا رب؟

 
 
4.6.5-    الخميس السادس من الصوم الكبير     -     إنجيل القدّيس لوقا 34-31:18    
 
    إنجيل القدّيس لوقا 34-31:18 
 
أَخَذَ يَسُوعُ الٱثْنَي عَشَرَ وقَالَ لَهُم: «هَا نَحْنُ صَاعِدُونَ إِلَى أُورَشَلِيم، وَسَيتِمُّ كُلُّ مَا هُوَ مَكْتُوبٌ في الأَنْبِيَاءِ عَنِ ٱبْنِ الإِنْسَان.
فإِنَّهُ سَيُسْلَمُ إِلى الوَثَنِيِّين، فَيَسْخَرُونَ مِنْهُ وَيَشْتُمُونَهُ، وَيَبْصُقُونَ عَلَيْه،
وَيَجْلِدُونَهُ وَيَقْتُلُونَهُ، وفي اليَومِ الثَّالِثِ يَقُوم».
وَلكِنَّهُم لَمْ يَفْهَمُوا شَيئًا مِنْ ذلِكَ، بَلْ كانَ هذَا الكَلامُ خَفِيًّا عَنْهُم، وَمَا كَانُوا يُدْرِكُونَ مَا يُقَالُ لَهُم.

«ومَضى بالِاثنَيْ عَشَرَ فقالَ لَهم: ها نحنُ صاعِدونَ إِلى أُورَشَليم» (لو 18: 31)
القدّيس أوغسطينُس (354 - 430)، أسقف هيبّونا (إفريقيا الشماليّة) وملفان الكنيسة،
شرح للمزمور 127[126]

 

"باطِلٌ لَكم أَن تُبَكِّروا في القِيام" (مز127[126]: 2). ما معنى ذلك؟... إنّ الرّب يسوع المسيح، نهارنا، قد بزغَ؛ فحسنٌ لكم أن تنهضوا بعده وليس قبله. مَن هم أولئك الذين ينهضون قبل الرّب يسوع المسيح؟... إنّهم أولئك الذين يريدون أن يكونوا مرتفعين على هذه الأرض، حيث كان هو متواضعًا. فليكونوا إذًا متواضعين في هذا العالم إن أرادوا أن يُرفَعوا حيث ارتفع الرّب يسوع المسيح. في الحقيقة، لقد قالَ الربّ عن الذين انتموا إليه بالإيمان... وتحديدًا نحن من هؤلاء: "يا أَبَتِ، إِنَّ الَّذينَ وهَبتَهم لي أُريدُ أَن يَكونوا معي حَيثُ أَكون فيُعايِنوا ما وَهَبتَ لي مِنَ المَجد" (يو17: 24). يا لها من عطيّة رائعة، يا لها من نعمة كبيرة، يا له من وعد مجيد... أتريدون أن تكونوا هناك حيث هو قد ارتفع؟ كونوا متواضعين حيث كان هو متواضعًا.

"ما مِن تِلميذٍ أَسمَى مِن مُعَلِّمِه" (مت10: 24)... مع ذلك، فإنّ ابنيّ زبدى، قبل أن يُعانيا الذلّ وفقًا لآلام الربّ، كانا قد اختارا موقعهما، واحدًا عن يمين الله، والآخر عن يساره. لقد أرادا أن "يُبكّرا في القيام"؛ لذا، كانا يسيران في الباطل. إنّ الربّ ذكَّرَهما بالتواضع عندما سألهما: "أيمكنكما أن تشربا الكأس التي أنا مُزمَعٌ أن أشربَها؟ لقد أتيتُ لأكونَ متواضعًا، وأنتما تودّان القيام قبلي؟ اتبعاني في الطريق حيث أمضي. فإن مضيتما في طريقٍ غير التي أسلكها، سيكون ذلك سُدى".

 
       
4.6.6-    يوم الجمعة تمام الأربعين: تجارب يسوع في البريّة     -     إنجيل القدّيس لوقا 13-1:4    
 
    إنجيل القدّيس لوقا 13-1:4 
 
عَادَ يَسُوعُ مِنَ الأُرْدُنِّ مُمْتَلِئًا مِنَ الرُّوحِ القُدُس، وكانُ الرُّوحُ يَقُودُهُ في البرِّيَّة،
أَربَعِينَ يَومًا، وإِبلِيسُ يُجَرِّبُهُ. ولَمْ يأْكُلْ شَيئًا في تِلْكَ الأَيَّام. ولَمَّا تَمَّتْ جَاع.
فقَالَ لَهُ إِبْلِيس: «إنْ كُنْتَ ٱبنَ اللهِ فَقُلْ لِهذَا الحَجَرِ أَنْ يَصيرَ رَغيفًا».
فأَجَابَهُ يَسُوع: «مَكتُوب: لَيْسَ بِالخُبْزِ وَحْدَهُ يَحْيَا الإِنْسَان».
وصَعِدَ بِهِ إِبليسُ إِلى جَبَلٍ عَالٍ، وأَرَاهُ جَمِيعَ مَمَالِكِ المَسْكُونَةِ في لَحْظَةٍ مِنَ الزَّمَن،
وقالَ لهُ: «أُعْطِيكَ هذَا السُّلْطَانَ كُلَّهُ، ومَجْدَ هذِهِ المَمَالِك، لأَنَّهُ سُلِّمَ إِليَّ، وأَنَا أُعْطِيهِ لِمَنْ أَشَاء.
فإِنْ سَجَدْتَ أَمَامِي يَكُونُ كُلُّه لَكَ».
فأَجَابَ يَسُوعُ وقَالَ لَهُ: «مَكْتُوب: لِلرَّبِّ إِلهِكَ تَسْجُد، وإِيَّاهُ وَحْدَهُ تَعْبُد».
وقَادَهُ إِبليسُ إِلى أُورَشَليم، وأَقَامَهُ على جَنَاحِ الهَيْكَل، وقَالَ لَهُ: «إِنْ كُنْتَ ٱبْنَ ٱللهِ فأَلْقِ بنَفْسِكَ مِنْ هُنَا إِلى الأَسْفَل،
لأَنَّهُ مَكْتُوب: يُوصِي مَلائِكتَهُ بِكَ لِيَحْفَظُوك.
ومكْتُوبٌ أَيضًا: على أَيْدِيهِم يَحْمِلُونَكَ، لِئَلاَّ تَصْدِمَ بحَجَرٍ رِجلَكَ».
فأَجَابَ يَسُوعُ وقَالَ لَهُ: «إِنَّهُ قِيل: لا تُجَرِّبِ ٱلرَّبَّ إِلهَكَ ».
ولَمَّا أَتَمَّ إِبليسُ كُلَّ تَجَارِبِهِ، ٱبتَعَدَ عَنْ يَسُوعَ إِلى حِين.

«لَقَدِ امتُحِنَ في كُلِّ شَيءٍ مِثْلَنا ما عَدا الخَطِيئَة» (عب 4: 15)
القدّيس أوغسطينُس (354 - 430)، أسقف هيبّونا (إفريقيا الشماليّة) وملفان الكنيسة ،
شرح للمزامير، المزمور 61

 

"أَللَّهُمَّ اْستَمع لِصُراخي أصغِ إِلى صَلاتي... مِن أَقاصي الأَرضِ أَدعوكَ إِذا خارَ فُؤادي" (مز 61[60]: 1-2). من أقاصي الأرض تعني من أينما كان... هذا الكلام ليس بكلام شخصٍ واحد، ومع ذلك، لا يقول هذا الكلام سوى شخصٌ واحد لأن لا وجود سوى لمسيحٍ واحد "ونَحنُ أَعْضاءُ جَسَدِه" (أف 5: 30)... إنّ الذي يصرخ من أقاصي الأرض يعيش العذاب، لكنّه ليس متروكاً. لأن الرّب يسوع المسيح أراد أن يدلّ علينا، نَحنُ أَعْضاءُ جَسَدِه...

وقد مثّلنا الرّب يسوع بشخصه حين أراد أن يجرّبه الشيطان. وورد في الإنجيل أن ربنا يسوع المسيح تعرّض لتجارب الشيطان في الصحراء. بالحقيقة، إنّك أنت (أيّها الإنسان) مَنْ تعرّض للتجارب من خلال التّجارب الّتي تعرّض لها الرّب يسوع المسيح لأنه منكَ قد اتّخذ جَسَده ليعطيك خلاصه، ومنك أخذ موته لكي يعطيك حياته، ومنك أخذ حزنه لكي يعطيك سعادته. وبالتّالي فإنّه منك قد أخذ التجارب أيضاً لكي يعطيك انتصاره. فإذا تجرّبنا باسمه، فباسمه أيضاً ننتصر على الشيطان.

لقد لاحظت جيّدًا التجارب التي تعرّض لها الرّب يسوع فهل لاحظت انتصاره؟ اعترف أنّك قد جُرِّبت من خلاله، واعترف أنّك قد انتصرت أيضاً من خلاله. كان بإمكان الرّب يسوع أن يمنع الشيطان من الاقتراب منه؛ غير أنّه لو لم يخضع للتجربة، فكيف كان سيكون بإمكانه أن يعلّمك كيف تنتصر عليها؟ لذلك ليس بمستغربٍ أن يصرخ من أقاصي الأرض حين تخبّط في التجارب على حسب قول المزمور. ولكن لماذا انتصر؟ يتابع المزمور: " فاْهدِني إِلى الصَّخرَةِ الَّتي فَوقَ مُتَناوَلي" ما يذكّرنا بآية من إنجيل القدّيس متّى: "وعلى الصَّخرِ هذا سَأَبني كَنيسَتي، فَلَن يَقوى عليها سُلْطانُ الموت"(مت 16: 18). فالكنيسة التّي أراد الرّب أن يبنيها على الصّخر هي التي تصرخ من أقاصي الأرض. لكن من هو ذلك الصخر التي ستبنى عليه الكنيسة؟ فلنصغ إلى كلام القديس بولس: "هذه الصَّخرَةُ هي المسيح " (1كور 10: 4) فنحن إذاً مبنيّون عليه. لذلك كانت تلك الصخرة التّي عليها قد بُنينا أوّل من تعرّض للرياح والعواصف والأمطار عندّما جرّب الشيطان الرّب يسوع المسيح (مت 7: 25). فها هو الأساس القوي الذي أراد أن يبنيك عليه.

 
     
4.6.7-    سبت إحياء إلعازر     -     إنجيل القدّيس يوحنّا 11-1:12.57-55:11    
 
    إنجيل القدّيس يوحنّا 11-1:12.57-55:11 
 

كَانَ فِصْحُ اليَهُودِ قَريبًا، فَصَعِدَ كَثِيرُونَ مِنَ القُرَى إِلى أُورَشَلِيمَ قَبْلَ الفِصْحِ لِيَتَطَهَّرُوا.

وكَانُوا يَطْلُبُونَ يَسُوع، ويَقُولُونَ فيمَا بَيْنَهُم، وهُم قِيَامٌ في الهَيْكَل: «مَاذَا تَظُنُّون؟ أَلا يَأْتِي إِلى العِيد؟».

وكَانَ الأَحْبَارُ والفَرِّيسِيُّونَ قَدْ أَصْدَرُوا هذَا الأَمْر: عَلى كُلِّ مَنْ يَعْلَمُ أَيْنَ هُوَ يَسُوعُ أَنْ يُبَلِّغَ عَنْهُ، لِيَقْبِضُوا عَلَيْه.

قَبْلَ الفِصْحِ بِسِتَّةِ أَيَّام، جَاءَ يَسُوعُ إِلى بَيْتَ عَنْيَا، حَيْثُ كَانَ لَعَازَرُ الَّذِي أَقَامَهُ مِنْ بَينِ الأَمْوَات.

فَأَعَدُّوا لَهُ هُنَاكَ عَشَاء، وكَانَتْ مَرْتَا تَخْدُم، وكَانَ لَعَازَرُ أَحَدَ المُتَّكِئِينَ مَعَهُ.

وأَخَذَتْ مَرْيَمُ قَارُورَةَ طِيبٍ مِنْ خَالِصِ النَّاردِينِ الغَالِي الثَّمَن، فَدَهَنَتْ قَدَمَي يَسُوعَ، ونَشَّفَتْهُمَا بِشَعْرِهَا، وعَبَقَ البَيْتُ بِرَائِحَةِ الطِّيب.

قَالَ يَهُوذَا الإِسْخَرْيُوطيّ، أَحَدُ تَلامِيذِ يَسُوع، الَّذي كَانَ مُزْمِعًا أَنْ يُسْلِمَهُ:

«لِمَاذَا لَمْ يُبَعْ هذَا الطِّيبُ بِثَلاثِ مِئَةِ دِينَار، ويُوَزَّعْ ثَمَنُهُ على الفُقَرَاء؟».

قَالَ هذَا، لا ٱهْتِمَامًا مِنْهُ بِٱلفُقَرَاء، بَلْ لأَنَّهُ كَانَ سَارِقًا، والصُّنْدُوقُ مَعَهُ، وكَانَ يَخْتَلِسُ مَا يُلْقَى فِيه.

فَقَالَ يَسُوع: «دَعْهَا! فَقَدْ حَفِظَتْهُ إِلى يَوْمِ دَفْنِي!

أَلفُقَرَاءُ مَعَكُم في كُلِّ حِين. أَمَّا أَنَا فَلَسْتُ في كُلِّ حِينٍ مَعَكُم».

وعَلِمَ جَمْعٌ كَثِيرٌ مِنَ اليَهُودِ أَنَّ يَسُوعَ هُنَاك، فَجَاؤُوا، لا مِنْ أَجْلِ يَسُوعَ وَحْدَهُ، بَلْ لِيَرَوا أَيْضًا لَعَازَرَ الَّذي أَقَامَهُ مِنْ بَينِ الأَمْوَات.

فَعَزَمَ الأَحْبَارُ على قَتْلِ لَعَازَرَ أَيْضًا،

لأَنَّ كَثِيرِينَ مِنَ اليَهُودِ كَانُوا بِسَبَبِهِ يَذْهَبُونَ ويُؤْمِنُونَ بِيَسُوع.


«فعَبِقَ البَيتُ بِالطِّيب»
أوريجينُس (نحو 185 - 253)، كاهن ولاهوتيّ،
شرح لنشيد الإنشاد، 2: 9

 

تقول العروس في نشيد الإنشاد: "أَفاح نارَديني رائِحَتَه" (نش 1: 12)...؛ لقد اقتربت العروس من عريسها، ومسحته بـأطيابها، وبطريقة مدهشة، حصل كما لو أنّ طيب النّاردين لم يعطِ رائحته قبلاً عندما كان في يدَي العروس، بل أفاح عطره عندما لمس جسد العريس. ويبدو بذلك أنّه ليس العريس هو الّذي أخذ رائحة الطِّيب، بل أنّ طيب النّاردين أخذ رائحتَه من العريس...

فلنشبّه هنا الكنيسة العروس بشخص مريم (أخت لعازر): قال الإنجيليّ أنّها "تَناولَت حُقَّةَ طِيبٍ مِنَ النَّارَدينِ الخالِصِ الغالي الثَّمَن، ودهَنَت قَدَمَي يسوع ثُمَّ مَسَحَتْهما بِشَعرِها"، فتلقّت بذلك، بواسطة شَعر رأسها، عِطرًا حاويًا جودة جسد الرّب يسوع وقدرته... لقد غمست رأسها بطيبٍ شهيّ آتٍ، ليس من طيب النّاردين، بل من الرّب يسوع المسيح، وها هي تقول [مع العروس]: "إنّ طيبي، المسكوب على جسد الرّب يسوع، عَكَسَ عليّ رائحته"...

"فعَبِقَ البَيتُ بِالطِّيب". هذا يشير بالتأكيد إلى أنّ رائحة العقيدة الآتية من الرّب يسوع المسيح، وعطر الرُّوح القدس اللطيف، قد ملآ بيت هذا العالم بالكامل، أو بيت الكنيسة كلّها. أو على الأقلّ، لقد ملآ كلّ البيت لهذه النفس الّتي نالت بالشركة رائحة الرّب يسوع المسيح، مقدّمةً له أوّلاً هبة إيمانها مثل الناردين الخالص، ومتلقّيةً بالمقابل نعمة الرُّوح القدس وعطر العقيدة الرُّوحيّة اللطيف... لكي تقول هي أيضًا: "إِنَّنا عِندَ اللهِ رائِحةُ المسيحِ الطَّيِّبةُ" (2كور 2: 15). ولأنّ هذا الناردين كان مليئًا بالإيمان وبحبٍّ ثمين، لهذا السبب شهد الرّب يسوع لمريم قائلاً: "قد عَمِلَت لي عملاً صالِحاً" (مر 14: 6).

 
 
4.7.1-    أحد الشعانين     -     إنجيل القدّيس يوحنّا 22-12:12    
 
    إنجيل القدّيس يوحنّا 22-12:12 
 

لَمَّا سَمِعَ الجَمْعُ الكَثِير، الَّذي أَتَى إِلى العِيد، أَنَّ يَسُوعَ آتٍ إِلى أُورَشَليم،

حَمَلُوا سَعَفَ النَّخْلِ، وخَرَجُوا إِلى مُلاقَاتِهِ وهُمْ يَصْرُخُون: «هُوشَعْنَا! مُبَارَكٌ الآتِي بِٱسْمِ الرَّبّ، مَلِكُ إِسرائِيل».

ووَجَدَ يَسُوعُ جَحْشًا فَرَكِبَ عَلَيْه، كَمَا هُوَ مَكْتُوب:

«لا تَخَافِي، يَا ٱبْنَةَ صِهْيُون، هُوَذَا مَلِكُكِ يَأْتِي رَاكِبًا عَلى جَحْشٍ ٱبْنِ أَتَان».

ومَا فَهِمَ تَلامِيذُهُ ذلِكَ، أَوَّلَ الأَمْر، ولكِنَّهُم تَذَكَّرُوا، حِينَ مُجِّدَ يَسُوع، أَنَّ ذلِكَ كُتِبَ عَنْهُ، وأَنَّهُم صَنَعُوهُ لَهُ.

والجَمْعُ الَّذي كَانَ مَعَ يَسُوع، حِينَ دَعَا لَعَازَرَ مِنَ القَبْرِ وأَقَامَهُ مِنْ بَيْنِ الأَمْوَات، كَانَ يَشْهَدُ لَهُ.

مِنْ أَجْلِ هذَا أَيْضًا لاقَاهُ الجَمْع، لأَنَّهُم سَمِعُوا أَنَّهُ صَنَعَ تِلْكَ الآيَة.

فَقَالَ الفَرِّيسِيُّونَ بَعْضُهُم لِبَعْض: «أُنْظُرُوا: إِنَّكُم لا تَنْفَعُونَ شَيْئًا! هَا هُوَ العَالَمُ قَدْ ذَهَبَ ورَاءَهُ!».

وكَانَ بَينَ الصَّاعِدِينَ لِيَسْجُدُوا في العِيد، بَعْضُ اليُونَانِيِّين.

فَدَنَا هؤُلاءِ مِنْ فِيلِبُّسَ الَّذي مِنْ بَيْتَ صَيْدَا الجَلِيل، وسَأَلُوهُ قَائِلين: «يَا سَيِّد، نُرِيدُ أَنْ نَرَى يَسُوع».

فَجَاءَ فِيلِبُّسُ وقَالَ لأَنْدرَاوُس، وجَاءَ أَنْدرَاوُسُ وفِيلِبُّسُ وقَالا لِيَسُوع.


«هُوشَعْنا! تباركَ الآتي باسم الربّ! تباركَ ملكُ إسرائيل!» (يو 12: 13)
القدّيس أندراوس الكريتيّ (660 - 740)، راهب وأسقف،
عظة لأحد الشعانين

 

تشجّعي يا بِنتَ صِهيون، لا تخافي: "هُوَذا مَلِكُكَ آتِيًا إلَيكِ بارًّا مُخلِّصًا وَضيعًا راكِباً على حمارٍ وعلى جَحشٍ آبنِ أتان" (زك 9: 9). إنّه قادم، هو الموجود في كلّ مكان ومالئ الكون، هو يتقدّم ليحقّق فيكِ السلام للجميع. إنّه قادم، هو الذي قال: "ما جِئتُ لأدعوَ الأبرار، بَلِ الخاطِئينَ إلى التوبَة" (لو 5: 32)، ليُخِرج من الخطيئة أولئك الذين غرقوا فيها. لذا، لا تخافي: "اللهُ في وَسَطِكَ فلَن تَتزعزَعي" (مز 46[45]: 6). رافعة يديكِ، استقبلي ذاك الذي رسمَت يداه جدرانكِ. استقبلي ذاك الذي قبِلَ في ذاته كلّ ما هو لنا، ما عدا الخطيئة، ليتحمّلَ مسؤوليّتنا. ابتهجي يا بنتَ أورشليم، غنّي وارقصي من الفرح... "قومي استَنيري فإنَّ نورَكِ قد وافى ومَجدَ الربِّ قد أَشرَقَ علَيكِ" (إش 60: 1).

ما هو هذا النور؟ إنّه "النورُ الحَقّ الذي يُنيرُ كُلَّ إنسان آتِيًا إلى العالَم" (يو 1: 9): النور الأبدي... الذي ظهرَ في الزمن؛ النور الذي تجلّى في الجسد وأُخفيَ من خلال الطبيعة البشريّة؛ النور الذي لفّ الرعاة وقاد المجوس؛ النور الذي كانَ في العالَم وبِه كانَ العالَم والعالَمُ لَم يَعرِفْهُ (يو 1: 10)؛ النور الذي جاءَ إلى بَيتِه. فما قَبِلَه أهلُ بَيتِه (يو 1: 11).

وما هو مجد الله؟ إنّه بدون أدنى شكّ ذاك الصليب الذي تمجّدَ عليه الرّب يسوع المسيح، "شُعاعُ مَجدِ الله وصُورةُ جَوهَرِه" (عب 1: 3). لقد قالَ بنفسه عند اقتراب آلامه: "الآنَ مُجِّدَ ابنُ الإنسان ومُجِّدَ اللهُ فيه وإذا كانَ اللهُ قد مُجِّدَ فيه فسَيُمَجِّدُه اللهُ في ذاتِه وبَعدَ قليلٍ يُمَجِّدُه" (يو 13: 31-32). المجد الذي تكلّم عنه كان ارتفاعه على الصليب. أجل، الصليب هو مجد الرّب يسوع المسيح وعظمته. هو قال ذلك: "وأنا إذا رُفِعتُ مِنَ الأرض جَذَبتُ إليَّ الناسَ أجمَعين" (يو 12: 32).

 
 
فهرس بحسب الرزنامة الطقسية المارونية        -        الانجيل اليومي بحسب التقويم الماروني
زمن الميلاد او المجيء   زمن الغطاس او الدنح   زمن التذكارت   زمن الصوم الكبير   أسبوع الآلام   زمن القيامة والصعود   زمن العنصرة   زمن الصليب
 أسبوع تقديس البيعة
 أسبوع تجديد البيعة
 أسبوع بشارة زكريّا
 أسبوع بشارة العذراء
 أسبوع زيارة العذراء
 أسبوع مولد يوحنّا
 أسبوع البيان ليوسف
 أسبوع النسبة
 عيد ميلاد الربّ يسوع
 عيد تهنئة العذراء مريم
 ألاسبوع الاول من الميلاد
to enlarge
 
 أحد وجود يسوع في الهيكل
 ايام قبل عيد الدنح
 عيد الدنح
 تذكار مديح يوحنّا المعمدان
 الاسبوع الاول  بعد الدنح
 الاسبوع الثاني  بعد الدنح
 الاسبوع الثالث بعد الدنح
 الاسبوع الرابع بعد الدنح
to enlarge
 
 أحد الكهنة الراقدين
 أسبوع الكهنة الراقدين
 أحد الأبرار والصدّيقين
 أسبوع الأبرار والصدّيقين
 أحد الموتى المؤمنين
 أسبوع الموتى المؤمنين
to enlarge
 
 أحد مدخل الصوم الكبير
 اثنين الرماد
 الاسبوع الاول
 الاسبوع الثاني
 الاسبوع الثالث
 الاسبوع الرايع
 الاسبوع الخامس
 الاسبوع السادس
 أحد الشعانين
to enlarge
 
 أحد الشعانين
 بداية اسبوع الآلام
 خميس الأسرار
 يوم الجمعة العظيمة
 سبت النور
 أحد القيامة الكبير
to enlarge
 
 أحد القيامة الكبير
 أسبوع الحواريّين
 الاسبوع الثاني
  الاسبوع الثالث
 الاسبوع الرايع
 الاسبوع الخامس
الاسبوع السادس
 الاسبوع السابع
to enlarge
 
 أحد العنصرة
 الاسبوع الاول
 الاسبوع الثاني
 الاسبوع الثالث
 الاسبوع الرايع
 الاسبوع الخامس
 الاسبوع السادس
 الاسبوع السابع
 الاسبوع الثامن
 الاسبوع التاسع
 الاسبوع العاشر
 الاسبوع الحادي عشر
 الاسبوع الثاني عشر
 الاسبوع الثالث عشر
 الاسبوع الرابع عشر
 الاسبوع الخامس عشر
 الاسبوع السادس عشر
 
 ارتفاع الصليب المقدّس
 الاسبوع الاول
 الاسبوع الثاني
 الاسبوع الثالث
 الاسبوع الرايع
 الاسبوع الخامس
 الاسبوع السادس
 الاسبوع السابع
to enlarge
 
  النصوص مأخوذة من الترجمة الليتُرجيّة المارونيّة - إعداد اللجنة الكتابيّة التابعة للجنة الشؤون الليتورجيّة البطريركيّة المارونيّة (طبعة ثانية – 2007) © pure software code - Since 2003