الإنجيل اليوميّ     -      يا ربّ، إِلى مَن نَذهَب وكَلامُ الحَياةِ الأَبَدِيَّةِ عِندَك ؟ (يوحنا 6: 68) التقويم الماروني
        6-    زمن القيامة والصعود
6.1.1-   أحد القيامة الكبير
6.1-   أسبوع الحواريّين
6.2-   الاسبوع الثاني من زمن القيامة
6.3-   الاسبوع الثالث من زمن القيامة
  الرئيسية  

 
 

الإنجيل اليومي   -     التقويم الماروني  

 

شرح \ تقيم

6.1.1-

أحد القيامة الكبير   
                                          إنجيل القدّيس مرقس 8-1:16
  «هذا هو اليوم الذي صنعَه الربّ، فلنَبتهج ونفرح فيه» (مز 118[117]: 24)
      
بروكلس القسطنطينيّ (حوالى 390 - 446)، أسقف
6.1.2- الاثنين من أسبوع الحواريّين
                                          إنجيل القدّيس مرقس 14-9:16
  «فَوبَّخَهُم بِعَدَمِ إِيمانِهِم وقَساوَةِ قُلوبِهم»
      
للقدّيس يوحنّا الصليب (1542 - 1591)، راهب كرمليّ وملفان الكنيسة
6.1.3- الثلاثاء من أسبوع الحواريّين
                                          إنجيل القدّيس يوحنّا 14-1:21
   
6.1.4- الأربعاء من أسبوع الحواريّين   
                                          إنجيل القدّيس يوحنّا 25-15:21
  «يا سِمْعانُ بنَ يونا، أَتُحِبُّني أَكثَرَ مِمَّا يُحِبُّني هؤلاء؟ »
      
للقدّيس يوحنّا بولس الثاني (1920 - 2005)، بابا روما
6.1.5- الخميس من أسبوع الحواريّين
                                          إنجيل القدّيس مرقس 18-15:16
  «اِذهَبوا في العالَمِ كُلِّه، وأَعلِنوا البِشارَةَ إِلى الخَلْقِ أَجمَعين» (مر 16: 15)
      
للقدّيس خوسيه ماريا إسكريفا دي بالاغير (1902 - 1975)، كاهن ومؤسّس
6.1.6- يوم الجمعة من أسبوع الحواريّين
                                          إنجيل القدّيس لوقا 45-36:24
  «ما بالُكم مُضطَرِبين، ولِمَ ثارَتِ الشُّكوكُ في قُلوبِكم؟»
      
للقدّيس أوغسطينُس (354 - 430)، أسقف هيبّونا (إفريقيا) وملفان الكنيسة
6.1.7- السبت من أسبوع الحواريّين
                                          إنجيل القدّيس يوحنّا 25-19:20
  «السَّلامُ علَيكم! كما أَرسَلَني الآب أُرسِلُكم أَنا أَيضاً»
      
البابا فرنسيس
6.2.1- الأحد الجديد: ظهور يسوع للتلاميذ وتوما معهم    
                                          إنجيل القدّيس يوحنّا 31-26:20
  «هاتِ يَدَكَ فضَعْها في جَنْبي، ولا تكُنْ غَيرَ مُؤمِنٍ بل مُؤمِنًا»
      باسيليوس السلوقيّ (؟ - حوالي 468)، أسقف
6.2.2- الاثنين الثاني من زمن القيامة
                                          إنجيل القدّيس يوحنّا 10-1:20
  «هذا هو اليَومُ الَّذي صَنَعَه الرَّبُّ فلنبتَهِجْ ونَفرَحْ فيه»
      
للقدّيس إبيفانُس (؟ - 403)، أسقف سالامين
6.2.3- الثلاثاء الثاني من زمن القيامة
                                          إنجيل القدّيس يوحنّا 18-11:20
   
6.2.4- الأربعاء الثاني من زمن القيامة
                                          إنجيل القدّيس متّى 15-11:28
  «وبينَما هما ذاهبتان جاءَ بعضُ رجالِ الحَرَسِ إلى المدينة، وأخبَروا عُظماءَ الكَهَنَةِ بكلِّ ما حَدَث»
      
للقدّيس يوحنّا الذهبيّ الفم (نحو 345 - 407)، بطريرك أنطاكية ثمّ القسطنطينيّة
6.2.5- الخميس الثاني من زمن القيامة
                                          إنجيل القدّيس متّى 20-16:28
  «وهاءنذا معَكم طَوالَ الأَيَّامِ إِلى نِهايةِ العالَم»
      
المُكَرَّم بيّوس الثاني عشر، بابا روما من 1939 إلى 1958
6.2.6- يوم الجمعة الثاني من زمن القيامة
                                          إنجيل القدّيس يوحنّا 25-13:2
  «اُنقُضوا هذا الهَيكَل أُقِمْهُ في ثَلاثَةِ أَيَّام!»
      
أوريجينُس (نحو 185 - 253)، كاهن ولاهوتيّ
6.2.7- السبت الثاني من زمن القيامة
                                          إنجيل القدّيس متّى 46-41:22
  ابن داود وربّ الأرباب
      
للقدّيس لاوُن الكبير (؟ - نحو 461)، بابا روما وملفان الكنيسة
6.3.1- الأحد الثالث من زمن القيامة : ظهور يسوع لتلميذي عمّاوس
                                          إنجيل القدّيس لوقا 35-13:24
  «فانفَتَحَت أَعيُنُهما وعرَفاه فغابَ عنهُما»
      
للقدّيس لاوُن الكبير (؟ - نحو 461)، بابا روما وملفان الكنيسة
6.3.2- الاثنين الثالث من زمن القيامة
                                          إنجيل القدّيس لوقا 49-44:24
  «حينَئِذٍ فَتحَ أَذْهانَهم لِيَفهَموا الكُتُب»
      
ميليتون السّرديسيّ (؟ - نحو 195)، أسقف
6.3.3- الثلاثاء الثالث من زمن القيامة     
                                          إنجيل القدّيس يوحنّا 34-28:6 
  الخبز الحقيقي النازل من السماء
      
للقدّيس يوحنّا الذهبيّ الفم (نحو 345 - 407)، بطريرك أنطاكية ثمّ القسطنطينيّة
6.3.4- الأربعاء الثالث من زمن القيامة    
                                          إنجيل القدّيس يوحنّا 40-34:6
   
6.3.5- الخميس الثالث من زمن القيامة
                                          إنجيل القدّيس يوحنّا 47-41:6
  «أَنا الخُبزُ الَّذي نَزَلَ مِنَ السَّماء»
      
للقدّيس كيرِلُّس (380 - 444)، بطريرك الإسكندريّة وملفان الكنيسة
6.3.6- يوم الجمعة الثالث من زمن القيامة
                                          إنجيل القدّيس يوحنّا 59-48:6
  «لأَنَّ جَسَدي طَعامٌ حَقّ وَدمي شَرابٌ حَقّ»
      
للقدّيس توما الأكوينيّ (1225 - 1274)، لاهوتيّ دومينكيّ وملفان الكنيسة
6.3.7- السبت الثالث من زمن القيامة
                                          إنجيل القدّيس يوحنّا 71-60:6
  «يا ربّ، إِلى مَن نَذهَب وكَلامُ الحَياةِ الأَبَدِيَّةِ عِندَك؟»
      
للقدّيس كيرِلُّس (380 - 444)، بطريرك الإسكندريّة وملفان الكنيسة
 
 
6.1.1-    أحد القيامة الكبير     -     إنجيل القدّيس مرقس 8-1:16    
 
    إنجيل القدّيس مرقس 8-1:16 
 

لَمَّا ٱنْقَضَى السَّبْت، ٱشْتَرَتْ مَرْيَمُ الْمَجْدَلِيَّة، ومَرْيَمُ أُمُّ يَعْقُوب، وسَالُومَة، طُيُوبًا لِيَأْتِينَ وَيُطَيِّبْنَ جَسَدَ يَسُوع.

وفي يَوْمِ الأَحَدِ بَاكِرًا جِدًّا، أَتَيْنَ إِلى القَبْرِ مَعَ طُلُوعِ الشَّمْس.

وكُنَّ يَقُلْنَ فِيمَا بَيْنَهُنَّ: «مَنْ يُدَحْرِجُ لَنَا الحَجَرَ عَنْ بَابِ القَبْر؟».

وتَفَرَّسْنَ فشَاهَدْنَ الحَجَرَ قَدْ دُحْرِج، وكَانَ كَبِيرًا جِدًّا.

ودَخَلْنَ القَبْر، فَرَأَيْنَ شَابًّا جَالِسًا عَنِ اليَمِين، مُتَوَشِّحًا حُلَّةً بَيْضَاء، فَٱنْذَهَلْنَ.

فَقَالَ لَهُنَّ: «لا تَنْذَهِلْنَ! أَنْتُنَّ تَطْلُبْنَ يَسُوعَ النَّاصِرِيَّ المَصْلُوب. إِنَّهُ قَام، وَهُوَ لَيْسَ هُنَا. وهَا هُوَ المَكَانُ الَّذي وَضَعُوهُ فِيه.

أَلا ٱذْهَبْنَ وَقُلْنَ لِتَلامِيذِهِ وَلِبُطْرُس: إِنَّهُ يَسْبِقُكُم إِلى الجَلِيل. وهُنَاكَ تَرَوْنَهُ، كَمَا قَالَ لَكُم».

فَخَرَجْنَ مِنَ القَبْرِ وَهَرَبْنَ مِنْ شِدَّةِ الرِّعْدَةِ والذُّهُول. وَمِنْ خَوْفِهِنَّ لَمْ يَقُلْنَ لأَحَدٍ شَيْئًا...


 

«هذا هو اليوم الذي صنعَه الربّ، فلنَبتهج ونفرح فيه» (مز 118[117]: 24)
بروكلس القسطنطينيّ (حوالى 390 - 446)، أسقف،
العظة 14

 

يا له من فصح جميل! ويا له من حشد رائع! كم يحمل هذا اليوم من الأسرار القديمة والجديدة! في أسبوع العيد هذا، أو بالحريّ في أسبوع البهجة هذا، يفرح الناس في أصقاع الأرض كلّها، وحتّى القوّات السماويّة تنضمّ إلينا لنحتفل بفرح بقيامة الربّ. وتفرح الملائكة ورؤساء الملائكة الذين ينتظرون عودة ملك السماوات، ربّنا يسوع المسيح، منتصرًا من الأرض؛ وتفرح أجواق القدّيسين الذين ينتظرون ذلك الذي "من الفجر وُلِد" (مز110[109]: 3)، إنّه الرّب يسوع المسيح. كما تفرح الأرض لأنّ دم الربّ قد غسلها؛ ويفرح البحر لأنّ قدَمَيّ المسيح قد وطأتاه. فليفرح كلّ إنسان وُلِد مجدّدًا من الماء والرُّوح القدس؛ حتّى آدم، وهو الإنسان الأوّل، فعليه أن يفرح لأنّه خُلِّص من اللعنة القديمة...

لم تؤسّس لنا قيامة الرّب يسوع المسيح يوم العيد هذا فحسب، بل أعطتنا الخلاص بدل الآلام، والحياة الأبديّة بدل الموت، والشفاء بدل الجراحات، والقيامة بدل الانحطاط. في الماضي، كان الفصح يتمّ في أرض مصر بحسب طقوس الشريعة؛ لم يكن ذبح الخروف سوى علامة. أمّا اليوم، فنحن نحتفل به بحسب  الإنجيل، فصحًا روحيًّا يتجلّى في يوم القيامة. في ذلك الفصح، كانوا يضحّون بحمل من القطيع؛ أمّا في فصحنا، فها هو الرّب يسوع المسيح نفسه يقدّم ذاته كحمل الله. في ذلك الفصح، كانوا يأخذون حملاً من الإسطبل؛ أمّا في فصحنا، فإنّ الرّاعي هو الذي يبذل نفسه في سبيل خرافه (راجع يو 10: 11)... في ذلك الفصح، اجتاز العبرانيّون البحر الأحمر منشدين ترنيمة مجد لمخلّصهم: "أنشد للربّ فإنّه تعظّم تعظيمًا" (خر 15: 1). أمّا في فصحنا، فإنّ الذين استحقّوا نعمة العماد هم مَن ينشدون ترنيمة المجد: "قدّوس واحد، إله واحد، الرّب يسوع المسيح الذي تمجّد من الله الآب، آمين". صاح النبيّ: "الربّ مَلَكَ والجلال لَبِسَ" (مز 93[92]: 1). لقد اجتاز العبرانيّون البحر الأحمر وأكلوا المنّ في البريّة. أمّا اليوم، حين نخرج من ماء العماد، فإنّنا نأكل الخبز الحيّ الذي نزل من السماء (راجع يو 6: 51).

 
 
6.1.2-    الاثنين من أسبوع الحواريّين     -     إنجيل القدّيس مرقس 14-9:16    
 
    إنجيل القدّيس مرقس 14-9:16 
 

فَجْرَ الأَحَد، قَامَ يَسُوعُ فَتَرَاءَى أَوَّلاً لِمَرْيَمَ المَجْدَلِيَّة ، تِلْكَ الَّتي أَخْرَجَ مِنْهَا سَبْعَةَ شَيَاطِين.

وهذِهِ ٱنْطَلَقَتْ وَبَشَّرَتْ أُولئِكَ الَّذِينَ كَانُوا مَعَهُ، وكَانُوا يَنُوحُونَ وَيَبْكُون.

وَهؤُلاءِ لَمَّا سَمِعُوا أَنَّهُ حَيّ، وَأَنَّهَا أَبْصَرَتْهُ، لَمْ يُؤْمِنُوا.

وبَعْدَ ذلِكَ تَرَاءَى بِشَكْلٍ آخَر، لٱثْنَينِ مِنْهُم كَانَا ذَاهِبَينِ إِلى القَرْيَة.

وهذَانِ رَجَعَا وبَشَّرَا البَاقِين، ولا بِشَهَادَةِ هذَيْنِ آمَنُوا.

وأَخِيرًا تَرَاءَى لِلأَحَدَ عَشَر، وَهُم يَتَنَاوَلُونَ الطَّعَام، فَبَكَّتَهُم عَلى عَدَمِ إِيْمَانِهم، وقَسَاوَةِ قُلُوبِهِم، لأَنَّهُم لَمْ يُؤْمِنُوا بِشَهَادَةِ الَّذينَ أَبْصَرُوهُ بَعْدَ أَنْ قَام.


 

«فَوبَّخَهُم بِعَدَمِ إِيمانِهِم وقَساوَةِ قُلوبِهم»
القدّيس يوحنّا الصليب (1542 - 1591)، راهب كرمليّ وملفان الكنيسة،
الصعود إلى جبل الكرمل

 

حيث تكثر العلامات والشهادات، يقلّ استحقاق الإيمان... لذلك لا يجترح الله الأعمال العجيبة إلاّ متى كانت ضروريّة جدًّا لحثّ الناس على الإيمان. لذلك، ولئلاّ يُحرم تلاميذه من استحقاق الإيمان فيما لو اختبروا بأنفسهم حدث قيامته قبل ظهوره لهم، رتّب الربّ يسوع الأمور لكي يؤمنوا من دون أن يروه بنفسه.

فقد أظهر لمريم المجدليّة أوّلاً القبر الفارغ، ثمّ أعلمها من خلال الملائكة، لأنّ "الإِيمان إِذًا مِنَ السَّماع"، كما قال القدّيس بولس (راجع رو10: 17). فأراد أن تؤمن بالسَّماع قبل أن ترى؛ وعندما رأته، كان بشكل بستاني، وذلك لكي ينجز تعليمها بالإيمان.

أمّا بالنسبة إلى التلاميذ، فإنّه أرسل إليهم أوّلاً النسوة القدّيسات لتقلن لهم إنّه قام من بين الأموات. وجعل قلْبَيّ تلميذيّ عمّاوس متّقدًا بالإيمان قبل أن يكشف عن ذاته لهما (راجع لو 24: 32). ثمّ وبّخ كلّ تلاميذه لعدم إيمانهم. أمّا بالنسبة إلى توما الذي أراد أن يلمس جروحاته، فقال له: "أَلِأَنَّكَ رَأَيتَني آمَنتَ؟ طوبى لِلَّذينَ يؤمِنونَ ولَم يَرَوا" (يو20: 29)

 
 
6.1.3-    الثلاثاء من أسبوع الحواريّين     -     إنجيل القدّيس يوحنّا 14-1:21    
 
    إنجيل القدّيس يوحنّا 14-1:21 
 

بَعْدَ ذلِك، ظَهَرَ يَسُوعُ لِتَلامِيذِهِ مَرَّةً أُخْرَى عَلى بُحَيْرَةِ طَبَرَيَّة، وهكَذَا ظَهَر:

كَانَ سِمْعَانُ بُطْرُس، وتُومَا المُلَقَّبُ بِٱلتَّوْأَم، ونَتَنَائِيلُ الَّذي مِنْ قَانَا الجَلِيل، وٱبْنَا زَبَدَى، وتِلْمِيذَانِ آخَرَانِ مِنْ تَلامِيذِ يَسُوع، مُجْتَمِعِينَ مَعًا.

قَالَ لَهُم سِمْعَانُ بُطْرُس: «أَنَا ذَاهِبٌ أَصْطَادُ سَمَكًا». قَالُوا لَهُ: «ونَحْنُ أَيْضًا نَأْتِي مَعَكَ». فَخَرَجُوا وَرَكِبُوا السَّفِينَة، فَمَا أَصَابُوا في تِلْكَ اللَّيْلَةِ شَيْئًا.

ولَمَّا طَلَعَ الفَجْر، وَقَفَ يَسُوعُ عَلى الشَّاطِئ، ولكِنَّ التَّلامِيذَ لَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ يَسُوع.

فَقَالَ لَهُم يَسُوع: «يَا فِتْيَان، أَمَا عِنْدَكُم قَلِيلٌ مِنَ السَّمَك؟». أَجَابُوه: «لا!».

فَقَالَ لَهُم: «أَلْقُوا الشَّبَكةَ إِلى يَمِينِ السَّفِينَةِ تَجِدُوا». وأَلقَوْهَا، فَمَا قَدِرُوا عَلى ٱجْتِذَابِهَا مِنْ كَثْرَةِ السَّمَك.

فَقَالَ ذلِكَ التِّلْمِيذُ الَّذي كَانَ يَسُوعُ يُحِبُّهُ لِبُطْرُس: «إِنَّهُ الرَّبّ». فَلَمَّا سَمِعَ سِمْعَانُ بُطْرُسُ أَنَّهُ الرَّبّ، إِتَّزَرَ بِثَوْبِهِ، لأَنَّهُ كَانَ عُرْيَانًا، وأَلْقَى بِنَفْسِهِ في البُحَيْرَة.

أَمَّا التَّلامِيذُ الآخَرُونَ فَجَاؤُوا بِٱلسَّفِينَة، وهُمْ يَسْحَبُونَ الشَّبَكَةَ المَمْلُوءَةَ سَمَكًا، ومَا كَانُوا بَعِيدِينَ عَنِ البَرِّ إِلاَّ نَحْوَ مِئَتَي ذِرَاع.

ولَمَّا نَزَلُوا إِلى البَرّ، رَأَوا جَمْرًا، وسَمَكًا عَلى الجَمْر، وخُبْزًا.

قَالَ لَهُم يَسُوع: «هَاتُوا مِنَ السَّمَكِ الَّذي أَصَبْتُمُوهُ الآن».

فَصَعِدَ سِمْعَانُ بُطْرُسُ إِلى السَّفِينَة، وجَذَبَ الشَّبَكَةَ إِلى البَرّ، وهِيَ مَمْلُوءَةٌ سَمَكًا كَبِيرًا، مِئَةً وثَلاثًا وخَمْسِين. ومَعَ هذِهِ الكَثْرَةِ لَمْ تَتَمَزَّقِ الشَّبَكَة.

قَالَ لَهُم يَسُوع: «هَلُمُّوا تَغَدَّوا». ولَمْ يَجْرُؤْ أَحَدٌ مِنَ التَّلامِيذِ أَنْ يَسْأَلَهُ: «مَنْ أَنْت؟»، لأَنَّهُم عَلِمُوا أَنَّهُ الرَّبّ.

وتَقَدَّمَ يَسُوعُ وأَخَذَ الخُبْزَ ونَاوَلَهُم. ثُمَّ فَعَلَ كَذلِكَ بِٱلسَّمَك.

هذِهِ مَرَّةٌ ثَالِثَةٌ ظَهَرَ فيهَا يَسُوعُ لِلتَّلامِيذِ بَعْدَ أَنْ قَامَ مِنْ بَيْنِ الأَمْوَات.

 
 
6.1.4-    الأربعاء من أسبوع الحواريّين     -     إنجيل القدّيس يوحنّا 25-15:21    
 
    إنجيل القدّيس يوحنّا 25-15:21 
 

بَعْدَ الغَدَاء، قَالَ يَسُوعُ لِسِمْعَانَ بُطْرُس: «يَا سِمْعَانُ بْنَ يُونَا، أَتُحِبُّنِي أَكْثَرَ مِمَّا يُحِبُّنِي هؤُلاء؟». قَالَ لَهُ: «نَعَم، يَا رَبّ، أَنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي أُحِبُّكَ». قَالَ لَهُ يَسُوع: «إِرْعَ حُمْلانِي».

قَالَ لَهُ مَرَّةً ثَانِيَةً: «يَا سِمْعَانُ بْنَ يُونَا، أَتُحِبُّنِي؟». قَالَ لَهُ: «نَعَمْ يَا رَبّ، أَنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي أُحِبُّكَ». قَالَ لَهُ يَسُوع: «إِرْعَ نِعَاجِي!».

قَالَ لَهُ مَرَّةً ثَالِثَة: «يَا سِمْعَانُ بْنَ يُونَا، أَتُحِبُّنِي؟». فَحَزِنَ بُطْرُس، لأَنَّ يَسُوعَ قَالَ لَهُ ثَلاثَ مَرَّات: أَتُحِبُّنِي؟ فَقَالَ لَهُ: «يَا رَبّ، أَنْتَ تَعْلَمُ كُلَّ شَيء، وَأَنْتَ تَعْرِفُ أَنِّي أُحِبُّكَ». قَالَ لَهُ يَسُوع: «إِرْعَ خِرَافِي!

أَلحَقَّ ٱلحَقَّ أَقُولُ لَكَ: حِينَ كُنْتَ شَابًّا، كُنْتَ تَشُدُّ حِزَامَكَ بِيَدَيْكَ وتَسِيرُ إِلى حَيْثُ تُرِيد. ولكِنْ حِينَ تَشِيخ، سَتَبْسُطُ يَدَيْكَ وآخَرُ يَشُدُّ لَكَ حِزامَكَ، ويَذْهَبُ بِكَ إِلى حَيْثُ لا تُرِيد».

قَالَ يَسُوعُ ذلِكَ مُشيرًا إِلى المِيتَةِ الَّتِي سَيُمَجِّدُ بِهَا بُطْرُسُ الله. ثُمَّ قَالَ لَهُ: «إِتْبَعْنِي!».

وَٱلتَفَتَ بُطْرُس، فَرَأَى التِّلْمِيذَ الَّذي كَانَ يَسُوعُ يُحِبُّهُ يَتْبَعُهُمَا، وهُوَ الَّذي مَالَ عَلى صَدْرِ يَسُوعَ وَقْتَ العَشَاءِ وقَالَ لَهُ: يَا رَبّ، مَنْ هُوَ الَّذي يُسْلِمُكَ.

فَلَمَّا رَآهُ بُطْرُسُ قَالَ لِيَسُوع: «يَا رَبّ، وهذَا، مَا يَكُونُ لَهُ؟».

قَالَ لَهُ يَسُوع: «إِنْ شِئْتُ أَنْ يَبْقَى حَتَّى أَجِيء، فَمَاذَا لَكَ؟ أَنْتَ، ٱتْبَعْنِي!».

وشَاعَتْ بَيْنَ الإِخْوَةِ هذِهِ الكَلِمَة، وهِيَ أَنَّ ذلِكَ التِّلْمِيذَ لا يَمُوت. لكِنَّ يَسُوعَ لَمْ يَقُلْ إِنَّهُ لا يَمُوت، بَلْ: إِنْ شِئْتُ أَنْ يَبْقَى حَتَّى أَجِيء، فَمَاذَا لَكَ.

هذَا التِّلْمِيذُ هُوَ الشَّاهِدُ عَلى هذِهِ الأُمُور، وهُوَ الَّذي دَوَّنَهَا، ونَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ شَهَادَتَهُ حَقّ.

وصَنَعَ يَسُوعُ أُمُورًا أُخْرَى كَثِيْرَة، لَوْ كُتِبَتْ وَاحِدًا فَوَاحِدًا، لَمَا أَظُنُّ أَنَّ العَالَمَ نَفْسَهُ يَسَعُهَا أَسْفَارًا مَكْتُوبَة.


 

«يا سِمْعانُ بنَ يونا، أَتُحِبُّني أَكثَرَ مِمَّا يُحِبُّني هؤلاء؟ »
القدّيس يوحنّا بولس الثاني (1920 - 2005)، بابا روما،
عظة في باريس في 30 أيار 1980

 

"أتحبّ؟... أتحبّني؟...". هذا السؤال الثلاثي "أتحبّني؟" رافق بطرس طوال الطريق الذي سلكه، حتّى موته. وبات جوابه على هذا السؤال بالتحديد المرجع الذي حدّد على أساسه أفعاله ونشاطاته. لمّا استُدعي للمثول أمام المجمع. لمّا ألقي في السجن في أورشليم، حيث كان يفترض أن يبقى، لكنّه خرج رغم ذلك. وفي إنطاكية أيضًا... ومنها إلى الأبعد... إلى روما. وحين ناضل في روما حتّى آخر أيّام حياته، عرف قوّة الكلمات التي ذكرت أنّ أحدهم قاده إلى حيث لا يريد. كما عرف أيضًا أنّه بفضل قوّة هذه الكلمات، كانت الكنيسة تواظب "على تَعليمِ الرُّسُل والمُشاركة وكَسْرِ الخُبزِ والصَّلَوات... وكانَ الرَّبُّ كُلَّ يَومٍ يَضُمُّ إِلى الجَماعَةِ أُولئِكَ الَّذينَ يَنالونَ الخَلاص" (أع 2: 42 + 47).

حمل بطرس سؤال "أتحبّني؟" أينما ذهب، إذ لم يعد باستطاعته التخلّي عنه. حمله عبر العصور والأجيال، وزرعه وسط شعوب جديدة وأمم جديدة... سأله بكلّ لغات الأرض ولوّنه بكلّ أعراقها. بقي سؤال بطرس له وحده، ولكنّه لم يبقَ وحيدًا. أتى الكثيرون من بعده ليطرحوا هذا السؤال على أنفسهم. لقد فهم رجال ونساء كثر، بالأمس واليوم، أنّ الوجود لا يجد معناه، وماهيّته وصيرورته إلاّ بمقدار ما يستطيع الإجابة عن الإشكاليّة الكبرى "أتحبّ؟ أتحبّني؟". هؤلاء جميعهم أعطوا الجواب، بطريقة كاملة وتامّة – جواب بطولي – أو بطريقة عاديّة ومألوفة. بفضل هذا السؤال فقط، تستحقّ الحياة أن تُعاش.

 
 
6.1.5-    الخميس من أسبوع الحواريّين     -     إنجيل القدّيس مرقس 18-15:16    
 
    إنجيل القدّيس مرقس 18-15:16 
 

قالَ الربُّ يَسوعُ لِتَلاميذِه: «إِذْهَبُوا إِلى العَالَمِ كُلِّهِ، وَٱكْرِزُوا بِٱلإِنْجِيلِ لِلْخَلِيقَةِ كُلِّها.

فَمَنْ آمَنَ وَٱعْتَمَدَ يَخْلُص، وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ فَسَوْفَ يُدَان.

وهذِهِ الآيَاتُ تَتْبَعُ الْمُؤْمِنين: بِٱسْمِي يُخْرِجُونَ الشَّيَاطِين، ويَتَكَلَّمُونَ بِلُغَاتٍ جَدِيدَة،

ويُمْسِكُونَ الْحَيَّات، وَإِنْ شَرِبُوا سُمًّا مُمِيتًا فَلا يُؤْذِيهِم، ويَضَعُونَ أَيْدِيَهُم عَلى المَرْضَى فَيَتَعَافَوْن».


 

«اِذهَبوا في العالَمِ كُلِّه، وأَعلِنوا البِشارَةَ إِلى الخَلْقِ أَجمَعين» (مر 16: 15)
القدّيس خوسيه ماريا إسكريفا دي بالاغير (1902 - 1975)، كاهن ومؤسّس،
عظة عن: أصدقاء الله

 

"هاءَنَذا مُرسِلٌ صَيَّادينَ كَثيرين، يَقولُ الرَّبّ، فيَصْطادونَهم" (إر 16: 16). هكذا حدّد لنا الربّ مهمّتنا العظيمة: الصيد. نقول أو نكتب أحيانًا إنّ العالم يشبه البحر. هذا التشبيه صحيح. ففي الحياة البشريّة كما في البحر، هنالك فترات من الهدوء ومن العاصفة، ومن السكينة ومن الرياح الهوجاء. غالبًا ما يجد الناس أنفسهم في بحر قاتم بين أمواج ضخمة؛ فيتابعون التقدّم وسط العواصف كبحّارة حزينين، حتّى لو بدت السعادة على وجوههم: تحاول ضحكاتهم أن تخفي إحباطهم وخيبة أملهم، حياتهم الخالية من المحبّة والفهم. فيلتهم بعضهم بعضًا كما تفعل الأسماك.

إن مهمّة أبناء الله هي القيام بما يجب كي يدخل جميع الناس في الشباك الإلهيّة بملء إرادتهم ويحبّوا بعضهم بعضًا. إنْ كنّا مسيحيّين، علينا أن نتحوّل إلى أولئك الصيّادين الذين يصفهم النبي إرميا بواسطة استعارة استعملها الرّب يسوع المسيح مرّات عدّة عندما قال لبطرس وإندراوس: "اِتْبَعاني أَجعَلْكما صَيَّادَيْ بَشر" (مت 4: 19)

سنرافق الرّب يسوع المسيح في هذا الصيد الإلهي حيث "ازْدَحَمَ الجَمعُ علَيهِ لِسَماعِ كَلِمَةِ الله، وهُوَ قائمٌ على شاطِئِ بُحَيْرَةِ جِنَّاسَرِت" (لو 5: 1) كما فعل اليوم! ألا تستطيعون رؤيته؟

 
 
6.1.6-    يوم الجمعة من أسبوع الحواريّين     -     إنجيل القدّيس لوقا 45-36:24    
 
    إنجيل القدّيس لوقا 45-36:24 
 

فِيمَا الرُسُلُ يَتَكَلَّمُونَ بِهذَا، وَقَفَ يَسُوعُ في وَسَطِهِم، وقَالَ لَهُم: «أَلسَّلامُ لَكُم!».

فٱرْتَاعُوا، وٱسْتَوْلى عَلَيْهِمِ الخَوْف، وكَانُوا يَظُنُّونَ أَنَّهُم يُشَاهِدُونَ رُوحًا.

فقَالَ لَهُم يَسُوع: «مَا بَالُكُم مُضْطَرِبِين؟ وَلِمَاذَا تُخَالِجُ هذِهِ الأَفْكَارُ قُلُوبَكُم؟

أُنْظُرُوا إِلى يَدَيَّ وَرِجْلَيَّ، فَإِنِّي أَنَا هُوَ. جُسُّونِي، وٱنْظُرُوا، فإِنَّ الرُّوحَ لا لَحْمَ لَهُ وَلا عِظَامَ كَمَا تَرَوْنَ لِي!».

قالَ هذَا وَأَرَاهُم يَدَيْهِ وَرِجْلَيْه.

وَإِذْ كَانُوا بَعْدُ غَيْرَ مُصَدِّقِينَ مِنَ الفَرَح، وَمُتَعَجِّبِين، قَالَ لَهُم: «هَلْ عِنْدَكُم هُنَا طَعَام؟».

فَقَدَّمُوا لَهُ قِطْعَةً مِنْ سَمَكٍ مَشْوِيّ، وَمِنْ شَهْدِ عَسَل.

فَأَخَذَهَا وَأَكَلَهَا بِمَرْأًى مِنْهُم،

وقَالَ لَهُم: «هذَا هُوَ كَلامِي الَّذي كَلَّمْتُكُم بِهِ، وَأَنا بَعْدُ مَعَكُم. كانَ يَنْبَغِي أَنْ يَتِمَّ كُلُّ مَا كُتِبَ عَنِّي في تَوْرَاةِ مُوسَى، وَالأَنْبِيَاءِ وَالمَزَامِير».

حِينَئِذٍ فَتَحَ أَذْهَانَهُم لِيَفْهَمُوا الكُتُب.


 

«ما بالُكم مُضطَرِبين، ولِمَ ثارَتِ الشُّكوكُ في قُلوبِكم؟»
القدّيس أوغسطينُس (354 - 430)، أسقف هيبّونا (إفريقيا الشماليّة) وملفان الكنيسة،
العظة 238

 

يُظهر لنا هذا المقطع من الإنجيل من هو الرّب يسوع المسيح حقًّا ومن هي الكنيسة حقًّا...، لكي نفهم جيّدًا أيّ عروس اختارها هذا العريس الإلهيّ ومن هو العريس لهذه العروس القدّيسة... في هذه الصفحة، نستطيع أن نقرأ قرانهما...

لقد تعلّمتَ أنّ الرّب يسوع المسيح هو الكلمة، كلمة الله، المتّحد بنفس إنسانيّة وجسد إنسانيّ... هنا، اعتقد التلاميذ أنّهم يرون روحًا؛ لم يؤمنوا أنّ الربّ كان لديه جسد حقيقيّ. ولكن إذ كان الربّ يعرف خطر تلك الأفكار، سارع في نَزْعِها من قلبهم...: " لِمَ ثارَتِ الشُّكوكُ في قُلوبِكم؟ أُنظُروا إِلى يَدَيَّ وقَدَميَّ. أَنا هو بِنَفْسي. اِلمِسوني وانظُروا، فإِنَّ الرُّوحَ ليسَ له لَحمٌ ولا عَظْمٌ كما تَرَونَ لي ". وأنت، واجه هذه الأفكار المجنونة ذاتها بحزم بواسطة قاعدة الإيمان الّتي نلتَها... فالرّب يسوع المسيح هو حقًّا الكلمة، الابن الوحيد المساوي للآب، المتّحد بِنَفْسٍ بشريّة حقّة وبجسدٍ حقيقيّ بريء من كلّ خطيئة. هذا الجسد هو الّذي مات، هذا الجسد هو الّذي قام، هذا الجسد هو الّذي عُلّق على الصليب، هذا الجسد هو الّذي وضع في القبر، هذا الجسد هو الجالس في السماوات. أراد ربّنا أن يقنع تلاميذه بأنّ ما كانوا يرونه، كان حقًّا عَظمًا ولحمًا... لماذا أراد أن يقنعني بهذه الحقيقة؟ لأنّه كان يَعلَم لأيّ درجة خَيْرٌ لي أن أصدّقها وكم كنتُ قد خَسِرتُ لو لم أؤمن بها. فآمنوا إذًا، أنتم أيضًا: إنّه هو العريس!

لنسمع الآن ما الّذي قيل فيما يخصّ العروس...: " كُتِبَ أَنَّ المَسيحَ يَتأَلَّمُ ويقومُ مِن بَينِ الأَمواتِ في اليَومِ الثَّالِث، وتُعلَنُ بِاسمِه التَّوبَةُ وغُفرانُ الخَطايا لِجَميعِ الأُمَم، اِبتِداءً مِن أُورَشَليم". ها هي العروس...: انتشرت الكنيسة في جميع أنحاء الأرض، أخذت جميع الشعوب في رَحمٍها... لقد رأى الرُّسل الرّب يسوع المسيح وآمنوا بالكنيسة، الّتي لم يروها. أمّا نحن، فإنّنا نرى الكنيسة؛ فلنؤمن إذًا بالرّب يسوع المسيح، الّذي لا نراه، وإذ نتعلّق هكذا بما نراه، نصل إلى ذاك الّذي لا نراه بعد.

 
 
6.1.7-    السبت من أسبوع الحواريّين     -     إنجيل القدّيس يوحنّا 25-19:20    
 
    إنجيل القدّيس يوحنّا 25-19:20 
 

في مَسَاءِ ذلِكَ اليَوم، يَوْمِ الأَحَد، كَانَ التَّلامِيذُ مُجْتَمِعِين، والأَبْوَابُ مُغْلَقَةٌ خَوفًا مِنَ اليَهُود، فَجَاءَ يَسُوعُ ووَقَفَ في الوَسَطِ وقَالَ لَهُم: «أَلسَّلامُ لَكُم!».

قَالَ هذَا وأَرَاهُم يَدَيْهِ وجَنْبَهُ. فَفَرِحَ التَّلامِيذُ حِينَ رَأَوا الرَّبّ.

فَقَالَ لَهُم ثَانِيَةً: «أَلسَّلامُ لَكُم! كَمَا أَرْسَلَنِي الآب، أُرْسِلُكُم أَنَا أَيْضًا».

قَالَ هذَا ونَفَخَ فِيهِم وقَالَ لَهُم: «خُذُوا الرُّوحَ القُدُس.

مَنْ غَفَرْتُم خَطَايَاهُم غُفِرَتْ لَهُم، ومَنْ أَمْسَكْتُم خَطَايَاهُم أُمْسِكَتْ عَلَيْهِم».

أَمَّا تُومَا، أَحَدُ الٱثْنَي عَشَر، المُلَقَّبُ بِٱلتَّوْأَم، فَلَمْ يَكُنْ مَعَهُم حِينَ جَاءَ يَسُوع.

فَقَالَ لَهُ التَّلامِيذُ الآخَرُون: «لَقَدْ رَأَيْنَا الرَّبّ!». فَقَالَ لَهُم: «مَا لَمْ أَرَ أَثَرَ المَسامِيرِ في يَدَيْه، وأَضَعْ إِصْبَعِي في مَوْضِعِ المَسَامِير، وأَضَعْ يَدِي في جَنْبِهِ، لَنْ أُؤْمِن!».


 

«السَّلامُ علَيكم! كما أَرسَلَني الآب أُرسِلُكم أَنا أَيضاً»
البابا فرنسيس،
الإرشاد الرّسولي "فرح  الإنجيل (Evangelii Gaudium)"، الأعداد 259 - 261

 

مُبَشِّرون "لديهم الرُّوح" يعني مبشّرون ينفتحون بلا خوف على عمل الرُّوح القدس. في يوم العنصرة، يجعل الرُّوحُ الرُسُلَ يخرجون من أنفسهم ويحوّلهم إلى مبشّرين بعظائم الله، الّتي صار كلّ واحد يفهمها بلغته الخاصّة. بالإضافة إلى ذلك، ينفخ الرُّوح القدس القوّة لإعلان البشارة الجديدة بجرأة، بصوت عالٍ، في كلّ زمان وفي كلّ مكان، وحتّى في عكس التيّار. فلنستدعِهِ اليوم، معتمدين على الصّلاة التي بدونها كلّ عمل معرّض لخطر أن يكون باطلاً، والبشارة، في النهاية، لنقص الرُّوح. إنّ الرّب يسوع يريد مبشّرين يعلنون البُشرى السّارّة ليس فقط بكلامهم، بل خاصّةً بحياتهم المتجلّية بحضور الله...

عندما نقول إنّ لشيء ما "روحًا"، هذا يعني عادةً أسبابًا داخليّة تدفع وتحرّك وتشجّع وتعطي معنًى للعمل الشخصيّ والجَماعيّ. التبشير "مع الرُّوح" مختلف تمامًا عن مجموعة أعمال نعيشها كواجب ثقيل يقع على عاتقنا أو علينا أن نتحمّله كأمر يعاكس رغباتنا الخاصّة. كم أودّ أن أجد الكلمات لتشجيع زمنَ تبشيرٍ أكثر تقوى وفرحًا وسخاءً وجرأةً، مليئًا بحبّ عميق وبحياة مُعدِيَة! لكنّي أعلم أنّ أيّ تحفيز لن يكون كافيًا إذا كانت نار الرُّوح غير مشتعلة في القلوب. في النهاية، إنّ التبشير مع الرُّوح هو تبشير مع الرُّوح القدس، لأنّه روح الكنيسة المبشِّرة... أستدعي الرُّوح القدس مرّةً أخرى، طالبًا منه أن يأتي ليُجدّد ويحرّك ويدفع الكنيسة إلى الخروج بجرأة من ذاتها، لتبشّر جميع الشعوب.

 
 
6.2.1-    الأحد الجديد: ظهور يسوع للتلاميذ وتوما معهم     -     إنجيل القدّيس يوحنّا 31-26:20    
 
    إنجيل القدّيس يوحنّا 31-26:20 
 

بَعْدَ ثَمَانِيَةِ أَيَّام، كَانَ تَلامِيذُ يَسُوعَ ثَانِيَةً في البَيْت، وتُومَا مَعَهُم. جَاءَ يَسُوع، والأَبْوَابُ مُغْلَقَة، فَوَقَفَ في الوَسَطِ وقَال: «أَلسَّلامُ لَكُم!».

ثُمَّ قَالَ لِتُومَا: «هَاتِ إِصْبَعَكَ إِلى هُنَا، وٱنْظُرْ يَدَيَّ. وهَاتِ يَدَكَ، وضَعْهَا في جَنْبِي. ولا تَكُنْ غَيْرَ مُؤْمِنٍ بَلْ كُنْ مُؤْمِنًا!».

أَجَابَ تُومَا وقَالَ لَهُ: «رَبِّي وإِلهِي!».

قَالَ لَهُ يَسُوع: «لأَنَّكَ رَأَيْتَنِي آمَنْت؟ طُوبَى لِمَنْ لَمْ يَرَوا وآمَنُوا!».

وصَنَعَ يَسُوعُ أَمَامَ تَلامِيذِهِ آيَاتٍ أُخْرَى كَثِيرَةً لَمْ تُدَوَّنْ في هذَا الكِتَاب.

وإِنَّمَا دُوِّنَتْ هذِهِ لِكَي تُؤْمِنُوا أَنَّ يَسُوعَ هُوَ المَسِيحُ ٱبْنُ ٱلله، ولِكَي تَكُونَ لَكُم، إِذَا آمَنْتُم، الحَيَاةُ بِٱسْمِهِ.


 

«هاتِ يَدَكَ فضَعْها في جَنْبي، ولا تكُنْ غَيرَ مُؤمِنٍ بل مُؤمِنًا»
باسيليوس السلوقيّ (؟ - حوالي 468)، أسقف،
عظة عن قيامة الرّب

 

"هَاتِ إِصبَعَكَ إِلى هُنا فَانظُرْ يَدَيَّ". كنت تبحث عنّي عندما لم أكن هنا، فاستفد من وجودي الآن. إنّي أعرف رغبتك رغم صمتك. قبل أن تقوله لي، أعرف ما تفكّر فيه. سمعتك تتكلّم، ورغم إنّك لم تكن تراني، كنت بجانبك، بقرب شكوكك؛ بدون أن أكشف نفسي، جعلتك تنتظرني، لأشاهد صبرك أكثر. " هَاتِ إِصبَعَكَ إِلى هُنا فَانظُرْ يَدَيَّ، وهاتِ يَدَكَ فضَعْها في جَنْبي، ولا تكُنْ غَيرَ مُؤمِنٍ بل مُؤمِنًا".

لمسه توما، وانهار كلّ ارتيابه؛ فامتلأ بالإيمان الصادق وبكلّ الحبّ الذي يستحقّه الله منّا، فصرخ: "ربّي وإلهي!". وقال له الربّ: "آمَنْتَ لِأَنَّكَ رَأَيتَني، طوبى لِلَّذينَ يؤمِنونَ ولَم يَرَوا". احمل، يا توما، بشرى قيامتي للذين لم يروني. اجعل كلّ الأرض تؤمن ليس بما ترى، بل بكلمتك. جُل لدى الشعوب وفي المدن النائية. علّمهم حمل الصليب على الأكتاف عوضًا عن السلاح. لا تعمل شيئًا آخر سوى البشارة بي: فيؤمنون ويعبدونني. لن يطلبوا أدلّة أخرى. قل لهم إنّهم مدعوّون بالنعمة، وراقب أنت إيمانهم: " طوبى لِلَّذينَ يؤمِنونَ ولَم يَرَوا!".

هذا هو الجيش الذي يقوده الربّ؛ هؤلاء هم أطفال جرن العماد، أعمال النعمة وحصاد الروح. تبعوا الرّب يسوع المسيح بدون أن يروه، وبحثوا عنه وآمنوا به. تعرّفوا عليه بأعين الإيمان، وليس الجسد. لم يضعوا أيديهم في مكان المسامير، بل تمسّكوا بصليبه وعانقوا عذاباته. لم يروا جنب الربّ، لكن بالنعمة، غدوا أعضاء في جسده واتّخذوا من كلامه سبيلهم: "طوبى لِلَّذينَ يؤمِنونَ ولَم يَرَوا!"

 
 
6.2.2-    الاثنين الثاني من زمن القيامة     -     إنجيل القدّيس يوحنّا 10-1:20    
 
    إنجيل القدّيس يوحنّا 10-1:20 
 

في يَوْمِ الأَحَد، جَاءَتْ مَرْيَمُ المَجْدَلِيَّةُ إِلى القَبْرِ بَاكِرًا، وكَانَ بَعْدُ ظَلام، فَرَأَتِ الحَجَرَ مَرْفُوعًا عَنِ القَبْر.

فَأَسْرَعَتْ وجَاءَتْ إِلى سِمْعَانَ بُطْرُسَ والتِّلْمِيذِ الآخَرِ الَّذي كَانَ يَسُوعُ يُحِبُّهُ، وقَالَتْ لَهُمَا: «أَخَذُوا الرَّبَّ مِنَ القَبْر، ولا نَعْلَمُ أَيْنَ وَضَعُوه».

فَخَرَجَ بُطْرُسُ والتِّلْمِيذُ الآخَرُ وأَتَيَا إِلى القَبْر.

وكَانَ الٱثْنَانِ يُسْرِعَانِ مَعًا، إِلاَّ أَنَّ التِّلْمِيذَ الآخَرَ سَبَقَ بُطْرُس، فَوَصَلَ إِلى القَبْرِ أَوَّلاً.

وَٱنْحَنَى فَرَأَى الرِّبَاطَاتِ مُلْقَاةً إِلى الأَرْض، ولكِنَّهُ لَمْ يَدْخُل.

ثُمَّ وَصَلَ سِمْعَانُ بُطْرُسُ يَتْبَعُهُ، فَدَخَلَ القَبْرَ، وشَاهَدَ الرِّبَاطَاتِ مُلْقَاةً إِلى الأَرْض،

وَالمِنْديلَ الَّذي كَانَ عَلى رَأْسِ يَسُوعَ غَيْرَ مُلْقًى مَعَ الرِّبَاطَات، بَلْ مَطْوِيًّا وَحْدَهُ في مَوْضِعٍ آخَر.

حِينَئِذٍ دَخَلَ التِّلمِيذُ الآخَرُ الَّذي وَصَلَ إِلى القَبْرِ أَوَّلاً، ورَأَى فَآمَن؛

لأَنَّهُمَا لَمْ يَكُونَا بَعْدُ قَدْ فَهِمَا مَا جَاءَ في الكِتَاب، أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَقُومَ مَنْ بَيْنِ الأَمْوَات.

ثُمَّ عَادَ التِّلمِيذَانِ إِلى حَيْثُ يُقِيمَان.


 

«هذا هو اليَومُ الَّذي صَنَعَه الرَّبُّ فلنبتَهِجْ ونَفرَحْ فيه»
القدّيس إبيفانُس (؟ - 403)، أسقف سالامين،
العظة الثالثة عن القيامة



إنّ "شَمسَ البِرِّ" (ملا 3: 20) الذي غاب لمدة ثلاثة أيام في الجحيم قام اليوم [من بين الأموات] وأنار كلّ الخليقة. لقد رقد الرّب يسوع المسيح في القبر لمدة ثلاثة أيام، وهو الموجود قبل كلّ وجود! وقد نما كما تنمو الكرمة وغمر المعمورة بالفرح. فدعونا نثبّت نظرنا على شروق الشمس الذي لن يعرف أي غروب، ولنسبق النهار ونمتلئ من فرح هذا النور!

إن الرّب يسوع المسيح حطّمَ أبواب الجحيم، فقام الموتى كمن يستيقظ من رقاد، فالمسيح قام وهو قيامة الأموات وقد أتى ليوقظ آدم. والمسيح الذي هو قيامة جميع الموتى قام وجاء إلى حوّاء ليخلّصها من اللعنة. والمسيح قام وهو القيامة وغيَّر ببهائه من لاَ صُورَةَ لَهُ وَلاَ جَمَالَ فَنَنْظُرَ إِلَيْهِ (إش 53: 2). وكمن كان راقدًا، ٱستفاق الربّ وتغلّب على حِيَل العدّو. قام الربّ [من بين الأموات] ومنح البهجة إلى كل الخليقة. قام من بين الأموات ففرِغ سجن الجحيم؛ قام من بين الأموات فلبِس الكائِنِ الفاسِدِ ما لَيسَ بِفاسِد (1كور 15: 53). والمسيح القائم من بين الأموات أعاد آدم وألبسه ما ليس بفاسد، وأعاد إليه كرامته الأولى.

وتصبح الكنيسة اليوم في الرّب يسوع المسيح سَماءً جَديدةً (رؤ 21: 1)، سَماءٌ يحلو تأمّلها أكثر من الشمس المرئية. فالشمس التي نراها في كلّ يوم لا يمكنها أن تُضاهي هذا الشمس؛ فالشمس كخادمٍ أمين ملؤه الاحترام توارت أمامه عندما رأته معلّقًا على الصليب (مت 27: 45). وهذا هو الشمس الذي قال فيه النبّي: "وَلَكُمْ أَيُّهَا الْمُتَّقُونَ ٱسْمِي تُشْرِقُ شَمْسُ الْبِرِّ" (ملا 3: 20) ... وبه أي المسيح شمس البرّ تصبح الكنيسة سماءً متألّقة تسطع فيها بوفرة النجوم المنبثقة من جرن المعمودية والمتألقة بنورها الجديد. "هذَا هُوَ الْيَوْمُ الَّذِي صَنَعُهُ الرَّبُّ، لنَبْتَهِجُ وَنَفْرَحُ فِيهِ" (مز 118[117]: 24) ممتلئين فرحًا إلهيًا.

 
 
6.2.3-    الثلاثاء الثاني من زمن القيامة     -     إنجيل القدّيس يوحنّا 18-11:20    
 
    إنجيل القدّيس يوحنّا 18-11:20 
 

كانَت مَرْيَمُ المَجْدَلِيِّةُ وَاقِفَةً في خَارِجِ القَبْرِ تَبْكِي. وفِيمَا هِيَ تَبْكِي، ٱنْحَنَتْ إِلى القَبْر،

فَشَاهَدَتْ مَلاكَيْنِ في ثِيَابٍ بَيْضَاءَ جَالِسَينِ حَيْثُ كَانَ قَدْ وُضِعَ جَسَدُ يَسُوع، أَحَدَهُمَا عِنْدَ الرَّأْس، والآخَرَ عِنْدَ القَدَمَين.

فَقَالَ لَهَا المَلاكَان: «يَا ٱمْرَأَة، لِمَاذَا تَبْكِين؟». قَالَتْ لَهُمَا: «أَخَذُوا رَبِّي، ولا أَعْلَمُ أَيْنَ وَضَعُوه!».

قَالَتْ هذَا وٱلتَفَتَتْ إِلى الوَرَاء، فَشَاهَدَتْ يَسُوعَ واقِفًا ومَا عَلِمَتْ أَنَّهُ يَسُوع.

قَالَ لَهَا يَسُوع: «يَا ٱمْرَأَة، لِمَاذَا تَبْكِين، مَنْ تَطْلُبِين؟». وظَنَّتْ أَنَّهُ البُسْتَانِيّ. فَقَالَتْ لَهُ: «يَا سَيِّد، إِنْ كُنْتَ أَنْتَ قَدْ أَخَذْتَهُ، فَقُلْ لي أَيْنَ وَضَعْتَهُ، وأَنَا آخُذُهُ».

قَالَ لَهَا يَسُوع: «مَرْيَم!». فَٱلتَفَتَتْ وقَالَتْ لَهُ بِٱلعِبْرِيَّة: «رَابُّونِي!»، أَي «يَا مُعَلِّم!».

قَالَ لَهَا يَسُوع: «لا تُمْسِكِي بِي لأَنِّي لَمْ أَصْعَدْ بَعْدُ إِلى الآب، بَلِ ٱذْهَبِي إِلى إِخْوَتِي وقُولِي لَهُم: «إِنِّي صَاعِدٌ إِلى أَبِي وأَبِيكُم، إِلهِي وإِلهِكُم».

فَجَاءَتْ مَرْيَمُ المَجْدَلِيَّةُ تُبَشِّرُ التَّلامِيذ: «لَقَدْ رَأَيْتُ الرَّبّ!»، وأَخْبَرَتْهُم بِمَا قَالَ لَهَا.

 
 
6.2.4-    الأربعاء الثاني من زمن القيامة     -     إنجيل القدّيس متّى 15-11:28    
 
    إنجيل القدّيس متّى 15-11:28 
 

جَاءَ بَعْضُ الحُرَّاسِ إِلى المَدِيْنَة، وأَخْبَرُوا الأَحْبَارَ بِكُلِّ مَا حَدَث.

فَٱجْتَمَعَ الأَحْبَارُ والشُّيُوخُ وتَشَاوَرُوا، ثُمَّ رَشَوا ٱلجُنُودَ بِمَبْلَغٍ كَبِيرٍ مِنَ الفِضَّة،

قَائِلِين: «قُولُوا: إِنَّ تَلامِيذَهُ أَتَوا لَيْلاً وسَرَقُوه، ونَحْنُ نَائِمُون.

وإِذَا سَمِعَ الوَالي بِالخَبَر، فَسَوْفَ نُرْضِيه، ونَجْعَلُكُم في أَمَان».

فَأَخَذَ الجُنُودُ الفِضَّة، وفَعَلُوا كَمَا عَلَّمُوهُم. فَشَاعَ هذَا ٱلقَولُ عِنْدَ ٱليَهُودِ إِلى هذَا ٱليَوم.


 

«وبينَما هما ذاهبتان جاءَ بعضُ رجالِ الحَرَسِ إلى المدينة، وأخبَروا عُظماءَ الكَهَنَةِ بكلِّ ما حَدَث»
القدّيس يوحنّا الذهبيّ الفم (نحو 345 - 407)، بطريرك أنطاكية ثمّ القسطنطينيّة وملفان الكنيسة،
العظة 90

 

إنّ رؤساء الكهنة الذين كان يُفترض بهم أن يرتدّوا، استمرّوا بشرّهم واستَعملوا مال الهيكل لشراء كذبة. لم يَكفِهم أنّهم قتلوا المعلِّم، بل استمرّوا في البحث عن طرقٍ لتضليل التلاميذ. نعم، لقد ترك الحرّاس جسد الربّ يختفي، ورؤساء اليهود أضاعوه. ولكن، لو كان التلاميذ هم الذين أخذوه، فذلك لم يكن بالخفية بل بالإيمان؛ ليس بالحيلة بل بالفضيلة؛ ليس بارتكاب جريمة بل بالقداسة. لقد أخذوه ممتلئًا بالحياة، لا كضحيّة للموت.

فكيف يمكن لرجالٍ مساكينٍ، ما كانوا يجرؤون على الظهور إلى العلن، أن يتجاسروا ويأخذوا جسد معلِّمهم؟ حين كان حيًّا، هربوا جميعًا. فكيف يمكنهم ألاّ يخافوا هذه الجماعة المسلّحة بعد مماته؟ إضافة إلى ذلك، هل كانوا يستطيعون أن يدحرجوا حجر القبر الذي كان يحتاج إلى أشخاص كثيرين للقيام بذلك؟ لو أرادَ التلاميذ أن يأخذوا الجسد، لكانوا تركوه في الكفن، ليس احترامًا له فقط، لكن كي لا يؤخّرهم ذلك فيتمكّن الحرّاس من إلقاء القبض عليهم. بالتالي، فإنّ كلّ ما قيل عن هذه السرقة المزعومة لا يمتّ إلى الواقع بأيّ صلة، وكلّ ما فعله رؤساء اليهود للتعتيم على حدث القيامة لم يؤدِّ سوى إلى إظهاره جليًّا أكثر. ومن خلال الإعلان بأنّ التلاميذ أخذوا جسد يسوع، كانوا يعترفون بأنّ الجسد لم يعد في القبر. غير أنّ الخوف الذي انتابَ التلاميذ والحراسة المشدّدة التي أقامَها الجنود على القبر كانت تثبت بشكل قاطع استحالة عمليّة السرقة هذه.

 
 
6.2.5-    الخميس الثاني من زمن القيامة     -     إنجيل القدّيس متّى 20-16:28    
 
    إنجيل القدّيس متّى 20-16:28 
 

أَمَّا التَّلامِيذُ ٱلأَحَدَ عَشَرَ فذَهَبُوا إِلى ٱلجَلِيل، إِلى ٱلجَبَلِ حَيثُ أَمَرَهُم يَسُوع.

ولَمَّا رَأَوهُ سَجَدُوا لَهُ، بِرَغْمِ أَنَّهُم شَكُّوا.

فدَنَا يَسُوعُ وكَلَّمَهُم قَائِلاً: «لَقَدْ أُعْطِيتُ كُلَّ سُلْطَانٍ في ٱلسَّمَاءِ وعَلى ٱلأَرْض.

إِذْهَبُوا إِذًا فَتَلْمِذُوا كُلَّ ٱلأُمَم، وعَمِّدُوهُم بِٱسْمِ ٱلآبِ وٱلٱبْنِ وٱلرُّوحِ ٱلقُدُس،

وعَلِّمُوهُم أَنْ يَحْفَظُوا كُلَّ مَا أَوْصَيْتُكُم بِهِ. وهَا أَنَا مَعَكُم كُلَّ ٱلأَيَّامِ إِلى نِهَايَةِ ٱلعَالَم».


 

«وهاءنذا معَكم طَوالَ الأَيَّامِ إِلى نِهايةِ العالَم»
المُكَرَّم بيّوس الثاني عشر، بابا روما من 1939 إلى 1958،
خطاب موجّه لكهنة روما وللواعظين في الصوم الكبير، 17 شباط 1942

 

"هُناك شَفيعٌ لَنا عِندَ الآب وهو يسوعُ المَسيحُ البارّ" (1يو 2: 1)، وقد جلس عن يمين الآب. لم يعد مرئيًّا في طبيعته البشريّة بيننا. لكنّه يرغب في البقاء معنا حتّى انقضاء الدهور، غير مرئيّ تحت مظاهر الخبز والخمر في سرّ محبّته. هذا سرّ عظيم لإله حاضر ومحتجب، لهذا الإله الذي سيأتي يومًا ليدين الأحياء والأموات.

إنّ البشريّة بأكملها، في العصور المنصرمة، في الحاضر وفي المستقبل، تتقدّم نحو يوم الله العظيم هذا. والكنيسة تتقدّم نحو هذا اليوم، معلّمة الإيمان والأخلاق لجميع الأمم، معمِّدةً باسم الآب والابن والرُّوح القدس. ونحن، كما أنّنا نؤمن بالآب، خالق السماء والأرض، والابن، مخلِّص الجنس البشريّ، كذلك أيضًا نؤمن بالرُّوح القدس.

هو الرُّوح المنبثق من الآب والابن، بصفته يكوّن حبّهما وهو من ذات الطبيعة الإلهيّة، وقد وعد به وأرسله الرّب يسوع المسيح للرسل في يوم العنصرة، ليكون قوّة من عَلُ تملؤهم. هو البارقليط والمعزّي الذي يبقى معهم إلى الأبد، الرُّوح غير المرئيّ، غير المعروف من العالم، الذي يعلّمهم ويذكّرهم بكلّ ما قاله الرّب يسوع لهم.

أظهِروا للشعب المسيحيّ القوّة الإلهيّة اللامحدودة لهذا الرُّوح الخالق، هبة من العليّ، موزِّع كلّ موهبة روحيّة، معزٍّ طيّب جدّاً، نور القلوب، الذي يغسل في نفوسنا كلّ ما هو مدنّس، يسقي كلّ ما هو قاحل، ويشفي كلّ ما هو مجروح.

منه، من الحبّ الأبديّ، تنزل نار تلك المحبّة التي يريد الرّب يسوع المسيح أن يراها مشتعلة على الأرض؛ تلك المحبّة التي تجعل الكنيسة واحدة، مقدَّسة، كاثوليكيّة، التي تنعشها وتجعلها لا تُقهَر وسط اعتداءات محفل الشياطين؛ تلك المحبّة التي توحّد في شركة القدّيسين؛ تلك المحبّة التي تجدّد الصداقة مع الله وتغفر الخطيئة.

 
 
6.2.6-    يوم الجمعة الثاني من زمن القيامة     -     إنجيل القدّيس يوحنّا 25-13:2    
 
    إنجيل القدّيس يوحنّا 25-13:2 
 

قَرُبَ فِصْحُ اليَهُود، فَصَعِدَ يَسُوعُ إِلى أُورَشَلِيم.

ووَجَدَ في الهَيْكَلِ بَاعَةَ البَقَرِ والغَنَمِ والحَمَام، والصَّيَارِفَةَ جَالِسِين.

فَجَدَلَ سَوطًا مِنْ حِبَال، وطَرَدَ الجَمِيعَ مِنَ الهَيْكَل، طَرَدَ الغَنَمَ والبَقَرَ، وبَعْثَرَ نُقُودَ الصَّيَارِفَة، وقَلَبَ طَاوِلاتِهِم.

وقَالَ لِبَاعَةِ الحَمَام: «إِرْفَعُوا هذَا الحَمَامَ مِنْ هُنَا، ولا تَجْعَلُوا بَيْتَ أَبِي بَيْتًا لِلتِّجَارَة».

فَتَذَكَّرَ تَلامِيذُهُ أَنَّهُ جَاءَ في الكِتَاب: «أَلْغيَرَةُ على بَيْتِكَ سَتَأْكُلُنِي!».

أَجَابَ اليَهُودُ وقَالُوا لِيَسُوع: «أَيَّ آيَةٍ تُرِينَا وأَنْتَ تَفْعَلُ هذَا؟».

أَجَابَ يَسُوعُ وقَالَ لَهُم: «إِهْدِمُوا هذَا الهَيْكَل، وأَنَا أُقِيمُهُ في ثَلاثَةِ أَيَّام».

فَقَالَ اليَهُود: «بُنِيَ هذَا الهَيْكَلُ في سِتٍّ وأَرْبَعِينَ سَنَة، وتُقِيمُهُ أَنْتَ في ثَلاثَةِ أَيَّام؟».

أَمَّا هُوَ فَكَانَ يَتَكَلَّمُ عَلى هَيْكَلِ جَسَدِهِ.

ولَمَّا قَامَ مِنْ بَينِ الأَمْوَات، تَذَكَّرَ تَلامِيذُهُ كَلامَهُ ذَاك، فَآمَنُوا بِٱلكِتَاب، وبِٱلكَلِمَةِ الَّتِي قَالَهَا يَسُوع.

وبَيْنَمَا كَانَ يَسُوعُ في أُورَشَلِيم، في عِيدِ الفِصْح، آمَنَ بِٱسْمِهِ كَثِيرُون، لأَنَّهُم رَأَوا ٱلآيَاتِ الَّتِي كَانَ يَصْنَعُهَا.

أَمَّا هُوَ فَمَا كَانَ يَأْمَنُ عَلى نَفْسِهِ مِنْهُم، لأَنَّهُ كَانَ يَعْرِفُهُم جَميعًا.

ولا يُعْوِزُهُ شَاهِدٌ عَلى الإِنْسَان، لأَنَّهُ عَليمٌ بِمَا في الإِنْسَان .


 

«اُنقُضوا هذا الهَيكَل أُقِمْهُ في ثَلاثَةِ أَيَّام!»
أوريجينُس (نحو 185 - 253)، كاهن ولاهوتيّ،
عظات حول  إنجيل القدّيس يوحنّا، العظة 10

 

"اُنقُضوا هذا الهَيكَل أُقِمْهُ في ثَلاثَةِ أَيَّام!" كان المخلّص قادرًا بالتأكيد على إظهار ألف آية وآية ولكن أيّ آيةٍ أخرى لم تكن ممكنة ليُظهِر لماذا "يَعمَلَ هذه الأَعْمَال؟". لذا وهو ما كان مناسبًا أعطى جوابًا خاصًا بالهيكل عوضًا عن علامات أخرى لا صلة لها به. ومع ذلك أرى من الضروري تفسير الهيكل وجسد المسيح كرمزٍ للكنيسة، لأن هذه الأخيرة بُنيت على "الحِجارَةِ الحَيَّة، بَيتاً رُوحِياً لجَماعَة كَهَنوتيَّة مُقدَّسة". وقد أُقيمت على "أساس الرسل والأنبياء، ويسوع المسيح نفسه حجر الزاوية"، الهيكل الحقّ.

"فأَنتُم جَسَدُ المَسيح وكُلُّ واحِدٍ مِنكُم عُضوٌ مِنه" حتى لو رأينا تركيب الهيكل المتناغم يتدمّر وحتى لو رأينا عِظَام الرّب يسوع المسيح انْفَصَلَتْ كُلُّها نتيجة التجارب والمحن كما يرد في المزمور 21... وحتى الاضطهادات التي ما فتئت تنزل على وحدة الهيكل، كلّ هذا والهيكل سيرتفع مجددًا والجسد سيقوم، في اليوم الثالث بعد يوم الظُلم الذي يكون قد سحقه، وبعد يوم الإتمام الذي يليه. لأنّه سيكون هناك يومٌ ثالث في السماء الجديدة والأرض الجديدة، عندما تتَقارَبُ العِظامُ كُلُّ عَظم إِلى عَظمِه في يوم الربّ، نتيجة تغلّبه على الموت. إن قيامة الرّب يسوع المسيح بعد آلامه وصلبه تحكي سرّ قيامة "جَسَد المَسيح" بأكمله.

(المراجع الكتابية: يو 2: 18 – 19؛ 1بط 2: 5؛ أف 2: 20؛ مز 21: 15؛ 2بط 3: 3-10، 13؛ حز 37: 11).

 
 
6.2.7-    السبت الثاني من زمن القيامة     -     إنجيل القدّيس متّى 46-41:22    
 
    إنجيل القدّيس متّى 46-41:22 
 

فِيمَا الفَرِّيسِيُّونَ مُجْتَمِعُونَ سَأَلَهُم يَسُوعُ

قَائِلاً: «مَا رَأْيُكُم في المَسيح: إِبْنُ مَنْ هُوَ؟». قَالُوا لَهُ: «إِبْنُ دَاوُد».

قَالَ لَهُم: «إِذًا، كَيفَ يَدْعُوهُ دَاوُدُ بِالرُّوحِ رَبًّا، إِذْ يَقُول:

قَالَ الرَّبُّ لِرَبِّي: إِجْلِسْ عَنْ يَمِينِي، حَتَّى أَجْعَلَ أَعْدَاءَكَ مَوْطِئًا لِقَدَمَيك؟

فَإِنْ كَانَ دَاوُدُ يَدْعُو المَسِيحَ رَبًّا، فَكَيفَ يَكُونُ المَسِيحُ لَهُ ٱبْنًا؟».

فَلَمْ يَقْدِرْ أَحَدٌ أَنْ يُجِيبَهُ بِكَلِمَة. ومِنْ ذلِكَ اليَومِ مَا عَادَ أَحَدٌ يَجْرُؤُ أَنْ يَسْأَلَهُ عَنْ شَيء.


 

ابن داود وربّ الأرباب
القدّيس لاوُن الكبير (؟ - نحو 461)، بابا روما وملفان الكنيسة،
العظة الأولى عن ميلاد الرّب

 

لقد اختار الله عذراء من سلالة داود الملكيّة لتحمل بأحشائها طفلاً قدُّوسًا، ابنًا إلهيًّا وبشريًّا في آنٍ واحد... فالكلمة، كلمة الله، ابن الله الّذي "في البَدءِ كانَ لَدى الله والكَلِمَةُ هوَ الله. كانَ في البَدءِ لَدى الله. بِه كانَ كُلُّ شَيء وبِدونِه ما كانَ شَيءٌ مِمَّا كان."(يو 1: 1- 3)، قد "صارَ بَشَراً" ليخلّص الإنسان من الموت الأبدي. فقد تنازل لدرجة أنّه اتّخذ تواضع حالتنا دون أن تنقص جلالته. محافظًا على ما كان عليه ومتبنّيًا ما لم يكن عليه، فقد جمع الطبيعة الإنسانيّة الحقّة بالطبيعة الإلهية الّتي تساويه بالآب. جمع هاتين الطبيعتين جمعًا وثيقًا بحيث أنّ مجده لا يستطيع إبطال الطبيعة الأدنى كما وأنّ اتحاده مع هذه الأخيرة لا تُفسد الطبيعة الأسمى.

ما هو خاصّ بكل طبيعة يبقى بكلّيته ويلتقي بشخص واحد: ترّحب الجلالة بالتواضع والقوّة بالضعف والأبدي بالفاني. فمن أجل أن يفتدي حالتنا، اتّحدت الطبيعة غير المُدرَكة بالطبيعة القابلة لأن تتألّم؛ يتشارك إله حقّ بإنسان حقّ في وحدة ربّ واحد، الرّب يسوع. هكذا، وكما كان ينبغي أن يحصل بغية شفائنا، فقد مات "الوَسيطُ الواحدُ بَينَ اللهِ والنَّاسِ"(1تم 2: 5) بفعل الإنسان وقام من الموت بفعل الله...

هذا هو يا أحبّائي، الميلاد الّذي يناسب الرّب يسوع المسيح، "قُدرَةُ الله وحِكمَةُ الله" (1كور 1: 24). بهذا الميلاد اتّحد ببشريّتنا محافظًا على سموّ الوهيّته. لو لم يكن إلهًا حقّ لما شفانا ولو لم يكن إنسانًا حق لما كان مثالنا الأعلى.

 
 
6.3.1-    الأحد الثالث من زمن القيامة : ظهور يسوع لتلميذي عمّاوس     -     إنجيل القدّيس لوقا 35-13:24    
 
    إنجيل القدّيس لوقا 35-13:24 
 

في اليَوْمِ عَينِهِ، كانَ ٱثْنَانِ مِنَ التَلاميذِ ذَاهِبَيْنِ إِلَى قَرْيَةٍ تُدْعَى عِمَّاوُس، تَبْعُدُ نَحْوَ سَبْعَةِ أَمْيَالٍ عَنْ أُورَشَلِيم.

وَكانَا يَتَحَادَثَانِ بِكُلِّ تِلْكَ الأُمُورِ الَّتِي حَدَثَتْ.

وفيمَا هُمَا يَتَحَادَثَانِ وَيَتَسَاءَلان، إِذَا يَسُوعُ نَفْسُهُ قَدِ ٱقْتَرَبَ مِنْهُمَا، وَرَاحَ يَسِيرُ مَعَهُمَا.

ولكِنَّ أَعْيُنَهُمَا أُمْسِكَتْ عَنْ مَعْرِفَتِهِ.

أَمَّا هُوَ فَقَالَ لَهُمَا: «مَا هذَا الكَلامُ الَّذي تَتَحَادَثَانِ بِهِ، وَأَنْتُمَا تَسِيرَان؟». فَوَقَفَا عَابِسَين.

وَأَجَابَ أَحَدُهُمَا، وٱسْمُهُ كِلْيُوبَاس، فَقَالَ لَهُ: «هَلْ أَنْتَ وَحْدَكَ غَرِيبٌ عَنْ أُورَشَلِيم، فَلا تَعْلَمَ مَا حَدَثَ فِيهَا هذِهِ الأَيَّام؟».

فَقَالَ لَهُمَا: «ومَا هِيَ؟». فَقَالا لَهُ: «مَا يَتَعَلَّقُ بِيَسُوعَ النَّاصِرِيّ، الَّذي كَانَ رَجُلاً نَبِيًّا قَوِيًّا بِالقَوْلِ وَالفِعْل، قُدَّامَ اللهِ وَالشَّعْبِ كُلِّهِ.

وكَيْفَ أَسْلَمَهُ أَحْبَارُنا وَرُؤَسَاؤُنَا لِيُحْكَمَ عَلَيْهِ بِالمَوْت، وَكَيْفَ صَلَبُوه!

وكُنَّا نَحْنُ نَرْجُو أَنْ يَكُونَ هُوَ الَّذي سَيَفْدِي إِسْرَائِيل. وَلكِنْ مَعَ هذَا كُلِّهِ، فَهذَا هُوَ اليَوْمُ الثَّالِثُ بَعْدَ تِلْكَ الأَحْدَاث.

لكِنَّ بَعْضَ النِّسَاءِ مِنْ جَمَاعَتِنَا أَدْهَشْنَنَا، لأَنَّهُنَّ ذَهَبْنَ إِلَى القَبْرِ عِنْدَ الفَجْر،

وَلَمْ يَجِدْنَ جَسَدَ يَسُوع، فَرَجَعْنَ وَقُلْنَ إِنَّهُنَّ شَاهَدْنَ مَلائِكَةً تَرَاءَوْا لَهُنَّ وَقَالُوا إِنَّهُ حَيّ!

ومَضَى قَوْمٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَنَا إِلى القَبْر، فَوَجَدُوهُ هكذَا كَمَا قَالَتِ النِّسَاء، وَأَمَّا يَسُوعُ فَلَمْ يَرَوْه».

فقَالَ لَهُمَا يَسُوع: «يَا عَدِيمَيِ الفَهْم، وَبَطِيئَيِ القَلْبِ في الإِيْمَانِ بِكُلِّ مَا تَكَلَّمَ بِهِ الأَنْبِيَاء!

أَمَا كَانَ يَجِبُ عَلَى المَسِيحِ أَنْ يُعَانِيَ تِلْكَ الآلام، ثُمَّ يَدْخُلَ في مَجْدِهِ؟».

وَفَسَّرَ لَهُمَا مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ في كُلِّ الكُتُبِ المُقَدَّسَة، مُبْتَدِئًا بِمُوسَى وَجَمِيعِ الأَنْبِيَاء.

وٱقْتَرَبَا مِنَ القَرْيَةِ الَّتي كَانَا ذَاهِبَيْنِ إِلَيْهَا، فتَظَاهَرَ يَسُوعُ بِأَنَّهُ ذَاهِبٌ إِلى مَكَانٍ أَبْعَد.

فَتَمَسَّكَا بِهِ قَائِلَين: «أُمْكُثْ مَعَنَا، فَقَدْ حَانَ المَسَاء، وَمَالَ النَّهَار». فَدَخَلَ لِيَمْكُثَ مَعَهُمَا.

وفِيمَا كَانَ مُتَّكِئًا مَعَهُمَا، أَخَذَ الخُبْزَ، وبَارَكَ، وَكَسَرَ، ونَاوَلَهُمَا.

فٱنْفَتَحَتْ أَعْيُنُهُمَا، وَعَرَفَاهُ، فَإِذَا هُوَ قَدْ تَوَارَى عَنْهُمَا.

فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِلآخَر: «أَمَا كَانَ قَلْبُنَا مُضْطَرِمًا فِينَا، حِينَ كَانَ يُكَلِّمُنَا في الطَّرِيق، وَيَشْرَحُ لَنَا الكُتُب؟».

وقَامَا في تِلْكَ السَّاعَةِ عَيْنِهَا، وَرَجَعَا إِلَى أُورَشَلِيم، فَوَجَدَا ٱلأَحَدَ عَشَرَ وَالَّذِينَ مَعَهُم مُجْتَمِعِين،

وَهُم يَقُولُون: «حَقًّا إِنَّ الرَّبَّ قَام، وتَرَاءَى لِسِمْعَان!».

أَمَّا هُمَا فَكانَا يُخْبِرانِ بِمَا حَدَثَ في الطَّرِيق، وَكَيْفَ عَرَفَا يَسُوعَ عِنْدَ كَسْرِ الخُبْز.


 

«فانفَتَحَت أَعيُنُهما وعرَفاه فغابَ عنهُما»
القدّيس لاوُن الكبير (؟ - نحو 461)، بابا روما وملفان الكنيسة،
العظة الأولى لمناسبة عيد صعود الرّب



لم تخلُ الأيّام الّتي مرّت بين قيامة الربّ وصعوده من الأحداث: لقد تأكّدت فيها أسرار كبيرة، وكُشفت فيها حقائق كبيرة. وعندها زال الخوف من الموت المرّ، وظهر الخلود، ليس فقط خلود النّفس، إنّما الجسد أيضًا...

في تلك الأيّام، لاقى الربّ اثنين من تلاميذه ورافقهما في الطريق؛ ولكي يبدّد فينا كلّ ظلمات الشكّ، وبّخَ هذَين الرجُلَين الخائفين على بطء فهمهما. فالقلوب الّتي أضاءها رأت شعلة الإيمان تضيء فيها؛ كانت فاترة، فأصبحت مشتعلة عندما جعلهما الربّ يفهمان الكتب. عند كسر الخبز، تفتّحت عيون اللّذين كانا معه على المائدة: رأيا مجد طبيعتهما البشريّة وكانت لهما سعادة أكبر بكثير من أبوينا الأوّلين اللّذَين تفتّحت أعينهما على خجل عصيانهما (راجع تك 3: 7).

خلال هذه المعجزات وغيرها أيضًا، ظهر الربّ يسوع وسط التلاميذ القلقين وقال لهم: "السلام عليكم!" (لو 24: 36؛ يو 20: 26). ولكيلا تعكّرهم هذه الأفكار فيما بعد... كشف لعيونهم المتردّدة آثار الصليب في يديه ورجليه... فيُدركون، لا بإيمان متردّد، بل بقناعة أكيدة، أنّ الجسد الّذي سيجلس على عرش الله الآب كان حقًّا ذاك الّذي استراح في القبر. هذا ما علّمته طيبة الله بعناية كبيرة طوال هذا الوقت بين القيامة والصعود، هذا ما أظهرته لعيون رفاقه وقلوبهم: أنّ الربّ يسوع المسيح، الّذي ولد حقًّا، قد تألّم حقًّا ومات حقًّا، وحقًّا قام.

 
 
6.3.2-    الاثنين الثالث من زمن القيامة     -     إنجيل القدّيس لوقا 49-44:24    
 
    إنجيل القدّيس لوقا 49-44:24 
 

قَالَ يَسُوعُ لِتَلاميذِهِ: «هذَا هُوَ كَلامِي الَّذي كَلَّمْتُكُم بِهِ، وَأَنا بَعْدُ مَعَكُم. كانَ يَنْبَغِي أَنْ يَتِمَّ كُلُّ مَا كُتِبَ عَنِّي في تَوْرَاةِ مُوسَى، وَالأَنْبِيَاءِ وَالمَزَامِير».

حِينَئِذٍ فَتَحَ أَذْهَانَهُم لِيَفْهَمُوا الكُتُب.

ثُمَّ قالَ لَهُم: «هكذَا مَكْتُوبٌ أَنَّ المَسِيحَ يَتَأَلَّم، وَيَقُومُ مِنْ بَيْنِ الأَمْوَاتِ في اليَوْمِ الثَّالِث.

وبِٱسْمِهِ يُكْرَزُ بِالتَّوْبَةِ لِمَغْفِرةِ الخَطَايَا، في جَمِيعِ الأُمَم، إِبْتِدَاءً مِنْ أُورَشَلِيم.

وأَنْتُم شُهُودٌ عَلى ذلِكَ.

وهَاءَنَذَا أُرْسِلُ إِلَيْكُم مَا وَعَدَ بِهِ أَبِي. فٱمْكُثُوا أَنْتُم في المَدِينَةِ إِلى أَنْ تُلْبَسُوا قُوَّةً مِنَ العُلَى».


 

«حينَئِذٍ فَتحَ أَذْهانَهم لِيَفهَموا الكُتُب»
ميليتون السّرديسيّ (؟ - نحو 195)، أسقف،
عظة فصحيّة 57-67

 

لقد تحقّق سرّ الفصح في جسد الربّ. وكان الربّ قد سبق وأعلن عن آلامه على لسان الآباء والأنبياء وشعبه بأجمعه؛ كان قد ثبّتها بختم في الشريعة والأنبياء. لقد تمّ الإعداد لهذا المستقبل العظيم وغير المتوقّع منذ فترة طويلة؛ إذ أنَّ سر الله الذي سبق ورُسم منذ القديم أصبح اليوم واضحًا، لأنَّ سرَ الرب هو قديم وجديد...

هل تريد أن ترى سرّ الربّ؟ أنظر إلى هابيل وهو مثله مقتولاً، وإسحَق مثله مكبّلاً بالسلاسل، ويوسف مثله مُباعًا، وموسى مثله مُعرّضًا، وداود مثله مُطاردًا، والأنبياء مُضطهَدين مثله باسم المسيح. أنظر أخيرًا إلى الحمل المذبوح في أرض مصر، هذا الحمل الّذي ضرب مصر وأنقذ إسرائيل بدمه.

لقد أعلن صوت الأنبياء أيضًا عن سرّ الربّ. قال موسى للشعب: "وتَكونُ حَياتُكَ في خَطَرٍ أَمامَكَ فتَفزَعُ لَيلاً ونَهارًا ولا تأمَنُ على حَياتِكَ" (تث 28: 66). وقال داود: "لِمَاذا اْرتَجَّتِ الأمَم وبِالباطِلِ تَمتَمَتِ الشُّعوب؟ مُلوكُ الأرضِ قاموا والعُظَماءُ على الرَّبِّ ومَسيحِه تآمَروا" (مز 2: 1-2). وقال إرميا: "كنتُ أَنا كَحَمَلٍ أَليفٍ يُساقُ إِلى الذَّبْح، ولم أَعلَمْ أَنَّهم فَكَّروا علَيَّ أَفْكاراً: لنُتلِفِ الشَّجَرَةَ مع ثَمَرِها ولْنَستَأصِلْه مِن أَرضِ الأَحْياء، ولا يُذكَرِ اسمُه مِن بَعدُ!" (إر 11 : 19). وقال إشعيا: " كحَمَلٍ سيقَ إِلى الذَّبْحِ كنَعجَةٍ صامِتَةٍ أَمامَ الَّذينَ يَجُزُّونَها ولم يَفتَحْ فاهُ... ومَنْ يَصِفُ مَوْلِدَهُ؟" (إش 53 : 7-8).

لقد أعلن أنبياء كثيرون عن أحداث عديدة أُخرى تتعلّق بسرّ الفصح، الذي هو سرّ فصح الرّب يسوع المسيح ... هو الذي خلّصنا من عبوديّة العالم كما خلّص شعبه من أرض مصر، وأنقذنا من عبوديّة الشيطان كما أنقذ شعبه من يد فرعون.

 
 
6.3.3-    الثلاثاء الثالث من زمن القيامة     -     إنجيل القدّيس يوحنّا 34-28:6    
 
    إنجيل القدّيس يوحنّا 34-28:6 
 
فَقَالَ الْجَمْعُ ليَسُوع: «مَاذَا نَصْنَعُ لِنَعْمَلَ أَعْمَالَ الله؟».
أَجَابَ يَسُوعُ وقَالَ لَهُم: «هذَا هُوَ عَمَلُ الله، أَنْ تُؤْمِنُوا بِمَنْ أَرْسَلَهُ الله».
فَقَالُوا لَهُ: «أَيَّ آيَةٍ إِذًا تَصْنَع، لِنَرَى ونُؤْمِنَ بِكَ؟ مَاذَا تَعْمَل؟
آبَاؤُنَا أَكَلُوا المَنَّ في البَرِّيَّة، كَمَا هُوَ مَكْتُوب: أَعْطَاهُم خُبْزًا مِنَ السَّمَاءِ لِيَأْكُلُوا».
فَقَالَ لَهُم يَسُوع: «أَلحَقَّ ٱلحَقَّ أَقُولُ لَكُم: لَيْسَ مُوسَى مَنْ أَعْطَاكُم خُبْزًا مِنَ السَّمَاء، بَلْ أَبِي هُوَ الَّذِي يُعْطِيكُم مِنَ السَّمَاءِ الخُبْزَ الحَقِيقِيّ.
فَخُبْزُ اللهِ هُوَ النَّازِلُ مِنَ السَّمَاء، والمُعْطِي الحَيَاةَ لِلْعَالَم».
قَالُوا لَهُ: «يَا سَيِّد، أَعْطِنَا هذَا الخُبْزَ كُلَّ حَين».

الخبز الحقيقي النازل من السماء
القدّيس يوحنّا الذهبيّ الفم (نحو 345 - 407)، بطريرك أنطاكية ثمّ القسطنطينيّة وملفان الكنيسة،
العظة 45 حول إنجيل القدّيس يوحنّا

 

قال اليهود: "آباؤُنا أكَلوا المَنَّ في البَريَّة، كَما هوَ مَكتوب". كان بإمكان الرّب يسوع أن يردّ عليهم قائلاً: "لقد قمت للتوّ بمعجزة أكبر من معجزة موسى، ولم أكن بحاجة إلى عصا أو صلاة؛ لقد قمت بكلّ شيء بنفسي. أنتم تعظّمون معجزة المنّ، وأنا أعطيتكم الخبز للتوّ". لكن لم يعد الوقت مناسبًا للتحدّث بهذا الأسلوب: كان هدف الرّب يسوع أن يجذبهم إليه فقط، وأن يجعلهم يطلبون الطعام الرُّوحي... "أَلحَقَّ ٱلحَقَّ أَقُولُ لَكُم: لَيْسَ مُوسَى مَنْ أَعْطَاكُم خُبْزًا مِنَ السَّمَاء، بَلْ أَبِي هُوَ الَّذِي يُعْطِيكُم مِنَ السَّمَاءِ الخُبْزَ الحَقِيقِيّ".
إنّ الخبر الذي أعطاه الآب، أطلق عليه الرّب يسوع اسم "الخُبز الحقيقيّ النازِل من السماء". هذا لا يعني أنّ معجزة المنّ كانت كاذبة، لكنّها كانت علامة ورمزًا فقط ولم تكن الحقيقة... "فَخُبْزُ اللهِ هُوَ النَّازِلُ مِنَ السَّمَاء، والمُعْطِي الحَيَاةَ لِلْعَالَم". هذا الخبز لن يكون فقط لليهود، بل للعالم أجمع. لم يتكلّم الرّب يسوع عن الغذاء فقط، بل عن حياة مختلفة عن هذه الحياة. إن هذا الخبز يعطي الحياة الحقيقيّة... والرّب يسوع هو بنفسه هذا الخبز لأنّه الكلمة، كلمة الله وهو يتحوّل، كما يحدث هنا في كنائسنا، إلى خبز السّماء من خلال حلول الرّوح القدس.
 
 
6.3.4-    الأربعاء الثالث من زمن القيامة     -     إنجيل القدّيس يوحنّا 40-34:6    
 
    إنجيل القدّيس يوحنّا 40-34:6 
 

قَالَ الْجَمْعُ لَِيَسُوع: «يَا سَيِّد، أَعْطِنَا هذَا الخُبْزَ كُلَّ حَين».

قَالَ لَهُم يَسُوع: «أَنَا هُوَ خُبْزُ الحَيَاة. مَنْ يَأْتِي إِليَّ فَلَنْ يَجُوع، ومَنْ يُؤْمِنُ بِي فَلَنْ يَعْطَشَ أَبَدًا.

لكِنِّي قُلْتُ لَكُم: إِنَّكُم رَأَيْتُمُونِي، ولا تُؤْمِنُون.

كُلُّ مَنْ يُعْطِينِي إِيَّاهُ الآبُ يَأْتِي إِليَّ، ومَنْ يَأْتِي إِليَّ فَلَنْ أَطْرُدَهُ خَارِجًا،

لأَنِّي قَدْ نَزَلْتُ مِنَ السَّمَاء، لا لأَعْمَلَ مَشِيئَتِي، بَلْ مَشِيئَةَ مَنْ أَرْسَلَنِي.

وهذِهِ مَشِيئَةُ مَنْ أَرْسَلَنِي، أَلاَّ أَفْقِدَ أَحَدًا مِنَ الَّذينَ أَعْطَانِي إيَّاهُم، بَلْ أَنْ أُقِيمَهُ في اليَومِ الأَخِير.

أَجَل، هذِهِ مَشِيئَةُ أَبِي، أَنَّ كُلَّ مَنْ يُشَاهِدُ الٱبْنَ ويُؤْمِنُ بِهِ، يَنَالُ حَيَاةً أَبَدِيَّة، وأَنَا أُقِيمُهُ في اليَومِ الأَخِير».

 
 
6.3.5-    الخميس الثالث من زمن القيامة    -     إنجيل القدّيس يوحنّا 47-41:6    
 
    إنجيل القدّيس يوحنّا 47-41:6  
 
أَخَذَ اليَهُودُ يَتَذَمَّرُونَ عَلى يَسُوع، لأَنَّهُ قَال: «أَنَا هُوَ الْخُبْزُ الَّذي نَزَلَ مِنَ السَّمَاء».
وكَانُوا يَقُولُون: «أَلَيْسَ هذَا يَسُوعَ بْنَ يُوسُف، ونَحْنُ نَعْرِفُ أَبَاهُ وأُمَّهُ؟ فَكَيْفَ يَقُولُ الآن: إِنِّي نَزَلْتُ مِنَ السَّمَاء؟».
أَجَابَ يَسُوعُ وقَالَ لَهُم: «لا تَتَذَمَّرُوا في ما بَيْنَكُم.
لا أَحَدَ يَقْدِرُ أَنْ يَأْتِيَ إِليَّ، مَا لَمْ يَجْتَذِبْهُ الآبُ الَّذي أَرْسَلَنِي، وأَنَا أُقِيمُهُ في اليَومِ الأَخِير.
جَاءَ في كُتُبِ الأَنْبِيَاء: ويَكُونُونَ جَمِيعُهُم مُتَعَلِّمِينَ مِنَ الله. كُلُّ مَنْ سَمِعَ مِنَ الآبِ وتَعَلَّم، يَأْتِي إِليَّ.
مَا مِنْ أَحَدٍ رَأَى الآبَ إِلاَّ الَّذي هُوَ مِنْ لَدُنِ الله. فَهذَا قَدْ رَأَى الآب.
أَلحَقَّ ٱلحَقَّ أَقُولُ لَكُم: أَلمُؤْمِنُ يَنَالُ حَيَاةً أَبَدِيَّة.

«أَنا الخُبزُ الَّذي نَزَلَ مِنَ السَّماء»
القدّيس كيرِلُّس (380 - 444)، بطريرك الإسكندريّة وملفان الكنيسة،
شرح لإنجيل القدّيس لوقا، 22

 

كيف يستطيع الإنسان المرتبط بالأرض والخاضع للموت أن ينال الحياة الأبديّة؟ كان على جسده أن يشارك قوّة الله المُحيية. إنّما قوّة الله الآب المُحيية هي كلمته، أي ابنه الوحيد؛ فأرسله لنا كمخلِّص وكفادي.
إن غُمست قطعة خبز صغيرة بالزيت أو بالماء أو بالخمر، فهي تتأثّر فورًا بخصائص تلك العناصر. إن رُمي الحديد في النار، سيمتلئ من طاقتها؛ وحتّى لو لم تكن طبيعته أساسًا إلاّ حديدًا، فإنّه سيصبح شبيهًا بالنار. هكذا، عندما اتّحد كلمة الله المُحيي بالجسد وتملكّه، جعله محييًا أيضًا.
فقد قال: "مَن آمَنَ فلَهُ الحَياةُ الأَبَدِيَّة. أَنا خُبزُ الحَياة" (يو 6: 47-48). وأضاف: "أَنا الخبزُ الحَيُّ الَّذي نَزَلَ مِنَ السَّماء مَن يَأكُلْ مِن هذا الخُبزِ يَحيَ لِلأَبَد. والخُبزُ الَّذي سأُعْطيه أَنا هو جَسَدي أَبذِلُه لِيَحيا العالَم... الحَقَّ الحَقَّ أَقولُ لَكم: إِذا لم تَأكُلوا جَسدَ ابنِ الإِنسانِ وتَشرَبوا دَمَه فلَن تَكونَ فيكُمُ الحَياة" (يو 6: 51 + 53)... تكون الحياة فينا إذًا عندما نتناول جسد الرّب يسوع المسيح، مخلِّصنا جميعًا، وعندما نشرب دمه، فنصبح واحدًا معه ونمكث فيه كما هو يمكث فينا.
كان لا بدّ من أن يُقبل إلينا بالطريقة التي تلائم الله، عبر الرُّوح القدس، وأن يمتزج بطريقة ما بأجسادنا عبر جسده المقدّس ودمه الثمين، فننال عند تناولهما نعمة البركة المُحيية كما في الخبز والخمر. ففي الواقع، تنازل الله وانحنى نحو ضعفنا، ووضع كلّ قدرة حياته في عناصر الخبز والخمر المزوّدين بطاقة حياته الخاصّة. فلا تتردّد بالإيمان به، لأنّ ربّنا نفسه قال بوضوح: "هذا هو جسدي" و"هذا هو دمي".
 
 
6.3.6-    يوم الجمعة الثالث من زمن القيامة     -     إنجيل القدّيس يوحنّا 59-48:6    
 
    إنجيل القدّيس يوحنّا 59-48:6 
 

قالَ الرَبُّ يَسُوع: «أَنَا هُوَ خُبْزُ الحَيَاة.

آبَاؤُكُم أَكَلُوا المَنَّ في البَرِّيَّة، ومَاتُوا.

هذَا هُوَ الخُبْزُ النَّازِلُ مِنَ السَّمَاء، لِيَأْكُلَ مِنْهُ الإِنْسَانُ فلا يَمُوت.

أَنَا هُوَ الخُبْزُ الحَيُّ النَّازِلُ مِنَ السَّمَاء. مَنْ يَأْكُلْ مِنْ هذَا الخُبْزِ يَحْيَ إِلى الأَبَد. والخُبْزُ الَّذِي أَنَا أُعْطِيهِ هُوَ جَسَدِي، مِنْ أَجْلِ حَيَاةِ العَالَم».

فَأَخَذَ اليَهُودُ يَتَجَادَلُونَ ويَقُولُون: «كَيْفَ يَقْدِرُ هذَا أَنْ يُعْطِيَنَا جَسَدَهُ لِنَأْكُلَهُ؟».

فَقَالَ لَهُم يَسُوع: «أَلحَقَّ ٱلحَقَّ أَقُولُ لَكُم: إِنْ لَمْ تَأْكُلُوا جَسَدَ ٱبْنِ الإِنْسَان، وتَشْرَبُوا دَمَهُ، فلا تَكُونُ لَكُم حَيَاةٌ في أَنْفُسِكُم.

مَنْ يَأْكُلُ جَسَدِي ويَشْرَبُ دَمِي يَنَالُ حَيَاةً أَبَدِيَّة، وأَنَا أُقِيمُهُ في اليَوْمِ الأَخِير،

لأَنَّ جَسَدِي طَعَامٌ حَقِيقِيّ، ودَمِي شَرَابٌ حَقِيقِيّ.

مَنْ يَأْكُلُ جَسَدِي ويَشْرَبُ دَمِي يَثْبُتُ فِيَّ وأَنَا فِيه.

كَمَا أَرْسَلَنِي الآبُ الحَيّ، وأَنَا بِٱلآبِ أَحْيَا، كَذلِكَ مَنْ يَأْكُلُنِي يَحْيَا هُوَ أَيْضًا بِي.

هذَا هُوَ الخُبْزُ الَّذي نَزَلَ مِنَ السَّمَاء، لا كَمَا أَكَلَ آبَاؤُكُم ومَاتُوا. مَنْ يَأْكُلُ هذَا الخُبْزَ يَحْيَا إِلى الأَبَد».

هذَا قَالَهُ يَسُوعُ في المَجْمَعِ وهُوَ يُعَلِّمُ في كَفَرْنَاحُوم.


 

«لأَنَّ جَسَدي طَعامٌ حَقّ وَدمي شَرابٌ حَقّ»
القدّيس توما الأكوينيّ (1225 - 1274)، لاهوتيّ دومينكيّ وملفان الكنيسة،
نشيد الافخارستيا: أحبّك من كلّ قلبي.

 

أحبّك من أعماق قلبي، أيّها الإله المستتر،

الحاضر حقًّا تحت هذه الأعراض.

قلبي يستسلم بكامله لك

لأنّه يُهزم بكلّيته عندما يتأمّلك.

النظر والذوق واللمس لا تُدرِكُكَ:

لكن بالسمع وحده يطمئنّ إيماني.

فأنا أومن بكلّ ما قاله ابن الله الحقّ؛

وما من شيء أَصْدَق من صوت الحقّ ذاته (يو 14: 6).

فوق الصليب كان الإله وحده مستترًا،

أمّا هنا فالإنسان أيضًا مستتر:

أُعلِنُ إيماني بالاثنين معًا،

مكرّرًا لك كلمات لصّ اليمين (لو 23: 42).

لم أستطع أن أتأمّل جراحك مثل توما؛

لكنّي أُعلِنُ: "أنتَ إلهي!" (يو 20: 28)

فاجعلني أومن بك أكثر فأكثر،

وأرجوك، وأحبّك.

يا تذكار موت الربّ،

أيّها الخبز الحيّ المعطي الحياة للبشر،

اجعل نفسي تحيا بك،

اجعلها تتذوّقك دائمًا بِعُذوبة.

 
 
6.3.7-    السبت الثالث من زمن القيامة     -     إنجيل القدّيس يوحنّا 71-60:6    
 
    إنجيل القدّيس يوحنّا 71-60:6 
 

لَمَّا سَمِعَ كَثِيرُونَ مِنَ التَلامِيذ، قَالُوا: «إِنَّ هذَا الكَلامَ صَعْبٌ، مَنْ يَقْدِرُ أَنْ يَسْمَعَهُ؟».

وعَلِمَ يَسُوعُ في نَفْسِهِ أَنَّ تَلامِيذَهُ يَتَذَمَّرُونَ مِنْ كَلامِهِ هذَا، فَقَالَ لَهُم: «أَهذَا يُسَبِّبُ شَكًّا لَكُم؟

فَكَيْفَ لَو شَاهَدْتُمُ ٱبْنَ الإِنْسَانِ صَاعِدًا إِلى حَيْثُ كَانَ أَوَّلاً؟

أَلرُّوحُ هُوَ المُحْيِي، والجَسَدُ لا يُفيدُ شَيْئًا. والكَلامُ الَّذِي كَلَّمْتُكُم أَنَا بِهِ هُوَ رُوحٌ وهُوَ حَيَاة.

لكِنَّ بَعْضًا مِنْكُم لا يُؤْمِنُون». قَالَ يَسُوعُ هذَا لأَنَّهُ كَانَ مِنَ البَدْءِ يَعْلَمُ مَنِ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُون، ومَنِ الَّذي سَيُسْلِمُهُ.

ثُمَّ قَال: «لِهذَا قُلْتُ لَكُم: لا أَحَدَ يَقْدِرُ أَنْ يَأْتِيَ إِليَّ، مَا لَمْ يُعْطَ لَهُ ذلِكَ مِنْ لَدُنِ الآب».

مِنْ تِلْكَ السَّاعَةِ ٱرْتَدَّ عَنْ يَسُوعَ كَثِيرُونَ مِنْ تَلامِيذِهِ، ولَمْ يَعُودُوا يَتْبَعُونَهُ.

فَقَالَ يَسُوعُ لِلٱثْنَي عَشَر: «وَأَنْتُم، أَلا تُرِيدُونَ أَيْضًا أَنْ تَذْهَبُوا؟».

أَجَابَهُ سِمْعَانُ بُطْرُس: «يَا رَبّ، إِلى مَنْ نَذْهَب، وكَلامُ الحَيَاةِ عِنْدَكَ؟

ونَحْنُ آمَنَّا، وعَرَفْنَا أَنَّكَ أَنْتَ قُدُّوسُ الله».

أَجَابَهُم يَسُوع: «أَمَا أَنَا ٱخْتَرْتُكُم، أَنْتُمُ الٱثْنَي عَشَر؟ مَعَ ذلِكَ فَوَاحِدٌ مِنْكُم شَيْطَان!».

وكَان يُشيرُ إِلى يَهُوذَا بْنِ سِمْعَانَ الإِسْخَريُوطِيّ، الَّذي كَانَ مُزمِعًا أَنْ يُسْلِمَهُ، وهُوَ أَحَدُ الٱثْنَي عَشَر.


 

«يا ربّ، إِلى مَن نَذهَب وكَلامُ الحَياةِ الأَبَدِيَّةِ عِندَك؟»
القدّيس كيرِلُّس (380 - 444)، بطريرك الإسكندريّة وملفان الكنيسة،
شرح ل إنجيل القدّيس يوحنّا

 

سأل بطرس: "يا ربّ، إِلى مَن نَذهَب وكَلامُ الحَياةِ الأَبَدِيَّةِ عِندَك؟" كان يقصد: "مَن سيشرح لنا مثلك الأسرار الإلهيّة؟" أو: "عند مَن سنجد شيئًا أفضل؟ وكَلامُ الحَياةِ الأَبَدِيَّةِ عِندَك". هذا الكلام ليس صعبًا كما قال تلاميذ آخرون. بل على العكس، هو يقود إلى الحقيقة الأروع، الحياة الّتي لا نهاية لها، الحياة التي لا تفنى. هذا الكلام يشير إلى أنّه يفترض بنا الجلوس عند قدميّ الرّب يسوع المسيح، واعتباره معلّمنا الوحيد والأوحد والبقاء دائمًا إلى جانبه...

يعلّمنا العهد القديم أيضًا أنّه يفترض بنا اتّباع الرّب يسوع المسيح والبقاء متّحدين به. في الواقع، بعد أن تحرّر بنو إسرائيل من الاستعباد المصري وانطلقوا باتّجاه أرض الميعاد، لم يدعهم الله يشقّون طريقهم وسط الفوضى. ذاك الذي يعطي شريعته لن يسمح لهم بالذهاب إلى أيّ مكان، وفقًا لرغبتهم. في الحقيقة، كانوا سيتشتّتون بالتأكيد بدون مرشد...؛ لقد وجد بنو إسرائيل خلاصهم من خلال البقاء مع مرشدهم. اليوم، نحن نؤَمِّن خلاصنا من خلال رفض الانفصال عن الرّب يسوع المسيح، لأنّه ظهر للقدماء تحت هيئة الخيمة وعمود الغمام وعمود النار (راجع خر 13: 21؛ 26).

"مَن أَرادَ أَن يَخدُمَني، فَلْيَتْبَعْني وحَيثُ أَكونُ أَنا يَكونُ خادِمي ومَن خَدَمَني أَكرَمَهُ أَبي" (يو 12: 26)... إذًا، إنّ السير برفقة الرّب يسوع المسيح المخلّص وعلى خطاه لا يحصل بالمعنى المادي، بل من خلال أعمال الفضيلة. لقد التزم التلاميذ الأكثر حكمة من كلّ قلبهم...؛ وقالوا بحقّ: "إلى مَن نذهب؟" بكلام آخر: "سنكون دائمًا معك، وسنتمسّك بوصاياك وسنتلقّى كلامك بدون أيّ احتجاج. لن نصدّق مع الجهلة أنّ كلامك صعب ولا يمكن سماعه. بل على العكس، سوف نقول: "ما أَعذَبَ قَولَكَ في حَلْقي! هو أَحْلى مِنَ العَسَلِ في فَمي" (مز119[118]: 103).

 
 
فهرس بحسب الرزنامة الطقسية المارونية        -        الانجيل اليومي بحسب التقويم الماروني
زمن الميلاد او المجيء   زمن الغطاس او الدنح   زمن التذكارت   زمن الصوم الكبير   أسبوع الآلام   زمن القيامة والصعود   زمن العنصرة   زمن الصليب
 أسبوع تقديس البيعة
 أسبوع تجديد البيعة
 أسبوع بشارة زكريّا
 أسبوع بشارة العذراء
 أسبوع زيارة العذراء
 أسبوع مولد يوحنّا
 أسبوع البيان ليوسف
 أسبوع النسبة
 عيد ميلاد الربّ يسوع
 عيد تهنئة العذراء مريم
 ألاسبوع الاول من الميلاد
to enlarge
 
 أحد وجود يسوع في الهيكل
 ايام قبل عيد الدنح
 عيد الدنح
 تذكار مديح يوحنّا المعمدان
 الاسبوع الاول  بعد الدنح
 الاسبوع الثاني  بعد الدنح
 الاسبوع الثالث بعد الدنح
 الاسبوع الرابع بعد الدنح
to enlarge
 
 أحد الكهنة الراقدين
 أسبوع الكهنة الراقدين
 أحد الأبرار والصدّيقين
 أسبوع الأبرار والصدّيقين
 أحد الموتى المؤمنين
 أسبوع الموتى المؤمنين
to enlarge
 
 أحد مدخل الصوم الكبير
 اثنين الرماد
 الاسبوع الاول
 الاسبوع الثاني
 الاسبوع الثالث
 الاسبوع الرايع
 الاسبوع الخامس
 الاسبوع السادس
 أحد الشعانين
to enlarge
 
 أحد الشعانين
 بداية اسبوع الآلام
 خميس الأسرار
 يوم الجمعة العظيمة
 سبت النور
 أحد القيامة الكبير
to enlarge
 
 أحد القيامة الكبير
 أسبوع الحواريّين
 الاسبوع الثاني
  الاسبوع الثالث
 الاسبوع الرايع
 الاسبوع الخامس
الاسبوع السادس
 الاسبوع السابع
to enlarge
 
 أحد العنصرة
 الاسبوع الاول
 الاسبوع الثاني
 الاسبوع الثالث
 الاسبوع الرايع
 الاسبوع الخامس
 الاسبوع السادس
 الاسبوع السابع
 الاسبوع الثامن
 الاسبوع التاسع
 الاسبوع العاشر
 الاسبوع الحادي عشر
 الاسبوع الثاني عشر
 الاسبوع الثالث عشر
 الاسبوع الرابع عشر
 الاسبوع الخامس عشر
 الاسبوع السادس عشر
 
 ارتفاع الصليب المقدّس
 الاسبوع الاول
 الاسبوع الثاني
 الاسبوع الثالث
 الاسبوع الرايع
 الاسبوع الخامس
 الاسبوع السادس
 الاسبوع السابع
to enlarge
 
  النصوص مأخوذة من الترجمة الليتُرجيّة المارونيّة - إعداد اللجنة الكتابيّة التابعة للجنة الشؤون الليتورجيّة البطريركيّة المارونيّة (طبعة ثانية – 2007) © pure software code - Since 2003