الإنجيل اليوميّ     -      يا ربّ، إِلى مَن نَذهَب وكَلامُ الحَياةِ الأَبَدِيَّةِ عِندَك ؟ (يوحنا 6: 68) التقويم الماروني
        8-    زمن الصليب 
8.4-   الاسبوع الرابع بعد عيد الصليب
8.5-   الاسبوع الخامس بعد عيد الصليب 
8.6-   الاسبوع السادس بعد عيد الصليب 
8.7-   الاسبوع السابع بعد عيد الصليب 
  الرئيسية  

 
 

الإنجيل اليومي   -     التقويم الماروني  

 

شرح \ تقيم

8.4.1- الأحد الرابع بعد عيد الصليب: مثل العبد الأمين الحكيم
                                          إنجيل القدّيس متّى 51-45:24
  «فكونوا أَنتُم أَيضاَ مُستَعِدِّين»
      
للقدّيس أمبروسيوس (نحو 340 - 379)، أسقف ميلانو وملفان الكنيسة
8.4.2- الاثنين من الأسبوع الرابع بعد عيد الصليب
                                          إنجيل القدّيس يوحنّا 28-20:12
  درب الصليب، طريق المجد
      
ثيودورس المصّيصي (؟ - 428)، أسقف المصّيصة في صقلِّية، ولاهوتيّ
8.4.3- الثلاثاء من الأسبوع الرابع بعد عيد الصليب  
                                          إنجيل القدّيس يوحنّا 24-20:16
  «أَنتُم أَيضاً تَحزَنونَ الآن ولكِنِّي سأَعودُ فأَراكُم فتَفَرحُ قُلوبُكم »
      
للقدّيس أوغسطينُس (354 - 430)، أسقف هيبّونا (إفريقيا) وملفان الكنيسة
8.4.4- الأربعاء من الأسبوع الرابع بعد عيد الصليب   
                                          إنجيل القدّيس لوقا 21-16:12
  «طوبى لِفُقَراءِ ٱلرّوح» (مت 5: 3)
      
للقدّيس إقليمنضُس الإسكندريّ (150- نحو 215)، لاهوتيّ 
8.4.5- الخميس من الأسبوع الرابع بعد عيد الصليب
                                          إنجيل القدّيس لوقا 9-6:13
  «سَيِّدي، دَعها هَذِهِ ٱلسَّنَةَ أَيضًا»
      
سيرافيم الساروفيّ (1759 - 1833)، راهب روسيّ وقدّيس في الكنائس الأرثوذكسيّة 
8.4.6- يوم الجمعة من الأسبوع الرابع بعد عيد الصليب  
                                          إنجيل القدّيس لوقا 7-3:15
  «إِفرَحوا مَعي، فَقَد وَجَدتُ خَروفِيَ ٱلضّالّ!»
      
للقدّيس يوحنّا الثالث والعشرون (1881 - 1963)، بابا روما
8.4.7- السبت من الأسبوع الرابع بعد عيد الصليب  
                                          إنجيل القدّيس لوقا 10-8:15
  يبحث الله عنّا
      
للقدّيس نيقولاس كاباسيلاس (نحو 1320 - 1363)، لاهوتيّ علمانيّ يونانيّ
8.5.1-  الأحد الخامس بعد عيد الصليب: مثل العذارى العشر
                                          إنجيل القدّيس متّى 13-1:25
  «فدخَلَت مَعَه المُستَعِدَّاتُ إِلى رَدهَةِ العُرْس وأُغلِقَ الباب»
      
للقدّيس بيّو من بييتريلشينا (1887 - 1968)، راهب كبّوشيّ
8.5.2- الاثنين من الأسبوع الخامس بعد عيد الصليب   
                                          إنجيل القدّيس لوقا 12-1:16
  «إِنَّ ٱبنَ ٱلإِنسانِ سَيِّدُ ٱلسَّبت»
      
التعليم المسيحيّ للكنيسة الكاثوليكيّة
8.5.3- الثلاثاء من الأسبوع الخامس بعد عيد الصليب
                                          إنجيل القدّيس لوقا 8-1:18
   
8.5.4- الأربعاء من الأسبوع الخامس بعد عيد الصليب   
                                          إنجيل القدّيس لوقا 28-11:19
  تجارة ثمينة جدًّا
      
للقدّيس بِرنَردُس (1091 - 1153)، راهب سِستِرسيانيّ وملفان الكنيسة
8.5.5- الخميس من الأسبوع الخامس بعد عيد الصليب    
                                          إنجيل القدّيس مرقس 25-21:4
  «لأَنَّ مَن كانَ لهُ شَيء، يُعطَى. ومَن لَيسَ له شَيء، يُنتَزَعُ مِنهُ حتَّى الَّذي له»
      
للقدّيس فرنسيس الأسّيزيّ (1182 - 1226)، مؤسِّس رهبانيّة الأخوة الأصاغر
8.5.6- يوم الجمعة من الأسبوع الخامس بعد عيد الصليب
                                          إنجيل القدّيس مرقس 29-26:4
  «مَثَلُ مَلَكوتِ ٱللهِ...»
      
للطوباويّ يوحنّا هنري نِيومَن (1801 - 1890)، كاهن ومؤسّس جماعة دينيّة
8.5.7- السبت من الأسبوع الخامس بعد عيد الصليب
                                          إنجيل القدّيس متّى 14-1:22
  «مَثَلُ مَلكوتِ السَّمَواتِ كَمَثلِ مَلِكٍ أَقامَ وَليمةً في عُرسِ ٱبنِه» (مت 22: 2)
      
للقدّيس أنطونيوس البادوانيّ (1195 - 1231)، راهب فرنسيسيّ وملفان الكنيسةّ
8.6.1- الأحد السادس بعد عيد الصليب: مثل الوزنات
                                          إنجيل القدّيس متّى 30-14:25
  أن نجعل الوزنات الممنوحة لنا تثمر
      
للقدّيس يوحنّا الذهبيّ الفم (نحو 345 - 407)، بطريرك القسطنطينيّة وملفان الكنيسة
8.6.2- الاثنين من الأسبوع السادس بعد عيد الصليب
                                          إنجيل القدّيس متّى 9-1:13
  «وأمّا الذي زُرِعَ في الأرض الطيّبة، فهو الذي يسمعُ الكلمة ويَفهَمُها» (متّ 13: 23)
      
التعليم المسيحيّ للكنيسة الكاثوليكيّة
8.6.3- الثلاثاء من الأسبوع السادس بعد عيد الصليب
                                          إنجيل القدّيس متّى 17-10:13
   
8.6.4- الأربعاء من الأسبوع السادس بعد عيد الصليب
                                          إنجيل القدّيس متّى 23-18:13
  تلّقي الكلمة في الأرض الطيّبة
      
للقدّيس قيصاريوس (470 - 543)، راهب وأسقف آرل
8.6.5- الخميس من الأسبوع السادس بعد عيد الصليب
                                          إنجيل القدّيس متّى 30-24:13
   
8.6.6- يوم الجمعة من الأسبوع السادس بعد عيد الصليب
                                          إنجيل القدّيس متّى 35-31:13
  مثل الخميرة
      
للقدّيس يوحنّا الذهبيّ الفم (نحو 345 - 407)، بطريرك القسطنطينيّة وملفان الكنيسة
8.6.7- السبت من الأسبوع  السادس بعد عيد الصليب
                                          إنجيل القدّيس متّى 43-36:13
  «إنّ إنسانًا عدوًّا فعل هذا»
      
عظة منسوبة للقدّيس مقاريوس (؟ - 405)، راهب مصريّ
8.7.1- الأحد السابع بعد عيد الصليب: دينونة الأمم
                                          إنجيل القدّيس متّى 46-31:25
  «وَبَعْدَ ذلِكَ النِّهَايَةُ، مَتَى سَلَّمَ المَسيح الْمُلْكَ للهِ الآبِ» (1كور 15: 24)
      
للقدّيس يوحنّا الثالث والعشرون (1881 - 1963)، بابا روما
8.7.2- الاثنين من الأسبوع السابع بعد عيد الصليب
                                          إنجيل القدّيس متّى 46-44:13
  «مضى وباعَ جَميعَ ما يَملِك»
      
للقدّيس باسيليوس (نحو 330 - 379)، راهب وأسقف قبّدوقية، ملفان الكنيسة
8.7.3- الثلاثاء من الأسبوع السابع بعد عيد الصليب
                                          إنجيل القدّيس متّى 53-47:13
  «مَثَلُ ملكوتِ السَّمَواتِ، كَمَثلِ شَبَكةٍ أُلقِيَت في البَحر، فجَمعَت مِن كُلِّ جِنْس»
      
للقدّيس أوغسطينُس (354 - 430)، أسقف هيبّونا وملفان الكنيسة
8.7.4- الأربعاء من الأسبوع السابع بعد عيد الصليب  
                                          إنجيل القدّيس متّى 35-23:18
  «فَوَقَعَ رَفِيْقُهُ عَلى رِجْلَيْهِ يَتَوَسَّلُ إِليْهِ ويَقُول: أَمْهِلْنِي، وأَنَا أُوفِيْك»
      
للقدّيس يوحنّا الذهبيّ الفم (نحو 345 - 407)، بطريرك القسطنطينيّة وملفان الكنيسة
8.7.5- الخميس من الأسبوع السابع بعد عيد الصليب
                                          إنجيل القدّيس متّى 22-15:22
  «لِمَنِ ٱلصّورَةُ هَذِهِ وَٱلكِتابَة؟»
      
للقدّيس بطرس خريزولوغُس (نحو 406 - 450)، أسقف رافينا وملفان الكنيسة
8.7.6- يوم الجمعة من الأسبوع السابع بعد عيد الصليب
                                          إنجيل القدّيس متّى 32-28:21
  «فَقَد جاءَكُم يوحَنَّا سالِكًا طريقَ البِرّ... فكانَ السِّراجَ المُوقَدَ المُنير(يو 5: 35)»
      
للطوباويّ غيريك ديغني (حوالى 1080 - 1157)، راهب سِستِرسياني
8.7.7- السبت من الأسبوع السابع بعد عيد الصليب    
                                          إنجيل القدّيس متّى 46-33:21
  «فأَمسَكوهُ وأَلقَوهُ في خارِجِ الكَرْمِ وقتَلوه»
      
للقدّيس بونافَنتورا (1221 - 1274)، راهب فرنسيسيّ وملفان الكنيسة
 
 
8.4.1-    الأحد الرابع بعد عيد الصليب: مثل العبد الأمين الحكيم    -     إنجيل القدّيس متّى 51-45:24
 
   إنجيل القدّيس متّى 51-45:24  
 
قالَ الربُّ يَسوع: «مَنْ هُوَ العَبْدُ الأَمِينُ الحَكِيْمُ الَّذي أَقَامَهُ سَيِّدُهُ عَلى أَهْلِ بَيتِهِ، لِيُعْطِيَهُمُ الطَّعَامَ في حِينِهِ؟
طُوبَى لِذلِكَ العَبْدِ الَّذي يَجِيءُ سَيِّدُهُ فَيَجِدُهُ فَاعِلاً هكَذَا!
أَلحَقَّ أَقُولُ لَكُم: إِنَّهُ يُقِيْمُهُ عَلى جَمِيعِ مُمْتَلَكَاتِهِ.
ولكِنْ إِنْ قَالَ ذلِكَ العَبْدُ الشِّرِّيرُ في قَلْبِهِ: سَيَتَأَخَّرُ سَيِّدِي!
وبَدَأَ يَضْرِبُ رِفَاقَهُ، ويَأْكُلُ ويَشْرَبُ مَعَ السِّكِّيرِين،
يَجِيءُ سَيِّدُ ذلِكَ العَبْدِ في يَومٍ لا يَنْتَظِرُهُ، وفي سَاعَةٍ لا يَعْرِفُهَا،
فَيَفْصِلُهُ، ويَجْعَلُ نَصِيبَهُ مَعَ المُرَائِين. هُنَاكَ يَكُونُ البُكَاءُ وصَرِيفُ الأَسْنَان.

القدّيس أمبروسيوس (نحو 340 - 379)، أسقف ميلانو وملفان الكنيسة، العظة الثانية عشرة عن المزمور 119[118]
«فكونوا أَنتُم أَيضاَ مُستَعِدِّين»

 

طوبى لك حين يقرع الرّب يسوع المسيح بابك. إنّ بابنا هو الإيمان الذي يحمي المنزل كلّه إن كان مبنيًّا على أُسس ثابتة. فمن هذا الباب سوف يدخل الرّب يسوع المسيح. لذا، تقول الكنيسة في نشيد الأناشيد: "إِنِّي نائِمَةٌ وقَلْبي مُستَيقِظ إِذا بصَوتِ حَبيبي قارِعًا أَنَ اْفتَحي لي يا أخْتي يا خَليلَتي يا حَماتي يا كامِلَتيِ فإِنَّ رَأسي قدِ اْمْتَلأ مِنَ النَّدى وخَصائِلي من قَطَراتِ اللَّيل" (نش 5: 2). خذ بعين الاعتبار اللحظة التي يقرع فيها الله الكلمة على بابك: حين يكون رَأسه قدِ اْمتَلأ من الندى وخَصائله من قَطَراتِ الليل. فهو يزور أولئك الذين يخضعون للمحنة وللتجارب، كي لا يهلك أحد تحت وطأة الصعوبات. إذًا، يكون رَأسه قدِ اْمتَلأ من الندى وخَصائله من قَطَراتِ الليل حين يكون جسده مرهقًا.
في ذلك الوقت يجب السهر، خشية أن يأتي العريس وينسحب لأنّه وجد المنزل مقفلاً. في الواقع، إن كنت نائمًا وقلبك غير مستيقظ (راجع نش 5: 2)، يبتعد العريس قبل أن يقرع الباب؛ إن كان قلبك مستيقظًا، يقرع ويطلب أن تفتح له الباب. نحن نتحكّم إذًا بباب نفسنا، كما نتحكّم أيضًا بالأبواب التي كُتِب عنها: "إرْفَعْنَ رُؤوسَكُنَّ أيّتُها الأبْواب واْرتَفِعْنَ أيّتُها المَداخِلُ الأبدِيَّة فيَدخُلَ مَلِكُ المَجْد" (مز24[23]: 7).
 
 
8.4.2-    الاثنين من الأسبوع الرابع بعد عيد الصليب    -     إنجيل القدّيس يوحنّا 28-20:12
 
   إنجيل القدّيس يوحنّا 28-20:12  
 
كَانَ بَينَ الصَّاعِدِينَ لِيَسْجُدُوا في العِيد، بَعْضُ اليُونَانِيِّين.
فَدَنَا هؤُلاءِ مِنْ فِيلِبُّسَ الَّذي مِنْ بَيْتَ صَيْدَا الجَلِيل، وسَأَلُوهُ قَائِلين: «يَا سَيِّد، نُرِيدُ أَنْ نَرَى يَسُوع».
فَجَاءَ فِيلِبُّسُ وقَالَ لأَنْدرَاوُس، وجَاءَ أَنْدرَاوُسُ وفِيلِبُّسُ وقَالا لِيَسُوع.
فَأَجَابَهُمَا يَسُوعُ قَائِلاً: «لَقَدْ حَانَتِ السَّاعَةُ لِكَي يُمَجَّدَ ٱبْنُ الإِنْسَان.
أَلحَقَّ ٱلحَقَّ أَقُولُ لَكُم: إِنَّ حَبَّةَ الحِنْطَة، إِنْ لَمْ تَقَعْ في الأَرضِ وتَمُتْ، تَبْقَى وَاحِدَة. وإِنْ مَاتَتْ تَأْتِي بِثَمَرٍ كَثِير.
مَنْ يُحِبُّ نَفْسَهُ يَفْقِدُهَا، ومَنْ يُبْغِضُهَا في هذَا العَالَمِ يَحْفَظُهَا لِحَيَاةٍ أَبَدِيَّة.
مَنْ يَخْدُمْنِي فَلْيَتْبَعْنِي. وحَيْثُ أَكُونُ أَنَا، فَهُنَاكَ يَكُونُ أَيْضًا خَادِمِي. مَنْ يَخْدُمْنِي يُكَرِّمْهُ الآب.
نَفْسِي الآنَ مُضْطَرِبَة، فَمَاذَا أَقُول؟ يَا أَبَتِ، نَجِّنِي مِنْ هذِهِ السَّاعَة؟ ولكِنْ مِنْ أَجْلِ هذَا بَلَغْتُ إِلى هذِهِ السَّاعَة!
يَا أَبَتِ، مَجِّدِ ٱسْمَكَ». فَجَاءَ صَوْتٌ مِنَ السَّمَاءِ يَقُول: «قَدْ مَجَّدْتُ، وسَأُمَجِّد».

ثيودورس المصّيصي (؟ - 428)، أسقف المصّيصة في صقلِّية، ولاهوتيّ، شرح لإنجيل القدّيس يوحنّا
درب الصليب، طريق المجد

 

"أَتَتِ السَّاعَةُ الَّتي فيها يُمَجَّدُ ابنُ الإِنسان" (يو 12: 23). لقد اقترب الوقت الذي أُمَجَّد فيه أمامكم جميعًا... هذا ما قاله الرّب يسوع مضيفًا: "الحَقَّ الحَقَّ أَقولُ لَكم: إنَّ حَبَّةَ الحِنطَةِ الَّتي تَقَعُ في الأَرض إِن لَم تَمُتْ تَبقَ وَحدَها. وإذا ماتَت، أَخرَجَت ثَمَرًا كثيرًا"... وبعد أن أعلن هذه النبوءات بشأنه الخاص، توجّه الرّب يسوع لتلاميذه، فدعاهم للإقتداء به: "مَن أَحَبَّ حياتَهُ فقَدَها ومَن رَغِبَ عنها في هذا العالَم حَفِظَها لِلحَياةِ الأَبَدِيَّة". وكأنّي به يقول لهم: بعد كلامي هذا، لا ينبغي أن تشكّل آلامي صدمة لكم، ولا أن يكون كلامي الذي سوف تثبته الأحداث القادمة موضع شكّ لكم، إنّما عليكم من الآن وصاعدًا أن تكونوا مستعدّين لأن تتحمّلوا الآلام نفسها لكي تحملوا ثمارًا مماثلة. فالمعادلة واضحة: فمَن اهتمّ بهذه الحياة الدنيويّة سوف يخاف الدخول في الاختبارات وسوف يخسر نفسه في الحياة الجديدة؛ ومَن اختار الانفصال عن هذا العالم الحاضر وهو يعيش فيه، ودخل في الآلام، سوف يخرج منها منتصرًا ومحمّلاً بالثمار الوافرة...
استطرد الرّب يسوع قائلاً: "مَن أَرادَ أَن يَخدُمَني، فَلْيَتْبَعْني". فإذا أراد أحدكم أن يكون خادمًا لي، فليظهر في أعماله أنّه يريد اتّباعي. يمكننا أن نسأل الربّ: ما الذي يمكن أن يجنيه مَن يشاركك في آلامك؟ أجابنا الرّب يسوع: "وحَيثُ أَكونُ أَنا يَكونُ خادِمي ومَن خَدَمَني أَكرَمَهُ أَبي". إنّ مَن يشاركني آلامي سوف يشاركني مجدي. سوف يكون معي للأبد في العالم الآتي، ويفرح معي في الملكوت السماوي. هكذا يكرم أبي مَن يخدمني بإخلاص!
 
 
8.4.3-    الثلاثاء من الأسبوع الرابع بعد عيد الصليب    -     إنجيل القدّيس يوحنّا 24-20:16
 
   إنجيل القدّيس يوحنّا 24-20:16 
 
قالَ الربُّ يَسوع: «أَلحَقَّ ٱلحَقَّ أَقُولُ لَكُم: إِنَّكُم سَتَبْكُونَ وتَنُوحُون، أَمَّا العَالَمُ فَسَيَفْرَح. أَنْتُم سَتَحْزَنُونَ ولكِنَّ حُزْنَكُم سَيَتَحَوَّلُ إِلى فَرَح.
أَلمَرْأَةُ تَحْزَنُ وهِي تَلِد، لأَنَّ سَاعَتَهَا حَانَتْ. ولكِنَّهَا مَتَى وَلَدَتِ ٱلطِّفْلَ، لا تَعُودُ تَذْكُرُ ضِيقَهَا، لِفَرَحِهَا أَنَّ إِنْسَانًا وُلِدَ في العَالَم.
فَأَنْتُمُ الآنَ أَيْضًا تَحْزَنُون، إِنَّمَا سَأَعُودُ فَأَرَاكُم، وتَفْرَحُ قُلُوبُكُم، ولا يَنْزِعُ أَحَدٌ فَرَحَكُم مِنْكُم.
وفي ذلِكَ اليَوْمِ لَنْ تَسْأَلُونِي شَيْئًا. أَلحَقَّ ٱلحَقَّ أَقُولُ لَكُم: كُلُّ مَا تَطْلُبُونَهُ مِنَ الآبِ بِٱسْمِي، يُعْطِيكُم إِيَّاه.
حَتَّى الآنَ لَمْ تَطْلُبُوا بِٱسْمِي شَيْئًا. أُطْلُبُوا تَنَالُوا فَيَكْتَمِلَ فَرَحُكُم.

القدّيس أوغسطينُس (354 - 430)، أسقف هيبّونا (إفريقيا الشماليّة) وملفان الكنيسة، عظات عن إنجيل القدّيس يوحنّا، العظة 101
«أَنتُم أَيضاً تَحزَنونَ الآن ولكِنِّي سأَعودُ فأَراكُم فتَفَرحُ قُلوبُكم »

 

قال الربّ: "بَعدَ قَليلٍ لا تَرَونَني، ثُمَّ بَعدَ قَليلٍ تُشاهِدونَني" (يو16: 16). ما قصده بـكلمة "بعد قليل" هو زمننا الحاضر بأكمله، الذي قال عنه يوحنّا في إنجيله: "يا بِنَىَّ، إِنَّها السَّاعةُ هي الأَخيرة" (1يو 2: 18). هذا الوعد موجّه للكنيسة جمعاء، كما هذا الوعد الآخر: "هاءنذا معَكم طَوالَ الأَيَّامِ إِلى نِهايةِ العالَم" (مت 28: 20). فالربّ لن يتأخّر في تحقيق وعوده: بعد فترة قصيرة سنراه، ولن يعود لدينا أيّ تضرّع نوجّهه إليه أو أيّ سؤال نطرحه عليه، لأنّه لن يبقى لدينا أيّ شيء نطلبه أو نبحث عنه.
يبدو لنا "بعد القليل" هذا وقتًا طويلاً لأنّه لا يزال يمضي؛ وما أن ينتهي، سنشعر بمدى قصره. فليكن فرحنا إذًا مختلفًا عن فرح العالم الذي قيل عنه: "العالم سيفرح". وخلال ولادة هذه الرغبة، علينا ألاّ نتجرّد من الفرح، وكما قال بولس الرسول: "كُونوا في الرَّجاءِ فَرِحين وفي الشِّدَّةِ صابِرين وعلى الصَّلاةِ مُواظِبين" (رو 12: 12)، لأنّ المرأة التي تلد والتي شبّهنا بها الربّ، تفرح بالطفل الذي ستضعه أكثر بكثير ممّا تحزن نتيجة الآلام التي تعانيها.
 
 
8.4.4-    الأربعاء من الأسبوع الرابع بعد عيد الصليب     -     إنجيل القدّيس لوقا 21-16:12
 
   إنجيل القدّيس لوقا 21-16:12 
 
قالَ الربُّ يَسُوعُ هذَا المَثَل: «رَجُلٌ غَنِيٌّ أَغَلَّتْ لهُ أَرْضُهُ.
فَرَاحَ يُفَكِّرُ في نَفْسِهِ قَائِلاً: مَاذَا أَفْعَل، وَلَيْسَ لَدَيَّ مَا أَخْزُنُ فِيهِ غَلاَّتِي؟
ثُمَّ قَال: سَأَفْعَلُ هذَا: أَهْدِمُ أَهْرَائِي، وَأَبْنِي أَكْبَرَ مِنْها، وَأَخْزُنُ فِيهَا كُلَّ حِنْطَتِي وَخَيْراتِي،
وَأَقُولُ لِنَفْسِي: يا نَفْسِي، لَكِ خَيْرَاتٌ كَثِيرَةٌ مُدَّخَرَةٌ لِسِنينَ كَثِيرَة، فٱسْتَريِحي، وَكُلِي، وٱشْرَبِي، وَتَنَعَّمِي!
فَقَالَ لَهُ الله: يا جَاهِل، في هذِهِ اللَّيْلَةِ تُطْلَبُ مِنْكَ نَفْسُكَ. وَمَا أَعْدَدْتَهُ لِمَنْ يَكُون؟
هكذَا هِيَ حَالُ مَنْ يَدَّخِرُ لِنَفْسِهِ، وَلا يَغْتَنِي لله».

القدّيس إقليمنضُس الإسكندريّ (150- نحو 215)، لاهوتيّ، عظة بعنوان: "أيّ غنيّ يمكن أن يخلص؟"
«طوبى لِفُقَراءِ ٱلرّوح» (مت 5: 3)



يجب علينا ألاّ نرفض الخيرات التي يمكن من خلالها مساعدة قريبنا. لقد أرادها الله لراحة البشر. لقد وُضعت الخيرات بين أيدينا كأدوات، وآلات يمكننا أن نستفيد منها إذا أحسنّا استعمالها... وُجِدت الثروات لتكون خادمة للبشر، لا سيّدتهم... لذا، يجب علينا ألاّ ننبذها لأنّها بحدّ ذاتها ليست سيّئة ولا جيّدة، إنّما بريئة من التهم المنسوبة إليها. إنّ طريقة استعمالها تعود إلينا وحدنا، أكان ذلك الاستعمال حسنًا أو سيّئًا. إنّ روحنا وضميرنا حرّان في التصرّف بالخيرات التي توضع في تصرّفهما. فلنتخلّص إذًا، لا من ثرواتنا، إنمّا من الجشع الذي يشوّه التصرّف بها. عندما نصبح مستقيمين، حينها نستطيع التصرّف بالخيرات بطريقة مستقيمة. إنّ هذه الخيرات التي يُطلب منّا أن نتخلّى عنها، فلنفهم جيّدًا بأنّها الشهوات المنحرفة للنفس. نحن لا نربح شيئًا إن تخلّينا عن مالنا وبقينا أغنياء من تلك الشهوات المنحرفة.
لقد وضع الربّ هذا التصوّر للتصرّف بالخيرات الدنيويّة: علينا أن نتخلّص، لا من المال الذي يجعلنا نعيش، إنّما من القوى التي تجعلنا نستعمله بطريقة سيّئة ومنحرفة، أقصد بذلك أمراض النفس... علينا إذًا أن نطهّر نفسنا، أي أن نجعلها فقيرة عارية ونسمع نداء الربّ: "تعال اتبعني". إنّه الطريق الذي يمشي عليه مَن لديه القلب النقيّ... إنّ مَن لديه قلبًا نقيًّا يعتبر ثروته، وذهبه، وماله، وبيوته نِعَمًا من الله، ويشهد على ذلك بإغاثته للفقراء من ماله الخاص. إنّه يعرف أنّ امتلاكه لهذه الخيرات هو لإخوته أكثر ممّا هو له؛ إنّه يبقى أقوى من تلك الشهوات، ويظلّ أبعد من أن يكون لها عبدًا... وإذا أتى يومٌ تزول فيه تلك الثروة، فإنّه يقبل خسارته بفرح كما في أجمل أيّامه. إنّ إنسانًا كهذا يطوّبه الربّ، ويدعوه "فقير الرُّوح"، ويكون وريثًا أكيدًا لملكوت السماء الذي سيكون مغلقًا على الذين لم يستطيعوا أن يتخطّوا جشعهم.
 
 
8.4.5-    الخميس من الأسبوع الرابع بعد عيد الصليب     -     إنجيل القدّيس لوقا 9-6:13 
 
   إنجيل القدّيس لوقا 9-6:13 
 
قالَ الربُّ يَسوعُ هذَا المَثَل: «كَانَ لِرَجُلٍ تِينَةٌ مَغْرُوسَةٌ في كَرْمِهِ، وَجَاءَ يَطْلُبُ فيهَا ثَمَرًا فَلَمْ يَجِدْ.
فقالَ لِلكَرَّام: هَا إِنِّي مُنْذُ ثَلاثِ سِنِين، آتي وَأَطْلُبُ ثَمَرًا في هذِهِ التِّينَةِ وَلا أَجِد، فٱقْطَعْهَا! لِمَاذَا تُعَطِّلُ الأَرْض؟
فَأَجابَ وَقَالَ لَهُ: يَا سَيِّد، دَعْهَا هذِهِ السَّنَةَ أَيْضًا، حَتَّى أَنْكُشَ حَوْلَهَا، وَأُلْقِيَ سَمَادًا،
لَعَلَّها تُثْمِرُ في السَّنَةِ القَادِمَة، وَإِلاَّ فَتَقْطَعُها!».

سيرافيم الساروفيّ (1759 - 1833)، راهب روسيّ وقدّيس في الكنائس الأرثوذكسيّة، حديث مع موتوفيلوف
«سَيِّدي، دَعها هَذِهِ ٱلسَّنَةَ أَيضًا»

 

"الحقَّ الحقَّ أقولُ لكم، مَن آمَنَ فلَه الحياة الأبديّة" (يو 6: 47). مَن نالَ الرُّوح القدس بفضل إيمانه بالرّب يسوع المسيح، حتّى لو ارتكبَ خطيئة أدّت إلى موت نفسِه بسبب الضعف البشري، فهو لن يموتَ إلى الأبد، إنّما سيقومُ بنعمة ربّنا يسوع المسيح الذي أخذَ على عاتقه خطايا العالم، والذي منحَ مجّانًا النعمة تلو الأخرى.
عن هذه النعمة التي ظهرَتْ للعالمِ بأسرِه ولجنسِنا البشري من خلال الإنسان-الإله، قالَ الإنجيل: "فيهِ كانَتِ الحياة والحياةُ نورُ الناس"، ثمّ أضافَ: "والنورُ يشرقُ في الظلمات ولم تُدركْه الظلمات" (يو 1: 4-5). هذا يعني أنّه رغم السقطات، ورغم الظلمات المحيطة بنَفسِنا، فإنّ نعمة الرُّوح القدس التي نِلْناها بالمعموديّة... تستمرُّ بالإشراق في قلوبنا بواسطة نوره الإلهي الأزليّ بفضل استحقاقات ربّنا يسوع المسيح.
أمام خاطئ قاسي القلب، قالَ نور المسيح للآب: "يا أبَتي، لا تَصبَّ غضبَكَ على قساوة القلب هذه". وحين يقرّرُ الخاطئُ أن يتوبَ، سيمحي هذا النور كليًّا آثار الخطايا المُقتَرفة، مُلبِسًا الخاطئ القديم ثوب الكمال المُحاك من نعمة الرُّوح القدس التي كلّمتُكم عنها باستمرار.
 
 
8.4.6-    يوم الجمعة من الأسبوع الرابع بعد عيد الصليب   -     إنجيل القدّيس لوقا 7-3:15 
 
   إنجيل القدّيس لوقا 7-3:15 
 
قالَ الربُّ يَسوعُ هذَا المَثَل:
«أَيُّ رَجُلٍ مِنْكُم، لَهُ مِئَةُ خَرُوف، فَأَضَاعَ وَاحِدًا مِنْهَا، لا يَتْرُكُ التِّسْعَةَ وَالتِّسْعِينَ في البَرِّيَّةِ وَيَذْهَبُ وَرَاءَ الضَّائِعِ حَتَّى يَجِدَهُ؟
فَإِذَا وَجَدَهُ حَمَلَهُ عَلَى كَتِفَيْهِ فَرِحًا.
وَيَعُودُ إِلى البَيْتِ فَيَدْعُو الأَصْدِقَاءَ وَالجِيرَان، وَيَقُولُ لَهُم: إِفْرَحُوا مَعِي، لأَنِّي وَجَدْتُ خَرُوفِيَ الضَّائِع!
أَقُولُ لَكُم: هكذَا يَكُونُ فَرَحٌ في السَّمَاءِ بِخَاطِئٍ وَاحِدٍ يَتُوب، أَكْثَرَ مِنْ تِسْعَةٍ وَتِسْعِينَ بَارًّا، لا يَحْتَاجُونَ إِلى تَوْبَة!

القدّيس يوحنّا الثالث والعشرون (1881 - 1963)، بابا روما، يوميّات النفس، 1901 – 1903
«إِفرَحوا مَعي، فَقَد وَجَدتُ خَروفِيَ ٱلضّالّ!»

 

أشعر بأنّ ربّي يسوع يجعلُ من نفسه دائم القرب منّي. لقد سمح في هذه الأيّام بأن أقعَ في البحر، وأن أغرقَ في التفكير في بؤسي وفي غروري، لكي يُفهمَني إلى أيّ درجة أنا بحاجة إليه. وفي الوقت الذي كدت أغرقُ إلى القعر، أتى الرّب يسوع المسيح ماشيًا على المياه ومبتسمًا لملاقاتي ولإنقاذي. وكم كنت أودّ أن أقول له مثل بطرس: "يا ربّ، تباعد عنّي، إنّي رجل خاطئ" (راجع لو 5: 8)، غير أنّ حنانَ قلبِهِ غمرَني ورقّةَ كلماتِهِ أحاطَتْني حين قالَ: "لا تَخَف" (لو 5: 10).
ما عدتُ أخشى شيئًا وأنا بجانبكَ! أنا أرتاح في حضنكَ، تمامًا مثل الخروف الضّال، وأسمع دقّات قلبكَ. يا ربّي يسوع، أنا كلّي لكَ الآن أيضًا، وفي كلّ مرّة إلى الأبد. عندما أكون معكَ، أكون حقًّا عظيمًا؛ من دونكَ، لستُ إلاّ قصبة ضعيفةً، وحين أتّكلُ عليكَ، أتحوّلُ إلى عمود ثابت. يجب ألاّ أنسى يومًا بؤسي، لا كي أرتجفَ باستمرار، بل كي أقتربَ من قلبكَ بمزيد من الثقة، بالرغم من تواضعي وحيرتي، لأنّ بؤسي هو عرش رحمتكَ وحبّكَ.
 
 
8.4.7-    السبت من الأسبوع الرابع بعد عيد الصليب   -     إنجيل القدّيس لوقا 10-8:15    

 

    إنجيل القدّيس لوقا 10-8:15
 
قالَ الربُّ يَسوع: «أَيُّ ٱمْرَأَةٍ لَهَا عَشَرَةُ دَرَاهِم، إِذَا أَضَاعَتْ دِرْهَمًا وَاحِدًا، لا تَشْعَلُ مِصْبَاحًا، وَتُكَنِّسُ البَيْت، وَتُفَتِّشُ عَنْهُ بِٱهْتِمَامٍ حَتَّى تَجِدَهُ؟
فَإِذَا وَجَدَتْهُ تَدْعُو الصَّدِيقَاتِ وَالجَارَات، وَتَقُولُ لَهُنَّ: إِفْرَحْنَ مَعِي، لأَنِّي وَجَدْتُ الدِّرْهَمَ الَّذي أَضَعْتُهُ!
هكَذَا، أَقُولُ لَكُم، يَكُونُ فَرَحٌ أَمَامَ مَلائِكَةِ اللهِ بِخَاطِئٍ وَاحِدٍ يَتُوب!.»

القدّيس نيقولاس كاباسيلاس (نحو 1320 - 1363)، لاهوتيّ علمانيّ يونانيّ، الحياة في الرّب يسوع المسيح، الكتاب الأوّل
يبحث الله عنّا

 

ليست الأسرار سوى علامات موت الرّب يسوع المسيح ودفنه. فإنّنا بفضلها نولد لحياة فائقة الطبيعة، ننمو ونتّحد بالمخلِّص بطريقة رائعة. في الأسرار على ما قال القدّيس بولس نجد "حياتنا وحركتنا وكياننا" (راجع أع 17: 28).
تهبنا المعموديّة كياننا واستمراريّتنا في الرّب يسوع المسيح...؛ ويُثبِّت الميرون المسيحيّ الجديد، ويمدّه بالطاقات الخاصّة بالحياة؛ أمّا الإفخارستيّا، فإنّها تُطيل هذه الحياة وتُبقيها في كامل حيويّتها... فإنّنا، باختصار، نحيا من هذا الخبز ونستمدّ قوّتنا من الميرون بعد ما نلنا كياننا بذاك التغطيس.
فنحيا في الله، على هذا النحو، منتقلين من هذا العالم المنظور إلى عالم غير منظور. لا نبدّل مكانًا بل كيانًا وحياةً؛ ذلك لأنّنا لسنا نحن الذين نتحوّل ونرتفع نحو الله،، بل هو الله أتى ونزل إلينا. لم نكن نحن الباحثين بل كان هو الباحث عنّا. لم يبحث الخروف عن الرَّاعي ولا الدِّرهم عن ربّة البيت، ولكنّ المعلّم هو الذي انحنى نحو الأرض واستعاد صورته. والرَّاعي هو الذي توجّه نحو المكان الذي كان يرعى فيه الخروف، وأعاده من ضلاله حاملاً إيّاه على كتفيه. لم يبعث بنا إلى مكان آخر لهذا الغرض، بل أبقانا على هذه الأرض وحوّلنا إلى مخلوقات سماويّة من خلال انبعاث حياته في أنفسنا. لم يرفعنا إلى السموات، بل أمال السموات نحونا، على ما جاء في المزمور: "أَمالَ السَّمَواتِ ونَزَل" (مز 18[17]: 10).
 
 
8.5.1-    الأحد الخامس بعد عيد الصليب: مثل العذارى العشر   -     إنجيل القدّيس متّى 13-1:25  

 

    إنجيل القدّيس متّى 13-1:25
 
قالَ الربُّ يَسوع: «يُشْبِهُ مَلَكُوتُ السَّمَاوَاتِ عَشْرَ عَذَارَى أَخَذْنَ مَصَابِيحَهُنَّ وخَرَجْنَ إِلى لِقَاءِ العَريس،
خَمْسٌ مِنْهُنَّ جَاهِلات، وخَمْسٌ حَكِيمَات.
فَالجَاهِلاتُ أَخَذْنَ مَصَابِيحَهُنَّ ولَمْ يَأْخُذْنَ مَعَهُنَّ زَيْتًا.
أَمَّا الحَكِيْمَاتُ فَأَخَذْنَ زَيْتًا في آنِيَةٍ مَعَ مَصَابِيْحِهِنَّ.
وأَبْطَأَ العَريسُ فَنَعَسْنَ جَمِيعُهُنَّ، ورَقَدْنَ.
وفي مُنْتَصَفِ اللَّيل، صَارَتِ الصَّيحَة: هُوَذَا العَريس! أُخْرُجُوا إِلى لِقَائِهِ!
حينَئِذٍ قَامَتْ أُولئِكَ العَذَارَى كُلُّهُنَّ، وزَيَّنَّ مَصَابِيحَهُنَّ.
فقَالَتِ الجَاهِلاتُ لِلحَكيمَات: أَعْطِينَنا مِنْ زَيتِكُنَّ، لأَنَّ مَصَابِيحَنَا تَنْطَفِئ.
فَأَجَابَتِ الحَكيمَاتُ وقُلْنَ: قَدْ لا يَكْفِينَا ويَكْفِيكُنَّ. إِذْهَبْنَ بِالأَحْرَى إِلى البَاعَةِ وٱبْتَعْنَ لَكُنَّ.
ولَمَّا ذَهَبْنَ لِيَبْتَعْنَ، جَاءَ العَريس، ودَخَلَتِ المُسْتَعِدَّاتُ إِلى العُرْس، وأُغْلِقَ البَاب.
وأَخيرًا جَاءَتِ العَذَارَى البَاقِيَاتُ وقُلْنَ: يَا رَبُّ، يَا رَبُّ، ٱفْتَحْ لَنَا!
فَأَجَابَ وقَال: أَلحَقَّ أَقُولُ لَكُنَّ، إِنِّي لا أَعْرِفُكُنَّ!
إِسْهَرُوا إِذًا، لأَنَّكُم لا تَعْلَمُونَ اليَوْمَ ولا السَّاعَة.

القدّيس بيّو من بييتريلشينا (1887 - 1968)، راهب كبّوشيّ، TN in Ep 4, 875,878
«فدخَلَت مَعَه المُستَعِدَّاتُ إِلى رَدهَةِ العُرْس وأُغلِقَ الباب»

 

"يا إخوتي، نحن لم نفعل شيئًا حتّى الساعة، فلنبدأ إذًا من اليوم". لقد وجّه القدّيس فرنسيس لنفسه هذه النصيحة، فلنتّخذها بكلّ تواضع نصيحة لنا. هذا صحيح، نحن لم نفعل شيئًا بعد أو لم نفعل إلاّ القليل! لقد تلاحقت السنوات بدون أن نتساءل عمّ استطعنا تحقيقه؛ ألا يجب علينا أن نغيّر في تصرّفاتنا، فنضيف أشياء ونلغي أخرى؟ لقد عشنا بلامبالاة كما لو أنّ ذاك اليوم لن يأتي أبدًا، ذاك اليوم الذي سيدعونا فيه الديّان الأبدي إليه، وحيث سيكون علينا أن نخبره عن أعمالنا وعمّا فعلنا في حياتنا.
دعونا لا نضيّع الوقت؛ فيجب ألاّ نؤجّل إلى الغد ما يمكننا أن نفعله اليوم؛ فالنوايا الحسنة تفيض من القبور، لكن مَن يمكنه التأكيد أنّنا سنكون أحياء غدًا؟ فلنستمع إلى صوت ضميرنا، فهو صوت النبيّ الذي قال: "اليومَ إذا سَمِعتُم صَوتَه، فلا تُقَسّوا قُلوبَكم" (مز 95[94]: 7-8).
نحن لا نملك سوى اللحظة الحاضرة، فلنسهر إذًا ولنعِشها كما لو كانت كنزًا أوكِل لنا. الوقت ليس ملكنا، فدعونا لا نضيّعه.
 
 
8.5.2-    الاثنين من الأسبوع الخامس بعد عيد الصليب      -     إنجيل القدّيس لوقا 12-1:16 

 

    إنجيل القدّيس لوقا 12-1:16
 
قالَ الربُّ يَسوع لِتَلامِيذِهِ: «كانَ رَجُلٌ غَنِيٌّ لَهُ وَكِيل. فَوُشِيَ بِهِ إِلَيْهِ أَنَّهُ يُبَدِّدُ مُقْتَنَيَاتِهِ.
فَدَعَاهُ وَقَالَ لَهُ: مَا هذَا الَّذي أَسْمَعُهُ عَنْكَ؟ أَدِّ حِسَابَ وِكَالَتِكَ، فَلا يُمْكِنُكَ بَعْدَ اليَوْمِ أَنْ تَكُونَ وَكِيلاً.
فَقَالَ الوَكِيلُ في نَفْسِهِ: مَاذَا أَفْعَل؟ لأَنَّ سَيِّدي يَنْزِعُ عَنِّي الوِكَالة، وأَنَا لا أَقْوَى عَلَى الفِلاَحَة، وَأَخْجَلُ أَنْ أَسْتَعْطي!
قَدْ عَرَفْتُ مَاذَا أَفْعَل، حَتَّى إِذَا عُزِلْتُ مِنَ الوِكَالَةِ يَقْبَلُنِي النَّاسُ في بُيُوتِهِم.
فَدَعَا مَدْيُونِي سَيِّدِهِ واحِدًا فَوَاحِدًا وَقَالَ لِلأَوَّل: كَمْ عَلَيْكَ لِسَيِّدي؟
فَقَال: مِئَةُ بَرْمِيلٍ مِنَ الزَّيْت. قَالَ لَهُ الوَكيل: إِلَيْكَ صَكَّكَ! إِجْلِسْ حَالاً وٱكْتُبْ: خَمْسِين.
ثُمَّ قَالَ لآخَر: وَأَنْتَ، كَمْ عَلَيْك؟ فَقَال: مِئَةُ كِيسٍ مِنَ القَمْح. فَقالَ لَهُ الوَكيل: إِلَيْكَ صَكَّكَ! وٱكْتُبْ: ثَمَانِين.
فَمَدَحَ السَّيِّدُ الوَكِيلَ الخَائِن، لأَنَّهُ تَصَرَّفَ بِحِكْمَة. فَإِنَّ أَبْنَاءَ هذَا الدَّهْرِ أَكْثَرُ حِكْمَةً مِنْ أَبْنَاءِ النُّورِ في تَعَامُلِهِم مَعَ جِيلِهِم.
وَأَنَا أَقُولُ لَكُم: إِصْنَعُوا لَكُم أَصْدِقاءَ بِالمَالِ الخَائِن، حَتَّى إِذا نَفَذ، قَبِلَكُمُ الأَصْدِقاءُ في المَظَالِّ الأَبَدِيَّة.
أَلأَمِينُ في القَلِيلِ أَمينٌ في الكَثِير. والخَائِنُ في القَلِيلِ خَائِنٌ أَيْضًا في الكَثير.
إِنْ لَمْ تَكُونُوا أُمَنَاءَ في المَالِ الخَائِن، فَمَنْ يَأْتَمِنُكُم عَلَى الخَيْرِ الحَقِيقيّ؟
وَإِنْ لَمْ تَكُونُوا أُمَنَاءَ في مَا لَيْسَ لَكُم، فَمَنْ يُعْطِيكُم مَا هُوَ لَكُم؟

التعليم المسيحيّ للكنيسة الكاثوليكيّة، § 2168-2173
«إِنَّ ٱبنَ ٱلإِنسانِ سَيِّدُ ٱلسَّبت»

 

تُذكّر الوصيّة الثالثة بقداسة السبت: "في اليَومِ السَّابِعِ سَبْتُ راحةٍ مُقَدَّسٌ لِلرَّبّ" (خر 31: 15). والكتاب، من هذا القبيل، يذكّر بالخلق: "لأَنَّ الرَّبَّ في سِتَّةِ أَيَّامٍ خَلَقَ السَّمَواتِ والأَرضَ والبَحرَ وكُلَّ ما فيها، وفي اليَومِ السَّابعِ استَراح، ولِذلك بارَكَ الرَّبُّ يَومَ السَّبتِ وقدَّسَه" (خر20: 11).
ويبدي الكتاب في يوم الربّ أيضًا تذكارًا لتحرير إسرائيل من عبوديّة مصر: "واذكُرْ أَنَّكَ كنتَ عَبْدًا في أَرضِ مِصر، فأَخرَجَكَ الرَّب إِلهُكَ مِن هُناكَ بِيَدٍ قَوِّيةٍ وذِراع مَبْسوطة، ولذلكَ أمَرَكَ الرَّب إِلهُكَ بِأَن تَحفَظَ يَومَ السَّبْت" (تث 5: 15).
لقد أودع الله إسرائيل السبت لكي يحفظه علامةً للعهد الأبديّ. والسبت بالنسبة إلى الربّ، محفوظ ومقدّسٌ لتسبيح الله، وتسبيح عمل خلقه وأفعاله الخلاصيّة لمصلحة إسرائيل...
يروي الإنجيل أحداثًا كثيرة اتّهِم فيها الرّب يسوع بمخالفة شريعة السبت. ولكن الرّب يسوع لم يتعدّ أبدًا قداسة هذا النهار. وقد شرح بما له من سلطة معناها الحقيقيّ: "إِن السَّبتَ جُعِلَ لِلإِنسان، وما جُعِلَ الإِنسانُ لِلسَّبت" (مر 2: 27) وبدافع الرّحمة، أجاز الرّب يسوع المسيح لنفسه في يوم السبت، أن يفعَل الخير لا الشرّ، وأن تُخلّصَ النفس لا أن تُقتَل" (راجع مر 3: 4). إن السبت هو يوم ربّ المراحم وشرف الله. "فَابنُ الإِنسانِ سَيِّدُ السَّبتِ أَيضًا" (مر 2: 28).
 
 
8.5.3-    الثلاثاء من الأسبوع الخامس بعد عيد الصليب   -     إنجيل القدّيس لوقا 8-1:18   
 
    إنجيل القدّيس لوقا 8-1:18
 
قََالَ الرَبُّ يَسُوعُ لِتَلامِيذِهِ مَثَلاً في أَنَّهُ يَنْبَغي أَنْ يُصَلُّوا كُلَّ حِينٍ وَلا يَمَلُّوا،
قَال: «كانَ في إِحْدَى المُدُنِ قَاضٍ لا يَخَافُ اللهَ وَلا يَهَابُ النَّاس.
وَكانَ في تِلْكَ المَدِينَةِ أَرْمَلَةٌ تَأْتِي إِلَيْهِ قَائِلَة: أَنْصِفْني مِنْ خَصْمي!
وظَلَّ يَرْفُضُ طَلَبَها مُدَّةً مِنَ الزَّمَن، ولكِنْ بَعْدَ ذلِكَ قَالَ في نَفْسِهِ: حَتَّى ولَوكُنْتُ لا أَخَافُ اللهَ وَلا أَهَابُ النَّاس،
فَلأَنَّ هذِهِ الأَرْمَلةَ تُزْعِجُني سَأُنْصِفُها، لِئَلاَّ تَظَلَّ تَأْتِي إِلى غَيْرِ نِهَايةٍ فَتُوجِعَ رَأْسِي!».
ثُمَّ قالَ الرَّبّ: «إِسْمَعُوا مَا يَقُولُ قَاضِي الظُّلْم.
أَلا يُنْصِفُ اللهُ مُخْتَارِيهِ الصَّارِخِينَ إِلَيْهِ لَيْلَ نَهَار، ولو تَمَهَّلَ في الٱسْتِجَابَةِ لَهُم؟
أَقُولُ لَكُم: إِنَّهُ سَيُنْصِفُهُم سَرِيعًا. ولكِنْ مَتَى جَاءَ ٱبْنُ الإِنْسَان، أَتُراهُ يَجِدُ عَلَى الأَرْضِ إِيْمَانًا؟».
 
 
8.5.4-    الأربعاء من الأسبوع الخامس بعد عيد الصليب     -     إنجيل القدّيس لوقا 28-11:19  
 
    إنجيل القدّيس لوقا 28-11:19
 
قالَ الربُّ يَسوعُ هذَا المَثَل، لأَنَّهُ كانَ قَدِ ٱقْتَرَبَ مِنْ أُورَشَليم، وَكانُوا يَظُنُّونَ أَنَّ مَلَكُوتَ اللهِ سَيَظْهَرُ فَجْأَةً،
فَقَال: «رَجُلٌ شَرِيفُ النَّسَبِ ذَهَبَ إِلَى بَلَدٍ بَعِيد، لِيَحْصَلَ عَلى المُلْكِ ثُمَّ يَعُود.
فَدَعَا عَشَرَةَ عَبِيدٍ لَهُ، وَأَعْطَاهُم عَشَرَةَ أَمْنَاءٍ أَي كُلَّ وَاحِدٍ مِئَةَ دِينَار، وَقَال لَهُم: تَاجِرُوا بِهَا حَتَّى أَعُود.
لَكِنَّ أَهْلَ بَلَدِهِ كَانُوا يُبْغِضُونَهُ، فَأَرْسَلُوا وَرَاءَهُ وَفْدًا قَائِلين: لا نُريدُ أَنْ يَمْلِكَ عَلَيْنا هذَا الرَّجُل.
ولَمَّا عَاد، وَقَدْ تَوَلَّى المُلْك، أَمَرَ بِأَنْ يُدْعَى إِلَيْهِ أُولئِكَ العَبِيدُ الَّذِينَ أَعْطَاهُمُ الفِضَّة، لِيَعْرِفَ بِمَا تَاجَرَ كُلُّ وَاحِد.
فتَقَدَّمَ الأَوَّلُ وَقال: سَيِّدي، رَبِحَ مَنَاكَ عَشَرَةَ أَمْنَاء.
فقَالَ لَهُ: يَا لَكَ عَبْدًا صَالِحًا! لأَنَّكَ كُنْتَ أَمِينًا في القَليل، كُنْ مُسَلَّطًا عَلَى عَشْرِ مُدُن!
وجَاءَ الثَّاني فَقال: سَيِّدي، رَبِحَ مَنَاكَ خَمْسَةَ أَمْنَاء!
فقالَ لِهذَا أَيْضًا: وَأَنْتَ كُنْ مُسَلَّطًا عَلَى خَمْسِ مُدُن!
وجَاءَ الثَّالِثُ فَقال: سَيِّدي، هُوَذَا مَنَاكَ الَّذي كانَ لي، وَقَدْ وَضَعْتُهُ في مِنْدِيل!
فَقَدْ كُنْتُ أَخَافُ مِنْكَ، لأَنَّكَ رَجُلٌ قَاسٍ، تَأْخُذُ مَا لَمْ تَضَعْ، وَتَحْصُدُ مَا لَمْ تَزْرَعْ!
قالَ لَهُ المَلِك: مِنْ فَمِكَ أَدينُكَ أَيُّها العَبْدُ الشِرِّير.كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي رَجُلٌ قَاسٍ، آخُذُ مَا لَمْ أَضَعْ، وَأَحْصُدُ مَا لَمْ أَزْرَعْ،
فَلِمَاذا لَمْ تَضَعْ فِضَّتِي عَلَى طَاوِلَةِ الصَّيَارِفَة، حَتَّى إِذَا عُدْتُ ٱسْتَرْجَعْتُهَا مَعَ فَائِدَتِهَا.
ثُمَّ قَالَ لِلْحَاضِرين: خُذُوا مِنْهُ المَنَا، وَأَعْطُوهُ لِصَاحِبِ الأَمْنَاءِ العَشَرَة.
فَقَالُوا لَهُ: يَا سيِّد، لَدَيهِ عَشَرَةُ أَمْنَاء!
فَأَجَابَهُم: إِنِّي أَقُولُ لَكُم: كُلُّ مَنْ لَهُ يُعْطَى، وَمَنْ لَيْسَ لَهُ يُؤْخَذُ مِنْهُ حَتَّى مَا هُوَ لَهُ.
أَمَّا أَعْدَائِي أُولئِكَ الَّذينَ لَمْ يُرِيدُوا أَنْ أَمْلِكَ عَلَيْهِم، فَسُوقُوهُم إِلَى هُنَا وٱذْبَحُوهُم قُدَّامي».
قالَ يَسُوعُ هذَا وَتَقَدَّمَ صَاعِدًا إِلَى أُورَشَليم.

القدّيس بِرنَردُس (1091 - 1153)، راهب سِستِرسيانيّ وملفان الكنيسة، عظات مختلفة، العظة رقم 42 "الوزنات الخمسة"
تجارة ثمينة جدًّا

 

إنّ كلمة الآب، ابنُ اللهِ الوَحِيد، شمسُ البِرّ (ملا 3: 20) هو التَّاجر العظيم الذي دفع ثمن خلاصنا. فهذه تجارة ثمينة جدًّا لن نتمكّن من تقدير قيمتها أبدًا، حيث تحوّل ابن الملك إلى "فَكَّة"، وحيث تم استبدال المعدن بالذهب، وتمّت التضحية بالصالح من أجل الخاطئ. الرحمة المجانيّة بالكامل، الحبّ المتجرّد بالكامل، الصلاح المدهش، وتجارة تفتقر كليًّا إلى التوازن حيث يُسلم ابن الله عوضًا عن الخادم، وحيث يموت الخالق من أجل المخلوق وحيث يخضع الربّ للمحاكمة مكان عبده.
أيها الربّ يسوع! هذه هي أعمالكَ، أنت الذي نزلتَ من ضياء السماء إلى ظلمة الجحيم التي نعيش فيها لتُنيرَ عتمة سجننا. لقد نزلتَ عن يمين العظمة الإلهيّة إلى بؤسنا البشري لتفتَدي الجنس البشري؛ لقد نزلتَ من مجد الآب إلى الموت على الصليب، لتغلبَ الموت وصانعَه. أنتَ وحدَكَ، وما من أحد سواكَ لبّى دعوة طيبتكَ اللامتناهية لتفتَدينا...
ليخرج جميع تجار تيمان من هذا المكان (راجع با 3: 23): فأنتَ لم تخترهم، لكنكَ اخترت إسرائيل، أنتَ يا مَن "أخفَيتَ هذه الأشياءَ على الحُكَماءِ والأذكِياء، وَكَشَفتَها لِلصِّغار" والخدّام المتواضعين (لو10: 21). أيّها الربّ، إنّني أعتنق هذه التجارة بكلّ غبطة لأنّها تجارتك، فأتذكّر كلّ أعمالك لأنّكَ تريد منّي أن أقوم بهذه التجارة... لذا، سأتاجر بهذه الوزنة التي منحتني إيّاها بانتظار مجيئكَ، وسأسير أمامكَ بكلّ سرور. وأطلب من الله أن أسمع منه هذه الكلمات العذبة: "أَحسَنتَ أيّها الخادِمُ الصَّالِحُ الأَمين! أُدخُلْ نَعيمَ سَيِّدِكَ" (مت 25: 21).
 
 
8.5.5-    الخميس من الأسبوع الخامس بعد عيد الصليب     -     إنجيل القدّيس مرقس 25-21:4
    إنجيل القدّيس مرقس 25-21:4
 
قالَ الربُّ يَسوع: «هَلْ يُؤْتَى بِٱلسِّراجِ لِيُوضَعَ تَحْتَ المِكْيَال، أَو تَحْتَ السَّرِير؟ أَمْ لِيُوضَعَ عَلَى المَنَارَة؟
فمَا مِنْ خَفِيٍّ إِلاَّ سيُظْهَر، ومَا مِنْ مَكْتُومٍ إِلاَّ سَيُعْلَن.
مَنْ لَهُ أُذُنَانِ سَامِعَتَانِ فَلْيَسْمَعْ».
وقالَ لَهُم: «تَبَصَّرُوا في مَا تَسْمَعُون: بِمَا تَكِيلُون يُكَالُ لَكُم وَيُزَاد.
فَمَنْ لَهُ يُعْطَى. ومَنْ لَيْسَ لَهُ يُؤْخَذُ مِنْهُ حَتَّى مَا هُوَ لَهُ».

القدّيس فرنسيس الأسّيزيّ (1182 - 1226)، مؤسِّس رهبانيّة الأخوة الأصاغر، تنبيهات، 19-22 + 28
«لأَنَّ مَن كانَ لهُ شَيء، يُعطَى. ومَن لَيسَ له شَيء، يُنتَزَعُ مِنهُ حتَّى الَّذي له»

 

طوبى للخادم الذي يشكر الربّ على الخيرات كلّها. أمّا ذاك الذي يطالب بحصّة لنفسه، فإنّه يخفي في أعماقه مال الربّ الإله، وما كان يعتقد أنّه يمتلكه، فهو سيُنتزع منه (راجع مت 25: 18 + 28).
 
طوبى للخادم الذي، حين يتلقّى التهاني والتكريم، لا يعتبر نفسه أفضل ممّا هو عليه إن عومل كشخص تافه وبسيط وحقير. لأنّ قيمة الإنسان الحقيقيّة هي قيمته بعينيّ الله.
 
طوبى لرجل الدين الذي لا يستمتع ولا يفرح إلاّ بكلّ ما فعله الربّ، والذي يستخدم ذلك لحمل البشر على محبّة الله بكلّ سعادة... طوبى للخادم الذي لا يتكلّم ليبرز أهميّته، والذي لا يتباهى بقيمته، والذي لا يبدو دائمًا متهافتًا على الكلام، بل يعبّر عن آرائه بحكمة ورصانة. ويل لرجل الدين الذي، بدل الاحتفاظ بالنِعَم التي منحه إيّاه الربّ في قلبه، وبدل جعل الآخرين يستفيدون من أعماله، يكثر من الكلام لإبرازها أمام الناس لإعطاء قيمة لنفسه. هو سيحصل على المكافأة الرخيصة التي كان يريدها، لكن أولئك الذين يصغون إليه لا يحصلون إلاّ على ثمار قليلة...
 
طوبى للخادم الذي يجمع، لكن في السماء (راجع مت 6: 20)، كنز النِعَم التي يقدّمها له الربّ، والذي لا يبحث عن إظهارها للبشر ليعطي قيمة لنفسه؛ فإنّ العليّ بنفسه هو الذي سيظهر أعماله لمَن يشاء. طوبى للخادم الذي يحافظ في قلبه على أسرار الربّ.
 
 
8.5.6-    يوم الجمعة من الأسبوع الخامس بعد عيد الصليب   -     إنجيل القدّيس مرقس 29-26:4   

 

    إنجيل القدّيس مرقس 29-26:4
 
قالَ الربُّ يَسوع: «مَثَلُ مَلَكُوتِ اللهِ كَمَثَلِ رَجُلٍ يُلْقِي في الأَرْضِ زَرْعًا،
ويَنَامُ ويَقُوم، لَيْلاً ونَهَارًا، والزَّرْعُ يَنْبُتُ ويَعْلُو، وهُوَ لا يَدْري؛
لأَنَّ الأَرْضَ مِنْ ذَاتِها تُعْطِي ثَمَرًا، فَتُنْبِتُ العُشْبَ أَوَّلاً، ثُمَّ السُّنْبُل، ثُمَّ القَمْحَ مِلءَ السُّنْبُل.
ومتَى نَضَجَ الثَّمَر، يُرسِلُ الزَّارِعُ في الحَالِ مِنْجَلَهُ لأَنَّ الحِصادَ قَدْ حَان».

الطوباويّ يوحنّا هنري نِيومَن (1801 - 1890)، كاهن ومؤسّس جماعة دينيّة ولاهوتيّ، عظات أبرشيّة بسيطة، PPS، الجزء الرّابع العظة رقم 13 بعنوان: العالم المحتجب
«مَثَلُ مَلَكوتِ ٱللهِ...»

 

هذا هو ملكوت الله المحتجب: كما هو محتجب في الوقت الحاضر، هكذا سيُكشف عنه في الوقت المناسب. يظنّ الناس أنّهم سادة هذا العالم وأنّهم يستطيعون القيام بكلّ ما يريدونه... في الواقع، "لا يَزالُ كُلُّ شَيءٍ مُنذُ بَدءِ الخَليقَةِ على حالِه" ظاهريًّا؛ لذا، يتساءل المشكِّكون: "أَينَ مَوعِدُ مَجيئِه؟" (2بط 3: 4). لكن في الوقت المحدّد، سوف يكون هناك "تجلّي لأبن الله"، (رو 8: 19) "والصِّدّيقونَ يُشِعّونَ حِينَئذٍ كالشَّمسِ في مَلَكوتِ أبيهِم" (مت 13: 43).
حين ظهر الملائكة للرعاة، كان ذلك الظهور مباغتًا. كانت تلك الليلة تشبه أيّة ليلة أخرى، كما كانت الليلة التي أبصر فيها يعقوب الحلم تشبه أيّة ليلة أخرى؛ كان الرعاة يسهرون على قطعانهم ويشهدون على مرور ساعات الليل، وكانت النجوم تتبع مسارها، كان منتصف الليل؛ لم يكونوا يفكّرون في أمر كهذا حين ظهر لهم الملاك. هكذا تكون القدرة والفضيلة المحتجبتان في المنظور: إنّهما تظهران إلى العلن حين يقرّر الله ذلك.
مَن يستطيع أن يتخيّل قبل شهرين أو ثلاثة من حلول الربيع أنّ الطبيعة التي تبدو مَيْتَة، سوف تستعيد روعتها وتنوّعها؟ إنّ الأمر مماثل بالنسبة إلى الربيع الأبدي الذي ينتظره جميع المسيحيّون؛ فهو آتٍ مهما تأخّر. فلننتظره لأنّه "قَليلاً قَليلاً مِنَ الوَقْت فيَأتي الآتي ولا يُبطِئ" (عب 10: 37). لذا، نقول كلّ يوم: "ليأتِ ملكوتك"؛ وهذا يعني: "يا راعيَ إِسْرائيلَ، أَصغِ يا هادِيَ يوسُفَ كالقطيع يا جالِسًا على الكَروبينَ، أَشرِقْ. أَمامَ أَفْرائيمَ وبَنْيامينَ ومَنَسَّى أَيقِظْ جَبَروتَكَ وهَلُمَّ لِخَلاصِنا" (مز80[79]: 2-3). إنّ الأرض التي نرى لا ترضينا؛ فهي ليست سوى بداية ووعد بالملكوت. حتّى حين تبدو بأبهى حلّتها، مكسوّة بأنواع الزهور كلّها، وحين تظهر بالطريقة الأروع كلّ ما تخفيه، فهذا لا يكفينا. نحن نعرف أنّها تحتوي على أمور أكثر بكثير ممّا نراه.... ما نراه ما هو إلاّ القشرة الخارجيّة للملكوت الأبديّ. وعلى هذا الملكوت نركّز عيون إيماننا.
 
 
8.5.7-    السبت من الأسبوع الخامس بعد عيد الصليب     -     إنجيل القدّيس متّى 14-1:22

 

    إنجيل القدّيس متّى 14-1:22
 
قالَ الربُّ يَسُوعُ أَيْضًا بِالأَمْثَالِ :
«يُشْبِهُ مَلَكُوتُ السَّمَاوَاتِ مَلِكًا أَقَامَ عُرْسًا لٱبْنِهِ.
وأَرْسَلَ عَبِيْدَهُ لِيَدْعُوا المَدْعُوِّينَ إِلى العُرْس، فَرَفَضُوا أَنْ يَأْتُوا.
وعَادَ فَأَرْسَلَ عَبِيدًا آخَرِين، قَائِلاً: قُولُوا لِلْمَدعُوِّين: هَا أَنَا قَدْ أَعْدَدْتُ ولِيمَتِي، وذَبَحْتُ ثِيرَانِي ومُسَمَّنَاتِي، وكُلُّ شَيءٍ مُعَدّ. تَعَالَوا إِلى العُرْس.
ولكِنَّ المَدْعُوِّينَ لَمْ يَكْتَرِثُوا، فَمَضَوا وَاحِدٌ إِلى حَقْلِهِ وآخَرُ إِلى تِجَارَتِهِ.
والبَاقُونَ قَبَضُوا عَلى عَبِيدِ المَلِكِ فَأَهَانُوهُم وقَتَلُوهُم.
فَغَضِبَ المَلِكُ وأَرْسَلَ جُنُودَهُ فَأَهْلَكَ أُولئِكَ القَتَلَة، وأَحْرَقَ مَدِينَتَهُم.
حِينَئِذٍ قَالَ لِعَبِيدِهِ: أَلْعُرسُ مُعَدٌّ، ولكِنَّ المَدْعُوِّينَ مَا كَانُوا لَهُ أَهلاً.
فَٱذْهَبُوا إِلى مَفَارِقِ الطُّرُق، وَٱدْعُوا إِلى العُرْسِ كُلَّ مَنْ تَجِدُونَهُ.
وَخَرَجَ أُولئِكَ العَبِيْدُ إِلى الطُّرُقِ فَجَمَعُوا كُلَّ مَنْ وَجَدُوا مِنْ أَشْرَارٍ وصَالِحِيْن، فَٱمْتَلأَتْ قَاعَةُ العُرْسِ بِالمُتَّكِئِيْن.
ودَخَلَ المَلِكُ لِيَنْظُرَ المُتَّكِئِيْنَ فَرَأَى رَجُلاً لا يَلْبَسُ حُلَّةَ العُرْس.
فقَالَ لَهُ: يَا صَاحِب، كَيْفَ دَخَلْتَ إِلى هُنَا ولَيْسَ عَلَيْكَ حُلَّةُ العُرْس؟ فَظَلَّ صَامِتًا.
حِينَئِذٍ قَالَ المَلِكُ لِلْخُدَّام: أُرْبُطُوا رِجْلَيهِ ويَدَيْه، وأَخْرِجُوهُ إِلى الظُّلْمَةِ البَرَّانِيَّة. هُنَاكَ يَكُونُ البُكَاءُ وصَرِيفُ الأَسْنَان؛
لأَنَّ المَدْعُوِّينَ كَثِيرُون، أَمَّا المُخْتَارُونَ فقَلِيلُون.»

القدّيس أنطونيوس البادوانيّ (نحو 1195 - 1231)، راهب فرنسيسيّ وملفان الكنيسة، Sermon du 20e dimanche après la Pentecôte(Une Parole évangélique, trad. V. Trappazzon, éd. Franciscaines, 1995, p. 119-120)
«مَثَلُ مَلكوتِ السَّمَواتِ كَمَثلِ مَلِكٍ أَقامَ وَليمةً في عُرسِ ٱبنِه» (مت 22: 2)

 

هناك ثلاثة أنواعٍ من الزيجات: الأوّل زواج الاتّحاد، والثاني زواج التبرير، والثالث زواج المجد. احتُفل بالأوّل في هيكل العذراء مريم، والثاني يُحتفَل به كلّ يوم في النفس المؤمنة، والثالث سيُحتفَل به في هيكل المجد السماويّ.
وميزة الزواج أنّه يجمعُ شخصين: العريس والعروس. فإذا كانت عائلتان على خلافٍ مع بعضهما البعض، فالزواج يوحّدهما عادةً، لأنّ أحد الطرفين يتّخذ له زوجةً من الطرف الآخر. لقد كان هناك خلافٌ كبير بيننا وبين الله، فكان لا بدّ من أن يتّخذَ ابنُ الله عروسًا له من أهلنا، لكي يُزيل الخلاف ويُحلّ السلام. لقد تدخّل العديد من الوسطاء، وفاعليّ السلام لكي يتمّ هذا الزواج، واستطاعوا من خلال إلحاحهم في الصلاة أن يحصلوا عليه بجهدٍ كبير. وأخيرًا، وافق الآب نفسه وأرسل ابنه الّذي اتّحد بطبيعتنا في خدر العذراء مريم الزوجّي. وهكذا "أقام الله وَليمةً في عُرسِ ٱبنِه".
كذلك، يُحتفَل بالزواج الثاني عندما تحلّ نعمة الرُّوح القدس وتهتدي النفس… عريس النفس هو نعمة الرُّوح القدس. فعندما يدعوها إلى التوبة عن طريق إلهامه الداخليّ، يصبح أيّ نداء من الرذائل من دون تأثير.
وأخيرًا، سيُحتَفل بالزواج الثالث يوم الدينونة، عند مجيء العريس الربّ يسوع المسيح كما هو مكتوب: "هُوذا العَريس! فَٱخرُجْنَ لِلِقائِه!" (مت 25: 6). وهو سيتّخذ في الواقع الكنيسة عروسًا له كما يقول يوحنا في سفر الرؤيا: "تعالَ أُرِكَ العروس امرأة الحمل، أورشليم، (…) نازلة من السماء من عند الله، وعليها مجدُ الله" (راجع رؤ 21: 9 - 11). وتنزلُ كنيسة المؤمنين من السماء، من عندِ الله، لأنّ الله أعطاها أن يكون مسكنُها في السماوات. فهي تعيشُ في الوقت الحاضر بالإيمان والرجاء، ولكنّها ستحتفلُ قريبًا بعرسها مع العريس.
يقول سفر الرؤيا: "طُوبَى لِلمَدْعُوِّينَ إلى وَلِيمَةِ عُرْسِ الحَمَلِ" (رؤ 19: 9).
 
 
8.6.1-    الأحد السادس بعد عيد الصليب: مثل الوزنات     -     إنجيل القدّيس متّى 30-14:25
 
    إنجيل القدّيس متّى 30-14:25
 
قالَ الربُّ يَسوع: «يُشْبِهُ مَلَكُوتُ السَّمَاوَاتِ رَجُلاً أَرَادَ السَّفَر، فَدَعَا عَبِيدَهُ، وسَلَّمَهُم أَمْوَالَهُ.
فَأَعْطَى وَاحِدًا خَمْسَ وَزَنَات، وآخَرَ وَزْنَتَين، وآخَرَ وَزْنَةً وَاحِدَة، كُلاًّ عَلى قَدْرِ طَاقَتِهِ، وسَافَر.
وفي الحَالِ مَضَى الَّذي أَخَذَ الوَزَنَاتِ الخَمْس، وتَاجَرَ بِهَا فَرَبِحَ خَمْسَ وَزَنَاتٍ أُخْرَى.
وكَذلِكَ الَّذي أَخَذَ الوَزْنَتَينِ رَبِحَ وَزْنَتَينِ أُخْرَيَين.
أَمَّا الَّذي أَخَذَ الوَزْنَةَ الوَاحِدَةَ فَمَضَى وحَفَرَ في الأَرْض، وأَخْفَى فِضَّةَ سَيِّدِهِ.
وبَعْدَ زَمَانٍ طَويل، عَادَ سَيِّدُ أُولئِكَ العَبِيد، وحَاسَبَهُم.
ودَنَا الَّذي أَخَذَ الوَزَنَاتِ الخَمْس، فَقَدَّمَ خَمْسَ وَزَنَاتٍ أُخْرَى قَائِلاً: يَا سَيِّد، سَلَّمْتَنِي خَمْسَ وَزَنَات، وهذِهِ خَمْسُ وَزَنَاتٍ أُخْرَى قَدْ رَبِحْتُهَا!
قَالَ لَهُ سَيِّدُهُ: يَا لَكَ عَبْدًا صَالِحًا وأَمِينًا! كُنْتَ أَمِينًا على القَليل، سَأُقِيمُكَ على الكَثِير: أُدْخْلْ إِلى فَرَحِ سَيِّدِكَ!
ودَنَا الَّذي أَخَذَ الوَزْنَتَينِ فَقَال: يَا سَيِّد، سَلَّمْتَنِي وَزْنَتَين، وهَاتَانِ وَزْنَتَانِ أُخْرَيَانِ قَدْ رَبِحْتُهُمَا.
قَال لَهُ سَيِّدُهُ: يَا لَكَ عَبْدًا صَالِحًا وأَمينًا! كُنْتَ أَمينًا على القَليل، سَأُقِيْمُكَ على الكَثِير: أُدْخُلْ إِلى فَرَحِ سَيِّدِكَ!
ثُمَّ دَنَا الَّذي أَخَذَ الوَزْنَةَ الوَاحِدَةَ وقَال: يَا سَيِّد، عَرَفْتُكَ رَجُلاً قَاسِيًا، تَحْصُدُ مِنْ حَيْثُ لَمْ تَزْرَع، وتَجْمَعُ مِنْ حَيْثُ لَمْ تَبْذُر.
فَخِفْتُ وذَهَبْتُ وأَخْفَيْتُ وَزْنتَكَ في الأَرض، فَهَا هُوَ مَا لَكَ!
فَأَجَابَ سَيِّدُهُ وقَالَ لَهُ: «يَا عَبْدًا شِرِّيرًا كَسْلان، عَرَفْتَ أَنِّي أَحْصُدُ مِنْ حَيْثُ لَمْ أَزْرَع، وأَجْمَعُ مِنْ حَيْثُ لَمْ أَبْذُر،
فَكَانَ عَلَيْكَ أَنْ تَضَعَ فِضَّتِي عَلى طَاوِلَةِ الصَّيَارِفَة، حَتَّى إِذَا عُدْتُ، ٱسْتَرْجَعْتُ مَا لِي مَعَ فَائِدَتِهِ.
فَخُذُوا مِنْهُ الوَزْنَةَ وَأَعْطُوهَا لِمَنْ لَهُ الوَزَنَاتُ العَشْر.
فَكُلُّ مَنْ لَهُ يُعْطَى ويُزَاد، ومَنْ لَيْسَ لَهُ يُؤْخَذُ مِنْهُ حَتَّى مَا هُوَ لَهُ.
وهذَا العَبْدُ الَّذي لا نَفْعَ مِنْهُ أَخْرِجُوهُ وأَلْقُوهُ في الظُّلْمَةِ البَرَّانِيَّة. هُنَاكَ يَكُونُ البُكَاءُ وصَرِيفُ الأَسْنَان.

القدّيس يوحنّا الذهبيّ الفم (نحو 345 - 407)، بطريرك أنطاكية ثمّ القسطنطينيّة وملفان الكنيسة، عظات عن إنجيل القدّيس متّى
أن نجعل الوزنات الممنوحة لنا تثمر

 

إن مثل الوزنات موجّه للنّاس الّذين، بدل من أن يأتوا بالعون لإخوتهم من خلال الخيرات الّتي يملكونها، أو من خلال النّصائح أو أي وسيلة أخرى، لا يقومون بأيّ من ذلك بل يُركّزوا على ذواتهم فقط. لقد أراد الربّ يسوع المسيح، من خلال مثل الوزنات، أن يظهر لنا صبر مُعلِّمنا الإلهي، غير أنّه أراد أيضًا، بحسب رأيي، أن يلمّح إلى القيامة العامّة... فالعبدان اللذان أعادا الوزنات مع الفائدة أعلنا بدون تردّد ما أتى من عندهما وما أتى من سيّدهما. فقال الأوّل: "يَا سَيّد، سَلّمتَنِي خَمسَ وَزَنَات"، وقال الثاني: "يَا سَيّد، سَلّمتَنِي وَزْنَتَين"، مُعترفَين بذلك أنّ سيّدهما أعطاهما الوسائل الضروريّة لتحقيق عمليّة مربحة. لقد عبّرا له عن امتنانهما ورفعا له مجموع ما ملكته أيديهما. فبما أجاب السيّد؟ "يا لَكَ عَبدًا صَالِحًا وأمِينًا!" (وهنا نتعرّف إلى الإنسان الصالح من خلال اهتمامه بالقريب)... ادخْلْ إلى فَرَحِ سَيِّدِكَ".
لكن الوضع اختلف مع العبد الشرّير... فما كان إذًا جواب السيّد؟ "كانَ عَلَيكَ أنْ تَضَعَ فِضّتِي على طَاوِلَةِ الصَّيارِفَة"، أي أنّه كان على العبد أن يتكلّم ويعظ وينصح. لكنّ جواب العبد كان: "قد لا يستمع إليّ الناس". وأمّا السيّد، فردّ قائلاً: "هذا أمرٌ لا شأن لك به... فَكانَ عَلَيكَ أَن تَضَعَ فِضَّتِي عَلى طَاوِلَةِ الصَّيَارِفَة، حَتّى إذَا عُدْتُ، ٱستَرجَعْتُ مَا لي مَعَ فَائدَتِهِ"- والمقصود هنا هو الأعمال التي تأتي نتيجةً لسماع الكلمة - وما كان عليك سوى أن تقوم بالجزء السهل من العمل وتترك لي المهمّة الأصعب". بهذه الطريقة فشل الخادم في مهمّته... لكن ما معنى هذا المثل؟ إنّ الذي حصل على نعمة الكلمة وتعاليمه خدمة للآخرين ولم يستخدم هذه النعمة، تؤخذ منه لاحقًا. أمّا العبد المتحمّس والوفي، فهو سيحصل على نعمة مضاعفة كما سيخسر الآخر النعمة التي حصل عليها.
 
 
8.6.2-    الاثنين من الأسبوع السادس بعد عيد الصليب     -     إنجيل القدّيس متّى 9-1:13
 
    إنجيل القدّيس متّى 9-1:13
 
خَرَجَ يَسُوعُ مِنَ البَيْت، فَجَلَسَ على شَاطئِ البُحَيْرَة.
وٱحْتَشَدَتْ لَدَيْهِ جُمُوعٌ كَثِيْرَة، حَتَّى إِنَّهُ صَعِدَ إِلى السَّفِينَةِ وجَلَس. وكَانَ الجَمْعُ كُلُّهُ واقِفًا على الشَّاطِئ.
فَكَلَّمَهُم بِأَمْثَالٍ عَنْ أُمُورٍ كَثِيْرَةٍ قَائِلاً: «هُوَذَا الزَّارِعُ خَرَجَ لِيَزْرَع.
وفيمَا هُوَ يَزْرَع، وقَعَ بَعْضُ الحَبِّ على جَانِبِ الطَّرِيق، فَجَاءَتِ الطُّيُورُ وأَكَلَتْهُ.
ووَقَعَ بَعْضُهُ الآخَرُ في أَرْضٍ صَخْرِيَّةٍ تُرَابُهَا قَلِيل، فَنَبَتَ في الحَالِ لأَنَّ تُرَابَهُ لَمْ يَكُنْ عَمِيقًا.
وأَشْرَقَتِ الشَّمْسُ فَٱحْتَرَق، وإِذْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَصْلٌ يَبِس.
ووَقَعَ بَعْضُهُ الآخَرُ بَينَ الشَّوْك، فَطَلَعَ الشَّوْكُ وخَنَقَهُ.
ووَقَعَ بَعْضُهُ الآخَرُ في الأَرْضِ الجَيِّدَة، فَأَثْمَرَ بَعْضُهُ مِئَة، وبَعْضُهُ سِتِّين، وبَعْضُهُ ثَلاثِيْن.
مَنْ لَهُ أُذُنَانِ فَلْيَسْمَع!».

التعليم المسيحيّ للكنيسة الكاثوليكيّة، § 101-105, 108
«وأمّا الذي زُرِعَ في الأرض الطيّبة، فهو الذي يسمعُ الكلمة ويَفهَمُها» (متّ 13: 23)

 

المسيح كلمة الكتاب المقدّس الوحيدة:
عندما يتنازلُ الله في صلاحه ويُكاشفُ البشرَ بنفسه يكلّمُهم بكلمات بشريّة: "وهكذا فإنّ كلام الله، وقد عبّرَتْ عنه ألسنة بشريّة، صار شبيهًا بكلام البشر، كما أنّ كلمة الآب الأزلي، عندما تلبَّس بوهن جسدنا صار شبيهًا بالبشر". في جميع أقوال الكتاب المقدّس لا يقول الله إلاّ كلمة واحدة، كلمته الوحيد الذي يقول فيه كلّ ما هو (عب1: 1-3): "اذكروا أنّ كلمة الله الواحدة هي نفسها تنتشرُ في جميع الكتابات المقدّسة، وأنّ كلمة الله الواحد هو نفسه يدوّي على ألسنة جميع كتّاب الوحي. هو الذي كان في البدء الله عند الله، ولم يكن من ثمَّ بحاجة إلى مقاطع تعبيريّة لكونه خاضع للزمن" (القدّيس أوغسطينُس).
ولهذا، فالكنيسة قد أحاطَتْ دومًا الكتب الإلهيّة بالإجلال الذي تُحيطُ به أيضًا جسد الربّ. وهي لا تفتأ تقدّم للمؤمنين خبز الحياة من على مائدة كلمة الله وجسد المسيح (الوحي الإلهيّ 21). في الكتاب المقدّس، تجدُ الكنيسة على الدوام غذاءها وقوّتها، إذ إنّها لا تتلقّى فيه كلمة بشريّة وحسب، بل تتلقّاه هو في حقيقته، أي كلمة الله (1تس2: 13). "ففي الكتب المقدّسة يبادرُ الآب الذي في السماوات، بحنوٍّ عظيم، إلى لقاء أبنائه والتحادث معهم" (الوحي الإلهيّ 21).
الله هو واضع الكتاب المقدّس. "إنّ الحقيقة الموحى بها إلهيًّا، التي تحتويها وتقدّمها أسفار الكتاب المقدّس قد دوّنت فيها بإلهام من الروح القدس" (الوحي الإلهيّ 11)... ومع ذلك، فليس الإيمان المسيحيّ "دينَ كتاب". إنّ المسيحيّة هي دينُ "كلمة" الله، "لا دينُ كلمة مكتوبة وخرساء، بل دينُ الكلمة المتجسّد والحيّ" (القدّيس برنردس). ولكيلا يبقى الكتاب المقدّس حرفًا ميّتًا، لا بدّ للمسيح، كلمة الله الحيّ الأزليّة، من أن يفتح، بالرُّوح القدس أذهاننا على فهم الكتب (لو 24: 25).
 
 
8.6.3-    الثلاثاء من الأسبوع السادس بعد عيد الصليب    -     إنجيل القدّيس متّى 17-10:13
 
    إنجيل القدّيس متّى 17-10:13
 
دَنَا التَّلامِيْذُ مِنْ يَسُوعَ فَقَالُوا لَهُ: «لِمَاذَا تُكَلِّمُهُم بِالأَمْثَال؟».
فأَجَابَ وقَالَ لَهُم: «قَدْ أُعْطِيَ لَكُم أَنْتُم أَنْ تَعْرِفُوا أَسْرَارَ مَلَكُوتِ السَّمَاوَات، أَمَّا أُولئِكَ فَلَمْ يُعْطَ لَهُم.
فَمَنْ لَهُ يُعْطَى ويُزَاد. ومَنْ لَيْسَ لَهُ يُؤْخَذُ مِنْهُ حَتَّى مَا هُوَ لَهُ.
لِذلِكَ أُكَلِّمُهُم بِالأَمْثَال، لأَنَّهُم وإِنْ كانُوا نَاظِريْنَ فَهُم لا يَنْظُرُون، وإِنْ كَانُوا سَامِعينَ فَهُم لا يَسْمَعُونَ ولا يَفْهَمُون.
وفِيْهِم تَتِمُّ نُبُوءَةُ آشَعْيا القَائِل: تَسْمَعُونَ سَمْعًا ولا تَفْهَمُون، وتَنْظُرُونَ نَظَرًا ولا تَرَوْن.
قَدْ غَلُظَ قَلْبُ هذَا الشَّعْب: ثَقَّلُوا آذَانَهُم، وأَغْمَضُوا عُيُونَهُم، لِئَلاَّ يَرَوا بِعُيُونِهِم، ويَسْمَعُوا بِآذَانِهِم، ويَفْهَمُوا بِقُلُوبِهِم، ويَتُوبُوا فَأَشْفِيَهُم.
أَمَّا أَنْتُم فَطُوبَى لِعُيُونِكُم لأَنَّهَا تَنْظُر، ولآذَانِكُم لأَنَّها تَسْمَع!
فَٱلحَقَّ أَقُولُ لَكُم: أَنْبِيَاءُ وأَبْرَارٌ كَثِيْرُونَ ٱشْتَهَوا أَنْ يَرَوا مَا تَنْظُرُونَ فَلَمْ يَرَوا، وأَنْ يَسْمَعُوا مَا تَسْمَعُونَ فَلَمْ يَسْمَعُوا!
 
 
8.6.4-    الأربعاء من الأسبوع السادس بعد عيد الصليب     -     إنجيل القدّيس متّى 23-18:13
 
    إنجيل القدّيس متّى 23-18:13
 
قالَ الربُّ يَسوع لِتلاميذِهِ: «إِسْمَعُوا أَنْتُم مَثَلَ الزَّارِع:
كُلُّ مَنْ يَسْمَعُ كَلِمَةَ المَلَكُوتِ ولا يَفْهَمُهَا، يَأْتِي الشِّرِّيرُ ويَخْطَفُ مَا زُرِعَ في قَلْبِهِ: هذَا هُوَ الَّذي زُرِعَ على جَانِبِ الطَّرِيق.
أَمَّا الَّذي زُرِعَ في الأَرْضِ الصَّخْرِيَّة، فهُوَ الَّذي يَسْمَعُ الكَلِمَة، وفي الحَالِ يَقْبَلُهَا بِفَرَح؛
ولكِنَّهُ لا أَصْلَ لَهُ في ذَاتِهِ وإِنَّمَا يَثْبُتُ إِلى حِيْن، فَإِذَا حَدَثَ ضِيْقٌ أَوِ ٱضْطِهَادٌ مِنْ أَجْلِ الكَلِمَةِ فَحَالاً يَشُكُّ.
أَمَّا الَّذي زُرِعَ بَيْنَ الشَّوْكِ فَهُوَ الَّذي يَسْمَعُ الكَلِمَة، ولكِنَّ هَمَّ هذَا الدَّهْرِ وغُرُورَ الغِنَى يَخْنُقَانِ فيهِ الكَلِمَة، فَيَبْقَى بِلا ثَمَر.
أَمَّا الَّذي زُرِعَ في الأَرْضِ الجَيِّدَةِ فَهُوَ الَّذي يَسْمَعُ الكَلِمَةَ ويَفْهَمُهَا فَيَحْمِلُ ثَمَرًا، ويُعْطِي وَاحِدٌ مِئَةً وآخَرُ سِتِّين، وآخَرُ ثَلاثين».

القدّيس قيصاريوس (470 - 543)، راهب وأسقف آرل، عظات للشعب، العظة رقم 7
تلّقي الكلمة في الأرض الطيّبة

 

فليساعدكم الرّب يسوع المسيح، أيّها الأخوة الأعزّاء، لتستقبلوا دائمًا قراءة كلمة الله بقلب ملؤه اللهفة والعطش؛ هكذا، تملؤكم طاعتكم الوفيّة فرحًا روحيًّا. لكن إذا كنتم ترغبون في تذوّق حلاوة الكتاب المقدّس، وفي الاستفادة إلى أقصى الحدود من التعاليم الإلهيّة، اسلخوا أنفسكم لبضع ساعات عن مشاغلكم الماديّة. اقرأوا مجدّدًا كلمة الله في منازلكم، وكرّسوا أنفسكم كليًّا إلى رحمته. هكذا، تنجحون في تحقيق ما هو مكتوب عن الإنسان الطوباوي الّذي "في شَريعةِ الرَّبَ هَواه وبِشَريعَتِه يُتَمتِمُ نَهارَه ولَيلَه" (مز 1: 2). وأيضًا: "طوبى لِلَّذينَ يَحفَظونَ شَهادَتَه وبِكُلِّ قُلوبِهِم يَلتَمِسونَه" (مز 119[118]: 2).
إنّ التجّار لا يسعون إلى تحقيق أرباح من خلال سلعة واحدة بل من خلال سلع عدّة. كما يسعى المزارعون إلى تحسين عائداتهم عن طريق زراعة أنواع مختلفة من البذور. أمّا أنتم الذين تبحثون عن الفوائد الروحيّة، فلا تدعوا جهودكم تقتصر على سماع نصوص الكتاب المقدّس في الكنيسة، بل اقرأوها في منازلكم؛ استفيدوا من السَّهرات الطويلة عندما يقصر النهار. هكذا، تكدّسون المؤونة الرُّوحيّة في أهراء قلوبكم، وتخزّنون لآلئ الكتاب المقدّس الثمينة في كنوز نفوسكم.
 
 
8.6.5-    الخميس من الأسبوع السادس بعد عيد الصليب     -     إنجيل القدّيس متّى 30-24:13  

 

    إنجيل القدّيس متّى 30-24:13
 
ضَرَبَ يَسُوعُ مَثَلاً آخَرَ قَائِلاً: «يُشْبِهُ مَلَكُوتُ السَّمَاوَاتِ رَجُلاً زَرَعَ في حَقْلِهِ زَرْعًا جَيِّدًا.
وفيمَا النَّاسُ نَائِمُون، جَاءَ عَدُوُّهُ وزَرَعَ زُؤَانًا بَيْنَ القَمْحِ ومَضَى.
ولَمَّا نَبَتَ القَمْحُ وأَعْطى سُنْبُلاً، ظَهَرَ الزُّؤَانُ أَيْضًا.
ودَنَا عَبِيْدُ رَبِّ البَيْتِ فَقَالُوا لَهُ: يَا سَيِّد، أَمَا زَرَعْتَ في حَقْلِكَ زَرْعًا جَيِّدًا، فَمِنْ أَيْنَ الزُّؤَانُ الَّذي فيه؟
فَقَالَ لَهُم: إِنْسَانٌ عَدُوٌّ فَعَلَ هذَا. فَقَالَ لَهُ العَبيد: أَتُريدُ أَنْ نَذْهَبَ فَنَجْمَعَ الزُّؤَان؟
فَقَالَ: لا! لِئَلاَّ تَقْلَعُوا القَمْحَ وأَنْتُم تَجْمَعُونَ الزُّؤَان.
دَعُوهُمَا يَنْمُوَانِ مَعًا حَتَّى الحِصَاد. وفي وقْتِ الحِصَادِ أَقُولُ لِلْحَصَّادِين: إِجْمَعُوا الزُّؤَانَ أَوَّلاً، وَٱرْبُطُوهُ حِزَمًا لِيُحْرَق. أَمَّا القَمْحُ فَٱجْمَعُوهُ إِلى أَهْرَائِي».
 
 
8.6.6-    يوم الجمعة من الأسبوع السادس بعد عيد الصليب    -     إنجيل القدّيس متّى 35-31:13  
 
   إنجيل القدّيس متّى 35-31:13
 
ضَرَبَ يَسُوعُ مَثَلاً آخَرَ قَائِلاً: «يُشْبِهُ مَلَكُوتُ السَّمَاوَاتِ حَبَّةَ خَرْدَل، أَخَذَهَا رَجُلٌ وزَرَعَهَا في حَقْلِهِ.
إِنَّهَا أَصْغَرُ البُذُورِ كُلِّهَا، وحينَ تَنْمُو تَكُونُ أَكْبَرَ البُقُول، وتُصْبِحُ شَجَرَةً حَتَّى إِنَّ طُيُورَ السَّمَاءِ تَأْتِي فَتُعَشِّشُ في أَغْصَانِها».
وكَلَّمَهُم بِمَثَلٍ آخَر: «يُشْبِهُ مَلَكُوتُ السَّمَاوَاتِ خَمِيرَةً أَخَذَتْهَا ٱمْرَأَة، وخَبَّأَتْهَا في ثَلاثَةِ أَكْيَالٍ مِنَ الدَّقِيق، حَتَّى ٱخْتَمَرَ كُلُّهُ».
هذَا كُلُّهُ قَالَهُ يَسُوعُ لِلْجُمُوعِ بِأَمْثَال، وبِدُونِ مَثَلٍ لَمْ يَكُنْ يُكَلِّمُهُم بِشَيء،
فَتَمَّ مَا قِيْلَ بِالنَّبِيّ: «سَأَفْتَحُ فَمِي بِالأَمْثَال، وأُحَدِّثُ بِمَا كانَ مَخْفِيًّا مُنْذُ إِنْشَاءِ العَالَم».

القدّيس يوحنّا الذهبيّ الفم (نحو 345 - 407)، بطريرك أنطاكية ثمّ القسطنطينيّة وملفان الكنيسة، عظات عن إنجيل القدّيس متّى
مثل الخميرة

 

ثمّ قدّم لهم الربّ مَثَل الخميرة وكأنّي به يقول لهم:.. كما توصل الخميرة قوّتها إلى الدقيق، هكذا أنتم أيضًا ستحوّلون العالم كلّه... لا تعترضوا على طرحي قائلين: ماذا يمكننا أن نفعل، ونحن لسنا سوى اثنيّ عشر شخصًا، مرميّين وسط حشد كبير من الناس؟ إنّ هذا الأمر بالتحديد هو ما سوف يُظهِر بريق قوّتكم، وهو أنّكم ستواجهون هذه الأعداد الوفيرة بدون تراجع... إنّه الرّب يسوع المسيح وحده الذي يعطي للخميرة قوّتها: لقد خلط مَن لديهم إيمان به مع الجموع، لكي ننقل إلى بعضنا البعض معرفتنا. إذًا، يجب علينا ألاّ ننتقد عدد الرسل القليل، لأنّ قوّة الرسالة كبيرة؛ وعندما يتخمّر العجين، يصبح بدوره خميرة للبقيّة.
لكن إن أقام اثنا عشر شخصًا الأرض كلّها، كم نحن إذًا سيّئون، نحن الذين بالرغم من عددنا الكبير، لا نتوصّل إلى جعل الذين من حولنا يرتدّون، في حين أنّ عددًا مماثلاً كان كافيًا ليكون الخميرة لآلاف الأشخاص!... لكنّ هؤلاء الاثني عشر، كما تقولون، كانوا الرسل!... وماذا يعني ذلك؟ ألم يكونوا في نفس ظروفنا؟ ألم يسكنوا المدن؟ ألم يشاركونا مصيرنا؟ ألم يمارسوا المهن؟ هل كانوا إذًا ملائكة نازلة من السماء؟ تقولون إنّهم قاموا بالعجائب؟ لكنّنا لا نقدّرهم لهذا السبب. إلى متى نتكلّم عن عجائبهم لنخبّئ كسلنا؟... إذًا، من أين تأتي عَظَمَة الرسل؟... من كرههم للثروات، من احتقارهم للمجد... إنّها طريقة الحياة التي تعطي البريق الحقيقي، والتي تُنزِلُ نعمة الروح.
 
 
8.6.7-   السبت من الأسبوع  السادس بعد عيد الصليب   -     إنجيل القدّيس متّى 43-36:13   
 
    إنجيل القدّيس متّى 43-36:13
 
تَرَكَ يَسُوعُ الجُمُوعَ وَأَتَى إِلى البَيْت، فَدَنَا مِنْهُ تَلامِيْذُهُ وقَالُوا لَهُ: «فَسِّرْ لَنَا مَثَلَ زُؤَانِ الحَقْل».
فَأَجَابَ وقَال: «زَارِعُ الزَّرْعِ الجَيِّدِ هُوَ ٱبْنُ الإِنْسَان،
والحَقْلُ هُوَ العَالَم، والزَّرْعُ الجَيِّدُ هُم أَبْنَاءُ المَلَكُوت، والزُّؤَانُ هُم بَنُو الشِّرِّير،
والعَدُوُّ الَّذي زَرَعَ الزُّؤَانَ هُوَ إِبْلِيس، والحِصَادُ هُوَ نِهَايَةُ العَالَم، والحَصَّادُونَ هُمُ المَلائِكَة.
فكَمَا يُجْمَعُ الزُّؤَانُ ويُحْرَقُ بِالنَّار، كَذلِكَ يَكُونُ في نِهَايَةِ العَالَم.
يُرْسِلُ ٱبْنُ الإِنْسَانِ مَلائِكَتَهُ، فَيَجْمَعُونَ مِنْ مَمْلَكَتِهِ كُلَّ الشُّكُوكِ وفَاعِلي الإِثْم،
ويُلقُونَهُم في أَتُّونِ النَّار. هُنَاكَ يَكُونُ البُكَاءُ وصَرِيْفُ الأَسْنَان.
حينَئِذٍ يَسْطَعُ الأَبْرَارُ كالشَّمْسِ في مَلَكُوتِ أَبِيْهِم. مَنْ لَهُ أُذُنَانِ فَلْيَسْمَع!

عظة منسوبة للقدّيس مقاريوس (؟ - 405)، راهب مصريّ، عظات روحيّة، العظة رقم 51
«إنّ إنسانًا عدوًّا فعل هذا»

 

أكتب إليكم، إخوتي الأحبّاء، لكي تعلموا أنّه منذ اليوم الذي خُلق فيه آدم وحتّى نهاية العالم، أوتيَ الشرير أن يحارب القدّيسين بدون كلل (راجع رؤ 13: 7)... ومع ذلك، قليلون هم الذين يدركون أنّ مُدَمّر النفوس يسكن أجسادهم، وهو قريبًا جدًّا من نفسهم. يقعون في محنة وما من أحد على الأرض ليؤاسيَهم. لذلك ينظرون إلى السماء حيث يوجّهون انتظاراتهم، لكي يحصلوا من هناك على شيء ما في داخلهم. ومن خلال هذه القوّة، وبفضل درع الروح (راجع أف 6: 13)، سينتصرون. فمن السماء، في الواقع، يحصلون على قوّة تبقى محجوبة عن عيون الجسد. طالما هم يبحثون عن الله من كلّ قلبهم، فإنّ قوّة الله تأتي سرًّا لمساعدتهم في أيّ وقت... فلأنّهم يلمسون ضعفهم بإصبعهم، ولأنّهم يعجزون عن الانتصار، لذلك يطلبون بشغف درع الله، وإذ هم مَكسوّون هكذا بتجهيزات الرُّوح للصراع، فإنّهم ينتصرون...
اعلموا إذًا، يا إخوتي الأحبّاء، أنّ كلّ الذين حضّروا نفسهم لتصبح أرضًا طيّبة للزرع السماويّ، يسرع الشرير ليزرع فيهم زؤانه... واعلموا أيضًا أنّ من لا يبحث عن الربّ من كلّ قلبه، لا يجرّبه إبليس بشكل علنيّ، بل بالخفاء من خلال الحيَل التي يحاول بواسطتها إبعاده عن الله.
لكن الآن، إخوتي، تشجّعوا ولا تخافوا شيئًا. لا تدعوا تخيّلات الشرير تخيفكم. في الصلاة، لا تدخلوا في صراع غامض بإطلاق صرخات غير مناسبة، بل اقبلوا نعمة الربّ بالتوبة والندامة... تشجّعوا، واهدأوا، واصمدوا، واقلقوا على أنفسكم وواظبوا على الصلاة... لأنّ الذين يبحثون حقيقةً عن الله، يحصلون في نفسهم على قوّة إلهيّة، وإذ يحصلون على هذه المسحة السماويّة، سيشعرون جميعهم في داخلهم بطَعم العالم الآتي وعذوبته. فليرافقكم سلام الربّ، ذلك السلام الذي رافق جميع الآباء القدّيسين وحماهم من كلّ تجربة.
 
 
8.7.1-    الأحد السابع بعد عيد الصليب: دينونة الأمم     -     إنجيل القدّيس متّى 46-31:25   
 
    إنجيل القدّيس متّى 46-31:25
 
قالَ الربُّ يَسوع: «مَتَى جَاءَ ٱبْنُ الإِنْسَانِ في مَجْدِهِ، وجَمِيعُ المَلائِكَةِ مَعَهُ، يَجْلِسُ على عَرْشِ مَجْدِهِ.
وتُجْمَعُ لَدَيْهِ جَمِيعُ الأُمَم، فَيُمَيِّزُ بَعْضَهُم مِنْ بَعْض، كَمَا يُمَيِّزُ الرَّاعِي الخِرَافَ مِنَ الجِدَاء.
ويُقِيمُ الخِرَافَ عَنْ يَمِينِهِ وَالجِدَاءَ عَنْ شِمَالِهِ.
حِينَئِذٍ يَقُولُ المَلِكُ لِلَّذينَ عَنْ يَمِينِهِ: تَعَالَوا، يَا مُبَارَكي أَبي، رِثُوا المَلَكُوتَ المُعَدَّ لَكُم مُنْذُ إِنْشَاءِ العَالَم؛
لأَنِّي جُعْتُ فَأَطْعَمْتُمُونِي، وعَطِشْتُ فَسَقَيْتُمُونِي، وكُنْتُ غَريبًا فَآوَيْتُمُوني،
وعُرْيَانًا فَكَسَوْتُمُوني، ومَريضًا فَزُرْتُمُونِي، ومَحْبُوسًا فَأَتَيْتُم إِليّ.
حِينَئِذٍ يُجِيبُهُ الأَبْرَارُ قَائِلين: يَا رَبّ، مَتَى رَأَيْنَاكَ جَائِعًا فَأَطْعَمْنَاك، أَو عَطْشَانَ فَسَقَيْنَاك؟
ومَتَى رَأَيْنَاكَ غَريبًا فَآوَيْنَاك، أَو عُرْيَانًا فَكَسَوْنَاك؟
ومَتَى رَأَيْنَاكَ مَريضًا أَو مَحْبُوسًا فَأَتَيْنَا إِلَيْك؟
فَيُجِيبُ المَلِكُ ويَقُولُ لَهُم: أَلحَقَّ أَقُولُ لَكُم: كُلُّ مَا عَمِلْتُمُوهُ لأَحَدِ إِخْوَتِي هؤُلاءِ الصِّغَار، فَلِي عَمِلْتُمُوه!
ثُمَّ يَقُولُ لِلَّذينَ عَنْ شِمَالِهِ: إِذْهَبُوا عَنِّي، يَا مَلاعِين، إِلى النَّارِ الأَبَدِيَّةِ المُعَدَّةِ لإِبْلِيسَ وجُنُودِهِ؛
لأَنِّي جُعْتُ فَمَا أَطْعَمْتُمُونِي، وعَطِشْتُ فَمَا سَقَيْتُمُوني،
وكُنْتُ غَريبًا فَمَا آوَيْتُمُونِي، وعُرْيَانًا فَمَا كَسَوْتُمُونِي، ومَرِيضًا ومَحْبُوسًا فَمَا زُرْتُمُونِي!
حِينَئِذٍ يُجِيبُهُ هؤُلاءِ أَيْضًا قَائِلين: يَا رَبّ، مَتَى رَأَيْنَاكَ جاَئِعًا أَوْ عَطْشَانَ أَوْ غَرِيبًا أَو مَريضًا أَو مَحْبُوسًا ومَا خَدَمْنَاك؟
حِينَئِذٍ يُجِيبُهُم قِائِلاً: أَلحَقَّ أَقُولُ لَكُم: كُلُّ مَا لَمْ تَعْمَلُوهُ لأَحَدِ هؤُلاءِ الصِّغَار، فلِي لَمْ تَعْمَلُوه.
ويَذْهَبُ هؤُلاءِ إِلى العَذَابِ الأَبَدِيّ، والأَبْرَارُ إِلى الحَيَاةِ الأَبَدِيَّة».

القدّيس يوحنّا الثالث والعشرون (1881 - 1963)، بابا روما، صلاة تكريم للرّب يسوع الملك
«وَبَعْدَ ذلِكَ النِّهَايَةُ، مَتَى سَلَّمَ المَسيح الْمُلْكَ للهِ الآبِ» (1كور 15: 24)

 

يا ربّي يسوع، مَلِك البشر والأجيال، تقبّل ولاء العبادة والتسبيح الذي نرفعه إليك بتواضع، نحن إخوتك بالتبنيّ. أنت "خُبزُ اللهِ الَّذي يَنزِلُ مِنَ السَّماء وَيُعطي الحَياةَ العالَم" (يو 6: 33)، في الوقت عينه أنت عظيم الكهنة والتّقدِمة. لقد بذلت نفسك على الصليب لفداء الجنس البشريّ، واليوم، بأيدي خدّامك، تقدّم نفسك كلّ يوم على المذابح من أجل أن تنشئ في كلّ قلب "مملكة حياة وقداسة، ونعمة وعدل، ومحبّة وسلام".
ليأتِ مَلكُوتك يا مَلك المجد! (راجع مز 24[23]) من أعلى "عرش نعمتك" (راجع عب 4: 16)، املُكْ على قلب أبنائك، لكي ما يَحفظوا دون عيب زنبقة البراءة الطاهرة؛ املُك على قلب الشباب لكي يكبروا أصحّاء وأنقياء، مطيعين لأولئك الذين يمثّلونك في الأسرة والمدرسة، وفي الكنيسة. املُك على المنزل العائليّ لكي يعيش الأهل والأولاد بِوئام في مراعاة شريعتك المقدّسة. املُك على وطننا حتّى يشعر جميع المواطنين، في النظام والتفاهم بين كافّة الطبقات الاجتماعية، أنّهم أبناء الآب السماويّ الواحد، مدعوّون للتعاون لأجل الخير العامّ الزمنيّ، فرحين بالانتماء إلى الجسد السرّيّ الواحد الذي سرّك هو في آنٍ واحد رمزه ونبعه الذي لا ينضب!
املُك أخيرًا، يا "ملك الملوك، يا إله الآلهة، وربّ الأرباب" (راجع رؤ 19: 16؛ تث10: 17)، على جميع أمم الأرض، ونوّر المسؤولين عن كلّ أمّة بحيث يغذّون، بعد أن يكونوا قد استوحوا من مثالك، "أَفْكَارَ سَلاَمٍ لا شَرّ" (إر 11:29). اجعل جميع الشعوب تخدمَك بكلّ حرّيّة، يا ربي يسوع السّاكن في الإفخارستيّة، واعيةً أنّ "خدمة الله هي المُلك".
 
 
8.7.2-    الاثنين من الأسبوع السابع بعد عيد الصليب   -     إنجيل القدّيس متّى 46-44:13    
 
    إنجيل القدّيس متّى 46-44:13
 
قالَ الربُّ يَسوع: «يُشْبِهُ مَلَكُوتُ السَّمَاواتِ كَنْزًا مُخْفًى في حَقْل، وَجَدَهُ رَجُلٌ فَخَبَّأَهُ، ومِنْ فَرَحِهِ مَضَى وبَاعَ كُلَّ مَا لَهُ وٱشْتَرَى ذلِكَ الحَقْل.
وأَيْضًا يُشْبِهُ مَلَكُوتُ السَّمَاوَاتِ رَجُلاً تَاجِرًا يَبْحَثُ عَنْ لآلِئَ كرِيْمَة.
ومَا إِنْ وجَدَ لُؤْلُؤَةً ثَمِيْنَةً جِدًّا حَتَّى مَضَى فَبَاعَ كُلَّ مَا لَهُ وٱشْتَراهَا.

القدّيس باسيليوس (نحو 330 - 379)، راهب وأسقف قيصريّة قبّدوقية، ملفان الكنيسة، قواعد رهبانيّة كبيرة، § 8
«مضى وباعَ جَميعَ ما يَملِك»

 

لقد أصرّ ربّنا يسوع المسيح غالبًا وبشدّة قائلاً: "مَن أَرادَ أَن يَتبَعَني، فَلْيَزْهَدْ في نَفْسِه ويَحمِلْ صليبَه ويَتبَعْني" (مت 16: 24)... وفي مكانٍ آخر: " إِذا أَرَدتَ أَن تكونَ كامِلاً، فاذْهَبْ وبعْ أَموالَكَ وأَعْطِها لِلفُقَراء... " ليُضيف بعدها: "وتَعالَ فاتبَعْني" (مت 19: 21).
لمن يعرف أن يفهم، إنّ مَثَل التاجر يعني نفس الشيء: " مَثَلُ ملكوتِ السَّمَوات كمَثَلِ تاجِرٍ كانَ يطلُبُ اللُّؤلُؤَ الكريم، فَوجَدَ لُؤلُؤةً ثَمينة، فمضى وباعَ جَميعَ ما يَملِك واشتَراها". إنّ اللؤلؤة الثمينة تشير هنا طبعًا إلى ملكوت السماوات، والربّ يُظهر لنا أنّه من المستحيل أن نناله، إلّا إذا تخلّينا عن كلّ ما نملك: الثروة والشُهرة والنُبل الموروث وكلّ ما يسعى إليه الآخرون بطمع.
لقد أعلن الربّ أيضًا أنّه من المستحيل أن نهتمّ بطريقة مناسبة بما نفعله عندما تكون نفسنا منشغلة بأمور مختلفة، فقد قال: "ما مِن أَحَدٍ يَستَطيعُ أَن يَعمَلَ لِسَيِّدَيْن" (مت 6: 24). لهذا السبب، "الكنز الّذي هو في السماوات" (راجع مت 6: 20) هو الوحيد الّذي يجب أن نختاره لنعلّق قلبنا فيه: إذ "حَيثُ يكونُ كَنزُكَ يكونُ قلبُكَ" (مت 6: 21)... باختصار، علينا أن ننقل قلبنا إلى حياة السماء، لكي نستطيع أن نقول: " أَماَّ نَحنُ فمَوطِنُنا في السَّمَوات" (في 3: 20). علينا خاصّة البدء بأن نصبح مشابهين للرّب يسوع المسيح، "الّذي افتقر لأجلنا وهو الغنيّ" (راجع 2كور 8: 9).
 
 
8.7.3-    الثلاثاء من الأسبوع السابع بعد عيد الصليب   -     إنجيل القدّيس متّى 53-47:13    
 
    إنجيل القدّيس متّى 53-47:13
 
قالَ الربُّ يَسوع: «يُشْبِهُ مَلَكُوتُ السَّمَاوَاتِ شَبَكَةً أُلْقِيَتْ في البَحْر، فَجَمَعَتْ سَمَكاً مِنْ كُلِّ نَوْع.
ولَمَّا ٱمْتَلأَتْ أَخْرَجَهَا الصَّيَّادُونَ إِلى الشَّاطِئ، وجَلَسُوا فَجَمَعُوا الجَيِّدَ في سِلال، وطَرَحُوا الرَّدِيءَ إِلى الخَارِج.
هكَذَا يَكُونُ في نِهَايَةِ العَالَم: يَخْرُجُ المَلائِكَةُ فَيُمَيِّزُونَ الأَشْرَارَ مِن بَينِ الأَبْرَار،
ويُلْقُونَهُم في أَتُّونِ النَّار. هُنَاكَ يَكُونُ البُكَاءُ وصَرِيْفُ الأَسْنَان.
أَفَهِمْتُم هذَا كُلَّهُ؟». قَالُوا لَهُ: «نَعَم!».
فَقَالَ لَهُم: «لِذلِكَ كُلُّ كَاتِبٍ تَتَلْمَذَ لِمَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ يُشْبِهُ رَجُلاً رَبَّ بَيْتٍ يُخْرِجُ مِنْ كَنْزِهِ الجَدِيْدَ والقَديم».
ولَمَّا أَتَمَّ يَسُوعُ هذِهِ الأَمْثَال، ٱنْتَقَلَ مِنْ هُنَاك.

القدّيس أوغسطينُس (354 - 430)، أسقف هيبّونا (إفريقيا الشماليّة) وملفان الكنيسة، الإيمان والأعمال، 3-5
«مَثَلُ ملكوتِ السَّمَواتِ، كَمَثلِ شَبَكةٍ أُلقِيَت في البَحر، فجَمعَت مِن كُلِّ جِنْس»

 

كان ربّنا مثالاً لا يُقارن للصبر: لقد تحمّل وجود "شيطانٍ" بين تلاميذه حتّى آلامه (راجع يو 6: 70). لقد قال: "...مَخافةَ أَن تَقلَعوا ٱلقَمحَ وَأَنتُم تَجمَعونَ ٱلزُّؤان، دَعوهُما يَنبُتانِ مَعًا إِلى يَومِ ٱلحَصاد" (مت 13: 29-30). أعلن مسبقًا أنّ الشبكة، الّتي ترمز إلى الكنيسة، ستُرجِع إلى الضفّة، أي إلى نهاية العالم، جميع أنواع الأسماك، الجيّدة والسيّئة. لقد أفهمنا، بواسطة طرق أخرى عدّة، إمّا علنًا أو بواسطة الأمثال، أنّه سيكون هنالك دائمًا خليطٌ من الأبرار والأشرار. لكنّه أكّد أنّه يجب السهر على نظام الكنيسة عندما قال: "إذا خطئ أخوكَ، فاذهبْ إليه وانفردْ به ووبّخْه. فإذا سمعَ لكَ، فقد ربحتَ أخاك" (مت 18: 15).
لكنّنا نرى اليوم أناسًا لا يأخذون بعين الاعتبار سوى المبادئ القاسية، ويأمرون بقمع المشاغبين، وبعدم "إعطاء الكلاب ما هو مقدّس"، "وبالتعامل مثل العشّار" مع ذاك الّذي يحتقر الكنيسة، وببتر العضو الذي يشكّل حجر عثرة من الجسد (راجع مت 7: 6؛ 18: 17؛ 5: 30). حماسهم المفرطة تربك الكنيسة إلى حدّ أنّهم يريدون اقتلاع الزؤان قبل الأوان، وعماهم يجعلهم أعداء وحدة الرّب يسوع المسيح...
فلنحذر من السماح لهذه الأفكار الوقحة بالدخول إلى قلبنا، ومن محاولة الابتعاد عن الخطأة لئلاّ نتدنّس نتيجة التقرّب منهم، ومن محاولة تشكيل قطيع من التلاميذ الأنقياء والقدّيسين. هذا سيؤدّي إلى وضع حدّ للوحدة بحجّة عدم معاشرة الأشرار. على العكس، فلنتذكّر أمثلة الكتاب المقدّس، وكلامه الموحى، وأمثاله الواضحة، حيث يظهر لنا أنّ الأشرار سيبقون دائمًا مختلطين مع الأخيار في الكنيسة، حتّى نهاية العالم ويوم الدينونة، بدون أن تكون مشاركتهم بالأسرار مسيئة للأخيار، طالما لم يشارك هؤلاء بخطاياهم.
 
 
8.7.4-    الأربعاء من الأسبوع السابع بعد عيد الصليب    -     إنجيل القدّيس متّى 35-23:18  
 
  إنجيل القدّيس متّى 35-23:18
 
قالَ الرَبُّ يَسوع: «يُشْبِهُ مَلَكُوتُ السَّمَاوَاتِ مَلِكًا أَرَادَ أَنْ يُحَاسِبَ عَبِيدَهُ.
وبَدَأَ يُحَاسِبُهُم، فَأُحْضِرَ إِلَيْهِ وَاحِدٌ مَدْيُونٌ لَهُ بِسِتِّينَ مَلْيُونَ دِيْنَار.
وإِذْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَا يُوفِي بِهِ دَيْنَهُ، أَمَرَ سَيِّدُهُ بِأَنْ يُبَاعَ هُوَ وزَوْجَتُهُ وأَوْلادُهُ وكُلُّ مَا يَمْلِكُ لِيُوفِيَ الدَّيْن.
فَوَقَعَ ذلِكَ العَبْدُ سَاجِدًا لَهُ وقَال: أَمْهِلْنِي، يَا سَيِّدِي، وأَنَا أُوفِيكَ الدَّيْنَ كُلَّهُ.
فَتَحَنَّنَ سَيِّدُ ذلِكَ العَبْدِ وأَطْلَقَهُ وأَعْفَاهُ مِنَ الدَّيْن.
وخَرَجَ ذلِكَ العَبْدُ فَوَجَدَ وَاحِدًا مِنْ رِفَاقِهِ مَدْيُونًا لَهُ بِمِئَةِ دِيْنَار، فَقَبَضَ عَلَيْهِ وأَخَذَ يَخْنُقُهُ قَائِلاً: أَوْفِنِي كُلَّ مَا لِي عَلَيْك.
فَوَقَعَ رَفِيْقُهُ عَلى رِجْلَيْهِ يَتَوَسَّلُ إِليْهِ ويَقُول: أَمْهِلْنِي، وأَنَا أُوفِيْك.
فَأَبَى ومَضَى بِهِ وطَرَحَهُ في السِّجْن، حَتَّى يُوفِيَ دَيْنَهُ.
ورَأَى رِفَاقُهُ مَا جَرَى فَحَزِنُوا حُزْنًا شَدِيْدًا، وذَهَبُوا فَأَخْبَرُوا سَيِّدَهُم بِكُلِّ مَا جَرى.
حِينَئِذٍ دَعَاهُ سَيِّدُهُ وقَالَ لَهُ: أَيُّهَا العَبْدُ الشِّرِّير، لَقَدْ أَعْفَيْتُكَ مِنْ كُلِّ ذلِكَ الدَّيْن، لأَنَّكَ تَوَسَّلْتَ إِليَّ.
أَمَا كَانَ عَلَيْكَ أَنْتَ أَيْضًا أَنْ تَرْحَمَ رَفيقَكَ كَمَا رَحِمْتُكَ أَنا؟!
وغَضِبَ سَيِّدُهُ فَسَلَّمَهُ إِلى الجَلاَّدين، حَتَّى يُوفِيَ كُلَّ مَا عَلَيْه.
هكَذَا يَفْعَلُ بِكُم أَيْضًا أَبي السَّمَاوِيّ، إِنْ لَمْ تَغْفِرُوا، كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُم لأَخِيْه، مِنْ كُلِّ قُلُوبِكُم».

القدّيس يوحنّا الذهبيّ الفم (نحو 345 - 407)، بطريرك أنطاكية ثمّ القسطنطينيّة وملفان الكنيسة، عظات حول إنجيل القدّيس متّى، 61
«فَوَقَعَ رَفِيْقُهُ عَلى رِجْلَيْهِ يَتَوَسَّلُ إِليْهِ ويَقُول: أَمْهِلْنِي، وأَنَا أُوفِيْك»

 

إنّ الرّب يسوع المسيح يطلب منّا أمرين: أن ندين خطيئتنا وأن نغفر للآخرين خطاياهم، وأن نعمل الأمر الأوّل من أجل الأمر الثاني الذي يصبح أسهل بهذه الحال، لأنّه عندما نفكّر في خطايانا، سوف نكون أقل قسوة تجاه إخوتنا الذين يشاركوننا شقاء الخطيئة عينه. والغفران المطلوب منّا ليس غفرانًا كلاميًّا إنّما غفرانًا حقيقيًّا من أعماق قلبنا لكيلا يتحوّل نحو صدرنا الرّمح الذي يخيّل لنا إنّنا نوجّهه إلى الآخرين. أيُّ شرّ يمكن لعدوك أن يفعله لك مقارنة مع ما تفعله أنت لنفسك بسبب خشونتك؟
تأمّلوا إذًا كم سنجني من الفوائد من خلال جرح نتحمّله بتواضع وبشاشة. سوف ننال أوّلاً، وهذا الأهم، مغفرة خطايانا. وسوف نتمرّن على الصبر والشجاعة. كما سوف نكتسب الوداعة والمحبّة لأن الذي يستطيع أن يلجم غضبه تجاه مَن سبّبوا له الحزن سوف يكون أكثر محبّة تجاه مَن يحبّونه. وفي مرحلة لاحقة، سوف تقتلعون الغضب من قلبك وهو خير لا مثيل له. إنّ الذي يخلّص نفسه من الغضب، فهو يخلّصها بدون شكّ من الحزن: فهو لن يمضي حياته في أحزانٍ وفي قلق لا طائل منه. هكذا، فإننّا نعاقب أنفسنا بِكُرهِنا للآخرين، وبالعكس كذلك فإننا نأتي بالخير لأنفسنا بحُبِّنا لهم. أضِفْ إلى ذلك أنّ الجميع سوف يُجِلّونكم حتّى الأعداء منهم وإن كانوا شياطين. والأفضل من ذلك إنّه لن يعود لديك أعداء إذا تصرّفت بهذا الشكل...
 
 
8.7.6-    يوم الجمعة من الأسبوع السابع بعد عيد الصليب     -     إنجيل القدّيس متّى 32-28:21   
 
    إنجيل القدّيس متّى 32-28:21
 
قالَ الرَبُّ يَسوع لِلأَحبارِ وشُيوُخِ الشَعب: «كَانَ لِرَجُلٍ ولَدَان. فَدَنَا مِنَ الأَوَّلِ وقَال: يَا وَلَدِي، إِذْهَبِ ٱليَومَ وَٱعْمَلْ في الكَرْم.
فَأَجَابَ وقَال: لا أُرِيْد! وبَعْدَ ذلِكَ نَدِمَ وذَهَب.
ثُمَّ دَنَا مِنَ الثَّاني، وقَالَ لَهُ مَا قَالَ لِلأَوَّل. فَأَجَابَ وقَال: أَنَا ذَاهِب، سَيِّدِي! ولَمْ يَذْهَب.
فَأَيُّ الٱثْنَيْنِ عَمِلَ مَشِيْئَةَ الأَب؟». قَالُوا: «أَلأَوَّل». قَالَ لَهُم يَسُوع: «أَلحَقَّ أَقُولُ لَكُم: إِنَّ العَشَّارِيْنَ والزَّوَانِي يَسْبِقُونَكُم إِلى مَلَكُوتِ الله.
فقَدْ جَاءَكُم يُوحَنَّا يَسْلُكُ طَرِيقَ البِرّ، ولَمْ تُؤْمِنُوا بِهِ. أَمَّا العَشَّارُونَ والزَّوَانِي فَآمَنُوا بِهِ. وأَنْتُم رَأَيْتُم ذلِكَ ولَمْ تَنْدَمُوا ولَو مُتَأَخِّرِين، لِتُؤْمِنُوا بِهِ.

الطوباويّ غيريك ديغني (حوالى 1080 - 1157)، راهب سِستِرسياني، العظة الأولى عن يوحنّا المعمدان
«فَقَد جاءَكُم يوحَنَّا سالِكًا طريقَ البِرّ... فكانَ السِّراجَ المُوقَدَ المُنير(يو 5: 35)»

 

يبعث هذا السراج الذي ينير العالم فرحًا جديدًا في نفسي، فقد عرفت بفضله "النور الذي يشرق في الظلمات ولم تدركه الظلمات (يو 1: 5). يمكننا أن نُعجب بك، يا يوحنّا، أنتَ يا أكبر القدّيسين؛ ولكن من المستحيل أن نقتدي بقداستك. بما أنّك تسرع في تهيئة شعب مثالي للربّ، شعب يضمّ جباة الضرائب والخطأة، فمن الضروري أن تتوجّه إليهم عبر طريقة يمكنكم فهمها، لا عبر حياتك. اقترح عليهم نموذج كمال غير مرتكز على نمط حياتك، بل متكيّف مع الضعف البشري.
"فأثمروا إذًا ثمرًا يدلّ على توبتكم" (مت 3: 8). أمّا نحن يا إخوتي، فإنّنا نمجّد أنفسنا بالكلام أكثر منه بالعمل. أمّا يوحنا الذي عاش حياة أروع ممّا يمكن أن يفهمه البشر، فقد عدّل لغته لتتناسب مع ذكائهم وقال: "اثمروا ثمرًا يدلّ على توبتكم!"، ها أنا أكلّمكم حسب طريقة البشر بسبب ضعف الجسد. إن كنتم ما تزالون عاجزين عن فعل الخير بالملء، فليكن في داخلكم على الأقلّ توبة حقيقية عن الشرّ. إن كنتم ما تزالون عاجزين عن إنتاج ثمار العدالة المثاليّة، فليكن كمالكم الآن مقتصرًا على إنتاج ثمار
 
 
8.7.7-    السبت من الأسبوع السابع بعد عيد الصليب   -     إنجيل القدّيس متّى 46-33:21    
 
    إنجيل القدّيس متّى 46-33:21
 
قالَ الرَبُّ يَسوع لِلأَحبارِ وشُيوُخِ الشَعب: «إِسْمَعُوا مَثَلاً آخَر: كَانَ رَجُلٌ رَبَّ بَيت. فَغَرَسَ كَرْمًا، وسَيَّجَهُ، وحَفَرَ فيهِ مَعْصَرَة، وبَنَى بُرجًا، ثُمَّ أَجَّرَهُ إِلى كَرَّامِين، وسَافَر.
ولَمَّا ٱقْتَرَبَ وَقْتُ الثَّمَر، أَرْسَلَ عَبِيْدَهُ إِلى الكَرَّامِيْن، لِيَأْتُوهُ بِثَمَرِهِ.
وقَبَضَ الكَرَّامُونَ على عَبِيدِهِ فَضَرَبُوا بَعْضًا، وقَتَلُوا بَعْضًا، ورَجَمُوا بَعْضًا.
وعَادَ رَبُّ الكَرْمِ فَأَرْسَلَ عَبِيدًا آخَرِينَ أَكْثَرَ مِنَ الأَوَّلِين، فَفَعَلُوا بِهِم مَا فَعَلُوهُ بِالأَوَّلِين.
وفي آخِرِ الأَمْرِ أَرْسَلَ إِلَيْهِم رَبُّ الكَرْمِ ٱبْنَهُ قَائِلاً: سَيَهَابُونَ ٱبْنِي!
ورَأَى الكَرَّامُونَ الٱبْنَ فَقَالُوا فيمَا بَينَهُم: هذَا هُوَ الوَارِث! تَعَالَوا نَقْتُلُهُ، ونَسْتَولي على مِيرَاثِهِ.
فَقَبَضُوا عَلَيه، وأَخْرَجُوهُ مِنَ الكَرْم، وقَتَلُوه.
فَمَتَى جَاءَ رَبُّ الكَرْم، مَاذَا يَفْعَلُ بِأُولئِكَ الكَرَّامِين؟».
قَالُوا لَهُ: «إِنَّهُ سَيُهْلِكُ أُولئِكَ الأَشْرَارَ شَرَّ هَلاك. ثُمَّ يُؤَجِّرُ الكَرْمَ إِلى كَرَّامِينَ آخَرِينَ يُؤَدُّونَ إِلَيهِ الثَّمَرَ في أَوانِهِ».
قَالَ لَهُم يَسُوع: «أَمَا قَرَأْتُم في الكِتَاب: أَلحَجَرُ الَّذي رَذَلَهُ البَنَّاؤُونَ هُوَ صَارَ رَأْسَ الزَّاوِيَة، مِنْ لَدُنِ الرَّبِّ كَانَ هذَا، وهُوَ عَجِيبٌ في عُيُونِنَا؟
لِذلِكَ أَقُولُ لَكُم: إِنَّ مَلَكُوتَ اللهِ يُنْزَعُ مِنْكُم، ويُعْطَى لأُمَّةٍ تُثْمِرُ ثَمَرَهُ.
فَمَنْ وَقَعَ عَلى هذَا الحَجَرِ تَهَشَّم، ومَنْ وَقَعَ الحَجَرُ عَلَيهِ سَحَقَهُ».
ولَمَّا سَمِعَ الأَحْبَارُ والفَرِّيسِيُّونَ أَمْثَالَ يَسُوع، أَدْرَكُوا أَنَّهُ كَانَ يَعْنِيهِم بِكَلامِهِ.
فَحَاوَلُوا أَنْ يُمْسِكُوه، ولكِنَّهُم خَافُوا مِنَ الجُمُوعِ الَّذينَ كَانُوا يَعْتَبِرونَهُ نَبِيًّا.

القدّيس بونافَنتورا (1221 - 1274)، راهب فرنسيسيّ وملفان الكنيسة، الكرمة السّرّيّة، الفصل 3، الفقرات 5 - 10
«فأَمسَكوهُ وأَلقَوهُ في خارِجِ الكَرْمِ وقتَلوه»

 

قال الربّ يسوع: "أَنا الكَرمَةُ الحَقّ" (يو 15: 1)... نحفر خنادق حول هذه الكرمة، أي إنّنا نحفر أفخاخًا بالمكر. عندما نتواطأ لإيقاع أحدهم في فخّ، نكون وكأننا نحفر هوّة أمامه.  لذلك هو يشكو من هذا الأمر قائلاً: "نَصَبوا شِباكًا لِخَطَواتي فرَزَحَت نَفسي. حَفَروا أَمامي هوةً..." (مز 57[56]: 7)... هنا مثَال عن هذه الأفخاخ: "فأَتى الكَتَبةُ والفِرِّيسيُّونَ بِامرَأَةٍ أُخِذَت في زنًى" إلى الربّ يسوع، وقالوا له: "قد أَوصانا مُوسى في الشَّريعةِ بِرَجْمِ أَمثالِها، فأَنتَ ماذا تقول؟" (يو 8: 3+5)... وفي مكان آخر: "أَيحِلُّ دَفعُ الجِزيَةِ إِلى قَيصَر أَم لا ؟" (مت 22: 17)...  
غير أنّهم اكتشفوا أنّ هذه الحيل لا تضرّ بالكرمة؛ على العكس، بحفر هذه الهوّات، وقعوا فيها بأنفسهم (راجع مز 57[56]: 7)... لذا، استمرّوا بالحفر: فلم يكتفوا بثقب يديه ورجليه (راجع مز 22[21]: 17)، إنّما طعنوا جنبه بحربة (يو 19: 34)، وكشفوا عن داخل هذا القلب الكليّ القداسة، الذي كان قد جرح بحربة المحبّة. في نشيد الأناشيد، قال العريس: "قد خَلَبتِ قَلْبي يا أُختْيَ العَروس" (نش 4: 9).
أيّها الربّ يسوع، لقد جُرِحَ قلبك بالمحبّة من قبل عروسك، أختك. فلماذا كان يجب على أعدائك أن يجرحوه بعد؟ ماذا تفعلون، أيّها الأعداء؟... ألا تعرفون أنّ قلب الربّ يسوع، الذي سبق أن طُعِنَ، قد ماتَ، وفُتِحَ، ولا يمكن أن يصيبه ألم آخر؟ قلب العريس، الربّ يسوع، قد تلقّى جرح المحبّة وموت المحبّة. أيّ موت آخر يمكن أن يصيبه؟... الشهداء كذلك كانوا يضحكون عندما يُهَدّدون، ويفرحون عندما يُضْرَبون، وينتصرون عندما يُقتَلون. لماذا؟ لأنّهم ماتوا قبلاً بالمحبّة في قلوبهم، ماتوا عن الخطيئة (راجع رو 6: 2) وعن العالم...
لقد جُرِحَ قلب الربّ يسوع إذًا ومات من أجلنا...؛ فقد انتصر الموت الجسدي لفترة، لكن لِيُهزَم إلى الأبد. لقد بُدِّدَ عندما قام الربّ يسوع من بين الأموات، إذ بعد ذلك "لن يكون للموت عليه من سلطان" (رو6: 9).
 
 
 

شهادة القدّيس لوقا: «رَأَيتُ أَنا أَيضًا، وقَد تقَصَّيتُ رواية الأمور جَميعاً مِن أُصولِها، أَن أَكتُبَها لَكَ مُرَتَّبَةً يا تاوفيلُسُ المُكرَّم» (لو 1: 3)

ليس بخفيٍّ على أحد أنّ الأناجيل تحتلّ بحقٍّ بين كلِّ الأسفار المقدّسة، حتّى كتب العهد الجديد، مكانَ الصدارة، إذ إنّها الشهادةُ الرئيسيّةُ على حياة الكلمةِ المتجسّد فادينا وتعليمه. إنَّ الكنيسةَ تمسَّكَتْ وتتمسَّكُ دائمًا وفي كلّ مكان بأنّ الأناجيل الأربعة تتأصَّلُ في الرسل. فما بشَّرَ به الرسل بأمرٍ مِن الرّب يسوع المسيح سَلَّمونا إيّاه، هم وصحبهم، كتابةً، وذلك بنفحة الرُّوح القدس. وهذه الكتابات هي أساس الإيمان، أي الإنجيل الرباعي الشكل، حسب القدّيسين متّى ومرقس ولوقا ويوحنّا.
إنَّ أمَّنا الكنيسة المقدّسة تمسَّكَتْ وتتمسَّكُ بشكلٍ قاطع مُطلق بأنَّ الأناجيل الأربعة الآنفة الذكر، التي تجزِم دون تردّد بتاريخيَّتِها، تحمل إلينا بأمانةٍ كلَّ ما عمله حقًّا الرّب يسوع ابن الله، يوم كان يعيش بين البشر لخلاصِهم الأبدي، وكلَّ ما عمله، إلى ذلك اليوم الذي فيه صَعِدَ إلى السماء (راجع أع 1: 1-2). فالرُّسل، بعد صعود الربّ نقلوا إلى مستمعيهم أقوالَ الرّب يسوع المسيح وأعمالَه، بذلك الفهم المُتكامل الذي توصَّلوا إليه عن طريقِ أعمال الرّب يسوع المسيحِ المجيدة التي درَّبتهم، ونور روح الحقّ الذي علَّمهم.
أمّا المؤلِّفون القدِّيسون فقد كتبوا الأناجيل الأربعة واختاروا بعضَ ما كان يُنقل بغزارةٍ، شفويًّا أو كتابةً، وأَوجزوا البعض الآخر أو فسَّروه مع مراعاة ظروف الكنائس، واحتفظوا أخيرًا بأسلوبِ الكرازة بحيث أنَّهم أعطونا دومًا عن الرّب يسوع ما هو حقٌّ وصادق. ولقد كتبوا بتلك النيَّة، سواء تدفّقت الأمور من ذاكرتهم وذكرياتهم الشخصيّة أو صَدَرَت عن شهادة أولئك الذين "عاينوا بأنفسهم منذ البدء وكانوا خدّامًا للكلمة، لنعرف (حقيقة) الكلام الذي تعلّمناه" (راجع لو 1: 2-4).

 

 
 
فهرس بحسب الرزنامة الطقسية المارونية        -        الانجيل اليومي بحسب التقويم الماروني
زمن الميلاد او المجيء   زمن الغطاس او الدنح   زمن التذكارت   زمن الصوم الكبير   أسبوع الآلام   زمن القيامة والصعود   زمن العنصرة   زمن الصليب
 أسبوع تقديس البيعة
 أسبوع تجديد البيعة
 أسبوع بشارة زكريّا
 أسبوع بشارة العذراء
 أسبوع زيارة العذراء
 أسبوع مولد يوحنّا
 أسبوع البيان ليوسف
 أسبوع النسبة
 عيد ميلاد الربّ يسوع
 عيد تهنئة العذراء مريم
 ألاسبوع الاول من الميلاد
to enlarge
 
 أحد وجود يسوع في الهيكل
 ايام قبل عيد الدنح
 عيد الدنح
 تذكار مديح يوحنّا المعمدان
 الاسبوع الاول  بعد الدنح
 الاسبوع الثاني  بعد الدنح
 الاسبوع الثالث بعد الدنح
 الاسبوع الرابع بعد الدنح
to enlarge
 
 أحد الكهنة الراقدين
 أسبوع الكهنة الراقدين
 أحد الأبرار والصدّيقين
 أسبوع الأبرار والصدّيقين
 أحد الموتى المؤمنين
 أسبوع الموتى المؤمنين
to enlarge
 
 أحد مدخل الصوم الكبير
 اثنين الرماد
 الاسبوع الاول
 الاسبوع الثاني
 الاسبوع الثالث
 الاسبوع الرايع
 الاسبوع الخامس
 الاسبوع السادس
 أحد الشعانين
to enlarge
 
 أحد الشعانين
 بداية اسبوع الآلام
 خميس الأسرار
 يوم الجمعة العظيمة
 سبت النور
 أحد القيامة الكبير
to enlarge
 
 أحد القيامة الكبير
 أسبوع الحواريّين
 الاسبوع الثاني
  الاسبوع الثالث
 الاسبوع الرايع
 الاسبوع الخامس
الاسبوع السادس
 الاسبوع السابع
to enlarge
 
 أحد العنصرة
 الاسبوع الاول
 الاسبوع الثاني
 الاسبوع الثالث
 الاسبوع الرايع
 الاسبوع الخامس
 الاسبوع السادس
 الاسبوع السابع
 الاسبوع الثامن
 الاسبوع التاسع
 الاسبوع العاشر
 الاسبوع الحادي عشر
 الاسبوع الثاني عشر
 الاسبوع الثالث عشر
 الاسبوع الرابع عشر
 الاسبوع الخامس عشر
 الاسبوع السادس عشر
 
 ارتفاع الصليب المقدّس
 الاسبوع الاول
 الاسبوع الثاني
 الاسبوع الثالث
 الاسبوع الرايع
 الاسبوع الخامس
 الاسبوع السادس
 الاسبوع السابع
to enlarge
 
  النصوص مأخوذة من الترجمة الليتُرجيّة المارونيّة - إعداد اللجنة الكتابيّة التابعة للجنة الشؤون الليتورجيّة البطريركيّة المارونيّة (طبعة ثانية – 2007) © pure software code - Since 2003